الحلقة 132 – 8 رمضان 1432 هـ
ضيف البرنامج في حلقته رقم (132) يوم الإثنين 8 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور حاتم بن عابد القرشي الأستاذ المساعد بجامعة الطائف .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة ص .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان في هذه الساعة القرآنية مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور حاتم بن عابد القرشي أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الطائف. سوف نتحدث في هذا اللقاء حول سورة ص.
اسم السورة وهل لها أسماء أخرى تطلق عليها في كتب التفسير وعلوم القرآن؟
د. حاتم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد. فسورة ص اشتهرت بهذا الاسم وهو الاسم الأشهر لها وسميت أيضاً بسورة داوود. أما بالنسبة لتسميتها بسورة ص فإنه سميت بأول حروفها وهي الحروف المقطعة (ص) وبالاسم الآخر إسم داوود وإن ذكر على قلة لكن العلاقة بين الاسم السورة لورود قصة داوود وقد توسعت فيها لكن أكثر أهل العلم على أن اسمها سورة ص
د. الشهري: يغلب على الظن أن الاسم إذا أصبح وحيداً ليس له اسم آخر يزاحمه في الشهرة أن يكون توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي سماه.
د. حاتم: هذا صحيح لكن لم أجد أثر ورد ذكرها في زمن الصحابة أو من النبي صلى الله عليه وسلم لكن ما تفضلت به صحيح
د. الشهري: قرينة قوية على أنها تسمية وحيدة
د. حاتم: صحيح بدلالة أن بعض السور لها أكثر من اسم فيكون سببه الاجتهاد
د. الشهري: وهذه فائدة عندما يكون لها اسم وحيد هذا يعين الباحث أن يربط بين موضوع السورة واسمها أكثر
متى نزلت سورة ص؟
د. حاتم: سورة ص نزلت قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنوات بعد سورة القمر وقبل سورة الأعراف تقريباً في السنة العاشرة من البعثة وتحديد نزولها قبل الهجرة بثلاث سنوات سوف يأتي بعد ذلك في ذكر سبب نزول السورة وأن تحديدها أخذ منه السبب. هي مكية باتفاق أشار البعض على أنها مدنية لكنه قول ضعيف والغالب أكثر أهل العلم على أنها مكية بل بعضهم حطى الاجماع على أنها مكية.
د. الشهري: هل ورد في هذه السورة أحاديث أو روايات تدل على فضلها؟
د. حاتم: بالنسبة لسورة ص ما ورد حديث ينصها بفضل عن غيرها من السور لكن الذي ورد في كتب فضائل سور القرآن حديث يشملها ويشمل غيرها من سور القرآن وهو الذي رواه الإمام أحمد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أعطين مكان التوراة السبع الطوال وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الانجيل المثاني وفضلت بالمفصّل. ورودها في المثاني لكن لم يأت حديث صحيح يخصّها بالفضل
د. الشهري: محور السورة، تعودنا أن نركز عليه ونحاول بقدر الاستطاعة أن نبين للمشاهدين أن سور القرآن الكريم تدور حول موضوع أساسي تركز عليه كل محاورها فهل ظهر لك محور تدور عليه السورة؟
د. حاتم: بالنسبة لسورة ص بما أنها سورة مكية فهي تعالج القضايا المكية في العهد المكي وعلى رأسها قضية التوحيد فالمحور الذي تدور عليه السورة في محاورها هو دعوة الكفار إلى التوحيد من بداية السورة إلى خاتمة السورة ويكثر الارتباط المباشر وغير المباشر بالمحور الذي دارت عليه السورة.
د. الشهري: التوحيد هو توحيد الألوهية
د. حاتم: نعم لأن توحيد الربوبية قد أقروا به
د. الشهري: هل يمكن أن نأخذها من أولها ننظر في دلالات هذا المحور الأدلة التي يمكن أن تؤيد أن محور السورة هو الدعوة إلى توحيد الله
د. حاتم: بدأ الله عز وجل في السورة بذكر القرآن ثم ذكر بعد ذلك إعراض الكافرين وهلاكهم كان نتيجة إعراضهم عن القرآن
د. الشهري: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) الناس عندما يسمعون عزة تعتبرها صفة مدح، فعندما يقال (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) كيف يوصفون بهذا؟
د. حاتم: العزة هنا المقصود بها الاستكبار والحميّة وهذه تظهر ما في مكنونات نفوس الكفار والعزة لا شك هي صفة قد تكون في جانب المدح وقد تكون في جانب الذم وهذه تختلف عن العزة التي ذكرها الله في صفات المؤمنين (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ (54) المائدة) تختلف من حيث الدافع ومن حيث الحقيقة من حيث الدافع العزة التي تكون للمؤمنين دافعها محبة الله وتعظيم الله أما عزة الكافرين فدافعها الحمية والاستكبار والحسد الذي ينبع من داخل النفوس فهو الذي آل إلى النتيجة وإلى صورة العزة التي للكفار التي جعلتهم يستكبرون عن دين محمد ويعرضون عن القرآن أما عزة المؤمنين فهي إظهار القوة والغلبة والنصرة على الكافرين وهي لا شك مطلوبة والله تعالى امتدح المؤمنين بها.
د. الشهري: وشقاق طبعاً تؤكد بأن العزة هنا عزة مذمومة
د. حاتم: شقاق أي المخالفة والعناد فلا شك أن هذا الله عز وجل عندما ذكر هذه الصفات بعدما قال (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) بعد وصف القرآن بأنه ذو الشرف وأنه كثر فيه التذكير والاتعاظ فحري بأصحاب العقل أن يتعظوا وأن يتبعوا هذا القرآن الذي كثر فيه التذكر وهو صاحب الشرف لكن الكفار بما في نفوسهم من حسد مثل ما ورد في كثير من السيرة عن أبي جهل وغيره أنهم لم يقروا بالنبي صلى الله عليه وسلم حسداً من عند أنفسهم جعلهم هذا يعتزون بأنفسهم ويستكبرون ويخالفون النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر الله عز وجل في الآية التي بعدها يعظهم بحال الأمم التي سبقت (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) أي القرون السابقة من الكفار الذي أعرضوا عن دين الأنبياء الذين أرسلوا إليهم فإن الله عاقبهم ولو نادوا وقتها وبحثوا عن أي مخرج أو مفرّ فإنه لا ينفعهم في ذلك المكان لذلك قال (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ)
د. الشهري: يعني الوقت انتهى (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ). أحياناً قد تمر معنا كلمات غريبة في السور ولكن نحن في هذا البرنامج بالذات نحرص أن ننظر إلى السور نظرة إجمالية التي هي تعتبر كما يقول بعض الباحثين أنها الشيء المشترك في التفسير الموضوعي أنها الكلية في النظر أن تنظر إلى السورة كاملة وموضوعها أما التفاصيل ومعنى الكلمات الغريبة فيمكن للمشاهدين أن يرجعوا إلى أي كتابمن كتب معناني الكلمات ويجدونها
د. حاتم: ثم ذكر الله عز وجل بعد ذلك عندما ذكر إشارة إلى سبب إعراض الكفار وذكر حال الأمم السابقة ذكر من قوله عز وجل (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) إلى عدد من الآيات يصف فيه كفار مكة وعنادهم وما ألقوه من حجج واهية على أتباعهم ليغروهم بها ثم ذكر الله فيها الوعيد والتوعد لهم فقال سبحانه وتعالى (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) يتعجبون أنه رسول من أنفسهم ولوأتى من غيرهم لوجدوا أيضاً حجة وقال هو من غيرنا ولا نستطيع أن نفهم عليه! فأرسله الله تعالى منهم ولا شك أن هذا أقرب لمعرفة النفسيات واللغة وغيرها. (هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) بدأوا بإلقاء التهم عليه صلى الله عليه وسلم العجيب أن الانسان الذين كان لديهم الصادق الأمين قبل سنوات إنقلب فجأة إلى ساحر كذاب! فهذا أمر عجيب سبحان الله يدل على أنه ليس مجرد غفلة لكنه يدل على الحسد الذي في النفوس قبل كم سنة كانوا يقولون عنه الصادق الأمين ثم انقلب فجأة إلى ساحر كذاب!
د. الشهري: يبدو لي هذه تكاد تكون صفة مشتركة بين المكذبين وتذكر في قصة عبد الله بن سلام قبل أن يسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فلو علموا بإسلامي غيروا كلامهم فيّ فسألهم عني، فسألهم من عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا سيدنا وابن سيدنا وعالمنا وابن عالمنا فلما علموا أنه أسلم قالوا فيه! نفس الفكرة
د. حاتم: والعجيب أن من تتبع أحوال الأمم الكافرة يجد أن الحجج مشتركة في الأصل قد تختلف في بعض المسارات لكن الأصل مشتركة. بعد هذا يقول عز وجل (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) يستنكرون التوحيد، وكلمة عجاب فيها من الفخامة ما يدل على الاستغراب لا يمكن أن يجعل الآلهة إلهاً واحداً وهذا يؤيد موضوع السورة وهو قضية التوحيد وهذا هو سبب إعراضهم. قال (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) الملأ الذين هم عليه القوم والمفترض أنهم الذين يدلون أتباعهم على ما فيه الخير وما فيه صلاحهم ولو خالف أهواءهم (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) إما هم قالوا لأنفسهم امشوا واصبروا يعني يحثون أنفسهم ويثبوا قومهم على عقيدتهم أو يكون هذا وصف عن حكاية حالهم أنهم مشوا بدون خطاب فيما بينهم هم اصبروا على آلهتكم إذن هذ حثّ يقنعون أنفسهم ويزيدون أنفسهم قناعة ويأمرون أتباعهم ابقوا على آلهتكم لا تتركوها لكن انظر كيف ختمها قال (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) أي أن ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد وراه شيء يريد أن يمكن نفسه من السلطة، له أهداف غير معلنة، وراء الأكمه ما وراءها! فهذا أسلوب المفترض لو كانوا أصحاب عقل أن يأخذوا الحجة المطروحة إما يقبلونها إن كانت حق وإما يرفضونها إذا كان باطل لكنهم قالوا (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) أي في النفوس أمور أخرى لم يُظهرها إنما أتى بهذه الدعوة لتتبعوه ثم تظهر بعد ذلك.
د. الشهري: اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقصد من وراء دعوة التوحيد مقاصد هداية الناس وإنما يقصد مصالح شخصية لكنه لم يعلنها.
د. حاتم: لكنهم كانوا يتكلمون بلسان أنفسهم هم لأنهم هم الذين كانوا يخشون فقدان الزعامة والمناصب أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يدعوهم إلى توحيد الرحمن. بعدها في نفس المقطع قال بعد ذلك (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) يقولون ما سمعنا بهذه الدعوة إلى التوحيد في الملة الآخرة، الملة الآخرة إما يقصدون دينهم الذي كانوا فيه أو دين النصرانية ما سمعنا بهذا
د. الشهري: سموها الملة الآخرة لأنها آخر الأديان التي وصلتهم
د. حاتم: نعم، النصرانية. طبعاً بعض المفسرين يدلل على أنه يقول (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) المقصود دين النصارى كان التثليث قد انتشر ولكن سواء على هذا القول أو الآخر لا شك أنهم هم يريدون أن يرفعوا الحجج التي تصرف القوم عن التوحيد سواء مقتنعين أو غير مقتنعين بدليل كان فيهم من أهل التوحيد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مثل زيد بن عمرو بن النفيل كان من أهل النصرانية ولم يكن مثلثاً مثل ورقة بن نوفل لم يسمعوا بهؤلاء وهم كانوا في مكة! ما سمعوا بهم؟! إنما هي حجج ليصرفوا بها القوم. (إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) اي كذب أو تخلص. كل هذه الحجج ليصرفوا الناس عن دعوة التوحيد. ثم حجة أخرى (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا) يحتقرونه، لماذا هو هذا الرجل بالذات؟! أصبحت المسألة شخصية لأجل شخص محمد، إذن لماذا لا تسمع ما يقول بغض النظر عن شخصية هذا الرجل ولا شك أنه شريف لكنهم مثلما كانوا يقولون صادق ثم قالوا كذاب ليس بعيداً عنهم أن يقولوا أي حجة. (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) الله عز وجل يقول أنهم في شك من القرآن وتكذيب هذا التوعد الذي توعدهم الله به (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)
سؤال: ما الفرق بين قول الله (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا) وبين قوله (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا (25) القمر)؟
د. حاتم: لما يقول (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا) تقديم للتخصيص لماذا هو بالذات؟ وورد في موضع آخر (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف) والله عز وجل قال (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ (32) الزخرف) وقال في موضع آخر (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) حتى توحيدهم في توحيد الربوبية الذي لم ينفعهم المفترض أن يكلوا الأمر إلى الله والقلب يكون فيه استسلام لكن بسبب شركهم بالألوهية أصبح إعراضاً لهم عن هذا.
ثم قال عز وجل (أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) هؤلاء الذين يتحكمون في نزول الرسالة على فلان أو فلان هم لديهم هذه الخزائن؟ لا شك أنه ليس لديهم هذه الخزائن، الخزائن للعزيز الوهاب الذي له العزة الكاملة المطلقة العزة لله وجل. والوهاب الذي يهب الرسالة لمن يشاء. (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) فليرتقوا في السموات أو السماء السابعة من باب التعجيز لهم. هذا المقطع الذي تكلم الله فيه عن كفار مكة وعنادهم وتوعد الرحمن لهم. بعد ذلك ذكر في آيتين بعض الأمم السابقة نماذج على وجه الإيجاز ثم سيذكر نماذج أخرى على وجه البسط لكن هنا قال (جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ) جند أتت هنا على صيغة التنكير للتعظيم لأنهم جند كثير لكن النتيجة مهزوم من الأحزاب لأن الذي لا يكون مع الله عز وجل ينهزمون (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) الصافات). في هذه الآية وفي آية أخرى سوف تأتي ذكر ابن عاشور أن القصص في القرآن التي تحمل البشارة والنذارة فإنها مرموزة يقصد أن يكون فيها كلمة ترمز إلى شيء ما (جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ) كلمة الأحزاب ترمز إلى يوم الأحزاب الذي هزم فيه جند الكفار، فيقول هذا هو الرمز الذي يشير إليها وقال في آية أخرى (وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ) قال الصيحة هي صيحة النذير الذي أتاهم في معركة بدر أتى لكفار مكة. ثم ذكر عز وجل (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ) وبعضهم قال الآوتاد هي الأهرامات التي هي مثل الوتد في الأرض (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ) هؤلاء جميعاً الذين كذبوا الرسل حق العقاب عليهم من الله عز وجل فاتعظوا، الآن يدعو الكفار إلى التوحيد، اتعظوا من حال الأمم الذين سبقوكم أعرضوا فأهلكهم الله فاتعظوا من حالهم ولا تتبعوهم
د. الشهري: وهم يعرفون هذه الأمم السابقة قوم ثمود وقوم عاد أخبارهم معروفة عند قريش.
د. حاتم: ثم ذكر في آيتين الكفار وحالهم قال (وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ) ما لها من فواق يعني ما لها من رجعة أو ما لها تأخير، بعضهم قال والصيحة الواحدة قيل أنها صيحة الفزع، صيحة الملك اذي ينفخ في الصور إسرافيل. (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) قطنا نصيبنا بعض المفسرين قالوا من باب التهكم عجّل لنا العذاب وبعضهم قال يظنون أن لهم خير في الآخرة فقالوا عجّل لنا نصيبنا من خير أو من شر. القط هنا هو النصيب. بهذه الآيات يكون الله افتتح السورة بذكر القرآن ثم ذكر حال الكفار وأشار إلى الأمم السابقة وأشار إلى أسباب إعراض الكفار عن دعوة التوحيد وأشار إلى بعض الأمم أيضاً ثم ذكر أن مصيرهم إلى العذاب ثم انتقل إلى مقطع آخر. لا شك حول السورة كل المقاطع تدور حول نفس المحور لكن باسلوب آخر وبدأ بقصة داوود عليه السلام
د. الشهري: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) داوود أيضاً من الأنبياء الذين اشتهرت أنباؤهم عند العرب وكان من الأنبياء الملوك فلعل هذا هو السبب في بسط قصته في هذه السورة.
د. حاتم: هناك إشارة ذكرها بعض المفسرين أنه عندما كان داوود صاحب ملك وسلطة وعزة هذا فيه تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم عندما كذبك المشركون فسوف يؤول مآلك إلى العزة والنصرة عليهم كما أن الله مكن لداوود وآتاه الملك.
د. الشهري: ما أبرز ما ذكره الله في قصة داوود هنا؟
د. حاتم: قصة داوود ذكرت في أكثر من مقطع وذكرت فيها بعض المواقف وكلها تدور حول تسلية النبي صلى الله عليه وسلم مما يناله من الكفار ولا شك قلنا أن محور السورة دعوة الكفار إلى التوحيد وجراء ذلك سوف ينال محمد صلى الله عليه وسلم من اللوم ومن الأذية ما قد يحزنه لكن الله ذكر له هذه القصص التي تسليه وأيضاً فيها النذارة للكفار أن يحذروا أن يقعوا لأن الله ذكر فيها الظلم وذكر فيها الخلافة في الأرض وذكر بعض الأمور التي ينبغي أن يتعظ بها الكفار
د. الشهري: ما المقصود بالأيدِ هنا في قوله (ذَا الْأَيْدِ)؟
د. حاتم: المقصود بي الأيدي القوة في العلم والعمل، كان داوود عليه السلام صاحب قوة في العلم وفي العمل. الأيد مقصود بها القوة في العلم والعمل. إنه أواب رجّاع إلى ذكر الله وإلى التوبة. ثم ذكر بعض ما أعطاه الله عز وجل من تمكين قال (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) الجبال يسبحن بالعشي ما بعد العصر والاشراق بعد الفجر، (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ) حتى الطير محبوسة كلهم يسبحون الله عز وجل وفي عود الضمير في (له) خلاف هي يعود على داوود والجبال والطير أم يعود على الجبال والطير، فإذا كانت الثلاثة (كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ) فهي تعود إلى الله عز وجل كلهم يؤوبون إلى الله وإن كان تعود إلى داوود فإن الجبال والطير تعود إلى داوود تعود إلى أمره. ثم قال (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)
د. الشهري: هذه من الآيات التي يستشهدون فيها في علم البلاغة، ما المقصود بفصل الخطاب اذي أوتيه داوود عليه السلام؟
د. حاتم: ذكر فيه أهل العلم أقوال فقيل أنه قوة الحجة في القضاء بين الناس وقيل قوة الفهم وقيل الكلمة المشهورة (أما بعد) لذلك يقال أول من قالها داوود. بغض النظر عن التسليم لهذا صحيح أم لا والذي اختاره ابن جرير أنه أوتي الثلاثة قوة في القضاء وقوة في الفهم وأيضاً حسن الخطاب والبلاغة في خطاب الناس. ثم ذكر الله عز وجل القصة التي حصلت لداوود مع الخصمين اللذين تسوروا عليه قال (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) كان داوود في محرابه لكنهم تسوروا بغير الطريقة المعتادة – تسوروا يعني قفزوا فوق السور – تسوروا هذا سبب الفزع الذي حصل أنهم دخلوا في غير الوقت المعروف أو طريقة الدخول لأنه قال تسوروا. قالوا لا تخف وهذا يبين على أن الغرض الذي دخلوا من أجله لن يروّع داوود. بدأوا بالخصومة التي طرحوها قالوا (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ) هذه القصة فيها من الفوائد الشيء العجيب، الشيخ السعدي رحمه الله ذكر فيها 28 فائدة ومن اللطائف التي ذكرت أنهم عندما دخلوا قالوا (فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ) الآن ما حكى هل هذا فيها إساءة أدب؟ ليس فيها إساءة أدب وفرق أهل العلم قبل الحكم وبعد الحكم إذا وعظ الشخص القاضي قبل الحكيم فإنما يريد به التذكير لكن لو كانت بعد الحكم فإنه قد يدل على قدح في النزاهة أو تعدي كالذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قسم قال إعدل فهذه إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد حكم ولن يحكم إلا بالعدل. (قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)) أكفلنيها يعني هبها لي وعزّني في الخطاب يعني غلبني عليها لكن ما المقصود بالنعجة في هذه الآية؟ القصة تدور على ابتلاء حصل لداوود وسب الابتلاء يدور حول النعجة هل هي نعجة حقيقة وأخذها الرجل أو المقصود بعض ما ذكره المفسرين أن النعجة تطلق عند العرب على المرأة وأن هذا الرجل كان له تسع وتسعون امرأة وأراد أن يضم المرأة المائة مع هذا الرجل
د. الشهري: وكان في شريعتهم يجوز الزواج بأكثر من امرأة
د. حاتم: نعم يجوز تعدد الزوجات بأكثر من أربعة في شريعتهم لكن هذه القصة لم تكن واقعية فعلاً على ما ذكره بعض المفسرين من إسرائيليات لأنهم ذكروا بعض القصص عن داوود أنه رأة امرأة وإلخ وبعضها في تفاصيلها قدح في النبوة لذلك بعض المفسرين مثل ابن كثير وابن عاشور والسعدي كانوا يعرضون عن القصة لأن فيها تنقص من داوود لأنه ضم إليه امرأة رجل آخر وأرسله إلى أن يقتل!
د. الشهري: مثل هذه الاسرائيليات هي التي ينبغي أن تستبعد فعلاً لأن فيها إساءة وسوء أدب مع الأنبياء أما بعض الاسرائيليلا التي يكون فيها تفصيل لبعض القصص فهذا ليس فيه إساءة
د. حاتم: لكن بعضها فيه تعدي على مقام النبوة. فقال داوود بدأ يجيب ونلاحظ أن داوود لما دخلوا عليه وأفزعوه لم ينهرهم ولم يعاتبهم إستمع الحجة وتقبل الحال.
د. الشهري: نعود إلى قضية النعجة هل هي المرأة أو النعجة الحقيقية ظاهر القرآن يدل على أنها نعجة والذين قالوا أن المقصود بها تسع وتسعين زوجة وزوجة هذه من الروايات الاسرائيليات وفي النهاية لأن العبرة التي نريد أن نستخلصها من القصة هي استعجال داوود في الحكم فسواء كانت نعاج حقيقة أو نساء فالعبرة متحققة وهي عدم التعجل في الحكم
د. حاتم: لا شك عندما قال داوود (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) قالوا استعجل بالرد قبل أن يسمع من الآخر فهذا الذي تسبب في الفتنة لداوود عليه السلام
د. الشهري: الآن الحكمة المراد أن نفهمها ونستخلصها من الآية أنه لا تستعجل في الحكم حتى تسمع رأي الخصمين مع بعض تسمع هذا وتسمع هذا أما أن تسمع من طرف واحد وتحكم هذا الخطأ بغض النظر هل التي يحتكمون فيها نعاج حقيقية أو سيارات أو نساء أو أي شيء
د. حاتم: ولا شك أن السماع للطرفين أقرب للإنصاف فلو أتاك إنسان مفقوء عين واحدة قد يكون الثاني مفقوءة عيناه الاثنان. بيّن داوود عليه السلام قال (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) ثم بعد أن استغفر وتاب وخر راكعاً وأناب
د. الشهري: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) تأكد أن هذا كان مجرد ابتلاء من الله سبحانه وتعالى
د.حاتم: فكان سريع التوبة كما ذكر الله تعالى في أول القصة (أواب) قال (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
د. الشهري: توقفنا عند داوود عليه السلام عندما تيقن أن هذا كان ابتلاء له من الله سبحانه وتعالى لينظر كيف يتصرف في القضاء بين الناس. وقوله (وَخَرَّ رَاكِعًا) هذا من مواضع السجدات عند حفص.
د. حاتم: في آخر القصة نداء من الله لداوود وتنبيه على ما ينبغي أن يكون عليه في حكمه وخلافة الله في الأرض فقال عز وجل (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) فالله عز وجل يقول لداوود بما أنك أنت الخليفة في الأرض احكم بين الناس بالحق
د. الشهري: وهو كان ملكاً ورسولاً وخليفة وجمع مناصب كثيرة
د. حاتم: والله يخاطبه بأن يحكم بالحق ولا شك أن الحكم بالحق أساس النجاح والفلاح في الدنيا وفي الآخرة والأمة التي يعدل فيها ويؤخذ حق الضعيف من القوي لا شك أنها أبقى من الأمة التي يزول فيها حق الضعيف ولو كانت الثانية مسلمة والأولى كافرة فإن العدل هو الأساس الذي قامت عليه السموات والأرض. فالله سبحانه وتعالى يقول (فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى) هذا ملفت جميل مسألة مهمة جداً يقول عز وجل يا داوود لا تتبع الهوى و(أل) هنا في الهوى هي أل الجنس تفيد الاستغراق بحيث أن الهوى إما هواك أنت أو هوى الزوجة أو هوى الابناء أو هوى الجمهور أو ماذا يريد الناس كل هذا الهوى إنما هو ضلال عن سبيل الله.
د. الشهري: نلاحظ أن الخطاب موجه إلى نبي وموجه إلى ملك مؤيد بالوحي يقول سبحانه وتعالى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى) فليس أحد هناك من رؤسائنا ولا من ملوكنا فوق داوود فهذه النصيحة موجهة إلى كل الحكام والرؤساء أن العدل أساس الملك وهذه الثورات التي تقوم الآن في البلاد الإسلامية الناس خرجوا بعد أن ضاقت بهم الحيلة يطالبون بإسقاط هذه الأنظمة الناس لأنهم لم يجدوا العدل ولو وجدوا العدل ما طالبوا بسقوط النظلم فالناس لا تريد إلا العدل.
د. حاتم: ولا شك أن الحكام والرؤساء هم أولى وأجدر بهذه النصيحة من داوود
د. الشهري: يذكرون قصة طريفة عن هارون الرشيد لما جاء إليه ابن السماك وقال له يا هارون إني واعظك فمشدد عليك في الموعظة فقال لا والله لا أقبل أن تشدد عليّ لأنك أنت لست أفضل من موسى وأنا لست أسوأ من فرعون والله برغم ذلك يقول (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه). فأيضاً هنا عندما يؤمر داوود عليه السلام وهو الرسول الملك المؤيد بالوحي أن يؤمر باتباع الحق وأن لا يتبع الهوى فيضل عن سبيل الله نحن أيضاً ينبغي أن نبين هذا لرؤسائنا ومسؤولينا أن العدل هو الذي قامت عليه السموات والأرض فلا بد من التحري
د. حاتم: ولا بد من تحري العدل في المسؤوليات سواء صغيرة أو كبيرة. وهناك إشارة في نهاية قصة داوود لمحور السورة الله نهى داوود عن اتباع الهوى وهذه نصيحة أيضاً للكفار لا تتبعوا الهوى فيضلكم عن سبيل الله وعن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم للتوحيد فإن ضللتم عنها فإن المصير هو العذاب الشديد
د. الشهري: أيضاً فيها فائدة إضافية أن الله سبحانه وتعالى يأمر أولياءه بعد اتباع الهوى فمن باب أولى هؤلاء الكفار الذين أعرضوا بالكلية. هنا لفتة في قوله (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ونحن اليوم في رمضان وهذه ساعة ذهبية من ساعات اليوم في رمضان قبل الافطار والناس تترقب هذه الرحمات وهذه النفحات، هنا هذه الإشارة إلى تدبر القرآن ما موضعها هنا في هذه السورة؟
د. حاتم: هذه الآية مثلما بدأ تعالى السورة (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) قال هنا (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) ذلك الكتاب الذي فيه التذكير وكتاب الشرف هو الذي أنزله الله مبارك كثير البركة والخيرات للناس، لماذا؟ ليتدبروا ليتذكروا لا بد إذا قرأ الإنسان المؤمن القرآن فحريٌ به أن يتدبر الآيات ولا تكن قرآءته مجرد نطق للحروف ولا شك أن حتى من نطق الحروف لا يُحرم الأجر لأنه يتعامل مع كريم سبحانه وتعالى لكن الغاية التي من أجلها نزل القرآن ليدبروا آياته فعلى الإنسان إذا قرأ لا يقرأ قراءة لا تتجاوز مجرد اللسان والنطق بل لا بد أن يتدبر هذه المعاني ويفهم ما فيها ويتعظ ويعمل بما فيها فإن هذه حال أولو الألباب أصحاب العقول ولا شك أن مفهومه واضح الانسان الذي يعرض عن التدبر والتفكر ليس من أصحاب العقول
د. الشهري: يبدو أن هذه رسالة لاحظ أنه يأتي الأمر بالتدبر دائماً في سياق الحديث مع المنافقين مع المكذبين الكافرين فيها إشارة والله أعلم إلى أن هؤلاء الكفار والمنافقين لو وفقوا لتدبر معاني القرآن الكريم ما كان هذا حالهم.
د. حاتم: الآية التي قبلها (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) لو تدبروا القرآن ما كان حالهم كالفجار وإنما يكونوا كالمتقين
اتصال من السعودية: ما العلاقة بين (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) الذاريات) (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) الذاريات)؟
د. الشهري: هذا السؤال في سورة الذاريات لعلنا نأتي إليه. ما زال الحديث عن قصة داوود عليه السلام ومتصل بها قصة سليمان.
د. حاتم: قال عز وجل بعد ذلك في قصة سليمان (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) سليمان ابن داوود وله نفس الصفات أواب كما كان أبوه أواباً
د. الشهري: هل يمكن أن نقول أن هذه الخصلة التي كان يتحلى بها داوود عليه السلام الأوبة وسرعة الأوبة أنه ربى عليها ابنه سليمان فصار متصفاً بها؟
د. حاتم: واضح الأثر أنه نبي من أنبياء الله وكان ابنه سليمان واشتركوا في هذه الصفة فلا شك أنه سوف يكون له التأثير وهذا حال الأب الصالح الذي يؤثر على أبنائه.
د. الشهري: والعجيب أنهم ليسوا أنبياء عاديين داوود وسليمان أوتوا من الملك ما لم يؤتى أحد من العالمين ومع ذلك ما أسرع رجوعهم إلى الحق ومع ذلك تستغرب بعض الناس من عامة الناس لكنه لا يمكن أن يرجع عن كلمته أبداً ويمكن أن يجال ويقول كلمتي لا تنزل الأرض.
د. حاتم: لذلك ينبغي على الإنسان أن يحذر من صفة العزة التي تكون في غير موضعها. لذلك قال (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) وقال عن داوود وسليمان (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) فالمفترض أنتم تكونوا إلى الحق أقرب وتحذوا حذو هؤلاء الأنبياء الذين أوتوا ملكاً لكنهم كانوا أوابين. قال (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) القصة هنا هي إكمال لقصة داوود لذلك يقول الطاهر ابن عاشور أنه ليس المقصود بها النبي صلى الله عليه وسلم من حيث التسلية واستدل بأنه لم يأت في الآية (واذكر سليمان) قال في داوود (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) وقال في أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ) هنا لم يقل فهي إكمال لقصة داوود وهو عقّب في آخرها ولا تخلو من إشارة للنبي صلى الله عليه وسلم وتسليته. القصة مليئة بالعبر والمواعظ والعجيب في قصة داوود وسليمان أنهم وردوا في نفس المواضع في القرآن لم نجد داوود مثلاً ورد في عشرين موضع وسليمان في خمسة، لا، سبعة أو ستة فقط إذا ذكر أحدهم يذكر الآخر والقصة ما وردت في القرآن في مواضع كثيرة وإنما في كم موضع بإيجاز
د. الشهري: يرد سؤال حول قصة سليمان بالذات وقوله (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)) ما هي القصة؟
د. حاتم: كان سليمان عليه السلام صاحب ملك وكان يحب الخيل وكان لديه من الخيول التي تلفت الأنظار فالصافنات هي التي تقوم على صلاصة قوائم وترفع الرابعة دليل على الخفة وهذه من صفات المدح في الخيل وامتدح الخيل، فعرضت عليه في المساء قبل الغروب
د. الشهري: كأنه أشبه ما يكون لاستعراض الجيش
د. حاتم: يمكن أن يكون استعراض الجيش وبعض المفسرين قال أنه كان دائماً يستعرض الخيول وكان يحب الخيول فيحب أن يراها أمامه تسير
د. الشهري: وهذا يبدو لي شيء طبيعي في الملك الملوك الآن يستعرضون جيوشهم العسكرية ويعتبرون هذا جزء من البروتوكول.
د. حاتم: من تحلى بصفة التواضع لله ما يلام، الله تعالى ما لام سليمان على هذه الصفة لكن الذين حصل بعد ذلك لكن عرض الخيل وتمتعه به ما فيها إشكال والله تعالى قال (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) النحل) ليس فيها إشكال لكن الذي حصل بعد ذلك، قال (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) والخير المقصود بها هنا الخيل وبعض المفسرين العبارة فيها تقديم وتأخير إني أحببت الخيل حباً ثم قال (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) رؤيته للخيل وتمتعه بهذه المناظر الملفتة الجميلة اشغلته عن أداء الفريضة التي افترضها على نفسه إما شريعة من الله كصلاة أو ذكر على قول المفسرين حتى توارت الشمس فغابت ففات وقت العبادة التي كان يؤديها فبدأ الحافز الداخلي أنه أواب بدأ يتحرك في نفس سليمان وهذا حريٌ بكل مؤمن متى ما التهى عن عبادة الله تبدأ نفسه تؤنبه حتى لا يستمر في هذه المعصية فيأخذه الله على حين غرة أو تتطبع نفسه على هذه المعاصي فلا يصبح يفرق بين الحق والباطل فلا بد أن يكون أواباً دائماً يراجع نفسه
د. الشهري: الملك مهما اتسع للإنسان ومهما توسع ملكك وقوتك فوات حتى ولو كانت نافلة يعتبر خسارة فلا تشغلك هذه الدنيا.
د. الشهري: نكمل حول قصة سليمان، ربط قصة داوود وسليمان بمحور السورة وهو توحيد الله سبحانه وتعالى كيف يمكن أن نربط بينها؟
د. حاتم: لا شك أن قصة داوود وسليمان فيها من العبرة لأصحاب الإعراض والشقاق من كفار مكة بأن لا يتبعوا الهوى كما ورد في قصة داوود ولا ينشغلوا بالأمور الدنيوية عن دعوة التوحيد دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم وينبغي عليهم أن يتأثروا ويستخلصوا العبر من هاتين القصتين كما أن فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم جراء ما يصيبه من الأذى من المشركين في دعوته لهم للتوحيد.
د. الشهري: ويمكن أن يقال أن هؤلاء داوود وسليمان على هذا الملك العظيم هم موحدين لله سبحانه وتعالى
د. حاتم: ولم يضرّهم
د. الشهري: في قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) أطال المفسرون في الكلام عن هذا الجسد
د. حاتم: هذه فيها كثير من الاسرائيليات كما كان في بداية قصة داوود وأكثر اعتماد بعض من كتب فيها على الاسرائيليات التي وردت فيها والاسرائيليات التي رويت فيها تجاوز، وابن كثير يقول وأنكرها ما رواه ابن أبي حاتم السند مع أنه صح السند عن ابن عباس وذكر القصة أن سليمان عندما ترك الخاتم وأتى الشيطان تمثل في صورة سليمان وأخذه وذكر في هذه القصة أنه حتى تسلّط على نساء سليمان فلا شك أن مثل هذه لا يقع لأن ابن كثير قال بعد ذلك وهي صحيحة إلى ابن عباس ولكن نقطع أنها من الاسرائيليات وصدر كلامه قال أنكر هذه القصص ما رواه ابن أبي حاتم والذي يميل إليه بعض المفسرين أن القصة التي ذكرت في صحيح البخاري أن سليمان لما قال لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة يولد كل منها فارس مجاهد ولم يقل إن شاء الله فلم يولد إلا شق طفل فهذا الذي ألقي على هذا الجسد فتنة وابتلاء لسليمان.
د. الشهري: هنا لفتة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم لما قال حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج فيه إشارة أن هذه القصص والروايات والحكايات التي تروى عن بني إسرائيل كانت مشهورة عند العرب وإلا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج إشارة أن هناك روايات كثيرة تتداول في زمنه وليس فقط بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بدأت الروايات تظهر في عهد الصحابة بل في عهده. في مسألة ملك سليمان لما وصفه تعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ) (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)) الملك الذي أوتيه سليمان يبدو لي أنه أكثر من الملك الذي أوتيه والده حتى
د. حاتم: لا شك أن ملك سليمان الذي أوتيه لم يؤتى لأحد من العالمين بدلالة أن سليمان لما دعى الله وهذه الدعوة كانت بعد الفتنة ابتلاء واختبار لسليمان لكن لما كان سريع التوبة والأوبة والرجوع والله كريم سبحانه وتعالى فالعبد إذا تاب لا يعاقبه مثل ملوك الدنيا يعني يحفظها في نفسه هذا الموقف، لا، يتوب (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) مباشرة قال بعدها (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) مباشرة قال سبحانه وتعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ)
د. الشهري: هذه الفائدة استفدتها من كلامك الآن في قضية سليمان أنه لم يؤت أحد من البشر ملكاً مثل ملك سليمان وبالرغم من أبرز الصفات التي ذكرها الله عنه أنه أواب وأستحضر في ذهني كثرة القرارات التي يتخذها الملوك والرؤساء اليوم أحياناً قرارات فيها ظلم وفيها إجحاف في الشعوب ثم إذا قيل لهم تراجعوا قالوا لا، صدر فيها قرار ملكي أو قرار من الرئيس لا يستطيع أحد أن ينقضه، هذا قرار ملكي أو مرسوم ملكي هذا سليمان مهما كنت لا يمكن أن تصدر قرارات مثل قرارات سليمان وبالرغم من ذلك هو أواب.
سؤال: هل كانت الفتنة في الآية 24 في قصة داوود في عدم سماعه للخصم الآخر أم أن داوود أخطأ في الحكم نفسه؟
د. حاتم: ذكرنا أن الفتنة التي حصلت لداوود في استعجال إصدار الحكم قبل أن يسمع من الخصم الآخر والقضية أن المفسرين قالوا من أتاه ملكان لم يكونا أصحاب خصومة حقيقية إنما أرادوا أن ينبهوه على موقف حصل ثم اتعظ من هذه الفتنة والابتلاء الذي حصل له من الله عز وجل.
د. الشهري: لعلنا نختم، ماذا بقي في السورة من الأشياء الأساسية؟
د. حاتم: بعد قصة سليمان ذكر قصة أيوب فيها عظة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر بعدها على وجه الإجمال قصة ابراهيم
د. الشهري: قصة أيوب ارتبطت بالصبر
د. حاتم: نعم ارتبطت بالصبر ما أصابه من أذى وأيضاً كان سريع العبادة والخضوع والإنابة لله عز وجل فعافاه الله ووهبه أهله وبعد كذلك قصة ابراهيم واسماعيل واسحق واليسع وذا الكفل وهم من الأنبياء. وبعدها ذكر الله عز وجل حال الفريقين المؤمنين والكافرين لللمؤمنين حسن مآب وللكافرين شر المآب والعياذ بالله وهذا به ارتباط بدعوة الكفار إلى التوحيد وهي إما أن تكون دعوة مباشرة أن يوحدوا الله أو تكون دعوة بالمآل الذي سيكون لهم من التحذير والتنذير لهم، دعوة بصورة مختلفة فهذا الذي اشتملت عليه السورة. قال الله عزوجل (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) هذا فاصل عن القصص التي سبقت وأيضاً تذكير بالقرآن وأنه ذكرٌ. وذكر بعض ما للمؤمنين والمتقين الذين اتبعوا الذكر (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) الذين اتبعوا القرآن واتبعوا محمد صلى الله عليه وسلم في دعوة التوحيد فإن مصيرهم إلى الجنة وذكر ما فيها من نعيم (متكئين – قاصرات الطرف) ثم قال (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) والعجيب أنه في هذه الحالة المؤمنين والكافرين ذكر 16 آية للمؤمنين ستة ولكن الكفار عشرة لأن هي دعوة الكفار فكثرت الآيات التي نزلت فيهم فاتعِظوا! وقبل خاتمة السورة ذكر فيها الخصومات التي تحصل يوم القيامة يبدأوا يتخاصمون فيما بينهم الأتباع يخاصمون رؤساءهم (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) وبدأوا يتلاومون (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ) وبدأوا يتلاومون ويتخاصمون، بئس المثوى والمأوى وبئس المقر الذي يأوون إليه. (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الواحد القهار هذه إشارة إلى الألوهية ألوهية الله عز وجل وهي دعوة الكفار إلى التوحيد الواحد القهار، قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) الله كأنه يقول نعم هو الواحد، والقهار لا يمكن أن أن يكون اثنان يقهرون لا بد الذي يتصف بالقهر واحد الواحد القهار هذا رد على الكفار الذين قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)
د. الشهري: وقال (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) الأنبياء)
د. حاتم: نعم بعدها ذكر عز وجل قصة خلق آدم وأمر ابليس بالسجود ويقول ابن عاشور أن أول ورود لقصة خلق آدم وابليس في هذه السورة حسب ترتيب النزول. بعد أن خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود إلا ابليس استكبر (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ)
د. الشهري: تتوقع ابن عاشور مصيب في رأيه لأن هذه السورة نزلت في السنة الثالثة قبل الهجرة
د. حاتم: هذا يحتاج لتتبع لقصة آدم في السور التي نزلت قبلها.
د. الشهري: أتصور عشر سنوات ما يذكر الله لقريش قصة آدم؟
د. حاتم: الله عز وجل أمر ابليس بالسجود فأبى وكفر لما احتج إبليس (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) هذه سبحان الله خرجت من الحسد نفس الذي كان عند الكفار في عزة وشقاق هؤلاء أيضاً اشتركوا في الحسد فالله عز وجل حكم عليه مباشرة (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) ولم يسترسل لأن قطع الحجة هنا أفضل. وبعد ذلك ختم عز وجل السورة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) كما بدأها بالذكر فهو ذكر للعالمين.
د. الشهري: لفت نظري مبحث يمكن أن يبحث فيه وهو آيات البشارة والنذارة أيها أكثر في القرآن الكريم؟ قلت أن الكفار خوطبوا بعشر آيات والمؤمنون في ست في مقطع من مقاطع السورة. ونحن عندما نقول الآن أننا المفترض أن نقدم البشارة في الحديث ولا نقدم النذارة أود أن ننطلق هذا الموضوع من دراسة لآيات البشارة والنذارة عددها حتى نخرج بتصور. أسأل الله أن يتقبل منك ويكتب أجرك.
سؤال الحلقة: من فضل الله تعالى على الناس أنه يجازي الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بسيئة واحدة فقط اذكر الآية التي تشير إلى هذا المعنى في الجزء الثامن.