التفسير المباشر
الحلقة الثانية عشرة
12-9-1429هـ
د:عبد الرحمن: بسم الله الرّحمنِ الرّحيم. الحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على سيِّدِنا ونَبِيِّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمعين. مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المُشاهدون في حلقةٍ جديدة من حلقاتِ برنامجكم [التّفسير المباشر] الّذي يأتيكم يوميّاً من استديوهات قناة دليل الفضائيّة بمدينة الرّياض. اليوم هو اليوم الثّاني عشر من أيّامِ شهرِ رمضان المبارك من عام تسعةٍ وعشرين وأربعِ مئَةٍ وألف، نسأل الله أن يتقبَّلَ منّا ومنكم الصِّيامَ والطّاعات.
حديثُنا بإذن الله سيكون عن الجزء الثّاني عشر من أجزاء القرآن الكريم، وهذا الجزء يبدأ من الآية السّادسة من سورة هود عليه الصّلاةُ والسّلام، وينتهي عند الآية الثّانية والخمسين من سورة يوسف عليه الصّلاة والسّلام. أذكرُ لكم أوَّلاً أبرزَ الموضوعات الّتي اشتمل عليها هذا الجزء وهي:
- تمجيد القرآن العظيم وإحكامُ آياتِهِ؛ كما في أوَّلِ سورةِ هود.
- ثمّ حديثُ سورةِ هود عن أُصولِ العقيدةِ الإسلاميّة.
- معَ عَرْضٍ مُفَصَّلٍ لقَصصِ الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام ليُتَأسّى بهم.
- ثمّ الأمر بالصّبر على الأذى والتّوكُّلِ على الله.
- ثمّ تأتي بعد ذلك قصّة يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام فتسردها سورة يوسف سرداً من أوّلها إلى آخرها مع ما فيها من العِبَر والعظات.
وأُذَكِّرُكم أيُّها الإخوةُ المشاهدون قبل الدّخول في حوارِنا هذا مع ضيفنا بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم التّواصل عن طريقِها معنا وهي من داخل السّعوديّة: (012085444 ) أو (014459666) كما أُذَكِّرُكم أيْضاً برقم الهاتف الجوال الّذي يمكنكم من خلاله إرسال الرّسائل والأسئلة وهو: (0532277111).
باسمكم جميعاً أيُّها الإخوةُ المشاهدون أُرَحِّبُ بأخي العزيز وضيفي في هذا اللّقاء فضيلةُ الشيخ الدّكتور محمّد بن فوزان العُمَر، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، ورئيس قسم الدّراسات القرآنيّة بكليّة المعلِّمين بالرّياض، حيّاكم الله دكتور محمّد.
د:محمد: حيّاكم الله وبيّاكم.
د:عبد الرحمن: شاكرين استجابتك لهذه الدّعوة.
د:محمد: الله يحيّك يا دكتور.
د:عبد الرحمن: الله يحفظك. تعوّدنا يا دكتور محمد في بداية كلّ حلقة قبل أن نبدأ خاصّةً إذا تراكمت علينا الأسئلة في الحلقة الماضية فنبادر بالإجابةِ عليها حتى لا يظنّ بنا الإخوةُ المشاهدون أنَّنا لا نجيب على أسئلتهم.
كان معنا أربعة أسئلة أمس أرجأناها إلى اليوم:
أوَّلُها سؤال من الأخت حصّة من السّعوديّة تسأل عن قوله تعالى في سورة التّوبة {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {120}} [التوبة:120] تقول: ما تفسير هذه الآية؟
د:محمد: الحمد لله والصّلاةُ والسّلام على رسولِ الله وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاه {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي {25} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي {26} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي {27} يَفْقَهُوا قَوْلِي {28} [طه:25-28].
أمّا بعد، قوله تعالى {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ} هذه الآية جاءت في معرِضِ الحديث عن غزوةِ تبوك، وهي في خاتمةِ سورة التّوبة، وهي كأنّها عِتابٌ لأهلِ الأعرابِ الّذين تخلَّفوا عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم وقد ذكر الله عزّ وجلّ في هذه الآية أنّ الله عزّ وجلّ يكتب لهم كُلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في جهادهم؛ فكأنّها عِتابٌ لِمَن تخلَّفَ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، مع هذا الأجر العظيم الّذي يترتّب على هذه الغزوة وهذا الجهاد.
د:عبد الرحمن: هنا سؤال من الأخ أبو هتّان يسأل يقول: أنّ الله سبحانه وتعالى في كثيرٍ من المواضع الّتي يذكر فيها الشّدائد والحروب يأمُرُ سبحانه وتعالى بِذِكْره والاستغفار؛ كما في قوله {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ} [الأنفال:45] يقول: ما هو السّرّ في مثلِ هذا الأمر؟ يعني الأمر بذكر الله عند مثل هذه المواضع؟.
د:محمد: دائماً يذكر الله عزّ وجلّ الأمر بذكره بعد الشّدائد؛ حتى يطمَئِنَّ الإنسان؛ فمثلاً في سورة النّساء بعد أن ذكر الجهاد قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103] يعني قضيتم صلاة الخوف. أيْضاً في آية آل عمران {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران:146-147] الآيات.
د:عبد الرحمن: يعني دعاء، يدعون.
د:محمد: نعم دعاء. فالخلاصة أنّ التّعقيب بالآيات الّتي تتكلّم عن الشّدائد بالأمر بذكر الله؛ لأنّ ذِكر الله اطمئنان للنفسِ عند الشّدائد.
د:عبد الرحمن: جميل، جميل، فتح الله عليك يا دكتور محمد. أخونا أبو فهد سأل سُؤالين من الكويت كان يتكلّم عن سورة يونس فجاء ذكرُ فرعون وهي قوله سبحانه وتعالى {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس:91-92] فسأل سؤالين قال أولاً: أنّ هناك أثر يُروى أنّ جبريل عليه الصّلاةُ والسّلام قال: للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ” لو رَأَيْتَني وأنا أَضَعُ الماءَ في فمه حتى لا يتوب ” أو كذا فهو يسأل عن صحّة هذا الأثر، هل هذا الأثر صحيح أو لا؟
د:محمد: الحديث أو الأثر جاء من طرق عِدَّة، فأخرج ابنُ أبي حاتم عن ابنِ عبّاس رضي الله عنهما وعن عِكرِمة، وأخرجه الإمام أحمد، والتّرمِذي، وحَسَّنَهُ ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطّبراني، وابنُ مَرْدَويه، وله طرق عِدّة وألفاظ متقاربة، لكن لو أسوق نصّاً منها:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لمّا خرج آخِرُ أصحابِ موسى، ودخل آخِرُ أصحابِ فرعون أوحى إلى البحر أن أطْبِق عليهم، فخرجت إصبع فرعون بــ {لا إلَهَ إلاّ الَّذي آمنت به بَنو إسرائيل } قال جبريل: عليه السّلام فعَرَفْتُ أنَّ الرَّبَّ رحيمٌ وخِفْتُ أن تُدْرِكَه رحمته فلمستُهُ بجناحيَّ ” طبعاً الأثر حسن.
د:عبد الرحمن: الله أكبر! جميل. إذاً نعود لأبي فهد سأل سؤالاً في الآية الثانية قال: ما معنى {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} هو يسأل يقول: هل فرعون موسى هو فرعون الموجود الآن في المتاحف المصريّة الآن؟ وما معنى {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}؟
د:محمد: {لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} من بني إسرائيل، لقومه، وليس لمَن بعده من القرون والأقوام.
د:عبد الرحمن: لماذا نجّاه الله ببدنه؟ يعني ما السّبب الّذي جعله يستثنيه من دون بني إسرائيل الّذين أُغْرِقوا؟
د:محمد: آيةً لقومه.
د:عبد الرحمن: بعض بني إسرائيل كان لا يُصَدِّق أنّ فرعون مات؟
د:محمد: نعم صحيح.
د:عبد الرحمن: فأخرجه الله قال هذا هو.
د:محمد: صحيح، لأنّه هو ادّعى أنّه هو الرّبّ قال { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فأخزاه الله عزّ وجلّ بهذا.
د:عبد الرحمن: وردنا سؤال يا دكتور محمد من الهاتف الجوال في الآية رقم 101 من سورة التوبة في قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ {101}} يقول: ما معنى {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ}؟
د:محمد: يعني في الدّنيا وفي عذاب القبر، ثمّ يُرَدّونَ إلى عذاب النّار.
د:عبد الرحمن: جميل فتح الله عليك. قبل أن ندخل في محاوِرِنا في اللّقاء يا دكتور محمد لدينا اتّصال من الأخ أبو عمر، تفضل يا أبو عمر حيّاكم الله
أبو عمر: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
أبو عمر: حيّاكم الله يا دكتور عبد الرّحمن، أحيّيك وأحيّي ضيفك الكريم.
د:عبد الرحمن: الله يحيّك.
أبو عمر: هي ثلاث على عُجالة، أما الأولى فهي شكر وثناء على هذا البرنامج الرائع جعله الله في ميزان حسناتكم، لعلّه يكون سُنّة حسنة في القنوات الأخرى.
د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً.
أبو عمر: أمّا الثانية الله يحفظك فمقترح إذا أذنتم لي يا شيخ.
د:عبد الرحمن: تفضل.
أبو عمر: حبَّذا يُفتَح المجال للمداخلات عن طريق التّنسيق من قِبَل القائمين على البرنامج، يعني فتح المجال لأهل الاختصاص ولو ضيفاً واحداً في الحلقة لمَن لا يتسنَى لهم الحضور مداخلة قُرابة الخمس دقائق مثلاً فيها من التنويع والتعريف النّاس بها ومّمن لديهم خبرات مثل: الشيخ خالد بن عثمان السّبت، أو الشيخ ناصر العمر، أو من خارج أهل البلاد وهذا من أهل القناة قناة دليل وفّقهم الله أمثال: أبي عبد الله مصطفى العدوي، أو الأشقر صاحب زبدة التفسير، وغيرهم فأنتم أعلم منّي في هذا المجال حفظكم الباري.
د:عبد الرحمن: الله يحفظك.
أبو عمر: الثالثة هي لفتة ولعلّها في الأذهان لكنّ من باب التأكيد عليها في هذا الجزء وهي أنّه من خلال التّمَعُّن في آيات هذا الجزء من خلال استقراء الحوار ونحو في موجة عالمية على الحوار يعني من خلال الحوار الدّائر بين الأنبياء وأقوامهم ممكن يُسْتَشَف منهج الأنبياء في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ يعني من كوْن العقيدة قضيّة أساس لا مواراة في العقيدة ولا مجاملة والواقع الّذي كانوا يعيشونه (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ 85) هود) والبعد عن أمور الدنيا {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} أرجو التّعليق على هذه اللّفتة حفظكم الله، وأسأل الله عزّ وجلّ أن يجمعني وإيّاكم تحت ظلّ عرشه ولعلها تكون ساعة إجابة وأن يجعلنا وإيّاكم مباركين أينما كنّا.
د:عبد الرحمن: يا أبا عمر تترك هاتفك عند الإخوان كي نتواصل معك إن شاء الله. أشكر الأخ أبو عمر وأنا أريد الحقيقة أن أشكره وأستأذنك بالنّسبة للمداخلات الهاتفيّة في الحلقة الماضية كان معنا مداخلة من الدكتور مصطفى مسلم من الشارقة، وأيْضاً الأخ محمد العوض من مكة المكرمة، وكانت جيّدة وإن كان الحقيقة البعض يقول كان المداخلات الهاتفيّة تأخذ من وقت البرنامج، أمّا بالنّسبة لبعض الضّيوف الّذين ذكرهم فأنا الحقيقة دَعَوْتُهم كلُّهم، ولكنّهم يعتذِرون يا دكتور محمّد لكثرة الارتباطات في رمضان، وإلاّ فنحن نحرَص على أن يكونَ معنى في هذا البرنامج.
د:محمد: لعلّه في مناسبة أخرى إن شاء الله.
د:عبد الرحمن: بإذن الله نعود يا دكتور محمد إلى حديثنا اليوم، واليوم لدينا الحقيقة سورتان عظيمتان سورة هود، وسورة يوسف وأريد أن يكون مدخل الحديث ماذا يمكن أن نتحدّث عنه حول سورة هود وسورة يوسف؟ حول قصص القرآن الّذي اشتملت عليه وهذا الموضوع الذي هو في غاية الأهميّة.
د:محمد: والله العجيب أنّ سورة هود جاءت بين سورتين يعني سورة يونس – سورة هود – سورة يوسف كلّها في أسماء الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام، وكُلُّها هذه السّور الثّلاث كلُّها مكيّة.
د:عبد الرحمن: نزلت في مكة.
د:محمد: في مكة، أو بالأصح نزلت قبل الهجرة، وكلّ هذه السّور أيْضاً افتُتِحَت بالحروف المقطّعة {الر} {الر} {الر} كلّ السّور الثلاث.
أيْضاً من إعجاز هذه السّور: أنّ السّور الثلاث كلُّها جاء الحديث عن القرآن {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ {1}} في يونس {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا}، في هود { الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }، في يوسف { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ } تجد أنّ السّور مترابطة من أصلٍ واحد.
د:عبد الرحمن: يعني مطالعها تكاد تكون متطابقة.
د:محمد: نعم صحيح، متشابهة. سورة هود مكية بالاتفاق، وعددُ آياتِها 123 على القول الصّحيح عند أهل العدّ، طبعاً عند عدّ أهل الكوفة 123 آية. وأودّ أن أتكلّم في هذه السّورة عن محور مهمّ جدّاً.
د:عبد الرحمن: تفضّل.
د:محمد: المحور: أولاً المقابلة الّتي تطرَحُها سورة هود وعن القصص القرآني وإن كانت القصص القرآني داخل في قضيّة المقابلة. يعني مثلاً: سورة هود لو استطلعنا بعض الآيات لأنّ الوقت قصير في قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ {9} وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} هذه مقابلة بين رجل كان غنيّاً، ثمّ أصبح فقيراً {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} يعني كان غنيّاً ثمّ أفقره الله، وحالٌ أخرى أنّه كان فقيراً فأغناه الله، هذه صورة من صور المطابقة أو المقابلة.
أيْضاً هاتان الآيتان جاء مقابلها مع الصبر في إنسانٍ جاءه النّعمةُ والمحنة ولكنّه صبر {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ {11}} يعني الآيات هذه جاءت في هذا السّياق. إذاً هذه المقابلة الأولى.
د:عبد الرحمن: وأنت تقصد يا دكتور محمّد المقابلة البلاغيّة.
د:محمد: البلاغيّة طبعاً أنّه من فنون البلاغة وهو المقابلة يذكر الشيء وما يقابله. تعال للآية الأخرى {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ {15}} يُقابله قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} {17}}.
الثالثة: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ}18 آخر الآيات تجد {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {23}} يُقابل بين المؤمنين وبين الّذين ظلموا؛ ولذلك ختم هذه الآيات بقوله {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {24}} هذه مقابلة أيْضاً. السورة تميّزت بهذا النوع من التعبير البلاغي.
وأيْضاً المقابلة بين الّذين شَقوا والّذين سَعدوا {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ {106}، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} {108}} وأيْضاً في أصحاب القرى {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ {100}} يعني أصحاب العروش {وَحَصِيدٌ}، وأصحاب خراب.
د:عبد الرحمن: جميل، جميل، جميل، هذه لفتة جميلة جدّاً.
د:محمد: هذه السورة اشتملت على تجد هذا المقابلة واضحة جدّاً في هذه السورة.
د:عبد الرحمن: يا تُرى هل بُحِثَت المقابلة في هذه السورة في بحثٍ؟ هذه جديرة بالبحث الحقيقة؟
د:محمد: إيه والله، لكن على حسبِ علمي القاصر أنّ موضوع المقابلة في هذه السّورة بارز جدّاً.
د:عبد الرحمن: لدينا اتّصال يا دكتور محمد من الأخ أبو هتّان من السّعوديّة تفضّل يا أبو هتّان
أبو هتّان: السّلام عليكم ورحمة الله.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أبو هتان: شيخ بارك الله فيكم، ما الفرق بين يوسف عليه السلام وموسى لمّا موسى عليه السّلام قال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 22] ولمّا ذكر موسى عليه السلام قال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:14].
د:عبد الرحمن: أحسنت، يأتيك الجواب إن شاء الله شكراً يا أبو هتّان.
ننتقل إلى موضوع القصّة القرآنيّة يا دكتور محمّد، يعني في تصَوُّري موضوع القصّة القرآنيّة الحقيقة جدير بأن يُسَلَّط عليه الضّوْء في مطلعِ الحلقة باعتبار سورة هود وسورة يوسف كلاهما من القَصص القرآنيّ المفصّلة.
د:محمد: سورة هود سبحان الله! جاءت الأصل فيها أنها قصص قرآني لتثبيت قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعني خاتمة السّورة يقول {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} {121}}. وهذا من الفوائد أو أهداف السّورة القرآنيّة القصص القرآني تثبيت قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأبي هو وأمي. وأيْضاً تجد أنّ سورة يوسف افتتحت بالقصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} {3}} وفي خاتمة أيْضاً السورة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}. القصص القرآني حقيقة إن صحَّ التّقسيم ممكن نُقَسِّمُهُ إلى ثلاث أقسام:
- التقسيم الأول هو: موجود في سورة يوسف وهو قصص الأنبياء عليهم الصّلاة والسلام.
- النوع الثاني من القصص: في أُمم غابرة وأحداث؛ مثل أصحاب الكهف، والأُخدود، وما إلى ذلك وليسوا أنبياء.
- النوع الثالث: قصّة حدثت في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزواتهم وما إلى ذلك.
والقصة القرآنيّة عندما تأتي إنَّما تتحَدَّث عن واقع حدث في هذه الدّنيا، وكما أسلفت الأصل فيها تثبيت قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ الإخبار عن صدقِ رسالةِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. مثلاً في آية هود في سورة هود حينما تكلّم عن هود قال في خاتمتها { تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {49} هود} وفي سورةِ يوسف { ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ {102}} هذا كلّه للدّلالة أنّ القصص القرآني ليس كما يزعمُ البعض أنّه من عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنَّما هو وحْيٌ من الله عزّ وجلّ وحقائق ثابتة لا كما يزعم البعض أنّه آحاد إذا لم نجد أحاديث أو آثار على تلك القصص أنّها خرافات – والعياذ بالله – بل هي القصص القرآني حقيقة. ولذلك تجد في كلّ قصّة قرآنيّة فقد تُذْكَر إنَّما يأتي الحديث عن أنّ هذه القصّة من عندِ الله عزّ وجلّ ولذلك في سورة العنكبوت {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ {48}} وفي آية القصص {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{45} وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {46}}
د:عبد الرحمن: يعني كلّها تدلّ على أنّ هذه القصص قصص حقيقيّة الله سبحانه وتعالى يُخبر بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويقصُّها عليه بالحق. أذكر يا دكتور كان هناك كتاب قديم الذي هو “فنّ القصص القرآني” كان يزعم صاحبه أنّ القصص القرآني كلّه خيال، يعني ليس هناك شيء اسمه إبراهيم ولا إسماعيل، ولا يوسف، وإنّما كلّها من نسجِ الخيال؛ لكي يُقَرِّب للنّاس مفهوم النّبوّة أو شيء من هذا القَبيل.
د:محمد: { إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ }[ آل عمران:62]، { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ } [الكهف: 13].
د:عبد الرحمن: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النمل:76] يعني أنا أُلاحظ يا دكتور محمّد الآن في قصص يوسف وموسى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويوسف هنا في هذه السورة يعني أكثر القرآن الكريم من ذكر قصص أنبياء أبناء إبراهيم عليه الصّلاةُ والسّلام: إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، وموسى، وعيسى امتلأت بالإضافة إلى قصص السّابقين مثل نبيّ الله صّالح، وهود وغيرهم من الأنبياء ونوح عليه الصّلاةُ والسّلام، فيا تُرى ما هي العِبْرَة أو ما هو السّرّ في التّركيز على أنبياء بني إسرائيل هؤلاء مثل موسى خاصّة، مثل يوسف، مثل يعقوب؟.
د:محمد: يعني موسى عليه السّلام ذُكِر في القرآن الكريم كثيراً، وقصَّتُهُ جاءت في سورة البقرة، وجاءت في سورة الأعراف.
د:عبد الرحمن: يعني تقريباً معنا من أوّل ما بدأنا رمضان.
د:محمد: وسورة الأعراف، وجاءت في سورة يونس، وجاءت في سورة هود، في آخر هود {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {96} إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ {97}}، ويأتي أيْضاً في السور الأخرى،
د:عبد الرحمن: وفي يونس أيْضاً،
د:محمد: ذكرناها يونس. الغريب أنَّ قصّة موسى مع فرعون تكرَّرَت لأنَّها مثال حيّ للصِّراع بين الحقّ والباطل، الصِّراع بين التّوحيد وبين الكفر، الصّراع بين نبيّ من أنبياء بني إسرائيل وبين رجلٍ طاغيَةٍ ادّعى الرُّبوبيَّةَ. فهذا القصص القرآني يأتي بأساليب مختلفة. وهناك نصّ حقيقة أود أن أقرأه للشوكاني يرحمه الله تعالى في سورة هود، وإن كان سؤالك عن موسى، لكنّه يذكر الأُسلوب الفنّي في القصص: “لِما أوْرَدَه سبحانه على الكّفار المعاصرين لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ أنواع الدّلائل الّتي هي أوْضَحُ من الشّمس، أكّد ذلك بذكر القصص على طريقةِ التّفَنُّنِ في الكلام، ونقلِهِ من أسلوبٍ إلى أسلوب؛ لتكون الموعظةُ أظهر، والحُجَّةُ أبيَن والقَبولُ أتمّ“.
يعني القصص القرآني عندما يأتي يتفنّن في الكلام، يعني سورة يوسف مثلاً ما تكرَّرت في القرآن ما جاءت إلاّ مرّة واحدة، ومع هذا تجد أنّ القوم ما استطاعوا أن يأتوا بمثل سورة يوسف الّتي ذُكِرَت مرّة واحدة.
سورة هود لو نأتي مع القصص من ما تميَّزت به: الحديث عن الإعجاز القرآني في التّحَدّي يعني { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ (13) هود} هاتوا عشر سور مفتريات أن تفتروا عشر سور
د:عبد الرحمن: يعني ما دمتم تقول أنّها مُفتراة هاتوا عشر سور.
د. محمد: التّحدي بالقرآن الكريم جاء بأكثر من طريق أو من جانب، جاء إمّا من علو أو دنوّ بمعنى أنّه تحدّاهم بسورة، ثمّ بعشر، ثمّ بالقرآن الكريم أم يقولون افتراه في آيةِ يونس يقول: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {38}}، وفي آية الإسراء {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {88}} فهو إمّا تَدَرُّج لأعلى، أو النّزول من أعلى إلى إلى أسفل، في كِلْتا الحالَتَيْن هو تحَدّي، وأيْضاً جاء في الحديث أيْضاً: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34}} في آية الطور،
د:عبد الرحمن: نعم، نعم.
د:محمد: ومع هذا لم يأتوا
د:عبد الرحمن: كنت أتصوَّر يا دكتور محمّد، يعني وكثيرٌ من الباحثين يروْن هذا أنَّ التّدَرُّج المنطقي أن يتِمَّ التَّحَدّي بالقرآن الكريم كاملاً، فإن لم يستجب فبعشر، فإن لم يستجب فبسورة، لكن عندما بحثها بعض الباحثين أذكر منهم الدّكتور أحمد جمال العمري، وأذكر منهم الدّكتور قحطان الدوري وبعض منهم، وأظنّ الشيخ محمّد عبده رحمه الله ذكروا أنَّ ترتيب آيات التّحَدّي على هذا الوجه غير ثابت، وإنَّما يُنْظَر في كُلِّ سياق لما يُناسبه، يعني مثلاً في سورة الإسراء {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {88}} هذه سورةُ الإسراء وهي سورةٌ مكيّة. أيْضاً سورة هود الّتي معنا الآن.
د:محمد: كلّ السُّوَر الّتي جاء فيها التّحَدّي كُلُّها سور مكيّة إلاّ البقرة هي مستثناة {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {24}}
د:عبد الرحمن: الحقيقة دراسة آيات التّحدّي هذا موضوع بُحِث عنه كثيراً. عندنا اتّصال يا دكتور محمد الأخت ليان من السعوديّة تفضلي يا أخت ليان.
ليان: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
ليان: لو سمحت يا شيخ يمكن سؤالي يكون بعيداً عن السورة.
د:عبد الرحمن: تفضّلي.
ليان: لماذا ذكر الله زوجة إبراهيم عليه السّلام سارة ضحكت قبل البشارة باسحق عليه السلام؟
د:عبد الرحمن: خيراً إن شاء الله بارك الله فيك.
ليان: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: هل نطرح سؤال أبو هتّان يا دكتور محمّد أم لديك ما تقوله؟ عندما قال الله في يوسف {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}؟
د:محمد: وفي هذه القصص يعني موسى {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} ذكر هذا الغرناطي في نكته، وذكر: أنَّ موسى عليه الصَّلاةُ والسّلام عندما بُلِّغَ بالرِّسالةِ إنَّما كان بعد الأربعين، ويوسف قد اختُلِف في ذلك قيل: أنّه في الثّلاثين وقيل أنّه في الأربعين؛ ولذلك ما جاء الاستواء هنا.
د:عبد الرحمن: ايه ممتاز يعني عُبِّرَ بالاستواء لموسى؛ لأنّه قد بلغ أشُدَّهُ واستوى في السّنّ.
بمناسبة حديثك عن كتاب “ملاك التأويل” للغرناطي طبعاً نحن عرضناه في الحلقة قبل الماضية كتاب قيِّم حقيقة رائع.
الحلقة الماضية أمس عرضنا كتاب المعين على تدَبُّر الكتاب المبين لكن الإخوان عرضوا صورة كتاب ملاك التأويل، فأنا أقول للإخوة المشاهدين هذا هو الكتاب الّذي كنّا نريد أن نعرضه بالأمس عرضناه ولكن لم نعرض صورته، وهو “الكتاب المعين على تدبُّر الكتاب المبين” لمَن أراد أن يشتريه ويستفيد منه فهو كتاب قيّم فيما يتعلّق بآيات القرآن وتفسيرها تفسيراً سهلاً مختصراً.
نعود إلى قصّة يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام يا دكتور محمّد يعني لو طلبت منك في خمس دقائق أو أربع دقائق أن تُرَكِّز لي قصّة يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام يعني ترتيب يوسف عليه الصّلاة والسّلام بين أنبياء بني إسرائيل، مكانته من أبيه يعقوب، قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه هو ” الكريم ابن الكريم ابن الأكارم ” يعني هذه السُّلالة النّبويّة الكريمة من إبراهيم إلى يعقوب إلى إسحاق إلى يعقوب إلى يوسف.
د:محمد: سورة يوسف طبعاً سورة مكيّة بالاتّفاق عدد آيات أيْضاً 111 آية بالاتّفاق أيْضاً ليس فيها خلاف بين أهل العدّ في عدد الآيات. سورة يوسف الحقيقة مَثَّلَت جوانب عِدَّة في الأُسرة الموجودة، النزاع بين الإخوة، الحسد الموجود بين الإخوة، والصِّراع بين الإخوة الّذينَ مال أبوهم إلى أحدهم ميلاً قلبياً.
أيْضاً سورة يوسف تُبَيِّن أنَّ الإنسانَ إذا ابتعد عن الفاحشة والفساد مكَّن الله عزّ وجلّ له في الأرض؛ ولذلك في آية يوسف عندما قال {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} قالت امرأة العزيز {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {53} وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ {54} قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {55} وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} بعد أن تبيَّنت ماذا؟ براءته. سورة يوسف الحقيقة فيها من الفوائد الكبيرة جدّاً سواءً كانت اللُّغَوِيَّة أو الفقهيّة والبيانيّة، أو الاجتماعيّة فلعلّك تعطيني جزءً يسيراً.
د:عبد الرحمن: تفضّل.
د:محمد: طبعاً السورة تُبَيِّنُ أهميَّةَ الصّبر عندما قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ {18}} {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا {83} ، {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} انظر آيات الصّبر.
د:عبد الرحمن: نعم إيه والله صحيح.
د:محمد: أيْضاً فيها وكان المفترض أيْضاً أن تكون الأولى: التّوحيد، أهمّيّة التّوحيد. يعني يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام عندما جاء ليُفَسِّر أصحاب الرُّؤى رؤياهم جاء وطرح لهم موضوع التوحيد لله عزّ وجلّ { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {39}}.
د:عبد الرحمن: حتى لفتة كريمة يا دكتور محمد استغلال حاجتهم للإجابة فلم يُجِبْهم مباشرة.
د:محمد: أيْضاً فيه حقيقة يعني من اللّفتات مشروعيّة قضاء الحوائج بالكِتمان يعني: مثلاً يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام عندما عَلِمَ أبوه أنَّ إخوته سوف يحسدونه على ما يبلغ به من المنزلة قال: { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا {5} } اُكتُم.
أيْضاً لا مؤاخذة قد يقع الحسد حتى بين الأقارب.
د:عبد الرحمن: بل هو كثير يا دكتور.
د:محمد: إيه نعم لكن المفترض والأصل إحسان الظّنّ بالنّاس.
أيْضاً ما يقع بين الإخوة إنَّما هو نزغُ الشيطان { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100)}.
أيْضاً أنَّ هناك سرعة في انتشار الإشاعات بين النّاس. يعني مثلاً عندما قال المَلِك أو الوزير { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ {29}* وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ } .
د:عبد الرحمن: يعني بالرّغم من هذا
د:محمد: انتشر الخبر.
د:عبد الرحمن: هذا يا دكتور في عهد يوسف فكيف بعهدنا اليوم؟!
د:محمد: إيه والله، الله المستعان.
وفيه أيْضاً التّفاؤل يعني: تجد أنَّ يعقوب عليه السّلام غاب ابنُهُ عنه مُدَّةً طويلةً من الزّمن، ومع هذا يقول: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ }
أيْضاً بيّن فضل بِرّ الوالِدَيْن يعني: يوسف عليه الصَّلاةُ والسَّلام رفع أبَوَيْهِ على العرش، طبعاً الأب وخالته زوج أبيه وعبّر بفائدة عبّر عن زوجة الأب بالأُمّ الفائدة أنّها توضَع زوجة الأب بمنزلة الأُمّ {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} د:عبد الرحمن: وثبت أكيد أنّ أمّ يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام ليست موجودة.
د:محمد: أيْضاً أنَّ إخوة يوسف أمرهم أبوهم أن لا يدخلوا من بابٍ واحد (وادخلوا من أبوابٍ متفرِّقة) فسمعوا كلامه أم لا؟؟
د:عبد الرحمن: إلاّ بلى صحيح.
د:محمد: ثمّ إنَّ بِرَّ الوالِدَيْنِ قد يطلب منك والدك، أو أُمُّك تطلب منك شيْئاً، ولا يستلزم أن تُبَيِّن لك العِلَّة أو الحكمة أم لا؟
د:عبد الرحمن: إلاّ، صحيح.
د:محمد: يعني {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} ما بيَّن لهم لماذا؟ أن لا يدخلوا من باب واحد، أم لا؟
د:عبد الرحمن: إلاّ صحيح.
د:محمد: طيّب.
د:عبد الرحمن: ولذلك العلماء اجتهدوا في بيان العِلّة، قالوا: خشيةَ العين أو الحسد وما إلى ذلك.
د:محمد: أيضاً من الفوائد، هذه أشياءً عامّة يا دكتور الإحسانِ للنّاسِ عامّة يعني تجد سورة يوسف تُرَكِّز على مسألة الإحسان يعني: أنَّ الإنسان يُحْسِن إلى مَن أساءَ إليه، يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام بيَّن هذا جَلِيّاً مع أنّ إخوته رَمَوْهُ في البئر، وكان صغيراً غلاماً، وكذَبوا على أبيهم، وجلس سنوات طِوال وهو في غربة، ومع هذا ما أساء إليهم، ماذا قال؟ قال {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {92}} .
د:عبد الرحمن: الله أكبر! هذه أذكر عندما أبو سفيان عندما فتح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكّة فيقولون: أنَّ أبا سفيان هرب من وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال: ” واللهِ لَوْ أمْسَكَني النّبيّ ليَقْتُلَني ” فقال له لا أعلم مَن هو الّذي قال له من الصّحابة ” قد أسأتُ الظّنَّ به النّبيّ واللهِ لإنَّهُ أرحم النّاس” وحفّظَه هذه الكلمات قال: “إذا دَخَلْتَ عليه فقل له تَاللهِ لقد آثرك الله علينا وإن كُنّا لَخاطِئين” قال حتى يكون الجواب: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم.
د:محمد: فيه أيْضاً من الفوائد على عُجالة: جواز تزكية النّفس إذا رأى الإنسان من نفسه قُدرةً في هذا المكان مثلاً قال {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {55}} .
أيْضاً جواز الاستفادة من المستجيب هذا ممكن يستفيد من أصحاب السُّجون: أنَّ سجيننا يوسف عليه الصّلاةُ والسَّلام كان سجيناً، ومع هذا استفادوا منه في تعبيرِ الرُّؤيا، وهو في سجنِهِ. يعني قضايا المجتمع ممكن أنَّ السَّجين لا ينفصل عن قضايا المجتمع؛ لأنّه يستفيد منه المجتمع.
د:عبد الرحمن: هذه قاعدة جميلة قبل أن نُكْمِل هذه الفوائد.
د:محمد: آخر فائدة يا دكتور فقط ثم نتتهي
أيْضاً أن التعبير بالرُّؤيا فُتْيا {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} وهذه كلمة لأصحاب تعبير الرُّؤى أن يتَّقوا الله عزّ وجلّ وأنَّ تعبير الرُّؤى فُتيا.
د:عبد الرحمن: معنا اتّصال من الأُستاذ ماهر من السّعوديّة تفضّل يا أخ ماهر
ماهر: السّلام عليكم.
د:عبد الرحمن: عليكم السّلام ورحمة الله.
ماهر: عندي ثلاث أسئلة الله يجزاك خير. الأول في الآيات التي هي على موسى عليه السّلام واثنان خارج الآيات، إذا ممكن.
د:عبد الرحمن: تفضل تفضل.
ماهر: الله سبحانه وتعالى في آية يقول {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] هل أمّ موسى كانت تعرف أنّ موسى سيكون من المرسلين؟ هذه واحدة. الثاني في الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف:20]، وآية ثانية {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {23}}، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {104}} الآية هذه هل هي لنا نحن المسلمين أم هي للكفار؟ السؤال الثالث {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] هل هذا المقصود بها أنّ أناس عملوا صالحاً لكن ما كان مطابقاً للمطلوب ، أو أنّه هم أصلاً كفّار وأنهم في نار جهنم؟.
د:عبد الرحمن: بارك الله فيك يا أخي.
ماهر: الله يجزاك خير.
د:عبد الرحمن: شكراً جزيلاً لك. الحقيقة أنا يا دكتور محمد وتنبيه للإخوة المشاهدين سورة يوسف يعني تعتبر من أغنى السُّوَر بالفوائد؛ حتى أذكر هناك مصَنَّف في ثلاث مجَلَّدات “الفوائد الألف من سورة يوسفّ.
د:محمد: الشيخ عبد الرّحمن بن السعدي أفردها برسالة.
أيْضاً فيه من الفوائد في سورة يوسف: أنَّ النَّفسَ أمّارةٌ بِالسّوء مهما بلغ الإنسان {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} مهما بلغ الإنسان من التُّقى والصَّلاح تبقى النّفس أمّارة بالسّوء.
أيْضاً أنّ منزلة التّقوى {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} وفي آخر السّورة أيْضاً (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (109)) .
أيْضاً في لفتة حقيقة أنَّ يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام الحديث في الصَّحيحَيْن أنّ أوتِيَ شطر الحُسُن والجمال، معايير الجمال قد تختلف عندي وعندك وعند الثاني والثالث، لكن يوسف عليه الصَّلاةُ والسَّلام عندما دخل على النِّسوة وَقَطَّعْنا أَيْدِيَهُنَّ يعني هذا يعطيك دلالة على أنَّ يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام بكلِّ المقاييس جميل، ما اختلفت المقاييس عند امرأة دون أخرى كلّهم اتَّفَقوا على أنّه كان آيةً في الجمال فقطَّعْنَ أَيْدِيَهُنْ من الذّهول.
وأيْضاً من الفوائد أنّه جواز الحيلة لأخذ الحقّ يعني: يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام احتال على إخوته، ووضع الصّاَع في رحالهم {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {62}} .
وأيْضاً آخر فائدة ممكن يا دكتور، أنَّ قَدَرُ الله عزّ وجلّ نافذٌ لا محالة، وأنَّ الإنسان مهما اتَّخَذَ الأسباب أنَّ الله عزّ وجلّ إذا قدّر شيْءً سوف يقع. يعني يعقوب عليه الصّلاةُ والسّلام اتّخذ الأسباب بأنّه ما أرسل يوسف لوحده أرسله مع إخوانه، ومع هذا أنّه وعْدُ الله نافذ ومع هذا أمر الله عزّ وجلّ إذا كتب شيْئاً لا بُدَّ أن يقع.
د:عبد الرحمن: لدَيَّ اتِّصال من الأُخت آمنة من موريتانيا، نأخذ سؤالها ثمّ نعود حياك الله يا أخت آمنة.
آمنة: السّلام عليكم ورحمة الله.
د:عبد الرحمن: عليكم السلام ورحمة الله.
آمنة: جزاكم الله خيراً على هذا البرنامج المفيد. أريد أن أسأل فضيلة الشيخ عن قوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} ما المقصود؟
د:عبد الرحمن: سؤالها واضح؟
د:محمد: واضح.
د:عبد الرحمن: نعم {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} هذه خلاف في الآية. نعود يا دكتور الحقيقة كما تفضّلت مصداق لكلامك في سورة يوسف وهي دعوة الحقيقة للإخوة المشاهدين بتدبُّر هذه السّورة، والنّظر فيها في الحقيقة؛ لأنَّ البرنامج حتى لو كان ثلاث ساعات لن يكفينا.
د:محمد: ما يكفي، لو نذكر لفتات فقط.
د:عبد الرحمن: لفتات سريعة جدّاً، وربَّما ترى بعض المشاهدين يعني لديهم مقترحات يريد أن نُفَصِّل لكن الوقت دائماً يحكمنا كما ترى.
د:محمد: ومَن هو أعلمُ منّا بذلك، لكن الواحد يعني
د:عبد الرحمن: بالضّبط، وقديماً قالوا (يكفي من القِلادةِ ما أحاطَ بالعُنُق)
تسأل الأخت ليان سؤالاً الحقيقة يُثار يا دكتور محمّد في قولِهِ سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في قصّةِ بشارة إبراهيم عليه الصَّلاةُ والسَّلام بابنه إسماعيل في ضحك سارة لماذا ضحكت؟ أو {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {28} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا {29}} في سورة الذّاريات، وفي سورة هود {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ {71}} يقول: لماذا ضحكت؟ وما معنى ضحكت؟
د:محمد: طبعاً الضّحك المعروف أنّه معروف عند العرب، هو الضّحك التَّبَسُّم. بعض أهل اللّغة رأى أنّ الضّحك هنا في هذه الآية أنَّه الحَيْض. وهذا يحدث عند بعض النّساء أنَّ المرأة إذا صار هناك أمر مُدْهِش أو غريب، أو فاجعة، أو ما إلى ذلك قد تحيض واستدلّوا على ذلك ببعض كلام العرب. لكن بُشْرى إبراهيم عليه الصّلاةُ والسّلام أنَّهُ عندما جاءت إليه الملائكةُ تبشِّرُهُ بغلام أنَّه كان كبيراً، وقد بلغ فوق الثّمانين يقولون 86 فهي سمعت كلامهم فضحكت في هذه البشرى
د:عبد الرحمن: يعني كأنّ في الكلام تقديم وتأخير
د:محمد: أي نعم. فبشَّرْناها فضحكت، فبشَّرْناها بإسحاق وَمِنْ وَراءِ إسحاقَ يَعْقوب.
د:عبد الرحمن: والبعض يا دكتور ينظر إلى السّياق إلى ترتيب الكلام كما تفضّلت وإلاّ هي مسألة يعني فيما يبدو لي واضحة.
د:محمد: فبشَّرْناها فضحكت فبشرناها أيْضاً ومن وراءِ إسحاقَ يعقوب.
د:عبد الرحمن: أنّ بعضهم يقول أنّها ضحكت قبل البشارة فيتلمَّس ويقول أنّها ضحكت؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أو لأنَّ الملائكة قد جاؤوهم بخبرِ تعذيبِ قومِ لوط، وهي كانت هي تتمنّى أن يُهْلَكَ هؤلاءِ القوم لفسادهم وفسقهم، فلمّا سمعت البشارة بأنّهم سيذهبون إلى أنّهم سيذهبون إلى هؤلاء القوم فضحكت فبشّرناها بإسحاق، وهذا على كلِّ حال هي اجتهاديّة يعني
د:محمد: هذا بعيد، هو كما تفضلت دكتور كأن فيه تقديم وتأخير سمعت كلام الملائكة في هذه البشرى فضحكت.
د:عبد الرحمن: وكما في قوله {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} يعني: استغربت من هذا الخبر الّذي بُشِّرَت به.
الأخ ماهر يسأل سؤالاً يقول في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7] سورة القصص فيقول هل كانت أمّ موسى تعلم أن ابنها سوف يكونُ رسولاً؟
د:محمد: نعم هذا أمّ موسى عليه الصّلاةُ والسّلام أوْحى الله عزّ وجلّ إليها وحياً لكن ليس كوحي الأنبياء وهو إلهام من الله عزّ وجلّ إليها أنّ موسى عليه الصّلاةُ والسّلام سوف يكون نبيّاً {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}.
د:عبد الرحمن: يعني نصّ القرآن واضح في أنّها كانت تعلم.
سؤال آخر من الأخ ماهر يقول في قوله تعالى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [الأحقاف:20]، وأمثالَها من قوله {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {23}، يسأل يقول هل هذه الآيات تخُصُّ المسلمين؟ مَن المقصود بها يعني؟
د:محمد: لا، الأصل فيها أنَّها للكُفّار، وأنَّ حبَّ الدُّنيا والتَّعَلُّق بها ليس لأهلِ الإسلام؛ مثل آية هود مثلاً { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ {15}} وفي آية الشُّورى {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ {20} .
د:عبد الرحمن: جميل جدّاً، فالمقصود بها إذاً ليس أهل الإسلام. بارك الله فيك يا دكتور محمّد. قبل أن نسترسل في الجواب على الأسئلة والحديث عن المحاور الّتي بقيت معنا في السورة لدينا يا دكتور محمَّد تعريفٌ بكتاب من الكتب الّتي نوصي بها في كلّ حلقة نُعَرِّفُ الإخوة المُشاهِدين به ثمّ نَعودُ إليكم فابْقَوا معنا.
*********************
فاصل : التعريف بكتاب
“العِلْمانِيّونَ والقرآنُ الكريم، تاريخِيَّةُ النّص”
مُؤلِّفُ هذا الكتاب هو الدّكتور أحمد بن إدْريس الطَّعّان، وهو باحِثٌ سوريّ تقدَّم بهذا البحث لِنَيْلِ دَرجةِ الدُّكْتوراه، وقد تَصَدّى في كتابِه هذا للانتصارِ للقرآنِ الكريم، والرَّدِّ على شُبُهاتِ العِلْمانِيِّينَ الَّتي أثاروها للِصَّدِّ عن القرآن، والطَّعْنِ في كمالِهِ وإعجازِه ومَصْدَرِه. ولا بُدَّ للمسلمِ المُعاصِر أن يَطَّلِعَ على هذا الكتابِ وأمثاله من الكتب والدِّراساتِ والأبحاث الّتي تُبَيِّنُ لَهُ وَجْهَ الحَقِّ في كثيرٍ مِنَ الشُّبُهات الّتي يُثيرُها أعداءُ الإسلام للطّعنِ في القرآن.
وقد تناول المُؤلِّفُ في كتابِهِ تعريفَ العلمانِيّة وتاريخها وأطال في ذلك، ثمّ تناولَ المداخِلَ الّتي ينفُذُ منها العِلْمانِيّونَ للطَّعْنِ في القرآن الكريم، وتحَدَّثَ حوْلَها وبيَّنَ كَيْفِيَّةَ الرَّدِّ عليها؛ مُبَيِّناً الأُسس الفلسفيّةَ والعَقَدِيّة الّتي تدفعُ الطّاعِنينَ للطَّعْنِ في القرآن الكريم، وكيفيَّةِ مناقشةِ هذه الشُّبُهات.
وقد صدر الكتابُ عن مكتبةِ وَدارِ ابنِ حزم في الرِّياض عام 1428ه في مجلَّدٍ واحد عددُ صفحاته 886 صفحة.
جزى الله المُؤلِّفُ خيراً وبارك فيه.
******************************
د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المشاهِدون مرَّةً أخرى في برنامجكم التّفسير المباشر، وأُكَرِّرُ التّرحيب بضيفي في هذا اللّقاء فضيلة الشيخ الدّكتور محمّد بن فوزان العُمَر، الأُستاذ المشارك بجامعةِ الملك سعود، ورئيس قسم الدّراسات القرآنيّة بكلِيَّة المعلِّمين بالرِّياض، حياكم الله يا دكتور محمد مرّةً أخرى.
د:محمد: حياكم الله وبيّاكم.
د:عبد الرحمن: سألتنا الأخت آمنة من موريتانيا سؤالاً في قوله سبحانه وتعالى في سورةِ يوسف {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ {20}} تقول: مَن هو المقصود؟.
د:محمد: طبعاً يوسف باعه الّذين وجدوه في البئر وباعوه للوزير أو أهل الوزير.
د:عبد الرحمن: المقصود (وشروه) يعني باعوه.
د:محمد: ليس المقصود بشروه الشراء.
د:عبد الرحمن: يعني شروه أي باعوه، إخوانه؟ المقصود هم الإخوان
د:محمد: نعم
د:عبد الرحمن: من الأشياء الأساسيّة يا دكتور محمّد في سورةِ يوسف الّتي تستوقف القارئ لها موضوع العِفَّة الّتي دارت القصّة حولها، عفَّة يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام بالرُّغم من كلّ المُقَوِّمات الّتي كانت تدعوه إلى الوقوع في هذه الفاحشة – والعياذ بالله – وهو أنَّه كان رجُلاً جميلاً – كما تفضّلتم – وكان رجُلاً أوتِيَ نصف الحسن، وأيْضاً كان رجُلاً غريباً، وليس لديه مَا يخاف عليه من السُّمعة ونحوها. أَضِف إلى ذلك أنَّ الّذي كان يدعوه إلى ذلك امرأةٌ ذاتُ منْصِبٍ وجمال، فالحديث عنها الحقيقة ذو شجون يعني لو تتحدّث – حفظك الله – لعلّ الإخوة المشاهدين ينتفعون بذلك.
د:محمد: لو نبدأ من الآيات دكتور {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {22} وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} هو في بيتِها هذه لفتة أيْضاً؛ لأنَّ قصّة العِفّة تبدأ من هذه الآيات. قولهُ {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} للدّلالة أنّ يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام ما كان في بيت آخر، كان عندها، وأنَّها هي الّتي راوَدَتْهُ، وهي الّتي هيَّأت هذا الموضوع الّتي هو في بيتها عن نفسه. طبعاً المراودة المقصود بها طلب الشيء بلُطْف وليس بعُنف {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} تغليق الأبواب هنا أتى بالتّشديد للدّلالة على أنّ امرأة العزيز كانت تريد إحكام هذا الأمر، بمعنى أنَّها غلَّقت الأبواب وأحكمت غلق الأبواب. {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} {هَيْتَ} فيها أكثر من قراءة {هيْتَ} يعني: تعالَ، هلُمَّ وأقبِل، وجاءت قراءةٌ سَبْعِيَّة {هِئتُّ لكَ} يعني ماذا؟ تهَيَّأتُ وتجهّزت أو {هِئْتَ} أي أيْضاً تجهّزتَ أنت لي. في القراءة السّبعيّة والعشريّة في هذا الحرف في ثلاث التي هي: (هَيْتَ، وَهِئْتَ، وهِئْتُ) أمّا غيرها فهو شاذٌّ كل قرآءة غير هذه الثّلاث فهي شاذّة.
د:عبد الرحمن: يا دكتور محمد البعض عندما يقول: أسمعك أنت وأمثالك من أهل العلم تقول قراءة سبعية، قراءة متواترة، قراءة شاذّة ما يعرف هذه المصطلحات. فالسبعية ما المقصود بها؟
د:محمد: يعني مرويٌ على القُرّاء السّبعة.
د:عبد الرحمن: القُرّاء السّبعة المعروفين.
د:محمد: المعروفين. والعشرية الثلاثة المتممة للعشر.
د:عبد الرحمن: والشاذة؟
د:محمد: والشاذة ما خرج عن هذه.
د:عبد الرحمن: تُقال لها شاذة.
د:محمد: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {23}} (ربي) الذي هو سيدي. الآية الّتي أشكلت على أهل التفسير {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} بعضهم يرى أنَّ الهمّ وقع حتى من يوسف عليه الصّلاة والسّلام وهو بشرٌ كغيره من الناس، يقع منه الهمّ عليه الصّلاةُ والسلام. والبعضُ يرى أنَّ الهمَّ من يوسف عليه الصّلاةُ والسلام لم يقع، وأنَّ الآيةَ فيها تقديم وتأخير، كيف هذا؟ { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ لولا أن رأى برهان ربّه همّ بها}، هذا هو الوجه، ولعلّها والله عزّ وجلّ أقرب فيما يظهر لي أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام لم يقع منه همّ أصلاً لأنّه هناك من الناس من ليس من الصالحين، ومع هذا لا يهمّ بالفاحشة فما بالك بأمثال يوسف عليه الصّلاة والسلام؟!! فهو من باب أولى.
أيْضاً الآية {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء} يعني صرف الله عزّ وجلّ عن يوسف عليه الصّلاة والسّلام الفحشاء أنَّ اللهَ صرَفَهُ عنها وهو مصروفٌ عنها يعني من الجانبين يعني هو لا يُريدُها والله صرَفَهُ عنها، الإنسان قد يطلب – والعياذ بالله – أمر سوء ويصرفه الله عزّ وجلّ عن هذا حفظاً له
د:محمد: ومن العِصمة أن لا يفعل الإنسان الذّنب، لكن يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام عصمَه الله عزّ وجلّ وهو أيْضاً كان يطلب الفِرار من هذا الأمر.
د:عبد الرحمن: هذا والله ملحظ نفيس جدّاً.
د:محمد: نعم، {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24}} خاتمة الآية تدُلّ على أنَّ الّذي يطلب الفاحشة ليس من المخلَصين أم لا؟
د:عبد الرحمن: بقي معنا الحقيقة اتّصال من الأخ أبو إبراهيم نأخذه يا دكتور محمّد بعد إذنك تفضّل يا أبو إبراهيم:
أبو إبراهيم: بارك الله فيكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
أبو إبراهيم: نسألكم – حفظكم الله – عن معنى قوله تعالى {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا} يقول العلماء أن هذا من أبدع ما جاء في القرآن وكله مُبدْع.
د:عبد الرحمن: أحسنت شكراً جزيلاً. هذا سؤال جميل وبلاغي وأنا عندي سؤال يا دكتور بقي معنا ثلاث دقائق فقط. يقول {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا} يعني لو تعلّق على هذه.
د:محمد: يعني فلمّا استيْأس إخوةُ يوسف من أخيهم.
د:عبد الرحمن: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ}
د:محمد: جاؤوا جانباً أخذوا جانباً وتناجَوْا فيما بينهم ماذا يصنعون؟ يعني أخذوا مكاناً قَصِيّاً، وتناجَوْا ماذا يفعلون في هذه المصيبة الّتي حصلت؟ فإنّهم جاؤوا لأخذِ يوسف فبقي أخوه عنده.
د:عبد الرحمن: كأنّ الأخ أبو إبراهيم يبدو لي يسأل سؤالاً {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا} أنا قرأت لبعض العلماء أنّهم يقولون: أنّ هذه من أبدعِ وأجملِ التّعبيرات الموجودة في القرآن من ناحية التعبير.
د:محمد: نعم صحيح.
د:عبد الرحمن: {فَلَمّا اسْتَيْأَسوا مِنْهُ خَلَصوا نَجِيّاً} كما يقول الأعرابي لمّا سمع قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] قال: “هذا لا يقوله بشر” من بلاغته.
عندي سؤال يا دكتور محمّد يسأله كثير في سورة هود وأنت رَجُلٌ مُقْرِئ في قوله تعالى { قالَ ارْكَبوا فيها بِاسْمِ اللهِ مَجْريها} يسأل دائماً ما هو المعيّن الموجود على الآية {َمجْرَاهَا}؟
د:محمد: هذه الإمالة لحفص وهي الإمالة الوحيدة في القرآن كلّه، مرة،
د:عبد الرحمن: يقرأُها الناس كيف؟
د:محمد: {َمجْرَاهَا} {َقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}[هود:41].
د:عبد الرحمن: أنا دائماً أقو للطُّلاّب لو افترضْنا أنَّ زاوية قائمة بدرجة تسعين درجة ونقول: أنَّ الإمالة هنا بزاوية 45 هل هذا يصِحّ؟ يعني {َمجْرَاهَا} ليست ياءً وليست ألِفاً وإنَّما هي بينهما.
د:محمد: لا، الإمالة أقرب منها للياء، يعني فيه القُرّاء عندهم الفتح والتّقليل والإمالة. التّقليل بين الفتح وبين الإمالة. يعني أنت هذا الّذي قرأته هذا تقليل ليس إمالة، {َمجْرَاهَا} أصبحت إمالة.
د:عبد الرحمن: وبعضهم يسمّيها الإضجاع فيما يبدو لي.
د:محمد: نعم صحيح.
د:عبد الرحمن: كأنه يقرّبها إلى الياء. هل لها أثر يا دكتور محمد برأيك في المعنى؟ يعني الإمالة يعني {َمجْرَاهَا} {مَجْريها}؟
د:محمد: لغة عربية فقط.
د:عبد الرحمن: لهجة من لهجات العرب.
د:محمد: نعم.
د:عبد الرحمن: جميل.
د:محمد: تسمح لنا نأخذ نكمل الباقي ولاّ.
د:عبد الرحمن: الحقيقة الوقت سأعطيك دقيقة.
د:محمد: ما شاء الله عليك.
د:عبد الرحمن: لأنّ الوقت يضيق عنّا كما تلاحظ والسورة واسعة.
د:محمد: لأنّ بقي.
د:عبد الرحمن: دقيقتين فقط انتخب لنا شيئاً نختم به.
د:محمد: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} يعني ألفَيَا سَيِّدَها يعني عندما خرج عند الباب وجد فجأة السيد عند الباب، موقف محرج! فرمت بدائها وانسلّت فقالت هذا الّذي {مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ}، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {25}} هي كأنّها المظلومة! ثمّ قال {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام أُسْقِطَ في يدِه ليس عنده الآن أيُّ حُجّة، لكن الله عزّ وجلّ أراد أن يُظهِرَ براءته فكان قَدُّ القميص هو دلالةً على براءة يوسف عليه الصّلاةُ والسّلام فمَن كان قُدَّ من قُبُلٍ، ولذلك هم قَدَّموا القُبُل على الدُّبُر باعتبار أنَّهُ كأنّهُ عندهم اطمئنان أنّها هي البريئة {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ {27} فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ {28}} .
د:عبد الرحمن الحقيقة يا دكتور محمّد شكر الله لك، والحقيقة السورة يعني أوسع من أن تُتَناوَل في ساعة أو ساعتين أو ثلاث، ولكن أرجو أن يكون المشاهدون قد انتفعوا بهذه اللّفتات الّتي تَفَضَّلْتُم بها، وبهذه الأجوِبة الّتي أفضتم بها أسأل الله أن يكتب لكم أجرها، وأعتذر إليك لضيق الوقت وأعتذر أيْضاً للإخوة المشاهدين لهذا الوقت الّذي دائماً يضيقُ علينا في تناول جزء من القرآن الكريم، وأرجو في أن يكون فيما ذُكِرَ كفاية وبركة بإذن الله تعالى.
باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة المشاهدون أشكر أخي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور محمّد بن فوزان العمر، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، ورئيس قسم الدّراسات القرآنيّة بكليّة المعلّمين بالرِّياض، على تفضُّلِهِ بالمشاركة بهذه الحلقة والإفادة، أسأل الله أن يكتب له الأجر وأن يتقبّل منّا ومنكم ألقاكم بإذن الله تعالى في برنامجكم التفسير المباشر أستودعكم الله. السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.