مقاصد سور القرآن

مقاصد السور – من سورة فصلت إلى الجاثية – د.محمد بن عبدالعزيز الخضيري

مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

سورة فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية

سورة فصلت

تفريغ الأخ الفاضل هيثم العريان لموقع إسلاميات حصريًا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فمعنا في هذه الليلة سورة فصلت وبقية الحواميم، وقد بيّنا فيما مضى أن الحواميم السبع تبدأ بسورة غافر (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) والسورة الثانية هي سورة فصلت .

وسورة فصلت تتحدث عن القرآن وعظمته والإيمان به وأثره وأدلته وحجيته وأنه هو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالم، وهذه السورة تسمى سورة فصلت وتسمى أيضا سورة المصابيح لقول الله عز وجل (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا) وتسمى أيضا سورة الأقوات لقول الله عز وجل(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) وتسمى كثيرا عند العلماء سورة حم السجدة، لأنه لا يوجد في الحواميم سجدة إلا بها، والمشهور من أسمائها هو هذا الاسم الموجود في المصحف وهو سورة فصلت حيث قال الله عز وجل (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أي هذا الكتاب تنزيل من الرحمن الرحيم، وكلمة (تنزيل) دالة على نزول القرآن منجّمَا ومقطّعًا يعني شيئًا إثر شيء، ولم ينزل مثل ما أنزلت الكتب السابقة جملة واحدة، (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ) يعني أنزلناه عليه مقطّعًا منجمًا من أجل أن يكون في ذلك تثبيتا لفؤادك، فلا شك أن الإنسان كل ما نزل عليه شيء ثبت وأيضًا كل ما صارت هناك حادثة أو قضية جاء القرآن لمعالجتها كان ذلك أدعى للثبات والاستقامة والصبر على ما ينال النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين. قال الله عز وجل (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) جعله الله بهذه اللغة التي هي أشرف اللغات وأدلها على المقاصد، ما في لغة تعبر عن المقاصد مثل تعبير اللغة العربية عن المقاصد، وهذا بتتبع عدد من الباحثين، حيث نظروا في لغات العالم، ووجدوا أن ما هناك لغة تعبر عن المقاصد والأشياء مثل تعبير اللغة العربية، فالعربية لها صلة بالمعاني حتى الألفاظ فيها مرتبطة بالمعاني، وليست ألفاظًا مجردة يراد منها تمييز اسم عن اسم أو شيء عن شيء، وإنما تجد أن الكلمة مدلول عليها بألفاظ فعلًا مطابقة للمعنى مثل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) انظروا كيف الكلمة تصور لك التثاقل الذي يحدث عند الناس عندما يُدعَون إلى الجهاد، هي نفس الكلمة تخرج ثقيلة. انظر مثلا إلى سورة الناس، لأنها سورة تتحدث عن وسوسة الشيطان تجد أن حرف السين فيها قد اقترن وكثر حتى تشعرك بهذه الوسوسة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) لماذا كثر هذا الحرف؟ ولماذا اختيرت هذه الكلمات التي فيها هذا الحرف؟؟ لإيجاد هذا الشعور بهذه الوسوسة التي تسري من ابن آدم وتجري في عروقه مجرى الدم. فالعربية فيها أسرار غاية في الغرابة ولأننا نحن أعرضنا عنها ولم ندرسها ما يحصل لنا هذا الشعور ولا نعرف هذه الدلالات التي عرفها العلماء الكبار أو عرفها حتى العرب. اسمعوا المشركون لما حاولوا مع النبي صلى الله عليه وسلم محاولات كثيرة لثنيه عن الدعوة، كان من ضمن المحاولات إرسال عتبة بن ربيعة – كان من رجالات مكة المعتبرين الكبار أصحاب العقول الراجحة- فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا محمد : ما أعلم أحد جاء على قومه بشيء مثل ما جئت به على قومك، فرّقت جماعتهم وشتمت آباءهم وسببت آلهتهم وفعلت بهم فلا أعلم أحدًا أشأم منك على قومك ! فإن كان هذا الذي تريده هو الملك ملّكناك، وإن كنت تعاني من الشهوة زوّجناك عشرًا من أجمل نساء العرب وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تكون به أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد كذا فعلنا كذا، يعني علمنا ما مشكلتك، ما الذي يدعوك لتفعل ما أنت فاعله، نحن كنا مجتمعين وكنا على وحدة واحدة وكان لنا دين واحد، نعبد هذه الآلهة والأصنام، جئت أنت لتغير هذا كله! كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه وينصت على عادته في احترام المتحدثين فلما انتهى قال أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: اسمع ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)) واستمر النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ إلى أن قال (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) قام عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال ناشدتك الله والرحم يا محمد، ناشدتك الله والرحم، ناشدتك الله والرحم، ثم قام وقال يا قوم إني أرى أن تدعوا هذا الرجل فإن فاز وظفر بالمطلوب فشرفه شرف لكم، وإن خسر كفتكم العرب شأنه، قالوا والله لقد رجعت لنا يا أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهبت به، لقد سحرك محمد. انظروا فقط صفحة واحدة من كتاب الله فعلت هذا الفعل العجيب في هذا الرجل المتمرّد العاتي. الحاصل أن السورة كلها تدل على هذا الكتاب العظيم وتدعو إليه وتشير فيما تشير إليه إلى قضية الاستقامة والثبات على هذا الكتاب قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) إلى نهايتها، انظر مثلًا ذكر الكتاب (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) يعني فاصبر يا محمد (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) تستمر الآيات على هذا المنوال لتثبت أن هذا القران إنما جاء هداية للبشرية وحجّة على الخلق أجمعين.

بعد ذلك ننتقل إلى سورة الشورى

وهذه السورة أيضا من الحواميم وفيها زيادة على قول حم وهو قوله (عسق) وهذه السورة تتحدث ليس عن القرآن وحده وإنما عن الوحي جملة وعن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال الله فيها (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ثم قال مبينًا هذا القران بعد أن بيّن هذا الاعتقاد (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) هذه مواقف الخلق من كتاب الله عندما ينزل عليهم. ثم تستمر هذه السورة في ذكر الدلائل وذكر الإيمان بالبعث وما يتصل به ومناقشة المشركين إلى أن تأتي في المقاطع الأخيرة منها حيث يبين الله عز وجل صفات المؤمنين الذين آمنوا بهذا الكتاب قال الله عز وجل (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) فذكر تسع صفات للمؤمنين ومن بينها قوله (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وجُعل هذا اسمًا للسورة إعلاء لمكانة الشورى في الإسلام وليس المقصود بالشورى هو شورى الإمام مع رعيته أو وزرائه، هذا لون من ألوان الشورى ولكن الشورى في الإسلام أعم من ذلك هي منهج من مناهج الحياة التي لا تستقيم الحياة إلا بها، شورى المدير مع موظفيه، الأستاذ مع طلابه، الزوج مع زوجته، الأب مع أبنائه وبناته، إمام المسجد مع جماعة المسجد، الشورى منهج لأن الله قال (وأمرهم) أمرهم كلهم (شورى بينهم) دائمًا يتشاورون لا يستبد أحد منهم بشيء وقال في سورة آل عمران (وشاورهم في الأمر) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كمّله الله عقلا وحكمة وفضلا أمره أن يشاور من هم دونه وهم أصحابه عليه الصلاة والسلام ولكن لأن هذا الذي هو الذي يستدر طاعتهم، فالطاعة ما تُجلب بالقوة وإنما تُجلب بالمشورة فأنت إذا شاورت الناس جعلتهم يطيعونك ويساعدونك على إنجاح الأمر الذي شاورتهم فيه، أما إذا قلت لهم اذهبوا إلى هنا ولو كان هذا الأمر يعني صحيحًا وعاقبته رشد فإنهم لا يعينونك إذا كان ذلك الأمر عن غير اختيار منهم ولا قبول منهم. السورة استمرت وختمت بمثل ما ابتدئت به قال الله عز وجل (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) هناك قال (قرآنًا عربيا) وهنا يقول (روحًأ من أمرنا) فسمى الله القرآن روحًا للدلالة علة انه لنا كالأرواح لأبداننا وانه لا تستقيم حياتنا بدون القران كما لا تستقيم الأبدان من غير أرواح. قال (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) نسال الله أن ينير حياتنا وقلوبنا بهذا الكتاب وقبورنا وإيماننا به يوم القيامة

ثم ننتقل بعد ذلك الى سورة الزخرف

وهذه السورة من الحواميم وافتتحت بقول الله عز وجل (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي هذا الكتاب الذي بين أيديكم موجود في اللوح المحفوظ ومشرّف وفي مكانة عالية عظيمة. ثم ذكر الله عز وجل كثيرًا من الدلائل الدالة على وحدانيته وناقش هؤلاء المشركين في شركهم وأبرز شيئًا لم تبرزه السورة الماضية وهو انخداع الناس بالدنيا وأن الدنيا تصرفهم عن الإيمان بالآخرة ولذلك سميت سورة الزخرف، والزخرف هو الذهب الذي يخلب مرآه الأبصار ولذلك قال الله عز وجل (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) أي على الكفر (لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا) أي ذهبًا (وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) وتضرب السورة مثال لمن انخدعوا بالدنيا بفرعون الذي قال الله فيه (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) أي أنزل علينا العذاب، لما نزلت عليهم الآيات أرادوا أن يزيل موسى هذه الآيات وتعهدوا له بالإيمان وهذه الآيات هي: القمل والضفادع والدم وغيرها قال الله عز وجل (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) انظروا الى الغرور بالدنيا (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) يبين لهم أن ملكه خير من موسى انخدع بالدنيا والزخرف (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) هلّا كان موسى كذلك؟؟ عنده أسورة من ذهب وعنده قصور فارهة وعنده دنيا فارهة ولكن ما عنده شيء إذن لا يستحق أن يُتبع وهذه نظرة فرعون القاصرة إلى الأمر قال الله عز وجل فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا) أي أغضبونا (انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) العجيب أنه فخر على موسى بأن الأنهار تجري من تحته فأجرى الله الماء من فوقه وعذبه بما افتخر به. واستمرت السورة تتحدث عن هذا إلى أن ذكرت المقارنة بين أهل الإيمان وغيرهم في الجزاء قال الله عز وجل (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الحبور ليس هنا وإنما في الآخرة. (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ) وهذه سورة الزخرف ولذلك قال لا يغرّنكم ذهب الدنيا، فالذهب المعتبر والذي فيه الفخر هو ذهب الآخرة، عندما يطاف عليكم في الجنة (بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) اطلب ما شئت في الجنة حتى ينقضي بك الطلب ثم تُذكَّر اُذكُر كذا واذكر كذا حتى تطلب وتقول يا رب رضيت، من هو آخر من يدخل الجنة؟؟؟ هو آخر واحد يخرج من النار فيخرج وقد احترق فيغمس في نهر يقال له نهر الحياة فينبت كما تنبت الحِبة في حميّ السيل فإذا نبت حمد الله وقال لقد أنعم الله على بشيء لم ينعم به على أحد من خلقه، يظن نفسه أفضل إنسان في العالم لأنه نجا من الموت، فيبدي له الله عز وجلّ شجرة من بعيد شجرة جميلة جدًا وفيها ظل وارف وعندها ماء فيقول يا رب يا رب أسالك أن تدنيني من هذه الشجرة فأستظل من ظلها وأشرب من مائها، فيقول يا عبدي أرأيت إن أجبتك أخشى أن تسألني مسالة أخرى، قال لا والله يا رب لا أسالك غير هذا فيدنيه الله منها فيشرب من مائها ويستظل بظلها، ثم تبدوا له شجرة أحسن منها فيقول يا رب أدنني من تلك فأستظل بظلها واشرب من مائها، فيقول ألم آخذ عليك العهد أن لا تسألني غير ما سألتني، فيقول يا ربي لا أطيق فيدنيه الله منها فإذا دنا منها رأى باب الجنة ورأى الناس فيها من النعيم، فيقول يا رب أدنني من باب الجنة فيقول له الله عز وجل ألم آخذ عليك العهد والميثاق أن لا تسألني غير ما سألتني ؟؟فيقول يا ربي لا أطيق فيدنيه الله من باب الجنة فإذا أدناه الله ورأى هذه الجنة المهولة العجيبة لا يصدّق يعني يكاد عقله يطيش من الهول الذي فوق طاقة الإنسان، هنا يأتيه شيء لا يتصوره، ما هو؟؟ يقول له ربه يا عبدي ادخل الجنة فيقول أتهزأ بي وأنت رب العالمين قد امتلأت بأهلها يا رب؟؟؟ فيقول الله عز وجل ادخل الجنة فان لك مثل مُلك ملِك من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله وعشرة أمثالها. آخر واحد في العالم يدخل الجنة له مثل ملك خمسين ملك من ملوك الدنيا طبعا من ملوك الدنيا، سليمان الذي ملك بين المشرق والمغرب يعني مثل ملك الكرة الأرضية خمسين مرة هذا آخر واحد ثم يقول الله عز وجل وإن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك أو كما قال الحديث ما يصدق يكاد يموت من شدة الفرح نسأل الله أن يورثنا الجنة. يقول الله عز وجل (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) ثم يأتي بالمقابل (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) يصيحون صياحًا شديدًا في النار يا مالك وخازن النار (لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) لا نريد شيئا إلا أن يقضي علينا يقال إنه يجيبهم بعد أربعين ألف عام يقول (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.!!!! ( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) إلى آخر السورة، بعد ما بين ما للقرآن من منزلة وما فيه من عظمة وما فيه من أدلة وحجج بيّن متى نزل هذا القرآن فقال (حم والكتاب المبين).

سورة الدخان

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وهي ليلة القدر (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ) أي يفصل (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم) وتستمر هذه السورة بمثل ما جرت به السور الماضية لا تكاد تختلف عنها كثيرا.

ثم ننتقل بعد ذلك الى سورة الجاثية

وتسمى سورة الجاثية لقول الله عز وجل (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) الجثو هو النزول على الركب من شدة الهول الذي يراه الناس في يوم القيامة وتسمى أيضا سورة الدهر وسورة الشريعة وهي تستدل على الوحي والتوحيد بدلائل كثيرة جدا إلى أن تصل إلى نهايتها في قوله سبحانه وتعالى (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد.

https://www.youtube.com/watch?v=-O1AfwVY84k

 

https://soundcloud.com/nasser-alusfoor/mp3-5