الحلقة الثالثة – باب الذكر
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد. (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه) هكذا كان أبونا عليه السلام آدم وهكذا أراد الله عز وجل (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) بعد أن قال آدم وحواء (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) الأعراف) هذا الذي حدث، (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) وهي ذكر الله علمه كيف يذكر ربه ولهذا ما من شيء أنجى للعبد من ذكر الله عز وجل (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ). هكذا هو ذكر الله سبحانه وتعالى “ألا أدلكم على خير أعمالك وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الورق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال ذكر الله”، “من عجز منكم من الليل أن يكابده وعجز عن العدو أن يلقاه وبخل بالمال أن ينفقه فعليه بذكر الله” “ذهب الذاكرون بكل خير” سبق المفرّدون، قالوا من هم يا رسول الله؟ قال الذاكرين الله كثيراً والذاكرات” فذكر الله سبحانه وتعالى عبادة جليلة ما دمنا خطائين وما دمنا نرجو رحمة الله عز وجل وما دامت طموحاتنا تنحصر في مرضاة الله سبحانه وتعالى لكي ندخل باباً مباركاً في باب من أبواب الجنة فإن علينا أن نحتاط لذلك بما هو مضمون وقد يسره الله سبحانه وتعالى وهذا من نعمه ما كلفنا الله بأن نقتل أنفسنا كما كلف به بني إسرائيل، ما عليك إلا أن تستغفر الله سبحانه وتعالى وأن تكثر من ذكره. هكذا هو ذكر الله من العبادات الجليلة الجميلة البهية “لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله” إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راضٍ أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وذكر الله مقنن في هذا الدين بشكل عجب هناك أذكار كما تعرفونها جميعاً بفضل الله، كل المصلين يعرفون نوعاً من الأذكار لا حصر لها في كل مناسبة وفي كل خطوة وفي كل دخول وخروج، إذا كان لسانك قد تعود على ذكر الله فاعلم أنك قد أصبحت قريباً من مدخل باب من أبواب الجنة وما عليك إلا أن تموت على ذلك. إذا ختم الله لك بذلك وكنت من الذاكرين فقد فزت بما تريد أن تفوز به (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) كلنا زحزحنا عن النار بلا إله إلا الله ما من مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن عيسى رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم والجنة حق والنار حق إلا دخل الجنة على ما كان منه من عمل كما في الحديث المتفق عليه. ولكن هذا نصف، (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) نصف القضية، القضية والنصف الثاني (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) والجنة درجات عجيبة ينظر كل أصحاب درجة إلى الدرجة التي فوقهم كأنك تنظر إلى الكوكب الدري فتأمل كيف أن التفاوت هناك عظيم (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) الإنسان). فلا ينحصر همك في أن تدخل الجنة فإن الله قد يسرها لك بـ (لا إله إلا الله) التي منّ الله عليك بها كما لم يمنّ بها على أحد غيرك على هذه الأمة حصراً لا أدري لماذا ولكن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل وهذا من كرمه ومنّه (قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ (17) الحجرات). والمنّة هي الهدية التي لا تُعطى إلا ممن أعطاك إياها ليس هناك أحد يقدم لك هدية كهذه، هذه هي المنّة. فمنّة الله علينا أن جعلنا من الذاكرين بعد أن علمنا لا إله إلا الله بنقائها وصفائها بالشكل الذي انحصرت في هذه الأمة حصراً فعليك أن تتناغم معها. ولذلك لما جاء في الحديث ” يا رسول الله أمِنْها لا إله إلا الله؟ قال هي من أفضلها. إذن عليك أن تعرف أن ذكر الله سبحانه وتعالى هو الطريق الأسلم والأوضح والأجمل وأنت تعلم أنك لو عودت نفسك على ذكر كم إن لهذا التعود أسباباً وآثاراً عجيبة من صفاء النفس وصدق الحديث وزوال الكآبة وشيوع البهجة وأن تكون على صلة بالله سبحانه وتعالى لأن الله جليس من ذكر، يقول الله سبحانه وتعالى في القدسي (أنا جليس من ذكرني) ماذا تقول برب يجلس مع الذي يذكره وليس الذي يذكره يجلس معه (أنا جليس من ذكرني) فتأمل في هذا الحديث الصحيح كيف أن الله سبحانه وتعالى عندما تذكره كأنه ليس في هذا الكون غيرك، تخيل كيف أن الله يجلس معك، تخيل أنك الوحيد في هذا الكون ليس على وجه الأرض عبد من عباد الله إلا أنت فعندما تذكر الله فإن الله سبحانه وتعالى يسمعك ويجلس معك ويرقبك كأنك الوحيد هكذا كل ذاكر وكل ذكار فإن الله يجلس معه كما لو كان وحده. فذكر الله سبحانه وتعالى أعظم عباداتك فإذا مت ولسانك رطب من ذكر الله فقد مت ميتة حميدة وحينئذ تدخل الجنة بسلام وتدخل أبواب الجنة مدخلاً كريماً ومدخل صدق فإن ذكر الله يوم القيامة من العبادات المتجلية التي تنجي نجاة عظيمة إضافة إلى أنها ترفعه في أعلى الدرجات ورفعة الدرجة هي من طموحات المسلم فيسا من طموحاته لأنه ليس من طموحاته فقط أن يدخل الجنة لأن هذه قد حصلت بمجرد أن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله مصدقاً بها قلبه ومخلصاً وحجزته عن محارم الله وكلما أذنب تاب عندها دخل الجنة لكن في الجنة أين؟ هذا الجواب أو هذا السؤال تجيب عنه هذه الآية في ذكر الله عز وجل (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ (35) الأحزاب) (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.