في رحاب سورة

في رحاب سورة الشعراء – 7 – د. محمد صافي المستغانمي

في رحاب سورة – د. محمد صافي المستغانمي

قناة الشارقة – 1437 هـ – تقديم الإعلامي محمد خلف

في رحاب سورة الشعراء – 7

تفريغ سمر الأرناؤوط – موقع إسلاميات حصريًا

المقدم: بداية المواجهة ما بين نوح وقومه عندما هددوه والآية التي توقفنا عندها‎ ‎قوله تعالى: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ ‏تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) الشعراء، هنا بداية التهديد لنوح عليه السلام من قبل قومه.‏

د. المستغانمي: بعدما دعا نوح عليه السلام قومه وبيّن لهم وأنذرهم وطلب منهم أن يتقوا الله (أَلَا تَتَّقُونَ), ‏‏(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) هم جادلوه (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) لما ‏ما أفلح الجدال معهم ورأوا أن كفّة المحاججة قوية مع نوح عليه السلام هنا لجأوا إلى السلاح الذي يأوي ‏إليه الجبارون وهو سلاح التهديد كما لجأ إليه قوم إبراهيم وكما لجأ إليه فرعون حينما أُفحِم (لَئِنِ اتَّخَذْتَ ‏إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) وهؤلاء قالوا: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ‏‏(116)) نفس الصيغة فرعون قال: (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) وهم قالوا: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ ‏يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116))، القالب اللغوي ذاته ولكن المعنى مختلف، فرعون أراد أن يسجن ‏موسى سجنًا مؤبدًا إلى أن يموت وهنا قال: ( لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) والمرجومين رجم أي رمى بالحجارة ‏كما في المعجم، ولكن الرجم هنا بمعنى القتل، هنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي: لنقتلنك غلبت كلمة ‏الرجم في القتل لكن في المعنى اللغوي الرجم هو الرمي بالحجارة. وقولهم (لَئِنْ) هم يُقسمون (اللام ‏الموطئة للقسم) لم يقولوا: لئن لم تنتهي ولم تتوقف عن دعوتنا لنرجمنّك وإنما قالوا: (لَتَكُونَنَّ مِنَ ‏الْمَرْجُومِينَ) نسق سورة الشعراء (َلتَكُونَنَّ مِنَ) وهذا الخبر أبلغ يعني لست وحدك لأنه كما رجمنا السابقين ‏نرجمك، اعتادوا على هذه القِتلة. فأجابهم نوح قائلًا: (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)) انظر لعظمة الأنبياء، ‏تمهيد للدعاء، هذا أسلوب خبري، عندما يُخبر الله تعالى، الله جل جلاله يعلم والغرض من هذا الكلام ‏الخبري أن يمهد ليدعو عليهم ويتحسّر (قومي كذبون)، لكن انظر إلى عظمة الأنبياء لم يتحدث عن نفسه، ‏هم توعدوه أن يرجموه لم يقل (رب إن قومي يريدون أن يرجموني) لم يتحدث عن ذاته وإنما تحدث عن ‏الدعوة (كذبون)، هو الذي يهمّه تبليغ الدعوة، كذبوني في الدعوة، أخرج حصة ذاته ودافع عن دعوة ‏التوحيد هذا الذي يقوله المفسرون (إن قومي كذبون) تمهيد (فافتح بيني وبينهم) الفتح هنا بمعنى الحكم، ‏لكن أيّ نوع من الحكم؟، حكمًا نهائيًا اِفصل بيني وبينهم وكأنه يقول يا رب أنزل بهم عذابا يستأصلهم، ‏الفتح هنا بمعنى إنزال عقوبة شديدة بدليل ما جاء في سورة نوح (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ‏دَيَّارًا) وفي سورة القمر (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) ‏فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ) (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا) الفتح هنا بمعنى احكم بيني وبينهم حكمًا قاطعًا ‏وأنزل العذاب عليهم (وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) دليل على أنه طلب عذابًا استئصاليًا عذابًا ‏يغرقهم، عذابًا يأخذهم (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فجاء الجواب من ‏الله (فأنجيناه) الفاء الفصيحة التي تطوي كلامًا يُفهم من خلال السياق، أجاب الله دعاءه وأنزل عليهم ‏العذاب بعد ذلك (فأنجيناه) أنجاه بعدما أغرقهم وأمر السماء بالإمطار وأمر الأرض بإخراج العيون، ‏سرعة الإنجاء (فأنجيناه) أما نوح عليه السلام طلب (نجني) ولم يقل أنجني – وإن كان فيها كلام طويل – ‏لكن أنجيناه فيها السرعة، نجّا (فعّل) فيها مبالغة (نجّني والجميع)، أما الله عز وجلّ فقال: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ ‏مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) (نجني ومن معي) لم ينجي نوحًا وبعض المسلمين ‏معه وتخلّف واحد، لا، والأمر ذاته انطبق مع موسى وبني إسرائيل عندما قال: (وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ‏أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)) سنة الله لا تتخلف عندما يؤمن بالأنبياء من يؤمن ينجي الله ‏الأنبياء والرسل ومن آمن معهم أجمعين ويخلّف المشركين الكافرين المتجبرين وينزل عليهم العذاب أيضًا ‏أجمعين، وذكر هذا في الأقوام التالية، سنّة مطّردة مع الجميع.‏

‏(‏‎ ‎فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) الفلك المشحون بمعنى المملوء، الفلك هو سفينة نوح، الفلك كلمة ‏يقصد بها الإفراد والجمع، (في الفلك) في سفينة (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) لم يقل ترى السفينة ماخرة، ‏تأتي بالإفراد وتأتي بالجمع، المشحون دليل على أنه أخذ معه من آمن معه وأخذ من كل زوجين اثنين كما ‏ورد في سورة المؤمنون وسورة هود فامتلأ الفلك وكان مشحونًا بمعنى الكلمة فحفظ الله الإنسانية وأنواع ‏الحيوانات والطيور كما يقول علماء التفسير.‏

‏(يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا ‏بِالْمَرْحَمَةِ (17)) (ثم) حرف عطف يفيد التراخي، هل يقصد به التراخي الزمني أم التراخي الرُتَبي؟ ‏التراخي الزمني أنه جاء بعد فترة، التراخي الرتبي الكلام الذي يُذكر يكون أعظم وأهمّ مما قبله من حيث ‏المرتبة كما في سورة البلد (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) الإيمان له ‏رتبة أعلى مما سبقه (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ‏ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ‏وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17))، الإطعام أم الإيمان أيهما أعلى رتبة؟ (ثمّ) هنا تفيد التراخي الرُتبي.‏

‏(ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) بعض العلماء يقول ترتيب زمني وبعضهم يقول ترتيب رتبي لأن الإغراق هو ‏الذي يهتم البيان القرآني لبيانه لأننا في سورة الإنبياء، ليس معنى ذلك أن إنجاء نوح ليس مهمًا إنما إلحاق ‏العذاب بالمشركين الكافرين 950 سنة أرادت السورة أن تبين إلحاق العذاب بهم فكان مهم جدا (ثُمَّ أَغْرَقْنَا ‏بَعْدُ الْبَاقِينَ).‏

(بعد) ظرف مبني على الضم لأنه منقطع ولو كان مضافًا لقلنا (بعدِهم) الإغراق حدث بعد أن ‏امتلأت الفلك المشحون، تأتي الفاصلة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)) فيما وقع لنوح ‏وقومه كذبوه لفتة طويلة إن في ذلك لعبرة وموعظة يا أيها الناس ويعلّق (وما كان أكثرهم مؤمنين) قضى ‏معهم 950 سنة فما آمن مع نوح إلا قليل وما كان أكثر المشركين بمؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ‏على رغم ما رأوا من القصص وسمعوا من أحداث الأقوام السابقين. ‏

‏(كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) ‏فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)) هذه الآية ‏تكررت يريد القرآن بإعادة نفس اللازمة القولية التي نطق بها الأنبياء والمرسلون يبين وحدة الأنبياء كلهم ‏يصدرون من مشكاة واحدة يأمرون بالطاعة وتقوى الله ويبينون للأقوام أنهم نزهاء لم يأتوا ليقبضوا مالًا ‏منهم أو لينتفعوا وكلهم كانوا صادقين وذوو أمانة والرسالة تحتاج صدق وتحتاج أمانة (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ ‏أَمِينٌ)  (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لأن (رب العالمين) قضية جاءت السورة لتثبتها في القلوب.‏

‏(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ‏‏(130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)) هذه خصوصية عاد أنهم كانوا قوما جبارين أقوياء ليتهم استفادوا ‏بقوتهم التي مكنهم الله منها وآتاهم الله إياها ليتهم لما عمروا الأرض، العرب عندما يمثلون قبيلة أو إنسانًا ‏يقولون هو عاديّ أي ذو بطش أو قبيلة عاديّ بمعنى تشبه عاد، ولولا عقولهم القوية والنبيهة والذكية ما ‏بنوا الذي بنوه . الريع المرتفع من الأرض (ريع) جمع ريعة، أتبنون بكل شرف وبكل نوع من الهضبة ‏والجبل، آية في الجمال آية في العظمة (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) مكّنهم الله من علم البناء .‏

ووصف الآية (تعبثون) لماذا استنكر هود عليهم هذا البناء (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ)؟ القيد أنهم يعبثون، ‏ما أنكر عليهم أنهم يبنون بنايات عظيمة، ليس العيب في بناء البروج المشيدة، العيب أنهم نسوا الله ونسبوا ‏الفضل والقوة إليهم، قوم عاد بنوا العمران وخربوا العلاقة التي بين الإنسان والدين فلما نسوا الدين وهو ‏الجانب المهم في بناء الإنسان بعث الله إليهم نبي وهو هود عليه السلام (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آية) في العظمة ‏‏(تعبثون) هنا جملة حالية، حال كونكم تعبثون فالإنكار هنا على القيد، وبعض المفسرين قالوا (تعبثون) ‏أي تسخرون من المارة فهم بنوا في المرتفعات قصورا مشيدة وآثارهم واضحة إلى اليوم ما بين عُمان ‏وحضرموت هناك تقريبا، واكتشفوا أيضا إرم ذات العماد، فالشاهد أنهم بنوا صهاريج من الماء لمساعدة ‏المارة ثم أصبحوا يستهينون بالناس ويعذبونهم بدليل: (وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) يعني الذين يبنون شيئا ‏لفائدة الإنسانية من ناحية عملوا شيئا جميلا لكن كيف يبطشون بطش الجبارين؟ يذيقون غيرهم أصناف ‏العذاب (إذا بطشتم) جواب نداء (بطشتم جبارين) لكن القيد إذا قلت (إذا بطشتم بطشتم) لا فائدة منها لم يتم ‏المعنى، فهي وقعت في جواب ( إذا ) لكن الجواب بإذا عندما نأتي بالحال يكتمل المعنى بطشتم كيف؟ ‏جبارين، وأعادها وفي سورة الشعراء (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)) وفي سورة الفرقان (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) فعندما يعاد الفعل في الجواب معناه يهمنا القيد، القيد ‏هنا (جبارين)، فهنا وصفهم وإذا بطشتم كف حالكم ؟ جبارين غليظين تذيقون غيركم أصنافا من العذاب، ‏قبل ذلك قال: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)) المصانع يفسرونها كانوا يبنون صهاريج للمياه، ‏وقتادة قال: كانوا يصنعون بروجا مشيدة (لعلكم تخلدون) تتخذوا مصانع رجاء الخلود راجين خلودكم ‏وتنسون الله.   ‏

وبعدها ذكر الله بالتقوى فقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)) تذكير، كان الأولى بكم عندما مكنكم الله  أن ‏تتقوه وتحذروه لا أن تخرجوا عن طاعته، بعد ذلك قال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) هنا نكتة بلاغية: اتقوا الله ‏لذاته  فأتى بلفظ الجلالة، يستحق أن يُخشى بغض النظر عما تعتقدون،  الثانية (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا ‏تَعْلَمُونَ ) اتقوه لأنه أمدكم، اتقوه فإنه يستحق أن يُشكر وهو الذي أمدكم ويستحق أن يُشكر فثمة نكتة في ‏الإعادة لو كانت ( التقوى) الثانية مجرد توكيد لما أتى بالواو ولكان قال: (فاتقوا الله وأطيعون – اتقوا الذي ‏أمدكم )، ربط التقوى الأولى بلفظ الجلالة وربط الثانية بالاسم الموصول وصلته.‏

سؤال: حينما قال (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)) مرة أخرى ( ‏أمدكم) فما فائدتها؟ هنا تفصيل لما سبق، البداية كانت مجملة: (الذي أمدكم بما تعلمون) كرر أمدكم لتوكيد ‏معنى الإمداد ولبيان التفصيل بعد الإجمال، لكن أراد أن يذكّرهم بنعم الله عليهم فجاء بالفعل بطريقة ‏الإطناب ليحثهم على شكر الله، ثم رتب تلك النعم.‏

المقدم: الدمج بين الأنعام والبنين والجنات، فالدمج بين الجنات والعيون متناسق لكن ما دلالة الدمج بين ‏الأنعام والبنين؟ ‏

د. المستغانمي: الأنعام تحتاج إلى البنين الذين يرعون الأنعام، من الذي يرعى الأنعام؟ من الذي يسقيها؟ ‏من الذي يحلب النوق؟ أبناء القبائل، أمدهم الله بنعمتين كبيرتين: الأنعام وهي بلغة العصر تعني المال، ‏قديمًا كانت حياتهم الرعوية أساسها الأنعام، فالأنعام بما فيها من إبل وبقر وأغنام يقوم عليها البنون، ثانيا‏: إذا أغارت عليهم القبائل من الذي ينصرهم؟ هم أبناؤهم البنون (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) الأنعام ‏تقابل الأموال بشكل عام وهو فصّل لهم النعم التي أمدهم الله بها .‏

‏(إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)) هذا تعليل، لماذا نتقي الله؟ كأن واحدا من عاد يقول لماذا ‏تأمرنا أن نتقي الله؟ لما تأتي جملة مبتدأة بإنّ المؤكدة في الغالب هي للتعليل. (عذاب يوم عظيم) هل ‏العذاب عظيم أو اليوم عظيم؟ ‏

نحويًا اليوم على اعتبار أن عذاب صفة ليوم (عذاب يوم عظيم) ذكر الله تعالى اليوم بأنه عظيم لعظمة ما ‏سيقع فيه من العذاب إذن هنا مجاز عقلي نسبة إلى ما يحصل فيه من الهول العظيم والمجاز العقلي كما ‏يقول العرب: نهاره صائم وفلان يصوم النهارهذا مجاز عقلي، نسب الصيام إلى النهار وفي الحقيقة للذي ‏يقع فيه الصيام ونسب القيام للليل والقيام يقع في الليل, (عذاب يوم عظيم) ليس فقط لقوم نوح وإنما كلهم ‏ذكروا (عذاب يوم عظيم) بينما في سور أخرى (عذاب يوم أليم) (عذاب يوم قريب) بحسب السياق وهنا ‏يركز البيان القرآني على العذاب العظيم.‏

‏————–فاصل—————–‏

المقدم: بدأ الحوار كما مر بين موسى وفرعون ونوح مع قومه وإبراهيم مع قومه والآن حوار هود مع ‏قومه. توقفنا عند ردهم حينما (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)) أين جوابها؟

د. المستغانمي: سواء علينا أم لم تكن من الواعظين لن نأتمر ولن ننتهي عما قلت وهذه الهمزة في سواء ‏تسمى همزة التسوية يستوي لدينا وعظك وعدم وعظك هذا الجواب، لكن أتوا بها (سواء علينا) الجملة ‏الإسمية أقوى، أوعظت أم لم تكن من الواعظين، لو قالوا (سواء علينا أوعظت أو لم تعظ) لكانت هذه ‏المرة فقط،  لكن (أو لم تكن من الواعظين) كأنهم يقولون له لست من الوعظ شيئا ولست من الواعظين ‏الذين يمكن أن نصيغهم أسماعنا هكذا، يعني جردوا هودًا عليه السلام من الوعظ ومن لقب الواعظ. ‏‏(أوعظت) وما قالوا أنصحتنا لماذا ؟، لأنه قال: (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) هذا وعظ فيه ترقيق ‏للقلوب وتخويف، بينما في سورة الأعراف يقول : (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)) أما هنا الوعظ شديد ‏اللهجة.‏

المقدم: (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)) تكررت هذه الكلمة ‏

د. المستغانمي: تقرأ (خُلُق) وتقرأ (خَلْق) الأولين عند صحيح القرآءات ستة منهم قرأوها (إن هذا إلا خُلُق ‏الأولين) وخمسة قرأوها (خَلْق) بمعنى اختلاق، (إن هذا إلا خُلُق الأولين) يقصدون بها شيئين:

الأول أنت ‏تعظنا وتذكرنا وتريد أن تبلغنا أننا سوف نموت ونقف أمام الله، فنحن نقول لك إن هذا إلا خلق الأولين ‏السابقين قبلنا عاشت قرون وماتوا وما بعثوا، نحن نقول الحياة هكذا كما قالوا (أرحام تدفع وقبور تبلع)، ‏هذا المعنى الأول.

المعنى الثاني: يقولون له تصرفنا معك هو خُلُق آباؤنا ونحن نستمع لهم ونفخر بما ‏فعلوا ولا نبالي بما جئت به، والمعنى الثالث: (إن هذا إلا خلْق الأولين) إن هذا إلا افتراء وهذه أساطير كنا ‏نسمعها بمعنى أنت لست مبلّغا عن الله وهذه أساطير نسمعها، بمعنى أنت لست رسولا وإنما تكرر كلاما ‏جاء به السلف .‏

‏(وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)) يؤكدون في كل شيء ولكن كلامهم باطل.‏

‏(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)) الفاء الفصيحة (فكذبوه) أي: فتبين لهم ‏وله صلى الله عليه وسلم بكلامهم أنهم كذبوه، كيف تبين لهم ذلك ؟ بكلامه. فكذبوه فأهلكناهم والفاء الثانية ‏للتعقيب مباشرة بعد التكذيب أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، هنا لم يشر القرآن في سورة الشعراء كيف أخذ ‏الله عادًا وإنما وردت في سورة القمر وفي سورة الحاقة (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) هنا ‏لم يشر إلى العذاب، لكن هنا لم يفصّل وإنما قال: (فأهلكناهم) وفي سورة القمر لما ترك سفينة نوح آية ‏وترك عدة أمور آية قال : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)‏)

قصة ثمود:‏

‏(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)) نقول كذبت قوم وكذبت عاد وكذبت ثمود، هنا جاء التكذيب من قبل ثمود ‏القبيلة لم يقل كذبت قوم ثمود، ثمود اسم القبيلة وعاد اسم القبيلة, وقال (المرسلين) كذبوا الرسل بكونهم ‏بشرًا بما أنهم رفضوا بشرية الرسل، ويضاف إلى هذا أن عاد وثمود على وجه الخصوص عاد قال لهم ‏رسولهم هود (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٦٩﴾ الأعراف) تكذيبهم تكذيب لنوح استمرارية، القرآن يُقرأ متكاملا صالح ‏قال لقومه في الأعراف (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ) فعندما كذبوا صالحا فكأنهم كذبوا هودا ‏فحقيقة أن من كذب رسولا من الله مؤيدا بالوحي فكأنما كذبوا جميع المرسلين.‏

‏(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا ‏أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)) هذا الكلام ذاته الذي أنطق الله به جميع ‏الرسل لبيان وحدة الأنبياء ووحدة الدين وهو ماجاؤوا به  تقوى الله وتوحيده عن الشريك.‏

‏(أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) خصوصية لقوم ثمود (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ ‏طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)) هناك تشابه بين قوم هود وقوم ثمود في ‏الأشياء التي كانوا يعملونها أولئك وهؤلاء ينحتون في الجبال إلا أن عادا كانوا أطغى وأبطش. ‏

‏(إذ قال لهم أخوهم) هو منهم، لما نقرأ (أخوهم) فهو من ذات القبيلة من نسبهم الأصيل، (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا ‏هَاهُنَا آَمِنِينَ (146)) قال لهم أبعدما منّ الله عليكم بهذه الجنات وهذه العيون وهذه القوى التي بها تنحتون ‏الجبال بيوتا ثم لا تشكرون الله ولا تعترفون بإلهيته أفترون أنه سيتركهم، أسلوب استفهامي إستنكاري، ‏أتظنون ذلك؟ (هاهنا) اسم إشارة للمكان جمعت كل الخيرات وكل النعيم الذي كانوا فيه جنات ونعيم ‏وزروع وقصور ثم قال (آمنين) وقف المفسرون هنا وقفة جميلة قالوا: ما دام هاهنا وصف للمكان الذي ‏يحوي جميع الخيرات، لماذا قال آمنين؟ لأن نعمة الأمن لا تظهر بالجنات ولا تظهر بالبيوت نعمة الأمن ‏هي نعمة داخلية لا تُرى وإنما يُشعر بها وهي عنصر أساسي في كل ما سبق، افترض أن ثمود كان لديهم ‏كل النعم والأمن غير موجود فلن يتنعموا بما لديهم ولن يتمتعوا بما لديهم.‏

أتتركون في كل هذه النعم حال كونهم آمنين ثم فصّل (في جنات وعيون) تكررت عند نوح وعند عاد وعند ‏ثمود، (ونخل طلعها هضيم) طلع النخل الذي يحمل الرطب أي مهضوم ،وعندما يقول هضيم يريد أن ‏يبين لينه وجماله وجودته، وبعض المفسرين سأل أليست النخل مشمولة في الجنات؟ بلى، فلم خصها ‏بالذكر؟ لأنهم يعرفون قيمة جودة النخل التي يكون طلعها هضيما والعرب يعرفونه فأبرز الشيء الذي ‏يخاطبهم فيه، كما أبرز الإبل (أفلا ينظرون إلى الإبل) لأنهم يعرفون قيمتها وروعتها وجمالها في ‏نفوسهم.‏

‏(وتنحتون) غيّر الأسلوب، بعدما قال (آمنين) (حال منصوبة)، وتنحتون جملة معطوفة منصوبة على ‏أنها حال، كان القياس أن يقول: آمنين وناحتين من الجبال بيوتًا، ولكن عَدَل عن الحال المفرد إلى الحال ‏الجملة؟ ليصوّر لأن الفعل المضارع يصور ويستحضر الصورة كأننا نراهم الآن ينحتون الجبال، وأنت ‏تقرؤها تدبر ، القرآن كلام يعطينا التفاعل ولذلك القرآن يعطينا التفاعل ولذلك في نهاية سورة الشعراء ‏‏(وإنه لتنزيل رب العالمين)  معجزة محمد عقلية تناقش وتحاجج وكأننا نراهم ينحتون الجبال بيوتا فارهين ‏باسم الفاعل وفرهين صيغة مبالغة، والفراهة هي الحذق والكياسة كانوا حاذقين عارفين متقنين، هل من ‏السهولة أن ينحت الجبل بيوتا؟ هذه تحتاج لمهارات، وهذه المهارة عبّر عنها قوله تعالى (فارهين) أي ‏عارفين متقنين.‏

‏(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)) الذين كانوا يدعونهم للإسراف كان من ‏بينهم مسرفون يأمرونهم بالشرور ويسرفون في إنكار الله ويسرفون، أما الكبراء فكانوا يدلونكم بغرور

‏(الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)) هذا تعريف للمسرفين، كأننا كنا نقول المفسدين ماذا ‏كانوا يفعلون ؟ كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وكأن فيها تكرار وتكرر لأن الذي يفسد في ‏الأرض لا يصلح وهذا إطناب بالعكس، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون الإفساد هو عدم الإصلاح ‏على شاكلة (وأضل فرعون قومه وما هدى) وعلى شاكلة (أموات غير أحياء) في اللغة العربية إذا أتي ‏بكلمة وأتي بعكسها من باب التأكيد يكون ذلك إطنابا يجردهم من كل حياة، فعندما قال: (أموات غير ‏أحياء) فيريد أنه لا يوجد مثقال ذرة من الحياة ولا خليّة، (يفسدون في الأرض ولا يصلحون) لا ينتظر ‏منهم الإصلاح أبدا عملهم متمحض خالص في الشرور والافساد.‏

‏(قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)) لم يقل (إنما أنت المسحورين) فالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا(إن ‏تتبعون إلا رجلًا مسحورا)، لم يكتفوا باسم المفعول على وزن مفعول إنما أتوا باسم المفعول على وزن ‏سحّر فهو مسحّر لشدة المبالغة، (إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) العلماء وقفوا عندها لماذا قالوا ذلك؟  لأنهم كانوا ‏يرونه هذا دليل على أن صالحًا كيف كان فيهم ؟ كيف كانت رؤيتهم لصالح ؟ كان فيهم رجلا عظيما ذا ‏أخلاق (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ ) كنا نريد أن نبؤك مكانة عظيمة لخلقك ولأمانتك ‏ولصدقك كيف تغيرت علينا ؟ والله ما أنت إلا من المسحرين وليس من السحورين، ثمة شيئا غيرك رأسا ‏على عقب (إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أسلوب حصر، حصروا التسحير فيه فهو من المسحرين فقط لا شيء ‏آخر.‏

‏(مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)) هنا توكيد ثاني مفصول (ما أنت) ولا يوجد ‏حرف عطف ما قالوا كما سيأتي على لسان قوم شعيب (وما أنت) قالوا (ما أنت) كأنهم يقولون أنت لست ‏نبيًا ولا مرسلًا أنت مسحّر والدليل على ذلك (ما أنت إلا بشر) فجملة (ما أنت إلا بشر) تقوي وتؤكد جملة ‏‏(إنما أنت من المسحرين). ‏

‏(فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) (إن كنت) ما قالوا ( إذا) يشككون، قالوا (إن) يشككون في صدقه ‏بـ(إن) الشرطية التي يفترض فيها أن فعلها لا يقع، (فأتِ بآية) فأتِ  بمعجزة حسية إن كنت من الصادقين ‏أما إذا كنت من الصادقين ربما يقع.‏

‏(قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155)) أتى لهم بآية حسية، أخرج الله كما ذكر في سورة ‏الأعراف وسورة هود ناقة من الجبل، هم كانوا قوما جبليين فأخرج الله لهم ناقة من جبل، هل ثمة ناقة ‏تخرج من جبل؟! إعجاز عجيب من التراب ومن الحجارة ناقة عظيمة، لها شرب لا تزاحموها بأنعامكم ‏وإبلكم، الذين ينتظرون المعجزات الحسية هم أصلا ليسوا مستعدين للإيمان، هم طلبوها تعجيزا لا رغبة ‏في الإيمان.‏

‏(وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)) نبههم ونهاهم أن يمسهم بسوء وذكر ما ذكر سابقا ‏‏(عذاب يوم عظيم) هذا نمط ونسق تعبيري، فبعضهم عندما سمع محاضراتي يقول لماذا تقول أيقونات ؟ ‏فنحن نقول أيقونة أو لفظ  أو ثوب لفظي ونقول نسق تعبيري، نقول ما نقول بشرط أن يُفهم وألا ننال من ‏النص القرآني فنحن نعظّم النص القرآني والأيقونات يزّوق بها والله أعطانا هذه الأنماط التعبيرية حتى ‏تخلد في أذهاننا. ‏

تأتي الفاء الفصيحة (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)) سؤال :عقرها واحد أم المجوعة كلهم؟ هنا ذكرهم ‏بالجمع لكن في سورة الشمس قال: (إذ انبعث أشقاهم) الذي ذبحها واحد أشقاهم وليس شقيّهم، لكنهم كانوا ‏متفقين، استشارهم، متآمرين، حتى إن روايات التفسير قالوا: كلهم أذن له، لما وافق الجميع فعقرها واحد ‏لكنهم في الحقيقة عقروها، اشتركوا في ذنبها.‏

‏(فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ۗ (158)) ليتهم ندموا قبل العذاب، لو ندموا قبل العذاب الندم ‏توبة، العلماء قالوا: (فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب)، لما رأوا أمارات العذاب وعلاماته ‏ندموا، لا ينفع ولات حين مندم! وعندما يحل العذاب لا ينفع الندم.‏

‏(إنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)) (إن) في قصة ‏صالح مع قومه ثمود الجبارين لآية وموعظة لقريش ولمشركيها بالدرجة الأولى على أن المعجزة الحسية ‏لا تنفع كثيرا مع الذين أصرّوا على الكفران فخذوا العبرة أيها المشركون يا من تطالبون بالمعجزات ‏الحسية (فأتِ بآية).‏

المقدم: وبهذا انتهينا من قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام، ومن قصة عاد مع نبيهم هود عليه السلام، ‏وانتهينا من قصة نوح عليه السلام مع قومه، ومن قصة موسى عليه السلام مع قومه، ومن قصة إبراهيم ‏مع قومه. بقي لنا قصة لوط عليه السلام مع قومه وقصة شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة ثم تعليق على قصة ‏محمد صلى الله عليه وسلم.‏

 

https://www.youtube.com/watch?v=MorLMZyqjNo&list=PLkfWtLTtKgCNPVnTm3YD9deZOub0-yPc5&index=1