الحلقة التاسعة
ضيف البرنامج في حلقته رقم (103) يوم الخميس 9 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور بدر بن ناصر البدر، الأستاذ بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة التوبة .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول الجزء التاسع من القرآن الكريم .
——————————-
سورة التوبة
محور السورة:
الحديث عن محور سورة التوبة ذكر من كتب في هذا الموضوع كالبقاعي وغيره سواء من تقدمه أو من جاء بعده أن الحديث في صفات بيان من أعرض عن بيان الله عز وجل، بما أن سورة الأنفال فيها بيان صفات أولياء الله وتوجيهات للمؤمنين وبيان أحوال لهم وعلى رأسهم نبينا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم جاء فيها ذكر شيء من حياته صلى الله عليه وسلم جاء في هذه السورة بيان جزاء من أعرض عن منهج الله عز وجل. هذه السورة مرتبطة بسورة الأنفال وسيأتي حديث في ارتباط هاتين السورتين. إذن هذا محور السورة: بيان صفات من أعرض عن منهج الله عز وجل وأيضاً جزاؤهم وعقابهم سواء بفضحهم في الدنيا وقد تكرر هذا في سورة التوبة أو ما سينالهم في الآخرة إن لم يتوبوا إلى الله عز وجل.
إسم السورة، لماذا سميت التوبة؟ ما دلالات هذا الإسم؟ هل لها أسماء أخرى؟
سورة التوبة فالمشهور منها والذي جاءت به السُنة إسمان التوبة وبراءة وهذا جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم “آخر ما نزل سورة التوبة”، وقال “فنزلت سورة براءة” فهذان إسمان جاءا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهناك جملة من الأسماء كثيرة جداً وقد وقفت على بعضها وأذكرها لكم: ومن أسمائها المخزية لأنها أخزت المنافقين والكافرين وفضحتهم وأبانت عوارهم. أيضاً الفاضحة لأنها فضحت سلوك المنافقين وطرائقهم في حياتهم حتى كان عمر رضي الله عنه يقول كلما سمعنا (ومنهم، ومنهم) خشينا على أنفسنا وهذا بلا شك من خوفه رضي الله عنه من الله عز وجل أن يكون من المنافقين ومعروف قصته مع حذيفة بن اليمان أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله يا حذيفة أعدّني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟ فحاد عنه حذيفة مرة واثنتين وثلاثة ثم فقال يا عمر لا، ولن أخبر أحداً بعدك، هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم في خوفهم من النفاق كما جاء عن الحسن البصري قال ما أمِنَه إلا منافق. الذي يأمن النفاق ويرى أنه أعلى منه وأنه لا يمكن أن يقع فيه فهذا رفع نفسه منزلة عالية والإنسان الله المستعان في طرفة عين يزل لسانه أو توجهه فيقع في مثل صفات هؤلاء المنافقين التي تضمنتها السورة. ومن أسمائها الكاشفة لأنها كشفت عيوب الكفار والمنافقين. وسميت أيضاً المبعثِرة لأنها بعثرت أخبارهم وهتكت استارهم. وأيضاً من أسمائها المثيرة، ومن أسمائها المدمدمة لأنها دمدمت العرب في قلوب المنافقين. وأيضاً المشددة لأنها قست عليهم وفضحتهم وخوفتهم عقوبة الله عز وجل إن لم يتوبوا وينيبوا. ومن أسمائها البَحوث لأنها بحثت في أحوالهم وأمورهم وأيضاً العذاب ومن أسمائها السيف لأن فيها آية السيف على قول بعض المفسرين وتكرر فيها الأمر بالجهاد، بمحاربتهم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ (73)) فهذه كلها أسماء لسورة التوبة وكلها تدور في هذا الفلك. ويسميها بعض العلماء بالغزوتين لأنها اشتملت على الحديث على غزوة حنين وتبوك، في سورة الأنفال في غزوة بدر وفي الأحزاب عن غزوة الأحزاب أما التوبة فاشتملت على غزوتين غزوة حنين وغزوة تبوك فسميت بسورة الغزوتين.
د. عبد الرحمن: المناسبة بينها بين سورة الأنفال وسورة التوبة؟ ولماذا البسملة غير موجودة في سورة التوبة؟
علم المناسبات بعضها واضحة وصريحة وبعضها فيها تكلّف وبعضها وسط بينهما لكن بالذات سورة الأنفال وسورة التوبة تناسب عجيب. أولاً سورة الأنفال الحديث فيها عن منهج المؤمنين وذكر صفاتهم والجهاد في سبيل الله والتوجيهات وسورة التوبة أيضاً هي كالشارحة كالمبينة لسورة الأنفال فإنها قد بينت جزاء من أعرض عن منهج الله وبيان صفات هؤلاء المعرضين من المنافقين والكفار وبيان عقوبتهم وبيان صفاتهم ولها ارتباط وثيق بسورة الأنفال ومثل هذا سورة الفيل وقريش بينهما ارتباط من نجاة الله عز وجل لقريش من أصحاب الفيل أن الله أنعم عليهم برحلتي الصيف والشتاء بعض السور بينها تقارب ومناسبة قوية. وأقوى مناسبة هي المناسبة بين هاتين السورتين سورة الأنفال وسورة التوبة. وهذا يقودنا للحديث عن سبب عدم ورود البسملة بينهما؟ الأقوال في ذلك كثيرة وأقوى هذه الأقوال قولان: أما القول الأول فهو الأثر المشهور الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة وأبو داوود والترمذي وجماعة من أهل العلم أن ابن عباس رضي الله عنهما سأل عثمان رضي الله عنه ما الذي جعلكم لم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم؟ يعني بين سورة الأنفال والتوبة، قال له عثمان رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عليه الزمان وتتنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من يكتب ويقول فيقول ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أول من نزل في المدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً ثم قال وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيّن لنا أنها منها، فهذا قول يرى أنها لقوة تلاحمها وهو لا يدري هل هي مفصولة منها أم لا فتركوا البسملة لأنه جاء في الحديث الآخر أنهم كانوا يعرفون بداية السورة ببسم الله الرحمن الرحيم، هذا قول. هناك قول ثاني أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما ولكنه ليس بصحة الإسناد مثل الحديث الأول، أن ابن عباس رضي الله عنهما سأل علياً رضي الله عنه لم لم تكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال علي رضي الله عنه قال إنها سورة براءة وعقوبة وتبرؤ فكيف يناسب أن تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم؟ هذان قولان والعلم عند الله عز وجل والمسأله اجتهادية وليس هناك نص عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ولكن الذي يجب أن نعتقده وأن نقف عنده أنه هكذا كتب في عهد الصحابة وارتضوه في عهد عثمان رضي الله عنه على هذا الترتيب وعلى هذا الصنيع فلا يجوز فلإنسان أن يضع الآن بسم الله الرحمن الرحيم أو يشاق أو يعاند فيجب أن نحترم هذا الجمع الذي اجتمعت عليه الأمة من عهد عثمان رضي الله عنه إلى أن نلقى الله عز وجل.
د. عبد الرحمن: الحديث الذي أشرت إليه بين ابن عباس وعثمان رضي الله عنهم فيه إشارة أن الصحابة كانوا يلاحظون المناسبات بين السور، قال (قصتها شبيهة بقصتها) ثم دعاهم إلى هذا العمل.
أنهم لم يكتبوا فيها سطر “بسم الله الرحمن الرحيم”
محاور سورة التوبة
د. عبد الرحمن: ذكرتم أن السورة تتحدث عن بيان المنهج الذي إرتضاه المعرضين من المنافقين والمشركين، دعنا نأخذ محاور السورة
أنا أعتمد بعد الله عز وجل على جهد المشايخ من كتب في هذا فمن كتب جزاهم الله كل خير اجتهدوا في تحديد مقاطع السورة وإن كان هذا يحتاج إلى جهد كبير قد تختلف في وجهات النظر فبعضهم يجعلها ستة مقاطع بعضهم يجعلها عشرة من باب التفصيل وبعضهم يضمها ويجعلها أربعة ولكن فيما أرى والله أعلم أنها تنقسم إلى ستة مقاطع:
المقطع الأول من الآية 1 إلى الآية 24، هذا نبذ عهود الكفار إليهم وأنهم لا يرقبون في أحد من المؤمنين إلا ولا ذمة وبيان كيفية التعامل معهم.
المقطع الثاني من الآية 25 إلى الآية 27 وهذا في غزوة حنين وما يرتبط بها، بيان حال المؤمنين وما اعقبهم الله عز وجل من العزّ والتمكين
المقطع الثالث يبدأ من الاية 28 إلى الآية 35 فيه حديث عن نجاسة المشركين والنهي عن دخولهم البيت الحرام الأمر بقتال أهل الكتاب الذين لا يدينون دين الحق وبيان بعض صفاتهم بيان أنهم يريدون أن يطفئوا نور الله وهذا واقع في كل زمان ومكان نسأل الله أن يكفينا شرورهم
المقطع الرابع آيتان 36 و37 الكلام عن الأشهر الحرم وما يرتبط بها وهذه المقاطع بينها ترابط واتصال، الكلام عن تحديد الأشهر الحرم هذا مهم لأن الكلام كان عن الكفار ونقضهم للعهود
المقطع الخامس مرتبط بالحديث عن غزوة تبوك بدءاً من تهربهم وضعف المنافقين وعدم الحرص وما حصل في أثناء الغزوة وقبلها وما بعدها أيضاً، من الآية 38 إلى الآية 127 وهو أطول مقطع ويشغل معظم السورة يتناول الجو العام لغزوة تبوك. جميع الأحداث مثلاً مسجد ضرار، موت عبد الله بن ابي لما أراد النبي أن يصلي عليه وموقفه مع عمر ومع ابنه عبد الله، كله في الجو العام للغزوة سواء قبلها بقليل أو في أثنائها أو بعدها،
د. عبد الرحمن: هل في هذا دلالة إلى أن النفاق أكثر ما يظهر في أجواء الجهاد والنفير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ (38))؟
لا شك، وما أجمل (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) وأنا اخترت بعض الآيات لنقف مه هداياتها ودلالاتها.
المقطع الأخير هما الآيتان الأخيرتان 128 و129 في الكلام عن حكمة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعض صفاته وخلاله بأبي وأمي عليه الصلاة السلام.
د. عبد الرحمن: هذا تقسيم رائع ولعل هذا يكون درساً يتعلم منه المشاهدون كيفية تقسيم السور تقسيماً موضوعياً مبني على الاجتهاد فأنت قد تقسمها إلى ستة مقاطع وقد تجد بعض الباحثين يقسمها إلى أربعة وبعضهم يقسمها إلى عشرة وليس هناك مشكلة في هذا لأنها تعتمد على وجهة نظر الباحث.
بالأمس أظن ضيفكم الدكتور مصطفى مسلم أشار إلى الجهد المبارك الذي قامت به جامعة الشارقة حين أصدرت هذه الموسوعة الكبيرة للتفسير الموضوعي للسور وهذا جهد مبارك
د. عبد الرحمن: حقيقة ما أشرنا إليه لكن لعلنا إذا استضفته في المرة القادة أطلب منه أن يشير إليه.
نفتح باب الحديث فيه هذا جهد مبارك كذلك في تقسيم البقاعي في كتبه نظم الدرر
د. عبد الرحمن: الشيخ بدر يشير إلى موسوعة التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم التي صدرت عن جامعة الشارقة في عشرة مجلدات بإشراف الدكتور مصطفى مسلم الذي كان ضيف البرنامج بالأمس.
د. عبد الرحمن: دعنا نشير إلى المقطع الأول من السورة (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) ما ارتباطه بمحور السورة التي أشرت إليه؟
(بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) هذا فيه بيان عقوبة هؤلاء وأن الله تعالى تبرأ منهم وبيان أن يكون لنا موقف من هؤلاء وتبرؤنا منهم كراهيتهم بغضهم وعدم السير في ركابهم وعدم أخذ منهجهم وطريقتهم وهذا لا يعني الاعتداء عليهم بغير حق أو التجاوز أو هضم الحقوق هذا ولله الحمد أمور قررتها الشريعة في حقوق الإنسان عموماً وهذا أمر واضح لكن الذي أقصده أن هذه الآيات فيها بيان نبذ عهدهم إليهم إذا نقضوا العهد وأن على المؤمنين أن يحترسوا في التعامل مع هؤلاء وأن يعرفوا أن هؤلاء قلوبهم مليئة بالضغينة والحقد والكراهية (لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً)، الإلّ هنا قيل فيها عدة أقوال قيل إنها المحبة، قيل القرابة، قيل الأخوة فيها عدة أقوال لكن تدور في فلك أنهم لا يراعون (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (120) البقرة) لكن مع هذا نحن نلتزم معهم المنهج الشرعي في مسألة الولاء والبراء.
د. عبد الرحمن: في قوله تعالى في السورة (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (6)) ما تعليقك على هذه الآية؟
أعلم أن الوقت ضيق ولكني اخترت بعض الايات للوقوف على هداياتها ودلالاتها وإلا فالسورة تحتاج لوقوف أكثر ومن ذلك هذه الآية. هذه الاية (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ) هذه يستدل بها علماؤنا من أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله وأن له حروف وأنه يُسمَع (حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ) (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وفيها لفتة مهمة أن أعظم ما يدعى به الناس يوعظ به الناس هو القرآن ويوجه به الناس هو كلام الله عز وجل ولذلك يحضرني كلمة نفيسة للحافظ بن حجر رحمه الله في فتح الباري يقول: إن إسماع الناس كلام الله عز وجل من أعظم أبواب الدعوة إلى الله عز وجل بل هو أعظم أبواب الدعوة إلى الله عز وجل. بعض الناس يظن أنه لن يؤثر في قلوب الناس إلا بالقصص بالحكايات وقد يتوسع للأسف فيأتي بأحاديث موضوعة فيكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أو حكايات مختلقة، نقول لا بأس بالقصص في باب الوعظ والتذكير لكن لماذا لا نستفتح حديثنا بالقرآن؟. عمر رضي الله عنه كان إذا جلس مع أصحابه قال يا عبد الله بن قيس، يا أبا موسى ذكِّرنا الله والدار الآخرة قال فيقرأ عليهم القرآن، وليست مجرد القراءة فقط وإنما نقف على هداياته ودلالاته. وهذا كلمة أنصح بها نفسي وإخواني جميعاً لا توعظ القلوب ولا تستصلح أحوال الناس إلا بكتاب الله عز وجل فلنبدأ خطبنا ومواعظنا وحديثنا بكلام الله سبحانه وتعالى وحبذا بل هو الواجب أن نعلق على هذه الآيات من كلام المفسرين سلفاً وهذا هو الأفضل أو من كلام المتأخرين وهذا الذي تستصلح به أحوال الناس وما يأتي بعد ذلك فهو خير ولكن الأهم أن ننطلق من كلام الله عز وجل.
آية أخرى يسميها العلماء آية المحبوبات الثمانية (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)) (فَتَرَبَّصُواْ) تهديد. هذه آية عظيمة ذكر الله تعالى فيها هذه المحبوبات الثمانية التي في الغالب تتعلق بها القلوب الأباء والأبناء والإخوة والزوجة والعشيرة والأموال والدور هذه إذا كان الإنسان يقدمها على ما يطلبه الله عز وجل من عبده على ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم فليحذر (فَتَرَبَّصُواْ). وأيضاً في مسألة الجهاد لا يقدمها إذا حق الجهاد وجاءت أموره بضوابطه وبأحكام التي ذكرها العلماء فالإنسان يكون على حذر أن لا يقدم هذه الأمور على محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. والله جل وعلا بيّن لنا أن المحبة الحقيقية هي التي يتبعها الاتباع واستجابة (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (31) آل عمران) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ (24) الأنفال) ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل وهذه المحاب هي محاب طبيعية كل إنسان يحب الزوجة يحب الب والإبن والعشيرة لكن لا تقدم على مراضي الله على أوامره الله ولا تكون سبباً في أن يقع الإنسان في ما حرم الله عز وجل كأن يسرق أو يأخذ مالاً حارماً ينتصر لعصبية قبلية وغيرها من الأمور المحرمة وهي مثيرة للأسف فالإنسان يتقي الله ولا يقدمها على أوارم الله أو يتجاوز بسببها فيقع فيما حرم الله.
د. عبد الرحمن: الحجاج سأل يحيى بن يعمر وكان من النحويين المتشددين في زمانه قال هل تسمعني ألحن؟ قال لا، قال عزمت عليك، فقال نعم قال فيم؟ قال في القرآن قال هذه أسوأ، قال في هذه الآية أنت تقول (أحبُّ) فقال لن تسمع لي لحناً بعد اليوم وأخرجه إلى الكوفة ونفاه على ما أظن، مع العلم أنهم يقولون أن الحجاج لم يُعرف عنه لحن لا في جد ولا في هزل.
د. عبد الرحمن: آية تستوقفني (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34))
هذه فرصة والناس في هذا الشهر ينطلقون بالزكاة في رمضان وإن كنا نحن لا نربط الزكاة برمضان ولكن بعض الناس اعتادوا أن يحصرون أموالهم ويخرجون الزكاة طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم. لا شك هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)) هذه الآية وعيد شديد وقد أبانها النبي صلى الله عليه وسلم أنها تصفح لهم صفائح من حديد فتحمى في نار جهنم فتكوى بهم وهذه عقوبة شديدة لمن تضعف نفسه ويغلب عليه شيطانه سواء من شياطين الإنس والجن ويضعف عن أداء الزكاة. فأدِّ أخي المسلم زكاة مالك فهي ركن من أركان الإسلام وطهرة لمالك ونقاء لقلبك وطمأنينة وعطفاً على إخوانك المساكين. فهاتين الآيتين فيها وعيد شديد لمن يتخاذلون ويتقاعسون ويبخسون الناس حقوقهم. ثم إذا أردت أن تؤدي الزكاة فالله سبحانه وتعالى أرشدك من يستحقون الزكاة في نفس السورة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)) بعض الناس للأسف يرى أن الزكاة حمل على كتفيه يلقها في أي مكان أو يبرّ بها صديقاً له أو قريباً له وهو يعرف أنه غير مستحق لها وهذا لا يجوز أنما يجب توضع في محلها الذي أمر الله به هذه فريضة وليس لنا أن نجتهد بعد كلام الله سبحانه وتعالى، هذه فريضة، محددة، لا يجوز أن أن يتزلف أحد بها ليكسب فلان أو علان هذا لا يجوز، مسألة الزكاة أخطر من مسألة الصدقة الزكاة أمرها كبير فأقول ليست الزكاة حملاً على الكتف يلقيها الشخص في أي مكان بل توضع في مكانها طاعة لله وسمعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الإنسان يعطيها بطيب نفس وطيب خاطر في الايات التي بعدها بآيات يقول تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)) الصلاة هنا أغلب المفسرين على أنها الدعاء لهم ولهذا ينبغي سواء الذين يجبون الزكاة (الجباة) أو الفقير إذا أعطاه الغني أن يدعو له يقول له جزاك الله، بارك الله في مالك، حتى أنا وأنت نسمع وكل من نراه يبادر، نسمع عن متبرع فندعوا له ونبارك له ويجب أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت هذه كلها إرشادات وتوجيهات ونحن نؤكد على هذه القضية في هذا الشهر المبارك لأن الناس يكثر صدقاتهم وزكواتهم في هذا الشهر.
آية في قلبي محبة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)) نحن نحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتقرب إلى الله عز وجل بمحبتهم والترضي عنهم والله عز وجل يعلم ما في قلوبنا من محبتهم وأن قلوبنا تنبض وتمتلئ بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرى أن هذه قربة وطاعة لله عز وجل، ذكرهم اله تعالى في سورة التوبة وفي مواضع كثيرة من القرآن (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) آمنوا عندما كفر الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وأمدوه وأعانوه وحياتهم سير عطرة تكتب بمداد من ذهب (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) إتبعوهم بإحسان بعض المفسرين يرون أنها في التابعين الذين أدركوهم وصحبوهم واستفادوا من علومهم وساروا على منهجهم ومنهم من يقول وهذا هو يرجحه كل المفسرين أنها عامة وندخل نحن فيهم ونسأل الله أن نتبع طريقتهم وفي هذا بيان أنه يجب أن نلزم منهج الصحابة رضي الله عنهم لأن منهجهم هو الحق في فهم كلام الله وفي تفسير كلام الله في محبة النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيمه في اتباع سنته ولا خير إلا على طريق منهجهم رضي الله عنهم (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
بعدها بآيات الكلام عن غزوة تبوك والكلام فيها كثير وأخذ مقطعاً كبيراً في السورة، الكلام عن حال الصحابة وموقفهم واعتذراهم وما حصل لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم هم الثلاثة كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة ابن الربيع كيف ضاقت عليهم الدنيا وكيف حصل لهم من الهجران وجلسوا لا أحد يكلمهم لأنهم تخلفوا من غير عذر ولم يكذبوا وكان باستطاعتهم أن يكذبوا مثلما كذب المنافقون لكن الصدق منجاة والكذب مهواة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)) ضاقت بهم الدنيا، وكان كعب بن مالك يقول كنت آتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأنظر إلى شفتيه هل رد السلام أو لا يرد، كل ينتابه الضيق، أُبعدوا عن زوجاتهم من غير تطليقهم ثم يبتلون وجاءه خطاب من ملك تغلب إلى كعب قال أنه ليس عليك هوان في بلدك تعال عندنا فرأى أيضاً ذلك زيادة في المحنة فسجّر به النار ثم بعد ذلك جاءت التوبة والفرح فخلع ثوبيه وأعطاه لطلحة بن عبيد الله، فرح بهذه الآيات التي تتلى فيهم ولذلك قال والله لا أكذب لا مازحاً ولا جاداً أو نحو ذلك. فلننظر إلى مكانة الصدق وعظمه في دين الإسلام الإنسان يقرأ هذه الآيات ويستشعر قبل حالهم حال مسجد ضرار الذين حاولوا أن يفتنوا المسلمين فيجتمعون فيه على الشر والسوء فالحمد لله أخزاهم الله وفضحهم
د. عبد الرحمن: يلفت نظري أن السورة مع أنها ذكرت المنافقين كثيراً (ومنهم، ومنهم) لكن لم يذكر فيها إسم أحدهم عبد الله بن أبي مثلاً؟
أولاً لأن هؤلاء ليس لهم ذكر حتى يُعلى لأن ذكر إسمهم فيه علو لهم، الأمر الثاني ليكون عاماً لهم ولمن بعدهم.
ختام السورة:
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) في هذه بيان لصفات الرسول صلى الله عليه وسلم أنه الرؤوف الرحيم بأمته والرسول صلى الله عليه وسلم عنده الرحمة العامة للخلق جميعاً (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) وفي قلبه رحمته مخصوصة لأمته من التيسير وعدم العنت وعدم المشقة “لولا أن اشق على أمتي” حتى في التراويح صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أو ليلتين ثم تغيب خشية أن تفرض عيلهم لشفقته ورحمته. ورحمته حتى بالحيوان والجمادات عليه الصلاة والسلام. ثم ختام هذه السورة التوكل على الله والاعتماد على الله (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)). الحافظ بن كثير ذكر أنه من أذكار الصباح والمساء أن يقول المؤمن حسبي الله الذي لا إله هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وذكر في هذا حديثاً فيه كلام عند أهل العلم وبعضهم يحسنه ويقوله سبع مرات صباحاً ومساءً.
سؤال الحلقة
في الجزء التاسع آية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم. فهي حث على قبول ما سهل من أعمال الناس وأخلاقهم، والإعراض عن إساءتهم وجهلهم.
وقد قال عنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: ما أنزل الله-أي هذه الآية- إلا في أخلاق الناس.
فما هي هذه الآية؟
———————————
رابط جودة عالية
http://ia360700.us.archive.org/1/ite…i9/tafsir9.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia360700.us.archive.org/1/ite…9/tafsir9.rmvb
رابط للجوال
http://ia360700.us.archive.org/1/ite…sir9_512kb.mp4
رابط صوت