الحلقة 141 – سورة محمد
ضيف البرنامج في حلقته رقم (141) يوم الأربعاء 17 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله العبيدي القحطاني (أبو مجاهد العبيدي) ، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك خالد ، والمستشار بملتقى أهل التفسير .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة محمد .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في هذا اللقاء المباشر التفسير المباشر. وسيكون حديثنا في هذا اللقاء عن سورة محمد صلى الله عليه وسلم وباسمكم أرحب بضيفنا في هذا اللقاء الذي قدم إلينا من أبها فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالله العبيدي القحطاني (أبو مجاهد العبيدي)، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك خالد في أبها، والمستشار بملتقى أهل التفسير.
حديثنا اليوم عن سورة محمد ونريد أن نبدأ بالحديث عن اسمها أولاً وقبل ذلك هل ظهر لك وجه مناسبة أو علاقة بينها وبين سورة الأحقاف خاصة أن سورة الأحقاف كانت ختام الحواميم وسورة محمد بدأت بداية مختلفة.
د. محمد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يسددنا وأن يجري الحق على ألسنتنا وأن يعيذنا من أن نقول على الله بلا علم وأسأله جل وعلا أن ينفعنا بهذا الكتاب العظيم وأن يجعلنا من أهله الذين هم أهله وخاصته. سورة محمد سورة مدنية وردت بعد السور المكية زقبل أن نبدأ بذكر اسمائها لا شك أن المتأمل لهذه السورة والناظر للسور التي قبلها سيجد شيئاَ من الارتباط والمناسبة ولعل من أقوى المناسبات المناسبة بين فاتحة هذه السورة وخاتمة السورة التي قبلها، فقد ختم الله عز وجل سورة الأحقاف (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)) فقد يأتي سائل فيقول ولماذا يهلك القوم الفاسقون؟ فيأتي الجواب: لأنهم كفروا (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)) ويحتمل أن تكون كالبدل “فهل يهلك إلا القوم الفاسقون الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله”. فهناك صلة وثيقة بين الخاتمة والبداية. من حيث الجملة سور الحواميم والسور المكية جاءت لبيان الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إليه. فهذه السورة المدنية بيّنت الموقف من المعارضين للحق والمعاندين له فلا يقبلونه كيف نتعامل معهم فمن الوسائل العظيمة في التعامل معهم والطرائق المعروفة القتال لأنه لا يمكن أن يكفّهم عما هم فيه من الصدود والباطل ومنع انتشار الحق إلا أن يُحال بينهم وبين ذلك بالقوة والقتال فجاءت هذه السورة سورة محمد وبعدها الفتح وهي سورة أيضاً مدنية وتتعلق بالقتال.
د. الشهري: هذه مناسبة لطيفة بين سورة الأحقاف وسورة محمد
د. محمد: ولو أردنا الإجابة عن سؤال التسمية هذه السورة العظيمة سورة محمد صلى الله عليه وسلم من ضمن السور الست التي سميت باسماء أنبياء سورة يونس وهود وابراهيم ويوسف ومحمد صلى الله عليه وسلم ونوح. ومحمد عليه الصلاة والسلام لم تسمى سورة باسمه إلا هذه السورة عليه الصلاة والسلام، هذا الاسم المشهور لها سورة محمد وسميت هذا السورة باسمه لورود اسمه فيها في الاية الثانية (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) ومحمد عليه الصلاة والسلام ذكر أربع مرات في القرآن باسمه عليه الصلاة والسلام في سورة آل عمران (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ (144)) وفي سورة القتال هنا (وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) وفي سورة الفتح (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ (29)) وفي سورة الأحزاب (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40)) والملاحظ أن هذه الآيات الأربع التي ورد فيها اسم محمد كلها في سور لها اهتمام بالقتال في سبيل الله والسياقات التي وردت فيها لها تعلق بجهاده عليه الصلاة والسلام وقتاله الأعداء وأيضاً مواقف المنافقين فقد ذكرت أيضاً في هذه السور
د. الشهري: وفي غيرها من المواضع يذكر بصفته رسول الله أو نبي
د. محمد: وفي هذه المواضع الأربعة اقترنت بما يدل على رسالته (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ) (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ) (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ) (بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) فكلها فيها إشارة أنه نبي عليه الصلاة والسلام ورسول. الاسم الثاني لهذه السورة هو سورة القتال وهم اسم قرآني اجتهادي أخذ من ذكر القتال فيه من جهة بنصّه أو من مضمون السورة لأن آيات كثيرة فيها تكلمت عن القتال (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ). الاسم الثالث وكلها واردة في كتب التفسير وفي كتب الحديث (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ) لأنها بدأت بـ (الَّذِينَ كَفَرُوا). أحد الباحثين جمع الأسماء الثلاث وقال هي مترابطة “محمد يقاتل الذين كفروا” فكأن في هذه التسميات الثلاث إشارة إلى أن محمد صلى الله عليه وسلم كما أنه نبي المرحمة فهو نبي الملحمة عليه الصلاة والسلام. فمحمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين لا يمكن أن تتحقق هذه الرحمة وينتشر السلام في الأرض ويأمن الناس وتستقر أوضاعهم إلا بقوة وقتال وهنا ينبغي أن نفقه القتال الذي سميت هذه السورة باسمه القتال لأن القتال بعض الناس يظن أن القتال صعب (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ (216) البقرة) وهل محمد عليه الصلاة والسلام المعروف بالرحمة واللين والشفقة جاء ليقاتل؟ نعم جاء ليقاتل لا شك في ذلك وينبغي أن نستمد الكلام في هذه القضية من الحق من ربنا عز وجل من القرآن لا أن نتأثر بما يشاع ولا بما يقال أو بما يثار من الشبهات فمحمد عليه الصلاة والسلام نبي القتال، لماذا نبي القتال؟ هل جاء صلى الله عليه وسلم لسفك الدماء وقتل الناس؟ لا، لأنه أصلاً لا يمكن أن تتحقق الرحمة في الأرض إلا بالقتال، بالقوة، الضعيف لا يمكن أن يرحم الرحمة المطلوبة، أنت تريد أن ترحم إخوانك المسلمين في كل مكان لكن هل تستطيع أن ترحمهم وتوصل إليهم -لأن الرحمة إيصال الخير- لا تستطيع إلا إذا كان عندك قوة. فلا تتحقق الرحمة إلا بالقوة ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث حسّنه جماعة من أهل العلم وهو مشهور ومعروف وألف فيه ابن رجب رسالة قال: “بعثت بالسيف بين يدي الساعة” -وإن كان بعض أهل العلم تكلم فيه خاصة من المتأخرين لكن ابن القيم ذكره في بداية “زاد المعاد” وأقرّ مضمونه- ” بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالفني ومن تشبّه بقوم فهو منهم”. فسورة محمد عليه الصلاة والسلام سميت باسم القتال ومعلوم لكل من تدبر القرآن أن القتال موضوع كبير في القرآن وأخذ مساحة كبيرة من الآيات والسور لأن الله جل وعلا الذي خلق الخلق ويعلم ما يُصلحهم يعلم أنه لا يمكن أن يتحقق مراده عز وجل وأن ينتشر الخير في الأرض إلا بالقتال وبالجهاد حتى تكون هناك قوة تدافع عن الحق
د. الشهري: والعجيب كيف أن كثيراً منا الآن يحاول بشكل أو بآخر أن يبرّئ الإسلام من أنه دين الجهاد وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بتشريع الجهاد وقتال الكفار ويحاول بشكل أو بآخر أن يلوي أعناق الآيات الصريحة والواضحة في الجهاد حتى يرضي حقوق الإنسان والمنظمات الدولية وهؤلاء لا يمكن أن تقنعهم إلا إذا ألغيتها. وأذكر أن مبعوثة وزيرة الخارجية الأميركية في تقرير لها وهي ابنة ديك تشيني قالت من ضمن توصياتها إستبعاد الآيات التي تحرض على العنف في القرآن الكريم وأنه لا يمكن أن نتعايش مع الآخرين إلا إذا استبعدناها فلعلك إن شاء الله خلال حديثك ترد عليها.
د. محمد: لماذا هم لا يفعلون؟ الذي يقول هذا القول أو يفهم هذا الفهم جاهل بكتاب ربه وجاهل بالحقائق والسنن التاريخية وتاريخ الأمم لا يمكن أن تقوم حضارة ولا قوة في الأرض إلا بقوة وهم الكفار ليس لهم قيمة عندنا ولا عند أحد إلا بقوتهم وإلا فهم منهارون أخلاقياً ومنحطّون في كثير من الأشياء إنما فرضوا أنفسهم بالقوة وهم أهل كفر وباطل فكيف بأهل الحق فينبغي أن نعلم أننا أمة قتال وأمة جهاد وهذا القتال ليس مقصوده ليس سفك الدماء وإنما المقصود منه (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه (39) الأنفال)
د. الشهري: إذن السورة مدنية ولها ثلاثة أسماء محمد والقتال والذين كفروا وجمعتها كما ذكر بعض الباحثين في قول: محمد يقاتل الذين كفروا. نحاول الآن أن نبين الموضوع الأساسي الذي دارت عليه آيات السورة ثم ننتقل إلى محاور السورة.
د. محمد: وربط السورة بهذا المحور. حقيقة أن من تأمل هذه السورة يجد أن هذه السورة فريدة متميزة باشياء كثيرة سواء من حيث الألفاظ اليت وردت فيها حتى أن فيها ألفاظاً لم ترد في غيرها مثل (تعساً، أقفالها، لحن القول، أوزارها) في السورة ما يقارب تسعة ألفاظ لم تذكر إلا في هذه السورة الوحيدة. حتى فواصل الآيات فريد (أضل اعمالهم – أصلح بالهم – يضرب الله للناس أمثالهم) كأنها بيانات تلو بيانات. موضوع السورة الرئيسي يمكن أن ينظر إليه من ناحيتين: الناحية الأولى من ناحية ما اشتملت عليه السورة من أولها إلى آخرها فيمكن أن يقال أن موضوع السورة الرئيسي هو المقارنة بين الذين كفروا والذين آمنوا وبيان الصراع الذي يكون بين أهل الإيمان وأهل الكفر بنوعيهم أهل الكفر الظاهر وهم الكفار والمشركون وأهل الكفر الخفي وهم المنافقون وقد ذكر الكفار والمنافقون في هذه السورة كما ذكر أهل الايمان وبيّنت في هذه السورة صفات أهل الإيمان وبينت صفات أهل الكفر وبينت صفات أهل النفاق. إلا أنه يمكن أن يقال أن هذا الصراع يمكن أن ننطلق في موضوع هذه السورة من الآية الوسطى في هذه السورة- طبعاً هذه السورة على العد الكوفي 38 آية نصفها الآية 19 – والآية 19 هي المفصل في هذه السورة وهي (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) فهذه الكلمة كما هو معلوم هي كلمة الحق هي الكلمة التي بعثت من أجلها الرسل وأنزلت من أجلها الكتب وخُلِقت الجنة والنار من أجل هذه الكلمة وقامت سوق الجهاد لأجل هذه الكلمة وبُعِث جميع الرسل وخلق الله الخلق كلهم من أجل تحقيق هذه الكلمة فانقسم الناس من خلال كلمة التوحيد إلى قسمين إلى من آمن بها ومن كفر بها، ثم إن من كفر بها إما أن يكفر بها ظاهراً وباطناً وإما يكفر بها في الباطن وإن أعلن في الظاهر أنه مؤمن بها فجاءت هذه الآية لتبين أن الناس انقسموا في حقيقة لا إله إلا الله إلى قسمين كفار ومؤمنين ثم بينت السورة صفات هؤلاء وصفات هؤلاء وحقيقة الصراع الذي يكون بينهما. فهذا موضوع السورة الذي يمكن أن يقال بأن السورة من أولها إلى آخرها تتعلق به.
د. الشهري: ولعله سميت السورة باسم القتال تعبيراً عن هذا الصراع
د. محمد: من أحل لا إله إلا الله. أهل الباطل يقاتلون لأجل المصالح ولأجل الصدّ عن سبيل الله ولأجل الدنيا مقاصد متنوعة وأهل الايمان لا يقاتلون إلا من أجل لا إله إلا الله. وسيأتي إن شاء الله تنبيه على هذا في وصف أهل الإيمان وفي مشروعية القتال لماذا شرع الله عز وجل القتال.
د. الشهري: دعنا نبدأ من أول السورة ويلفت نظري في مطلع السورة قوله (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) وأن المبرر لجهاد هؤلاء ليس مجرد كفرهم فقط فليس الجهاد مشروعاً لكل من كفر لمجرد أنه كافر ولكن لاقتران كفره بالصد عن سبيل الله.
د. محمد: في هذا المطلع يثير في نفس المؤمن لماذا نقاتل؟
د. الشهري: معذرة ما سألناك عن وقت نزول السورة في العهد المدني؟
د. محمد: تتبع بعضهم هذه السورة ومتى نزلت والذي يظهر أنها نزلت في وقت بين بدر وأُحد قبلها وبين الأحزاب وما بعدها من مراحل القتال، فهي متأخرة عن سورة الأنفال وعن سورة آل عمران كذلك لأن سورة آل عمران فيما يتعلق (كلمة غير مفهومة لديّ في الدقيقة 15.37) بعد هذه السورة. هذه التماسات ولكن بعضهم أخذ من موضوع السورة وما اشتملت عليه هذه الأشياء
د. الشهري: نعود لمطلع السورة
د. محمد: لا يقبل منك أحد كلاماً مجرداً “قاتِل فلان” ما السبب؟ ما الداعي؟ لأن القتال تضحية وسفك وبذل للمهجة في ماذا؟ لا يمكن أن يقدم أحد على القتال إلا لأسباب. نحن أهل الإيمان لا نقاتل إلا في ذات الله، في سبيل الله فهؤلاء الذين كفروا هم أعدى الناس وهم أشرّ الناس لأنهم كفروا بالله كفروا الذي خلقهم ورزقهم وأنعم عليهم وأوجدهم في هذه الحياة ليعبدوه، جحدوا نعمته، كفروا والجاحد يستحق العذاب يستحق أن لا يكون له قيمة يستحق القتل إذا كان حجوده قد بلغ الغاية كحال هؤلاء. (الذين كفروا) الكفر هو الستر والتغطية والجحود، فهم كفروا نعمة الله عليهم، كفروا بالله الذي خلقهم فهؤلاء لا يستحقون الوجود. الإنسان بطبعه لو أن أحداً آذاه أو سبّ أباه وأمه أو قاتل ذويه فإنه يكرههم ويقاتلهم، فكيف بمن كفر بالله الذي خلق وأوجد. فيأتي هذا المطلع ليبيّن أننا نقاتل هؤلاء لأنهم كفروا لا لشيء آخر ولذلك قد يكونون من أقرب الناس إلينا نسباً لكنهم لما خالفوا مقصود الله الأعظم وهو أن يشكروه ويعبدوه كفروا وأضافوا إلى الكفر لم يقتصروا على الكفر في ذوات أنفسهم وإنما صدوا عن سبيل الله والمرجح من الصد عن سبيل الله هو صدّ الغير لأن من المفسرين من يقول : صدّ صد لازم عن الإيمان، لا، صد أغنى عنه الكفر
د. الشهري: لم يؤمن هو ومنع غيره
د. محمد: فأضلوا غيرهم (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ) صدوا الآخرين عن سبيل الله ومنعوا الآخرين من الدخول فيه، هؤلاء (أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) أذهبها وأبطلها حتى ولو كانت في بعض الأحيان خير لأن هؤلاء لا يستحقون أن يكافأوا مثلهم ومثل الذي يطلب الأجر وهو كافر إلا كمثل الذي استأجر أجيراً فذهب هذا الأجير يعمل عند غيره ويبذل لغيره فإذا جاء آخر الشهر جاء إليك يطلب منك الأجر!
د. الشهري: أنت اشتغلت عند غيري!
د. محمد: هؤلاء كفروا بالله وجحدوا وأشركوا به غيره يريدون الأجر مستحيل بل هم يستحقون كما قال تعالى (فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ). (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) هذه صورة بدأ بها لتقبيح الكفار ولبيان سبب قتالهم. ثم تأتي الصورة الأخرى لأهل الإيمان (والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) آمنوا تقابل كفروا، وعملوا الصالحات تقابل صدوا عن سبيل الله وأعظم ما يكون من عمل الصالحات نشر الخير. وذكر أمراً خاصاً مع أنه داخل في ما قبله (وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) لأهمية هذه الصفة ولخطورتها في الإيمان، القاعدة تقول عطف الخاص على العام يفيد أهمية الخاص (وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) لم يؤمنوا بأي شيء وإنما هو الحق،(كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) أصلح بالهم هذه من مزايا هذه السورة لم تذكر إلا فيها. كل الناس يبحثون عن صلاح بالهم.
د. الشهري: ما معنى كفّر عنهم سيئاتهم وما معنى أصلح بالهم؟
د. محمد: (كفر عنهم سيئاتهم) الذنوب كفرها عنهم معروف تكفير السيئات أذهبها ومحاها فلم يعد لهم سيئاتهم لأنهم أهل إيمان فعاوا من الأعمال العظيمة ما يوجب تكفير السيئات لأنه لا يخلو أحد من سيئات. ونتيجة لتكفير السيئات أصلح بالهم. فعندنا قضية كبرى هو أن الإيمان هو القضية الكبرى التي جاءت كل الشرائع لتقريرها والدعوة إليها أن العمل الصالح مرتبط بالإيمان فلا إيمان إلا بعمل صالح ولا يمكن أن يتحقق الايمان بلا عمل صالح مع أنه عندنا في مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل لكنه ذكر العمل الصالح لأهميته ولأنه لا يمكن أن يكون إيمان بلا عمل صالح. الأمر الثالث ثمرة الإيمان والعمل الصالح صلاح البال الحياة الطيبة (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) وكل الناس يبحثون عن هذا. وسيأتي أصلح بالهم في شأن القتال وأهميته (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ) كأن مسألة صلاح البال يبحث عنها كل الناس وهي السعادة والراحة وطمأنينة
د. الشهري: ما معنى البال في اللغة؟
د. محمد: بال تعود للفكر ما يشغل الإنسان، ما بالك؟ هذه حقيقتها فيترتب عليها استقرار فكر الانسان وعدم تشتته يورث الطمأنينة والحياة الطيبة والسعاد أما المتشتت الذي لا يستقر له فكر ولا يعيش على مبدأ فإن هذا متشتت متذبذب لا يمكن أن يتحقق صلاح البال وتتحقق السعادة والطمنية إلا بشيء داخلي وهو الإيمان لذلك قال الله عز وجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) النحل) (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) فهذه السعادة التي ضلّها أكثر الناس ولم يعرفوا أين توجد. فهذا ما يتعلق بصدر السورة ثم قال عز وجل لماذا الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم؟ (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ) ثم قال الله عز وجل (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) يبين أحوالهم وصفاتهم. ثم تأتي الآية التي هي محور السورة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ) هذا من صيغ الأمر مصدر الفعل (ضرب الرقاب) والمعروف عند العرب أن المراد بضرب الرقاب القتال ولكنه عبر بهذا التعبير للدلالة على القتل الذي يجهز ويُنهي القتل القوي. (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) فمقصود هؤلاء الذين يقاتلون وليس كلما لقيت كافراً، (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في القتال (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) هذا يجل على أن هذا الدين دين قوة (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ) القتل الشديد بالغتم في قتلهم بهذا تظهر قوة أهل الإيمان ويندحر أهل الكفر ويعلموا أنهم ليسوا على شيء (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء) بعض المفسرين أرادوا أن يجمعوا بين هذه الآية التي فيها أن موقفنا من الأسارى إما منّا بعد (بدون مقابل) وإما فداء (بمقابل) يفدون بشيء قال هذه تتعارض مع آية الأنفال وهي قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)) هذه أشد آية نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم فيها عتاب له، نزلت في أسرى بدر لما اختلفوا فكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر المنّ أو الفداء وكان رأي عمر القتل فعاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ)
د. الشهري: تؤيد رأي عمر
د. محمد: حتى أنه بكى، ورد في الأثر أنه بكى وعمر كان يبكي من شدة العتاب في الآية قال هناك الإثخان وهنا لا يوجد عاتبهم الله على أنهم قبلوا ومنوا عليهم وقبلوا الفداء وهنا (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء) كأنه ليس هناك إلا هذه أو هذه فقال بعضهم هذه الاية ناسخة لتلك والصحيح أنه لا نسخ لأن الأصل أنه مناّ بعد وإما فداء يفدون بمقابل أو يطلقون بدون مقابل لكن القتل هذه مصلحة تعود إلى الإمام هذه الآية تدل عليها السورة نفسها تدل عليها في البداية لا يصلح الفداء لأنه لا يزال الكفار لهم قوة ولم تظهر قوة أهل الإسلام ففي بداية الأمر إذا رأى القائد أو إمام المسلمين أن القتل أولى حتى يثخن فيحسن هذا وإلا فلأصل هو (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء)
د. الشهري: وقفنا عند حديثك ما يوهم التعارض بين (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) في سورة محمد وبين قوله تعالى في سورة الأنفال (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) فتقول أنه ليس بينهما ولله الحمد تعارض وسورة محمد هي متأخرة عنها في النزول
د. محمد: هذه قاعدة في النسخ مسألة النسخ العلماء متفقون على أنه لا يوجد نسخ إلا عند تعذر الحكم.
د. الشهري: ما هو المقصود بالنسخ
د. محمد: بالمعنى الاصطلاحي وهو رفع حكم دلت عليه آية
د. الشهري: أحياناً نتحد أنا وأنت وبعض الزملاء متخصصين فنعرف المقصود بالنسخ لكن المشاهد قد لا يعرف
د. محمد: النسخ هو رفع الحكم المتقدم بحكم متأخر، لا يلجأ إلى النسخ إلا عند تعذر الحكم فإذا أمكن الجمع بوجه صحيح فلا نسخ وهذه قاعدة في كل مواضع يفهم
د. الشهري: بعض الباحثين يتسرع في القول بنسخ بعض الآيات لمجرد أنه لم يظهر له وجه الجمع في حين أن الجمع بين الآيات هو الأولى
د. محمد: لكن جمع الآيات يحتاج إلى نظر وفقه وعلم وتأمل ومعرفة بالأدلة من جميع الجوانب. نواصل الحديث عن هذه الآية وهي قضية مهمة تتعلق بالقتال الله عز وجل قوي وعظيم وقادر على أن يهلك الكفار من غير قتال فلماذا المسلمون يتعرضون للقتل وييتم الأطفال وترمّل النساء والتجريح وقد يترتب عليه كما ينظنر الناظرون الآن إلى مسألة القتال أن مسألة القتال هذه تسبب لنا مشاكل وجرحى يشكلون عبئاً على الدولة وقتا وأرامل ينظرون نظرة دنيوية بحتة بينما ينبغي دائماً أن ننظر في الشرع نظرة ربانية لا نظرة دنيوية (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216) البقرة) نظرتنا نحن قصيرة تتعلق بأهوائنا ورغباتنا لكن الله عز وجل حكيم ودائماً أوصي نفسي وكل قارئ للقرآن وكل مسلم أن يتأمل (وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) حتى الذين يتكلمون عن المقاصد ويبنون عليها أحكاماً وأن هذا لا يتناسب، المقاصد التي تراها أنت قاصرة لكن مقاصد الشرعية هي الحقيقية. قد يقول قائل الله قادر أن يهلكهم فلمَاذا القتال؟ تأتي الآية قال الله عز وجل (وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ) منهم هم ما الطغاة المفسدون والقواد الكبار بجميع أسلحتهم وجعجعتهم لا شيء في مقابل قوة الله عز وجل ولو أراد الله أن يذهب بهم في لحظة لذهب ولو أراد أن يجعل منهم عبرة ويفعل بهم كل ما شاء لفعل لكن مسألة تشريع القتال لها مقاصد عظيمة وحكم جليلة فقال عز وجل (وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) القتال بلاء لأهل الإيمان لأنه لا يُعرَف المؤمن الحق إلا بتكاليف الشرع (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران) لا بد من ابتلاء يمحص الله فيه أهل الإيمان (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) آل عمران) فهو بلاء لأهل الإيمان ولذلك أعظم الناس صدقاً في الايمان هم الذين باعوا أنفسهم رخيصة لله (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ (111) التوبة) من المؤمنين هؤلاء هم أهل الإيمان وأعجبتني لفتة ذكرها ذكرها أحد العلماء في معنى الشهيد لم سمي الذي يقتل في المعركة شهيداً؟ قال لأنه هو الذي شهد أن لا إلا الله حقاً فلما اقتنع بـ (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وعلم معناها واعتقدها وصارت هي حياته ومقصده يضحي بكل شيء فإذا عمل من أجلها وقاتل من أجلها يستحق أن يكون موته يشهد أن لا إله إلا الله فهو الشهيد الشهادة الحقة (لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) القتال بلاء يبلو الله عز وجل به أهل الايمان ولا يتميز أهل الإيمان وتكاليف الشرع إلا بالقتال ولذلك ليس هناك سورة فيها القتال إلا وفيها ذكر للنفاق لأنهم يخفقون في هذا الباب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ (156) آل عمران) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء) الله شرع لكم القتال ليحييكم الحياة الطيبة في الآخرة فالآخرة خير. فالقتال ليبلوكم ليصلحكم لا يمكن أن نصلح إلا بالقتال ولا يمكن أن تستقر الحياة إلا بالقتال ولذلك هم الآن يتكلمون عن السلام المسلّح، لا يمكن أن يكون سلام إلا بقوة أنت تريد سلاماً وهذا قوي وكل الأسلحة عنده وهذا لا يقيمة له الناس ستدعو إلى أن تأخذه وأي واحد قوي بجاوره ضعيف سيأكله فلا يمكن أن يتحقق سلام حقيقي إلا بسلاح فكيف تكيلون بمكيالين؟ أنتم تتسلحون ويحظر على المسلمين التسلح، إذا أردتم السلام الحقيقي فالتسليح يكون حق مشاع لكل أحد (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (60) الأنفال) عندما يكون عندي قوة سيكون السلام فعلاً. ما الذي يردع القوة العظمى عن دولة أخرى إلا إذا كان عندها قوة فيأمن الناس. إذن الأمان والصلاح والسلام يكون بالقوة وبالقتال (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ (251) البقرة)
د. الشهري: ألا يوجد خيار آخر أن يكون الجميع بلا اسلحة؟ ألا يمكن أن يكون هذا في الحياة؟
د. محمد: لا يمكن لأن هذا يتعارض مع طبيعة الإنسان وهذا كلام لمن يعرف حقيقة الإنسان. الآن إذا لم يكن هناك قتال تقاتل الناس لأتفه الأسباب ولأمور تافهة لكن لما يكون هناك مقاصد شريفة يتسلحون بها لأجل الحق ولأجل إيقاف الباطل سيأمن الناس وانظر إلى التاريخ لا يتحقق سلام ولا حضارة ولا قوة إلا بالاستقرار المبني على قوة لأن الضعف لا يمكن أن يحقق قوة في الأرض ولا استخلاف في الأرض. أيضاً شرع الله القتال ليربينا أعظم وسيلة من وسائل التربية القتال وتربية بدون قتال تربية ناقصة وخذ مناهج التربية في الأرض تربية بدون قتال تربية ناقصة خذ مثالاً لما ذكر الله في سورة التوبة (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) لأن القتال نفسه يحقق لكم أجور عظيمة، وإذا لم يكن هناك قتال؟ يمكن أن يتحقق هذا الأجر العظيم لكن بعشرين شيئاً (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ (112)) لكن كل هذه مقابل القتال وحده. القتال يوازي كثيراً من الأعمال التي يتربى بها الناس مهما تربينا بالعبادة ومهما تربينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتربية القتال أساسية وهذا يعرفه من جرّبه. لذلك الصحابة كانت تربيتهم جهادية وكانوا يتنافسون على الجهاد وأروع أمثلة المسلمين والصحابة في ميادين القتال هذا هو ميدان التربية فتربية بدون قتال ناقصة. لا يعني إهمال الاشياء الأخرى فهي لا بد منها ولكن لا يمكن أن نسقط القتال وأن نظن أنه سيكون هناك تربية حقيقية وإقامة للدولة المسلمة بدون قتال.
د. الشهري: هذا مخالف لصريح القرآن. العجيب أنه كثرت المشكلة يعني لو كانت كتاب كتابين مقالة مقالتين ما توقفنا عندها لكن كثرت المشكلة من أناس نظن بهم الخير يهونون في هذه الشعيرة العظيمة ويشككون في جهاد الآخرين ويسخرون منهم ووالله سمعت من أناس فضلاء تندر بجهاد المجاهدين لتصرفات أفراد لكن هذه الشعيرة من شعائر ديننا وآيات القرآن ربما ثلثها في الجهاد والقتال وفضل الشهيد وهو ذروة سنام الاسلام
د. محمد: السورة أجابت عن هؤلاء (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ) لأنهم تركوا الحق من ربهم واتبعوا من؟ (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)) فالسبب أنهم تركوا الحق من ربهم واتبعوا الذين كرهوا ما نزّل الله وتأثروا بهم. ولاحظ الآية العجيبة التي ذكرها الشنقيطي في أضواء البيان وأنصح بقراءته وقد أبدع وحلّق وأطال
محمد من العراق: في سورة الأنبياء (91) وفي سورة التحريم (12) فنفخنا فيه وفنفخنا فيها هل يمكن تعليق لماذا قال في واحدة فيه وفيها في الثانية؟
د. محمد: هو تفنن في التعبير وكلاهما بمعنى واحد (فيه) يعود إلى الفرج و(فيها) يعود إلى مريم والفرج هو شِقّ الجيب فنفخنا فيه يعود إلى الفرج ونفخنا فيها يعود إلى مريم والمؤدى واحد وهو تفنن في الأساليب. في الأنبياء أشار إليها هي المتحدّث عنها والأصل أن الضمير يعود لمن يتحدث عنه
د. الشهري: نعود لكلام الشنقيطي الذي أوصيت بالعودة إليه في بيان قوله تعالى
د. محمد: جاء في سياق الإجابة عن سؤالك حول غياب هذه المفاهيم عن كثير الناس بل وانقلابهم وهذا نوع من الارتداد ومن أعظم أنواع الارتداد عن الهدى ارتداد المفاهيم
د. الشهري: الشيء بالشيء يذكر الآن كثر في الاعلام حتى الاعلام الاسلامي كأنهم أصبحوا يقولون أن الجهاد والارهاب شيء واحد ولبّسوا على الناس فأصبح الإرهاب الإرهاب وروجت له الولايات المتحدة وإعلامها وحتى نحن فاصبحنا نقول الارهاب ونقصد به المجاهدين، الذين يقاتلون في العراق ضد الاميركيين أليسوا مجاهدين؟ إذا كان اندسّ بينهم مخربين واندس بينهم الرافضة لكن بقي من يدافع عن بلده وعن عرضه وعن دينه أين القتال في سبيل الله إن لم يكن في هذه المواطن؟! وفي فغانستان كذلك وفي فلسطين كذلك شوهت هذه المفاهيم مع أنها واضحة جداً فكيف تبين وكيف ترد على هؤلاء؟
د. محمد: هذا من لطائف القرآن لأن ذكر التدبر في آيات هذه السورة آيات التدبر في القرآن وردت في سورة النساء وقضية النساء هي أكثر القضايا التي يحصل فيها إشكالات وفي سورة النساء قتال وفي سورة محمد (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فالعلاج واضح هو تدبر القرآن والله إن من قرأ القرن بقصد البحث عن الحق يتضح له بلا أدنى غبش أما من لا يريد الحق فسيبحث هنا وهناك وما ضللنا إلا لما أعرضنا عن القرآن إما أعرضاً كلياً ما نقرأه أو إعراض اقتصار على القرآءة
د. الشهري: أو أخذ آيات واقتطاعها من سياقها
د. محمد: هنا الجواب عن هذا تدبر القرآن نقول لكل عاقل عنده غبش في هذا الموضوع إنما نعظكم بواحدة أن تفتحوا القرآن وتقرأوا بتجرد وبقصد الوصول إلى الحق والله يقول لك هنا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) هذه أكثر المواضع التي فيها إشكال فيها خلاف (الحق من ربك) في سورة الأحزاب قتال وقضايا وحجاب والله يعلم أنه سيحصل فيها نزاع بين أهل الأهواء وأهل الإيمان فيقول في أول السورة قضايا كلية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)) هذا هو المنهج فقول لكل إنسان الحق واضح القرآن واضح الدين واضح كما يقولون والله من قرأ القرآن بدون إرادات سيئة سيوفق. قال هنا (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)) وفي المنافقين قبلها قال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) بعض الناس يستمع لكنهم لا يريدون الحق ولا يريدون أن يمتثلوا ولا يريدون أن يعتقدوا مضمون الحق هو مجرد استماع ومن البداية ما عنده استعداد يتقبل وإنما يستمع من أجل أن ينقدك أو يتلمس ثغرات (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا) كأنه استهتار، قال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) ولذلك من مقاصد القتال أنه يصلحنا من اتباع الهوى لأن القتال معناه ترك الأهواء ترك الشهوات ترك الدنيا التي ركنا إليها، اثاقلنا إليها والانقياد إلى عالم آخر كله تضحية وبذل ثم ان القتال يربي الناس على القوة والشجاعة الآن لو سمعنا صوت نكاد نصعق لأننا ما تعودنا وأنا أسمع عن بعض القبائل التي عندهم مشاكل وقتال، القتال عندهم مثل شرب الماء تعودوا أن يسمعوا الطلقات عادي لأنهم تربوا على القوى. الآن بعض أهل الايمان إذا رأى المسدس انهار لأنه صعيف في القتال، القتال يربينا على القوة وفي الحديث: من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة كفرها. فنحن أمة قوة وأمة قتال فالله عز وجل شرع لنا القتال ليبلونا وليصلحنا وليربينا وليهيئنا لجناته جنات النعيم (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) محمد).
سؤال: حين نقول عن مسمى السورة توقيفي فهل معنى هذا أنه لا بد أن يكون عليه دليل أو أن الاسم المشتهر والذي أجمع عليه المفسرون فهو أيضاً توقيفي
د. محمد: ما أجمع عليه الصحابة أو نصوا عليه فهو في حكم التوقيفي التوقيفي يتحقق بأمرين النص من النبي صلى الله عليه وسلم أو التسمية في جمع عثمان رضي الله عنه لأن عثمان الخليفة الراشد جمع المصحف وسميت السور بحضور الصحابة فهو في حكم التوقيفي كثير من السور ليس فيها نص ولكنهم يقولون توقيفي لأن الصحابة سموها بهذا الاسم
سؤال: حبذا لو تحدثتم عن غزوة بدر الكبرى لقربها من هذه السورة ولموافقتها ليوم السابع عشر من رمضان
د. محمد: من أراد أن يتعرف على غزوة بدر فليقرأ سورة الأنفال والقرآن بيان لكل شيء ونحن في شهر القرآن وما أجمل أن نقرأ القرآن قاصدين الاهتداء به ومعرفة الحقائق وإيضاح الأمور
د. الشهري: نحن مقصرون في هذا في قراءة القرآن بهذه الروح وبهذا المعنى وكان يقول لي أحد الزملاء جلست مع الطلاب في تفسير القرآن وكنا نضع ضابط من الضوابط نستخرج من كل آية العمل الذي فيها
د. محمد: ما تدبر القرآن إلا اتباعه
د. الشهري: أن نخرج من كل آية بالعمل الذي فيها فمثلاً الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) دعونا نلتزم بالصدق أسبوع والله فيه مشقة وصعبة جداً
د. محمد: قد تكون بعض هذه التنبيهات مفيدة لنا ولإخواننا الذين يشاهدوننا ينبغي لمن يقرأ القرآن أن يجعل له أهدافاً تحقق هذا المقصود كنت أقول لبعض الإخوة كل يوم تقرأ حاول أن تستخرج مما قرأت خبراً وأمراً ونهياً فصدِّق الخبر ليورثك الاعتقاد واليقين والإيمان وامتثل الأمر مع أنه سيمر عليك أوامر كثيرة لكن خذ أمراً واحداً فقط وانته عن النهي ستصلح بإذن الله. لذلك الحسن البصري رحمه الله في (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) قال “وما تدبره إلا اتباعه” يقرأ أقوام القرآن من أوله إلا آخره لا يقرأون إلا حروفه لا يفهمون معانيه هناك ومن باب الدلالة على الخير هناك مقال بعنوان “وما تدبره إلا اتباعه”
(رابط المقالة على الانترنت: http://www.alukah.net/Sharia/1061/34001/)
د. الشهري: في قوله في وسط السورة (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ما مناسبة هذه الآية والحديث عن القتال والحديث عن الارتداد على الأدبار
د. محمد: أشرنا إليه قبل قليل وتدبر القرآن في مثل هذه المواضع هو الذي يكشف الحقائق لأن من تدبر القرآن بصدق اتضح له الحق فاقرأ القرآن قراءة متدبر باحث عن الحقيقة سائلاً الله عز وجل أن يريك الحق حقاً فستجد الحق وستتضح لك الأمور لأن القرآن فرقان يفرق بين الحق والباطل ومن أعظم ما يحتاجه كل واحد منا أن يعرف الخير من الشر والحق من الباطل فتأتي هذه الاية. وكما ذكرت قبل قليل هناك قضايا أكثر القضايا التي يقع فيها الإشكال والخلاف هي التي تتعارض مع الأهواء
د. الشهري: ولعل هذه الآية (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ)
د. محمد: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) القرآن وهذا يتعلق بالسورة يكشف معادن الناس فهذه الآية تبين أن الناس ينقسمون إلى قسمين: أهل الإيمان يريدون القتال ويسألون الله أن ينزل سورة فيها القتال (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ) أهل الإيمان إذا نزلت سورة امتثلوها فازدادوا بها إيماناً واستبشروا وأما أهل النفاق (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة) هنا (سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ) واضحة بينة قطعية الدلالة لا تحتمل إلا وجهاً واحداً من التأويل على معاني الأحكام ليست منسوخة (رأيت الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) لذلك ينبغي لكل من أراد أن ينتفع بالقرآن أن يحرص على قلبه إذا كان في قلبك مرض فبينك وبين القرآن حجب فطهّر قلبك فالقرآن نزل على القلب فما لم القلب صالحاً مهياً وإلا فلا انتفاع بالقرآن ولذلك قال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) فك الأقفال ذنوب شبهات اتباع الأهواء، قال (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) انظر التوصيف وكأنه يجسد لك الإنسان أمامك (يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) كأنه مغشي عليه من الموت ذُهِل بعض الناس لا يحب الأشياء التي فيها شدة. مثل بعضهم يقول قل لي صلّي أصلي صُم أصوم لا مشكلة أحافظ على الأذكار لكن لا تقل لي أنفق مالك هذه صعبة! أمر بالمعروف وانه عن المنكر قال هذه تعرضك للحرج، قتال قال هذه لا نطيق! أيّ إيمان بلا قتال وأيّ إيمان بلا تضحيات كالذي ياتيه أمر فوق طاقته ما يحبه وما يريده (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ (21)) كما قال أهل الايمان (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) حتى لو كنا سنقصر (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا). (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) انظر الصدق في البداية يعينك في النهاية، إذا كان عندك استعداد وهيأت نفسك علينا أن نعد العدّة
د. الشهري: يبدو لي أن (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ) تشير إلى معنى المبادرة في الاستجابة لأوامر الله سبحانه وتعالى فعندما يأمرك الله سبحانه وتعالى بالجهاد والانفاق والبذل فالمطلوب من المسلم هو المبادرة والاستجابة
د. محمد: ومتى تتم المبادرة؟ نتيجة تهيئة، تكون موطّن نفسك على المبادرة في أي وقت لكن إذا جاءك على غفلة سيكون هناك إشكال (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ). ثم قال الله بعدها (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) إن توليتم عن شرع الله، إن توليتم عن الحق الذي نزل من الله من تولى عن الحق وأعرض عنه فسيحصل الفساد في الأرض (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) إذن الفساد في الأرض وتقطيع الأرحام هو مظهر من مظاهر التولي عن شرع الله ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا إذا ترك الناس دينهم
د. الشهري: أو ثمرة من ثمار التولي
د. محمد: نعم، نتيجة (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)
د. الشهري: نلخص الحديث عن بقية الآيات
د. محمد: الناظر في السورة يجد أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها، كل الآيات تتعلق ببيان الصراع وبيان انقسام الناس وصفات أهل الايمان وصفات أهل الكفر. مما ميز هذه السورة في قضية الصفات صفات أهل الكفر ومن على شاكلتهم كره ما أنزل الله وهذه قضية خطيرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)) كُره ما أنزل الله وصف أهل الكفر فينبغي أن نحذر أشد الحذر من كره ما أنزل الله لأن بعض الناس قد يغفل عن هذا الجانب وقد يمتثل لكن في نفسه شيء وقد يقع أحياناً في بعض التكاليف مخالفة للرغبات فيُكره حتى لو امتثل فكُره ما نزّل الله كفر ولو عمل به فينبغي الحذر من هذا
د. الشهري: مثلاً يكره الجهاد
د. محمد: تكره المرأة شريعة الله في التعدد، هذه قضية خطيرة بعض الناس ينسى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) وهذه تحصل من الذين في قلوبهم مرض كثير من المنافقين يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكرهون شرع الله ومن الناس من يكره العدل والله أنزل العدل (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ (17) الشورى) أنزل الميزان وأنزل الكتاب أي شيء أنزله الله فكرهه كفر (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)) المنافقون يطيعون الذين كرهوا ما أنزل الله والذين كرهوا ما أنزل الله أول ما يطلق على الكفار لأنهم كرهوا الحق وكرهوا محمد عليه الصلاة والسلام فمن الناس من أطاعوهم في بعض الأمر فكما يقول الشنقيطي ينبغي لكل مسلم أن يتدبر هذه الاية وخاصة في هذا الزمن فإذا كان كره بعض ما أنزل الله أو طاعة الكفار في بعض الأمر يؤدي إلى الارتداد والكفر فكيف بمن يطيعهم في كل الأمر؟! وكيف بالذي يجعل طرائقهم هو الذي ينبغي أن نكون عليه؟! هذه قضية كبرى وخطيرة لذلك نبّه قال ينبغي لكل مسلم عاقل أن يتدبر آية محمد (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) (في بعض) ارتدوا على أدبارهم والعياذ بالله! (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)) إذن من القضايا الكبرى في إحباط الأعمال كُره ما أنزل الله كُره رضوان الله عز وجل. ثم عاد الحديث عن المنافقين والحديث في منتصف السورة أكثره عن المنافقين (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) بعض الناس يظن أنه سيضحك على الناس وسيُظهر لهم الكلام العذب وأنه حريص وغذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، إن نريد إلا إحساناً وتوفيقاً وهم قلوبهم ممتلئة وهذه (أَضْغَانَهُمْ) ذكرت في السورة مرتين. وقال (يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) يخرجها الله فلا بد أن تخرج قال (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ) الله لو شاء لفعل ولكن له حكمة حتى تدل الأقوال على الأفعال ولذلك إذا أردت أن تعرف ما في قلب أحد انظر إلى لسانه وما يقول. قال (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)
د. الشهري: ما معناها؟
د. محمد: فيما يقولون، في الأشياء التي تخرج أحياناً من غير قصد (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (118) آل عمران)
د. الشهري: لحن القول أحياناً تتلمسه تلمساً في كلامه
د. محمد: ليس مقصوداً وإنما يأتي أحياناً ولا يمكن أن يسر أحد سريرة إلا ويظهرها الله إن بعمل وإن بشيء يدل على هذا القول. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) قضية الابتلاء حتى يعلم الصادقين والمجاهدين والعلم هنا المراد به علم الوقوع لأن الله يعلم لكن علم الوقوع يظهر للناس ويترتب عليه الثواب والعقاب. ثم عاد القرآن لذكر الذين كفروا وما هم فيه من الباطل والصد عن سبيل الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) كل كافر لن يضر الله شيئاً والله عز وجل قال في آل عمران (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)) لماذا يتركهم؟ ليزيد عذابهم قال الله (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ) أحياناً إملاء الظالم وتركه بعض الطغاة الذين يفسدون في الأرض الآن قد يقول قائل ظلموا وقتلوا وفعلوا الأفاعيل أين العدل؟ الله يتركهم حتى يكون العذاب يوم القيامة شديداً حتى يريدوا أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة (لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ)
د. الشهري: تعليق على الآية (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)
د. محمد: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ) هذه قضية كبرى
د. الشهري: نحن ضعفاء الآن أين العلو؟
د. محمد: علو الايمان كما قال الله في سورة آل عمران (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)) أنتم على الحق وأنتم الأعلون بإيمانكم وأنتم الأعلون متى ما أخذتم بشرع الله وطبقتم أحكامه وأخذتم بالعدة فسيكون لكم العلو المعنوي والعلو الحسي. (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) هذا دليل أن المسلمين لا يدعون إلى السلم لكن إذا جنحوا للسلم فاجنح لها أما أنت الأصل أن تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
د. الشهري: نسأل الله أن يفتح عليك يا أبا مجاهد وأن يتقبل منك والحقيقة كانت حلقة ماتعة أنا أكثر واحد استفاد، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل القرآن وها أنتم سمعتم ضرورة تدبر القرآن والعناية بفهم القرآن وتطبيقه أرجوأن يكون فيما تفضل به الدكتور محمد عوناً لنا جميعاً على العودة لسورة محمد وقرآءتها قراءة أكثر تدبراً وأكثر وعياً بما فيها من الحكم والأمثال، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن.
********************************
الفائز في حلقة الأمس: أسماء محمد
سؤال الحلقة: اتهم المشركون النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث تهم ليردوا بها الوحي فما الآية التي تشير إلى ذلك في الجزء السابع عشر؟