برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر الحلقة 49

اسلاميات

برنامج التفسير المباشر الحلقة 49

ضيف البرنامج: فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبدالله السماعيل أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

موضوع الحلقة: وقفات بلاغية مع آيات كفاية الله لعباده المؤمنين .

بُثّت الحلقة يوم الجمعة 25 صفر 1430هـ

إعادة الحلقة الإثنين الساعة 8.30 صباحاً

د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم الله في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم الأسبوعي التفسير المباشر الذي يأتيكم استوديوهات قناة دليل الفضائية من الرياض. يوف يكون حديثنا اليوم بإذن الله تعالى حديثاً ماتعاً إن شاء الله مع ضيفنا العزيز حول موضوع من الموضوعات القرآنية التي تكرر الحديث عنها في عدد من المواضع وهو موضوع كفاية الله عباده المؤمنين. كفاية الله عباده المؤمنين وقفات بلاغية مع هذه الآيات التي تحدثت عن هذا الموضوع القيّم. ويسرني في بداية هذا اللقاء أيها الإخوة المشاهدون أن أرحب بإسمكم جميعاً بضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن عبد الله السماعيل أستاذ البلاغة والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حياكم الله يا أبا فارس.

د. إبراهيم بن عبد الله السماعيل: حياكم الله دكتور عبد الرحمن وأهلاً وسهلاً بكم والأخوة المستمعين المشاهدين والأخوات المشاهدات

د. عبد الرحمن الشهري: أشكرك يا د. إبراهيم على هذه الاستجابة وأسأل الله أن ينفع بهذه الحلقة الإخوة المشاهدين وأن ينفعنا بها نحن أيضاً. وللشماهدين الراغبين معنا في هذا اللقاء يمكنهم التواصل معنا عبر الأرقام التي تظهر على الشاشة تباعاً من داخل السعودية 920009599 أو من خارج السعودية 00966920009599 وسوف تظهر بإذن الله هذه العناونين تباعاً على الشاشة.

حياكم الله يا أبا فارس وأسأل الله أن ينفع بك وأن يتقبل منا ومنك

الحقيقة د. إبراهيم الحديث عن بلاغة القرآن حديث ذو شجون ونحن في برنامج التفسير المباشر في بعض الحلقات توقفنا بعض الوقفات البلاغية مع صديقنا الدكتور عويض العطوي مع آيات القرآن الكريم في بعض الموضوعات التي مرت معنا وهذه فرصة طيبة أن تشرفنا في هذا اللقاء في الحديث عن وقفات بلاغية في الآية التي تحدثت عن كفاية الله لعباده المؤمنين فمدخل لهذه الحلقة تفضلوا ماذا لديكم؟

د. إبراهيم بن عبد الله السماعيل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بادئ ذي بدء أشكر الله تعالى أن يسّر هذا اللقاء مع فضيلتكم د. عبد الرحمن وشكري موصول لقناة دليل الفضائية هذه القناة الناشئة اليافعة المفيدة في كل خير إن شاء الله. البلاغة القرآنية أحب أن أقدّم بمقدمة لو سمحت لي د. عبد الرحمن أن البلاغة علمٌ ما وُضِع أصلاً إلا لخدمة القرآن الكريم فليس عجباً أن نطرق القرآن الكريم من وجهة بلاغية لأن البلاغة في خدمة القرآن كما لا يخفى على شريف علمك وعلى من يشاهد هذا البرنامج الآن. واخترنا من البلاغة القرآنية آيات مختارة في كفاية الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين منوعة في ثلاث سور وقد يكون نصيب الحلقة فيها هذه الآيات تجتمع في أن الله تعالى يكفي عباده المؤمنين ما يهمّهم في مستقبل أمورهم متى يتوكلوا عليه، هذه الفكرة بشكل عام أما تفصيلها فسيكون حديثنا عن كل موضع من المواضع. ولو أردت د. عبد الرحمن أن أرسم خارطة لحلقتنا فسنتكلم عن ثلاثة مواضع: الأول في سورة آل عمران في قوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)) وفي موضع أوسط في سورة التوبة في ختامها عندما ذكر الله تعالى صفات النبي صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)) ثم قال (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) والموضع الذي نختم به إن شاء الله وهو في سورة الزمر عندما قال تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)) كما سيأتي تفصيله بإذن الله تعالى في هذه الجلسة المباركة.

د. عبد الرحمن: إختيار موفق د. إبراهيم لهذه الآيات فعلاً وأرجو بإذن الله أن يستمع الإخوة المشاهدون إلى ما يمتعهم في هذه الوقفات. نبدأ بالآية الأولى في سورة آل عمران.

د. إبراهيم: هي قوله تعالى في الآية 173 و174 (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)) والنتيجة (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)) ثم ما النتيجة؟ (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)). الآيات د. عبد الرحمن على قصرها اشتملت على قواعد عظيمة تجعل النفس الإنسانية والمسلم على وجه الخصوص في عزة ومنعة وتأييد يمشي على الأرض ولا يخاف إلا الله تعالى فعلاً بهذا التعبير لا يخاف إلا الله ولو أردنا إلى شيء في التفصيل فيها لدلفنا إليه بعد أن نأخذ سبب النزول.

د. عبد الرحمن: جميل، فعلاً نوضح للإخوة المشاهدين سبب نزول هذه الآيات.

د. إبراهيم: كما لا يخفى عليكم ذكر المفسرون سبباً لنزول هذه الآية الكريمة أن نعيم بن مسعود رضي الله قبل أن يُسلم أو أن رهطاً من عبد قيس ولا يعنينا هذا الفرق الخفيف كان نعيم يقولون ذاهباً للعمرة فلقي أبو سفيان أيضاً قبل إسلامه وكان أبو سفيان قد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالعام القادم قال موعدنا القادم بعد غزوة أحد فلما لما جمع أبو سفيان الناس لغزو الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ به نُعيم وأبو سفيان غيّر قراره ما أراد أن يغزو السنة جدب وغير مستعد نفسياً لكنه لا يريد أن يرجع بالهزيمة النفسية فأراد أن يحفظ كما يقال ماء الوجه فقال يا نُعيم لك حمل بعير من زبيب (ولاحظ الدنيا كيف تدور بأهلها كما سيأتي في بعض الوقفات) وفي رواية لك عشرة من الإبل ضمنها سهيل بن عمرو أيضاً قبل إسلامه هؤلاء رجال طلهم رضي الله عنهم قال إذا ذهبت وخذّلت عنا محمداً صلى الله عليه وسلم ومن معه فذهب نُعيم وقال لهم: أأنتم تريدون تذهبون إلى الموعد هم لو أتوكم في داركم ما نجى منكم إلا الشريد فكيف تذهبون إليهم؟ إن الناس (لاحظ كلمة الناس وشموليتها) قد جمعوا لكم (يقول هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه)، قد جمعوا لكم، هل اكتفى بهذه الإشاعة المغرضة الكاذبة من أصلها؟ قال لا، (فاخشوهم) أعطاهم التوجه الجديد (فاخشوهم) هنا بدأ الإرباك النفسي الذي يريد أن يبثه في الصحابة رضي الله عنهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم ولكن النتيجة جاءت مغايرة تماماً قال الله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)) يعني بالعكس هو يريد أن يزيدهم خذلاناً فزادهم إيماناً (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ولذلك في سبب نزول قال عليه الصلاة والسلام لأخرجنّ ولو لم يخرج معي أحد وهنا عليه الصلاة والسلام إمام المتوكلين وإمام من يخاف ربه وإمام من يتوكل عليه وإمام من يخشاه وإمام من يثق به هو إمام الناس كلهم في هذه الأمور وفي كل الأمور عليه الصلاة والسلام قال “لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد” قالت الرواية فخرج معه سبعون رجلاً كلهم يقول حسبنا الله ونعم الوكيل. هذا سبب نزول هذه الآية الكريمة ولو أردنا أن نأخذ شيئاً على ضوء الآية قبل أن نأخذ تفصيلات بعض الكلمات قال بعض الرواة رضي الله عنهم والصحابة هذه الآية هي التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قيل له (إن الناس قد جمعوا لكم) وقالها أبوه الإمام الحنيف إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار قال حسبنا الله ونعم الوكيل. إذن هذه الكلمة التي تهز الجبال يا دكتور لا شك عندما قالها إبراهيم ومن بعد إبراهيم محمد صلى الله عليه وسلم نتمثل خطاهم خاصة في الأمور الشداد تقولها وأنت موقن بها.

قوله (إن الناس) يتساءل بعض المفسرين يقول إن الناس وهو يعني نُعيم بن مسعود وحده هنا نبدأ بالوقفات البلاغية التي ندخل فيها (الذين قال لهم الناس) الذي قال لهم نُعيم فقط كيف سماه ناس؟ لهم فيها رحمة الله عليهم تأويلان أولاً لأن نُعيماً من ضمن الناس فيكون كما تقول أن فلان يركب الخيل وما عنده إلا فرساً واحداً أو يلبس الثياب وما عنده إلا ثوباً واحداً فهذا تعبير شائع عربي معروف وقيل لأنه وجد في المدينة من يسانده على هذا القول ففيها إلماحة كريمة من القرآن الكريم أن نعيماً لم يعد وحده في التثبيط وإنما وجد من يثبط معه وقالوا إن الناس قد جمعوا لكم إجلسوا ودعونا نجلس أفضل لنا ومثل هذا الكلام.

د. عبد الرحمن: وطبعاً (إن الناس فاخشوهم) تثبيط للمؤمنين عن الجهاد وعن مقارعة الكفار وهم قريش

د. إبراهيم: قال الله تعالى (فزادهم إيماناً) وهو ما أشار إليه فضيلة الدكتور أنها نتيجة عكسية وإذا تكرمت إلحظ معي فائدة الفاء والفاء في علم اللغة كما تعلم للتعقيب لم يقل الله تعالى ثم زادهم إيماناً أو وزادهم إيماناً يحتمل التشريك فقط وإنما قال (فزادهم إيماناً) بمعنى والعلم عند الله أن نعيم قال هذه الكلمة والزيادة حصلت مباشرة.

د. عبد الرحمن: وهذا يدل على أن الإيمان راسخ في نفوسهم ولا داعي لمثل هذه الشائعات.

د. إبراهيم: نعم بل العكس زادتهم إيماناً رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ولذلك خرج معه سبعون رجلاً كلهم يقولون هذا الدعاء الخالد حسبنا الله ونعم الوكيل. ولذلك كانت النتيجة (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل رضوان الله) أربع جوائز عظيمة رضي الله عنهم. وقف العلماء عند كل جائزة من هذه الجوائز: قالوا انقلبوا بنعمة نكّرها تنكيراً (بنعمةٍ) والكلمة إذا جاءت نكرة أفادت كما تعلمون التعظيم وليس بأن وصلوا إلى هذا الحد وإنما قال نعمة عظيمة من العظيم، من الله، فما بالك بالنعمة العظيمة إذا كان مُسديها هو العظيم؟! لا شك أنها أوقع، ولذلك كانت أوقع وكانت أعظم. ما هذه النعمة؟ هي السلامة من الشر خرجوا رضي الله عنهم ورجعوا وما أصيبوا بشرّ وهو يقول هم (لا تخشوهم) آتاهم النعمة أنهم لم يصابوا بشرّ وأيضاً خافهم العدو وحاذر منهم هؤلاء إذا واعدوا خرجوا نُصر الرسول صلى الله عليه وسلم بالرعب.

(بنعمة من الله وفضل) ما هو الفضل في الآية؟ ذكر بعض المفسرين أنهم رضي الله عنهم خرجوا ببعض التجارة معهم وهذا من الفهم العظيم للدنيا وحقيقتها خارج يجاهد وربما تخرج روحه في هذه المعركة ومع ذلك يفقه حقيقة الدنيا “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) خرجوا معهم تجارة ولذلك لما جلسوا قالوا ثمانية أو سبعة أيام باعوا وتاجروا وربحوا فرجعوا بفضل يعني زيادة على النعمة رجعوا مدة إقامتهم بهذا الربح التجاري وهذه فيها أيضاً معرفة دقيقة لحقيقة الدنيا من قِبَل الذين تربوا على أعظم مدرسة مدرسة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليس عليكم جناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم) حتى في الحج يخرج الإنسان في حج وتجارة.

أما (لم يمسسهم سوء) فواضحة، الجائزة الثالثة أنه لم يمسسهم سوء من كيد العدو رجعوا لا جرح ولا خدش ولا قتل ولا أي أمر.

(واتبعوا رضوان الله) اتباع رضوان الله قال المفسرون لم يتركوا أيضاً قالوا بجرأتهم رضي الله عنهم وإلا كيف تأتي إشاعات وأنت في مكانك آمن؟! أقلّ شيء أن يقولوا نؤجل الخروج لكنهم تجرأوا جرأة محمودة لأنها إتباع لله تبارك وتعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم الذي يريد أن يخرج وحده فجرأتهم الآن وخروجهم قالوا وزيادة إيمانهم ولذلك تكلم المفسرون في هذا الموضوع عن أن الإيمان يزيد وينقص وهذه الطاعة التي عملوها زادت في إيمانهم رضي الله عنهم.

د. عبد الرحمن: طبعاً دكتور إبراهيم لا يستشعر حقيقة موقف هؤلاء المؤمنين إلا من يعايش مثل هذه المواقف وإلا اتخاذ مثل هذه الموقف في مثل هذه الظروف يحتاج إلى جرأة ويحتاج إيمان مطلق بالله سبحانه وتعالى وتسليم له أن بيده الأمر كله وإلا كما تفضلت كان بإمكانهم أن يؤجلوا الخروج أو أن يتعذروا بأعذار وربما تكون مقبولة.

د. إبراهيم: لا شك ولذلك د. عبد الرحمن ما أشرت إليه مشكوراً الآن هو الفرق بين من يدرس المعركة نظرياً ومن يخوضها عملياً، فرق أن أجلس في بيتي في المدينة آمن مطمئن مع الزوجة والأولاد والعشيرة وبين أن أخرج مسيرة وأنا لا أدري ماذا يستقبلني أبو سفيان بجيشه وربما له سنة كاملة وهو يعد فيه وربما يباغتني يهجم علي لا أدري ولذلك فعلاً الشيء العملي ليس كالشيء النظري أبداً. (والله ذو فضل عظيم) ختام بالتوفيق لما فعلوا وأن كل الذي قاموا به هم مشكورون عليه لكنه فضل من الله، هو الذي وفقهم إلى هذا. وإلا ما الفرق بين من هو من العشرة المبشرين بالجنة وبين الذين من هو منافق في الدرك الأسفل من النار وهم يعيشون في المدينة؟! إذن لمن يعود هذا التكريم. (والله ذو فضل عظيم) سبحانه وتعالى. ويقولون ختام هذه الآية (والله ذو فضل عظيم) فيه تحسير لمن لم يخرج الله أعطاهم فضل ورجعوا إليكم سالمين غانمين.

د. عبد الرحمن: جميل جداً، هذه وقفات رائعة في الآية أثابكم الله.

د. إبراهيم: قبل الحديث عن هذه الآية من ضمن الأمور التي تذكر أحياناً هي أن القواعد التي نستنبطها في الختام وإذا لو سمحت لي أن أشير لها مثلاً لما يأتي نُعيم قبل أن يُسلِم ويشيع هذه الشائعة لو صدّقه الناس لحصلت كارثة وخذلوا رسولهم صلى الله عليه وسلم بسبب شائعة، الناس الذي قد جمعوا لهم هم الذين قالوا خذّل عنا لا نريد قتالاً إذن خطر الشائعة وأحياناً معلومة زائفة مائة بالمائة تعمل ربما الأعاميل وهذا من خطورة الشائعة. ومن الفوائد الختامية حب الدنيا وإلا فما الذي يجعل نُعيماً يخرج من مكة معتمراً إلى المدينة ويتكلم من أجل حمل بعير من الزبيب أو قُل عشرة من الإبل؟! لكن ما دام الشيء بالشيء يذكر هو رضي الله عنه لما أسلم ومنّ الله عليه بالإسلام وخذّل في غزوة الأحزاب ما تذكر الرواية أنه طلب حمل بعير لأن الإيمان قد دخل في قلبه وباشر شغاف قلبه رضي الله عنه وأرضاه.

من الأمور د. عبد الرحمن قوله (أن الناس قد جمعوا) يعني هو أجاد فن الإشاغة أكّدها بمؤكدين (إنّ) للتوكيد ليؤكد وقوله (قد) للتحقيق ما قال الناس جمعوا وإنما قال (إن الناس قد جمعوا) هذا أوكد. ثم ما قال إن الناس قد جمعوا لكم فانظروا ماذا ترون لا، وإنما وجّههم وكأنما يملي عليهم إملاءً (فاخشوهم) ما انتظروا حتى يقول ماذا نفعل هو أعطاهم الشائعة وما يترتب عليها في قوله (فاخشوهم). وفي الأخير عندما قال (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالوا إذا كان الله جل جلاله هو الكافي لأنه قال حسبنا الله والحسب كما يذكر الراغب في مفرداته هو الكافي، من معانيه وهو المراد بهذه الآية الكريمة الكافي هذا الذي نريده وموضوع الحلقة كفاية الله لعباده المؤمنين إذا كان الله جل جلاله هو الكافي فما أحد من الناس الذين قال عنهم نُعيم في الآية (إن الناس) شيء مع أنه الناس كثيرين ليسوا واحداً أو اثنين أو عشرة ما حجمهم مقابل كفاية الله؟ لا شيء، تتلاشى هباء لأن الله تعالى هو الكافي مهما كثر الناس. ثم لما قال في الختام (حسبنا الله ونعم الوكيل) لاحظ توظيف كلمة نعم هنا، كلمة نِعم كمة مدح ومن يُمدح إذا لم يُمدح الله؟ جل جلال الله، جل جلال الله، جل جلال الله . الله الوكيل نعم الوكيل لأن الإنسان الآن يثق بماله وقد يحق له أن يثق ويثق بأهله وعشيرته وبدولته إذا كانت أقوى من أخرى وبمنصبه الاجتماعي مثلاً لكن أن تثق بالله العظيم لا شك أنه الركن الأعظم (آوي إلى ركن شديد) كما أوى هود عليه الصلاة والسلام. فهنا (نعم الوكيل) جاءت في محلها أن الله نعم الوكيل الله وكيلك وما دام أن الله وكيلك سيتولى أمورك. وفي المرافعات إذا وكل الإنسان محامي ناجح تطمئن إليه أفضل من أنو توكل محامي ناشيء أو لا يعرف، المحامي الكفؤ فرق فما بالك بالله؟ شيء لا يكاد يوصف.

د. عبد الرحمن: الله أكبر بارك الله فيك شيء رائع لا شك أنها كلمة عظيمة. قبل أن ننتقل للآية الأخرى دكتور إبراهيم أستأذنك بفاصل وأستأذن الإخوة المشاهدون بفاصل ونعود إليكم.

—————– فاصل ———————–

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة الالمشاهدون مرة أخرى ولا يزال حديثنا عن موضوع كفاية الله لعباده المؤمنين كما وردت في القرآن الكريم ولا يزال حديثنا مع ضيفنا الدكتور إبراهيم بن عبد الله السماعيل أستاذ البلاغة القرآنية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. كنا نتحدث يا دكتور إبراهيم عن الآية الأولى التي اخترتها وهي قوله سبحانه وتعالى تعالى (إن الناس ) كانت وقفات موفقة ونريد أن ننتقل الآن إلى الآية الثانية التي اخترتها في هذه الحلقة.

د. إبراهيم: الآية الثانية حفظك الله ومن يشاخد ختام سورة التوبة سورة براءة آخر آيتين في سورة التوبة (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) جمعت بينها وبين ما ذكرنا من قبل بهذه الكفاية من الله جل جلال الله لو سمحت لي د. عبد الرحمن إلماحات خفيفة في الآيتين الكريمتين: قالوا إن هاتين الآيتين من آخر ما نزل من القرآن الكريم حتى ذكر ذلك أُبيّ وابن عباس وغيرهم قالوا أحدث القرآن عهداً بالله هاتان الآيتان وقد يكون غيرها من الآيات ولكنها من أحدث ما نزل ومن آخر ما نزل هاتان الايتان.

د. عبد الرحمن: وهي تتحمل سورة التوبة من آخر ما نزل باعتبار أنها نزلت على الرسول في معركة تبوك. بالمناسبة دكتور إبراهيم كنا في الحلقة الماضية والتي قبلها وقفنا وقفات طويلة مع أسباب النفاق كما وردت في سورة التوبة وعن أساليب المنافقين كما وردت في سورة التوبة أيضاً مع زميلنا الدكتور محمد بن سريع السريع وكانت وقفات موفقة ولعل وقفتك هذه أيضاً تضيف إلى تلك الحلقات.

د. إبراهيم: إن شاء الله. وإن كان الحديث بعد الدكتور محمد لكن هو زيادة خير إن شاء الله. آخر ما نزل ولذلك كان عمر رضي الله عنه – وهذه من الطرائف اللطيفة الخفيفة في هذا الموضع قبل أن نندرج في الآية – كان عمر لما كان يجمع القرآن لا يقبل أن يأتي أحد بآية إلا أن يأتي بشاهدين ويقول إشهد أن هذه الآية نزلت في فترة جمع القرآن الكريم فجاءه خزيمة كما في صحيح البخاري وغيره وقال (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) الآيات هذه أحفظها من القرآن قال عمر والله لا أسألك عليها بينة أنا لا أريد شهوداً، لماذا؟ ثقةً بالرجل؟ الرجل يستحق الشهادة والتوثيق لأنه يلقّب أصلاً بـ”الشهادتين” رضي الله عنه لقصة مشهورة في السيرة لكن عمر قال وما أجمل ما قال رضي الله عن عمر قال أنا اعرفها بوصف رسول الله، هو الذي حريص علينا وهو الذي يتعبه ما يأتي بالناس ولو كانوا كفاراً وهو الذي بالمؤمنين رؤوف رحيم إذن لو لم تقل إنها من القرآن عرفت أنها من القرآن لما فيها من صفات الحبيب صلى الله عليه وسلم ولعل في هذا شيء نفسي من الشوق من عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بطّنه بهذا رضي الله عنه عاطفة منه رضي الله عنه وأرضاه وصحابة رسول الله أجميعن.

هذا ما يتعلق بنزول هاتين الآيتين وبكونهما من آخر ما نزل. لو لاحظت دكتور عبد الرحمن صُدرت الآية بقول (لقد جاءكم) (لقد) يقول العلماء هذا جواب قسم محذوف يعني – والعلم عند الله – والله لقد جاءكم رسول عليه الصلاة والسلام ولذلك هذه الآية من من الآيات العظيمة في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم. والله لقد جاءكم رسول من أنفسكم. ثم هذه الآية التي تتحدث عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم فيها حتى الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر بعض صفاته عليه الصلاة والسلام وذكر في بعض الأحاديث – كما لا يخفى على شريف علمكم يا دكتور ومن يشاهدنا الآن – قال عليه الصلاة والسلام “ولِدت من نكاح ولم يدخل لي سفاح” ولذلك نُسِب الرسول صلى الله عليه وسلم – كما ذكر العلماء – أنه من لدن آدم عليه السلام إلى أبويّ وأنا من نكاح صحيح إلى نكاح صحيح لم يدخله ما دخل لوثات الجاهلية ولذلك قال الله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) ونشير إلى القراءة الأخرى (من أنفَسكم) يعني من أرفعكم، من أسماكم، من أحسنكم نسباً، ماذا نستفيد من هذا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم مات وانتهى. نستفيد فائدة حتى في هذه القنوات المباركة أن الداعية ينبغي أن يكون معروفاً في قومه حتى يُقبل منه معروف بصدقه معرفو حتى في مكانة حتى لا يكون نكرة لا يأخذ الناس عنه ولذلك كل نبي أتى بلسان قومه. وهنا أشير إشارة كريمة إلى بعض القنوات الكريمة التي تخصصت بمخاطبة من لا يتحدث بالعربية خاطب الذي لا يتحدث العربية بلغته وأذكر بعض التجارب الناجحة في بعض الجوامع الكبيرة التي تترجم الخطبة للغات أخرى وهذا يحقق الهدف من الخطبة وإلا فماذا يكون؟. هو رسول منهم يعني يعرفونه حتى أبو سفيان رضي الله عنه لما كان مشركاً ما استطاع أن يكذب لما سٌئل كيف هو فيكم؟ كان رد أبو سفيان واضحاً صريحاً قالوا هل يكذب عليكم؟ قال لا، ما جرّبنا عليه كذباً ما أستطيع أن أتكلم في رسول الله وهو كان من اشد أعدائه، هذه السمعة إذا سمحت لي أن أعبر عنها بعبارة عصرية هذا الرصيد المخزون بدأ الآن يخرج ولذلك سيرتك أيها الداعية، صفاتك، سريرتك تحتاج في يوم من الأيام تجدها جاهزة.

د. عبد الرحمن: الله أكبر هذه وقفات رائعة فعلاً في قوله (من أنفسكم).

د. إبراهيم: ولذلك ذكر بعض المفسرين عليهم رحمة الله تعالى أن قوله (من أنفسكم) فرق بينها وبين لو قال لقد جاءكم رسول منكم مع أن (منكم) تخدم المعنى بالتقريب لكن النص على قوله (من أنفسكم) سبحان الله قال فيها إشارة إلى النفس لما تقول هذا نفسي، هذا محل النفس، هذا محل الروح، هذا عديل الروح هذه كلمات دارجة قالوا لأن التعبير بالنفس أشد حساسية وأعمق صلة وأدلّ على نوع الوشيجة التي تربط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قومه الذين يدعوهم إلى الإسلام الآن يريد استنقاذهم وإلا فإن (منكم) قد تؤدي نفس الغرض.

د. عبد الرحمن: بالضبط وهنا د. إبراهيم تظهر مسؤوليتكم أنتم أهل البلاغة أن تقربوا لنا ولأمثالنا من عامة الناس فكر التعبير بهذه العبارات، قد يقول قائل لِمَ لم يقول فعلاً جاءكم رسول منكم وقد جاء في آيات أخرى لكن هنا في هذه الاية قال (من أنفسكم) عندما يعرف المشاهد الكريم وهو يقرأ هذه الآيات صباح مساء ويسمعها من الأئمة ويسمعها من الأشرطة يستحضر مثل هذه الفوائد التي تفيدنا بها جزاك الله خيراً.

د. إبراهيم: أكرمك الله. ثم ننتقل إلى (عزيز عليه ما عنتم) العنت المشقة كما هو معلوم. (عزيز عليه ما عنتم) هناك قولان في الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصعب عليه ما يصيب المؤمنين من التعب وهناك قول وهو الأرجح والعجيب أنه يصعب عليه ما يصيب الكفار من المشقة ولذلك كانت آيات أخرى تأتي في نفس الموضوع

د. عبد الرحمن: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ (3) الشعراء)

د. إبراهيم: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ (3) الشعراء) فعلاً (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ (6) الكهف) بخع النفس هو الموت من الهمّ والغمّ، الرسول صلى الله عليه وسلم كاد أن يموت من الهمّ دكتور عبد الرحمن لأن بعض القوم لم يسلموا فقال له الله تعالى مسلياً لا أنت تدعو وما عليك منهم، ما عليك إلا البلاغ فقط أما البقية فمن الله تبارك وتعالى ولذلك لما جاءت أم هريرة تسب الرسول صلى الله عليه وسلم وتُسمع ابنها أبا هريرة ما يسوءه في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب أبو هريرة فقال يا رسول الله كما نقول في معنى الحديث الوضع صعب وأمي استطالت عليك فقام الرسول فرفع يديه فخاف أبوة هريرة أن يدعو عليها وهذا ليس من خلقه وهو الذي أوتي الخلق العظيم وقال اللهم اهدِ أم أبي هريرة فرجع أبو هريرة إليها وقد خرج منها وهي تسب الرسول فلما رجع إلهيا سمع صوت ماء فقالت على رِسلك، قِفْ، قال ما ذاك يا أماه؟ قالت أغتسل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ما هذا البيان العجيب! بدعوة رسول الله وهو القائل صلى الله عليه وسلم اللهم إهد دوساً واتنا بهم، ما دعا عليهم مع أنهم فعلوا ما فعلوا يدعو لهم بالهداية المطلوبة منه عليه الصلاة والسلام ولذلك بُعث بالحنفية السمحة عليه الصلاة والسلام والوسطية في كل شيء فما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما وقال لا يكون هذا خلقي أنا وإنما وجّه الصحابة إن الدين يسر إن الدين يسر والله يعطي في اليسر ما لا يعطي في سواه ولا يعطي في العنف ولا يعطي في أمر آخر وكان صلى الله عليه وسلم يختار أيسر الأمور إذن هو الذي يكره المشقة – وسنذكر بعد قليل كيف نتحدث عن اليسر والسماحة والرحمة في سورة القتال وهذه مناسبة عجيبة سنذكرها في الختام -. إذن الرسول يشق عليه ما يعنت الكفار أما المؤمنين فهو حريص عليهم عليه الصلاة والسلام صلاة دائمة. (حريص عليكم) حريص من “فعيل” للمبالغة حريص عليه الصلاة والسلام على المؤمنين ولذلك في ختام الآية قال تعالى (بالمؤمنين رؤوف رحيم) عليه الصلاة والسلام، قال أبو عبيدة العالم النحوي اللغوي المعروف إن رؤوف مبالغ في الشفقة شديد الرأفة وليس شفيق عليهم وليس رحيم فقط وإنما رؤوف رحيم ولذلك قالوا كانت الرأفة أرق من الرحمة ولذلك جمعها الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم لنا نحن المؤمنين، بنا صلى الله عليه وسلم رؤوف رحيم.

د. عبد الرحمن: ووصف الله تعالى بها نفسه سبحانه فقال (وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور)

د. إبراهيم: الله أكبر. واشتق منها صفات للنبي صلى الله عليه وسلم. وأما دلائل وشواهد رحمته بنا فلا تكاد تقطع الكلام.

د. عبد الرحمن: وأنت تتحدث يا دكتور إبراهيم الآن عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم تستغرب في سورة التوبة كلها حديث عن المنافقين أستغرب من هؤلاء المنافقين كيف لا يدعوهم هذا الخُلق وهذه الصفات إلى إعلان المؤمنين وصدق الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الخذلان لهم؟!.

د. إبراهيم: ولذلك نرجع إلى ما ذُكر قبلاً فضلٌ من الله العظيم ومِنّة، عقل الإنسان وهدايته يا دكتور كما في مداخلتك الآن الكريمة نرجع إلى البيت المشهور:

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

قد يجتهد الإنسان ويضلّ لذلك ما ألمح إليه إبن القيم رحمه الله في (إياك نعبد وإياك نستعين) وتكرارها وسر تكرار سورة الفاتحة في كل ركعة لمس هذا المعنى لأنه لا يمكن أن نعبد بدون الاستعانة من الله لا نستطيع وإذا ما كان العون من الله فأول ما يجني عليه اجتهاده.

د. عبد الرحمن: صدقت، الله أكبر، واصِل جزاك الله خيراً.

د. إبراهيم: أثابك الله. (بالمؤمنين رؤوف رحيم) افترض معي أن هؤلاء الكفار ما استفادوا على الرغم من هذه الصفات سيأتي بعدها أنه خُذ النتيجة الأخرى (فإن تولوا). قبلها ذكر المفسر سيد قطب عليه رحمة الله تعالى في قوله (حريص عليكم) قال كيف حريص عليكم؟ قال لا يدفع بكم إلى المهالك ولا يدفع بكم إلى المهاوي يقول أحدهم كلفنا بالجهاد نخرج الآن ونُقتَل بالجهاد؟ وهذه مشقة في الظاهر، قال لا، هذه الأمور الجهاد وركوب الصعاب ليس من هوانكم عليه عليه الصلاة والسلام وليس لقسوة في قلبه وغلظة حاشاه إنما هي الرحمة في صورة من صورها كيف ذلك؟ قال الرحمة بكم من الذُل والهوان والرحمة بكم من الذنب والخطيئة والحرص على أن يكون لكم شرف حمل الدعوة وأخيراً الرحمة بالحظ برضوان الله والجنة التي وعد المتقون إذن حتى لما يكلّفنا الرسول صلى الله عليه وسلم بما يشقُّ علينا في الظاهر هو من رحمته بنا.

د. عبد الرحمن: وقفة قلّما يتنبه لها أحد دكتور إبراهيم.

د. إبراهيم: صحيح.

د. عبد الرحمن: كما قال الله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (216) البقرة) وهذا فعلاً كما يشير إليه سيّد رحمة الله عليه.

د. إبراهيم: نعم وقد يجعل الله فيما نكره خيراً كثيراً كما في الآيات الأخرى. لما أعرض الكفار قال افترض – وهنا نأتي لوقفة للفخر الرازي عليه رحمة الله- قال لو أعرض الكفار مثلاً أعرضوا لم يقبلوا هذه التكاليف الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدخل قلبه الحزن في هذه اللحظة مع أنهم أعرضوا قال (فإن تولوا) ، إفرض أنهم تولوا ما يدخل في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم حزن وهذه من آخر الآيات، الآن صارت الصورة واضحة. لماذا لا يدخل قلب الرسول صلى الله عليه وسلم حزن ولا أسى؟ قال الرازي لأن الله حسبه وكافيه وهذا هو الشاهد معنا في هذه الحلقة لأن الله حسبه وكافيه في نصرته على الأعداء وفي إيصاله إلى مقامات الآلآء والنعماء يعني سينصرك على الأعداء وسيعطيك كل الآلآء وكل النعماء من الله فضل حتى لو تولوا وليس مطلوباً عليهم أن لا يتولوا وليس مطلوباً منك يا محمد أن لا يتولوا ولذلك قال (حسبي الله) ولذلك كل واحدة لها وقفة.

د. عبد الرحمن: قبل أن نتوقف مع هذه الاية العظيمة أريد أن أستأذنك وأستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل ثم نعود إليكم فانتظرونا.

—————– فاصل ———————–

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون وما يزال حديثنا متصلاً بقوله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) في أواخر سورة التوبة ولا يزال الحديث متصلاً ممتعاً مع ضيفنا العزيز الدكتور إبراهيم بن عبد الله السماعيل. وقفنا دكتور عند هذه الآية فيا ليتنا نختم حديثنا عن هذه الآيات

د. إبراهيم: لما ذكر تعالى صفات رسوله صلى الله عليه وسلم ساق الخطاب الآن إلى (إن تولوا) يقول سيّد رحمه الله: ” ثم ينتقل الخطاب إلى الرسول ص يعرفه طريقه حين يتولى عنه من يتولى ويصله بالقوة التي تحميه وتكفيه” إفرض أنه تولى عنك أهل الأرض كلهم أجمعون من الذي يكفيك؟ فقل حسبي الله لا تقل يا فلان إرجع لي، يا فلان لماذا تتولى عني؟ يا فلان أريدك، لا، اتركهم كلهم وقل (فقل حسبي الله). وهنا ربط بالآية التي قبل. لذلك ما معنى حسبي؟ ذُمر من قبل يا دكتور ذُكر قبلاً ونعيده لا بأس، الحسب هو الكافي ولذلك حسبي الله سولذلك حسبي الله سيكفيني الله من كل همّ من كل مكروه من كل اعتداء من المنافقين من الكافرين من غيرهم سيكفيني الله هذا، ومن هو الله الذي سيكفيني؟ لا إله إلا هو، هو الله الذي لا إله إلا هو. ما دام أن الله واحد متفرد بالألوهية إذن لا شك أنه قادر على الكفاية سبحانه وهذا ربط ذكره بعض المفسرين عجيب لِمَ ترتب الآية بعضها على بعض؟ (فقل حسبي الله) قضينا، لا، فقل حسبي الله لا إله إلا هو، ما دام أن الله لا إله إلا هو في ألوهيته مهما الناس الذين في الأرض؟! فهو قادر أن يكفيني سيكفيني من لا إله غيره ولذلك أكملها بشيء عجيب في البلاغة وهو الحصر قال عليه لا على غيره قدّم الجار والمجرور لإرادة الحصر وأنه ينحصر توكلي أنا يا محمد صلى الله عليه وسلم على الله لا على سواه عليه توكلت أنا ما أتوكل حتى على عشيرتي وحتى على قريش، حتى على أقاربي وردّ جوار المطعم بن عدي أبو جبير بن مطعم رضي الله عنه ردّ جواره، هو توكله على الله الآن، من هو الله الذي توكلت عليه؟ هناك قال حسبي الله، من هو؟ هو الله الذي لا إله إلا هو. عليه توكلت، من هو الله الذي توكلت عليه يا محمد؟ على رب العرش العظيم، انظر ترتيب الآية! رب العرش العظيم، وجهة نظر والله أعلم لو قال رب العرش لكفى، هذا العرش تهز جبال وخاصة أن الذين نزل عليهم القرآن يعرفون العرش وفي أشعار العرب في الجاهلية مذكور العرش العرش بمعنى الكرسي الضخم سرير الملوك في اللغة ولذلك لما يقول رب العرش يكفي فقال رب العرش العظيم العرش نفسه عظيم، وطبعاًهناك قراءة رب العرش العظيمُ يعني الله نفسه صفة وإن كانت الكل تدل على عظمة الله سواء العظيم لله أو للعرش لكن إذا وصف العرش بالعظمة فإن عظمة ربه أعظم ولذلك العرش وحده هذه جرتني وساقتني هذه الآية الكريمة إلى البحث عن صفات العرش الواردة في الأخبار الصحيحة وفي كتب العقيدة العرش شيء عظيم يكفينا قول ابن عباس رضي الله عنه “لا يقدر أحد قدره” عندما ذكر أن الكرسي وضع قدمي الرب سبحانه وتعالى أما العرش فلا يقدر أحدهم قدره من عظمته. ولذلك كما تعلم لما خلق الله القلم قال (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء (7) هود) كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسمائة سنة وكان عرشه على الماء، عالم عجيب والعرش العظيم الذي كان على الماء أُذِن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحدث عن واحد من حملة العرش والذين يحملون العرش ثمانية، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث: أُذِن لي أن أُحدِّث عن أحد حملة العرش من الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام خفقة طير

د. عبد الرحمن: لا إله إلا الله!

د. إبراهيم: يعني سبعمائة عام يخفق الطير يطير ما يقطعها ما بين الشحمة والعاتق هذا من يحمل العرش ومن البديهي أن الذي يحمل الشيء أعظم منه ومن الوصف العظيم أنه جاء في بعض الآثار أن الأرض بالنسبة للسماء الدنيا كحلقة في فلاة وأن السماء الثانية بالنسبة للسماء الدنيا كحلقة في فلاة وهكذا إلى السماء السابعة حلقة حلقة حلقة وقال وفوق السماء السابعة الكرسي وهو موضع القدم والسماء السابعة بالنسبة للكرسي نفس النسبة بينهما والكرسي بالنسبة للعرش كما بين السماء والأرض من العظمة سبحان الله العظيم! وفي حديث عند الإمام أحمد “والله مستو على عرشه لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء”

د. عبد الرحمن: لا إله إلا الله! سبحانه (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه)

د. إبراهيم: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه) الاستواء الذي يليق بجلاله جل جلاله ولذلك في بعض الآثار أنه فوق السماء بحرٌ ما بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض. والعجيب في آخر الأثر “والله مستو على عرشه لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء” نسأل الله أن يعاملنا بالستر والرحمة والمغفرة يعلمها ربي يعلم تسجيلنا لهذه الحلقة وخروجنا للناس ويعلم حديثنا الطيب ويعلم سر الإنسان وعلانيته وهو على عرشه جل جلاله في علاه. هذا العرش العظيم الله ربه، الله العظيم ربه، الله العظيم رب هذا العرش العظيم هو الذي عليه توكل محمد صلى الله عليه وسلم، إنتهى الأمر، والقضية محسومة جداً ولذلك من توكل على هذا العظيم ماذا سينظر إلى غيره؟! افترض أن الناس كلهم تولوا عن بكرة أبيهم فإن تولوا كلهم فقل حسبي الله لا إله إلا هو، ولذلك أهمية هذا العرش العظيم كتب بعض المؤلفين – أفيد نفسي والأخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات – كتباً عن العرش ككتاب العرش لابن شيبة عليه رحمة الله وكتاب الرسالة العرشية لشيخ الإسلام إبن تيمية رحمة الله عليه وكتاب العرش أو العلو للذهبي – كما أفدت من ملتقى أهل الحديث – هذه الكتب العظيمة تتحدث عن العرش حتى تستدل بعظمته على عظمة ربه سبحانه وتعالى وحينئذ تدخل بالغبطة والفخر أنك عبد لهذا العظيم.

ومما زادني شرفاً وعِزّا وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيّا

شرف لك أن تكون عبداً لهذا العظيم لأن عبد العظيم يستفيد العظمة منه واللجوء إليه والرجوع إلى كنفه سبحانه وتعالى ولذلك أخي دكتور عبد الرحمن إذا سمحت لي هذا الذكر في آخر سورة التوبة ورد أنه من أذكار الصباح والمساء ولم يرد بعموم أو بإطلاق وإنما ورد بشيء حقيقة يجعل الإنسان لو لزمه لارتاح راحة ليس بعدها راحة وهو: قال صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) سبع مرات في الصباح وسبع مرات في المساء ما الأجر؟ ما الذي يأتيه؟ كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. يكفي هذا ولو ما في جلستنا إلا هذا الحديث لكفانا والله، لأنه ما الذي يهمني من أمر الدنيا والآخرة؟ يهمني أمر نجاحي في حياتي، أمر استقامة أولادي، أمر نصرة ديني، أمر سلامة نفسي ومرضاي، أمر رحمة الله لأمواتي، أمر رزقي، أمر سعة رزقي، هذا في الدنيا. وفي الآخرة يهمني أن أكون في ظل العرش لا أكون أعوذ بالله في حر جهنم كل هذا الأمر يهمني ولا شك. إذن أقول صباحاً سبع مرات وأقول مساء سبع مرات وعليّ الضمان أنه لن يهمني شيء سيكفيني الله ما يهمني من ذلك كله.

د. عبد الرحمن: بقي معنا يا دكتور إبراهيم ما يقارب ست دقائق الآن وأريد أن نقف مع آية أيضاً تختارها وقد استفدنا كثيراً حقيقة من الوقفات الماضية.

د. إبراهيم: إن شاء الله تعالى نفعنا الله بهذا الحديث وهو من بركة القرآن الكريم نسأل الله العظيم من فضله. أختم دكتوري الكريم بآيات سورة الزمر من الآية 36 إلى الآية 40 (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)) بلى، (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)) نعوذ بالله من جار السوء في دار المقامة لأن جار البادية يتحول. هذه الايات الكريمة دكتور عبد الرحمن- ذكرت لي أن الوقت آزفنا – فلعلي أشير إليها إشارة سريعة ونبدأ بسبب نزولها ذكر بعض المفسرين عليهم رحمة الله أن الكفار كانوا يخوفون الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يُخاف منه ولكن لجهلهم كانوا يقولون نخشى عليك يا محمد أن تخبلك آلهتنا تصاب بالخبل من آلهتنا الآلهة الصنم الذي لا يتحرك ولا تضر ولا تنفع، ولذلك قالوا نخاف عليك من آلهتنا سبحان الله. ويذكر أن خالد بن الوليد لما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم ليهدم العُزّى قال له سادنها أي الحارس الذي يحافظ على الصنم – لاحظ صنم يحافظ عليها بشر تناقض عجيب! – قال السادن يا خالد إني أحذِّركها (يعني إني أحذّرك العُزّى إنتبه) إن لها شدة لا يقوم لها شيء سبحان الله، ماذا فعل سيف الله المسلول أبا سليمان؟ ذهب وهشّم أنفها وبقي سليماً معافى، أين عزة العزى؟ أين التي لا تقاوم؟ لا شيء، ولذلك قال تعالى (أليس الله بكاف عبده). وكلمتك الكريمة (بلى) ذكرها إمام المفسرين الطبري عليه رحمة الله، أول كلمة قالها بعدما ذكر الآية قال بلى بلى، إبن جرير الطبري قال: بلى والله ليكفينّه الله ويعزّه وينصره كما وعد سبحان الله، انظر كيف كان رحمه الله يتشرب النفسير، يعني رد بالجواب بلى. ثم قوله (أليس الله) هنا فيها وقفة جميلة كأن الكفاية من التحقق والظهور كما يقول أبو السعود كأن الكفاية والتحقق من الظهور بحيث لا يمكن لأحد أن يتفوه بعدمها أو يتلعثم فيها الله كاف عبده أو لا؟! كأن السؤال هكذا في التعبير الدارج: الله كاف عبده أو غير كافيه؟ أليس الله بكاف عبده؟ إذن كيف تخافون من الذين من دونه؟ قال ابن الكشاف الزمخشري ذكر أن الهمزة إذا دخلت على النفي أفادت الكفاية والتقرير يعني مقررة أن الله كافٍ عبده.

د. عبد الرحمن: لا شك في ذلك ولا ريب

د. إبراهيم: ولا ريب و هذا يقودنا إلى أننا نفهم أن هذه الآية جاءت تسلية للحبيب صلى الله عليه وسلم فليقولوا الذي يقولوه إصبر يا محمد الله كاف عبده إذن ماذا يقولون مع ذلك؟ لا شيء ولن يهم. وهذا يقودنا إذا سمحت لي إلى أهمية أن يتخذ الدعاة الجانب النفسي والاطمئنان وعدم التخويف لا نقول اليهود لا يُغلَبون، لا يقول الكارثة علينا، الأزمة اقتصادية تهد العالم كلهم، لا، إطمئن الرزاق موجود والقوي موجود والأزمة ستعدّي مالياً أو سياسياً أو أي أمر من الأمور الشديدة، المرض سيأتي بعده شفاء، الشدة سيأتي بعدها فرج، اطمئنان نفسي حتى ترتاح ولذلك كان هناك جانب نفسي، لم يقل إعمل شيئاً معيناً وإنما قال (أليس الله بكاف عبده) إرتح يا محمد صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة وأتم التسليم. ذكر الطبري (أليس الله بكاف عبده) وفي قراءة أخرى (أليس الله بكافٍ عباده) بالجمع. أما عبده فهو محمد صلى الله عليه وسلم والرسل عليهم الصلاة وأما عباده فهم الرسل عليهم الصلاة والسلام من قبله. وقال الطبري: وهي قراءتان مشهورتان وبأيهما قرأ القارئ فهي واردة وهاتان القراءتان المشهورتان تدل على أن الله إما أنه كاف محمد صلى الله عليه وسلم أو كاف كل عباده وهذا أيضاً له تأويل جميل ولذلك سيقودنا ذلك إلى أن جناب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أعظم جناب فإذا حُمي وكُفي إرتاح حتى بقية أتباعه المؤمنين لأنهم سيأمنون على إمامهم عليه الصلاة وأتم التسليم.

د. عبد الرحمن: جميل أريدك أن تختار لنا وقفة مع هذه الآيات نختم بها لأن الوقت أدركنا و ما بقي إلا دقيقة.

د. إبراهيم: لا أدري ماذا أختار دكتور عبد الرحمن؟

د. عبد الرحمن: (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) هذه تحتاج فعلاً إلى وقفة.

د. إبراهيم: حسناً كنت حضرت 31 وقفة نجعلها إن شاء الله فيما يُستقبل (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) قال ابو حيان عليه رحمة الله في بحره المحيط وهو محيط هذه الآية نُزّلت على التهكّم سبحانه الله، كيف؟ ما أحد يخطر في باله فيما يظهر لي أنه من النظرة الأولى أن فيها تهكمان: تهكم لأنه كأن بالأسلوب الدارج أنهم قد يخوفونك بهؤلاء انظر الصنم العُزّى الذي هشم خالد أنفه يقولون له إنتبه أن يخبلك أو يصلك شيء منه، (يخوفونك بالذي من دونه) كيف تخاف من شيء هو دون من أنت متوكل عليه ولذها انتهت الآية فقل (فقل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) أختم كلامي إذا سمحت لي بمندوهة بكلام جميل لسيد عليه رحمة الله عندما قال إذا خوفوك بالذين من دونه فمن ذا يخيفه وما الذي يخيفه إذا كان الله معه؟ إذا كان الله معه ولا أزيد يا دكتور عبد الرحمن.

د. عبد الرحمن: أسأل الله أن يتقبل منك يا أبا فارس.

د. إبراهيم: آمين وأنت كذلك دكتور عبد الرحمن

د. عبد الرحمن: استمعت كثيراً في هذه الحلقة ولا شك في أن الإخوة المشاهدون قد استمتعوا كذلك بما تفضلت به وهذا الحقيقة باب عظيم يا دكتور إبراهيم من أبواب بيان كلام الله وهو الوقفات البلاغية التي تبين لنا في زماننا هذا الذي طغت فيه العُجمة معاني القرآن الكريم. أيها الإخوة المشاهدون أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن وأشكر بإسمكم فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبدالله السماعيل أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على ما تفضل به وأفاض في هذا الموضوع الرائع “وقفات بلاغية في كفاية الله لعباده المؤمنين” وقد توقفنا وقفات سريعة مع ثلاث آيات فقط فكيف لو كان المجال أوسع؟ أسأل الله أن ييسر لنا وللدكتور إبراهيم في حلقة قادمة بإذن الله. حتى نراكم أيها الإخوة المشاهدون في حلقة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.