مقاصد سور القرآن

مقاصد سور القرآن – سورة هود

مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا

سورة هود

هذه إطلالة على هذه السورة الكريمة نفهم من خلالها عن ماذا تتحدث هذه السورة وما هو الشيء الذي تهدف إليه وماذا تريد أن توصله إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم وإلى قلوبنا من بعده؟. هذه السورة اسمها سورة هود وليس لها اسم آخر إلا هذا الاسم بخلاف سورة التوبة التي ذكرنا لها قرابة ثمانية عشر اسما ذكرها العلماء في كتبهم.

وسورة هود هي إحدى سور (الر) وهي (الر) يونس و(الر) هود و(الر) يوسف و(الر) إبراهيم و(الر) الحجر، خمس سور ذوات (الر) كلها مقرونة بأسماء الأنبياء إلا سورة الحجر فهي باسم أمة بُعث لها نبي.

هذه السورة الكريمة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبدو من حديث السورة العام في وقت شدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث اشتد عليه الكرب وضايقه المشركون وشعر عليه الصلاة والسلام بضيق شديد من إبائهم واستكبارهم وعنادهم بل وتهديدهم له وإعراضهم عن دعوته وخوفه عليه الصلاة والسلام من أن ينزل بهم عذاب الله كما نزل بمن كان قبلهم ولذلك قال الله عز وجلّ مصورا لنا هذه الحالة التي كان عليها صلى الله عليه وسلم (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿١٢﴾) ما لك يا محمد إلا أن تبلّغهم وتنذرهم، ينزل بهم عذاب أو لا ينزل بهم، يؤمنون أو لا يؤمنون، يطلبون منك ويقترحون عليك أشياء أنت لا تلتفت إلى شيء من ذلك لا تترك شيئا مما أوحي إليك، اثبت على دينك ولذلك هذه السورة يمكن أن نسميها سورة الثبات أو التثبيت أراد الله سبحانه وتعالى أن يثبت قلب النبي صلى الله عليه وسلم بها ويقول له يا محمد انظر إلى إخوانك الأنبياء حلّ بهم من النكال والبلاء والإعراض والكبر الشيء الكثير ومع ذلك لم يدعوا شيئا من الدعوة التي دعوا إليها فكن مثلهم يا محمد واصبر على الدعوة وهذا الحق الذي آتيتك إياه. فهذه السورة مدارها على الصبر على لأواء الدعوة والثبات على دين الله عز وجلّ وعدم طاعة المشركين فيما يقترحونه عليك من كونهم يطلبون منك أن تتنازل عن بعض الدعوة وأن لا تشتد أو تطلب منهم أشياء هم لا يحبونها أو لا يهوونها. مما يؤكد أن هذا هو المعنى التي تدور حولها السورة يقول الله عز وجلّ (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴿١٠﴾ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿١١﴾) ما قُدمت صبروا على عملوا الصالحات إلا في هذا الموطن لبيان أن الصبر هو المطلوب الأعظم وهو الركن الركين الذي يحتاجه النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته.

ثم قصت السورة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قصص الأنبياء من قبله ففي الآية 25 يقول الله عز وجلّ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿٢٥﴾) إذن أنت يا محمد نذير مبين كما كان أخوك نوحا نذير مبين (أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴿٢٦﴾) فقابل هؤلاء دعوة نوح (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ) حتى أتباعك هم من سقط الناس، ما نظروا إلى جوهر الدعوة وإنما نظروا إلى أشياء أخرى وقاسوا بها الدعوة (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾) نحن خير منكم مالا وأهلا وعشيرة فبأي شيء تميزتم؟ إذن الدعوة لا تُتبع عندهم من أجل مصمونها الحق ولكن لأجل الأتباع والزخرف والمال وغير ذلك، هذا ما يقولونه لنوح عليه السلام.

ثم تسترسل السورة في ذكر تفاصيل قصة نوح عليه السلام لم تذكر في موطن آخر من كتاب الله عز وجلّ إلى أن وصل نوح إلى المرحلة التي علم بها أنهم لا يؤمنون لذلك قال الله له في الاية 36 (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿٣٦﴾ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴿٣٧﴾ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴿٣٨﴾ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴿٣٩﴾) ثم نزل البلاء وعمّ الطوفان ثم جاء بلاء جديد لنوح فانتبه يا محمد قد يكون البلاء الذي ينزل بك كالبلاء الذي ينزل بنوح فاصبر واثبت قد يكون البلاء في داخل بيتك ولذلك (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴿٤٢﴾ قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴿٤٣﴾) وندم نوح أشد الندامة على أن ابنه غرق مع الغارقين (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴿٤٥﴾ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٤٦﴾) إني أحذّرك أن تكون من هؤلاء الجاهلين هذا ليس من أهلك لأن الذي فصل بينك وبينه الدين وهو ليس على ملّتك وأنت يا محمد قد يكون عمك من الكفار قد يكون قريك من الكفار فلا تأخذك فيه لومة لائم ولا تطلب من الله الشفاعة فيه.

قال الله عز وجلّ بعد أن انتهت قصة نوح التي فيها الرسالة العظيمة ثبات نوح 950 سنة لكن الله لم يتركه أنزل الله العذاب بقومه وأنجاه ومن معه (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٤٨﴾) ما هي الفائدة من قصة نوح؟ (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٤٩﴾) اثبت على دينك لا تتأخر لا تتوانى لا يصيبنك شيء من اليأس لا تترك شيئا مما أوحي إليك لأجل إملاءات هؤلاء الكفار هذا أخوك نوح صبر وثبت فنصره الله عز وجلّ بثلاث كلمات (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) فنصره الله

ثم جاءت قصة هود (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) وبه سميت السورة لأن هذه القصة لهود لم ترد بهذا التفصيل في سورة أخرى ومن عجائبها أن هودا دعا قومه بما دعا به الأنبياء (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ﴿٥٠﴾ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٥١﴾ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴿٥٢﴾) يا محمد قد قالوا له كلاما قد تسمعه من قومك (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٥٣﴾ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ) بعض آلهتنا قد أصابتك بشيء من الجنون فقال هود بثبات وقوة (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٥٤﴾ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴿٥٥﴾) يقول لقومه هو واحد وقومه قد عرفوا أن الله قد زادهم بسطة في الجسم فهم من العمالقة ومع ذلك يقول لهم هود بكل ثبات وقوة (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ) اجتمعوا عليّ من أجل أن تكيدوني فلن تحصلوا شيئا ولن تصلوا مني إلى شيء! من يستطيع أن يتحدى قوم معروفون بالقوة والبطش وذكر الله ما أوتوا من القوة وما آمن معه إلا قليل (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٥٦﴾) أنزل الله بهم بأسه وعذّبهم العذاب الشديد (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿٥٨﴾ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٥٩﴾) (تلك عاد) إشارة إليهم أنها قريبة منكم أيها المخاطبون وهم أهل مكة (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٥٩﴾ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴿٦٠﴾)

ثم انتقل إلى مشهد آخر مع نبي آخر وبدأ الآن يقترب قليلا من جو مكة بدأ بقوم نوح ثم انتقل إلى عاد في جزيرة العرب ثم إلى ثمود وهم أقرب في وادي القرى شمال المدينة النبوية (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) هذه دعوة الأنبياء بماذا قابلوه؟ (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا) كما نأمل أنك إنسان طيب محترم صاحب سمعة تقود المجتمع وإذا بك تأتي بهذا الكلام والخزعبلات والأشياء المنكرة، سببت الآلهة وفعلت وفعلت.. (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿٦٢﴾) (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أنتم في شك وأنا على بينة (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ﴿٦٣﴾) ثم جاءهم بآية من أعجب الآيات ناقة تولد من صخرة ولها ولد ومن مزاياها أنها تستقي من الماء يوما وتسقيهم من لبنها يوما وهذا من الأعاجيب، ناقة تولد من صخرة! وجعلها الله لهم فتنة حيث نهاهم صالح أن يمسوها بسوء (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴿٦٤﴾ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴿٦٥﴾ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴿٦٦﴾) يا محمد اثبت فالله معك فلئن عصاك هؤلاء وآذوك فاعلم أن الله معك ولن يتركك وسينصرك كما نصر صالحا وهودا ونوحا وسائر الأنبياء من قبلك.

ثم انتقلت السورة إلى أمر آخر فيه بيان لسرعة فرج الله وأنه لا يأس من روح الله. أأنت يا محمد ضاق صدرك مما فعله قومك؟ (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا) انظر يا محمد كيف يأتي الله بالفرج من حيث لا يتوقع الإنسان فإبراهيم قد بلغ من الكبر ما بلغ وامرأته عاقر لا تلد وقد بلغت من الكبر قرابة المئة حتى هي مع إيمانها كونها زوجة نبي تعجبت من الخبر الذي جاء على لسان الملائكة فبشرناها بإسحق ومن ورائه يعقوب وسماه في هذه السورة يعقوب ليبين كثرة عقبه فهو أبو بني إسرائيل جميعا ما قال وراء اسحق اسرائيل وهو اسمه الثانية لبيان أن عقبه سيملأ الأرض وسيكون من وراء يعقوب أنبياء كثر لا يحصيهم إلا الله عز وجلّ (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴿٧٢﴾) ماذا تقول إن قيل لك عجوز في المائة والآن حملت؟! تقول تكلم بالشيء المعقول! هذا عند الناس أما عند الله الذي يقول للشيء كم فيكون وأنت يا محمد الله عز وجلّ قادر على أن يقلب الأمور كلها فتصبح جزيرة العرب رهن إشارتك وتدخل في دين الله أفواجا اليوم أنت مطارد ومؤذى لكن سينبثق الفجر ويأتيك الفرج اسمع قصة أبيك إبراهيم (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴿٧٣﴾ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾) ظن أنهم سيعذبون قرى قوم لوط المؤتفكات كلها بمن فيها لوط قال أرأيتم لو كان فيها كذا وكذا أومنتم معذبيها؟ قالوا لا، قال فإن فيه لوطا قالوا أما لوطا فلن نصل إليه بسوء قال الله عز وجلّ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴿٧٥﴾ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴿٧٦﴾)

ثم ذكر قصة لوط وفيها أطبق البلاء على لوط من كل جانب قال الله عز وجلّ (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) وفي أول السورة قال (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) إن كان ضاق صدرك فقد ضاق صدر لوط من قبلك ولكن الله جاء له بالفرج من حيث لا تحتسب يا محمد ومن حيث لا يحتسب لوط (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴿٧٧﴾ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴿٧٨﴾) صور نفسك مكان لوط ويأتيه ضيوف ويأتي قومه الأنذال يقولون نريد أن نفعل بهم الفاحشة فيقول لهم لوط من شدة الحرج هؤلاء بناتي أزوجكم بناتي ودعوا هذا الأمر واستحيوا (قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴿٧٩﴾ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴿٨٠﴾) (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴿٨١﴾) ثم نزل بهم العذاب

ثم جاء بعد ذلك قصة شعيب خطيب الأنبياء وذكر الله كيف دعاهم واستهزأوا به إلى أن قالوا (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴿٨٤﴾ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٨٥﴾ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴿٨٦﴾ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴿٨٧﴾) حتى أموالنا تريد أن تحد تصرفاتنا فيها؟! إنك لأنت الحليم الرشيد يسخرون منه ويستهزئون به (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿٨٨﴾) ثم ذكر الله عز وجلّ كيف ناقشهم وحاورهم ثم أنزل الله بهم عذابه.

ثم ذكر بعد ذلك قصة فرعون كيف عذبه الله عز وجلّ واشتد عليه ثم قال (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ﴿١٠٠﴾) منها ما هو قائم تراه الآن ومنها ما هو قد ذهب وباد فلا يرى منه شيئ الآن (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴿١٠١﴾ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾)

ثم بعد هذا تبدأ السورة تعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم أوامر يستعين بها على حاله ويزداد بها ثباتا فيقول الله عز وجلّ في آخر السورة (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) استقيموا اثبتوا على الدين وإياكم أن تنحرفوا أو تتركوا شيئا من دينكم لأجل إملاءات هؤلاء الكفار استقم واثبت على هذا الدين كما أُمرت ولا تطغوا إنه بما تعلمون بصير ولا تميلوا إلى الذين ظلموا (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ) فإن هذا مما يثبتك يا محمد (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وأيضا قم بالدعوة في قومك وأمرهم بالمعروف وانههم عن المنكر فإن هذا مما يستدفع به البلاء (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿١١٦﴾ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿١١٧﴾)

لماذا قُصّت علينا هذه القصص ولماذا حكي للنبي هذا كله؟ قال الله عز وجلّ (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ) السورة (وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٠﴾ وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴿١٢١﴾ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴿١٢٢﴾ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿١٢٣﴾) لا تنشغل بشيء آخر آمنوا أو لم يؤمنوا هذا ليس إليك الأمر كله إلى الله وهذا هو المطلوب منا جميعا.

 

https://soundcloud.com/nasser-alusfoor/wfd8p9tsnkqu