مقاصد سور القرآن

مقاصد سور القرآن – سورة الأنبياء

مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا

سورة الأنبياء

من أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكا وسيحشر يوم القيامة أعمى، وقد ختمت سورة طه بقول الله عز وجلّ (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴿١٣٤﴾) يبين الله لهم أنه لو أهلكهم ولم يرسل إليهم رسولا لقالوا محتجين (رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) قال الله عز وجلّ (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا) أي فانتظروا عذاب الله عز وجلّ لأن الحجة قد قامت عليكم (فَسَتَعْلَمُونَ) إذا بُعثتم (مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) من هو الذي مشى على الصراط المستقيم ومن هو المهتدي أهو أنتم حيث تعبدون غير الله وتأبون قبول هذه الدعوة التي جاءت مع هؤلاء الأنبياء أو أنهم أولئك الأنبياء الذين يدعونكم إلى توحيد الله. ولما ذكر بالآخرة والقيامة والبعث والجزاء ناسب أن يبدأ بها في أول سورة الأنبياء فيقول (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴿١﴾) فالمناسبة بين آخر سورة طه وأول سورة الأنبياء ظاهرة.

سورة الأنبياء سورة مكية وسميت سورة الأنبياء لأنه ذكر فيها خبر ستة عشر نبيًا منهم أولو العزم من الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم وموسى وإبراهيم ونوح وعيسى، أنا ذكرتهم على ترتيب السورة فبدأت بذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر موسى ثم إبراهيم ثم نوح ثم عيسى وذُكر مع هؤلاء الأنبياء أنبياء آخرون سيأتي ذكر قصتهم أو المرور عليها في هذه السورة.

تتحدث سورة الأنبياء حديث السورة المكية حول تأسيس العقيدة والدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك وأيضًا مناقشة المشركين في شبهاتهم ومجادلتهم في حججهم التي يحتجون بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن دعوة الأنبياء واحدة وأن  كل ما دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم هذا الرسول الخاتم الذي جاءكم أيها المشركون قد جاء به إخوانه من قبله وأنه لا فرق بين دعوة هؤلاء الأنبياء في اصول الدعوة وفي أصول العقيدة لأن العقيدة لا تتغير. وبيّ، الله عز وجلّ في هذه السورة أن هؤلاء الأنبياء الذين قاموا بهذه الدعوة لم يدعهم ربهم بل أعطاهم وأكرمهم ومكّنهم وصارت لهم الغلبة وصاروا هم أصحاب الشأن وآل الأمر إلى أن تعاقب هذه الأمم التي بعث فيها هؤلاء الأنبياء فيهلكها الله عز وجلّ كما سيأتي خبرها في هذه السورة. فانتبهوا يا أهل مكة هؤلاء الأنبياء إن استهنتم بهموإن رأيتموهم ضعافًا وإن رأيتموهم بشرًا كسائر البشر لكن الله معهم لن يدعهم ولن يخليكم تتمكنون منهم وسيدعون إلى الله على بصيرة وسيقيمون شأن التوحيد وستكون العاقبة لهم فاختاروا ما شئتم ولذلك قال الله عز وجلّ هنا في بداية السورة (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) جديد كالقرآن (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) غير مبالين (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) كيف بشر مثلنا يكون نبيًا؟! لا بد أن يكون النبي من غير البشر، هكذا يفترضون. ثم رد الله عليهم بقوله (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) كل الرسل الذين سبقوك هم من البشر وهم من الرجال دون النساء(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) اسألوا أهل الكتاب النصارى واليهود كانوا موجودين في جزيرة العرب، اسألوهم هل في كتبهم أن أمة سبقت بعث لهم نبي من غير البشر؟ ولذلك قال الله عز وجلّ (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ﴿٨﴾) ما جعلناهم أجسادًا لا تطعم بل هم بشر مثلكم يأكون ويشربون ويحصل منهم ما يحصل من البشر ويموتون ولذلك جاء قول الله عز وجلّ (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴿٣٤﴾) فماذا تستغربون على محمد؟ لماذا لم تؤمنوا به صلى الله عليه وسلم؟ الأنبياء قبله وأنتم تعرفونهم وتؤمنون ببعضهم، ألستم تؤمنون بإبراهيم وإسماعيل تعتقدون أن لهم النبوة ولهم الفضل وكانوا من البشر وهذا من ذريتهم فما الذي استغربتموه على محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم هددهم الله بقوله (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴿١١﴾) وذكر الله حال أولئك الذين يعذبهم الله عز وجلّ.

ثم ذكر دلائل التوحيد ودخل في نقاش مع المشركين في قضايا متعددة ولما انتهى من هذه القضايا كلها بدأ يذكر سيرة الأنبياء وأنهم جاؤوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأن العاقبة صارت لهم وأن الله كان يحتفي بهم ويكرمهم ويرعاهم وينصرهم وهم في معيته لا يخذل واحدًا منهم.فبدأ أولا بموسى وهارون وعلى وجه الاختصار لأن قصتهما جاءت مطولة في سورة طه بل سورة طه تقريبا كلها في قصة موسى مع فرعون قال (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ﴿٤٨﴾ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴿٤٩﴾) هذه هي صفتهم وصفة من جاء كتابهم يدعو إليه ثم جاء مذكرًا فقال (وهذا) أي الكتاب الذي أنزل على محمد (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٠﴾) ألستم تعتقدون أن اليهود أهل كتاب وأن كتابهم نزل من السماء فهذا الذي أنزل على محمد كالذي أنزل على أخيه موسى عليه الصلاة والسلام. ثم انتقل إلى قصة إبراهيم ولما جاء إلى قصة إبراهيم توسع فيها وسرّ ذلك أن العرب يعتقدون أن لهم صلة بإبراهيم بل يعتقدون أنهم على ملة إبراهيم وليسوا كذلك لأنهم بدلوا الدين وأحدثوا الشرك ولذلك أول آية ذكر الله فيها قصة إبراهيم قال فيها (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾) فلم يشرك أبدا حتى قبل النبوة لم يشرك علما أنه عاش في بيئة جاهلية مشركة هو لم يتلبس بشيء (ولم يكن من المشركين (ولم يك من المشركين) وسماه الله حنيفا لأنه لم يتلبس بشيء من الشرك حتى قبل النبوة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) إما من قبل النبوة أو من قبلكم أنتم أيها المشركون (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) ثم ذكر قصته (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿٥٣﴾ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٥٤﴾ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴿٥٥﴾) هذا يدل على أنهم ما كانوا مستيقنين مما هم فيه، الشرك الذي عندهم ليس لهم عليه أدلة فهم يسألون إبرهيم هل أنت جاد بما جئت به من الحق؟ أم هي مجرد ظنون؟! قال (قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿٥٦﴾) ثم قال كلمة سمعها بعضهم (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴿٥٧﴾) وفعلًا ذهبوا لعيد من أعيادهم فعدا على بيت الأصنام فدخل وفعل فعلا عجيبا كسر الأصنام إلا الصنم الكبير أبقاه لأنه أراد أن يحدث عندهم نوعًا من التساؤلات التي توصلهم إلى الحقيقة (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴿٥٨﴾) قالوا أنه جعل الفأس في عنق كبيرهم فلما رجعوا من عيدهم دخلوا بيت الأصنام فوجدوا الأصنام كلها مهشّمة والكبير منتصب والفأس على رقبته مباشرة (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٩﴾) إذا كانت آلهة ما يفترض أن تسألوا هذا السؤال! (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٠﴾) هذا يدل على أنه كان غير معروف في المجتمع (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴿٦١﴾) نؤدبه أمام الناس (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴿٦٣﴾) إذن ما فعله كبيرهم! أراد أن يستفزهم ليُخرج منهم الإجابة. هم لما دخلوا على بيت الأصنام وجدوا الكبير معه الفأس والأصنام كلها محطمة تساءلوا كالتالي: أحدهم يقول الكبير انتقم من إخوانه الصغار وأبادهم، وآخر قال الكبير لا يفهم ولا يتحرك ولا يسمع ولا يرى، هذه الإجابة بحد ذاتها كافية لإقناهم أن هذا لا ينفع أن يكون إلهًا، آخر يقول – أنا أتصور المشهد وأعبر ما يحدث – إنسان مجرم جاء ودخل وحطم آلهتنا التي نعبدها فيقول صاحبه: لم لم ينتقم أبوهم الكبير هذا من هذا الإنسان الذي حطم الأصنام الباقية؟! لماذا لا يخبرنا الآن ويتكلم معنا ويقول لنا من الذي اعتدى على آلهتكم؟ وآخر يقول هذا الكبير لا يفهم شيئا ولا يعلم شيئا ولا يسمع ولا يستطيع أن ينفع نفسه أو يضرها ولا يستطيع أن ينفع غيره أو يضره. وهذه التساؤلات هي الرسالة التي كان إبراهيم يريد إيصالها والدليل على أنها وصلت قول لله تعالى (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴿٦٣﴾) كأنه يريدهم أن يقولوا: لا تسألوهم، هؤلاء ما عندهم شيء (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٦٤﴾) أنتم تعبدون أصناما لا تنفع ولا تدفع ولا تصنع شيئا فكيف تعبدونها؟! قال الله عز وجلّ (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ) الآن جاء دور العناد نريد تأديب الذي حطم الأصنام وصنع هذا بآلهتنا سواء اقتنعنا أم لم نقتنع (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴿٦٥﴾) لما قالوا هذه الكلمة وقد قامت عليهم الحجة وعرف إبراهيم أنهم الآن مكابرين صرخ بهم بقوة وصرّح بالدعوة (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴿٦٦﴾ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾) هنا على عادة كل الأمم الموجودة في العالم لا تقابل الحق بالحجة وإنما تقابل الحق بالقوة، تبطش وتغدر وتحرق، تسجن، وتعذّب ولكنها لا تقول تعال الدليل الذي أثرته جوابه كذا عندنا أدلة نحن متكئون عليها من أجل دعم ما نحن عليه، ما يستطيعون لأن الحق أبلج والباطل لجلج. (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴿٦٨﴾) وجمعوا حطبًا كثيرًا لمدة طويلة حتى أنهم لما أضرموا النار لو مرّ طير من علو في السماء سقط من شدة الحر يريدون أن يجعلوا هذا أدبا لإبراهيم ولمن يفكر أن يمشي على شاكلته أو يقتنع بفكرته، ولم يستطيعوا إلقاء إبراهيم في النار من شدة حرها فجلبوا المنجنيق ورموه بالمنجنيق لأنها نار شديدة كيف تلقي إنسان في وسط النار، هم يريدون أن يلقى في وسطها. فألقي فيها فقال حسبنا الهه ونعم الوكيل وهنا جاءت الرسالة من الله عز وجلّ لتبين كيف عناية الله بأنبيائه ورسله وأن الله لا يتركهم ولا يمكن أن يخلي هؤلاء يؤذونهم (قُلْنَا يَا نَارُ) نداء لكل نار في العالم (كُونِي بَرْدًا) يقال لما قال كوني بردا بردت كل نار في العالم ولو سكت عندها لقتلت إبراهيم من بردها لكن قال الله بعدها (وَسَلَامًا) فسلم إبراهيم (عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فعادت كل نار لاشتعالها لأن المقصود كانت النار التي على إبراهيم دون غيرها، النار تحرق بأمر الله ولو لم يأذن الله لها أن تشتعل ما اشتعلت! (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴿٧٠﴾) اسمعوا يا أهل مكة!

ثم ذكر بعد ذلك قصة لوط كيف أن الله سبحانه وتعالى نصره على قومه أيضًا مع أنه لم يؤمن معه من قومه أحد، وآمن به بناته دون زودته. ثم ذكر قصة نوح كيف أكرمه الله واستجاب له قال نوح (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴿١٠﴾ القمر) ثلاث كلمات (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴿١٣﴾ القمر) (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴿٧٦﴾ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٧٧﴾). ثم ذكر الله قصة داوود وسليمان كيف أن الله عز وجلّ قد جعل عندهما من العلم والملك والقوة ومكنهما ما لم يمكّن لأحد حتى أن سليمان كان بيده أمر الإنس والجن الذين لم يملكهم أحد من البشر ملكهم سليمان كما قال الله عز وجلّ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴿٨١﴾ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴿٨٢﴾) كانوا يغوصون في المحيطات ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان والدر واليواقيت ويأتون بها إليه وهذا ما حصل لأحد غيره، وسخر له الريح، الآن إذا أرادوا أن ينقلوا جيشا من مكان إلى مكان يحتاجون إلى أسطول من الطائرات، سليمان كان هو وجنوده يصلون إلى نصف مليون إنسان يجلسون على بساط الريح فيذهب بهم غدوها شهر ورواحها شهر يذهب بهم مسيرة شهر في أول النهار ويرجع بهم مسيرة شهر في آخر النهار جيش كامل بكل ما فيه من عتاد وقوة يذهب إلى أي بلد في العالم يفتحه ويحرره ثم يرجع في نفس اليوم، هذا ما حصل وهذه إجابة من الله لدعاء سليمان (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي) [ص: 35] فوهبه الله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض له الشيطان في الصلاة وأمس به ووأراد أن يربطه حتى يراه الصحابة تذكر دعوة أخيه سليمان (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي) فأطلقه.

ثم ذكر الله قصة أيوب وأن أيوب ابتلي بلاء شديدا في ماله ثم ولده ثم بدنه مزقه البلاء تمزيقا وخرّقه تخريقا فما ترك لم شيئا من الدنيا إلا أن الله رحمه بزوجته ونفر منه كل من حوله، أقرب الناس نفروا منه إلا هذه الزوجة التي سخّرها الله له ومن أدب أيوب لم يقل رب إني أشكو إليك فارفع ما بي من البلاء وإنما قال (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٨٣﴾) ما قال ارفعه (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴿٨٤﴾) ليبين الله أنه استحق هذه المنزلة بكثرة عبادته وإخلاصه لربه. ثم أشار الله عز وجلّ إلى قصة اسماعيل وإدريس وذا الكفل ثم ذكر ذا النون كيف أن الله ما خذله لما ألقي في البحر وصار في بطن الحوت (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾) فمن كان مؤمنًا صادقًا فإنه إذا نادى ربه سبحانه وتعالى لن يتركه.

ثم ذكر الله قصة زكريا (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴿٨٩﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) كانت لا تلد فأصبحت صالحة للولادة.

ثم ذكر الله حال الأنبياء جميعا فقال (إِنَّهُمْ) أي هؤلاء الأنبياء المذكورون موسى وهارون وابراهيم ونوح وسليمان وداوود وأيوب وإسماعيل وادريس وذا الكفل وذا النون (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) هذه هي صفتهم ولذلك الله عز وجلّ لا يتركهم ولا يخذلهم ولا يمكّن لكافر من رقابهم. ثم ختم بقصة مريم وابنها (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿٩١﴾ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴿٩٢﴾) معنى أمتكم أمة واحدة أي طريقتكم ودينكم دين واحد فكل هؤلاء الأنبياء مجتمعون على رسالة واحدة لا يختلفون عليها. ثم ذكر الله عز أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وهو مكتوب عند الله وبيّن أن كل قرية تظلم فإنها تهلك إلى أن ختمت هذه السورة العظيمة ببعض القضايا المهمة مثل قوله عز وجلّ (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿١٠٥﴾) فانتبهوا يا أهل مكة العاقبة ستكون لرسول الله شئتم أم أبيتم (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿١٠٦﴾ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾).

 

https://soundcloud.com/nasser-alusfoor/idyl5t8cqsqs