برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر – رمضان 1430 هـ – الجزء 15

اسلاميات

التفسير المباشر – الجزء 15

ضيف الحلقة الدكتور عويض العطوي

نتحدث حول الجزء الخامس عشر يشتمل على سورة الإسراء ومعظم سورة الكهف وسنحاول أن ندخل في القضايا التي تخص كل سورة والتناسب بين السور وسنتحدث عن بعض القضايا العامة في السورتين.

سورة الإسراء وسورة الكهف سورتان مكيتان. ننظر إلى السورتين أولاً من خلال عدد آياتهما تختلف بآية واحدة (110 و111) وهناك تكميل بين السورتين فسورة الإسراء تتحدث عن الرسول وتعظيم شأنه بينما تتحدث سورة الكهف عن الرسالة بجميع تفصيلاتها. عندما نتحدث عن الرسول كشخص والآيات التي دعمها الله تعالى بها سنجد تفصيلاتها أكثر في سورة الإسراء بدليل قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وكأن هذه الرحلة التي سميت السورة بإسمها وإن كان لها تسمية أخرى (بني إسرائيل) لكن هذه التسمية بهذه الحادثة التي جعل الله تعالى التعليل الوارد فيها (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) والمتأمل في داخل السورة يمكن أن يجد عشرات المواقع التي وردت فيها كلمة آية وآيات وكلها دلائل إما تكون كونية أو من تاريخ قديم لتدعيم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. إذن بداية السورة تفتح لأي شخص الموضوع الرئيس. في سورة الكهف في بدايتها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) بداية الحديث عن الكتاب وفي سورة الإسراء الحديث عن الرسول وإن كانت تحدثت السورتين عن الرسول بصفة (عبد). لماذا يصفه بالعبودية في هذه المواطن الشريفة نزول الكتاب والإسراء؟ يبدو أن هذا ظاهر أن منزلة العبودية هي المنزلة الأعلى وبما أن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله هليه وسلم في هذين الموطنين وصف العبد فإذن العبودية هي اشرف ما يكون. وفي سورة الكهف نجد الإنصياع لأمر الله وهي العبودية وعدم الفسق عن أمر الله الذي ورد في سورة الكهف عن قصة إبليس (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50)) وكأن القصص الأخرى التي نجحت ليس فيها هذا وإنما فيها عبودية لله. إذن نحن أمام (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) في الإسراء وأمام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) في الكهف تتحدث السورة عن الرسول وفي أشرف شيء وفي أظهر وأعظم آية حصلت له من الآيات المنظورة التي حصلت له كونه ينتقل من مكان إلى مكان وهذا يسوقنا إلى أن هذا الكتاب المنزل بعد ذلك وهو الآية الدائمة له صلى الله عليه وسلم جاء مناسباً بعد ذكر هذه السورة.

وقت نزول سورة الإسراء كان مناسباً له صلى الله عليه وسلم وهو في مكة بعد عام الحزن فأسري به وأُري هذه الايات العظيمة لتثبيته عليه الصلاة والسلام. هناك جانب ربط آخر بين سورة الإسراء والكهف إذا صحت الرواية قضية الأسئلة التي وجهت للنبي صلى الله عليه وسلم (الأسئلة الثلاثة: إسألوا عن فتية خرجوا من أرضهم وآووا إلى كهف وعن رجل طاف الأرض واسألوه عن الروح) فأجابت الكهف عن اثنتين (أصحاب الكهف وذو القرنين) وأجابت الإسراء عن واحدة (الروح)، هذا جانب ربط. ولذلك هذه القصص الأربعة الموجودة في سورة الكهف لو تأملت حادثة الإسراء لوجدتها تعطي إشارات القصص الأربعة كلها. قضية الإسراء كحادثة عظيمة وغريبة فيها جانب الانتقال التي في الكهف فالرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من مكان إلى مكان وفيها جانب البعد الموجود في قصة ذي القرنين طاف الأرض من مشرقها إلى مغربها وفي وقت وجيز وهذا يشبه طريقة الدجال في مسح الأرض. الأمر الثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم كشفت له علوم عجيبة في علم الغيب في هذه الرحلة كما كُشف لموسى عليه السلام.

وقفات بلاغية في سورة الإسراء:

سورة الإسراء من أول كلمة تواجهنا وهي (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) كلمة سبحان كونها بدأت في أول السورة هذه ليست السورة الوحيدة ولكن جاءت في سور أخرى إلا أن سورة الإسراء هي الوحيد التي جاءت بالمصدر والمصدر هو الأصل وجاء بعد سبح، يسبح وسبح فجاءت كل اشتقاقات التسبيح في بدايات السور. وغذا جاءت كلمات التسبيح من دون ذكر ما يدل على ذلك اي ليس هناك ما يدعو إلى التسبيح كأن يوصف الله تعالى بوصف لا يليق أو ينسب إليه شيء  يقال سبحان الله، لكن أحياناً تأتي سبحان الله بدون هذا كما في سورة الإسراء فدل ذلك على أن التنزيه ليس لأمر سابق بل لأمر لاحق فدل ذلك على أن الأمر الذي سيذكر بعدها أمر عظيم يستحق سبحانه وتعالى أن يسبح بسببه وذلك عسراء النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المعراج وهذه تدل على قدرة الله سبحانه وتعالى. وورد في السورة نفسها (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)). وسورة الإسراء هي السورة الوحيدة التي جاء فيها التسبيح على أوسع نطاق ممكن (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ (44)) إذا كانت السموات والأرض تسبح لله فمن نحن حتى لا نسبح؟! (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) ثم كل شيء يسبح بحمد الله لكن لا تفقهون تسبيحهم وهذه نقطة مهمة جداً في قضية ثبات الإنسان عندما يدعو إلى مبدأ صحيح، كون الناس لا ياخذون بكلامه يظن أن لا أحد يعبد الله، هذا غير صحيح فالكل يعبد الله وإنما قلة من الإنس والجن لا يعبدون الله فلا يشكلون شيئاً في خلق الله فبالتالي يرتاح الإنسان. ولهذا جاءت هذه السورة في عام الجزن لتدل على أن هذا الكون كله معك يا محمد ويسبح الله سبحانه وتعالى. ومن الآيات التي يسأل عنها دائماً في سورة الإسراء (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ (31)) مفتاح التعليل هنا هو (من إملاق) و(خشية إملاق) والإملاق هو الفقر الشديد فنتأمل في الآيات: خشية إملاق معناه أن الفقر غير واقع وأنه سيقع مستقبلاً والخوف على الأبناء لا على الآباء فقال (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) قدم رزق الأبناء لكن الآية الثانية وهذه طريقة أخرى للعرب بسببها كانوا يقتلون أبناءهم بسبب الفقر الحالي الموجود عندهم ليس عندهم شيء فيقتلون أولادهم فقال الله عز وجل (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ (151) الأنعام) الإملاق حاصل الآن للآباء وهم واقعون فيه وضمان رزق الآباء هو المقدَّم فقال (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ). ذكر الله سبحانه وتعالى القول في القرآن وأتمنى على الناس في رمضان الذي يجب ان نحرص فيه على حسن الكلام أن نقرأ أوصاف القول في القرآن التي يمدحها الله سبحانه وتعالى ستجد أن الله وجهنا توجيهاً جميلاً في هذه القضية ومن ضمنها (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53)) لم يقل الشيء الحسن وإنما الأحسن ثم قال (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) ما علاقة الشيطان بأن أقول كلاماً حسناً؟ لأن الشيطان ينزغ بينهم يجد مداخل بالكلمة السيئة فنقطع عليه الطريق بالكلمة الحسنة. فرصتنا في رمضان أن نعود أنفسنا على الكلمة الطيبة حتى لو سبه أو شتمه أحد يقول إني صائم فلنعود ألسنتنا على الكلمة الطيبة في هذا الشهر ونستمر بعده إن شاء الله. وكذلك قوله تعالى (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23)) لم يرد وصف القول بالكرم إلا في هذا الموضع. والكرم إعطاء الإنسان أنفس ما لديه ليس بالضرورة أن يكون كثيراً ولذلك قالوا اختيار أنفس الأقوال لإعطاء الوالدين وهذا للأسف مفرط فيه هذه الايام.

وقفات بلاغية في سورة الكهف

نحن نحتاج للتوقف عند هذه السورة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقرأها كل يوم جمعة والمفترض أن نسأل أنفسنا ما الذي في هذه السورة حتى يأمرنا بقراءتها؟ لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمرنا أن نقرأها كل جمعة إلا لأن فيها شيئاً ثم ربطت بموعظة الجمعة وهي تصلح حال الإنسان إذا استفاد من التوجيهات الموجودة فيها.

أول كلمة في السورة (الحمد) وهي مفتاح من مفاتيح السورة. إذا أردنا أن نصل لمحور السورة ومقصدها علينا أن نبحث في أول السورة لأنها تعطي مفتاحاً للسورة وكذلك نهاية السورة وإذا وجدنا الرابط بين بداية السورة ونهايتها قد نجد موضوع السورة الرئيس. وإذا كان هناك تكرار لبعض الألفاظ. سورة الكهف من السور السهلة لوجود القصص فيها والقصص من أسهل ما في القرآن لمعرفة الغرض منه. لو عملنا موازنة بين سورة الإسراء وسورة الكهف سنجد أن نصل بسرعة لموضوعات سورة الكهف بينما سورة الإسراء تحتاج إلى تأمل أكثر لمعرفة مقاصدها. في سورة الكهف أربع قصص ويمكننا أن نضع رابطاً بين هذه القصص الأربعة وهذا يعين على معرفة مقاصد السورة وموضوعاتها.

الكهف بدأت بالحمد إذن نحن أمام نعم يحمد الله سبحانه وتعالى عليها. هل هي نعمة الكتاب فقط أم أن كل ما ذكر في السورة يستحق الحمد. لو تأملنا السور التي بدأت بالحمد نجد أنها مليئة بالنعم. فهي إنزال القرآن وما اشتملت عليه هذه السورة من النعم الكثير، نعمة الدين، نعمة العلم، نعمة السلطان، نعمة القوة، نعم هائلة جداً لكن كيف نستثمرها كما استثمرت في السورة صارت وبالاً والقصص الأربع التي وردت في السورة كانت ثمرتها في النهاية حسنة. ولكن في قصة واحدة اختلف الأمر وهذا من الواقعية في هذا الأمر. القضايا كلها نجحت بمنهج محدد ولكن لو اختلف المنهج فإن هناك صورة أخرى أو قصة أخرى أو حدث آخر يمثل هذا وهي قضية صاحب الجنتين. فلم تأت القصص كلها على نمط واحد وبنتيجة واحدة. إذن كلمة (الحمد) في افتتاحية السورة أعطتنا أننا أمام نِعم. ثم بعدها بشيء يسير ذكر تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا (7)) والزينة هي من النعم، لما ننظر للحياة الدنيا فهي كلها زينة المال والجمال والحياة الدينا كلها زينة ولكن ذكر لنا كلمة افتتاحية للسورة فالله تعالى ما أوجد هذه النهم لنا إلا (لِنَبْلُوَهُمْ) فيها قضية ابتلاء. لو قرأنا السورة وفي الذهن معنى الابتلاء نبحث عن مكان ورود الابتلاء وكيف ورد وما صور التصبير التي ذكرت معه سنجد كثيراً منها. ثم قال (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) لم يقل أصلح عملاً أو أكثر عملاً إشارة إلى قضية حسن العمل المهم في النهاية حسن العمل وقد يكون هذا أن العمل ليس بالضرورة عمل عبادي وإنما حسن في منهجه ولذلك هؤلاء الفتية خرجوا إلى الكهف وتشاوروا بوضع قومهم وعزموا على خروجهم وتصرفهم الحسن بعد أن بعثوا (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا (19)) هذا يدل على أن حسن العمل يكون في كل شيء وليس فقط في العبادة وإنما يكون في أمور الدنيا. وفي موضع آخر ذكر صلاح العمل وهذا مختلف لأنه نتيجة كل هذا التوجيه ذكر صلاح العمل.

العلاقة بين سورة الكهف وسورة الإسراء:

سورة الإسراء كلها توجيهات للنبي صلى الله عليه وسلم ولذا جاءت بضمير المخاطب له صلى الله عليه وسلم، حتى الأخلاق وجهت له مباشرة وإن كان الخطاب له فهو أيضاً لأمته. هذه السورة تظهر فيها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتهيئته للرسالة (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105)) ثم تبدأ الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ). إنتهت سورة الإسراء بالحمد (الحمد لله) ثم بدأت الكهف بالحمد. بدأت سورة الإسراء بالتنزيه وانتهت بالتعظيم. حُمد فيها الله سبحانه وتعالى على وحدانيته في آخر آية ثم حُمد بإنزال هذا القرآن في سورة الكهف، فهذا القرآن هو الدليل الواضح لتوحيد الله سبحانه وتعالى. المؤسف الآن أنه لا يتم توجيه الناس لعقيدتهم من خلال القرآن وإنما فصلوا دروس العقيدة عن التفسير ونحن نتمنى أن ينطلق تدريس العقيدة من التفسير. العقيدة فيها تركيز على مفهوم الألوهية والربوبية بينما المنهج القرآن التركيز فيه على الربوبية أكثر خاصة في قصص الأنبياء بعضهم يركز أكثر من بعض، إبراهيم واضح عنده توحيد الألوهية أما موسى فتوحيد الربوبية أوضح عنده. أتمنى من المختصين أن يعيدوا للقرآن منهجه في العقيدة. أي مكان فيه توحيد ألوهية ونفي للشريك تجد بعده أو قبله إشارة إلى قضية من قضايا الربوبية.

سورة الكهف:

دعونا نركز على قضية النعم وسجل النعم التي تمر عليك من خلال قرآءتك للسورة. فإذا قرأنا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) هذه أعظم نعمة إنزال الكتاب علينا. وإذا قرأنا (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) هذه نعمة. ثم الزينة عامة (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا) هي نعمة. ثم الحديث عن اصحاب الكهف (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)) ليس فقط آمنوا وإنما أنعم الله عليهم بأن زادهم هدى وربط على قلوبهم.

السورة تركز أن الإنسان مهما أوتي من قوة ومن قدرة لا يعتمد عليها، قضية تأييد الله مع فعل الأسباب لكن لا تتوقع أنك بفعل السباب قد ضمنت النجاح. مثلاً الدين بعض الناس وهو يدين لله ينسى ذلك ويستخدم الدين أداة يستخدمه لرفعته أو لحظوته عند الناس وهذا ينتكس لأنه ليس على هدى. الفتية يعجبون دائماً بأنفسهم إذا هداهم الله وهذا أمر ظاهر لما فيهم من اندفاع قال (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) الهدى من الإيمان لكن هذه إشارة أنه إن لم يؤيدك الله فأنت تخسر.

قضية الإيمان، قضية المال يمكن أن يكون عندي مال مثل صاحب الجنتين وبلغ به الأمر من الكبر والبطر ورد الحق بسبب أن الله أعطاه مالاً (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)) بينما هو ظلم. وأيضاً العلم قد يسبب إشكالية حتى أن الله عز وجل جعل موسى وهو من هو (وعتب الله عليه لما قال أنا أعلم أهل الأرض) وهذه فيها ملمحاً أن موسى لم يرد الحق لله سبحانه وتعالى وقبلها النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يقل إن شاء الله كما تذكر الرواية تأخر الوحي عليه. كذلك موسى جعله الله تعالى يتعب وينصب ويتعلم ممن هو اعلم منه فيرد الأمر إلى أهله. كذلك ذو القرنين أعاد الأمر إلى الله فقال (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ (95)) ولو أعاد الأمر لنفسه لما وصل إلى هذه النتيجة وقال (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي (98)). يجب أن نبحث في السورة عن السبب المادي ثم السبب الإيماني الإتصال بالله. يجب أن نبذل السباب لكن يجب أن نعرف أن الأمر لله والله تعالى لا يحب من العبد أن يستقل بذاته ويستغني عن ربه وهذه من أعظم المصائب ولذلك قال (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) العلق) رأى نفسه أنه استغنى ولذلك قد يكون العبد المذنب بسبب انكساره أحسن عند الله من شخص ظاهره الصلاح لكن مدلّ على ربه بما له من قدرة وعلم. بهذه الطريقة ننظر إلى سورة الكهف على أنها علاج لحياتنا فنحن لا نخرج من كوننا إما صاحب مال أو صاحب علم أو صاحب سلطان. عرفنا الآن لماذا نقرأها كل جمعة.

ما علاقة قراءة سورة الكهف يوم الجمعة بالعصمة من المسيح الدجال؟ من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف كانت له عصمة من الدجال أو من قرأ عشر آيات من آخر سورة لكهف كانت له عصمة من الدجال.

العلاقة واضحة لأنه إذا كانت هذه فتن الدنيا وهي التي تتسبب في انحرافنا إذا لم نحسن التعامل معها بمنهج الله حتى لو كان هذا الأمر دين. إذا لم يهتد الإنسان بهدى الله فقد يغلو أو ينحرف أو يطغى ولذلك ذكر الله سبحانه وتعالى الطريقة المناسبة (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28)) في قضية الصبر، وقضية التؤدة (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ (27)) تلاوة الكتاب، معرفة الوضوح الكفار لهم كذا والمؤمنون لهم كذا (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29)) إذا كان الطريق واضحاً أمامي أمشي في أمور ديني بوضوح. الذي مع الدجال هي تقريباً نفس هذه القضايا الأربعة التي يستخدمها الناس وهذا يشعرنا بما في السورة فإذن هذه هي فتن الحياةة وبما أنها مؤثرة في الناس فهو سيأتي بمثلها لكن في هذه المرة في وقت واحد ومن شخص أمامهم فبالتالي قد يكون ضررها أعظم فقد يفتنون في دينهم وهي اعظم الفتن وهو أول ما يبدأ بفتنة الدين بعد ذلك يبدأ بفتنة المال ويأمر السماء فتمطر فالذي تربى طيلة هذه السنوات على سورة الكهف وينظر للمال هذه النظرة وأنه لله سبحانه وتعالى سيكون معصوماً بإذن الله أمام الدجال. وكذلك من يصبر نفسه مع المؤمنين. هناك ربط بين سورة الكهف وفتنة الدجال، هذا الربط ينبني على الحديث الوارد بأنها في عهد الدجال لكن هذا لا يجيب على السؤال لماذا نقرأها كل جمعة هذا يدل على أن لها أكثر من دلالة.

البعض يقول أن إسم السورة نفسها الكهف فيه نوع من الالتجاء فهي عصمة من الفتن فتنة المال وفتنة العلم وفتنة الملك.

ليس القصد أننا نقرأها ونحفظها ثم لما ياتي الدجال تعمنا منه. المقصود قرآءتها كل جمعة لأننا نتعرض يومياً لهذه الفتن وقد نفتن قبل الدجال، فقد يكون أحدهم ليس عنده مال ثم صار عنده مال ففتن به وصار طاغياً ظالماً وهذه الصورة ونحن نقرأها في هذه السورة تقع في اليوم عشرات المرات. البعض ممن فتن بالمال لا يؤدي الزكاة ولا يعرف حق الله فيه. بدل أن نقرأ السورة على عجل فكّر بها وركز على الخلل الذي عندك وذكرت السورة علاجه.

من الموضوعات التي يجب التركيز عليها في سورة الكهف مسالة الأخلاق بحكم أنني مسلم أتعرض للكثير في الحياة أحتاج لصفة التواضع التي تظهر كثيراً في السورة. بدءاً من الفتية يبدو أنهم كانوا من أشراف القوم كما تذكر الرويات ويدل على ذلك قولهم (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) لو كانوا فقراء أو مساكين لما سألوا أزكى الطعام ولاكتفوا بأي طعام متيسر، وتواضعهم يظهر أنهم تركوا بلاط القصور والتجأوا إلى الكهف ولو ربطوها بقضية المكان لما لجأوا إلى الكهف. وقضية المال هي القضية الوحيدة التي فيها تكبر وكانت نتيجتها سيئة وهي قصة صاحب الجنتين تكبر (أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) وكان متبجحاً لدرجة أنه قال (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) وهذه تستدل بها على أنه مؤمن ليس ما يدل على إشراكه بالله لكنه كفر النعمة فهو متكبر غاية التكبر ونسب الفضل إلى غيره فكانت النتيجة سيئة. وكذلك العلم ابرز صفة موجودة هي التواضع ولذلك الله سبحانه وتعالى ما أرسل موسى إلا بعد أن قال أنا أعلم أهل الأرض فأرسله لمن هو أعلم منه فذهب وتعب وسافر وصاحب خادمه وجاع وجاء إلى الرجل يطلب أن يعلمه مما علمت رشداً (اختلف التعبير بين ما قاله في البداية وقوله هنا). وذو القرنين أعطاه الله كثير من القوة (وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) ومع هذا من مظاهر التواضع العدل لأنه لو كان ظالماً تنظر للناس على أنهم لا شيء (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى) كان عادلاً وجاء إلى ناس لا يفقهون بلهاء والبعض قال أنهم يتكلمون بلغة غير مفهومة ومع هذا استخدمهم واستفاد منهم (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) لا يفعل هذا إلا من هو متواضع يستفيد من خبرات الناس.

هناك قضية أخرى ينبغي لنا أن نبحث عنها في قصص سورة الكهف وهي بذل الجهد وتغيير المكان إن لزم. ومن اللطائف أنه في ثلاث من القصص فيها خروج عن المكان وتغييره وقصة واحدة فيها دخول لمكان وهو صاحب الجنتين (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ) هي القصة الوحيدة التي فيها دخول وليس فيها خروج هذا من حرصه على الدنيا أما القصص الباقية ففيها خروج موسى خرج طالباً للعلم والفتية خرجوا إلى الكهف وذو القرنين خرج من شرق الأرض إلى غربها وهذا جزء مهم في التغيير إذا تعقدت الأمور في وجهك فينبغي أن تغيير المكان لأنه قد يكون له دور في تغيير حياة الإنسان، وهذه فكرة الهجرة.