برنامج روائع البيان القرآني
د. محمد داوود
الحرف والمعنى في القرآن الكريم
البشر حين يقيمون شيئًا له من شواهد العظمة مكانًا فيجعلون لذلك متحفًا ويدعون الناس ليطلعوا على بديع صنعهم وعلى بديع اختراعهم وإبداعهم فما بالنا إن كان الذي نحن بصدده وهو ذلك الكتاب القرآن الكريم عظمته مستمدة من الله الخالق، من الله العظيم، من الله الجميل، وقد دعانا الله عز وجل أن ننظر في هذه العظمة وفي هذه الروعة وفي هذا البيان كيما يتأتى لنا الوقوف على أسباب التمكين وأسباب العظمة والرقي فقال سبحانه (أفلا يتدبرون القرآن) هذه رحلة في التدبر للآيات.
في الحلقة السابقة ونحن نتحدث عن روائع البيان القرآني تحدثنا أن روائع البيان تكون في مستوى الحركة، الفتحة والكسرة والضمة. كيف يكون في الحركة روعة وإعجاز وبيّنا أن المادة الخام ليس فيها إعجاز وليس فيها روعة ولكن الروعة في استخدام هذه المادة واستعمالها على نحو معجز لا يستعمله الآخرون ومثل لذلك التراب يأخذه الفلاح البسيط فيصنع به كوخًا بسيطا ويستخدمه المهندس فيصنع منه قصرا عظيما والله سبحانه وتعالى يأخذ منها قبضة فيخلق منه إنسانًا يعجز عنه الآخرون مع أن أصل المادة واحدة. الحركة في القرآن فيها أسرار عظيمة في المعنى ولا تجد توظيفها في المعنى على هذا النحو إلا في القرآن الكريم. نذكر في الحركة ما اجتهد فيه السلف الصالح من علماء اللغة الذين أفنوا حياتهم في التدبر لهذا الكتاب فأطلقوا ما يسمى المثلث اللغوي، الحركة تقوم بشيء مهم فيه، بدأه قطرب ثم نما بعد ذلك لينظم ويفهرس ويقسّم بحسب الحركة التي تتغير إن كانت على الحرف الأول أو الثاني أو الثالث. المثلث اللغوي هناك كلمات تقوم الحركة فيها بتحديد المعنى على وجوه ثلاثة مثل جَنة وجُنة وجِنة، حرف الجيم الأول هو الذي تغيرت حركته والحروف لم تتغير. الجَنة هي البستان المعروف في دنيا الناس أو جنة الخلد يوم القيامة حنة عرضها السموات والأرض. وجِنة قال الله عز وجل (من الجنة والناس) أي عالم الجِنّ تغيرت الفتحة إلى الكسرة فتغير المعنى من الجَنة بمعنى البستان إلى الجِنة بمعنى الجنّ ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم الصيام جُنّة يعني وقاية فجاءت الضمة لتعطي هذا المعنى الثالث، الحركة بهذا الترتيب وهذه الدقة تناولها السلف الصالح وأطلقوا عليه المثلث اللغوي.
سؤال آخر: عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز قال بنظرية النظم وهو إسناد كلمة إلى كلمة مثل فاعل لفعل ومبتدأ لخبر فما مسألة الحركة والحرف؟ النظم لا يتوقف عند الكلمة والجملة لكنه جاء بشواهد على الحركة وجاء بشواهد على الحرف وجاء بشواهد أكثر عن الكلمة وجاء بشواهد عن الجملة.
(وما أنسانيهُ) (عليهُ الله) جاء لسر من المعنى يتناسب مع هذه النظرة ويتناسب مع هذا التفخيم ومع هذا الترتيب (في الحلقة الماضية)
الحرف
هنالك تمهيد لا بد منه. الحرف في اللغة العربية نوعان حرف مبنى وحرف معنى. حرف مبنى يعني تُبنى منه الكلمة مثل كتب تم بناء كلمة كتب من حرف الكاف والتاء والباء فالكاف والتاء والباء كلها حروف مبنى. حرف معنى هي الأدوات التي تستخدم في اللغة العربية فلا هي كلمة تعطي معنى مستقلًا بذاتها ولا هي كالحرف حرف واحد، هي أكثر من حرف، لا هي كلمة ولا هي حرف مثل: على وفي وحتى حروف الجر مثل في، على، هي ليست كلمة لأنها لا تعطي معنى مستقلًا بذاتها ولكن هي تحتاج إلى كلمة نقول (على الكرسي، في البيت، على الطريق) حتى نفهم المعنى. إذن هي في مرحلة بين الحرف المفرد (حرف المبنى) وبين الكلمة التي تعطي معنى مستقلًا (لو قلت شجرة لها معنى مستقل، لو قلت رجل لها معنى مستقل)، هذه حروف المعاني.
حروف المباني نوعان أيضًا الصوائت وسميت الصوائت لأنها هي التي تجعل الحرف يصوّت أي يصدر له صوت التي تلحق بها حروف المد الفتحة والضمة والكسرة وألف المد وواو المد وياء المدّ.
وهناك الصوامت وهي أن الحرف يبقى صامتًا إلى أن تأتيه حركة فتجعل هذا الحرف يصدر للحرف صوت ولذلك سميت الحركات صوائت لأنها هي التي تجعل الحرف يصوّت أي يصدر له صوت وسميت الحروف صوامت لأنها صامتة بدون الحركة. المخرج الشفة السفلي مع أصول الثنايا العلية (مخرج الفاء) بدون حركة لا يصدر له صوت (صوامت) فإذا وضعنا للحرف حركة مثل الفتحة أو الكسرة أو الضمة يصبح له صوت تسمى صوائت.
الصوائت التي هي حروف المدّ ويسمونها في علم اللغة الحديث الحركات الطويلة ألف المد وياء المد وواو المدّ، ما هو وجه الاستخدام المعجز لها في القرآن الكريم؟.
في سورة ق يقول الله تعالى (والنخل باسقات) ألف المد مناسبة للمعنى، النخلة فيها استطالة وألف المد فيها استطالة (باسقات). (لها طلع نضيد) نضيد تتناسب مع الطلع الذي يكون فوق بعضه البعض.
(ذهب إلى أهله يتمطى) الألف اللينة التي ترسم ياء مناسبة للمبالغة في التكبر والمبالغة في التعالي فتوظيفها في معنى كهذا إنما هو على نحو معجز لا نراه بهذا الانتظام وهذا التناسق والإحكام إلا في القرآن الكريم.
حروف المباني الصوامت (كل الحروف ما عدا حروف المدّ) فيها بيان عظيم ينبغي أن نقف عنده بالفهم والوعي حتى يكون منك الإجلال والتعظيم وتقول سبحان من هذا كلامه وهذا بيانه وهذا قرآنه.
(والنخل باسقات لها لع نضيد) لما نأتي إلى حرف الضاد وهو مفخّم وحين تنطقه لا بد وأن يضرب اللسان من الناحية اليسرى ومن الناحية اليمنى واليسرى أيسر من الجانب في السقف، الضاد المفخمة هذه مناسبة لامتلاء الطلع فهذه مناسبة بين الحرف وبين المعنى في الكلمة التي هو جزء منها، الضاد مناسبة لمعنى الامتلاء وصفة التضخيم في الضاد مناسبة لمعنى الامتلاء في الطلع الذي يعبر عنه القرآن الكريم.
الهمزة صوت شديد انفجاري لأن تيار الهواء يخرج من الجوف يُحبس الهواء حبسا تاما ثم يحدث انفراج مرة واحدة وهذا سبب الانفجار (صوت شديد انفجاري) صفة الهمزة صوت شديد انفجاي حين يعبر القرآن عنه في آية (… تؤزهم أزا) الصوت الشديد الانفجاري مناسب في سياق الشياطين ومعنى الشدة ومعنى الاضطراب تناسبه الهمزة الصوت الشديد الانفجاري في مقابل أنك ترى في سياق آخر الله عز وجل يقول لمريم عليها السلام (وهزي إليك النخلة) لم يقل أزّي لأن الهاء حرف همس وحرف الهمس بصفته اللطيفة هذه مناسب لمعنى الحنان والترفق بالصديقة مريم في موقفها الذي كانت فيه من الغرابة بمكان فجاء القرآن الكريم بحرف الهمس الهاء في هذا السياق ولما كان السياق سياق الشدة والعنف والاضطراب مع الشياطين جاء بالهمزة ولما كان السياق سياق الحنان واللطف والترفق جاء بالهاء (وهزي إليك). هذا السر بين مناسبة ذلك الحرف للمعنى الذي تدل عليه الكلمة والحرف جزء من هذه الكلمة.
حين يريد القرآن الكريم أن يبين ما كان يفعله فرعون بالنساء وبالأطفال ويبين قسوته وكثرة ما كان يرتكب من هذا الفعل الشنيع فيقول القرآن الكريم (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ (4) القصص) لم يقل يذبح وإنما جاء بالحرف المشدد (يذبّح) الباء ليست باء واحدة وإنما باء ساكنة يليها باء متحركة (يذبّح) التشديد هنا للدلالة على الكثرة والعنف والقسوة في حدث الذبح الذي يحدث من فرعون، هذا التوظيف العظيم في القرآن الكريم يدل على هذا الاستعمال المتميز المعجز ولن تجده إلا في القرآن الكريم.
في وزن صرفي في اللغة العربية (افتعل) تاء الافتعال تأتي للتعبير عن المعاني التي فيها قوة فيها حماس فيها شدة، معاني فخمة فبدل فعل تأتي افتعل مثل كسب واكتسب التي فيها مزيد من بذل الجهد، اكتسب تزيد في المعنى عن كسب تسمى تاء الافتعال فيها جهد وبذل مشقة لكن القرآن الكريم وهو يصور لنا حال أهل النار واستغاثات أهل النار فيقول سبحانه (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (37) فاطر) ارتفاع الصوت بالصراخ لم يقل القرآن يصرخون فيها لو أردنا أن نزيد الصراخ لأضفنا تاء الافتعال يسترخون فيها لكنه لا يعبر فيحول القرآن التاء المرققة إلى طاء مفخمة ليعبر عن هذه الشدة. ناسب بين تفخيم الطاء وتحويل التاء المرققة للدلالة على المبالغة في الصراخ وشدة العذاب الذي يناسبه الطاء المفخمة وليس التاء المرققة.
خلود القرآن وأثره في النفوس
الروعة في استخدام الحرف في القرآن الكريم ومناسبته للمعنى ولا يمكن أن تستعيض بحرف عن حرف ليعبر عن المعنى
مثال:
ربنا سبحانه وتعالى حين يرشد الأمة في شخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة وأمر الأهل بالصلاة إنما يحتاج إلى سعة صدر ويحتاج إلى تكرار وتلطف ليس الأمر هينًا وليس الأمر تعليمات فقط لكن المسألة تحتاج إلى مزيد من المحاولة ومزيد من الصبر والتحمل. يسوق القرآن هذا المعنى بقوله (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) طه) اصطبر من الصبر لكن لم يقل واصبر عليها. اصطبر بالطاء، اصبر بحسب قواعد اللغة العربية والأحكام الصرفية للكلمة أن صيغة الافتعال حين يراد تعظيم المعنى تأتي بالتاء تاء الافتعال واصتبر عليها لكن التاء غير مناسبة للمعنى المراد عن قوة التحمل وسعة الصبر ومزيد الحلم وأنت تدعو إلى الصلاة وهذه تحتاج إلى حلم واسع وصدر واسع جدًا فلا يكفي أن يقال واصبر عليها أو واصتبر عليها على حسب قواعد الصرف المألوفة بزيادة تاء الافتعال ولكنه يحول التاء المرققة إلى الطاء المفخمة لتعبر عن قوة التحمل وسعة الصدر وقوة الحلم.
سيدنا موسى عليه السلام لما سار بأهله وآنس – من الأُنس الإنسان لما يكون في وحشة وغريبًا ويمشي في طريق لا يرى أحدًا من الناس وفي برد وفي معاناة- فالله سبحانه وتعالى يعبّر في القرآن (إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) تصطلون من صَلِيَ ما قال تستطلون بتاء الافتعال لأن التاء تاء الافتعال لا تعبّر وليست كافية للدلالة على شدة الحاجة إلى النار لما أصابهم من شدة البرد فالاصطلاء الدنو من النار لتدفئة البدن عند شدة الشعور بالبرد، الذي يرتعش ويشعر ببرد شديد يقترب إلى النار أكبر درجة ممكنة حتى يستدفئ بها. القرآن لم يقل أن موسى عليه السلام وأهله كانوا يشعرون ببرد شديد وإنما جاء بكلمة تعبر عن كل هذا وجاء بحرف واحد يسوق كل هذه المعاني وهو تحويل تاء الافتعال إلى الطاء المفخمة على نحو متميز معجز في القرآن فقال تصطلون ليعبر عن شدة الحاجة إلى النار لما أصابهم من شدة البرد. انظر القرآن باستخدامه للحرف ومناسبة هذا الاستخدام للمعنى والحرف جزء من بناء هذه الكلمة يريك وجه الإعجاز ويقف بك على روعة البيان والجمال القرآني.
حين يقول ربنا سبحانه وتعالى (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) لقمان) نضطرهم الضاء مفخمة وتأتي من الضرر وشدة الضرورة والضرورة منها الاضطرار لكنه لم يذكر في الآية ضرورة أو غيرها وإنما حول تاء الافتعال إلى طاء مفخمة هنا ليناسب قوة المعنى المراد وهو قوة الاضطرار (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ) أنهم ستحيط بهم الأسباب لأنه كل من أعرض عن الله عز وجل يفتح له في باب العذاب ويمد له في طغيانه حتى يستحق العذاب عن جدارة فربنا يعبر عن ذلك (نَضْطَرُّهُمْ) بعد أن حول التاء المرققة إلى طاء مفخّمة لتناسب قوة معنى الاضطرار.
في سورة الصافات قال (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54)) من طلع هي الإشراف على الشيء، اطلعت على هذه الأسباب يعني أشرفت عليها لكن، الاطلاع يكون من علو وإشراف. والقرآن هنا في صيغة مطّلعون حوّل التاء المرققة إلى طاء مفخمة لتشبع المعنى لمعنى عظيم وهو: هل تحبون أن تطلعوا لتعلموا منزلتكم في النار؟! يريد أن يفخّم ويعظّم العذاب فيقول له أنت ستطّلع على شيء خطير وعذاب أليم فحوّل التاء المرققة إلى طاء مفخمة.
إذن القرآن الكريم يستخدم الحركة على نحو معجز ويستخدم الحرف على نحو معجز يعني الحركة تناسب المعنى والحرف يناسب المعنى، الله سبحانه وتعالى حين يعطينا هذا الأمر للإحكام ومزيد الإحكام على مستوى الحركة، على مستوى الحرف ثم على مستوى الكلمة والآية والسورة والقرآن كله نظهر أن الإحكام في هذا الكتاب حين قال سبحانه وتعالى (الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود) كان في كل شيء يتصل بهذا الكتاب في حركاته وفي حروفه، في كلماته، في آياته، في معانيه، في قيمه التي دعا إليها الإحكام في كل شيء في هذا الكتاب.
القرآن هو المعجزة العقلية الباقية وهو كلام الله.
نتحدث في الحرف والمعنى في القرآن الكريم وذكرنا أن الحروف في اللغة العربية تنقسم إلى نوعين: إلى حروف مباني مثل (كَتَبَ مكونة من الكاف والتاء والباء) وحروف معاني كأدوات النصب وحروف الجر (من، في، على، وغيرها) وهي حرف معنى لأن لها معنى لكن معنى لا يستقلّ بذاته وإنما يحتاج لكلمة يُسند إليها حتى يظهر وهي ليست حرفًا على الحقيقة لأنها أكثر من حرف فسُميت بحروف المعاني. تكلمنا فيما سبق عن حروف المباني حروف المد أو الصوامت والهاء والهمزة ومناسبتها للمعنى وتاء الافتعال والطاء. الآن النوع الثاني من حروف اللغة العربية حروف المعاني وكيف استخدمها في القرآن على نحو معجز (كتاب القرآن الكريم وتفاعل المعاني- جزءان)
رغب فيه ورغب عنه. الفعل (رغِبَ) هو هو بحركاته وحروفه لكن المعنى تحول إلى الضدّ بسبب حرف الجر، رغب فيه أحبه ورغب عنه أي انصرف عنه وكرهه
مال إلى ومال عن، هذا أثر حرف الجر
استخدام القرآن المعجز لحروف الجر:
في سورة المؤمنون لما قرأت السيدة عائشة رضي الله عنها قول الله عز وجل (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) المؤمنون) فتبادر إلى ذهنها رضي الله عنها أن المقصود هو الرجل يفعل المعاصي ويخاف إذا رجع إلى ربه أن يعاقبه الله تعالى عليها لكنها لم تعتمد هذا الفهم حتى رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله فقال لها لا يا عائشة إنما هو الرجل يصوم ويصلي ويفعل الخيرات ويخاف إذا رجع إلى ربه ألا يتقبل الله منه هذه الصالحات لعله يكون فيها نقص إخلاص أو رياء، هذا من التواضع في العبادة بين يدي الله ثم قال لها يا عائشة (أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون) الفعل يسارعون ورد في القرآن متعديًا بحرف الجر (إلى) (وسارعوا إلى مغفرة) أما في الآية هنا (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) هذا توظيف معجز لحرف الجر مع الفعل لما كان الكلام على أهل الذنوب والعصيان وأنهم يطلبون مغفرة الله عز وجل قال (وسارعوا إلى ) (إلى) تفيد انتهاء الغاية بينك وبين المغفرة مسافة وحتى تقطع هذه المسافة تحتاج إلى استغفار وذكر وطاعة حتى يتقبل الله منك ويغفر لك هذه الذنوب فجاء حرف الجر (إلى) الذي يفيد انتهاء الغاية ويفيد أن بين هؤلاء الذين يسارعون إلى المغفرة وبين المغفرة مسافة أما حين تكلم عن أهل الخيرات الذين يسارعون في الخير وتواضعهم لله عز وجل ألا يتقبل منهم طاعاتهم لأنه قد يكون فيها رياء أو نقص إخلاص من التواضع بين يدي الله عز وجل إجلالًا له قال تعالى (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (في) تفيد الظرفية أي هم داخل الخير معناه أنهم يزدادون في هذه الخيرات، يسارعون في الخيرات يزدادون فيها. لما أراد القرآن أن يعبر أن بين الذين يطلبون المغفرة من أهل الذنوب والمغفرة مسافة جاء بحرف الجر (إلى) الذي يفيد انتهاء الغاية التي تفيد هذه المسافة الفاصلة بينهم وبين المغفرة وتحتاج إلى ذكر واستغفار حتى يحصلوا عليها وحين أراد أن يعبر عن اجتهاد الصالحين الأوابين الذين يرابطون في الخير ويسعون فيه جاء بالحرف الذي يفيد الظرفية ويفيد المعيّة الداخلية جاء بحرف الجر (في).
(كتاب كشف المعاني لابن جماعة) (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ (2) النساء) أنت تقول أكلت الشيء مع الشيء، الأكل مع وليس إلى، فلِمَ عَدَلَ عن حرف الجر (مع) إلى حرف الجر (إلى)؟ لأن الآية تتحدث عن أموال اليتامى و(إلى) تفيد انتهاء الغاية، اي هناك مسافة فلما أراد أن يعبّر عن فصل مال اليتامى وأن يكون لهم ذمّة مالية مستقلة عبّر بحرف الجر (إلى).