التفسير المباشر – الحلقة 59:
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة 7/5/1430هـ
تفسير سورة الحجرات.
الآيات محور الحلقة : 12- 14
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وحياكم الله في هذا اللقاء المتجدد من برنامجكم الأسبوعي التفسير المباشر الذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية بمدينة الرياض. وقفنا في اللقاء الماضي في سورة الحجرات عند قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)). وسوف نواصل الحديث بإذن الله تعالى في هذا اللقاء مع ضيفنا الكريم حول الآيات التي تليها من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)) وما بعدها من الآيات. ويسرّني باسمكم أيها الأخوة المشاهدون في بداية هذا اللقاء أن أرحب بضيفي الكريم في هذه الحلقة فضيلة الدكتور العباس بن حسين الحازمي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمتخصص في الدراسات القرآنية وأمين الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه فحياكم الله يا دكتور عباس.
د. العباس: حياكم الله وبارك فيكم.
د. عبد الرحمن: حياك الله وبيّاك. وللمشاهدين الراغبين في المشاركة معنا في هذه الحلقة يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة:.
من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599
ومن خارج السعودية: 00966920009599
وللتواصل بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111
أو يمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]
قبل أن نبدأ دكتور عباس في هذا الحديث حول هذه الآيات نستمع إليها مرتّلة ثم نعود إليكم فابقوا معنا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14))
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون بعد سماعنا لهذه الآيات الكريمات من سورة الحجرات سوف نبدأ مع ضيفنا الكريم في تفسير هذه الآيات بشيء من التحليل والتوقف عند معانيها. استمعنا دكتور العباس إلى هذه الآيات العظيمة من سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) هذا هو النداء الأخير في هذه السورة بـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) وقد سبق أن تحدثنا في الحلقات الماضية حول تكرار هذا النداء بهذه الصفة والحديث عن أخلاق المؤمنين التي ينبغي عليهم أن يلتزموا بها والأخلاق التي ينبغي أن يتجنبوها، ماذا يمكن أن نبدا به الحديث حول هذه الآية؟
د. العباس: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد. حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون في هذه الحلقة المباركة. وهذا النداء الخامس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) النداء الخامس في هذه السورة لهذه الفئة المؤمنة ونحن نعلم جميعاً أن هذه السورة مما نزل في الفترة المدنية المتأخرة بعد عام الوفود بعد أن تكامل دخول الناس في دين الله أفواجاً ولعله حصل هذا في الحلقات الماضية مع أصحاب الفضيلة المشايخ الذين كانوا ضيوفاً لا بد من ربط هذا المقطع وهذه الآيات بما سبق فإنها من تمام الحديث عن صفات المؤمنين التي يكتمل ويتكامل بها المجتمع المسلم. هذه السورة الحجرات وإن كان سبب تسميتها الحجرات لورود كلمة الحجرات فيها إلا أن الحجرات جمع حجرة التي يتكون منها المجتمع المسلم والمجتمع المسلم لا بد أن يتكون وأن ينبني على أسس ومن أهم هذه الأسس العلاقة والصلى الحسنة بالله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (1)) والأدب الجمّ مع النبي صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ (2)) ثم انتقل الحديث في السورة بعد ذلك إلى الآداب مع المؤمنين نهى عن قتال بعض بعضهم بعضاً ونهى عن السخرية وفي هذه الآيات يأمرهم باجتناب الظن أو الكثير من الظن حتى تكتمل الصورة المثالية للمجتمع المسلم. والنداء بلفظ الإيمان كي يستخلص الصفات الإيجابية في النفس التي تسمع هذا النداء. فالنفس المؤمنة عندما تسمع الله عز وجل يناديها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) تستجيب وتسارع وتُقدم بخلاف إذا نوديت بوصف سلبي “يا من صنع كذا أو فعل كذا أو قصّر في كذا” فإنه غالباً لا يستجيب إلى ذلك. جولذلك ملة المأمورات والمنهيات الواردة في الآيات القادمة يستقبلها المسلم بإيجاب بمسارعة إلى تنفيذ أمر الله عز وجل والبعد عن نهي الله عز وجل
د. عبد الرحمن: لأنه ناداه بوصف الإيمان. وهو وصف محبب
د. العباس: نعم محبب، ويحب الإنسان أن يظل ينادى بهذا فيحرص على أن يمتثل أوامر الله التي منحته هذا النداء من الله عز وجل
د. عبد الرحمن: جميل. ليتنا دكتور العباس بإيجاز نشرح الألفاظ الغريبة التي في الآية حتى يفهمها الأخوة المشاهدين ثم نعود فنتوقف عند مقاطعها. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) ما المقصود بالظن؟
د. العباس: مما ورد في هذه الآية ويحتاج إلى بيان هو الظن. والظن هو أحد مراحل التصديق بالحديث. الظن عندما أطلق هنا يراد به الظن السيء بمن ظاهِرُه الحسن وأما الظن القبيح بمن ظاهره السوء فهذا لا حرج فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) أي الظن السيء بمن ظاهره الإيمان والعدالة والصلاح. ولذلك قال بعدها (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) نهى عن الكثير بسبب أن بعضه فيه ظلم وإثم. والتجسس كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التجسس والتحسس وفرّق بينهما العلماء بأن التجسس البحث عما ينكتم عنك أنت والتحسس البحث عما يُكتم عن الجميع فالتحسس أعمّ من التجسس، التجسس البحث عما يُخفى عليك أنت وما يتعلق بك أنت أما التحسس فهو أعم من ذلك ونهى الله عز وجل عن واحد منها ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاثنين معاً في حديث وورد في القراءات الشاذة التحسس (ولا تحسسوا) وظيفته معروفة كما عرّفها النبي صلى الله عليه وسلم “ذِكرك أخاك بما يكره”. (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) أي حال كونه ميتاً وهذه صورة بلاغية علّنا نبينها في أثناء الحديث.
د. عبد الرحمن: الآن يا دكتور العباس عندما يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) الله سبحانه وتعالى لم ينه عن الظن مطلقاً أو عن إساءة الظن وإنما النهي هنا في الاية هو عن أن تسيء الظن بمن ظاهره الصلاح والعدالة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) فلماذا يا ترى جاء التعبير بهذه الصورة فلماذا لم يقل مثلاً (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا الظن)؟
د. العباس:.طبعاً الظن كثير من حياة المسلم حتى في عباداته وتعاملاته مبنية عليه، على الظن. لا يستطيع الإنسان أن يقطع في كل أموره. ولذلك جاء النهي عن الكثير احتفاظاً بالقليل لأن المسلم يحتاج إليه ومع ذلك فإن الظن الموصل للحرام الظن المحرّم قليل فلماذا نهى عن الكثير مع أن المحرّم منه قليل؟ هذا ما يسمى عند أهل الأصول بسد الذرائع هذا الظن وهذه كانت عادة العرب. العرب كانت تُكثر بل تفتخر أليسوا هم القائلون “سوء الظن فطنة”
د. عبد الرحمن: والحزم سوء الظنّ بالناس
د. العباس: فهم يفتخرون بهذا وكانوا يبنون كثيراً من تعاملاتهم مع الناس على سوء الظن لأنهم يسمونه حزماً وفطنة. فجاء القرآن لينهى ويهذب هذا المجتمع المسلم وينقّيه من هذه الصفة مع أن الآثار أو الظن الذي يمكن أن يسمى إثماً قليل كما قال تعالى (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)
د. عبد الرحمن: وليس كله. طبعاً هذا يا دكتور العباس يحتاجه المسلمون كثيراً في تعاملاتهم التي يتعاملونها فيما بينهم اليوم الآية تأمرك أن يكون تعاملك مع أخيك المسلم وأن يكون تعامل المسلمة مع أختها المسلمة مبنية على حسن الظن وأن المسلم الأصل فيه أن تحسن الظن به وليس العكس لكن اليوم أصبح الناس يبنون معاملاتهم مع بعضهم البعض على أساس سوء الظن. فهو قبل أن يعرف عنك شيئاً، قبل أن يبدر منك بادرة سوء يسيء الظن بك بحجة أن الحزم هو سوء الظن بالناس حتى لا يقع في فخ أو في خدعة أو شيء من هذا، فهل هذا التصرف صحيح؟
د. العباس: لا غير صحيح، وذلك كان مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث” وكل الآثار أو المنهيات التي نهت عنها الآية بعد ذلك هي مترتبة على الظن السيء. ربما يظن الإنسان أنه مجرد حيطة وحذر يحتاط بها لنفسه تنجيه من غوائل كثيرة والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك تماماً. ربما يكون الأمر في ظاهره أن الإنسان يحتاط لنفسه ولكنه هذا الظن السيء سيوصله إلى التجسس وسيوصله إلى الغيبة وسيوصله إلى ما نهى الله تعالى عنه في الاية بعدها من احتقار الناس وظن أنه أفضل منهم كما سيأتي.
د. عبد الرحمن: جميل. إذن هذا هو ما يتعلق بالظنّ والنهي عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). ثم قال (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) هذا النهي الثاني. طبعاً لاحظت يا دكتور العباس في سورة الحجرات وكنت أثرتها قديماً قضية تسمية السورة بالحجرات وعلاقة هذا الإسم بالمعاني التي اشتملت عليها السورة. وكما تفضلت في حديثك أن الحجرة هي المكان المحجور يعني المحدد الذي يحد ما بداخله وتأملت في الاية فوجدت أن معظمها نهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ (11)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا (12)) وقلت النهي هو منع في الحقيقة فكأنه يشبه الحجرة في منعها ما بداخلها عن ما خارجها وحفظها له فكذلك هذه المحترزات التي جعلها الله تعالى (لا يسخر) (اجتنبوا) وكل هذه المنهيات تحفظ الإيمان وتحافظ عليه كما تحفظ الحجرة ما بداخلها. حتى الآن في علم الإدارة يقولون أن التوجيهات عندما تكون بالنهي لا تفعل كذا ولا تفعل كذا تحتلف عن عندما تأمر بالشيء الإيجابي يعني مثلاً فبدل أن أقول يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن أقول أحسنوا الظن ببعضكم بعضاً. ما أدري بلاغة التعبير هنا بالنهي، لماذا جاء التعبير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) ثم جاءت تمثيلها في هذه الصورة البشعة التي لعلك إن شاء الله تفصل فيها في تشبيه من يفعل ذلك بالصفة التي ذكرها الله؟.
د. العباس: طبعاً الأوامر وجملة الأخلاق الفاضلة والحسنة التي جاءت في هذه السورة جاءت في غالبها بصيغة الأمر كما في بداية السورة وجاء أيضاً بعضها أو جزء كبير منها بصيغة النهي والقاعدة الشرعية في الأمر والنهي كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم “إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه” فهنا المنهيات يدل على أن وجودها خطر شديد على المجتمع المسلم.
د. عبد الرحمن: ولذلك جاء التعبير بها.
د. العباس: ولذلك لا يحتج إنسان بأنه لا يستطيع التخلص من هذه الأشياء أو أن حياته تقوم عليها أو أنه لايعيش بدونها،
د. عبد الرحمن: هذا عذر يعتذر به كثير من الناس عندما يُنهى عن الغيبة فيقول أنا لا أستطيع أن أترك الغيبة لأنها فاكهة المجالس.
د. العباس: وإذا علموا أن كثيراً من العلماء يعدوها من الكبائر التي لا تغفر إلا بالتوبة النصوح ربما أقلعوا عن ذلك وانتهوا عنه؟!
د. عبد الرحمن: هذا التشبيه يا دكتور (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) من أبلغ التشبيهات التي وردت في القرآن
د. العباس: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) طبعاً يمكن أن نستخلص مجموعة من أوجه الشبه بين الصورتين التي ذكرها الله عز وجل صورة الغيبة وهي أن يجتمع أناس على ذكر أحد إخوانهم بالسوء وأن يعمد أناس أو واحد إلى جثة أخيه المسلم فيأكلها. فهناك أكل في صورتين، هناك أكل لحم معنوي وهنا أكل لحم حسّي. والميت عاجز عن الدفاع عن نفسه والكريم من الناس يأنف أن يوصف بأنه يعتدي على جثة هامدة ولذلك خاطبه القرآن (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) أيضاً قال (أخيه) هنا استعطاف أنت تعمد إلى أن تأكل لحم، لحم من هذا؟ لحم أخيك الميّت! وكذلك هؤلاء الناس الذين يجتمعون في المجالس يقعوا في أعراض المسلمين فإنما يأكلون أعراض إخوانهم. أيضاً لفظ الاية على وجه العموم قال (فكرهتموه) فيه إشارة إلى أن هذا العمل ما يقوم به الشخص بمفرده وإنما لا بد أن تجتمع مجموعة على أكل أعراض الناس وكذلك الإنسان لا يستلذ بالأكل إلا إذا كان مع مجموعة. فهنا هذه أربع أوجه شبه بين الصورتين اللتين ذكرهما الله عز وجل.
د. عبد الرحمن: وأيضاً يا دكتور هذه الآية تعزز معنى سبق أن ورد في السورة وهو (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10)) وأنه ينبغي أن تكون علاقة المؤمنين ببعضهم علاقة أخوّة وما يترتب عليها من الحقوق والواجبات. وهنا قال أيضاً (لَحْمَ أَخِيهِ) لتذكيره بالعلاقة التي ينبغي أن تكون بينك وبين الرجل الذي يقع الناس في عرضه أو تقع أنت في عرضه.
د. العباس: صورة بلاغية مذكورة في الآية (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) مقابلة بين المحبة والكراهة. ومعنى (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فكما كرهتم هذه الصورة البشعة من أن يعمد أحدكم فيأكل لحم أخيه على هيئة الموت فلتكرهوا أيضاً هذه الصورة التي أنتم تمارسونها في غالب حياتكم وهي الغيبة. الآن كما ذكرت يا شيخ عبد الرحمن أن بعض الناس يسميها فاكهة المجلس ولا يستغني عنها ولكن لو قلت له أن الله تعالى ذكر هذا العمل الذي تقوم به هو نفسه أكل لحم الميت هل يظلون يستمتعون بها؟ سيتقززون منها وسيبغضونها وسيكرهونها وهذا هو الواقع.
د. عبد الرحمن: صحيح، هذا هو الواقع. المشكلة يا دكتور العباس أن واقع مجالسنا الآن لا يكاد يخلو من الغيبة حتى بعض مجالس الفضلاء يا دكتور العباس لا تخلو من الغيبة والوقوع في أعراض المسلمين فأنا أستغرب أين هذه الآية عن مجالس المسلمين؟!
د. العباس: الله المستعان. هذه الآية وكثير من النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها وعيد شديد لمن وقع في هذه المعصية الكبيرة. وفي الاية قبلها قال (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) ما قال غيركم ولا الآخر وإنما قال (بَّعْضُكُم بَعْضًا) أنت كأنما تغتاب وتنال من بعضك الآخر وكذلك الغيبة عندما يجتمع الناس في مكان من الأماكن ليغتابوا الآخرين فإنما ينهشون في المجتمع المسلم ويفككون كثيراً من روابطه وهذا من أكبر الآثار السلبية للغيبة في المجتمع المسلم..
د. عبد الرحمن: قبل أن نتوقف مع فاصل يا دكتور العباس، في قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) ما الحكمة من ختم الآية بهاتين الصفتين (تواب رحيم)؟
د, العباس: في حديثنا الذي دار قبل قليل وانتشار مثل هذه المعصية في المجتمع المسلم وما ربما ما يطغى على الناس من يأس من التخلي عنها هنا انتشال للمجتمع المسلم من أن يقع في الياس والقنوط من رحمة الله. يعني أنتم تتعاملون مع الله عز وجل (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) يعني إذا اقلعتم وتبتم وتخلصتم من هذه المعصية وتخليتم عنها وابتعدتم عنها فأنتم تتعاملون مع الذي هو تواب ورحيم كذلك.
د. عبد الرحمن: فكأنه حث على التوبة
د. العباس: حثّ على التوبة وأنه مهما وقع المسلم في معصية فإنه برجوعه إلى الله عز وجل يقبل الله عز وجل توبته.
د. عبد الرحمن: سبحانه وتعالى، شكر الله لك يا دكتور , أيها الأخوة المشاهدين نستأذنكم في فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.
——————–فاصل——————-
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى في هذا اللقاء الذي نتحدث فيه عن آيات من سورة الحجرات مع ضيفنا الدكتور العباس بن محمد حسن الحازمي وتوقفنا عند قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)). نلاحظ يا دكتور العباس أنه تغير النداء الآن، كان يقول يا ايها الذين آمنوا ثم قال الآن يا أيها الناس، ما السر يا تُرى وما الفرق بينهما؟
د. العباس: الخطاب في هذه الاية خطاب عالمي للعالم جميعاً، للخلق كلهم، وإن كان المراد منه الآن المؤمنين لكن هنا لأنه يصح أن يخاطب بهذا الخلق كلهم لما قال (إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) ولا صحة لما ذكره بعض أهل التفسير من أن هذه الآية بالذات مكية استدلالاً بخطاب يا أيها الناس، لا، الآية مدنية وفي موضعها وصلتها بما قبلها وثيقة كما سنذكر وهي خطاب للأمة جميعاً، للخلق جميعاً تذكير لهم بأصل خلقهم.
د. عبد الرحمن: وكأنها كما يعبّرون الآن نداء لحقوق الإنسان إعطاء كل ذي حق حقه وعدم التفضيل على وجه العصبية أو اللون أو الجنس كما يفعل في العالم كله حتى في المجتمع الإسلامي الآن أصبح هناك تفاضل انطلاقاً من القبيلة أو انطلاقاً من المنطقة أو انطلاقاً من اللون أو انطلاقاً من الجنس، فلو نفيض في تفصيل هذه الآية يا دكتور.
د. العباس: أولاً هذه الاية وثيقة الصلة بما قبلها تماماً. ربما يخوض الناس في الأسباب التي تحمل الناس على الظن السيئ أو التجسس أو الغيبة أو السخرية الواردة في الايات التي قبلها وما ذكروه يقرب ويبعد من الصحة ولكن أول الأسباب المؤدية إلى كل تلك الآفات هو التفاخر بالأنساب والأحساب الذي نهى الله عز وجل عنه وبيّن أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالإيمان والتقوى. ولو دققنا وحققنا في منشا الغيبة والنميمة والتجسس والظن السيء الموجودة في مجالسنا ومجتمعاتنا لوجدنا أن الشرارة الأولى التي توقظها هي التفاخر بالأحساب والأنساب ولذلك هذا تأديب من الله عز وجل ليس فقط للمؤمنين بل للخلق جميعاً من أن هذا التنوع في الخلق الحاصل لكم ليس لتستثمروه في التفاخر وإنما في التعارف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) للتعارف لا للتفاخر لأن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالتقوى، إنما يكون بالإيمان والإسلام كما أخبر الله عز وجل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
د. عبد الرحمن: جميل، والنبي صلى الله عليه وسلم يا دكتور العباس في تعامله في حياته عليه الصلاة والسلام عندما قرّب مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم مختلفي الألوان ومختلفي الجنسيات ومختلفي الأصول مثل بلال رضي الله عنه وهو من أهل الحبشة، مثل سلمان رضي الله عنه وهو من بلاد فارس، مثل صهيب رضي الله عنه وهو من أهل الروم وكانوا من أقرب الناس حوله. وبلاب رضي الله عنه كان مميزاً وكان هو الذي يؤذّن وكان هو الذي يؤذن بالصلاة رضي الله عنه وأنا أتصور أن هذا تطبيق عملي لمثل هذه الآية. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول “لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى” ويقرأ عليه الصلاة والسلام هذه الآية. الآن يا دكتور في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وأيضاً في قوله (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) يحضرني امرين: قضية حقوق الإنسان بصفة عامة وكيف أن الاسلام سبق إليها وأعلنها وأنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى وهذا هو الميزان الذي ينبغي أن يفعّل في حياة المسلم. والجانب الثاني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) قضية الحوار مع الآخرين والانفتاح عليهم والدعوة لهم لأن الإسلام دين دعوة وليس دين انغلاق فماذا يمكن أن نقول حول هذه المعاني؟
د. العباس: الأمر الأول وهو النداء الإنساني الذي وجد في هذه الاية وأيضاً نادى به النبي صلى الله عليه وسلم كما في حجة الوداع وفي غيرها من المواضع يؤكد هذه الحقيقة التي لا تقبل الشك وأن الإسلام وهذا الدين العظيم هو أول من دعا إلى هذا وأن شرف السبق محفوظ له ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يدّعي أنه هو الذي ابتدأ هذا الأمر وإن كان التطبيق أو تطبيق بعض المسلمين لهذه الآداب الإسلامية ربما قلّ في زمن أو ضعف في زمن إلا أن السبق يبقى لهذا الدين وأهل الإسلام والمنتمين لهذا الدين هم أولى الناس للإتصاف بهذا وبتطبيق هذا على وجه الحقيقة. نحن لا نقول هذا شعاراً وافتخاراً وإنما نقوله حقيقة ولذلك جاء في آخر الآية التي معنا (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
د. عبد الرحمن: ما هو السر في ختم هذه الآية؟.
د. العباس: خبير هنا أي عالم بدقائق الأمور وبخفيها ربما يصعد إنسان منا على منبر أو في برنامج فضائي ويقول مثل هذا الكلام ولكنك تجده يتعامل مع مكفوله ومع خادمه ومع من يقوم بحالته تعاملاً مختلفاً تماماً فالله هنا يقول (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المشهور لما جاء وجد أحد أصحابه وقد رفع السوط على غلام يضربه وقد علا صوته من الغضب فقال له إعلم أبا مسعود ومن الغضب ما عرف أبو مسعود صوت النبي صلى الله عليه وسلم فبعدما وعظه النبي صلى الله عليه وسلم قال له وذكّره: “إعلم أن الله أقدر عليك منه”
د. عبد الرحمن: إن الله أقدر عليك منك عليه
د. العباس: فقال هو حُرٌ لوجه الله. قال صلى الله عليه وسلم أما لو لم تفعل للفحتك النار
د. عبد الرحمن: الله أكبر.
د. العباس: إستجابة سريعة لأمر الله عز وجل ما قال هو فعل كذا وصنع كذا، إستجابة سريعة لأنه يعلم أن الله عليم خبير.
د. عبد الرحمن: مطلع على قلوبكم.
د. العباس: نعم، مهما ادعى عدم وجود ذلك عنده فإن الله عز وجل يعلم ذلك.
د. عبد الرحمن: سبحانه وتعالى. الآن يا دكتور بعد أن تحدثت هذه الآيات عن أخلاق كثيرة أخلاق تتعلق بينك وبين الله سبحانه وتعالى وأخلاق بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم وحقوقه، أخلاق بين المؤمنين في عدم تصديق الفاسق، عدم السخرية، عدم الغيبة، عدم النميمة، واستحق بهذا سورة الحجرات أن تكون سورة الأخلاق فعلاً وهي مليئة بالأخلاق والآداب. الآن ينتقل الحديث بعد أن تحدث عن أصل الخلق إلى موضوع آخر وهو موضوع الأعراب في قوله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)) هل يمكن أن نلخص يا دكتور الآن الآيات التي سبقت في دقيقتين مثلاً؟ فبرز أبرز ما يمكن لأن ما نشكو منه يا دكتور العباس الآن هذه الأشياء نظرياً معروفة عند كثير من المسلمين يعلمون أن السخرية محرّمة والغيبة محرّمة ولكنهم لا يتذكرون هذا وهم يمارسون حياتهم اليومية. هل يا ترى هناك نصيحة عملية للإلتزام بمثل هذه الأخلاق كما صنع أبو مسعود رضي الله عنه عندما ذُكّر فتذكر مباشرة؟
د. العباس: خواتم الآيات وفواصل الآيات الموجودة في هذه السورة هي مما يعين المسلم على امتثال أمر الله عز وجل. فتجدها في أول السورة (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) إستشعار المسلم بأن الله عز وجل سامع لمقاله مطّلعٌ عليه خبير بما يقول وبما يصنع يجعله يحرص على امتثال والتخلّق بهذه الأخلاق الحسنة واجتناب السيء منها.
د. عبد الرحمن: وأيضاً كما ذكرت يا دكتور العباس فيها حثّ على التوبة والرجوع كما عندما قال (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) فيها حثٌ لمن وقع في هذا واذكر في الأسبوع الماضي وأيضاً وردت على الجوال عدد من الأسئلة يقول أحدهم أنا أقع كثيراً في الغيبة وأقع كثيراً في السخرية فما الحل؟ هل لي من توبة؟ فختم الآية بقوله (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) كما نوّهت قبل قليل لا شك أنه حثٌ وفتحٌ لهذا الباب.
د. العباس: صحيح.
د. عبد الرحمن: في قوله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا (14)) أول شيء من هم هؤلاء الأعراب؟ ثم ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟
د. العباس: قبل هذا أحب كما تعودنا أن نؤكد أن الآية وثيقة الصلة بما قبلها تماماً. سورة الحجرات كغيرها من سور القرآن آياتها بعضها آخذ برقاب بعض ولا ينفصل عنها البتّة. هنا بعد ما ذكر الله عز وجل وبيّن أن التفاضل إنما يكون بالإيمان والتقوى وغرس هذا المفهوم في نفوس المؤمنين بل الناس جميعاً، ربما يأتي إنسان فيدّعي الإيمان إذا فاته الفخر بالأنساب إدّعى الإيمان والتقوى وهنا الله عز وجل يقول ليس كل من ادّعى الإيمان مؤمناً وليس كل من ادّعى التقوى متقياً وإنما الذي يحكم بذلك هو الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه الاية لها سبب نزول كما سبق. فهذا عام الوفود الذي وفد فيه القبائل على النبي صلى الله عليه وسلم ووفد بني تميم نزلت فيهم الآيات في أول السورة وهنا وفد بني أسد نزلت فيهم هذه الآيات. فإن أصابهم سنة جدب وقحط وانقطع عنهم المطر وجفّت عندهم المياه فوفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم راغبين فيما عنده ومجربين لهذا الدين فاستعجلوا بمجرد وصولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم عدّوا أنفسهم وقارنوا أنفسهم وساووا أنفسهم بالذين مكثوا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات أو خمس عشرة سنة أو الذين هاجروا وجاهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. بل في بعض الروايات أنهم قالوا نحن جئناك بالعيال والثقال ولم نقاتلك ولم نصنع كما صنع بنو فلان وبنو فلان فعتب الله عليهم بقوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) فهنا بنو أسد لما قالوا ما قالوا أوقفهم الله عز وجل عند هذا وقال (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا) يعني دخلوا في الإسلام لم ينف الله عنهم الإسلام بل بشرهم بأن الإيمان في طريقه إلى قلوبهم لما قال (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ونحن نعلم أن (لمّا) تفيد ما للتوقع بخلاف (لم) التي تفيد النفي، بينما (لما) تفيد توقع حصول الشيء وهذا ما حصل لهم بعد مدة يسيرة.
د. عبد الرحمن: جميل. ومعنى هذه الآية أن هناك فرق بين الإسلام وبين الإيمان. هؤلاء الأعراب والأعراب بالمناسبة وصف غير محبب لمن يوصف به أليس كذلك؟ الرجل عندما تقول له يا أعرابي فكأنك تذمه في هذا في حين لما تقول له يا عربي لا يرى في ذلك ذماً. فهنا عندما قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ) فكأن سبب هذا القول وهذا الخطأ منهم هو هذه الصفة، صفة الجلافة التي يتميز بها الأعراب لأنهم حديثو عهد ببادية وبجهل، قال (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا) ولكن قولوا اسلمنا، ما الفرق بين الإسلام والإيمان يا دكتور العباس؟
د. العباس: الإسلام كما هو معروف في تعريفهما أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا. وهنا ما دام أنهما اجتمعا فيُعرّف الإسلام بأنه الاستسلام أو مجرد الدخول في الإسلام أو بما عرف به في حديث جبريل الطويل. وأما الإيمان فهو اليقين التام والتصديق التام بهذا الدين أو ما عرفه به جبريل عليه السلام في الحديث الطويل. فالإيمان مرحلة أعمق من الإسلام. والإسلام طريق للدخول للإيمان ولا يمكن أن يصل الإنسان للإيمان أن أن يمر بالإسلام.
د. عبد الرحمن: فتح الله عليك يا دكتور. أستأذنك عندنا اتصال من الأخت منى من ليبيا.
الأخت منى من ليبيا: تطلب رقم هاتف الدكتور عبد الرحمن للتواصل.
د. عبد الرحمن: مسألة التفريق يا دكتور العباس بين الإسلام والإيمان قد تكون مسألة معروفة لدى الأكاديميين من أمثالك لكن كثير من الناس لا يفرِّق بين الإسلام والإيمان، يعني عندما تقول أنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا فهذه مصطلحات متخصصة لكن عندما يسألك كثير من الناس ما الفرق بين كوني مسلماً وكوني مؤمناً؟ كيف يمكنك أن تبسّط التعريف؟
د. العباس: في الألفاظ الشرعية في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية إذا جاء لفظ الإسلام فقط ووصف به المسلمون فإنه يراد به الإسلام والإيمان معاً. وإذا جاء لفظ به الإيمان بمفرده فإنه يوصف به المسلم والمؤمن. أما إذا اجتمعا في نصٍ واحد فهذا يدل على أن بينهما فرق كما في حديث سعد عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطيت رجالاً ولم تعط فلاناً وإني أحسبه مؤمناً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم. يدل على أنه في منزلة دون منزلة الإيمان.
د. عبد الرحمن: وكما في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى عندما أفرد الإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) يدخل فيها الإيمان. وأيضاً في آيات أخرى أفرد فيها الإيمان فيدخل فيها الإسلام. ولكن هنا عندما قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا) هنا نفرِّق.
د. العباس: نهاهم عن ادّعاء الإيمان لأنها مرتبة ومنزلة لم يصلوا إليها بعد. وأذن لهم بل أمرهم بالانتساب للإسلام لأنهم على وجه الحقيقة قد أسلموا وهاجروا للنبي صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دينه ولكن الإيمان لم يثبت بعد في قلزبهم.
د. عبد الرحمن: أليس هذا دكتور العباس دليل على أن الإيمان يزيد وينقص؟
د. العباس: نعم.
د. عبد الرحمن: يعني الآن قال (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) لعله يزيد يوماً بعد يوم فيثبت.
د. العباس: وهذا ما حصل. والآية تؤكد هذا المعنى فإن الأعراب هؤلاء ربما خافوا على الأعمال التي عملوها أو سوف يعملوها في هذه المرحلة فطمأنهم الله عز وجل عليها وأنها محسوبة لهم وأنها لم تبخس (وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) يعني إذا استمريتم على الإسلام ووصلتم لمرحلة الإيمان فإن ما قمتم به من صيام وصلاة وصدقة وجهاد في هذه المرحلة التي سماكم الله بها مسلمين ولم يسمكم مؤمنين محسوبة ومحفوظة عند الله لأن الله تعالى قال (لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا).
د. عبد الرحمن: ما معنى (يَلِتْكُم)؟
د. العباس: ينقصكم.
د. عبد الرحمن: جميل وهذه من غريب القرآن.
د. العباس: نعم، يلتكم يعني ينقصكم وفيها قراءتان يلتكم ويألتكم بالهمزة. ولأن الله عز وجل حفظ لعباده هذا الأجر وهذا الثواب وعفا عنهم ما حصل من تقصير ختم الآية (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). فلا شك أن الإنسان إذا دخل في الإسلام لن يأخذ الدين جملة واحدة وسيقع منه شيء من التقصير وشيء من الخلل حتى يكتمل الإيمان في قلبه وحتى يمتثل جميع أوامر الله عز وجل. ماذا يحصل ويصنع بهذا النقص؟ قال (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
د. عبد الرحمن: يتجاوز عن الأخطاء
د. العباس: يتجاوز ولرحمته بكم يوصلكم بإذنه إلى مرحلة الإيمان كما أوصل هؤلاء.
د. عبد الرحمن: جميل. في قوله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا) قد يسال سائل الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم ليسوا على الحالة التي ادّعوها أليس كذلك؟ هم قالوا نحن مؤمنون والله تعالى قال لا، أنتم مسلمون لأن الإيمان لم يدخل في قلوبكم بعد. أقول قد يقول قائل ألم يكن من التأليف لقلوبهم أن يُترَكوا وما ادّعوه ويقال لهم أنتم في طريقكم إلى الإيمان ولا يعنّفهم بهذه الصورة؟. أنا ألمس من هذه الآية أنهم قد قالوا آمنوا على وجه الغرور وعلى وجه الاستعلاء وعلى وجه الامتنان وكما ظهر في أول الآية؟
د. العباس: وكما قالوا جئناك بالعيال وما قاتلناك كما قاتلك بنو فلان امتنوا وافتخروا. ثم الحقائق الشرعية أيضاً لا يوافَق مدّعيها عليها.
د. عبد الرحمن: جميل. إذن يعني هذا أدب شرعي
د. العباس: يمكن أن يُعطوا مالاً وإبلاً وغنماً لكن الحقائق الشرعية لا تُعطى لمن لا يستحقها.
د. عبد الرحمن: هل يمكن أن نأخذ من هذه الاية أدب يا دكتور العباس وهو الرد على من يخالف الحقائق الشرعية ينشر مقالات مخالفة لما تقرر في الشريعة فيرد عليه علناً بنوع من القسوة كما في هذه الآية حتى يبين للناس أن ما قاله غير صحيح. هل هذا يمكن أن يؤخذ من فحوى هذه الآية؟
د. العباس: على قدر إظهاره وإجهاره بالخطأ يكون تماماً.
د. عبد الرحمن: أيضاً ظهر لي من الآية كما في آية أخرى (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا (97) التوبة) هذه الصفة صفة النسبة إلى الصحراء كون الأعراب الرجل الذي يعيش في الصحراء، في البداوة، أن هذه الصفة مرتبطة بالجهل؟
د. العباس: طبعاً الله عز وجل أثنى عليهم كما في سورة النحل
د. عبد الرحمن: (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ (98) التوبة)
د. العباس: فليس الوصف مرتبطاً بالذم على وجه الإطلاق وإنما هو أقرب إلى الذم وقد أثنى الله عز وجل على الأعراب.
د. عبد الرحمن: فتح الله عليك. أسـتاذنك يا دكتور العباس وأستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.
———————- فاصل ————————
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام مرة أخرى ولا يزال حديثنا متصلاً عن آيات سورة الحجرات مع ضيفنا الكريم فضيلة الدكتور العباس بن حسين الحازمي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقفنا يا دكتور عند قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)) ماذا يمكن أن نضيف يا دكتور في قوله (وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)؟ لماذا قرن طاعته وطاعة رسوله معاً؟
د. العباس: التصريح بإسم الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفه هنا يدل على أهمية طاعته وأن يقدم هؤلاء الداخلون في الإسلام حديثاً ما يدل على صدق إيمان بالله وصدق إيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنهم في الحقيقة يتعاملون معه. حتى لا يزعم أحد منهم أنما يطيعون الله ويتعاملون مع الله وإيمانهم يعلمه الله أخبرهم الله عز وجل أن وصف الإيمان الذي ينتظرونه ويطمحون إليه مرتبط بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (31) آل عمران)
د. عبد الرحمن: معنا اتصال من الأخ ناصر من السعودية
الأخ ناصر: (عذراً لم أتمكن من فهم السؤال من المتصل)
د. عبد الرحمن: الحقيقة الكلام الذي تحدث عنه الأخ ناصر أيضاً ما توقفنا عنده يا دكتور وهو قوله سبحانه وتعالى (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) العلماء لهم في هذا تفصيل واستثناءات، فهل هناك فعلاً حالات يجوز فيها الغيبة؟
د. العباس: نعم ما ذكره النووي
د. عبد الرحمن: والقدح ليس بغيبة في ستّةٍ
د. العباس: نعم، فذكروا منها المتظلِّم عند القاضي وغيبة الفاسق وما ذكر في النظم فهذه الإستثناءات هي مما يستثنى ولا يدخل في النهي الوارد في الاية وايضاً بعضهم استثنى ما يحتاج إليه الجارح في علم الجرح والتعديل.
د. عبد الرحمن: نذكر منها قوله تعالى (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ (148) النساء) المتظلم يجوز له أن يغتاب من ظلمه عند من يستطيع أن يُنصفه وليس في كل مجلس. ومحذِّر من شخص سواء طُلِب إليه أن يتزوج مثلاً شخص يريد أن يتزوج من امرأة فيسألون عنه فمن حق الذي يُسأل عن هذا الرجل إذا كان فيه ما يقدح أن يُبين للناس يقولون معرِّف هذا الذي يُعرِّف. وأيضاً من طلب الإعانة في إزالة منكر ومجاهر بالفسق وهذه التي يكثر السؤال عنها يا دكتور العباس يعني الرجل الآن في المجتمع الإسلامي يجاهر بفسق وشرّه عمّ هل يجوز للناس أن يغتابوه؟
د. العباس: لا غيبة لفاسق. وأيضاً حتى الظن السيء به لا يدخل في الظن السيء الذي نهي عنه في الاية كما بيّنا لأن النهي عن الظن السيء في الاية إنما هو الظن السوء بمن ظاهره الصلاح أما من ظاهره القبح ويُجاهر بالمعصية فإننا لا نقول رأيناه يعمل معصية فنقول لعله يتوب، لا، هذا يُظنّ به بما هو واقع فيه.
د. عبد الرحمن: جميل. والسؤال يا دكتور العباس أن البعض قد يدخل في الغيبة من هذا الباب ويقول هذا مجاهر بالفسق هذه مسائل غير منضبطة فمثلاً قد يقول أحدهم أنا أغتابه لأنه مجاهر بالفسق، ما هو الضابط؟ قد لا يكون كذلك فعلاً فتعود المسألة إلى مسائل قلبية كل إنسان يحاسب نفسه في هذا.
د. العباس: في المجالس التي يكثر فيها مثل هذا بعض أهلها يحتج بأن هذه من الاستثناءات وزادوا على الأصناف الستة أضعافها وهذا طبعاً من يسر وسماحة الشريعة أن يوجد استثناءات لبعض المحرمات. لكن ينبغي على الإنسان ألا يتوسع في ذلك وأن يدخل فيها ما ليس فيها وأن يستمتع بهذا الأمر وأن يعده من تلك الاستثناءات.
د. عبد الرحمن: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) النور). بقي معنا أربع دقائق دكتور العباس لعلك تختم بما تراه.
د. العباس: هناك تنبيه مهم فيما يتعلق بالآية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) نحن اتفقنا على أن التفاضل إنما يكون بالتقوى وبالإيمان وبالمنزلة عند الله عز وجل لكن هذا الأمر لا يُلغي أن هناك مراحل أو مراتب ثانية يكون فيها التفاضل. كما نبه على ذلك بعض أهل العلم في معنى الآية أنه لا ينافي أن يكون للناس مكارم أخرى في المرتبة الثانية بعد التقوى. التقوى هي المنزلة الأولى التي ينبغي أن لا يتجاوزها أحد في تفضيل أحد على أحد لكن ربما يكون هناك صفات عند بعض الناس لها أثر في تزكية النفوس مثل حسن التربية ونقاء النسب والعراقة في العلم والعراقة في الحضارة وحُسن السمعة في الأمم في الفصائل وفي العوائل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”.
د. عبد الرحمن: وايضاً في سورة المجادلة (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11) المجادلة) وقال سبحانه وتعالى (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ (32) الزخرف)
د. العباس: فالمراد أن هذه القاعدة الشرعية والتفاضل بالتقوى لا يلغي أن في الناس صفات أخرى يتفاضلون بها ولكن الميزان الأول وسبب التفضيل الأول هو التقوى والإيمان فإذن تساوى الناس فيه عندنا مراحل أخرى ومراتب أخرى وصفات أخرى ننظر هل تساوى الناس فيها أم لم يتساووا؟
د. عبد الرحمن: وأذكر أبياتاً تدعم ما تقول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما يقول:
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
فجعل الفضل لأهل العلم بهذه الخصيصة خصيصة العلم وقد ميّزهم النبي صلى الله عليه وسلم وميزهم الله في القرآن الكريم. فالبعض فعلاً قد يغيب عنه الربط بين هذه الاية وبين حقيقة التفاضل (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فيظن أنه لا ينبغي التفضيل إلا على هذا الأساس، هذا صحيح ولكن هناك كما تفضلت مراحل أخرى. شكر الله لك يا دكتور العباس وفتح الله عليك فيما تفضلت به في هذه الآيات الكريمة والحقيقة أن الآيات مليئة بأشياء أخرى ضاق الوقت عن التفصيل فيها والحديث عنها ولا سيما بعض الجوانب البلاغية التي في بعض الآيات لكن لعل ما تفضلتم به يكون باباً ومفتاحاً للإخوة المشاهدين للإستزادة والتوسع في معاني هذه الايات. أشكرك يا دكتور العباس واسأل الله أن يتقبل منك. أيها الاخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً أشكر فضيلة الدكتور العباس بن حسين الحازمي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أمين الجمعية العلمية السعودية وعلومه على ما تفضل به كما أشكركم أنتم أيضاً على تفضلكم بالمتابعة وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالعلم وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته في الدنيا والآخرة وحتى ألقاكم في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى وأنتم بخير أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
راوبط الحلقة المرئية والمسموعة
جودة عالية ممتازة avi
http://ia301537.us.archive.org/0/ite…irmobasher.avi
جودة متوسطة wmv
http://ia301537.us.archive.org/0/ite…irmobasher.WMV
جودة عالية ممتازة ogv
http://ia301537.us.archive.org/0/ite…irmobasher.ogv
جودة عالية ممتازة mp4
http://ia301537.us.archive.org/0/ite…sher_512kb.mp4
جودة موبايل 3GP
http://ia301537.us.archive.org/0/ite…irmobasher.3gp
جودة صوت ممتازة mp3