التفسير المباشر – الحلقة 58:
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة 28/4/1430هـ
تفسير سورة الحجرات.
الآيات محور الحلقة : 9- 12
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وحياكم الله في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي التفسير المباشر والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية بمدينة الرياض. وقفنا في اللقاء الماضي في سورة الحجرات عند تفسير قوله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)) وفي هذا اللقاء بإذن الله تعالى سوف نواصل الحديث عن آيات هذه السورة العظيمة المليئة بالأخلاق التي لا يستغني عن معرفتها والتفكر فيها كل مسلم. وباسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون في بداية هذا اللقاء أرحب باسمكم بضيوف هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحيّ يوسف نائب رئيس هيئة علماءالسودان الأستاذ المشارك في جامعة الخرطوم وفضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل، الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم. فحياكم الله جميعاً.
الضيوف: أكرمكم الله، أهلاً وسهلاً.
د. عبد الرحمن: وللإخوة الراغبين في التواصل معنا في هذا اللقاء يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام التي تظهر على الشاشة تباعاً:.
من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599
ومن خارج السعودية: 00966920009599
أو بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111
ويمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]
وقبل أن نشرع في تفسير هذه الآيات أيها المشايخ الفضلاء وأيها الأخوة المشاهدون نستمع إليها بصوت القارئ الشيخ سعد الغامدي ثم نعود إلى المشايخ فابقوا معنا
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12))
د. عبد الرحمن: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) لفت نظري يا شيخ عبد الحي أنه جاء ذكرها في الآية التي قبل قبلها (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ثم جاء بعدها الآيات التي ذكرتها في أول اللقاء ثم هذه الآية فما هي العلاقة يا تُرى بين خبر الفاسق.ووشايته وبين الاقتتال الذي يقع بين المؤمنين؟ هل هناك علاقة؟.
د. عبد الحيّ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آلله وصحبه ومن اهتدى بهداه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. لا شك إن هناك صلة وثيقة بين خبر الفاسق وبين حصول الاقتتال الناجم عن فتنة ذلك الخبر. وذلك أن خبر الفاسق بما يتضمنه من كذب، من تدليس، من تقوّل، من نميمة، من نقل للكلام على غير وجهه يؤدي إلى إفساد العلاقات وتوهين العرى ما بين المؤمنين بما يفضي في نهاية الأمر إلى الاقتتال. ولذلك لو نظرنا في بعض الأحداث التاريخية التي حصلت في مجتمع المسلمين نجد أن بدايتها كان خبراً من فاسق أو مجموعة من الفسقة في نهاية الأمر أدى إلى ما لا يحمد عقباه. ولذلك تعد الآية الأولى (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) أو فتثبتوا كأنها تأسيس لمنع ما يمكن أن يحدث في الآية الثانية وهو الاقتتال بين طائفتين أو بين جماعتين من المؤمنين.
د. عبد الرحمن: هل لهذه الآية (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) سبب نزول يا دكتور؟
د. عبد الحيّ: ذكروا في سبب نزولها روايات. منها ما في صحيح البخاري من رواية أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له لو أتيت عبد لله بن أبيّ بن سلول فذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم راكباً حماره وقد أردف أسامة بن زيد رضي الله عنه فلما وقف صلى الله عليه وسلم على ذلك الجلس قيل بأن عبد الله بن أبيّ خمّر أنفه بردائه وفي بعض الروايات بأن الدابة التي كان يركبها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت حماراً بالت فقال عبد الله بن أبي كلمة فيها من الوقاحة شيء عظيم، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إليك عني فوالله لقد آذاني نتن ريح حمارك، فقال له عبد الله بن رواحة: والله حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك. وفي بعض الألفاظ أنه قال له: بول حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب من مسكك. فكان بينهما تضارب بالجريد والنِعال وحميَ لكل واحد منهما طائفة من قومه فأصلح بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
د. عبد الرحمن: وهذا يبدو من أصح الروايات يا دكتور عمر في سبب نزولها.
د. عمر: بلى، وإن كان رأي يقول بأنها نزلت في هذا نصّاً صريحاً لكن بلا شك أن الواقعة التي حدثت داخلة في عموم معنى الآية لأنه لما حصل الاقتتال انطبقت الصورة فوجب الإصلاح وفكّ النزاع كما أشار الدكتور.
د. عبد الرحمن: والأصل في آيات القرآن الكريم أو معظم آيات القرآن الكريم أنها نزلت ابتداء لتوجيه المجتمع المسلم وليس بالضرورة لسبب معين. ما معنى الآية (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) يا دكتور عمر؟
د. عمر: ابتداء يحسُن أن نعرف معنى الطائفة. فالطائفة في كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى تُطلق في رأي أغلبهم وأكثرهم أنها تطلق على المجموعة من الناس من اثنين فما فوق على الخلاف ما هو أقل الجمع. فإذا وجد اقتتال بين طائفتين أو مجموعتين الناس لسبب دنيوي أو ديني هنا تأتي الآية (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ثم قال الله سبحانه وتعالى (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) لما جاءت محاولات الإصلاح ما نفعت ولا أفادت مع هاتين الطائفتين لكن ظهر أن إحدى الطائفتين باغية بالاعتداء، بالضرب كهذه القصة التي أشار إليها الدكتور أو غيرها من الأسباب التي ذُكرت في أسباب نزول الآية فحينئذ يجب (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) فاصل بينهما، (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) التي تبغي هذه ظهر من خلال الواقع والقرآئن أن الحق ليس في كفّتها فوجب قتالها ومن الذي يقاتلها؟ جماعة المسلمين وإمامهم. ومن هنا يستفاد أيضاً أثر وحدة الناس وكونه يوجد لهم إمام ويجتمعون على إمام لأن من أعظم مقاصد الإمامة تثبيت الأمن بين الناس وقطع النزاعات. ولك أن تتصور لو لم يكن هناك جماعة ولا إمامة فمن يقاتل هذه ومن يُسكت هذه؟! فتكون المسألة أشد وأعظم. ولعل الواقع الموجود في بعض البلاد التي انفلت فيها حبل الأمن والشاهد واضح في العراق أو في الصومال أو في غيرها من البلاد (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) وما أمر الله؟ هو شريعته؟ وهذا يفيدنا أيضاً فائدة أخرى أن مردّ هذا الأمر إلى أهل العلم لأنهم هم العلماء بأمر الله وشريعته وبهذا يُعرف مكانة العلماء رحمهم الله تعالى في الأمة وأثرهم في توجيه المجتمع إلى الأصلح. (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) وهنا أضاف تعالى قيداً آخر وهو العدل لأنه لا يخفى أنه حينما يصلح بين فئتين فترضى الطائفة التي قد تكون خسرت أو شعرت بانكسار شأفتها أو بنوع من الهزيمة أو بجرح الكرامة كما يُعبّر فهنا قد يحصل هناك بغي في تقييم الواقعة فربما رُجّحت كفّة طائفة على طائفة فهنا أُمر بالعدل بأن يقال أنتم أيها الفئة مثلاً أنتم كان عندكم إشكال في أمر و هذه مشكلة صحيح ولكن حلّها كذا وكذا والصواب هو كذا وكذا، فينبغي العدل لا في تقويم الحال ولا في تقويم من المخطئ، ما هي نسبة الخطأ ونسبة الصواب حتى لو قُدّر أن هناك نوع من التقويم المادي أو التعويضات إن صحت العبارة لا بد أن يكون هنا عدلٌ في الكلام، عدل في التقييم، عدلُ في وصف الحال، عدلٌ في إعطاء كل ذي حق حقه (وَأَقْسِطُوا) ثم علّل الله عز وجل هذا الأمر بقوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) قال بالعدل، وأقسطوا، كل هذا تأكيد على هذه القضية التي هي قضية العدل ولزم الأمر بالقسط حتى لا تطيش الموازين ولا تكون الغَلَبة تكون سبباً محفزاً للطائفة لظلم التي انكسرت ما دام غلبانهم وكففنا شرّهم إذن ممكن أن نقضي على جميع حقوقهم، لا، يأمر الله عز وجل بالعدل حتى وإن كانوا قد بغوا حتى وإن كانوا قد أخطأوا لكن ما دام أنهم بُغاة إذن عندهم نوع تأويل وقد لا يكون عندهم نوع تأويل لأن الآية تتنزل على فئتين، الفئة الباغية على رأي طائفة من أهل العلم وتتنزل عل الفئتين اللتين تتقاتلان بدون غير مسوغ شرعي أصلاً كما يحدث بين القبائل، كما يحصل بينهم إِحن على أمر دنيوي فهنا أمر الله عز وجل بهذا من أجل إقامة هذا المبدأ العظيم الذي قامت عليه السماوات والأرض وهو مبدأ العدل (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وفي هذا ترغيب رابع وهو أن الله يحب هؤلاء فمن أراد أن يحبه الله عز وجل فعليه بهذا القسطاس المستقيم وهو ميزان العدل.
د. عبد الرحمن: إذن دكتور عبد الحي هذه الآية تتحدث عن القتال بين المؤمنين
د. عمر: نعم، بالإضافة إلى ما ذكره الدكتور عمر أنا أريد أن أقف عند هذه الكلمة قول الله عز وجل (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) هذه من فصيحات آي القرآن، تقديم الفاعل على الفعل كما في قول الله عز وجل (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ (6) التوبة) (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا (128) النساء) وهذا يفيد تحقق إسناد الفعل في هذا الفاعل وقول الله عز وجل (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) لا بد أن ننبه إخواننا خاصة من الشباب هم مقتتلون ومع ذلك سماهم الله عز وجل (مؤمنين) أثبت لهم صفة الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن: إن ابني هذا سيّد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فسماهم مسلمين رغم كونهم اقتتلوا. فهذه تثبت لهؤلاء المقتتلين أحكاماً خاصة ولذلك حتى لو قاتلنا الفئة الباغية فليس كقتال الكفار يعني لا يدفّف على جريحهم ولا يُتبه فارّهم ولا يسترقّ أسيرهم ولا يقسم فيؤهم ولا تسبى نساؤهم يعني أحكام أهل الإيمان باقية في حقهم رغم كونهم بغاة. يعني سواء كان بغيهم كما ذكر فضيلة الدكتور بتأويل سائغ أو غير سائغ أو بغير تأويل أصلاً. ثم قول الله عز وجل (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) لا بد أن ننبه إلى أن هذه منزلة عظيمة من منازل أهل الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ألا أدلكم على ما هو أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن أقول تحلق الدين” وفي صحيح الإمام البخاري باب خروج الإمام للإصلاح بين الناس أنه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للإصلاح بين بني عمرو بن عوف من أهل قباء وأمر بلالاً إذا حضرت الصلاة أن يقدّم أبا بكر فالنبي صلى الله عليه وسلم هاهنا قدّم الإصلاح بين هاتين الطائفتين أو الجماعتين من المسلمين على إمامة المسلمين في الصلاة فعلاً تقدّم أبو بكر والقصة معروفة ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ الناس يتنحنحون وكان أبو بكر إذا صلّى لا يلتفت فلما أكثروا التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن مكانك فحمد أبو بكر ربه ثم رجع القهقرى فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلّى بالناس. وكذلك قضية البغي، في بداية أمر القتال ما تبين حقيقة الأمر ثارت ثائرة الناس وحصل اقتتال ولم يتبين أيّ الطائفتين التي بغت لكن بعد ذلك من أبت الصلح فهي الباغية. وكما ذكر فضيلة الدكتور عمر بأن هذا الصلح يكون عن طريق إمام المسلمين فإن لم يكن للمسلمين إمام نفترض في بلد ما عمّت الفوضى،
د. عمر: أو الأغلبية كافرة أيضاً
د. عبد الحي: نعم أو الأغلبية كافرة ففي هذه الحالة جماعة المسلمين الممثلة في علمائهم ينبغي أن يضطلعوا بهذا الدور. الطائفة التي ترفض الصلح وتأباه فهذه عُلِم يقيناً أنها باغية. والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أنه حتى في القتال الصحابة رضوان الله عليهم كان فئة باغية، الحديث الصحيح “يا ويح عمّار تقتله الفئة الباغية” وهاهنا أيضاً لا بد أن نذكر بأن من كفّ يده عن القتال لا يُلام لأن جماعة من أفاضل السحابة كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة رضوان الله عليهم ما دخلوا في هذا القتال. قوله تعالى (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله نبّه على أن هذه الآية قد دلّت على أنه ليس كل قتال مذموماً ليس كل قتال لمسلم يقع موقع الذم لأن الله عز وجل هاهنا أمر والعلماء قالوا هذا الأمر للوجوب الكفائي (فَقَاتِلُوا) لا بد أن تكون جماعة من المسلمين مهيأة لقتال هذه الفئة التي بغت.
د. عبد الرحمن: جميل جداً. (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) ألاحظ أنه جعل غاية للقتال يعني ليس حتى تبيدوهم وإنما قال حتى تفيء إلى أمر الله فجاء غاية القتال هو فيء هؤلاء البغاة إلى أمر الله سبحانه وتعالى.
د. إبراهيم: صحيح لأن إراقة الدم ليست مطلوبة لذاتها، إتلاف الأموال والأنفس ليس مقصوداً لذاته بل العكس هذا مما لا يحبه الله في الأصل ولذلك لما الله سبحانه وتعالى أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة قالت الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء (30) البقرة) إذن هذا أمر حتى لا أقول في نفوس البشر حتى الملائكة تنفر من هذا المسلك إذا فاءت إلى أمر الله انتهى المطلوب.
د. عبد الرحمن: جزاكم الله خيراً, أيها الأخوة المشاهدين نستأذنكم في فاصل قصير فابقوا معنا.
——————–فاصل——————-
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام مرة أخرى ولا يزال حديثنا متصلاً في آيات سورة الحجرات مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحيّ يوسف والدكتور عمر المقبل. في قوله يا دكتور عمر في أول الآية (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) ثم قال في الآية التي بعدها (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)) لماذا جاءت هذه الآية كتعليل لما أمر به من قتال الفئة الباغية؟.
د. عمر: لعلك أتيت بالمفتاح في سؤالك أن هذه الآية ارتباطها بما قبلها ظاهر جداً فهي تعليل للأوامر السابقة التي جاءت في الآية الأولى من الآيات التي نتحدث عنها في هذا اللقاء وهي قوله عز وجل (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فالمفترض فيمن هذا حالهم وهو يتصف بهذا الوصف العظيم الذي هو وصف الأخوة أن لا يقع هذا بينهم قتال ولا نزاع وإذا وجد فالواجب أن ترد إلى نصابها الطبيعي فكما يأمر بالقتال حتى يفيؤا إلى أمر الله من جهة فك الاقتتال فكذلك أيضاً هذا الأمر الإلهي هو أمر بأن يفيؤا إلى الأمر الذي يحبه الله عز وجل وهو أن تكون الأخوة قائمة. وهنا أيضاً نشير إلى معنى أشار له الدكتور قبل قليل وهو تأكيد لفظ الأخوّة حتى مع وجود الاقتتال والله سبحانه وتعالى يقول في آية القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ (178) البقرة) سمّاه الله عز وجل أخاً مع هذا المعنى في هذا رد على الذين يكفّرون بالكبائر كالخوارج وغيرهم. وهذا أيضاً فيه معنى عظيم وهو أن أصل الأخوّة في الدين أعظم من كل الكبائر فمهما وجد من التقصير أو الإخلال بواجبات الشريعة ما لم تصل إلى حد ناقض من نواقض الإسلام فحق الأخوة باق. وهذا أيضاً يدلنا على عظم مقصد كبير وهو مقصد الأخوة ومراعاة الشريعة لهذا المقصد الكبير بأنك لو تصورت أننا لا نجتمع إلا من كان حولنا كلهم يلتزمون بشعائر الإسلام الظاهرة كلها ولا نقبل منهم أيّ مخالفة لما بقي -اسمح لي أن أقول- ولا بيت بل ولا البيت الواحد إلا فيه نزاع وشقاق ولكن الشريعة أعظم من عقولنا التي قد نتصور نحن أن هذا الأمر ينبغي أن يكون كذا أو ينبغي أن يكون كذا. إذن قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) أصل كبير فإذا تقرر هذا الأصل فينبغي أن نحافظ عليه وأن نراعيه ومن أعظم ما يراعى به هذا الأصل أن نصلح بينهم إذا وجدنا ما يقتضي هذا الواجب. ثم قال سبحانه وتعالى مرغِّباً وحاثّاً هؤلاء المؤمنين على هذا الأمر العظيم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وهذا يدلنا أيضاً على أنه من أهم أسباب الرحمة الإصلاح بين الناس والله عز وجل يقول (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) النساء) ولو أننا ضممنا آية النساء مع هذه الآية لوجدنا أن من أعظم أسباب التوثيق للإصلاح بين الناس قصد وجه الله عز وجل
د. عبد الحيّ: (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا (35) النساء)
د. عمر: هذه الآية ليست خاصة بقضية النزاع بين الزوجين بل هي عامة (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا) و (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ (114) النساء) فكما أنه أعظم الأجر فهو أيضاً أسهل لأن الإنسان حينما يتجرد ليس له قصد أن يصلح بين هذه الفئة وهذه الفئة لأن هؤلاء من جماعته أو من بلده أو من الجنسية الفلانية أو من القبيلة الفلانية لا، وإنما غرضه ابتغاء مراد الله سبحانه وتعالى فإن هذا سيُعان لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء. فمن صدق في هذا فيُّرجى له أن يعينه الله سبحانه وتعالى على تحقيق هذه المصلحة. وفيه بيان أيضاً أن من أعظم أسباب الشقاء أن ترى المسلمين منقسمين متشتتين لأنه قال (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ومفهومها أنه إن لم تقوموا بهذا الواجب أيها المؤمنون المخاطبون بهذه الآيات إن لم تقوموا به فإن هذا من أسباب شقائكم ولا أظن دعني أقول لو قلّب الإنسان في الواقع لوجد أن بؤر من بلاد الإسلام تحكي هذه المآسي بالصورة أكثر من الآيات
د. عبد الرحمن: هذا الذي أريد أن أسأل الشيخ عبد الحي عن تطبيق هذه الآية أنا أتذكر شواهد من الوقائع التاريخية في تاريخ المسلمين والحوادث التي وقع فيها كثير من طوائف المسلمين وبين واقعنا المعاصر الذي كثرت فيه النزاعات بين المسلمين بعضهم مع بعض سواء بين الحكومات وبعض فئات الشعوب الإسلامية وما يحصل فيه من البغي، ما تعليقك يا دكتور عبد الحيّ على هذه الآية؟
د. عبد الحيّ: أؤكد على ما ذكره أخونا الدكتور عمر قضية إثبات أخوة الدين هذه منصوص عليها في قول الله عز وجل (فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ (5) الأحزاب) وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم) وفي قوله (لا يؤمن أحدهم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ونحو ذلك من النصوص ومن التطبيقات أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ما في نفسه من المرارة تجاه الخوارج الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم شرّ الخلق والخليقة وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وصفهم بأنهم حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام وغير ذلك من الصفات المنفّرة. علي رضي الله عنه لما سئل عنهم أكفّار هم؟ فقال من الكفر فرعه فقيل أمنافقون هم؟ قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل له فمن هم؟ قال إخواننا بغوا علينا. رغم أنه كونه رضي الله عنه هو الإمام المبايع من قبل جماهير المسلمين وأن إمامته حق ولا شك فيها إلا أنه ما سمح لنفسه إلا بأن يقول هذه الكلمة. كذلك في قضية الكبائر، النبي صلى الله عليه وسلم عندما شرب ذلك الرجل الخمر وجيء به مراراً حتى إن الحافظ بن حجر رحمه الله في فتح الباري يذكر أنه جيء به أكثر من ستين مرة مع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم” يعني أثبت له أخوة الإسلام. مثلاً الآن من الأشياء الواقعة في حياتنا قضية دارفور ومن التطبيقات أن جماعة من أهل العلم سعوا منذ بداية النزاع قبل خمس سنوات بتذكير الناس ذهبوا بأنفسهم وخاطبوا القبائل والجماعات والأحزاب بحرمة الدماء وبحقوق الأخوة وبأن الدنيا عرض زائل وبأنه لا بد أن يتنادى الناس إلى كلمة سواء وبحرمة إثارة هذه القبليات البغيضة والنزعات العنصرية التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بأنها صنيع الجاهلية ونحو ذلك ولكن ما يخفى عليكم أن بعض الفئات التي تمارس البغي ليس قرارها في يدها وهذه من المصائب العظام التي ابتلينا بها في بلاد الإسلام أن طائفة تبغي وتكون ضعيفة الشوكة قليلة العدد ثم لا يلبث أعداء الله أن يمدوها بحبل من الناس وبالأموال وبعد حين يرتفع صوتها وتقوى شوكتها وتكون مصيبة عظيمة
د. عبد الرحمن: جميل، ولا ترتدع عن الباطل ولاتستجيب. إذن ننتهي من هذه الآية وننتقل إلى الآية التي بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)) وهي الحقيقة تتحدث عن أدب وخلق عظيم جداً ليتك تحدثنا عنها يا دكتور عمر
د. عمر: هذه الآية الكريمة تأتي أيضاً في سياق الآيات العظيمة التي اشتملت عليها هذه السورة في تربية المؤمنين على مكارم الأخلاق. الله عز وجل ينهى المؤمنين عن السخرية والسخرية تشمل السخرية القولية وتشمل السخرية بالكتابة كل ما يمكن أن يدخل تحت مسمى السخرية فهو داخل في هذا المعنى وهو الحط من قدر شخص واستنقاصه ولمزه بسيّء القول وبذيء الكلام. (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) الأصل في كلمة قوم أنها تشمل الجميع كما قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (1) نوح) نوح أُرسل إلى الرجال والنساء والصغار والكبار لكن هنا خُصت النساء كما سيأتي بخطاب لسبب سنشير إليه إن شاء الله بعد قليل. (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) ثم علل الله سبحانه و تعالى هذا النهي (عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ) وسبحان الله يقول بعض المفسرين قلّما ترى إنساناً ساخراً إلا والمسخور به في الغالب خيرٌ من الساخر وقد كان السلف لعظيم إيمانهم وعظيم هيبتهم وتقديرهم وإنزالهم لكلام عز وجل يحذرون من السخرية حتى قال عبد الله بن مسعود: والله لا آمن إن سخرت من كلبٍ أن يقلبني الله عز وجل إلى كلب.
د. عبد الرحمن: لشدة فهمه للآية.
د. عمر: ويقول بعضهم أيضاً: لو رأيت نساء يرضعون من عنز وسخرت به لخشيت أن أكون في ذلك المقام. فالقصد من هذا أن هذا نهي واضح جداً. ثم خُصّت النساء بخطاب قال بعض المفسرين لأن هذا الأسلوب أو هذا الخُلُق يكثر فيهن وأياً كان التعليل سواء كان هذا هو المراد أو كان المراد شيئاً آخر المهم أن تخصيصهن بالخطاب لاشك أن له حكمة ولا شك أن له سبب واضح جداً ولعل هذه الإشارة قريبة والعلم عند الله. (وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ) نفس العِلّة، فهل نعي نحن معشر الرجال ومعشر النساء أيضاً-حتى لا تزعل علينا أخواتنا النساء- هل نعي هذا المعنى أولا؟
د. عبد الرحمن: وما أحوجنا إليه!. الحقيقة أن مثل هذه الآية والآية التي بعدها سوف تأتي معنا نحتاجها كثيراً في مجتمعنا اليوم لكثرة هذا الخُلُق الذميم بين الناس وهو السخرية والتنابز بالألقاب والغيبة. ثم قال الله سبحانه وتعالى بعدها دكتور عبد الحيّ (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) ما الفرق بين السخرية واللمز والتنابز؟
د. عبد الحي: أنا أريد أن أقول أولاً أن السخرية ذكرها ربنا جل جلاله صفة لازمة للكفار والمنافقين فقال عز وجل (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ (212) البقرة) (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) المطففين) وذكر ربنا جل جلاله أنواعاً من سخريتهم للمؤمنين الطيبين (لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ (11) الأحقاف) وحين يقولون (أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا (53) الأنعام) وكذلك هي من صفات المنافقين (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ (79) التوبة) ومعلوم هذه نزلت في شأن غزوة تبوك لما دها النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى الصدقة فجاء أحدهم بقبضة من تمر فقال المنافقون الله غنيٌ عن صاعه ثم جاء مسلم بصُرة عظيمة من مال فقالوا أنه مرائي فما سلم منهم من أعطى الكثير ولا من أعطى القليل. فالله عز وجل منع هذه السخرية وكما قال فضيلة الدكتور هي صفة في النساء غالبة. وذكروا في أسباب النزول وإن كنا لا نجزم بذلك أنه حصل من بعض أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم شيء من ذلك فثبت في الصحيح أن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله حَسْبُك من صفية وأشارت بيدها أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مُزِجت بماء البحر لمزجته. قالت وحكيت له إنساناً فقال ما يسرني أني حكيت إنساناً ولو أن لي الدنيا وما فيها.
د. عمر: مع أن الرسول ما أقرّها وعذرها بأن المسألة دافعها هو الغيرة والحكم الشرعي ثابت وهذه من الغيرة بين الضرائر وعذرها
د. عبد الرحمن: أذكر أيضاً رواية أخرى أنه لما شكت إليه صفيّة رضي الله عنها أنهم يقولون لها با بنت اليهودي فقال لها هلاّ قلت لهم أنا أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم. ابنة نبي وعمي نبي وزوجي نبي.
د. عبد الحيّ: وهذا أيضاً يدل على عظم أمانة عائشة رضي الله عنها حين تنقل هذا الشيء
د. عبد الرحمن: هي التي روت هذا الحديث
د. عبد الحيّ: نعم, وهذا يدل على فضل الصحابة وعدالتهم وتجرّدهم ونقلهم للعلم بأمانة تامة رضوان الله عليهم. وقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) إلى أن قال (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) اللمز والهمز كلاهما منهيٌ عنه وقد توعّد الله عز وجل فاعله (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الهمزة) بعض أهل العلم قالوا اللمز يكون باللسان والهمز يكون بالجوارح كمن يشير يعينه أو كمن يؤدي حركة بيده
د. عبد الرحمن: كحركة عائشة التي أشرنا إليه قبل قليل.
د. عبد الحيّ: نعم، تفيد التقليل والتحقير والسخرية والإهانة فربنا جل جلاله نهى عن هذا الفعل (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) ثم قال بعدها (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) قالوا التنابز مأخوذ من النبز.
د. عمر: هل أحد يلمز نفسه؟ كيف أحدٌ يلمز نفسه؟!
د. عبد الحي: هذه مهمة. الله عز وجل أنزل المؤمن منزلة نفسك كما قال في آية أخرى (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ (61) النور) وكما قال (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ (29) النساء) على أحد التفسيرين بأن المقصود لا تقتلوا إخوانكم وليس المقصود فقط النهي عن أن ينحر الإنسان نفسه. فالله عز وجل قال (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) من النبز وهو إطلاق النَبَز وهو اللقب القبيح ومعلوم بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم قلّما كان رجل في الجاهلية إلا وله لقبان أو ثلاث لذلك الشريعة حرّمت هذه الألقاب ذُكر أن ثابت بن قيس رضي الله عنه كان في أذنه وقر وكان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه فجاء يوماً متأخراً وقد عضّ كل واحد من الصحابة بمجلسه فلما رأوه أفسحوا له ما بقي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا واحد ما أراد أن يؤثره فغضب ثابت وقال من هذا؟ قيل له فلان، قال له إبن فلانة؟ كما قال أبو ذر لبلال يا ابن السوداء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك امرؤ فيك جاهلية رغم أنه هو الذي قال فيه ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر وهو رمز الزهد ومن السابقين الأولين رضي الله عنهم.
د. عبد الرحمن: يبقون بشراً.
د. عبد الحي: فاللقب ما أشعر بمدح أو ذم. لكن يبقى كلمة يسيرة بأنه إذا كان للتعريف فلا حرج كما قال الله عز وجل (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) عبس) هذا من باب التعريف وكما كان أهل الحديث يقولون حُميد الطويل وسليمان الأعمش وعبد الرحمن كان يقال له الأعرج.
د. عبد الرحمن: لعلنا نواصل الحديث حول هذه الآية لكن أسـتاذنكم وأستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.
———————- فاصل ————————
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام مرة أخرى ولا زال حديثنا حول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)) ولا يزال حديثنا متصلاً مع ضيوفنا الكرام في الاستديو فضيلة الدكتور عبد الحيّ يوسف والدكتور عمر المقبل.
إتصال من الأخت هاجر من السعودية: هناك فتاة عمرها 15 سنة كانت تسخر كثيراً ثم تابت ولله الحمد لكن هي الآن تعيش في خوف من الذين استهزأت بهم هل هو كالغيبة وعليها أن تتحلل منهم أم تتوب بينها وبين الله ويكفي؟
د. عبد الرحمن: بارك الله فيك. أُدخل سؤالي في سؤالها يا دكتور عمر وهو فعلاً ما هو الموقف ممن يسخر من الناس يستهزئ بهم ثم يتوب هل لابد أن يستسمح منهم ويستأذن منهم أم أنه يكفي أن يتوب ويدعو لهم؟ ثم الحديث عن الآية في آخرها في قوله سبحانه وتعالى (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
د. عمر: نبدأ بجواب الأخت هاجر الواقع أن السخرية لا تخلو من حالين إما أن تكون في وجه المسخور به فهنا لا حاجة أن نفترض أن المسألة في مسألة الغيبة هل تذهب أو لا تذهب لأن المسخور به ما زال يستشعر ذلك المشهد فهنا لا بد من مصارحته ولا بد من الاعتذار إليه. أما إن كانت السخرية في غيبته فقد جمعت إثمين كبيرين السخرية والغيبة فهنا تراعى المصلحة إن كان في إخبارها فتنة أو مفسدة أكبر فهنا عليها الإكثار من الدعاء والاستغفار لهذه المرأة وأن تذكرها بما فيها من محاسن في مجالسها التي تكلمت فيها أو غير هذه المجالس من باب إظهار محاسنها لعل الله سبحانه وتعالى يكفّر عنها هذا الخطأ. قد يسمع بعض الأخوة الآن ذكرنا أكثر من موقف: القتال الذي وقع بين الصحابة وهذا ليس سراً، قضية عائشة رضي الله عنها في وصف صفية مثلاً، قصة ثابت بن قيس فقد يسأل السائل معقول أن كل هذا يقع؟ فنقول له لا تتصور أن كل هذا وقع من الصحابة في يوم أو يومين، حياة النبي صلى الله عليه وسلم امتدت 23 سنة. الثاني ينبغي أولاً ونحن نقرأ تاريخ الصحابة أن لا نجرّدهم من بشريتهم فهم بشر يصيبون ويخطئون وفضلهم غالب ليس في ذلك شك ولا بعد تزكية الله عز وجل من شيء أبداً لكن الذي أود أن ننظر إليه من منظار آخر لهذه الأشياء التي تقع في تاريخ الصحابة أن ننظر إليها من منظار آخر وهو أن وقوع مثل هذه الأخطاء الفردية أو دعني أقول وبكل تجرّد الأخطاء النادرة هي من رحمة الله سبحانه وتعالى فإذا علم الإنسان المخطئ أو هذه الأخت التي تسخر الآن إذا سمعت أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي عاشت في كنف النبي النبي صلى الله عليه وسلم وقعت منها هذه الزلّة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فتقول إذن أنا الحمد لله فُتِح لي باب رحمة ما دام أم المؤمنين أخطأت وأنا أخطأت لكن الباب مفتوح فنقول وجود هذه الأخطاء رحمة حتى لا يقنط الإنسان من رحمة الله عز وجل ولا ييأس وليعلم أن مثل هذا الشيء قد يدفع إليه جِبِلّة داخلية فيه (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ (53) يوسف) فأنا أقول ننظر إليها أيضاً بهذا المنظار ونقول أن مثل هذه الأخطاء تجعلنا مهما أخطأنا تدفعنا إلى التوبة. أعود إلى ما تفضلت به (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وهذه واضحة جداً في أن هذه الأعمال الماضية في أنها صورة من صور ظلم الناس والله لا يحب الظالمين لا لأنفسهم ولا لغيرهم. وفي هذا ملحظ آخر في قول الله (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فصل الضمير أو ما يسمى بضمير الشأن دليل على أن هؤلاء وقعوا في ظلم عظيم يجب عليهم أن يتوبوا وفي الآية الأخرى التي يقول تعالى فيها (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) فيها نعيٌ على أولئك الذين استبدلوا هذا الوصف العظيم الذي أكرمهم الله به وهو وصف الإيمان بوصف الفسق وكيف يستبدلونه؟ بوقوع في هذه المحاذير الشرعية من المز والسخرية والتنابز بالألقاب ونحو ذلك.
د. عبد الرحمن: نحن نتحدث يا دكتور عبد الحي عن السخرية وفي زماننا هذا أراها قد أصبحت السخرية على مستوى أوسع. والآن هناك بعض البرامج فيها سخرية بشعوب مثلاً يأتيك واحد ويسخر من الشعب الفلاني ويسخر من القبيلة الفلانية أو يسخر من الطائفة الفلانية وأصبح هذا يؤخذ على وجه التندر والفكاهة والمسرحيات ونحوها فأصبح هناك عولمة للسخرية ما توجيهكم؟.
د. عمر: وعلى الانترنت يا دكتور!
د. عبد الحيّ: هذه من المصائب العظام ويغلب على الظن -والعلم عند الله- بأن بعض الناس وإن كان يمارسها كنوع من التسلية جهلاً بخطروتها إلا أن آخرين يمارسونها بوعي تام لإيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين خاصة بعض المواقع على الانترنت التي تزكي هذه النار المستعرة بين الشعوب والتي هي من رواسب الجاهلية وإلا في قول الله عز وجل (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم “من قال لأخيه يا كافر أو يا منافق أو يا عدو الله فقد باء بها أحدهما” ” لا يرمي رجل رجلاً بالكفر إلا حار على أحدهما”. فقضية السخرية هذه ينبغي أن نتحفظ منها تماماً وأن يتبين الإنسان الذي يسخر بأن هذا المسخور منه -كما تفضل الدكتور عمر – بأنه في الغالب قد يكون خيراً منه وأن الموازين التي يتعامل بها البشر هي غير الموازين التي يعاملنا بها رب العالمين جل جلاله ولذلك الله عز وجل ذكر عن الكافر الذي قال (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) الكهف) والآخر (وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى (50) فصلت) والثالث الذي قال (وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) مريم) هؤلاء جميعاً أوتوا من قِبَل ضعف العقول والاغترار بالنعمة الظاهرة التي هي متاع زائل وخزف يفنى كما قال بعض الصحابة رضي الله عنهم وجماع ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه “الدنيا عرض حاضر يأكل منه البرُّ والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل يحق الحق ويبطل الباطل”. فأكثر الساخرين إنما سخريتهم بسبب الدنيا إما من ناحية الخِلقة أو من ناحية النسب أو من ناحية العشيرة أو من ناحية قلة الأولاد أو من ناحية المال أو من ناحية الجمال أو نحو ذلك من الأمور التي في نهاية الأمر لا تزن عند الله شئياً.
د. عمر: (أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) الأنعام). إذا أذنت لي يا دكتور أحد الإخوة أراد أن يربي أولاده مرة على قطع شجرة السخرية منهم فمرّ هو وأولاده فوجدوا عاملاً من الإخوة الوافدين يكنس وحالته سيئة جداً فبدأول يسخرون عامل، عامل، قال لهم الوالد يا أولادي هو صحيح عامل ويكنس القمامة ولكن قد يكون في الفردوس الأعلى عند الله، ونحن قد نعذّب في النار. هذا قد يكون مغترباً وله أم أو أب يدعوان له طول النهار لأنه يرسل لهم في الشهر مائة أو ماءتي ريال فكان لهذا الموقف أثر كبير علىه وعلى من سمع وهذا سلوك تربوي عظيم لا ننظر للناس لظواهرهم أليس الله بأعلم بالشاكرين؟ “رُبّ أشعث أغبر ذو طمرين لا يؤبه له وفي رواية مدفوعٌ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه”.
د. عبد الرحمن: بقي معنا ثلاث دقائق من وقت هذا اللقاء وأنا يهمني أن يستفيد المشاهد ونخرج بحلول عملية، أنا أقول هذا الخُلُق وهو خُلُق الاستهزاء للأسف الشديد أنه منتشر في مجالس المسلمين وفي منتدياتهم والتلقيب حتى عندما ذكر قبل قليل يا دكتور عبد الحيّ أنه قلّ أن يكون رجل من أهل الجاهلية إلا وله لقبان أو ثلاثة، بل هو من زماننا هذا يا دكتور لا يكاد يخلو أحد من لقب ذمّ يسؤه أن يسمعه وبالرغم من ذلك تجد الناس يتداولونه بينهم ويذكرونه بهذا اللقب في غيبته. فما هي الحلول العملية التي يستفيدها المشاهد الكريم لكي يتخلص من هذا الخُلُق ويربي عليه أبناءه كما ذكر الدكتور عمر؟
د. عبد الحيّ: أول هذه الحلول أن يُحسن المسلم الظنّ بالناس ويسيء الظن بنفسه. يعني لا تخرج من بيتك فترى أحداً من المسلمين إلا رأيت له فضلٌ عليك إن كان كبيراً قلتَ سبقني إلى الإسلام وإن كان صغيراً قلتَ ما تدنّس بالمعاصي بمثل ما تدنست به. ولذلك عبد الله بن مسعود كما ذكر الدكتور قبل قليل قال: والله لو نادى منادي ليقُم شرّكم؟ قلت ما سبقني إلى الباب أحد، وسار خلفه بعض الناس فقال ولو أنكم تعلمون ما أُغلِق عليه بابي ما تبعني منكم أحد. وهو رضي الله عنه ما أغلق بابه إلا على الإيمان والتقى وطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكنه يقول ذلك من باب سوء الظن بنفسه, وأبو بكر كان يُمسك بلسانه ويقول هذا الذي أوردني المهالك وعمر يضرب نفسه ويقول والله يا ابن الخطاب لئن لم تستقم ليعذبنّك الله بالنار. قضية إساءة الظن بالنفس وإحسان الظن بالاخرين هذه أول درجة في درجات علاج هذا الداء الذي سكن القلوب. وأدع الكلام لأخينا الدكتور عمر لأنه ما بقي إلا قليل.
د. عمر: لعل أيضاً من الحلول بين الفينة والأخرى أن نتذكر هذه الآيات لأنها أوامر ربانية سماوية لا بد أن نتوقف معها كثيراً. أيضاً ما أشرت إليه في موضوع الانترنت مراقبة الله عز وجل أعظم وازع يزع الإنسان وأن يتذكر أن أية كلمة يكتبها في لوحة المفاتيح سيجدها مسجلة في صفحة حسناته. ولينتبه أنت قد تتكلم الآن كلمة في مجمع من الناس اثنين ثلاثة أربعة ثم تستغفر وتعود إليهم لكن تكتب كلمة الآن وتنزلها في الانترنت قد تبقى إلى يوم القيامة وقد تبوء بإثمها. صحيح أنك لو تبت نرجو أن يتوب الله عليك لكن انظر إلى أثرها السيء. والثالث التركيز عند حقيقة المفاضلة عند الله عز وجل ما هي؟ أهي بالمظهر أم بالمخبر، (أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2)) المفاضلة عند الله عز وجل بالقلوب ولهذا ستأتي في الآيات التي بعد (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13)) ما قال الله عز وجل أجملكم صورة ولا أكثركم مالاً ولا أعرقككم نسباً لأن هذه الأشياء لا اختيار للإنسان فيها لكن الذي يتفاضل به الناس هو كدّهم في سبيل الوصول للترقي في مراتب العبودية. وأخيراً فيما يخصني محاولة ذكر نماذج ممن رفع الله أقدارهم بغير سبب إلا بالتقوى وأنت لعلك تذكر قصة عبد لما سأل الزهري قال: من أمير الناس على مكة؟ قال عطاء، قال من العرب أم من الموالي؟ قال بل من الموالي، قال من أمير الناس على البصرة؟ قال الحسن، قال من العرب أم من الموالي؟ قال من الموالي، قال من هو من رأس الناس في الشام؟ قال مكحول، قال من العرب أم من الموالي؟ قال من الموالي، قال من رأس الناس في المدينة؟ قال سعيد بن المسيب -وهو يعرف أنه مخزومي- قال ويحك والله لقد فرجت عني والله ليوشكن أن يخطب الموالي على المنابر يقول يا أمير المؤمنين هذا دين من أخذ به عزّ ومن تركه ضلّ. هذا الميزان.
د. عبد الرحمن:. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخُلُق وأن يجعلنا من أهل القرآن في الدنيا والآخرة. شكر الله لكم وجزاكم الله خيراً. انتهى وقت اللقاء والحديث عن هذه الايات حديث ذو شجون. أيها الاخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً في ختام هذه الحلقة أشكر الله سبحانه وتعالى الذي هيّأ هذا اللقاء كما أشكر ضيوفي الاستوديو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف مائب رئيس هيئة علماء السودان والأستاذ المشارك في جامعة الخرطوم وفضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم على ما تفضلا به في هذا اللقاء. وحتى ألقاكم بإذن الله تعالى في الأسبوع المقبل ومع بقية آيات سورة الحجارت أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.