التفسير المباشر
الحلقة الرابعة عشرة
14-9-1429هـ
د:عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرّحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وصلّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على سيِّدِنا ونَبِيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجمَعينَ. مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون في حلقةٍ جديدةٍ من حلقاتِ برنامجكم اليومي [التَّفسير المباشر] الّذي يأتيكم على الهواءِ مباشرةً من اسْتُديوهاتِ قناةِ [دليل] الفضائيّة من مدينة الرِّياض.
اليوم هو اليوم: الرّابع عشر من شهر رمضان من عامِ تسعةٍ وعشرين وأربعِ مِئةٍ وألف، وسوف يكونُ مِحوَر حديثنا هذا اللّقاء عن الجزء الرّابع عشر من أجزاء القرآن الكريم؛ كما تعوَّدنا في كلّ حلقة من حلقات هذا البرنامج اليومي. قبل أن نبدأ أُريد أن أُذَكِّرَكم أيُّها الإخوة بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم التّواصل عن طريقِها معنا:
الثابت: ( 014459666 ) و ( 012085444 ). ورقم الهاتف الجوال الّذي يمكن استقبال الرّسائل عليه: (0532277111 )
قبل أن نبدأ بالحديث عن هذا الجزء أريد أن أُشير إلى أبرز الموضوعات الّتي تناولها هذا الجزء، كما تعوَّدنا في كلّ حلقة، والجزء الرّابع عشر أيُّها الإخوة يبدأ من أوَّلِ سورة الحِجر وينتهي بنهايةِ سورة النّحل.
وقد تناولت سورةُ الحِجْر:
- المقاصد الأساسيّة الّتي تناولتها الشريعة الإسلاميّة من إثبات الوَحدانيّة والنُّبُوَّة والبعث والجزاء.
- كما تناولت بيان قدرة الله تعالى للخلق وحفظه للسماء من استراقِ السَّمعِ.
- ويُعَدِّدُ اللهُ سبحانه وتعالى نعمه الكثيرة على الإنسان في هذه السورة.
- ثمّ ذكر قصص الأنبياء للعِبرة وتسلية النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- ثمّ خُتِمَت سورةُ الحِجْرِ بتذكير الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بكبرى النِّعَم وهي القرآن المجيد.
- ثمّ عالجَت سورةُ النَّحْلِ موضوعات العقيدة الكبرى؛ كالأُلوهِيَّةِ، والوحي، والبعث، والنُّشور.
- وتناولت دلائل قدرة الله تعالى ووحدانِيَّتِهِ في هذا العالم الفسيح.
هذه هي أبرز الموضوعات الّتي تناولتها هاتين السّورَتَيْن، وسوف يأتي الحديثُ عنها بإذنِ اللهِ بتفصيلٍ مع ضيفِنا العزيز في هذه الحلقة. وبدايةً باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة أيُّها الإخوة المشاهدون أُرَحِّبُ بأخي العزيز ضيف هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدّكتور محمد بن عبد الله الرَّبيعة، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، والمُتَخَصِّص في الدِّراسات القرآنيّة، والأمين العام للهيئة العالميّة لتدَبُّر القرآن الكريم. فحيّاكم الله يا أبا عبد الله معنا في هذا اللِّقاء.
د:محمد: أهلاً وسهلاً بكم وبالمشاهدين جميعاً.
د:عبد الرحمن: حيّاك الله وشكر الله لك استجابتك لهذه الدّعوة.
د:محمد: الله يبارك فيكم.
د:عبد الرحمن: معنا يا أبا عبد الله – كما سمعت – في هذا اللّقاء سورة الحِجر وسورة النّحل، وبدايةً قبل أن ندخل في تفاصيل الأسئلة وبعض التّفاصيل، نريد أن نُعطي المشاهد نبذة عن أبرز أو الموضوع الأساسي لسورة الحِجر وسورة النّحل.
د:محمد: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربِّ العالَمين، وصلّى اللهُ وسلَّم على نَبِيِّنا محمَّد وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلَنا وإيّاكم من أهلِ القرآن العالِمينَ به والعاملين. في هذا الجزء كما ذكرت بارك الله فيك يأتينا سورة الحِجر وسورة النّحل، وكلاهما مكِّيَّتان، لكنَّ سورة الحجر المُلاحَظ فيها أنَّها أكثَرُ ارتباطاً بالمكّي من النّحل، والذي يظهر أنّها من آخر ما نزل في فترةٍ مكيّة؛ ولذلك ذكر الله تعالى فيها المحور والمقصد الّذي يمكن أن نُبَيِّنهُ فيها أنَّها في تَوَعُّد الكافِرين المستهزِئين المستكبرين؛ ولذلك لاحظ أنَّهُ افتتح بقوله بعد: {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} قال: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} يعني: انتهى الأمر {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {3}}، فهي في تهديدهم. وقد ذكر الله عزَّ وجلّ في آخِرِها، أيْضاً توعُّدهم في قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95}} فهي في الواقع هذه السّورة في بيان حقيقةِ الكافرين في آخِرِ أمرهم قبل الهجرة، وتهديدهم بالوعيد؛ ولذلك تضمّنت السورة مصارع الأُمم السابقة، ولو أنَّنا تتَبَّعْناها على عجل لننتقل منها إلى سورة النّحل لوجدنا ظاهرة هذا المقصد؛ فافتتاحُها كُلُّها في بيان سنَّةِ اللهِ عزّ وجلّ في الكافرين.
د:عبد الرحمن: افتتاح سورة النحل؟
د:محمد: سورة الحجر ما زلنا في الحجر.
د:عبد الرحمن: فتح الله عليك.
د:محمد: سنة الله عزّ وجلّ في هؤلاءِ الكافرين فقط قال الله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {5}، ثمّ قال أيْضاً في سنَّته لها بحفظِ هذا القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}} ليس لكم سبيلٌ عليه. ثمّ يذكُرُ اللهُ تعالى وهو {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ {10}} كُلُّها في سُنَنِ اللهِ عزّ وجلّ في الأُمم. ثمّ يأتي بعد ذلك ذِكْرُ خَلْقِ آدم عليه السّلام ما مناسبته؟ مناسبته لسورة الحجر- بارك الله فيك- هو: أنَّ اللهَ تعالى يُذَكِّرُهم بأصلهم هؤلاء المستكبرون ممّا خُلِقوا؟ يُذَكِّرهم بهذا الأصل فيقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {26}} ، هذا الإنسان المستكبر من أين خُلِق؟ من صلصال، وهو: تُرابٌ مُنْتِن كما ذكر المُفَسِّرون أو اليابس {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} يعني: من طينٍ لَيِّن، كيف يستكبر هذا الإنسان الّذي خُلِقَ من هذا الطّين اللَّيِّن؟! ثمّ يذكُرُ اللهُ تعالى بعد ذلك حقيقة الصُّراع بين الحقّ والباطل ثمّ يذكر مصارع الكافرين المُكَذِّبين، ومنهم أصحاب لوط، وبعد ذلك أصحابُ الأَيْكة، وأصحابُ الحِجْر، كُلُّ ذلك؛ تهديداً لهؤلاءِ الكافرين. ثمّ يختِمُ السّورة بسنَّته سبحانه وتعالى في إقامة الحقّ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ {85}} اتركهم، اتركهم وشأنهم يذهبوا الآن مستكبرون معاندون فلا عليك إلاّ أن تصدع بِما تُؤْمَر وتُعْرِض عن المشركين، وأن تنشغل بتسبيح ربّك عزّ وجلّ فقال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ {99}. وهذا المقصد يعطينا الحقيقة باختصار: أنَّ الإنسان إذا رأى صولةَ الباطل واستهزاء المشركين والكافرين والمكذِّبين عليه بإقامةِ الحقّ فعليه أن يصدح بالحق، وعليه أن ينشغل بعبادةِ ربِّه {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ {99}.
د:عبد الرحمن: وأيْضاً كما أشرتم يا دكتور في بداية سورة الحجر ورد قولُهُ تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}} وفي آخِرِها يقول: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ {87}} فيذكره في أوَّلِهِ وفي آخره.
د:محمد: لإثباتِ أنَّ هذا القرآن حقّ، وأنَّهُ باقٍ وأنَّهُ محفوظ مهما كاد له الكائدون والمبطلون: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95}}؛ لذلك قال: { كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ {90} الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ {91}} يعني متفَرِّق مرّة قالوا ساحر مرّة قالوا كاهن، مرّة قالوا يختلقه من بشر أو نحو ذلك.
د:عبد الرحمن: أَوْ يُؤْمِنونَ بِبَعْضِهِ وَيَكْفُرون ببعضه، هذا بالنّسبة لسورة الحجر.
د:محمد: هذه سورة الحجر. أمّا سورة النّحل – بارك الله فيك – فيظهَرُ مقصَدُها من اسمها [النّحل] والنّحل ذكره الله تعالى في سياق تعداد النّعم، فهذه السّورة كما ذكر عدد من السّلف منهم الضّحّاك أنّها في سورة النّعم؛ ولهذا تعدَّدت فيها لفظ النّعم {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} وقوله تعالى: {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} {أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {71} فتكرّرت هذه النّعمة، فهي في إثبات الأُلوهيّة لله عزّ وجلّ عن طريق الدَّلالات الدّالة عليه من نِعَم الله على خلقه.
د:عبد الرحمن: كأنّهُ استدلالٌ بالرُّبوبيَّة على الأُلوهِيَّة.
د:محمد: إيه نعم.
د:عبد الرحمن: يعني خلق وخلق وخلق وخلق وخلق.
د:محمد: نعم، استدلالٌ بالرّبوبيّة ومنها هذه النّعم والخلق والرّزق، وما سخَّره الله تعالى في هذه الأرض وفي هذه السّماء لهذا البشر؛ إثباتاً لأُلوهِيَّتِهِ سبحانه وتعالى، فلاحظ – بارك الله فيك – أنَّه ذكر في هذه السّورة في موضعين ذكر آياته:
الموضع الأول قال: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ {10} يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {11} وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ} ثمّ قال: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ} ثمّ قال: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} وفي موضعٍ آخر أيْضاً في نفس السّورة أعاد التّذكير بآياته سبحانه وتعالى فقال: {وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65} وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا}، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} كلُّ هذا التّعداد لِمَن تأمَّلَها وتدَبَّرَها لا شكَّ أنَّها ستدُلُّهُ على ربِّه وعلى وحدانيَّته وعلى فضله على عباده، ولا شكّ أنك أيُّها الإنسان الضّعيف ستعرف فضلَ الآخر عليك بفضائله عليك ونعمه، فكيف بهذا الرَّبّ العظيم الكريم سبحانه وتعالى؟!! الّذي جميعُ مَا في الأرض من النّعم والفضائل والخير كلُّهُ بيدِهِ ومنه سبحانه وتعالى.
د:عبد الرحمن: ولذلك يبدو أنّه عقّب ذكر هذه النّعم كلها فقال: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}؛ كأنَّهُ أمر استدلالٌ بالرُّبوبيّة – كما تفضّلت – على الُألوهيّة.
د:محمد: إن كانت هذه الكواكب وهذه الأشجار وهذه الدواب حتى الظِّلال الظّلّ ظلُّك أيُّها الإنسان يسجد لله وأنت صاغر. (وهم داخرون) يعني صاغرون رغمَ أنفهم، فإذا كان هذا الظِّلّ يسجد لله فكيف أنت أيُّها العبدُ الضعيف الحقير؟!! لا بُدّ أن يُذَكِّرُنا ذلك بالإنابة إلى الله، وعدم الاستكبار، والخضوع لله عزّ وجلّ، وطلب الرّزق منه سبحانه وتعالى لأنّه هو مصدرُ الرِّزق ومصدر الإنعام.
د:عبد الرحمن: لعلّ هناك كما تفضّلت ملحوظة في الفرق بين سورة النّحل وسورة الحجر: الحجر: قصيرة الآيات، أشبَه ما تكون بسور قِصار المُفَصَّل مكيّة.
د:محمد: الّتي ركَّزَت على العقيدة، وركَّزَت على مواجهة الكافرين بخلاف سورة النّحل؛
د:عبد الرحمن: سورة النحل كأنّ آياتها طويلة مع أنَّها مكيّة، وهذا يدلّ على أنّ الضّابط الذي يذكره العلماء أن الغالب على السّور المكيّة أنّها قصر الآيات أنّه ليس مضطَرِداً هناك سور مكيّة طويلة الآيات مثل الأنعام والأعراف.
فتح الله عليك يا أبا عبد الله وهذا الحقيقة مدخَلٌ جيِّدٌ لهذه الحلقة لإلقاء الضوء على موضوع الحجر وموضوع النّحل ولعلّنا من المناسب الآن أن نستقبل الأسئلة.
د:محمد: لعلّي أُشير فقط في النّقطة الأخيرة: أنّ الله سبحانه وتعالى ذكر في آخرها إبراهيم، لاحظ، ما مناسبة ذكر إبراهيم؟ .
د:عبد الرحمن: لأنّها علامة على التّوحيد.
د:محمد: علامة على التّوحيد، وعلامة على أنّه قام بحقّ الله {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى {37}} كما في سورة الذّراِيات، هنا ماذا قال أو في سورة النّجم هنا ماذا قال؟ {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} مناسب لموضوع السّورة الّتي في النّعم كأنّه يقول كونوا كإبراهيم {واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125] فهو {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ}، كيف شكر أنعُم الله؟ بالقيام بالتّوحيد كامل، والخلوص لله عزّ وجلّ، وميله عن الشرك وأهله، فهي موعظة.
د:عبد الرحمن: فتح الله عليك يا أبا عبد الله. معنا اتصال من الأخ عبد الرحمن من السعودية
عبد الرحمن: السلام عليكم
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله
عبد الرحمن: حيا الله الدكتور عبد الرحمن والدكتور محمد. نشكركم على هذا الطرح الجيد جعل الله هذا في ميزان حسناتكم. لديَّ سؤال في آية 9 من سورة النّحل ما المراد بقوله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {9}} أودّ منكم حفظكم الله ومناسبتها في ذكر هذه السّورة؟
د:عبد الرحمن: شكراً جزيلاً لك. أمر آخر يا دكتور محمّد نريد أن نُسَلِّط الحديث عنه، وهو موضوع المناسبات الآن الّتي نتلَمَّسُها بين موضوعات السورة، أنت عندما قلت النّحل، ومناسبتها لموضوع السّورة، وقلت إن النحل صدقت فعلاً النّحل هي مرتبطة بالنّعم والعسل.
د:محمد: لكن لماذا خُصَّت؟
د:عبد الرحمن: نعم، لماذا خُصَّت وارتباطها بموضوع السّورة؟ يعني: هل ترى أنَّ عنوان السّورة له علاقة بموضوعِها؟
د:محمد: هو في الواقع أنَّ هذه المسألة وهي قضيّة علاقة اسم السّورة بمقصد السّورة تكلَّم فيها العلماء – كما تعلم- منهم مَن أثبَتَها ومنهم مَن نفاها، قد يكون فيها تكلُّف، لكن لا شكّ والله أعلم أن اسم السّورة له علاقة للمُتَأَمِّل المُتَدَبِّر الّذي رسخ علمه في كتاب الله عزّ وجلّ ولكنّ الّذي لا يجده ظاهراً ينبغي أن لا يتكلّف، لاحظ كلمة الإخلاص
– سورة الإخلاص: لماذا سُمِّيَت سورة الإخلاص؟ لأنَّها تَدُلّ على الإخلاص.
– سورة البقرة وهي سورة طويلة لماذا ذُكِرَت فيها اسمُ البقرة؟ ما ذُكِرَ فيها اسم الحجّ أو الصِّيام أو غير ذلك؟ لأنَّ قصّة البقرة تُشيرُ إلى حالِ بني إسرائيل مع أوامر الله في تلكُّؤهم وتشَدُّدهم وتساؤلهم، فهي كأنَّها مَعْلَم لهذه الأُمَّة المُحَمَّدِيَّة أن تحذر ما وقع به بنو إسرائيل في كلِّ هذه التَّشريعات الّتي جاءت في هذه السّورة، فإيّاكم أن تُكْثِروا التّساؤل على أنبيائكم وتتعنَّتوا وتتشَدَّدوا في آياتِ الحجّ، في آياتِ الصِّيام، وفي آيات القَصاص، وفي آيات الرِّبا، وفي آيات المداينات، بل قولوا سمِعْنا وأطعْنا.
– في هذه السّورة معنا – بارك الله فيك – (النّحل) أوَّلاً تفصيل حالها، وهي عجيبة انظر كيف دِقَّة بنائها لبيتِها؟ كيف أنَّها – سلَّمَكَ الله – تُخْرِجُ العسلَ من فَمِها، وتُخْرِجُ الفراخ من ذَيْلِها! وتُخرج هذا الشّمع الّذي تبني به بيتها من أجنحتها!
د:عبد الرحمن: سبحان الله العظيم!
د:محمد: انظر إلى دِقَّةِ طُرُقِها ومسالِكِها، ومنها الخَدَم، ومنها المَلِكَة، ومنها الّذي يجلِبُ العسل، هذا خَلْقٌ عظيم، إنَّها تَدُلُّ على قدرةِ الله عزّ وجلّ هو الّذي سخَّرَها والذي خلقها. فأبرزها باسم السّورة لنتأمَّلَ فيها؛ ولذلك ذكر فيها فائدة عظيمة وهي مصلحةٌ لنا {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} الّذي هو العسل، هذا الّذي يخرُجُ منها فيه شفاءٌ لكم، أفلا تشكروا الله عزّ وجلّ؟ انظروا إلى خلقِها، وانظروا إلى نَتاجِها وهو العسل هذا الطّيِّب الصّافي. فلعلّ السِّرّ والله أعلم من هذه الدِّقّة في وصفِها ووصفِ بنائها، ووصفِ مسالِكِها، وطُرُقِها، ووصفِ العسل بألوانِهِ وأشكالِهِ لا شكّ أنَّها بارزة.
د:عبد الرحمن: ولا شكّ مع دِقَّةِ خلقِها وصِغَرِها في الحجم يعني يخرج منها شرابٌ مختلِفٌ ألوانه وأيْضاً يُغالي النّاس في ثمنه. يعني الآن العسل قيمة العسل كقيمة اللّبن؟
د:محمد: لا، لا شكّ أنَّهُ.
د:عبد الرحمن: كيلوا العسل ما أدري بكم واللّبن!! ومع ذلك أيْضاً دودة القزّ مع صغر حجمها يخرج منها الحرير وهو من أثمن الألبسة، والعسل يخرج من هذه، سبحان الله العظيم!!
أنا يوم ذكرت لي البقرة يا دكتور بالمناسبة هذه فائدة في سورة البقرة قد يُقال: لماذا قد ابْتُلِيَ بنو إسرائيل بالبقرة؟ لماذا لم يقل الله لهم: إنَّ اللهَ يَأْمُرُكًمْ أنْ تَذْبَحوا فرَسَاً أو تذبحوا شيْئاً آخر؟ فيذكر بعض المفسِّرين أنَّه قد ابتُلِيَ بنو إسرائيل بعبادةِ العجل فرسخ في أذهانهم أنَّ العجل مُقَدَّس، وسبحان الله العظيم على مدار التّاريخ تجد مَن يعبُد العجل! انظر الآن إلى الّذين يعبدون البقر من دون الله ويسجدون لها؟ قال: فأمرهم الله أن يذبحوا البقرة حتى يكسِر في نفوسهم هذا التّقديس الّذي هم عليه، وبعضهم يذكر ما في البقر من البلادةِ، وأنَّه مناسِبٌ لحال بني إسرائيل. معنا لو تكرّمت اتّصال يا دكتور محمّد الأخ عبد الباري، تفضّل يا عبد الباري
عبد الباري: السّلام عليكم.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
عبد الباري: أول شيء أحبّ أشكركم فضيلة الشيخ محمد الرّبيعة، أشكر الشيخ محمد الربيعة على طرحه الجميل.
د:عبد الرحمن: تفضل يا عبد الباري عندك سؤال؟
عبد الباري: سؤالي عندما يتأمَّل الإنسان سورة النّحل يرجع إلى ما ذكر الله النّعم في أول السّورة يذكر في آخر الآية يقول: كما ذكر في الأولى ذكر في الأُولى: {يَتَفَكَّرُونَ} وفي الثانية {يَعْقِلُونَ} ، وفي الثالثة {يَذَّكَّرُونَ} هذا في أول السورة وفي وسط السّورة قال: في الأولى {يَسْمَعُونَ} وفي الثانية {يَعْقِلُونَ} وفي الثالثة {يَتَفَكَّرُونَ} ما سبب الاختلاف بين أوّل السّورة ووسط السورة؟ يعني: لماذا ذكرها كلها واحدة؟
د:عبد الرحمن: بارك الله فيك يا عبد الباري. نعود لسؤال الأخ عبد الرّحمن يا أبا عبدِ الله هو يسأل في الآية التاسعة من سورة النّحل يقول أنَّ الله سبحانه وتعالى قال: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {9}} يقول: ما معنى هذه الآية؟
د:محمد: جميل والله السؤال الحقيقة وجيه؛ لأنَّ هذه الآية تجد أنَّها معترِضة في سياق ذكر النعم، قال قبلها {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {8} وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} لاحظ أنَّهُ غَيَّرَ السِّياق فلمّا ذكر الطُّرُق الحِسِّيَّة الّتي هي مراكبهم الحِسِّيّة يعني هي المراكب الحِسِيَّة الّتي تسلك بهم السُّبُل هذه الخيل، والبغال، والحمير؛ لتركبوها لتسلكوا بها السُّبُل، فذكر في مقابل ذلك الطُّرُق المعنويّة، وهي: طرق الدّين والهداية الّتي سخَّرَها الله لهم؛ كما سخّر هذه لهم يركبونها، سخَّرَ لهم طرق الدّين وسبل الهداية وسبل الخير، قال: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} يعني: على الله عزّ وجلّ تيسير السُّبُل لكم، سبل الخير؛ ولذا قال: {وَمِنْهَا جَآئِرٌ } أي: من هذه السُّبُل منحرِف؛ كما قال الله عزّ وجلّ { وَأَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعوا السُّبُل } فقال: {وَمِنْهَا جَآئِرٌ } منها جائر ليست عائدة على الخيل، بعض النّاس يفهمها كذا، يعني من السّبل في نفس الآية؛ ولذلك قال بعدها: {وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} فجَعَلَهُ سبيلاً واحداً، لكنَّهُ جعلها سُبُلاً مختلفة؛ ابتلاءً لكم، فهذه الآية لماذا وردت؟ تذكيراً لهم بما منَّ اللهُ عليهم من الخير؛ كما منَّ الله عليهم معاشهم في الدّنيا، وهذه مثلُها في سورة الحجّ وهي قوله: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة: 197] ومثلُها في قصَّةِ آدم في الأعراف.
د:عبد الرحمن: فلمّا ذكر الزّاد للحجّ قال: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة: 197]
د:محمد: ومثله الحجّ أيْضاً {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .
د:عبد الرحمن: يعن يذكر اللِّباس الحِسّي، ثمّ يذكر المعنوي، ويذكر الطّريق الحسّي ثمّ يذكر المعنوي.
د:محمد: وهذا من بديع القرآن الكريم.
د:عبد الرحمن: ويذكر الزّاد الحسّي ثمّ يذكر الزّاد المعنوي.
د:محمد: وهذا من بديع القرآن الكريم لذلك يجب أن يتنبَّه الإنسان له ليفعله.
د:عبد الرحمن: هذه لطيفة جدّاً، والحقيقة العناية بالسِّياق عند الحديث في التّفسير الآن يسأل النّاس كثيراً لماذا ذكر الله بعد كذا؟ لماذا ذكر الله الآية الفلانيّة بين لآيات الفلانيّة هذه تحتاج حقيقة دِقَّة في النّظر يا دكتور محمد النّظر في السِّياقات؛ لأنَّ بعضها قد يضطرب على القارئ يقول: ما علاقة هذه بهذا؟؟ تحتاج إلى تأمُّل ورسوخ.
د:محمد: هذه نوع تدَبُّر؛ ولذلك ينبغي للإنسان أن لا يتعجَّل في القراءة، فيسأل، ولذلك ذكر الرّازي رحمه الله أنَّ أكثر أسرار القرآن مودعة في المناسبات لاحظ قوله: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] في البقرة ما مناسبتها في آيات الطّلاق؟ جميع الذي يقرأها يقول ماذا أتى بها هذه هنا؟ نقول: بكلّ بساطة الله عزّ وجلّ يرفعُك من علاقاتك مع الخلق ومشاكلك معهم إلى علاقتك مع الله عز وجل لتصفو نفسك وتطيب نفسك وترتاح نفسك، ثمّ ترجع إلى أهلك سالماً غانماً، فالإنسان إذا وقع في مشكلات يعني ننغمس في هذه المشكلات وفي العلاقات الاجتماعيّة يجب أن يرتفع إلى ربّه عزّ وجلّ بصلاته ومناجاته فتهدأ نفسُهُ ولذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ((أرحنا بالصلاة يا بلال)) فيرجع إلى بيته ساكناً هادئاً بإذن الله عزّ وجلّ.
د:عبد الرحمن: هذه لفتة لطيفة جدّاً. الأخ عبد الباري يشكرك ونحن كذلك نشكرك يا أبا عيد الله. الحقيقة يا دكتور محمد النّاسُ في حاجة إلى طرق هذا الموضوع بكثرة “بيان موضوعات السّور ومقاصدها وكيفيّة ربط موضوعاتها بعضها ببعض”؛ لأنَّهم يعني رُبَّما بعضهم يكثِرُ الآن في رمضان يقرأ عشر بعضهم أو 15 مرة، وربَّما لم يستوقفه هذا الموضوع ولا مرّة واحدة؛ لحرص النّاس على الإكثار من القراءة في رمضان.
الأخ عبد الباري يسأل يقول: عندما امتنّ الله سبحانه وتعالى في أوَّلِ سورةِ النّحل فقال: {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ثمّ عقَّبَها فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {11}} ثمّ قال في الّتي بعدها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {12} ثمّ قال في الّتي بعدها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ {13} يقول: ثمّ في وسط الآية أو في وسط السّورة عندما عدَّدَ الله سبحانه وتعالى النّعم أيضاً قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65}، {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {67}، { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {69} فهو يسأل ما هو السِّرّ يا تُرى في هذه التّعقيبات؟
د:محمد: والله هو سؤال وجيه في محلِّه، وهذا يدلّ وينمّ على التَّدَبُّر، وهي ممّا ينبغي للإنسان أن يقف معهُ فواصل الآيات، فواصل الآيات الحقيقة – كما تعلم – يا دكتور عبد الرّحمن فيها أسرار ختم الآية بـ {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لماذا؟ اربطها بما قبلها تجد فيها ملاحِظ وهِدايات. هنا والله عزّ وجلّ أعلم يعني: لو تأمَّلْنا وتَدَبَّرْنا الآية، الآيةُ الأولى قال: {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} هذه الأمور كُلُّها من الأمور المشاهدة والحسيّة فهي تحتاج إلى فكر، تفكير فيها كيف تنبت؟ كيف تنمو؟ كيف تُزْرَع؟ كيف النّخيل أنواعُها وأشكالُها، والأعناب وأشكالُها، يحتاج إلى فكر؛ لذلك قال: {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وهذا التَّفَكُّر يَدُلُّهُم على الخالق وعلى أُلوهِيَّته سبحانه وتعالى ووحدانِيَّته. بعدها قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} في قوله: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} وهذا غير مُشاهدة تحتاج إلى عقل.
د:عبد الرحمن: كيف أسبابها وكيف حصولها تحتاج إلى عقل.
د:محمد: نعم كيف اللّيل يخرج؟ وكيف النّهار يخرج؟ وكيف الشمس تغيب؟ وكيف الشّمس تخرج؟ وهذه ليست أمام أعينهم قريبة يعني هم الّذين يُباشرونها في أفلاك الله عزّ وجلّ فإذا قال: {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} تحتاج إلى عقل.
د:عبد الرحمن: وأنّه لا يمكن أن تكون هذه بغير مُدَبِّر.
د:محمد: لا شكّ، وهذا يدُلُّهم على الإله.
أمّا الآية الثالثة: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ {13}} يعني: بعد هذه الآيات بعد التَّفَكُّر، ثمّ التَّعَقُّل يصير الإنسان إلى التَّذَكُّر، نتيجة، ولذلك جاء بعدها في الآية الّتي بعدِها قال: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {14}} فالحَظ – بارك الله فيك – هذا التَّدَرُّج: تتفَكَّر، ثمّ تعقل، ثمّ تتذكَّر، ثمّ تشكر، فهذا الحقيقة والله أعلم تتابع الآيات أو تدرج الآيات على هذا التّرتيب لهذا المعنى أو لمعاني أخرى والله أعلم.
د:عبد الرحمن: صدقت، نحن نحتاج يا دكتور محمّد فيما يبدو لي إلى إعمال النّظر مرّة بعد مرّة، ربَّما أنت الآن وقد أجَبْتَ بهذا الجواب، رَبَّما أنَّك لَوْ تَأَمَّلْت وتمعَّنْتَ أكثر لَظَهَرَتْ لَكَ أسرار لم تظهر لك في البداية، وهذا من طبيعة النّصّ القرآني أنّه غني.
د:محمد: لكن هنا مسألة يا دكتور عبد الرّحمن، وهي أنَّ الإنسان يتأمَّل في الآية ويربُطُها في المناسبة، وهذا هو الاجتهاد، حتى يقول الزمخشري أنا أتكلّف نقول: لا تتكلَّف اجتهد في ربطِها بالآية الّتي أنت فيها، فإن وفَّقَك الله لذلك فهذا اجتهادٌ منك كافي، وأنت مأجورٌ عليه، وإن لم تستطع فارجع إلى بعض كتب التفاسير.
د:عبد الرحمن: مثل ماذا يا دكتور؟ كتاب تفسير يعين على مثلِ هذه الفوائد الّتي تذكرها؟
د:محمد: والله هذه الرازي يعتنى بها كثيراً، البقاعي يعتني بها كثيراً، ابن عاشور يعتني بها كثيراً
د:عبد الرحمن: البقاعي في كتابه نظم الدُّرر.
د:محمد: ابن عاشور في التحرير والتّنوير، البحر المحيط، وإن كان واسعاً هذا بحرًا.
أمّا بالنّسبة للموضع الثّاني والله أعلم يا دكتور الذي في الوسط ذكر إنزال الماء، وإحياء الأرض.
د:عبد الرحمن: آية كم يا أبو عبد الله؟
د:محمد: آية 65. ثمّ قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65}} فالحقيقة التماس هذا المعنى يحتاج إلى تأمُّل، لكن يظهر لي والله أعلم أنَّ المناسبة لمّا ذكر إنزال الماء وإحياء الأرض وهو الدّال على البعث والنّشور، ودالٌّ على إنزال القرآن أيْضاً؛ لأنَّهُ قال بعدها: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} فهو هذه الآيات آية {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} يفهمون ويستجيبون فانظروا إليها، أمّا بالنّسبة لما بعدها قال: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {67}} الحقيقة في مَلْحَظٍ جميل، وهو أنَّهُ لمّا ذكر السّكر قال: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} والسّكر يُذهِب العقل ما وصفه قال: {ِإنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يعني: صَفَت عقولهم، وعرفت هذا المعنى.
د:عبد الرحمن: أمّا الّذين يتّخِذون السّكر في العادة لا يعقلون.
د:محمد: نلاحظ والله أعلم الارتباط بين ذكر السّكر وبين العقل. أمّا بالنِّسبةِ للتَّفَكُّر في الآيةِ الّتي بعدها في النّحل وكما ذكرنا أنّها آية دقيقة {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} تحتاج إلى تفكُّر.
د:عبد الرحمن: تحتاج إلى وقفة نأخذها بعد اتّصال الأخ أبو أُسامة. الأخ أبو أسامة تفضّل حياك الله
أبو أسامة: السّلام عليكم ورحمة الله
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
أبو أسامة: الشيخ عبد الرّحمن عندي اقتراح وثلاث آيات أريد الاستفسار عنها جزاك الله خير.
د:عبد الرحمن: تفضل اقتراحك أولاً.
أبو أسامة: الاقتراح: بالنّسبة للأسئلة الّتي تكون خارج الجزء المحدّد يا ليت مثلاً تكون في آخر الحلقة؛ لأنّه الحقيقة نحن نكون مستعدّين لهذا الجزء المحدّد جزاكم الله خير.
د:عبد الرحمن: جيّد.
أبو أسامة: الاستفسار:
الأول: عن الآية الثانية في سورة الحجر {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ {2}} هي طبعاً نحن تعوّدنا على ربّما هل التّخفيف لحاجة لُغَوِيّة أو غير ذلك؟
د:عبد الرحمن: الثاني يا أبو أسامة؟
أبو أسامة: الثاني: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49}} آية 49 وآية 50 {وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ {50}} يا ليت نأخذ مناسبتها؟
الآية الثالثة: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ {80}} فأصحاب الحجر – كما علمت – أنّهم هم قوم صالح لماذا في هذه الآية فقط من القرآن كلّه سُمّوا بأصحاب الحجر؟
د:عبد الرحمن: أحسنت.
أبو أسامة: الله يجزيكم خير.
د:عبد الرحمن: شكراً لك أبو أسامة الله يحيّك. نعود يا دكتور محمّد في الآية الّتي ختمتَ بها حديثك يعني وهي آية مهمّة يذكُرُها العلماء دائماً في ابتداء تشريع تحريم الخمر فيقولون: إنَّ أوَّلَ إشارةٍ إلى تحريم الخمر هي الآية الّتي في سورة النّحل في مكّة وهي قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} تعليقك على يعني وجه الاستنباط في هذه الآية.
د:محمد: الله عزّ وجلّ امتنَّ اللهُ عليهم بالنخيل والأعناب وأنَّها منها يُصْنَع السُّكر، ومنه يُؤخَذ الرِّزق وهو الثّمر والعنب نفسه، فذكر يعني جانب و-هذه السّورة كما تعلم مكيّة وقد كان الخمرُ لم يُحَرَّم بعد- فذكر الله تعالى هذا في خطاب المشركين أيْضاً أنَّه سخَّرَ لكم هذه النَّخيل والأعناب الّتي تتَّخِذونها بهذا السّكر من هذا الخمر، فذكّرهم بذلك لأنهم مُشرِكون ولأنَّ الخمرَ لَمْ تُحَرَّم بعد، ثمّ أشار إلى ما هو حلال، وهو الرّزق وسمّاه رزقاً.
د:عبد الرحمن: وصفه بالحسن قال تتّخذون منه سكَراً ورزقاً حسناً.
د:محمد: نعم أحسنت.
د:عبد الرحمن: فسكت عن وصف السّكر بأنَّهُ حسن، ووصف الرّزق بأنّه حسن؛ ولذلك قال العلماء: هذه أوَّلُ إشارةٍ إلى أنَّ الخمرَ سَتُحَرَّم.
د:محمد: ولعلّ أيْضاً ما يشير إلى كراهة الخمر هنا التّعبير بقوله (سكَر) ما قال خمر قال سكر بمعنى الخمر يُؤدّي إلى السّكر وهو ذهاب العقل.
د:عبد الرحمن: ذكر النّتيجة، أيْضاً ممّا يُؤكّد هذا المعنى كلامك الجميل الّذي تفضّلتَ به بأنّه ختم الآية بقوله: {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إشارة إلى أنَّ السُّكُر يتنافى مع العقل ويُذهبه وهذه فكرة جميلة جدّاً.
في يا دكتور محمّد سائلٌ سألنا عن الآية الثالثة من سورة النّحل، وهي قوله سبحانه وتعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {3} ما معنى هذه الآية؟
د:محمد: هو الله عزّ وجلّ لمّا ذكر في أوّل السّورة وافتتاحها قال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}} في أُلوهِيَّتِه ورُبوبِيَّته، ثمّ ذكر هنا إنزالَهُ الوحي {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ {2}} بدأ في ذكرِ دلائل وحدانيَّته، أوَّل دلائل وحدانيَّته خلقُ السَّماواتِ والأَرْضَ بالحقّ، فهو خلَقَها بالحقّ، وخلقَها لحكمة يُريدُها، ومنها تسخيرُ هذه الأرض للبشر ليعبدوا اللهَ عزّ وجلّ، فمناسبتها: أنَّهُ افتتح الله تعالى بها دلائل وحدانيّته.
د:عبد الرحمن: لا إله إلاّ الله؛ وكأنّ هذا يا أبو عبد الله ثمّ قال: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} البعض يشكل عليه ما معنى (تعالى)؟
د:محمد: تعالى يعني تقدَّس وتنزَّه سبحانه وتعالى.
د:عبد الرحمن: سبحانه وتعالى. أيْضاً كأن في إشارة لمّا تفضّلت في قوله سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر:57] فلذلك استُدِلَّ بها لكونها من أعظم المخلوقات.
أمّا سؤال الأخ عن قوله: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ {2} الحجر}.
د:محمد: أنا هذه ليس عندي فيها شيء.
د:عبد الرحمن: نعم، هذه لغة يا دكتور محمّد في (رُبَّما) بعض القبائل تقول: رُبَّما وبعضها تقول رُبَما، وقد وردت قراءة {رُبَّما} و {رُبَما} في هذه الآية.
يسأل أبو أسامة سؤالاً عن قوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49}} {وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ {50}} وأنا على ثقة أنَّ لديك فيها تفصيل ولذلك أستأذنك أن آخذ اتّصال أبو أحمد قبل الحديث عن هذه الآية. أبو أحمد تفضّل حيّاك الله
أبو أحمد: السلام عليكم ورحمة الله.
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أبو أحمد: ما أدري تسمعوني أنا ما أسمعكم يا شيخ عبد الرّحمن.
د:عبد الرحمن: لا، أنا أسمعك تفضّل.
أبو أحمد: طيّب يا شيخ، حيّاكم الله يا شيخ وحيّا ضيفَك الكريم الله يرفع قدرك.
د:محمد: أهلاً وسهلاً الله يحيك.
أبو أحمد: عندي سؤال يا شيخ في آية سورة النّحل في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا} في سورة الأنعام يقول الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} فما الفرق بين أن قال هنا {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} وفي آية الأنعام قال: {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} بغير من دونه؟
د:عبد الرحمن: هل يا أبو أحمد لو تعطينا رقم الآية حتى يسهُلَ علينا البحث؟
أبو أحمد: في الأنعام آية رقم 148 .
د:عبد الرحمن: جيِّد أحسنت الله يكتب أجرك.
أبو أحمد: طيّب، سؤال ثاني في قوله تعالى في سورة النّحل {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} آية 70 يا شيخ نلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى قال: {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} ثمّ ذكر مرحلة قبل الوفاة التي هي {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} يعني التّقسيم المنطقي أن يُقال ومنكم مَن يُرَدُّ إلى أرذَلِ العُمُر، ثمّ يتوَفّاكم فما الحكمة في أنَّه قدّم مرحلة الوفاة، ثمّ ذكر مرحلة هي ما بين الوفاة والخلق؟
د:عبد الرحمن: أحسنت.
أبو أحمد: طيب في سؤال ثالث أيْضاً يا شيخ:
د:عبد الرحمن: طيب تفضّل.
أبو أحمد: في قوله تعالى: في الآية التي بعدها {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ {72}} نُلاحظ كلمة نعمة في القرآن أحياناً تُكْتَب بالتّاء المفتوحة، وأحياناً تُكْتَب بالتّاء المربوطة مثل قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11}} [الضحى:11] كُتِبَت بالتّاء المربوطة، فهل هناك فرق بين النّعمة الّتي تُكْتَب بالتّاء المفتوحة (نعمت)، ونعمة الّتي تُكْتَب بالتّاء المربوطة، وهناك أيْضاً كلمة (رحمة) تُكْتَب أحياناً بالتّاء المفتوحة وأحياناً تكتب بالتّاء المربوطة.
د:عبد الرحمن: أحسنت.
أبو أحمد: أيْضاً يا شيخ في سؤال في الأمثال الّتي ذُكِرَت في هذه السّورة {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا} ثمّ ذكر المثل الآخر: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} يعني كِلا المَثَلَيْن سيق لإثبات حقّ العبادة لله عزّ وجلّ لكن ما الفرق بين المثلين في الدّلالة؟ وما الحاجة في أن يُضْرَب المثلين في الدّلالة على شيْءٍ واحد وفي موطنٍ واحد؟ سؤال أخير أيْضاً يا شيخ وأعتذر على الإطالة
د:عبد الرحمن: لا بالعكس أسئلتك جيّدة.
أبو أحمد: في قول الله عزّ وجلّ {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {121}} فالوقف هنا {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} أو {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} الوقف في القرآن على {لِّأَنْعُمِهِ} لكن لو وُقِفَ {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} ثمّ {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يعني الفرق في المعنى إذا كان الوقف على {أنعمه} وإذا كان الوقف على {اجتباه}؟ الله يرفع قدرك.
د:عبد الرحمن: أبشر أبشر شكراً يا أبو أحمد على هذه الأسئلة الله يرضى عليك. الأخت نورة عادت إلينا مرّة أخرى تفضلي يا أخت نورة
نورة: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: مع الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
نورة: لو سمحت يا شيخ في الآية 75 و 76 من سورة النّحل نريد شرح الآيتين، المفهوم والله أعلم أنّ الأول المثال للعبد المملوك، والثاني الأبكم ورد ذكرهم مع بعض وهم أصلاً ما لهم حول ولا قوّة؟ هذا في سورة النّحل في الآية الأولى آية 33 من سورة النّحل {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} ما المقصود بمجيء الملائكة هنا؟ وهل مجيء الملائكة داخل في أمر الله؟
د:عبد الرحمن: واضح السؤال يا أخت نورة. معنا الأخت محبّة القرآن من ليبيا تفضلي
محبة القرآن: السلام عليكم ورحمة الله.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
محبة القرآن: حياكم الله.
د:عبد الرحمن: حياك الله يا مرحباً.
محبة القرآن: لدي سؤال في سورة الحجر آية 87 يقول الله عزّ وجلّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ {87} ما المراد بالسبع المثاني ولماذا سُمِّيَت بالمثاني؟ حفظكم الله.
د:عبد الرحمن: شكراً شكراً جزيلاً. تلاحظ يا أبا عبد الله الأسئلة كثيرة، وأيْضاً الأسئلة جيِّدة
د:محمد: أعجبني فيها أنّ فيها تدبُّر وفيها تأمُّل هذا الّذي نُريد، الإنسان يقرأ هذا الجزء يقرأه حقيقة ويتساءل، وإذا جاء عنده سؤال لا يعرفه يكتبه ثمّ يسأل عنه مَن يجيد.
د:عبد الرحمن: شكر الله لك وأنا والله متفائل يا دكتور بكثرة الأسئلة الدّقيقة هذه أن عودة النّاس للقرآن يعني عودة واضحة ولله الحمد.
الأخ أبو أسامة يسألُنا سؤالاً في سورة الحجر في آية 49 و 50 يا دكتور يقول: قوله سبحانه وتعالى {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49} وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ {50}} يقول معنى هاتين الآيتين وسر ختمها أو ختم الآيات الّتي سبقتها بها؟ ثمّ ينتقل إلى قصّة إبراهيم بعدها؟
د:محمد: لاحظ – بارك الله فيك – أنّه قال في الآيات {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {39} إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {40}} ثمّ قال الله تعالى بعدها: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ {42}} فهنا الله عزّ وجلّ ذكر العباد وحتى الكفار من عباد الله عزّ وجلّ فهو قال: {نَبِّئْ عِبَادِي} هؤلاء الّذينَ يغويهم الشّيطان يريدُ أن يُحْرِفَهم عن سبيلي، نَبِّئْهُمْ أَنّي أنا الغفورُ الرَّحيم حين يُطيعونني ويعصون الشّيطان ويستجيبون لي، وأنَّ عذابي لِمَن عصاني واتّبع الشيطان، فهي مناسِبة لذكر حال الشّيطان، وكونه اتَّخَذَ على نفسه عَهْداً بعداوةِ بني آدم وإضلالهم، فهو ترغيبٌ وترهيب.
د:عبد الرحمن: الله أكبر! وأيْضاً الحقيقة فيها امتنان يا دكتور أليس كذلك؟ يعني عندما يقول الله سبحانه وتعالى يردّ على الشّيطان ويدحَرهُ ويقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} لو قال: إنَّ النّاسَ ليس لك عليهم سلطان لكن عندما يقول: {إِنَّ عِبَادِي} فيها معنى الحماية يقول: ليس لك عليهم سبيل، ثمّ يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي} فيها إشارة وتحَبُّب للخلق أن يتوبوا ويرجعوا إليه. فتح الله عليك يا أبا عبد الله. نستأذنك يا أبا عبد الله ونستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل نُعَرِّف فيه بكتاب، لعلّهم ينتفعون به، وأرجو أن يُسَجِّلوا عنوانه ويستفيدوا منه، ثمّ نعود إليكم فابقواْ معنا.
****************************
فاصل: التعريف بكتاب
“التّفسيرُ المُيَسَّر”
قام بتأليفِ هذا الكتاب نُخْبَةٌ من العلماء المتخَصِّصين في الدِّراسات القرآنيّة، وقد صدر هذا التّفسير عن مُجَمَّع الملِك فهد لطباعةِ المصحف الشريف في المدينةِ المنوّرة عام 1419 للهجرة، وقد تمّ تأليفُ هذا التّفسير السّهل المُيَسَّر في عبارته وأُسلوبه لتلبية حاجةِ المسلمين الّذين يقرأون القرآن الكريم، ويرغبون في معرفةِ معانيه بيسرٍ وسهولة دون تطويرٍ ودخولٍ في اختلافات المُفَسِّرين، وتَعَدُّدِ أقوالهم ممّا لا يُحْسِنُهُ إلاّ أهل العلم المُتَخَصِّصين، ومَن في حكمهم، وقد حرِصَ المُؤلِّفون على توحيد المنهج للعنايةِ بِذكرِ أَصَحِّ الأقوال في تفسيرِ الآية ممّا تطمئنُّ إليه النّفس مع العناية بأقوال السّلف الصّالح في تفسير القرآن وسلامة المعتقد.
*************************
د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها المشاهدون مرّةً أخرى في برنامجكم التفسير المباشر، وأُجَدِّد الترحيب بأخي ضيف هذا اللّقاء فضيلة الشيخ: الدّكتور محمّد بن عبد الله الرَّبيعة، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، المُتَخَصِّص بالدِّراسات القرآنيّة، والأمين العام للهيئة العالميّة لتَدَبُّر القرآن الكريم. حياكم الله يا أبا عبد الله مرّةً أخرى.
د:محمد: حياكم الله جميعاً.
د:عبد الرحمن: كان حديثُنا عن {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {49}} وأفضت فيها جزاك الله خيْراً. سأل الأخ أبو أسامة سؤالاً فقال: إنّ أصحاب الحجر هم قوم صالح – كما يعرف – فيقول: لماذا في هذه السّورة سمّاهم أصحاب الحجر {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ {80}} يقول: هل من عِلّة يا تُرى من التّخصيص لهذا هنا؟
د:محمد: والله ما يظهر لي إلاّ أنَّ الله سبحانه وتعالى ذكر من حالهم {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ {82}} فهم أصحابُ الحجر بهذا المعنى والسّورة – كما تعلم – أنَّها في التشديد على الكافرين والتّغليظ عليهم، وذكر استكبارهم، فانظر كيف هؤلاء الّذين ينحتون الجبال وهم أصحاب الحجر أصحاب قوم صالح الذين هم ثمود.
د:عبد الرحمن: وأظن يا دكتور أنّهم كانوا في وادي وادي الحجر وهذا الوادي نُسِبوا إليه.
د:محمد: فذكر الله سبحانه وتعالى هنا صفاتهم الّتي فيها قوّة وفيها جبروت، فقد يكون والله تعالى أعلم ناسب هذا الذّكر تخصيصها؛ ولذلك سُمِّيَت السورة بهم.
د:عبد الرحمن: يسأل الأخ أبو أحمد أيْضاً سؤالاً حقيقة أنّه يبدو أنّه يحتاج تأمُّل الذي هو الفرق بين الآية رقم 35 في سورة النّحل وهي قوله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ {35}}.
د:محمد: هذه ما يظهر لي فيها شيء الآن لكن الحقيقة لو تأمَّلْت سياق السّورة هنا وهناك وتدبرت العلاقة
د:عبد الرحمن: يقول الفرق في سورة الأنعام: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ} حتى نشرك الإخوة المشاهدين في الآيتين التي هي آية 148 من سورة الأنعام يقول: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} وهنا في النّحل يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}
د:محمد: قال في الأنعام: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} لاحظ أنَّه في النّحل ذكر في الأول قال: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ} فذكرها {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ} وفي الأنعام ما ذكرها لكن لا شكّ أنَّ لها معنًى آخر وهذا التّعبير له دلالة لكن ما يظهر لي والله أعلم هذا الآن.
د:عبد الرحمن: مثل هذه الحقيقة كما يقولون يا دكتور محمّد أذكر كلمة جميلة كان يقولها لنا أستاذ يدرسنا في الكليّة قديماً فكان كثير يطرح الأسئلة ويتركها بدون أجوبة.
د:محمد: جميل هذا.
د:عبد الرحمن: فقال لي يوماً فقلت له: أنت تذكر الأسئلة ولا تجيب عليها، قال حتى تُفَكِّروا فيها، فقال لي: اسمع أنا سمعتُ كلمة من أستاذي قديماً قال: الدّرس الّذي يُثيرُ الأسئلة هو أفضل من الدّرس الّذي يعطي الأجوبة، أنت تخرج من الدّرس وقد أُثيرت في ذهنك عدد من الأسئلة تبحث عن إجابتها تتأمَّل فيها خيرٌ من الدّرس الّذي يعطيك الأجوبة مباشرةً دون إعمال ونصَب. نحن نقول الإخوة المشاهدين الآن الأخ أبو أحمد أنأ أشكره الحقيقة على أسئلته، الأخ أبو أحمد يسألنا يوميّاً وهو متابع جزاه الله خيراً ممَّن يُشَجِّعُنا في هذا البرنامج في أسئلته ودِقّة السُّؤال؛ لأنَّ السُّؤال ترى السُّؤال يدلّ على عقل صاحبه.
د:محمد: الحقيقة أنا لاحظت أنّ أكثر أسئلته في المتشابه، وأنا أُحيلُهُ للحقيقة لشخص له اهتمام كبير في المتشابه شخص وفي كتاب أمّا الشخص فهو أحد الباحثين في جامعة أم القُرى الشيخ فهد الشّتوي ورسالته في “المتشابه اللّفظي وأثَرُ السِّياق في حلِّهِ في قصَّةِ موسى”، وأبدع في هذه الرِّسالة، ثمّ تَبِعَهُ بعض الباحثين والباحثات في قصّة لوط وإبراهيم.
د:عبد الرحمن: فقط يا أبو عبد الله فيما يبدو لي أنّ مثل هذه الأسئلة أيْضاً إثارتها في حدّ ذاتها تعتبر خطوة رائعة ثم الإجابة عنها تحتاج إلى إعمال نظر. لكن لدينا اتّصالين من ليبيا يا دكتور محمّد نأخذها ثمّ نعود. الأخ عيسى من ليبيا تفضل يا أخ عيسى حياك الله
عيسى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. محمد ود. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عيسى: كيف حالك يا شيخ محمد؟
د:محمد: أهلاً وسهلاً حياكم الله.
عيسى: أريد تفسير قوله تعالى في سورة يونس وهي الآية الّتي تقول: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {63} لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {64} وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {65}} أريد تفسيرها وما معنى أولياء الله؟ {وَاللهُ هُوَ الوَلِيُّ الحَميد} يعني نريد تفصيل هذه الآية مشكورين وبارك الله فيكم جزاك الله خيراً.
د:عبد الرحمن: حياك الله يا عيسى. معنا الأخت سمر من سوريا تفضلي يا أخت سمر
سمر: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: عليكم السلام.
سمر: لو سمحت أنا عندي سؤال في العقيدة.
د:عبد الرحمن: تفضلي.
سمر: أنا امرأة ملتزمة ولله الحمد والشكر، لكن تراودني الشكوك والعياذ بالله حول وجود الله لكن أنا ملتزمة ولله الحمد ولكن هذه الشكوك لا تؤثّر على عباداتي، وأبذل قُصارى جهدي في التّغلُّب عليها من عبادة التّفكير، من قراءة القرآن، من الاستزادة من البرامج الدينيّة، متابعة الحلقات الدّينيّة، لكن دائماً هذه الأفكار تسيطر على تفكيري السؤال هو: هل أنا مؤمنة؟ هل لو بقيت على هذا الحال ما هو مصيري؟ مع أني الحمد لله أقوم الحمد لله بجميع العبادات.
د:عبد الرحمن: اتّضح المقصود يا أخت سمر. نعود يا أبا عبد الله إلى الحديث في قوله سبحانه وتعالى في آية سورة الأنعام: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ} .
د:محمد: نكمل المصادر – بارك الله فيك – هناك “دُرَّة التنزيل” للاسكافي، وهناك لابن جماعة “مَلاك التأويل”
د:عبد الرحمن: مَلاك التأويل لغرناطي عرضناه على الإخوة في حلقة من الحلقات وهذا الكتاب فعلاً قيّم مَلاك التأويل القاطع لذوي الإلحاد والتعطيل هذا لأبي الزُّبير الغرناطي،
د:محمد: “فتح الرحمن” للأنصاري لزكريّا الأنصاري، الحقيقة تعينك حينما تأتيك المتشابه وهي الحقيقة فيها دقائق ومعاني لذيذة.
د:عبد الرحمن: والحقيقة أنَّها – كما تفضّلت – يعني الّذي يكشِفُها لك هو التَّدَبُّر والتأَمُّل.
سائلٌ يسأل وهو أبو أحمد أيْضاً يقول الله في آية رقم 70 في سورة النّحل {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {70}} سؤاله يقول: التّرتيب المنطقي -كما يرى هو- أنّ المفروض أن يُقال والله خلقكم ومنكم مَن يُرَدُّ إلى أرذلِ العمر ثمّ يتوفّاكم؛ لأنَّ الرّجوع إلى أرذل العمر قبل الوفاة فيقول ما هي الحكمة يا تُرى؟ لماذا قال: {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} ثمّ ذكر {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} السؤال أصلاً يمكن أن يُقال: هل يُرَدُّ إلى أرذل العمر هي قسيم للخلق والوفاة؟
د:محمد: هذا سؤال.
د:عبد الرحمن: جيّد، لو توضح له أبو عبد الله.
د:محمد: هو الذي يظهر لي والله عزّ وجلّ أعلم وأحكم أنَّهُ الله عزّ وجلّ ذكر هنا الحالة الطَّبيعيّة السورة في النّعم.
د:عبد الرحمن: جميل، {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ}.
د:محمد: السورة في النّعم فهو الحالة الطّبيعيَّة الّتي هو خلقهم ثمّ وفاتهم يعني: أنت تكون حياتهم خلق ثمّ وفاة طبيعيّة قال: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العُمُر} وأرذل العمر حالة قليلة، وهي أيْضاً هي من الحالات الّتي لا يرغبها الإنسان؛ لأنّه بها يذهب عقله بها النّاس يتركونه إلى غير ذلك، فهي سورة في النّعم فلمّا كانت السورة في النّعم أخَّرَ ما لم يكن هذا منه لعلّ هذا والله أعلم.
د:عبد الرحمن: هذه لفتة جميلة يعني هذه الرّجوع إلى أرذلِ العمر ليس ممّا يُمْتَنُّ به على النّاس.
د:محمد:: “اللهمَّ إنّي أعوذُ بك أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العمر” تذكير، هنا تذكير في سياق النّعمة؛ كأنه قال تذكَّروا هذا الخلق، ثمّ تذكَّروا أنَّ منكم كذا.
د:عبد الرحمن: سبحان الله العظيم! ولاحظ يا دكتور محمّد وهذه فائدة مهمّة جدّاً أنَّ الله سبحانه وتعالى ذكر العلم أنَّه من أهمّ صفات الإنسان يعني: أنت الآن كإنسان قيمتك فيما تعلم؛ ولذلك قال: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} قال: {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} ثمّ ختمها فقال: {إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } .
د:محمد: إيه والله الإنسان إذا رأى إنساناً عنده تخَلُّف عقلي أو إنساناً كبيراً يهذي والله إنَّهُ ليعرف نعمةَ الله عليه، يعرف نعمةَ الله عليه بالعقل، نعمةَ الله عليه بالعلم، ونعمة الله عليه بالصّحّة والعافية، فالله عزّ وجلّ هنا يذكِّرُنا بذلك.
د:عبد الرحمن: أذكر يا دكتور محمّد عبرة لنا جميعاً وللإخوة المشاهدين كان هناك كاتب مشهور جدّاً معروف مصري هو طبعاً رحمه الله توفي، وكاتب من أعمق الكُتّاب يعني عندما تقرأ كتبه أحياناً تحتاج إلى أن تقرأ مرة مرتين حتى تفهم ما يكتب من عمقه العلمي، لقيته قد بلغ من الكِبَرِ عِتِيّاً وأصبح عقلُهُ يذهب ويعود، فلمّا تأمّلته وهو يهذي لا يعرف مَن يأتي إليه ويتكلّم بكلام ليس له أساس تذكّرت هذه الآية {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} أقول هذا الرّجل هو صاحب هذه المؤلَّفات، ربما لا نستطيع فهمها من عمقها، وهو الآن لا يستطيع أن يُبين عمّا في نفسه، ولا
د:محمد: لكن هنا الحقيقة فائدة يا دكتور عبد الرّحمن أذكر أنّي قرأتُها ومعناها صحيح والواقع يُؤكِّدُها: أنَّ صاحب العلم الشرعي الراسخ بكتابِ الله عزّ وجلّ العامل بكتاب الله، الحافظ لكتاب الله لا تجده يهذي، يعني بإذن الله يُحْفَظُ من هذا؛ لأنّه يحمل شرع الله، كيف يهذي وهو يحمل شرع الله عزّ وجلّ؟! ولهذا حفظ الله الأنبياء من قبل بهذا، فهذا دليل على أنّ صاحب العلم وصاحب القرآن بإذن الله محفوظٌ من هذا الحال بإذن الله.
د:عبد الرحمن: هذه لفتةٌ مهمّة جدّاً نسأل الله أن يحفظنا اللهمّ آمين.
الأخ أبو أحمد أيْضاً من أسئلته قال: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ {72}} يسأل هنا نعمت كُتِبَت هنا بالتاء المفتوحة ويقول في بعض المواضع تُكْتَب بالتّاء المربوطة.
د:محمد: في الآية التي قبلها: {أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {71}}.
د:عبد الرحمن: {أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {71}} هذه آية رقم كم يا أبو عبد الله؟
د:محمد: 71 قبلها فبنعمة مربوطة والثانية {وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.
د:عبد الرحمن: ما هو جواب هذا التّساؤل؟
د:محمد: والله ما عندي علم أنت أعلم بها.
د:عبد الرحمن: هذه الجواب يا أبا عبد الله أنَّها هذه من الرّسم العثماني؛ لذلك يقول ابن الجَزَري رحمه الله في المقدّمة قال يشير إلى أنَّه يجب على المسلم أن يتعلّم قراءة القرآن الصّحيحة، وأن يتعلّم أيضاً من رسم المصحف، ومن الأشياء الّتي ينبغي عليه أن يتعلَّمها ويحرص عليها قال:
مِنْ كُلِّ مَوْصولٍ وَمَفْصولٍ بها وتاءِ أُنْثى لَمْ تَكُنْ تُكْتَبْ بِها
نحن تعوَّدنا أنّ رحمة تُكْتَب بالتاء المربوطة، لكنّها كُتِبَت في القرآن في بعض المواضع بالتاء المفتوحة؛ كما في قوله: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا} أقول له بكلّ اختصار ليس هناك فرق في المعنى، الّذين يلتمسون الآن الأسرار هذه في الرّسم العثماني الحقيقة يتعلّلون، يتكلّفون تكَلُّفاً بائناً ولا يمكن أن يرجعوا إلى قاعدة يمكن الرّجوع إليها والاتفاق عليها.
د:محمد: هذا راجع إلى الكتّاب أنفسهم أو لا؟
د:عبد الرحمن: بالضّبط، فهي من حيث المعنى لا فرقَ فيها، ولكن الفرق هو في القراءة والتّلاوة فإذا قرأتها إذا كانت بالتّاء المفتوحة فيوقف عليها بالتّاء فتقول مثلاً {أَفَبِنِعْمَت} وتقف، ثمّ تقول: {أفَبِنِعْمَتِ الله} أمّا إذا كُتِبَت بالتاء المربوطة فيوقف عليها بالهاء يُقال: {أَفَبِنِعْمه} مثلاً، فهذا هو الفرق بينهما؛ ولذلك لمّا جاء المرّاكشي يا دكتور محمد له كتاب اسمه [عنوان الدّليل في مرسوم التّنزيل] جاء يتلَّمَسُ أسرار الكتابة بالرّسم العثماني، فيقول: إنَّ التّاء المفتوحة تدُلُّ على الانبِساط فالله سبحانه وتعالى عندما قال: {أَفَبِنِعْمَتِ الله} فكُتِبَت بالتّاء المفتوحة دلّ على أنَّ الله قد بسط النّعمة.
د:محمد: والله هذا له وجه.
د:عبد الرحمن: لكنّه لا ينتظمُ لك، أنت عندما تتلمَّس هذه الأشياء، أنت ترجع إلى مَن كتب الّذين رسموا فهم لم يجعلوا عِلَلاً للكتابة.
د:محمد: لكن أصلُ هذه الكتابة هل هي من كُتّاب الوحي في الأَوَّل أو بعد أن نُقِّطَ المصحف؟
د:عبد الرحمن: أصلُ الكتابة كما تعلم أصلُها غير منقوط لكن الّذين جاءوا ونقَّطوها لم يُغَيِّروا شيْئاً فيما وجدوه فوجدوا التّاء مفتوحة وتاء مربوطة، لكن وحتى على افتراض يا دكتور محمد أنَّ لها حِكَماً فهي لم يُصَرِّح بها مَن فعلها، ولذلك كان يقول الخليل بن أحمد عندما قيل له في مثل هذا حتى في قواعد النّحو قال له: أنا لا أعرفُ العلل نَصّاً ممَّن وضع اللُّغة – يعني ما جاء كذا توقيفي وقال أنا جعلت الفاعل مرفوع لكذا ولا نصبت المفعول لكذا- لكنَّني إنما مثلي إلاّ كَمَثَلِ رَجُلٍ دخل إلى بيتٍ قد أُحْكِمَ بناؤه، ولم يجد صاحبه الّذي بناه فيه، فأخذ يتلمّسُ العلل فيقول: ما وضع صاحب البناء هذه الغرفة هنا إلاّ من أجلِ كذا، فقد أُصيب وقد أُخطئ. فهي اجتهادية
د:محمد: على كلّ حال أنا أحَلْتُ الجواب عليك؛ لأنّك أهل علم في الرّسم وفي اللغة.
د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله. في يا أبو عبد الله سؤال الأخ أبو أحمد في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً} وهذا سألت عنه أيْضاً الأخت نورة وهو ضرْبُ المثل هنا يا أبا عبد الله {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ}، {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {76} طبعاً يقول أبو أحمد ما هو سبب ضرب هذين المثلين وما الحكمة منهما؟ الأخت نورة تقول: لماذا ضرب بهذين المثلين وهما لا يملكان من أمر أنفُسِهما شْيئاً؟ المملوك لا يملك من أمر نفسه شيء والأبكم كذلك؟
د:محمد: والله أنا لا يظهر لي في سرّ المثلين لكن هو قال قبلها: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {74} فذكر المثلين، لكن يظهر والله أعلم أنّ المثل الأول {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {75}} ضربه الله سبحانه وتعالى مثلاً ليفرّقوا بين مَن يستطيع في إثباتِ المُلْك لله عزّ وجلّ ومَن يهدِ الله عزّ وجلّ.
د:عبد الرحمن: شكر الله لك أبو عبد الله الحقيقة أنا أتصوّر الحديث عن هذا المثل يحتاج إلى وقت أطول من هذا ويبدو أنّ الوقت قد أدركنا في هذه الحلقة ولذلك نعتذر للإخوة المشاهدين عن بقيّة الأسئلة لعلّنا نجيب عنها في حلقة أخرى.
د:محمد: انتهى الوقت؟
د:عبد الرحمن: نعم انتهى الوقت، ولا يسعُني الحقيقة في نهاية هذا اللّقاء الماتع مع أبي عبد الله إلاّ أن أَشْكُرَهُ باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة المشاهدون، نشكر الأخ العزيز الدكتور محمد بن عبد الله الرّبيعة الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، والمتخصّص بالدّراسات القرآنيّة، والأمين العام للهيئة العالميّة لتدَبُّر القرآن الكريم على ما اتحفنا به في هذه الحلقة من فوائد والإجابات الموفّقة أسأل الله أن يتقبّل منكم يا أبا عبد الله. وأشكركم أيُّها الإخوة المشاهدون وألقاكم غداً بإذن الله تعالى حتى ذلك الحين أستودعكم الله والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.