الحلقة الثانية – (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)
بسم الله الرحمن الرحيم. ومن الفاءات الشريفة في قوله تعالى (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الضيق في غاية الهلع إلى ربه في غاية الشوق إلى أن يستجيب الله دعاءه في نفسه حاجة يريد أن يلبيها له ربه عز وجل قضية بالنسبة للمصطفى صلى الله عليه وسلم حاجة ملحة فكر فيها أياماً وليالي وشهوراً وهو يعالجها في نفسه ويتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يلبيها له. ولهذا في هذه المحنة وفي هذا التوجه إلى الله عز وجل وفي هذا الاسراع إلى الخشوع بين يدي الله سبحانه وتعالى في هذه الحالة السريعة في عرض الحاجة ماذا يفعل العبد إلا أن يتوجه إلى السماء أن تقلب وجهك هنا وهنا وهنا تتضرع إلى الله عز وجل وأنتم تعرفون أن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة فإن السماء قبلة الدعاء، النبي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء يريد من ربه عز وجل أن يلبي هذا الذي تمكن من قلبه (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (144) البقرة) انظر إلى العطاء العظيم ما قال قبلة نرضاها لك نحن وإنما قبلة ترضاها أنت والله يعلم أن هذه القبلة التي أعطاها الله له كانت تعتلج في قلب النبي عليه الصلاة والسلام. هذه الفاء فاء التفريع أعطاه الله تعالى القبلة التي يرضاها بناء على كثرة توجهه وتقليب وجهه في السماء (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء) وتقليب الوجه في السماء هذا كناية عن شدة الحرص وشدة اللهفة على الدعاء وعلى استجابة الدعاء وعلى قوة الحاجة وعلى تمكنها من قلب الداعي (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية كانت توليته لما يريد بناء على كثرة تقلبه وتقليب وجهه في السماء. فعلى كل من هو في محنة في كرب في حالة من حالات الضرورة عنده ولد مريض هو مضنوك، مطلوب، مدين، أحد من أفراد أسرته عنده مرض عضال، مهدد بخطر، له عزيز غائب لا يعرف مصيره عنده مشكلة كبيرة جداً وأخذت منه مأخذاً فهذا من باب تحصيل الحاصل تراه في الليل في النهار عندما يناجي ربه تراه يقلب وجهه في السماء من حيث أن هذا الدعاء أو هذا المطلب أو هذه الأمنير استجابها الله فرعاً وتفريعاً على كثرة تقلب وجه النبي في السماء (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) هذه الفاء الشريفة فاء التفريع (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) بناء على كثرة ما نرى تقلب وجهك في السماء. هكذا يعلمنا القرآن الكريم أن ما بعد الفاء هنا جاء نتيجة لما قبل الفاء. فعليك إذا كنت في حرج، في كرب، في محنة عليك أن تقلب وجهك في السماء لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يسمع تضرع عبده. إذا كان العبد في محنة شديدة يتضرع إلى ربه فرب العالمين يقول لجبريل أخِّر إستجابته لأني أحب أن أسمع تضرعه (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ (43) الأنعام) فالله سبحانه وتعالى يقول إن تضرع الداعين أحب إليه من زجل المسبحين. برغم أن الذاكرين الله كثيراً والمسبحين من أعظم العبادات ولكن هذا المتضرع الذي يتضرع في الليل والنهار وهو يقلب وجهه في السماء هذا أحب إلى الله وكلاهما عظيم.
إذن هنا قال (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) هذه الفاء هي التي حملت البشرى، فاء التفريع هذه هي التي تحمل بعدها البشرى فرب العالمين عز وجل أخبرنا بهذه الآية أنه استداب دعاء النبي ولبى أمنيته وحقق مطلبه ورغبته بعد الفاء بما كان قبل الفاء (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) فعلى كل ذي محنى أن يحسن التناجي مع الله سبحانه وتعالى في الأوقات الشريفة وأن يقلب وجهه في السماء وحينئذ سوف يجد الإجابة أقرب مما يتصور والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.