التفسير المباشر – الحلقة 64:
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة 19/6/1430هـ
تفسير سورة ق.
الآيات محور الحلقة : 19- 25
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذا اللقاء المتجدد التفسير المباشر الذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية بمدينة الرياض. لا زال حديثنا متصلاً في تفسير سورة ق من أول حزب المفصل وقد وقفنا في اللقاء السابق عند قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾). وسوف نواصل بإذن الله في هذه الحلقة تفسير هذه الآيات الكريمة من سورة ق. بداية أرحب باسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون الكرام بضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن علي الحكمي، الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه .فحيّاكم الله يا شيخ إبراهيم.
د.. إبراهيم: حيّاكم الله والإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات.
د. عبد الرحمن: وللمشاهدين الراغبين في المشاركة معنا في هذه الحلقة يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة:.
من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599
ومن خارج السعودية: 00966920009599
وللتواصل بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111
أو يمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]
قبل أن نبدأ في تفسير هذه الآيات الكريمة نستمع إليها مرتّلة ثم نبدأ بتفسيرها.
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿٢١﴾ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿٢٢﴾ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴿٢٣﴾ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴿٢٥﴾)
د. عبد الرحمن: لا شك أن الاستماع لهذه الآيات من أشد ما يعظ المسلم عندما يستمع إليها ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر من قراءتها على المنبر يوم الجمعة عليه الصلاة والسلام. نبدأ يا شيخ إبراهيم الآن في هذه الآيات العظيمة وفي تفسيرها للإخوة المشاهدين من قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾) وليتنا قبل أن نبدأ يا شيخ إبراهيم أن نربطها بما تقدم معنا في الحلقات الماضية.
د. إبراهيم: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. اللهم اشرح صدورنا ويسّر أمورنا واختم بالصالحات أعمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين. لا شك كما تفضلت بأن القرآن الكريم وخصوصاً ونحن نستمع إلى هذه الآيات وكفى بها مفسرة فإن القرآن كما قال الله عز وجل عنه (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) الشعراء) وقال سبحانه في هذه السورة في ختامها (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45)). هذا السورة العظيمة كما أسلفت أخي الكريم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بها اعتناء شديداً فيذكر بها سواء في الجمعة فخطب بها وقرأ بها على المنبر حتى حفظتها إحدى الصحابيات وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في الفجر تارة وفي الجُمَع والأعياد تارة أخرى. مما يذكر بها مما احتوته هذه السورة العظيمة من التذكير بالمبدأ والمعاد وعدل الله عز وجل في إنصاف عباده وفيما قدره الله عز وجل في كون هؤلاء الناس الذين خلقهم الله عز وجل منهم شقي وسعيد فذكر أحوال الأشقياء ومآلهم وأحوال السعداء ومآلهم أيضاً جعلنا الله وإياكم من السعداء. قوله سبحانه (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾) هذه السورة اعتنت في بدايتها بمسألتين مهمتين وكلاهما مرتبط بالآخر. المسألة الأولى هي التكذيب بكون النبي صلى الله عليه وسلم بشر فقال سبحانه (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ ﴿١﴾ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴿٢﴾) هذا المنذر تمنوا أن يكون ملكاً وقالوا (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف) تمنوا أن يكون عظيماً وتمنوا كذلك أن يكون ملكاً (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ (8) الأنعام) الأمر الثاني وهو المرتبط بهذا الملك لما كذبوه فيما دعا إليه وهو مسألة المبدأ والمعاد وأن هؤلاء الناس إنما خلقوا لعبادة الله تبارك وتعالى وأن بعد هذا الخلق والإيجاد أن هناك مبعث وهناك حشر وهناك حساب فأنكروا البعث والجزاء كيف يكون كما قالوا (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ ﴿١﴾ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴿٢﴾ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴿٣﴾) أي ذلك أمر عظيم. فلما أنكروا البعث والجزاء ذكر الله عز وجل حقيقة في كل نفس فقال سبحانه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴿١٦﴾) وهذا تقدم على مسألة الحقيقة وهي أن ذلك الأمر ليس بعيداً عن الله عز وجل لأنه قدمه بأمرين أيضاً (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) فلما أخبر بقدرته سبحانه على الخلق وكذلك أحوال الأمم السابقة أخبر سبحانه بمقدار علمه فقال سبحانه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) حتى وسوسة النفس لا تخفى على علم الله. ثم ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآيات أمارة على حقيقة هذا البعث وهذا الجزاء في نفس كل إنسان فضلاً عن الأمّة والخلق كلهم فقال سبحانه (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) فحينئذ هذا الموعد هو موعد تأكيد حقيقة الموت وحقيقة ما بعد الموت من البعث والجزاء والحساب (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) كانت هذه الآيات إنما هي تأكيد لهذا الموعد (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) السكرة هي ما يعتري الإنسان من الشدة وهذاب العقل وما تتغشاه ساعة الاحتضار ولذا كأن مسألة سكرة الموت هي كأنها ما يحصل لعقل الإنسان عند هذا اليوم الشديد كما يقال الإنسان حينما يشرب الخمر –عافانا الله وإياكم- يقول إن هذا الرجل ذهب عقله لأن به سكرة أو لأنه شرب الخمرة فأسكر عقله وأذهبه. كذلك ما يعتري الإنسان حين موته من شدة ومن آلام نزع الموت كأن تلك اللحظات كأنما هي سكرة من سكرات الموت يذهب بها عقل الإنسان. ولذا في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تغشّاه الموت كان يمسح العرق عن جبينه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ويقول إن للموت لسكرات إن للموت لسكرات. وها هو الصديق رضي الله وأرضاه لما تخبر عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين ما رأته من آثار لسكرات الموت على والدها وعلى زوجها قبل ذلك صلى الله عليه وسلم فأرادت أن تسلّيه فامتثلت قول حاتم:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشجرت يوماً وضاق بها الصدر
د. عبد الرحمن: يعني الروح.
د. إبراهيم: نعم، حشجرت في النفس فكشف عن وجهه رضي الله عنه وقال ليس ذلك ولكن قولي (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ).
د. عبد الرحمن: يعني هذا أولى بالاستشهاد من أبيات حاتم الطائي
د. إبراهيم: أولى بالاستشهاد. وفيه أيضاً تذكير للناس حين موتهم أن يعزّوا بالقرآن وأن يُقرأ عليهم القرآن وأن يُذكروا برجاء الله عز وجل وما عند الله عز وجل من الخير لمن كان على الطاعة والامتثال عند الله تبارك وتعالى فيذكر أيضاً بصالح أعماله ونحو ذلك لا يُذكر بأن يقال فلان نعرفه مرض مثل مرضك ومات.
د. عبد الرحمن: .يذكرون موقفاً لمعاوية رضي الله عنه أنه جاءه أحدهم من أعدائه يزوره وهو في مرض الموت فلما قيل لمعاوية فلان بالباب فقال أجلسوني حتى لا يراني في موقف ضعف واستشهد لما دخل الرجل هذا بقول الهُذَلي عندما يقول:
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
فقال له الزائر البيت الذي يليه يا أمير المؤمنين
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
“وإذا المنية أنشبت أظفارها” هي نفس معنى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ).
د. إبراهيم: .لكن القرآن أبلغ فهما قُرئ هذا البيت لا يمثل أثره ككتاب الله عز وجل وكآياته. لو عدنا إلى هذه الآيات في قوله سبحانه وتعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) كأن هذا إنذار عظيم وإشعار لأن هذا الأمر الذي جاء ليس فيه للإنسان الذي هرب وليس الإنسان الذي حاول مهما بجاهه وبمناصبه أن يفر من ذلك أو حتى في عناده (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) وهي سكرة الموت يجد آثرها ويجد آلآمنها ويجد ما يذهب عقله (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي هذا اليوم الذي كنت منه تفر وكنت منه تهرب وكنت تضع أمامه العراقيل كما يظن الإسنان فأحياناً قد يظن الإنسان أن بثروته وجاهه يستطيع أن يتعالج في أرقى المستشفيات وفي أرقى الأماكن ويستدعي إلى بلاده بماله أبرع وأروع الأطباء يستشيرهم.
د. عبد الرحمن: وكلنا نفر من الموت بطلب العلاجات
د. إبراهيم: وهو أمر لا نقول أنه أمر محرّم بل الإنسان يعمل بالأسباب لكن أحياناً بعضهم تجد في شره وجلد عظيم لا يريد أن يصل إليه الموت ولذا يقول تعالى قاطعاً لهذه الآمال (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78) النساء). روي في بعض الآثار أن رجلاً جاء إلى سليمان عليه السلام وكان من جلسائه فجاء ملك الموت إلى سليمان فبعد أن ذهب ملك الموت وإذ بهذا الجليس لسليمان عليه السلام يسأله من هذا؟ قال هذا ملك الموت ولم يكن بهيئته كما كان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بغير هيأته وهذا الذي يظهر والله أعلم أن الملك جاء بغير هيأته فأنكره هذا الجليس فخاف منه فأمر سليمان أن يسخر له الريح أن تحمله إلى بلاد الصين ثم جاء ملك الموت إلى سليمان مرة أخرى فقال أين جليسك؟ فقال لقد خاف منك وفرق فأمرني أن أطلب من الريح أن تحمله إلى بلاد الصين فقال سبحان الله أمرني الله أن أقبض روحه في تلك البلاد فهو فر من الموت إلى الموت، (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78) النساء). في هذا المسألة الآن نسمع في بعض القنوات ونقرأ أحياماً في بعض الصحف من يشن الحملات على أهل الخير والخطباء وعلى الدعاة أن هؤلاء لا يعرفون إلا ثقافة الموت، ما عندكم إلا الموت والقبر؟! هذه حقيقة ذكرها الله عز وجل في كتابه وخوّف بها عباده وجعلها حقاً سبحانه وتعالى فقال (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (185) آل عمران) و(كل) من ألفاظ العموم يعني أنها تستغرق كل شيء، فملك الموت الذي أخاف منه أنا وأنت وجميع الناس لم يترك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لم يترك البشر وسيأتيه الدور فيموت ملك الموت وهذا ما يعنيه قوله (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ) وقال في الآية الأخرى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴿٢٦﴾ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴿٢٧﴾ الرحمن) لكن يدعوني هذا الأمر أيضاً أن أنبه أحياناً بعض الناس من باب حرصهم على الخير يكتب بعض الأوراق من القصص التي يريد أن يذكِّر بها الناس وأحياناً تكون القصص مختلقة قصص غير صحيحة وإرادة الخير ليست سبباً أو ليست مبيحة لمسألة أن نكذب على الله عز وجل أو نكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ونوح الجامع ويقال نوح الوضّاع ونوح ابن أبي مريم ونوح الكذاب قد أراد أن يرغب الناس في كتاب الله عز وجل فكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بعدد سور القرآن 114 حديثاً جعل فضيلة لكل سورة، كل سورة من سور القرآن قد جعل لها حديثاً إختلقه من عنده قيل له لِمَ ذاك؟ قال لما رأيت الناس قد أعرضوا عن كتاب الله فأردت أن أرغبهم فيه. فكذلك ليست إرادة الخير والسعي إليه ليس مبيحاً أن نكذب في القصص وفي الأخبار لأن نذكِّر الناس وكفى بكتاب الله عز وجل وكفى بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابت منها تذكيراً وموعظة للعباد. بالله عليك من لم يتعظ بكتاب الله عز وجل تأتي له بقصة أن هناك امرأة لما دُفنت أو أن شاباً تغير وجهه لأنه كان يشرب الدخان فهذه معاصي قد توجب من الله عز وجل سخطاً على عبده أو كذا لكن أن نجرم أن هذا كان من هذا السبب أو أن هذا قد حصل له بموته أو أن هذا قد كُشف عليه وأن إنساناً رأى في موته كذا وكذا فالرؤى والمنامات لا تثبت عليها أحكام شرعية. عودة للآية قوله (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) هذه قراءة الجمهور هناك قراءة شاذة يستفاد منها في التفسير والشاذة ما انتقص منها شروط القرآءة الصحيحة وهي ما جمعها ابن الجزري وغيره في قولهم “وكل ما وافق وجه نحوٍ أو كان للرسم احتمالاً يحوي أو صحّ إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان” فالقراءة الشاذة هي ما اختل منها شرط من شروط القراءة الصحيحة وهي اتصال السند وموافقة العربية ولو بوجه وموافقة الرسم العثماني، فهذه قراءة شاذة يقال عنها قراءة شاذة ليست قرآءة صحيحة معتبرة يستفاد منها في التفسير. (وجاءت سكرة الحق بالموت) وهي قراءة أبي بكر الصديق وجمع من السلف الصالح وقال ابن جرير رحمه الله وهو عمدة المفسرين توفي سنة 310 للهجرة وله كتاب عظيم وهو “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” وهو مرجع لا يستغني عنه طالب العلم في هذا الباب. جاء في هذا التفسير توجيه لهذه القراءة (وجاءت سكرة الحق بالموت) فيراد بالحق هنا على أنه هو الله عز وجل “وجاءت سكرة الله الحق بالموت” يعني سكرة الله الذي هو الحق بالموت. والمعنى الثاني الذي أورده رحمه الله وجاءت سكرة الحق بالموت كأنه تفسير لكلمة الحق وبيان لها فالشاهد أن هذه هي الحق وأن هي النهاية التي لاينفع معها حينئذ لا طبيب ولا ينفع معها صديق ولا ينفع معها قريب ولا أن يهب الإنسان من عمره لغيره من حبيب وصديق. (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ذلك ما كنت أيها الإنسان على عامته سواء كان المسلم أو الكافر ذلك ما كنت منه تحيد، كلنا نهرب من الموت ولكن الإنسان أيضاً مطالب أن يعيش بتوازن لا ينبغي للإنسان أن يقول أنا ميّت ويجلس مكتوف اليدين يقول ما أحتاج أصلي، ما أحتاج أصوم، ما أحتاج أن أتكسب لي ولأولادي، هذا ليس صحيحاً والله عز وجل (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك) يعني هناك رجعة ولهذا نجد أن هذا الدين العظيم قد راعى متطلبات الروح والجسد (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (77) القصص) ولذا وازن المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى في دعائه “اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي” وقال في حديث ابن عمر “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخراك كأنك تموت غدا” ولهذا قال بعض السلف لو قيل لي أن القيامة غداً ما غيرت من عملي شيئاً يعني مستعد. فالمقصد أن الإنسان يعيش بالتوازن يبذل لكن يجعل أيضاً لطاعة الله نصيباً من حياته. بل إن هذه العادات من الكسب والرزق والتعامل وغيرها من الأمور هي من العبادات متى ما اقترنت بالنيات ولذا قال السلف الصالح رحمهم الله: إن العادات بسبب النيّات تقلب إلى عبادات. (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾) حقيقة كل آية تحتاج إلى أن يوقف عليها في حلقة. (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾) كأن المعنى والله أعلم أنه لما أتى بالقيامة الصغرى التي هي قيامة كل إنسان بفرده أتى بمتعلق القيامة الأخرى وهي مسألة النفخ لأن النفخ في الصور هنا كما هو عند مذهب جمهور العلماء على أنه نفخة البعث. ويتقدم هذا النفخ نفختان على قول ونفخة على قول آخر. فيتقدم هذه النفخة نفخة الصعق يصعق بها من بقي على قيد الحياة (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ (68) الزمر) هذه نفخة الصعق (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) الزمر) هذه نفخة البعث. وجمهور العلماء وأكثر المفسرين وعلماء الاعتقاد على أنها نفختان، بعضهم زاد نفخة ثالثة وقال هي نفخة الفزع (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) النمل) فجعلها نفخة أخرى. وعلى أي كان في هذا غير أن المقصود في هذه الاية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أنها نفخة البعث.
د. عبد الرحمن: ما المقصود بالصور؟
د. إبراهيم:.الصور فسره النبي صلى الله عليه وسلم وإذا النبي صلى الله عليه وسلم فسّر شيئاً سمعنا وأطعنا. الصور هو قرن عظيم ففسر النبي صلة الله عليه وسلم الصور بأنه قرن عظيم وقد أوكل الله عز وجل به منذ أن خلق الله السموات والأرض ملكاً وهو إسرافيل عليه السلام.
د. عبد الرحمن: ينفخ فيه نفخاً حقيقياً كما يُنفخ في البوق.
د. إبراهيم:.صور عظيم وهو صور حقيقي وهو أشبه بالبوق الآن. وقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “كيف أهنأ وقد التقم صاحب القرن القرن” أي أن إسرافيل عليه السلام قد وضع القرن في فمه يستعد للنفخ، قال وينتظر متى يؤذن له أو كما قال صلى الله عليه وسلم، يعني متى يأمره الله عز وجل ينفخ مباشرة يعني بخلاف من يضع الصور في جانب، الآن ينتظر وقد أحنى رأسه إسرافيل عليه السلام ينتظر أمر الله عز وجل فينفذ وهكذا ملائكة الله عز وجل. قال الله عز وجل عنهم (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) الأنبياء) وقال (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم) هذا النفخ العظيم يسمعه الجميع من بقي، النفخ الأول الذي هو نفخ الصعق. النفخ الذي معنا (وَنُفِخَ فِي الصُّور) هذا لجميع الخلق (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس) يخرجون يخرج جميع الخلق ولا يدرون إلى أين يتجهون ثم تصور المشهد مشهد عظيم يخرج الناس حفاة عراة غرلاً غير مختونين ولا يدرون أين يتجهون، تصور الناس يخرجون من قبورهم وإذ بهم يتجهون إلى أرض المحشر.
د. عبد الرحمن: ثم هنا اختصر فقال (وَنُفِخَ فِي الصُّور) وترك الصورة.
د. إبراهيم:.ترك الصورة وهذا منهج القرآن ليتصور الإنسان ويذهب إليه كل مذهب، هذا جانب. والجانب الآخر وهو أن القرآن مثاني وأن القرآن يفسر بعضه بعضاً فما أُجمل في موطن فسر في موطن آخر وما أُجمِل في القرآن كله قد بينته سنة النبي صلى الله عليه وسلم (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (44) النحل). قال (وَنُفِخَ فِي الصُّور) تأمل هذه العبارة! ما الذي يحدث؟
د. عبد الرحمن:.قال (ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)
د. إبراهيم:. يعني هذا هو اليوم الذي أُنكر سابقاً (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) كيف يحصل بعث؟ كيف يحصل جزاء؟ كيف نرجع إلى أجسادنا؟ ذلك كله ليس على الله عز وجل بعزيز وليس على الله عز وجل بمعجز (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أفعجزنا عن الخلق الأول؟ وقال عن نفسه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس). (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) هذا اليوم الذي غفل عنه الغافلون وعاند لأجله المعاندون وأرسل لأجله الرسل عليهم السلام فقالموا بحجة الله ودعوا إلى مسألة البعث والجزاء والحساب ولاقى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن العظيم لاقى ما لاقى في تكذيب بعثته صلى الله عليه وسلم في ما دعا إليه في مسألة البعث والجزاء (ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) والأعظم من ذلك أن الناس حتى لما تقرأ القرآن ومن يسمعه من أهل الشرك كأن القرآن قد أعذر العباد جميعاً حتى لا يقول قائل ما بلغني هذا.
د. عبد الرحمن: يعني أقام الحجة على الجميع
د. إبراهيم: أقام الحجة على الجميع. ولذا لما سمع المطعم بن جبير لما سمع سورة الطور قال وذلك أول ما وقر الإيمان. انظر أثرت فيه حتى وقر الإيمان في قلبه تذكر أن هذه السورة لما سمعها. فما بالك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في محفل عظيم وهذا السورة مكية بالجملة في قول الجمهور عدا آية اختلف فيها (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)) فقيل إنها مدنية. فكانت تقرأ في مكة أيضاً وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها وكان المشركون يستمعون إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) حينئذ تظهر أمارة من أمارات يوم الوعيد وما يحصل فيه (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)
د. عبد الرحمن: سبحان الله، لاحظ كيف يقول (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) كأنها كانت على موعد ثم قال (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) إشارة إلى أنهم كلهم يستجيبون إلى الداعي.
د. إبراهيم: لأن هذا المجيء ليس بإرادتهم هم إنما كل ما في الكون سواء في الدنيا أو الآخرة يسير بإرادة الله بأوامر الله عز وجل فالجميع داخل في أمره سبحانه وتعالى سواء شاء أو لم يشأ. (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) جمهور المفسرين يرون أن السائق الذي يسوقها هو ملك، السائق لأنه يسوقها يتقدّم عليها. وأما الشهيد فقيل أيضاً أنه ملك وهذا اختيار ابن جرير عمدة المفسرين فيرى أنهما ملكان سائق وشهيد، فالشهيد ملك يشهد على عمله
د. عبد الرحمن: وهذا الذي يظهر يا شيخ إبراهيم لأنه يوم القيامة ليس هناك إلا الملائكة.
د. إبراهيم:. وهذا هو الظاهر حتى اختيار ابن كثير رحمه الله فوافق ابن جرير على ما اختاره من ظاهر النص وظاهر الآيات وهو ما يرجح به المفسرون أحياناً فيقال سياق الآيات من سباقها ولحاقها يدل لأنه قد تقدم في قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿١٦﴾ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿١٧﴾) فهما ملكان فهذا من تتمة القول. وقد يصح أيضاً أن يفسر كما فسره بعضهم في مسألة الشهيد أنه إسم جنس يشمل على كل من يشهد على الإنسان
د. عبد الرحمن:. يطلق على كل من يشهد على الإنسان من الملائكة ومن الجوارح
د. إبراهيم: أحسنت. ومن تأمل في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجد في قول الله عز وجل (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) غافر) وقيل كثيراً في كلمة الأشهاد وأعظم الأشهاد هو الله عز وجل كما قال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام
د. عبد الرحمن:. أستأذنك يا دكتور إبراهيم في فاصل ثم نعود إلى مواصلة حديثنا وأستأذنكم الإخوة المشاهدين الكرام في فاصل ثم نعود ونواصل حديثنا عن هذه السورة العظيمة..
——————–فاصل——————-
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام بعد هذا الفاصل ولا زال حديثنا متصلاً عن قوله تعالى (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) في سورة ق مع ضيفنا الكريم فضيلة إبراهيم بن علي الحكمي. وقفنا عند قوله (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) وذكرت الخلاف المقصود بالسائق والشهيد.
د. إبراهيم: قلنا السائق هو ملك يسوقها إلى أرض المحشر وأما الشهيد فهو ملك أيضاً يشهد عليها والسياق يدل على ذلك. ولا يمنع أن يكون أيضاً الشهيد إسم جنس يشمل جميع من يشهد وقلنا أن القرآن قد استفاض في الذكر في الأشهاد أيضاً كما في قوله تعالى (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) غافر) والله عز وجل هو أعظم الأشهاد كما قال عيسى بن مريم عليه السلام (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) المائدة) وقال في آيات أخرى (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) الفتح) وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام يشهدون لكن شهادتهم بتليغ دين الله (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء (89) النحل) فهم يشهودن على تبليغ دين الله لالى أعمال العباد فيما لم يحضروه أنا ما حضروه فيشهدون الأنبياء عليهم السلام. كذلك من الأشهاد الذين جاؤوا في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم “أنتم شهداء الله في أرضه” لما مرت جنازة فأثنوا عليها خيراً ثم مرت جنازة فأثنوا عليها شرّاً فقيل وجبت قال ما وجبت؟ قال أثنيتم عليها خيراً أنتم شهود الله في أرضه.
د. عبد الرحمن: والجوارح تعد من الأشهاد (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور)؟
د. إبراهيم: ومن الأشهاد ما ذكره المفسرون في مثل هذا أيضاً أن العمل يكون شاهداً على العبد وما تفضلت به من مسألة شهادة الجوارح وهي أعظم الأشهاد بالنسبة إلى الخلق لأن الإنسان يتحرز من الناس أن لا يروه ولذا تحصل المعاتبة والملاعنة بين هذا الإنسان فقال الله عز وجل (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ (21) فصلت) جاء في الحديث تتمة لهذا المعنى قالوا تباً لكنّ وسحقاً، من أنطقك؟ عنكن كنت أجادل، كنت أدافع عنكن، أمتِّع هذا البصر، أمتِّع هذا السمع، أمتّع هذا اللسان من أنطقك؟ (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ) أي تظنون أو تستيقنون على المعنى الآخر (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ (23) فصلت) إذن (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ). (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) لما جاء هؤلاء الأشهاد ظهر أمر آخر كان غائباً على هذا الإنسان أو كأن هناك غطاء من جسده بنفسه وحجاب وستر منع عنه النظر إلى حقائق الأشياء لم يكن له بصراً نافذاً وسمعاً ثاقباً ولم يكن له لساناً ينطق به بالحق (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) غفل عن هذا اليوم فلم يعمل له، غفل عن شهادة هذه الأعضاء غفل عن علم الله عز وجل وقدرته وهذه الغفلة قد تعتري الناس وليس شرطاً أن يكون كافراً ملحداً بل قد يوصف بها من الصالحين حتى قيل في المعنى المقصود في (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) أن المقصود بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم أي لقد كنت في غفلة عن هذه الرسالة وعن هذا القرآن (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا (49) هود) ولكن المعنى قيل أنه الكافر وقيل أنه عامّ يشمل البر والفاجر وهو المختار والراجح عند المفسرين أنه يعم البرّ والفاجر والمؤمن والكافر كل إنسان تعتريه من الغفلة بنسبتها يُقلّ أو يُكثر (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا) قد تكون هناك أمور دقائق سواء كانت في إخلاص الأعمال أو نحوه تغاب عنك فيقال له يوم القيامة (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ) هذا الغطاء شبهه الله عز وجل بغطاء ولم يكن هناك غطاء ولكن هذه الغفلة أشبه بالشيء الدقيق اليسير الذي كان حاجباً على هذه العين وحاجباً على ذلك القلب فلم يهتدي إلى خير. (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أي بصرك قوي نافذ يرى حقائق الأمور والحديدمن البصر من الحِدّة حتى إني سألت اليوم طبيباً مختصاً من أطباء البصر والعيون فقلت ما التعبير عندكم في مصطلح (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) قال هو الذي يستطيع تحديد الأشياء المحددة كمن ينظر إلى شاشة يعرف ما بداخله كأن هناك إطار بخلاف النظر لمكان عام لا تستطيع أن تتنبه لجميع ما فيه. من ينظر الآن إلى الشارع بكبره وما فيه من السيارات ونحو ذلك لا يستطيع أن يلتقط كل شيء فيه بخلاف من ينظر إلى شاشة صغيرة محددة وهذا من دقة النظر. كذلك ينظر إلى هذه الأمور مهما اتسعت كمن ينظر إلى هذه الشاشة بصغرها يعني يركز وينظر إليه ببصر ثاقب (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)، يقول الله عز وجل (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا (179) الأعراف)
د. عبد الرحمن: هم يبصرون ويسمعون لكنهم لا يستجيبون
د. إبراهيم:. (أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الغفلة كانت سبباً ومانعاً لهذه الحواس أن تدرك بها حقائق الأشياء (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). الآن تنتقل المسألة إلى أمر آخر وهي مسألة التبري ومسألة المعاتبة فانتقل للحوار (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) الملك هنا كأنه يقول يا الله هذا الذي فعله هذا العبد حاضرٌ أمامك جاهز فهذا العبد وهذا عمله. ولله المثل الأعلى من يثذهب به من العسكر ليؤتى به ويسمى الخفارة فيؤتى به مخفوراً يقال هذا الرجل الذي طُلِب، فكأن الملك يقول – ولله المثل الأعلى – يا رب هذا عبدك بين يديك هذا عبدك بذاته وهذا عبدك بعمله (مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) جاهز أمامك.
د. عبد الرحمن: ويأتي العمل مكتبواً كما جاء في القرآن (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا (49) الكهف) (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) الإسراء)
د. إبراهيم: هذا العمل لا شك أنه مكتوب فيوزن العمل بنفسه ويوزن صاحبه وتوزن الكتب أيضاً.
د. عبد الرحمن: أستأذنك يا شيخ إبراهيم معنا اتصال.
الأخ محمد من السعودية: هل يمكن تفسير هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة)؟ هل هناك حيوان فوق البعوضة؟
د. عبد الرحمن: (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ)
د. إبراهيم: هذا ما لدي جاهز محضر بلا زيادة ولا نقصان لم نفتري على هذا العبد كل ما اكتسبه العبد مسجل عليه وجاهز يا الله ما ظلمناه. فبعد أن تظهر أمارات ذلك الأمر وقلنا أن هذه الآيات لها من المعنى أن هناك يحصل بعد ذلك وضع الموازين وتنشر الدواوين ويحصل الحساب ويأخذ هذا كتابه بيمينه وهذا كتابه بشماله فلما تظهر حقيقة هذا العبد فيقول الله عز وجل (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) القائل هنا هو الله عز وجل وقد حُذفت الإشارة إليه للعلم به (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ). قالوا في مثل هذه العبارة (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ) باعتبار أنهما ملكان فقيل (ألقيا) وبعضهم قال أن هذا على عادة العرب أحياناً في التعبير عن المفرد بالمثنى أو الجمع يعبّرون عنه كقوله
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل
د. عبد الرحمن: وهو يقصد واحد
د. إبراهيم: وهو يقصد واحد ولكن الأولى أو الأظهر في المعنى أنهما ملكان كما في سياق الآيات.
د. عبد الرحمن: أستأذنك بأخذ إتصال من الأخ عادل من السعودية
الأخ عادل من السعودية: الأعمى الكفيف هل يرى ملائكة الرحمة والعذاب عند الموت؟
الأخ تركي من السعودية: أرجو من الشيخ أن يتوجه بكلمة لبعض الأشخاص الذين لهم باع طويل في أعمال الشر الجارية وأريد أن يبين لهم خطر هذا الموضوع حتى بعد مماته.
د. عبد الرحمن: بقي معنا ما يقارب الخمس دقائق يا دكتور إبراهيم. الأخ محمد له سؤال في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) هناك قول بين بعض أهل العلم أن هناك مخلوق صغير فوق البعوضة.
د. إبراهيم:.للأسف هذه منشؤها الكثير من الاهتمام بالمسابقات والاهتمام بالألغاز والأحاجي فيجعلونها في نظري من التكلف جمهور المفسرين لهم قولين مشهورين فيها في قوله (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا) حتى بعض القرآء يقف على (ما) يعني أيّ مثل كان. (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) قالوا هنا (فما فوقها) إما أن يراد به ما فوقها في الكبر يعني أكبر منها أو ما فوقها في الدقة المتناهية بمعنى أصغر منها وهذا معروف عند العرب، (فما فوقها) في الدقة والصغر أو فما فوقها في الكِبَر وهذا بناء على مسألة المشركين قالوا أن الله عز وجل أعظم من أن يضرب الأمثال كقوله العنكبوت والحمار من الأمثال التي جاءت في القرآن فقال (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة)
د. عبد الرحمن: والعبرة دائماً في المثل بمضمونه. الأخ عادل يقول الأعمى والكفيف هل يشاهد هذه المشاهد في الآخرة أم أنه يبقى أعمى؟
د. إبراهيم: الله عز وجل أخبرنا بأخبار الساعة والمؤمن مطالب بالإيمان بها هل يجعل الله عز وجل لهذا الإنسان يكشف الله بصره؟ الله أعلم وعلى الإنسان أن يهتم بالعمل.
د. عبد الرحمن:. الأخ تركي كأنه يشير إلى الآيات التي معنا لكن ما بقي معنا إلا دقيقة في قوله سبحانه وتعالى هنا في صفات الذين يلقون في جهنم (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (26))يقول لو يوجه الحديث لهؤلاء الذين يتصفون بمثل هذه الصفات.
د. إبراهيم: ذكر الله عز وجل في الايات بعدها ذكر أوصاف أهل النار وذكر ست أوصاف (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ولم يقل كافر لأن الكفر متأصل فيه وهي صيغة مبالغة أي شديد الكفر.
د. عبد الرحمن: إسم الفاعل كافر وصيغة المبالغة كفّار
د. إبراهيم: يعني كأن الكفر متأصل فيه فهو كافر في نفسه وأيضاً كفار لنعم الله عز وجل كلها. (كَفَّارٍ عَنِيدٍ) معاند في نفسه ومعاند لدين الله عز وجل. (مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ) هو حرم نفسه من الخير وحرم أيضاً غيره من الخير كما قال الله عز وجل (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) النساء) هم وقعوا في الشهوات لكن أرادوا أن تكونوا مثلهم ولذا قال ابن جرير رحمه الله في هذه الآية ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من طلاب الزنا ونكاح المحارم أن تكونوا مثلهم فتقعوا فيما وقعوا به. أُجمِلأ القول في أن أذكِّر أن الإنسان لا يكون استاذ إبليس كما قال الشاعر
كنت امرءاً من جند لإبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي
فتجد أحياناً من الناس الآن في زماننا هذا أنه يسلِّط ثروته ويسلط جاهه في الصد عن سبيل الله عز وجل وعن القرلآن. وأحياناً في كتاباته ومقالاته أن يعارض كتاب الله عز وجل (مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ) يسوؤه أن يجد حِلَق القرآن يسوؤه أن تنتشر مشاريع الخير يسوؤه أن تنتشر شريعة العفة في المجتمع في نساء المسلمين يسوؤه ذلك فتجد أنه أحياناً يدفع بماله أو أن يعظم النكرات لترتقي بهم في ظنه ويمجِّد هؤلاء النكرات فيرتع بماله وما دري هذا المسكين أن الأمر كما قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً (36) الأنفال) فهذا الإنسان إذا مات فستكون عليه حسرة هذه الأموال فليتقِ الله عز وجل فكفى بهذه الآيات وعيداً لأوصاف أهل النار فإن في المقابل جاء وصف أهل الجنة في الاية التي تليها قال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)) أواب يعني رجّاع. فهذا عنيد وهذا رجاع ومن قارن بين الفرقين اعتبر واتعظ وقال تعالى (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) وهذه الآية تحتاج حقيقة إلى وقفات كثيرة ولكن الوقت انتهى. نسأل الله أن يتقبل.
د. عبد الرحمن: هذا ما سيحدث إن شاء الله في الحلقة القادمة أننا نقف عند هذه الآيات بشكل موسع. شكر الله لك يا دكتور إبراهيم وجزاك الله عنا خيراً
د. إبراهيم: وشكر الله لك على إتاحة هذه الفرصة.
د. عبد الرحمن: أيها الأخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً نشكر فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن علي الحكمي، الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه على تفضله بإجابة الدعوة وتفسيره هذه الايات الكريمة. حتى ألقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة وأنتم على خير أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=======================================
رابط الحلقة (فيديو)
http://ia301518.us.archive.org/3/items/eltafseerelmobasher120609/eltafseerelmobasher120609.WMV
رابط الحلقة (صوت)
http://ia301518.us.archive.org/3/items/eltafseerelmobasher120609
/eltafseerelmobasher120609.mp3