مقاصد سور القرآن

مقاصد سور القرآن – سورة الأنعام

مقاصد السور

د. محمد عبد العزيز الخضيري

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا

سورة الأنعام

سورة الأنعام، هذه السورة الكريمة العظيمة سورة مكية بل ذكر المفسرون رحمة الله تعالى عليهم أنها نزلت في الليل جملة واحدة وهذا من الأمور الشائعة عند المفسرين رحمهم الله تعالى وفيه ملحظان عظيمان:

الأول أن هذه السورة تتحدث في صلب العقيدة، تدعو إلى التوحيد وتجادل المشركين وتبين تصرفاتهم وأفعالهم وتناقشهم على كل المستويات وإذا كان الأمر كذلك فإن مثل هذا لا يمكن أن ينزل تدريجيًا بل ينزل جملة واحدة لأنه حقٌ واحد بخلاف قضية الأحكام التي هي انتقال بالناس وبالنفوس من مرحلة إلى مرحلة، ولذلك نجد سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة تنزل في فترات متعددة. سورة البقرة نزلت أوائلها في أول هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وآخر آية في القرآن نزلت فيها (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٢٨١﴾ البقرة) فامتد نزول هذه السورة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن ودّع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحياة. أما هذه السورة سورة الأنعام فلأنها في صلب العقيدة ونقاش المشركين وفضحهم وبيان خلل عقولهم ومحاجتهم ومجادلتهم في كل الميادين التي جادلوا فيها والمقترحات التي اقترحوها وذكر مخازيهم وتصرفاتهم وأفعالهم فإنها جاءت جملة واحدة.

وفي الليل ليكون أدعى للتفكر في معانيها وحججها وفي طريقة إقناعها لأن الحجاج الموجود في هذه السورة يحتاج إلى عمق في التفكير وعمق في النظر أكثر مما هو موجو في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة التي امتلأت بذكر الأحكام والتكاليف وأيضًا حتى الأخبار التي يمكن للإنسان أن يفهمها من حين ما تصل إلى ذهنه وتطرق سمعه.

نتأمل في هذه السورة كيف أنها جاءت لتؤكد هذه المعاني العظيمة وتحقق هذه الغايات الشريفة والنبيلة والعالية والتي من أجلها بعث الأنبياء وأنزلت الكتب وقام سوق الجنة والنار وحصل الخلاف بين الموحدين والمشركين.

يقول الله عز وجلّ مستفتحًا هذه السورة بقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) والسور التي افتتحت بالحمد خمس: الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر وتجد أن هذه السورة التي افتتحت بالحمد فيها عناية بالتوحيد وفيها عناية بذكر صفات الرب سبحانه وتعالى ورد على المشركين، كل هذه السورة الخمس تجتمع في هذه الغاية. قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴿١﴾) أي يشركون (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ﴿٢﴾) أي ترتابون فيما جاءكم من الحق على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴿٣﴾). ثم يبين كيف يراوغون في قبول الحق (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴿٤﴾) وكل السورة مضى على هذه القضية كيف أن الحق يأتيهم واضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار ولكنهم يحيدون عنه فلا يقبلونه ويحاولون أن يقترحوا ويأتوا بما يدفعون هذا الحق عنهم (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) لو نزل كتاب من السماء وهم يرون عند نزوله في قرطاس من السماء فلمسوه ورأوا أنه لا يشبه شيئا مما في الدنيا لكان أول شيء يقولونه لك يا محمد (لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) سحرنا محمد! هذه أول واحدة من طرائقهم في الانحراف عن الحق ففضحهم الله فيه وجاء بحجتهم أو بطريقتهم في رد الحق قبل أن يفعلوها. ثم قال (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ﴿٨﴾) اقترحوا لِم يأتي رجل مثلنا لماذا لا يأتي ملك هو الذي يأتي بهذه الرسالة؟ لماذا ربنا يختار واحدًا منا ويصطفيه من بيننا؟ ألا يمكن أن يأتي بملك حتى يكون حجة الله على عباده؟ قال الله مبينًا أن الملائكة ما تنزل إلا بالعذاب (وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ) ثم قال لهم على سبيل الرد لشبهتهم (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴿٩﴾) لأنكم لا تطيقون التعامل مع الملك فسيكون الحال أننا سنجعل هذا الملك بصورة رجل وإذا جعلناه بصورة رجل قلتم ليس بملك فدرنا في دوامة من الرد والاعتراض عدم الإيمان. الحقيقة أن الحق واضح ولا يحتاج إلى هذه المماحكات وهذا الميل عن قبول الحق، إذا كان لكم اعتراض على الحق فقولوه، أنا جئتكم بأن أقول لكم هذا هو الله ربكم فاعبدوه وأنا أدعوكم إلى سبيل قاصد لا أدعوكم إلى نفسي ولا أطلب شيئا من الدنيا ولا أريد أن أحقق بما أدعوكم به شيئا من المآرب التي يدعو الناس إليها ويجتمعون عليها ولذلك قال الله عز وجلّ مهددًا إياهم (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿١٠﴾ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿١١﴾).

ثم تأتي الآيات على مثل هذا المنوال في ذكر شبهات هؤلاء الكفار وردها، يقول الله عز وجلّ مبينا ماذا سيحصل لهم في الآخرة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢١﴾ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٢٢﴾ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴿٢٣﴾) يقول الله عز وجلّ (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾) الذي كانوا يفترونه ويدعونه آلهة من دون الله ذهبت عنهم فلم تجدي عنهم يوم القيامة شيئا. يقول الله عز وجلّ عنهم (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿٢٥﴾ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) ينهون عنه أتباعهم وأولادهم ومن وراءهم (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) هم يصدون أنفسهم عنه ويعرضون عن قبوله (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).

ثم تستمر الآيات في ذكر الشبهات التي يطرحونها على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يلقن الله عز وجلّ نبيه الردّ عليهم (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٤٠﴾) هل عندكم أحد تدعونه غير الله في وقت الشدة والكرب؟! قال الله عز وجلّ (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴿٤١﴾) ثم يهددهم الله عز وجلّ بأنواع من التهديدات ثم تعود الآيات مرة أخرى ليقول الله عز وجلّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴿٥٦﴾) كل هذا الذي تفعلونه من عبادة غير الله هو اتباع للهوى (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) الذي تطلبونه مني وتستعجلونه به من طلب العذاب ليس عندي هذا إلى الله عز وجلّ لا أملكه ولا أستطيع أن آتي به (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ).

ثم يذكر في أثناء ذلك عظمة الرب سبحانه وتعالى وأنه هو المستحق بالعبادة دون سواه (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿٥٩﴾ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٦٠﴾ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴿٦١﴾ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴿٦٢﴾) ثم يستنطقهم ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٦٤﴾ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴿٦٥﴾) أي ننوّعها لهم نأتي مرة بذكر القيامة مرة بذكر الكرب وما يأتيهم مرة بذكر حججهم ودمغها ومرة بذكر القصص والأمثال. وتستمر الآيات على هذا المنوال إلى أن يضع الله عز وجلّ بين ايدينا نموذجا للحجاج والخصومة التي وقعت بين ابراهيم عليه الصلاة والسلام الذي يدّعي هؤلاء المشركون أنهم ينتمون إليه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ) وليس لغير لأبيه، أقرب الناس إليه (أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٧٤﴾ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) نقل الله إبراهيم من علم اليقين إلى عين اليقين فرأى ملكوت السموات والأرض ورأى كيف يحيي الله الموتى قال (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) من أجل أن يكون عند إبراهيم القوة في محاجة قومه، قوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام ويعبدون الكواكب على صنفين من الطريقة: عبادة الأصنام وعبادة الكواكب، وقيل إنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون على أسمائها أصنامًا في الأرض أيا كان فهم مشكرون، فجادل الذين يعبدون الأوثان في سورة الأنبياء وجادل هنا الذين يعبدون الكواكب لكن الجدل الإبراهيمي جدل عجيب جدًا بطريقة وأسلوب عند المناظرين يسمى أسلوب التنزل مع الخصم، وقف معهم وقال لهؤلاء الذين يعبدون هذه الكواكب لما رأى كوكبا (قَالَ هَذَا رَبِّي) لا يقصد بذلك أنه يثبت له الربوبية لكنه يقول: أنا سأتنزل معكم على أن هذا هو الرب (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ) إذا كان هذا يأتي ويذهب معنى ذلك أن هناك من يتصرف فيه وأنه يحضر مرة ويغيب مرة هذا لا يستحق أن يعبد (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿٧٧﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً) جاءت الشمس فغطّت على كل الكواكب وعلى القمر وذهب كل شيء (قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٧٩﴾) فماذا فعل قومه؟ (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) هذا يؤكد أن هذه السورة هي سورة الحِجاج مع المشركين، وحاجه قومه يقولوا له يا إبراهيم نحن نخاف عليك أن تصيبك هذه الآلهة بسوء أن تستأصلك يا إبراهيم ارحم نفسك! (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) أنا لا أخاف من آلهتكم هذه إلا أن ينزل الله شيئا من عنده (  وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا) كيف أنتم تهددوني بهذه الآلهة والأوْلى بكم أن تخافوا من شرككم مع الله غيره فهذا أحق بالخوف مني أنا لأن هذا إله حق وهذه آلهة مزعومة. قال الله عز وجلّ (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨١﴾ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) أي بشرك (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) قال الله عز وجلّ (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) هذا الأسلوب نحن أوحينا إلى إبراهيم أن يفعله مع قومه حتى يقنعهم أن لا يعبدوا هذه الآلهة وأن لا يشركوا مع الله سواه. ثم قال الله مبينا أن كل الأنبياء على هذه الشاكلة وقد ذُكر في هذه السورة جملة من الأنبياء لم يذكروا في أي سورة مجموعين أخرى قال الله عز وجلّ (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٤﴾ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٨٥﴾ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٨٦﴾ وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٨٧﴾ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٨٨﴾) احتجّ عليهم بأن الأنبياء جميعًا كانوا على هذه الشاكلة.

ثم تسير الآيات بذكر هذه الحقائق ودمغ الشرك وأهله واستئصاله من أساسه يقول الله عز وجلّ مبينًا عظمته (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴿٩٥﴾ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿٩٦﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٩٧﴾ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) يذكر آياته في الكون التي تدل على وحدانيته. بعدها يعقّب فيقول (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴿١٠٠﴾ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿١٠١﴾ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿١٠٢﴾ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿١٠٣﴾) إلى أن يذكر بعد ذلك بعض عادات العرب فيما توصلوا إليه وأن هذه إحدى افرازات الشرك توصل الإنسان إلى حضيض السفاهة قال الله عز وجلّ (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) ما عندهم إلا الظنون (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿١١٦﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿١١٧﴾). قال الله (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) كانوا لا يأكلون مما ذكر اسم الله عليه ويأكلون الميتة (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴿١١٩﴾ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴿١٢٠﴾ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) قد يقول قائل هذه أحكام فقهية ما الذي جاء بها في هذه القصة وفي هذه السورة؟ المجيء بها ليس على سبيل الأحكام الفقهية إنما لذكر العقائد، الأكل مما ذكر اسم الله، تحليل ما حرّم الله، تحريم ما أحلّ الله هذه قضايا اعتقادية وليست قضايا فقهية فرعية ولذك قال الله عز وجلّ (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٤﴾) يقترحون أن يكونوا رسلا وأن الله يبعث إليهم ويوحي إليهم كما يوحي إليك يا محمد! ثم يقول الله عز وجلّ (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٢٩﴾) ويقول جلّ وعلا (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴿١٣٦﴾). ثم قال (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ)انظروا ماذا يفعل الشرك بأصحابه والآن إذا نظرتم إلى أميركا في هذه الأيام أباحوا زواج المثليين! بإمكانك الآن أن تتقدم لخطبة رجل! أيّ حضيض وصلت إليه البشرية بسبب الشرك، وإلا من يتصور رجل يتزوج من رجل وامرأة تتزوج من امرأة؟! حتى البهائم ما تفعل ذلك ولا تقرّه ولا رأينا في البهائم ذكر ينزو على ذكر! قال الله عز وجلّ (و وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا) يحرّمون ظهور الأنعام فلا تُركب (وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿١٣٨﴾ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا) ما خرج من بطون هذه الأنعام خالص للذكور (وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ) إذا كان ما أخرج من بطنها ميتة فهم فيه شركاء، من أين لكم هذا؟ قال الله عز وجلّ (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿١٣٩﴾ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿١٤٠﴾) وما تزال الآيات تذكر من قبائحهم وأفعالهم الشيء العجيب إلى أن تتوقف عند ذكر قواعد هذا الدين الذي اجتمع عليها الرسل جميعًا ليس فيها أحكام فرعية بقدر ما فيها من أصول عظيمة اجتمعت عليها الشرائع كلها وهي الوصايا العشر في سورة الأنعام (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ليس هو الذي تفعلونه من تحريم أشياء أنتم تفترونها على الله، لا، (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) أول شيء (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فلا تعقوا الوالدين (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) لا تقتلوا أولادكم من فقر فالرزق بأيدينا، قال الله عز وجلّ (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) لأنه اشتهر في العرب أنهم كانوا يسطون على أموال اليتامى فلا يدعون لليتيم شيئًا (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) كان من الأشياء المشهورة عند العرب التطفيف في المكاييل والموازين ولذلك نزلت سورة (ويل للمطففين). (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿١٥٢﴾ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٥٣﴾) دارت السورة كلها على مجادلة هؤلاء المشركين فلم تنصرف عنهم لحظة واحدة ولذلك استحقت أن تنزل في الليل ليكون مكانا للتفكر في هذه الحجج وطريقة نقض الشرم ومخاصمة ومجادلة هؤلاء المشركين وتنزل جملة واحدة لأنه حق واحد لا تقبل التجزؤ، ليس هناك دعوة توحيد تبدأ بتحريم كل الأصنام إلا صنم ثم ذلك الصنم تحرمه بعد ذلك ثم تدعو إلى عبادة الله، لا، هذا لا يقبل المقاسمة ولا أنصاف الحلول ولذلك نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له المشركون يا محمد اعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة ما رأيك بهذا الحل الوسط؟ فأنزل الله (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿١﴾ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿٢﴾ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿٣﴾ وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴿٤﴾ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿٥﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴿٦﴾ الكافرون) مفاصلة. ولذلك ختمت هذه السورة بالتذكير بإبراهيم مرة أخرى قال الله عز وجلّ (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) قيمًا أي مستقيمًا، حنيفًا أي مائلًا عن الشرك إلى التوحيد قصدا وما كان ابراهيم من المشركين (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿١٦٤﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١٦٥﴾) كما افتتحت السورة ببدء الخلق ختمت بنهاية الخلق فانظر إلى هذا الإنسجام العظيم بين أولها وآخرها وهذه الموضوعية العجيبة في هذه السورة الكريمة التي هي أصل من اصول التوحيد ومحاجة المشركين ودفع خصومة هؤلاء المرتابين نسأل الله أن يجعلنا من أهل التوحيد الخالص وأن يميتنا عليه وأن نلقى الله سبحانه وتعالى عليه.

 

https://soundcloud.com/nasser-alusfoor/sfkqpwti6cer