الحلقة الخامسة
ضيف البرنامج في حلقته (99) يوم الأحد 5 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله الربيعة ، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة المائدة .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول الجزء الخامس من القرآن .
—————————–
سورة المائدة
إسم السورة، لماذا سميت سورة المائدة بهذا الإسم وما دلالته؟
سورة المائدة لها عدة أسماء أشهرها وهو الإسم الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وسميت سورة العقود وإن كانت هذه التسمية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وسميت بسورة الأحبار وكل ذلك له مناسبة. لكن لعلنا نقف مع الإسم الأساسي لها الثابت المعروف وهو المائدة. ورد فيها قصة المائدة وهذه القصة تشير إلى معجزة أنزلها الله عز وجل آية أنزلها الله تعالى على عيسى وعلى قومه حين قالوا (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112)) قال تعالى في آخر القصة (قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)) فجاءت هذه القصة في السورة فكانت عنواناً لها وما وردت إلا في هذه السورة.
لعلنا نتساءل عن ورود القصة في هذه السورة ومناسبتها لمقصد السورة؟ وهذا يجرنا إلى مقصد السورة حتى نربط بين المقصد والإسم.
مقصد السورة هو أنها تسمى سورة العقود فيها مواثيق وفيها عقود وفيها أوامر وفيها تشريعات حتى قال بعض المفسرين ومنهم القرطبي قال إن فيها 18 فريضة وهذا يدلنا على أن سورة المائدة فيها من التشريعات ما ليس في كثير من سور القرآن بل قد لا يسبقها في التشريعات إلا سورة البقرة.
د. عبد الرحمن: فيها 18 فريضة مخصصة بها ليست في غيرها؟
قد يكون هناك اشتراك مثل الخمر ذكر في النساء والبقرة والمحرمات لكن فيها تفصيلات وفي سورة المائدة تكملات تكميل للتشريعات كأن الله عز وجل أراد أن يختم هذا القرآن وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن، آخر التشريعات نزلت في سورة المائدة ونلاحظ أن من آخر التشريعات فيها الوصية يشعرك بوصية الله عز وجل لعباده كأنه يقول هذه وصيتي لكم هذه التشريعات وصيتي لكم ولذلك افتتحت بالنداء الإلهي العظيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) العقود هي كل ما أمر به الله عز وجل ورسوله هي أولاً ما بين الله وبين عباده من الأوامر والنواهي والحلال والحرام هذه كلها عقود ومواثيق ولذلك قال عز وجل (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)) فهذه افتتاحها بالعقود يدل على أنها سورة العقود وفيها أوامر ولذلك جاء النداء الإلهي بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) ورد في هذه السورة 16 مرة مما يدل على أنها تحمل نداءات إلهية مهمة وعظيمة وتأكيدات.
بعد أن حددنا المقصد وهو أنها في العقود والمواثيق ولذلك جاء فيها لفظ العقود والمواثيق عدة مرات (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ (12)) (وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ (7)) (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ (13)) (أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ (14)) (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (70)) كلها فيها توثيق.
د. عبد الرحمن: من فوائد كلامك أنها من آخر ما نزل فيها فائدة ممتازة في علوم القرآن يعني الآيات التي فيها كلها ناسخة وليست منسوخة مثل آية الخمر
مناسبة القصة:
فيما يتعلق بمناسبة القصة فإن الله عز وجل أخذ على بني إسرائيل الميثاق (قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115)) ففيها ميثاق بعد أن أنعم الله عليهم بهذه النعمة أخذ عليهم الميثاق وهذا فيه وإشارة وتحذير إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن ما أنزل عليهم من هذه النعمة نعمة القرآن نعمة الإسلام نعمة هذه التشريعات التي بينت لهم حياتهم والتي أخرجتهم من الظلمات إلى النور فإن هذه التشريعات ما هي إلا بصائر لهم في حياتهم ونور لهم في سلوك هذا الطريق. إشارة حينما يأتي تشريع يتذكرون موثق الله عز وجل لبني إسرائيل إن لم يأخذوا به فقد يأخذهم الله بعذاب. وهذا يذكرنا بقصة البقرة التي جاءت في سورة البقرة أنها جاءت قصة البقرة إشارة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا حال بني إسرائيل فاحذروه في تلقي أوامر الله عز وجل ولذلك نلحظ أن هناك تشابهاً بين سورة البقرة والمائدة من حيث أن سورة البقرة فيها تشريعات أصول فيها فرائض فيها الضرورات الخمس والمائدة فيها التكميل، ولذلك نلحظ أنه جاءت آية الحرمات (حرمت عليكم الميتة) هناك مختصرة وهنا مفصلة، آية الخمر جاءت في سورة البقرة مختصرة وجاءت في المائدة مفصلة في تحريمها، (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ (4)) هذه تكميل وأمور خفية ربما يحتاجونها وما تعرضت لها سورة البقرة ولا غيرها.
د. عبد الرحمن: لعله من المناسب قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3)) فيها هذا الجانب من التكميل.
من الموضوعات في مقدمة السورة تعرضت السورة للصيد وشرائع الحج والمحرمات (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ (3)) ونكاح الكتابيات والوضوء والتيمم والسرقة والبغي والقتل والوصية وكفارة اليمين كل هذه التشريعات التي تضمنتها هذه السورة العظيمة مما يؤكد على أهمية تعلّمها ولذلك جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه في فضلها قال تعلّموا سورة المائدة وعلِّموا نساءكم سورة النور فهي هذه مهمة للرجال لأن فيها أحكام مهمة عظيمة في الحلال والحرام وتلك مهمة للنساء لأن فيها الآداب والأخلاق والعفة وفيها حفظ الحرمات والأعراض
د. عبد الرحمن: مقصد سورة المائدة هو العقود والوفاء بالعقود، هل يمكن تقسيم السورة إلى محاور أساسية؟
نستعرض ما تيسر منها، الله عز وجل افتتح السورة بهذا النداء وجاء بأمر عظيم عام وهو (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (1)) فهي شاملة للعقود السابقة واللاحقة والأوامر ثم قال (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ(1)) فابتدأ الله عز وجل امتناناً على الأمة بالحلّ وهذا فيه امتنان وتسلية للأمة أن الله عز وجل أحل لها كثيراً وحرّم عليها قليلاً ولذلك حوصرت المحرمات (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ (3)) فهي محدودة لكن المحللات (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ (5)) فهذا من فضل الله عز وجل علينا أن الله أباح لنا الطيبات كلها ولم يحرم إلا القليل فهذا مما نغتبط به أمة الإسلام. ثم بعد ذلك بدأ بالمحرمات والعقود وهذه الشعائر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا (2)) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ (3)) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ (4)) (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (5)) ثم حكم الوضوء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ (6)) ثم ذكر الله عز وجل بنعمته عليهم (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ (7)) ثم يؤكد مرة أخرى عليهم (وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ (7)) لكي يجمع بين النعمة والميثاق كما كان في بني إسرائيل في المائدة الله عز وجل أنعم عليهم المائدة ليشهدوا بدين عيسى عليه السلام ويكون ذلك ميثاقا لهم كما طلبوا هم (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)). ثم انتقل الحديث إلى بني إسرائيل وهنا مناسبة وهو أنه أطال الحديث عن بني إسرائيل هنا اليهود والنصارى والنصارى أكثر، في البقرة هناك محاجة لليهود وهنا محاجة للنصارى في آيات كثيرة أكثر من اليهود مع أن اليهود لهم ذكر ولذلك قال الله عز وجل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا (12)) إلى أن قال (وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً (13)) يذكر الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الأمة التي بعث الله فيهم اثني عشر نقيباً ليس نقيباً واحداً كما أرسل الله لهذه الأمة نبياً واحداً وأمرهم (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) ماذا كان منهم؟ نقضوا الميثاق وكفروا ثم قال الله عز وجل عن النصارى (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14)) وهذا يعطينا درساً عظيماً أننا حين ننسى ما ذكرنا به وننسى شرع الله عز وجل وهذا مؤذن بأن يوقع بيننا العداوة والبغضاء وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر وتأخذن على يد السفيه أو ليخالفن الله بين قلوبكم أو ليضرب الله قلوب بعضكم ببعض. هذه نقطة مهمة جداً أننا كلما نقضنا عهد الله وتركنا شرع الله فإن هذا مؤذن بالاختلاف.
د. عبد الرحمن: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) أشرت في بداية الحديث أن السورة تكميلية لما في سورة البقرة فما دلالات هذه الآية؟
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) كأن فيها إشارة صريحة أن الله صرح فيها أن هذا الدين قد كمل في التشريعات وإلا فإن سورة النصر تأخر نزولها وربما بعض آيات سورة البقرة لكن عموم التشريعات. استوقفني وربما يستوقف كل قارئ متدبر هذه الآية وموقعها في آية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ). لو نظرنا في المصحف قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ) إلى أن قال (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) ثم انتقل إلى أول السورة (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فالقارئ المتدبر لا بد أن يسأل لماذا جاءت هذه الآية مع أنها أنزلت وحدها عشية عرفة في حجة الوداع، نزلت لوحدها، لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها هنا؟ والله أعلم هذه السورة فيها تفصيلات وحرمات وتأكيدات ومواثيق وعهود جاءت هذه الآية في وسط الأحكام لتستوقف القارئ ليعرف نعمة الله عز وجل عليه في هذه التفصيلات وهذه التوضيحات وهذه التشريعات وليعرف أن الدين قد كمل لن يأتي بعد اليوم أحد يقول أين نجد حكم هذه النازلة أو هذه الحادثة أو هذه المعاملة؟ فوجود هذه الجملة في آية فيها تفصيلات يدل على أن هذا الدين جاء حتى بالتفصيلات (ما فرطنا في الكتاب) فأنت أيها المتدبر يجب أن تستشعر هذا المعنى العظيم والله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أنك تعلم أن ليس هناك حكم إلا ولله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيه بيان شافي. هذا معنى عظيم تعطينا إياه هذه السورة كما أن هذه الجملة فيها امتنان من الله عز وجل يجب أن نعرف نعمة الله عز وجل علينا بكمال الدين ولذلك قال فيها (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) كأن الله تعالى يقول يجب أن تبصروا نعمة الله عليكم ببيان الدين أليس بيان الدين والتشريع نعمة؟ بلى والله وأعظم نعمة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152) البقرة ).
د. عبد الرحمن: يقول أحد أحبار اليهود لعمر رضي الله عنه آية لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال عمر أي آية قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) قال عمر والله إني أعلم متى نزلت وأين نزلت
ونحن نتخذ هذه الآية إذن بأن نجعل هذا القرآن منهج حياة فكل يوم لنا عيد في هذا القرآن حينما نغتبط به ونرتبط به ونأخذ منه حياتنا ومنهجنا. وهناك لفتة في قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) فيه بيان من الله عز وجل أن الله رضي هذا الإسلام دين ولن يرضى غيره بعده (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) ولهذا جاء بعد ذلك جدال أهل الكتاب كأنه يقول هذا الدين الحق فاعترفوا أنه الدين الحق واتبعوه وجاء ذلك في تفصيل آيات الجدال ومحاجة أهل الكتاب (يا بني إسرائيل) وورد في هذه السورة (يا أهل الكتاب) كثيراً.
نتابع الحديث حول آيات السورة وربطها بمقصدها
نشير إشارة يسير إلى قصة موسى مع قومه حين قال الله عز وجل (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ (20)) فهي نعمة (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20)) ينبغي لهم الشكر وأن يتبعوا موسى عليه السلام بما أمرهم ثم قال آمراً لهم (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)) وقد ذكرت في بعض الروايات أنهم بعثوا نقباء لهم يجسِّون الأرض يعرفون ما هي وما أهلها وما أحوالها فجاء هؤلاء النقباء فوصفوا لهم أن هذه الأرض فيها من النعيم والعسل وأطايب الطعام لكن أهلها ذوي قوة وبأس وبطش ويحتاجون إلى قتال عنيف فكان ذلك مثبِّطاً لبني إسرائيل فقالوا (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)) (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)) وهما كما ذكر في بعض الروايات يوشع بن نون وآخر من هؤلاء النقباء كالب بن يوحنا قالوا (ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) وهذا يبين لنا أنه إذا جاءنا أمر الله عز وجل فينبغي أن نمتثل فإن تراجعنا وتهاونا وتخلينا فإن ذلك مؤذن لإهباطنا ونزولنا لذلك قال تعالى في نهاية القصة (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ (26)) فتاهوا في الأرض أربعين سنة حتى توفى الله موسى ثم كان عليهم يوشع بن نون ثم دخل بهم الأرض المقدسة بعد أن نشأ جيل آخر.
ما علاقة قصة ابني آدم بالعقود؟
القصة ممهدة لأحكام الحرابة والقصاص والقتل والسرقة فكأن ذلك لعظم أمر الحرابة والقتل والسرقة مهد الله تعالى له بهذه القصة كما أن فيه أن ابني آدم هذين لهما قصة وهي أن قابيل كان صاحب زرع وهابيل صاحب رعي فأراد كل منهما أن يقرب قرباناً فجاء هابيل بأجود ما عنده من الغنم وجاء قابيل بضعيف السنبلة عنده وكان من علامات قبول القربان في ذلك الزمان أن تأكله النار هذا كانت من شريعة السابقين فتقبل الله تعالى قربان هابيل ويقال – وإن كان هذا يحتاج إلى تحقيق – أن هذا الذي تقبله الله تعالى هو الذي أنزله الله كبش فداء إلى إبراهيم وهذه تحتاج لتحقيق وليس ذلك ببعيد (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)) والله هذه الجملة هذه تحتاج لوقفة طويلة، ابن عمر رضي الله عنه لما قرأ هذه الآية أخذه الهمّ قال إن كان الله لا يتقبل إلا من المتقين كأن الأمر يحتاج إلى تحقيق وجهاد ومجاهدة فعسر عليه الأمر فنحتاج أن نتمثل هذه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) في كل عمل يتقبل الله منه لك بحسب تقواك وإخلاصك فانظر صدقتك هل هي خالصة؟ انظر إلى صلاتك هل أنت مقبل فيها على الله؟ هل أنت خاشع؟ انظر إلى عملك الذي تشارك فيه الناس، انظر إلى سائر عملك وانظر إلى مقدار تقواك فإن هذا هو مقدار قبول الله عز وجل.
قصة ابني آدم تبين لنا العلاقة مع العقود من وجوه الوجه الأول أن قابيل الذي خالف أمر الله عز وجل ولم يوفي بعهد الله تعالى بتقديمه قرباناً صالحاً ويقال أن قابيل لم يكن صالحاً من بني آدم وهذه رواية كأن فيها مخالفة للعقد فمن خالف العقد يشبه ابن آدم الذي قرب قرباناً ولم يتقبل منه، يشبه
د. عبد الرحمن: وقد يكون فيها إشارة أن الاختلاف قديم إذا كان وقع هذا من ابني آدم أبو البشر ففي هذا عزاء لذريته.
هي مقدمة للحديث عن القتل الذي اشتملت عليه السورة (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32)) وهذا أمر واضح بأن الإنسان إذا كان سبباً في حياة الناس كان ذلك سبباً في أمنهم واستقرارهم وإشاعة الحياة فيهم.
ثم جاءت آية الحرابة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ (33)) وهذه نزلت في العرنيين الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأظهروا الإسلام ثم أصابهم ما أصابهم من مرض فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يخرجوا بإبل الصدقة إلى خارج المدينة فيشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا قتلوا الراعي وأخذوا الإبل وساقوها وهربوا وهذا منتهى الإفساد، بعد أن أنعم النبي صلى الله عليه وسلم وتفضل عليهم وكان سبباً في صحتهم نقضوا عهدهم، هذا فيه نقض للعهد وهذه مناسبة للسورة للعقود والعهود.
إتصال من الأخ عاصم من السعودية:
قصة هابيل وقابيل هناك رواية أن الذي بينهم كانت أخت قابيل جميلة وأخت هابيل غير جميلة فهل هذه الرواية صحيحة؟
الإجابة: ورد أن النكاح في ابني آدم الأوائل أن الإبن الذي من البطن الأول يتزوج البنت من البطن الثاني كان ذلك شرع على آدم فلما جاءت أخت قابيل جميلة وكانت من حق هابيل اختصها قابيل لنفسه وقال لن أزوجط إياها هي أختي وأنا أولى بها هذه وردت في الروايات الإسرائيلية وما أكثر الروايات الإسرائيلية والنبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصدّقوا بني إسرائيل ولا تكذّبوهم.
الحديث بعده في بني إسرائيل وفي جدالهم ذكر الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ (51)) لما بيّن الله تعالى حال بني إسرائيل وأبطل ما هم عليه من تحريف من التثليث (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ (64)) قد بان لكم الحق ثم قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54)) في هذه الاية إشارة أن هناك من سيرتد من يرتد من العرب وقد وقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكر وفيه أيضاً دلالة في قوله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) أنه سيدخل في هذا الدين أمم كثير إلى قيام الساعة.
سؤال الحلقة:
السؤال الخامس :
آية في الجزء الخامس جاء عنها في صحيح البخاري عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه رجع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وكان الناس فيهم فرقتين: فريق يقول اقتلهم، وفريق يقول لا فنزلت…
فما هي هذه الآية؟
———————————-
رابط جودة عالية
http://ia360700.us.archive.org/12/it…5/VTS_01_1.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia360700.us.archive.org/12/it…/VTS_01_1.rmvb
رابط للجوال
http://ia360700.us.archive.org/12/it…01_1_512kb.mp4
رابط صوت
http://ia360700.us.archive.org/12/it…5/VTS_01_1.mp3
رابط الحلقة كامل على موقع مشاهد