التفسير المباشر
الجزء الخامس
الجمعة 5/9/1429هـ
د.عبد الرحمن:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مرحباً بكم في حلقةٍ جديدة من حلقات برنامجكم اليومي التفسير المباشر.
في هذه الحلقة سوف نتناول الجزء الخامس من أجزاء القرآن الكريم، ويسعدنا أن نتلقى اتصالاتكم واستفساراتكم حول هذا الجزء على وجه الخصوص، على الهواتف والأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة، ويسعدني في بداية هذه الحلقة أن أرحب بكم وأرحب بضيفنا في هذه الحلقة وهو فضيلة الشيخ الدكتور/ عيسى بن علي الدريبي، حياكم الله يا دكتور عيسى.
د.عيسى: حياكم الله.
د.عبد الرحمن: وأهلاً وسهلاً بك في هذا البرنامج الذي نناقش فيه بعض قضايا الجزء
والحديث اليوم سيكون عن الجزء الخامس بإذن الله تعالى، وفي الحقيقة أنها تتراكم الأسئلة يا دكتور عيسى نظراً لضيق الوقت، وكثرة المحاور في بعض الحلقات، وإن كان برنامجنا في أصله يا دكتور عيسى هو الإجابة عن أسئلة المشاهدين فلا تستغرب -يعني- من كثرة أخذ الأسئلة وقطع الحديث.
بدايةً نريد أن نبدأ يا دكتور بالآيات التي قال فيها ابن مسعود -رضي الله عنه- : ((إنها من الآيات العظيمة التي لو اكتفت بها الأمة لكفتها، أو أنها خير للأمة مما طلعت عليه الشمس)) في سورة النساء فلعلها تكون مدخل للحديث في هذا اللقاء.
د.عيسى: جزاكم الله خيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نسأل الله عز وجل أولاً أن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن العظيم.
د.عبد الرحمن: اللهم آمين.
د.عيسى: وأن يجعل برنامجكم هذا برنامجا مباركا، وأسأل الله أن ينفع به هذه الأمة، كيف لا !! وهو يتناول كتاب الله -عز وجل-، ويشرح آياته، ويجيب على تساؤلاته.
وجزء هذا اليوم الجزء الخامس من القرآن الكريم أغلبه في سورة النساء هذه السورة المباركة والتي محورها الرئيسي هو رعاية حقوق الضعفاء والعناية بمصالحهم.
يذكر المفسرون أن في هذه السورة المباركة خمس آيات ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- في الأثر الذي ذكره ابن كثير وغيره في تفسيره : (لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها)
وهذه الآيات من الآيات العظيمة التي فيها سعة رحمة الله، وعظيم مغفرته سبحانه وتعالى، وفتح باب الرجاء، وتجاوزه سبحانه وتعالى عن عباده، فيقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [النساء:48]، وقوله سبحانه وتعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ {31}[النساء:31]، وقوله سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {40} [ النساء:40]، وقوله سبحانه وتعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {64} [النساء: 64]، والآية الخامسة يقول سبحانه وتعالى: { وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {110} [النساء: 110]، هذه الخمس الآيات دكتور عبد الرحمن والإخوة المشاهدين والمشاهدات من الصائمين والصائمات، جامعها هو سعة رحمة الله -عز وجل- وفتح باب التوبة، وتجاوز الله -عز وجل- عن ذنوب عباده، بل تجاوزه عن كل الذنوب إلا ذنب واحد هو ذنب الشرك.
د.عبد الرحمن: الشرك بالله سبحانه وتعالى.
د.عيسى: سبحانه وتعالى
بل هنالك آيات أخر يعني يتفضل الله -عز وجل- فيها لعباده أنهم إذا اجتنبوا الكبائر – والكبيرة يعني هي الأمر العظيم والخطير والذنوب العظيمة التي قال في أرجح التفسيرات وهو الإمام السعدي رحمة الله عليه: (أنه ما توعد عليه بغضبٍ أو بلعنةٍ أو بعقوبةٍ أو بحدٍ) – أن الله عز وجل من كرمه أنه قال: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} من كرم الله سبحانه وتعالى أن من اجتنب الكبائر الله سبحانه وتعالى يعف عن الصغائر، يعني ليست القضية فقط مغفرة الذنوب بالتوبة بل إن مجرد اجتناب الكبائر موجب بإذن الله -عز وجل- بنص هذه الآية بمغفرة الصغائر.
هذه الخمس آيات ورد أثر عن ابن عباس رضي الله عنه أيضاً أضاف إليها ثلاث آيات أخرى وهي في نفس الباب في باب فتح باب الرحمة والرجاء للعباد فقد ورد عنه أنه قال: ((ثماني آيات أنزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت)):
- أولاهن: { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } [النساء:26]
- وثانيهن:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا {27} [النساء:27]
- والثالثة هو قوله سبحانه وتعالى: { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا {28} [النساء:28]، ثم ذكر بقية الخمس آيات التي ذكر ابن مسعود -رضي الله عنه-
هذه الآيات العظيمة أيها الإخوة والأخوات الفضلاء تفتح باب الرحمة والرجاء ثم تبين رغبة الله سبحانه وتعالى وعفوه لعباده سبحانه وتعالى، حتى أن الله ذكر في أكثر من آية: :{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } ،ثم قال بعد ذلك: {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا {28}
د.عبد الرحمن: من رحمته ولطفه بعباده: { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ }، :{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}
د.عيسى: :{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}
د.عبد الرحمن: الله أكبر.
د.عيسى: إضافة إلى تلك الخمس آيات
ولهذا هذه الآيات الثمان أو الخمسة على قول ابن مسعود كما ورد عن سلف الأمة من قول ابن مسعود وابن عباس أنهم يرون أنها خير لهذه الأمة مما طلعت عليها الشمس لأن فيها فتح باب رجاء كبير لهذه الأمة.
د.عبد الرحمن: يا دكتور عيسى هذا كلامك الرائع يقودني إلى سؤال في سورة النساء نفسها في هذا الجزء الذي نتحدث عنه وهو في قوله تعالى في الآية الثانية والثمانين من السورة: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {82} [النساء:82]، ألا تلاحظ أن قول ابن مسعود -رضي الله عنه- هذا يدل على عنايته وتدبره وجمعه لهذه الآيات المتفرقة في السور وأن يجمع بينها رابط واحد وهو سعة رحمة الله سبحانه وتعالى، ثم يبرزها ويظهرها للطلاب وللأمة حتى تستفيد منها.
أنا أريد حديث يا دكتور أولاً عن هذه الآية في سورة النساء وتنبيه للإخوة المشاهدين عن أهمية تدبر القرآن.
وأنا أريد أن تشير إلى تجربتك يا دكتور عيسى وأنا أعرف أنك معني بالعناية بالقرآن ولك علاقة في الهيئة العالمية لتحفيظ للقرآن الكريم جزاك الله خيراً، وأذكر أنني قرأت لك في ملتقى أهل التفسير خبراً عن رحلتك إلى جزر المالديف في المحيط الهندي وعجائب المتدبرين للقرآن هناك.
د.عيسى: نعم
ما تفضلت به في محله في أن سلف هذه الأمة على رأسهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان تناولهم للقرآن غير تناولنا، نحن اليوم دكتور عبد الرحمن هذه الأمة بحمد الله وهذا من الخير في رمضان يمر الإنسان منا ما لا يقل يومياً على جزء إما سماعاً أو تلاوةً، ولكني دائماً أنا أسائل نفسي وأقول للإخوة الفضلاء في هذه الأمة، السؤال الذي يرجع به الإنسان ماذا بعد قراءة هذا الجزء؟
ما الهدايات التي خرج بها؟
ما الأوامر الربانية التي امتثلها؟
ما أثر القرآن في نفسه؟
يعني آية واحدة هنا مرت على أبي بكر -رضي الله عنه- لما سمعها فزع إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بينما نحن مررنا بها مرة أو مرتين وهو قول الله سبحانه وتعالى: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [النساء:123]
ورد أنه قال: ((أصبت بظهري حتى أنني تمطقت)) – يعني أحس بشيء شديد جداً نزل عليه- {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } شرط وجزاء،{مَن يَعْمَلْ سُوءًا} والجزاء {يُجْزَ بِهِ }
لأن سلف هذه الأمة كانوا يقفون مع القرآن غر وقفاتنا نحن، كانوا يتدبرونه، مثل ابن مسعود -رضي الله عنه- وجمعه لمثل هذه الآيات وخروجه بهذه الخلاصة، وعلى هذا:{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {82} [النساء:82]،كان سلف هذه الأمة نظرتهم للقرآن غير نظرتنا، كما ورد عن الحسن بن علي -رضي الله عنه- أنه قال: ((إنه كان من كان قبلكم يرون أن هذا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل)
د.عبد الرحمن: ويعملون بها
د.عيسى: ويتفقدونها بالنهار، فكان ابن مسعود -رضي الله عنه- جمع مثل هذه الآيات ليظهر ويولد موضوع التدبر
قرأ هذه الآيات ثم نظر فيها مرة أو مرتين
نحن ربما نمر بسورة النساء ولا نلتفت لهذه الخمس آيات.
د.عبد الرحمن: أيضاً هناك مسألة في آية التدبر يا دكتور عيسى وهي ورود الأمر بتدبر القرآن وسط الآيات التي تتحدث عن المنافقين أريد إشارة حول هذا
ولكن تأذن لي يا دكتور عيسى آخذ اتصال من الأخ سامي من السعودية، تفضل يا أخ سامي.
الأخ: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
الأخ: ما معنى الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {35} [النساء:35]
د.عبد الرحمن: طيب، شكراً يا أخ سامي حياك الله، تفضل يا دكتور عيسى واصل حديثك.
د.عيسى: :{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} هذا استفهام من الله -عز وجل- لهذه الأمة
وتدبر القرآن هو الهدف الذي أنزل لأجله القرآن {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِِ {29} [ص: 29]، الهدف من إنزال هذا القرآن الكريم هو أن الإنسان يهتدي بهديه { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء:9]
د.عبد الرحمن: الله أكبر
د.عيسى: “ومن أهم ما يهيئ الإنسان للتدبر هو استجماعه لصفات المتدبر”
وهنالك آية دكتور عبد الرحمن والإخوة المشاهدين والمشاهدات جمعت أصول الانتفاع بالقرآن والتدبر وهي قوله سبحانه وتعالى في سورة ق: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ {37}[ق:37] ابن القيم رحمه الله له تعليق على هذه الآية يكتب بماء الذهب، قال: “فإن أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند سماعه حضور من يخاطبه به”
كلمة اجمع قلبك هذه دقيقة جداً في أن الإنسان يتوجه بكليته للقرآن الكريم، اجمع قلبك فهو المؤثر القرآن الكريم موجود والمحل القابل
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى }الذكرى هي القرآن المؤثر الموجود فيه الذكرى
{ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} المحل القابل للتأثير
{لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}
د.عبد الرحمن: يعني إذا لم يكن له قلب حاضر فعلى الأقل يكون عنده إصغاء وسمع.
د.عيسى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} وهذه من شروط الانتفاع بالتأثر بالقرآن الكريم ولتدبره
{أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} حتى كلمة ألقى السمع هذه دقيقة جداً وسيلقي بكل كليتيه، شديدة التركيز، ونحن نلاحظ الآن في صلاة التراويح هذه الليلة قد يطبق أحدنا هذه الأربعة.
الأمر الرابع: انتفاء الموانع، لا تكون هناك موانع تمنع بينك وبين القرآن الكريم، حُجُب؛ حجب المعاصي، حجب الغفلة، من الحُجُب عدم فهم الآيات – يعني الآن من بركات هذا البرنامج -برنامجكم الكريم- أنه إن شاء الله سيضيء إضاءات يسيرة على بعض الآيات – من أكبر الحجب التي تحول بين التأثر والتدبر والفهم.
د.عبد الرحمن: عدم معرفة الآيات، صحيح.
د.عيسى: كيف الإنسان سيتأثر بشيء وهو لا يفهم معناه!
د.عبد الرحمن: أذكر كلام يا دكتور عيسى للطبري رحمه الله في مقدمة تفسيره يقول: “إنني لأعجب ممن يقرأ القرآن ولا يفهم معانيه كيف يتلذذ بقراءته” بالضبط أنت لا تستطيع أن تتلذذ بشيء لا تفهمه.
د.عيسى: صحيح.
د.عبد الرحمن: نأخذ اتصال يا دكتور عيسى من أم عمر من السعودية.
الأخت: السلام عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
الأخت: بارك الله فيك يا شيخ عندي سؤال في سورة النساء في آية 103 في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]، {فَاذْكُرُواْ اللّهَ} أنه ليس على وجه الخصوص {فَاذْكُرُواْ اللّهَ} بل على كل حال قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، ونحن نعلم في الآية التي سبقتها أن المسلمون في وقت جهاد والقلب أشد ما يكون انشغالا عن ذكر الله – والله أعلم في هذا الموقف – فما هو مناسبة {فَاذْكُرُواْ اللّهَ}
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك، شكراً يا أم عمر، نعود إلى سؤال الأخ سامي من السعودية يا دكتور عيسى إن رأيت، يسأل عن قوله تعالى في سورة النساء هنا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {35} [النساء:35]
يقول: ما معنى هذه الآية؟
د.عيسى: هذه الآية أصل في باب التحكيم عند الخلاف بين الزوجين، وهذه من الآيات التي ذكرها الله -عز وجل- وهي التي فيها رعاية حقوق الضعفاء، المرأة أحياناً بل في عالمنا العربي حقيقةً هي مستضعفة في كثير من أمورها وشئونها، والله -عز وجل- خالق البشر اعتنى بخلقه سبحانه وتعالى فذكر هذه الأمور التي هي كيف تحل الأمور إذا وصلت لقضية الخلاف والشقاق، طبعاً الآية التي سبقتها تحدثت عن قضية.
د.عبد الرحمن: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [النساء:34]
د.عيسى: عن قضية حل الخلاف الزوجي في بيت الزوجية، لكن هذه الدائرة قد لا تستطيع أحيانا دائرة الزوجين قد يكون الخلاف أشد، فلا يستطيع الزوجان أو لا يمتلكان من الحكمة أو يتخوفان من تطور الشقاق إلى الانفصال – لا سمح الله-
بعد ذلك جاءت هذه الآية وهي تدخل أطراف، لكن أطراف ينبغي أن تكون حكيمة {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} ، إن خاف الزوجين أو خاف الأولياء الذين حولهم أن هؤلاء قد لا يستطيعون أن يحلوا القضية، هنا شرع التشريع الثاني هي قضية دخول الحكم {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}، حكم يكون حكيم، لأنه أحياناً قد يكون هذا الحكم يأتي للفصل أو الانتقام، وفرق كبير جداً بين الحكم الذي يأتي للإصلاح وبين الحكم الذي يأتي للانتقام.
د.عبد الرحمن: يعني {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا} قد تعود للحكمين وقد تعود للزوجين.
د.عيسى: نعم، للحكمين أو الزوجين.
د.عبد الرحمن: ويمكن أن تحمل على الجميع يا دكتور.
د.عيسى: {يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} وهذا أيضاً فيه فتح باب لقضية أنه مهما احتد الخلاف أحياناً إذا كانت هنالك نية صادقة للإصلاح {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا} سواء كانا الحكمين على مرجع الضمير، أو الزوجين الله عز وجل تعهد {يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}.
د.عبد الرحمن: نفع الله بك يا دكتور وجزاك الله خيراً، الحقيقة لدينا يا دكتور عيسى حتى نكون منصفين لدينا أسئلة من الحلقة الماضية لم نجب عليها ونحن نأخذ كل حلقة أسئلة جديدة فتأذن لي في سؤال جيد من الأخ أبو إبراهيم أمس كان يسأل في سورة الأنعام
وأنا أنبه الحقيقة الإخوة المشاهدين إلى أن تقتصر الأسئلة في كل حلقة على الجزء الذي نتناقش فيه – يعني اليوم ليت الأسئلة فقط تكون في الجزء الخامس وغداً الجزء السادس وهكذا – سأل سؤالاً عن الفرق بين قوله تعالى: { مُشْتَبِهًا } و { مُتَشَابِهٍ }في الآيتين الآية 99 والآية 141 من سورة الأنعام فيقول الله سبحانه وتعالى يقول: { مُشْتَبِهًا } و {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} في هاتين الآيتين، فما الفرق بين قوله: { مُشْتَبِهًا } و {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}وبين قوله: { مُتَشَابِهًا } {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}في آية أخرى وهذه الآيات يا دكتور عيسى من سورة الأنعام.
د.عيسى: والله أعلم أن { مُشْتَبِهًا } أي يشبه بعضه بعضاً، من كثرة تشابهه.
د.عبد الرحمن: يكاد يشتبه عليك.
د.عيسى: وأما التشابه فهو قد يكون في موضوع قد يخفى على الإنسان شيء.
د.عبد الرحمن: يعني في بعض الجوانب يكون، إذاً يكون الاشتباه أشد من التشابه.
د.عيسى: نعم.
د.عبد الرحمن: جميل جداً.
د.عيسى: نعود إلى موضوع: :{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ} أم هناك أسئلة!!.
د.عبد الرحمن: هنا سؤال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ} وهذا من التدبر
في قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}الآية رقم: 103 من سورة النساء، هذه تسأل الأخت أم عمر عن هذا السبب الذي جعل الأمر بذكر الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع – يعني الله سبحانه وتعالى تكلم عن صلاة الخوف: {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} ، { وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } ثم قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} وهذا سؤال يتكرر كثيراً يا دكتور عيسى في كتب التفسير لماذا يأت الأمر بذكر الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع وهو موضع خوف وحرب وقلق؟ ثم يأتيك يأمرك بذكر الله سبحانه وتعالى ما هي الحكمة من هذا؟
د.عيسى: الحكمة والله أعلم أن ذكر الله -عز وجل- له أثره أصلاً في اطمئنان القلب { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28} } [الرعد:28]، والآية التي سألت عنها الأخت أم عمر وهي حقيقةً لا تريد أن تسأل هي تريد أن تشير.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً.
د.عيسى: وتؤكد قضية أهمية الذكر وأثره
الآية التي سبقتها الحديث عن كيفية صلاة الخوف والإنسان في رعب ومع هذا فرض صلاة الجماعة بل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قال: ((إن هذا مما يدل على وجوب صلاة الجماعة وهي آية صلاة الخوف , إذا كان إنسان مقابل عدو وصلاة الجماعة مفروضة عليه بكيفياتها المتعددة التي ذكرها العلماء فكيف بغير حال الخوف!
الشاهد نعود إلى قضية أنه بعد – يعني هذه الآية – جاء الحديث عن صلاة الخوف ثم يقول الله -عز وجل-: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}
أولاً: الذكر يطمئن به القلب والإنسان في حالة فزع وخوف فهو في أمس الحاجة إلى ما يهدئ كما يقال في التعبير العامي مهدئ أعصاب.
الذكر حياة، الذكر اطمئنان، الذكر يعني يسكب في قلوب المؤمنين راحة وطمأنينة، بل إن الذكر كثيراً ما يأتي بعد نهاية أشرف العبادات { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا }[البقرة:200] {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}
وهذه الحالات المتعددة التي أكد الله -عز وجل- على التفصيل فيها للتأكيد على أن الذكر يشمل كل الحالات.
د.عبد الرحمن: إن هذا لاستنباط دقيق، أذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- عندما فسر قول الله تعالى: { إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ {3}} والاستغفار من الذكر فقال: إن هذه تدل على نعي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن أجله قد اقترب، فيذكر بعض العلماء يقول: لماذا استنبط منها ابن عباس هذا الاستنباط؟
قالوا: لأن الله سبحانه وتعالى يأمر دائماً بالذكر والاستغفار بعد نهاية الأعمال فكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أمر في هذه السورة بالاستغفار فكأنه قد استنبط منها ابن عباس -رضي الله عنه- أن هذه هي علامة
د.عيسى: نعي النبي -صلى الله عليه وسلم-
د.عبد الرحمن: علامة دنو أجله – يعني قد اقترب أجلك – لأنها انتهت مهمتك -عليه الصلاة والسلام-
هنا سؤال يا دكتور عيسى من الأخ أبو محمد أمس من السعودية يقول:
في الآية 146 من سورة آل عمران، قال الله سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146}
يقول: ما الفرق بين الوهن والضعف والاستكانة، ولماذا جاءت بهذا الترتيب؟
د.عيسى: والله أعلم أن هذه درجات
- الوهن شيء نفسي.
- والضعف نفسي وحسي.
- والاستكانة هي أمر حسي يعني القعود.
د.عبد الرحمن: والذلة.
د.عيسى: والذلة تمام ، ففيها تدرج أيضاً.
د.عبد الرحمن: يعني ترتيبها في الآية كترتيبها في شعورها.
د.عيسى: شعورها.
د.عبد الرحمن: الأمور النفسية.
د.عيسى: النواحي النفسية نعم.
د.عبد الرحمن: سبحان الله، جزاك الله خيراً، كان أيضاً أحد الإخوة أمس يسألنا.
د.عيسى: أنت مصر على إكمال الأسئلة.
د.عبد الرحمن: أنا الحقيقة أطمح يا دكتور عيسى نحن الآن ولله الحمد في رمضان والناس يعني يقبلون على القرآن كما تفضلت وأنا أقول أن من واجب الإخوة المشاهدين علينا عندما أتينا بهذا البرنامج المباشر ونحن سميناه التفسير المباشر على هذا الأساس أن نجيب على أسئلتهم واستفساراتهم، خاصة إذا كان الإخوة الذين سألونا بالأمس يتابعوننا باليوم وهكذا, وأنا في ذهني أن أجمع أيضا بقية الأسئلة إن شاء الله وربما نخصص لها حلقة كاملة في نهاية الشهر إن شاء الله تعالى، لكن هنا هذا السؤال يسألنا عن قوله سبحانه وتعالى: { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } [النساء: 74]الأخ بكر سألنا أمس يقول أنا أشكلت علي الآية ما معنى { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ }ما معنى: { يَشْرُونَ } في الآية؟.
د.عيسى: { يَشْرُونَ }يعني يشترون – يعني من أراد أن يشتري الآخرة فإن من مهرها هو القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى -.
د.عبد الرحمن: جميل يعني { يَشْرُونَ }هنا معناها يشرون الحياة الدنيا بالآخرة.
د.عيسى: يعني يفضلون، يقدمون، يعني تكون الآخرة هي الأولوية، لأنه سيضحي بحياته – يعني في المصطلح المعاصر سيضحي بنفسه – لكنه سيشتري الآخرة.
د.عبد الرحمن: وطبعاً أنا أتصور يا دكتور أيضاً أن من الذي أدخل الإشكال على الأخ بكر هو { يَشْرُونَ }، { يَشْرُونَ }، فهم منها الشراء معنى كما تعلم أن كلمة { يَشْرُونَ }تأتي بمعنى يبيعون – يعني يبيعون الحياة الدنيا ويشترون الحياة الآخرة – .
د.عيسى: نعم.
د.عبد الرحمن: نعود للتدبر يا دكتور عيسى
وليتك تشير إلى قضية الإخوة الذين رأيتهم.
د.عيسى: هو مما يساعد على تدبر القرآن الكريم وأنا أقول للإخوة الصائمين والصائمات كناحية تطبيقية سيصلون التراويح الليلة، ومما يساعد على تدبر القرآن الكريم هو استحضار الآيات قراءتها قبل أن يأتي، ولهذا الحافظ حافظ القرآن تدبره أكثر من غيره؛ لأنه يسمع شيء يعرفه ويتابع معه، ولهذا من وسائل تدبر القرآن الكريم حفظه.
د.عبد الرحمن: حفظه.
د.عيسى: وهذه قد تسابق فيها أبناء هذه الأمة، أنا رأيت مثل ما أشرت نماذج في المالديف وفي غيرها في زياراتنا لأحد مراكز القرآن الكريم يعرض عليه تقريباً يومياً ما يقرب من ألف وثمانمائة شخص يتناوبون عليه صباحاً ومساءًا، امرأة كبيرة في السن تقريباً تجاوز عمرها خمس وخمسين سنة وقد استمعنا تلاوتها، حفظت القرآن الكريم في ست سنوات، تأتي تخصص وقت لها هذا الوقت لحفظ القرآن الكريم، فوق الخمسين خمسة وخمسين سنة وزيادة عمرها، وحفظت القرآن واختبرناها أنا وأحد الإخوة معي فإذا بها ما شاء الله مجيدة, حافظة، لا شك أن الأخوات الصائمات اللاتي الآن يحفظن القرآن الكريم وهن يصلين التراويح خلف إمامٍ سيكون استحضارهن ومتابعتهن أولى وأكثر من غيرهم.
د.عبد الرحمن: لا شك
د.عيسى: ففيه نماذج كثير وفي الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم تعمل مسابقة سنوية, هناك بند يسمى غرائب الحفاظ، هذا البند يا دكتور عبدالرحمن والإخوة المشاهدين والمشاهدات يأتون فيه بغرائب الحفاظ من الأطفال الصغار.
د.عبد الرحمن: مثل ماذا؟
د.عيسى: يعني طفل أمس استمعنا له من الطاجيك من طاجكستان، أحد الزملاء ذ هب هناك وصور المقطع، عمره خمس سنوات يحفظ القرآن الكريم كاملاً ويسمع له الشيخ برقم الصفحة وأنا رأيته وهو موجود على الإنترنت الآن موجود المقطع يفتح الصفحة رقم 316 يقول له سمع يسمع بالصفحة.
د.عبد الرحمن: ما شاء الله.
د.عيسى: ورأيت هذا أيضاً في طفل مصري في احتفال الهيئة كان في الكويت في شهر ذي القعدة العام الماضي اختبره الدكتور عبد الله التركي مباشرةً.
د.عبد الرحمن: كأني والله رأيته.
د.عيسى: نعم، واختبره الدكتور
د.عبد الرحمن: أيمن سويد.
د.عيسى: أي نعم واختبره أمير الكويت مباشرةً أعطاه المصحف يسمع برقم الصفحة وهذا من إعجاز الله وحفظه لكتابه.
د.عبد الرحمن: سبحان الله العظيم.
د.عيسى: فنقول هذا من أحد الأسباب التي يهيئ الإنسان للتدبر.
مما يهيئ الإنسان أيضاً للتدبر دكتور عبد الرحمن والإخوة المشاهدون قضية الإنسان يحاول أن يفهم بعض الكلمات الغريبة التي يمر بها, اليوم مرت معنا كلمات غريبة { وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ } [النساء:88] في مقطع النساء، وفي كثير من الكلمات.
د.عبد الرحمن: وأيضاً هناك ملحوظة يا دكتور عيسى وهي أن الغريب في القرآن الكريم نسبي – يعني مثلاً قد يكون غريب عندي ولكنه عندك ليس غريب لأنك أكثر اطلاعاً وأكثر علماً وهكذا هي مسألة نسبية،
نستأذن الإخوة المشاهدين وأستأذنك يا دكتور عيسى في أخذ تقرير عن كتاب مما نعرضه في كل حلقة ثم نعود معكم فابقوا معنا.
—————————–
فــــــــــاصل:
«مفردات ألفاظ القرآن»
- مؤلف الكتاب: هو العلامة الراغب الأصفهاني المتوفى أول القرن السادس الهجري تقريباً
- ويعد هذا الكتاب من الكتب المتميزة في بيان معاني المفردات القرآنية
- مرتبةً على ترتيب حروف الهجاء
يقول مؤلفه في المقدمة: “وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتابٍ مستوفٍ فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي فنقدم ما أوله الألف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم، معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب”
وقد عني فيه مؤلفه بالتدقيق في بيان معاني المفردات في اللغة العربية، وجمع الآيات التي وردت فيها المفردة، واستنباط المعاني الدقيقة للمفردة من خلال السياق الذي وردت فيه.
وبهذا تميز عن غيره من كتب غريب القرآن، ومعاجمه، ويستشهد على بيان المعاني بأشعار العرب وكلامها،
وهو من أهم ما يجب على القارئ أن يتعلمه ليتوسع في معرفة معاني القرآن الكريم ودلالاته.
وقد صدر هذا الكتاب عن دار القلم بدمشق، بتحقيق الأستاذ صفوان عدنان داوودي عام ألفٍ وأربعمائةٍ واثني عشر للهجرة،
وهو كتاب قيم نافع للمسلم لمعرفة معاني الكلمات في القرآن بتفصيلٍ وتوسع.
***********************************
د.عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون بعد هذا الفاصل الذي عرفنا فيه بكتاب المفردات للراغب الأصفهاني رحمه الله وهذا يناسب ما كان يتكلم عنه ضيفنا العزيز الدكتور عيسى الدريبي هنا في الأستوديو حول أهمية العناية بمعرفة غريب القرآن الكريم والكلمات الغريبة، فنحن نختار يا دكتور عيسى في التعريف بالكتب، نختار للإخوة الذين يشاهدوننا كتب مميزة
د.عيسى: جيد
د.عبد الرحمن: يعني مثلاً في غريب القرآن هذا كتاب مفردات الراغب الأصفهاني مما يعينك على معرفة اللفظة الغريبة وبيانها من خلال السياق، وكذلك هناك كتب أخرى في الغريب كما تعلم لكن هذا من أجودها.
نعود لحديثنا يا دكتور عيسى في آيات هذا الجزء وحديثك عن بعض المفردات الغريبة التي ينصح بالإطلاع على معرفتها، وكنا عرفنا أيضاً بكتاب السراج في غريب القرآن لزميلنا الدكتور محمد الخضيري, هذاك ميزته أنه مختصر الكلمة ومعناها، ومفردات الراغب الأصفهاني يعطيك الكلمة ولكن يفصل في معناها.
د.عيسى: باعتبار المتخصصين وطلبة العلم.
د.عبد الرحمن: بالضبط، والله يا دكتور عيسى وأنت أدرى يعني هناك بعض الإخوة الذين غير متخصصين لكن لديهم تأملات في القرآن الكريم ولعل لديك تعليق على هذا.
د.عيسى: نعم، هذا الكتاب الذي تفضلت وأشرت إليه من أهم الكتب وأميزها في باب المفردات، لكن هناك كتب أسهل مثل كتاب متداول وقديم للشيخ حسنين محمد مخلوف وهو “كلمات القرآن”
أنا أنصح نصيحة وأجربها وبعض الإخوة يجربونها ألا تقرأ في المصحف إلا وعلى هامشه تفسير، والآن هذه كثيرة جداً مثل التفسير الميسر الذي أصدره مجمع الملك فهد رحمه الله، والآن أنت تقرأ أحياناً تحتاج وتمر بك آية لا تعرف معناها ولهذا لو أن إنسان هذه كتجربة لو إنسان ألزم نفسه يعني يأخذ مصحف مختصر يرجع إليه متى ما عنى له أن يقرأ أي آية ويفهم معناها، بالنسبة للتجارب كون الإنسان يتصل بالقرآن مباشرةً بعد فهمه اللغة سيكون له أثر كبير جداً في فهم القرآن الكريم، وأنا أذكر لك تجربة أحد الجيران نعرفه رجل لا يعرفه المتخصص، ولكني والله أزوره أحياناً لأستمع منه بعض الفوائد والدرر في فهم كلام الله، يقول: أنا لا أدري كيف الناس في رمضان يختمون ثلاث مرات وأربع مرات وخمس مرات وعشر مرات!!
يقول: والله إنني لا أستطيع أن أتجاوز في اليوم صفحة واحدة.
د.عبد الرحمن: سبحان الله.
د.عيسى: ثم يذكر لي آيات تدل على هذا، يقول الله سبحانه وتعالى في مطلع سورة هود: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {1} [هود:1]، يقول ليس فقط إحكاماً للقرآن وليس إحكام السور بل إحكام الآيات، يقول أنا أحياناً لا أستطيع أن أتجاوز الآية، أقرأها مرة أو مرتين أو ثلاث، يقول: أنا أحياناً أنظر لهذه الآية أبحث عن ما يماثلها – ما يسمى عندنا بالتفسير الموضوعي – فيجمع هذه الآيات ويخرج برؤية واضحة مثل ما فعل ابن مسعود -رضي الله عنه-.
د.عبد الرحمن: وهو ليس من المتخصصين.
د.عيسى: ليس متخصص ولكنه والله يعيش مع القرآن وهو على هذه الحال على أكثر من عشرين سنة، وسبحان الله يعني…
د.عبد الرحمن: ويكون لهذا أثر طبعاً في حياته.
د.عيسى: أثر في حياته وفي سلوكه، في نظرته للحياة، في نظرته للعبادات من خلال القرآن الكريم بشكل كبير جداً.
وأقول: هذه التجربة عاشها هو لأنه جعل القرآن حياته، يقول أنا أحياناً أقف مع الآية يوم كامل.
د.عبد الرحمن: أذكر يا دكتور عيسى تجربة لأبي بكر الرازي تشبه هذه التجربة، لكن قبل أن نذكرها نأخذ اتصال من الأخت أم عبد الله من السعودية، تفضلي يا أم عبد الله.
الأخت: السلام عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
الأخت: بارك الله فيكم، عندي ثلاثة أسئلة.
د.عبد الرحمن: تفضلي.
الأخت: السؤال الأول: قوله تعالى: { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ } [النساء:128]، ما معنى هذا الآية وما هو هذا الشح ؟ نرجو التعليق
السؤال الثاني: كتابة الآيات الآن أنا أكتبها في دفتر هل يلزم أني أكتبها بالرسم العثماني أم أكتبها بالكتابة العادية؟
السؤال الثالث: خواتيم سورة النساء فيها تشابه كثيراً { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }، { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} ما الكتب التي تنصحونا في مثل هذا توضح لنا ذلك وتضبط لنا هذا ؟
د.عبد الرحمن: جيد، شكراً يا أم عبد الله ، جزاك الله خيراً
لو تكمل لنا يا دكتور عيسى الحديث عن هذا الرجل العامي الذي يتدبر القرآن، قبل هذا أريد أن أذكر قصة لأبي بكر الرازي.
د.عيسى: نعم، صاحب كتاب “مختار الصحاح”.
د.عبد الرحمن: هذا الرجل من علماء القرآن الكبار، متوفى ستمائة أظن وأربعة أو ستمائة وخمسة، كان له صاحب من عامة الناس، يقول ليس بعالم ولا بطالب علم، ولكن كان يلقي علي أسئلة لا أجدها في كتب التفسير- يعني تدل على تدبره وتأمله- قال: فكنت أبحث عنها في كتب التفسير فبعضها أجد له جواباً وبعضها لا أجد له جواباً، وكان هذا سبب في تصنيف كتاب من أروع كتب التدبر اسمه : “أنموذج جليل في آيات التنزيل” وهو مطبوع وسنعرف به إن شاء الله في إحدى حلقات البرنامج
فهذا يعني مصداق لقولك أن الذي يعيش مع القرآن الكريم ولو لم يكن من أهل القرآن المتخصصين فيه فإنه سيفتح الله عليه إذا كان قد عرف لغة القرآن وشيء من هذا.
د.عيسى: ولهذا أنا أؤكد على أمر أخير في هذا كتطبيق الليلة، كل واحد من الإخوة الفضلاء الصائمون والصائمات اليوم بين صلاتي المغرب والعشاء قبل أن يذهب يأخذ المقطع الذي سيصلي به مع إمامه ويستعرض الكلمات الغريبة.
د.عبد الرحمن: جميل
د.عيسى: وينظر كيف سيكون تأثره واستفادته من القرآن مما يتلوا ويقارنها بليلة البارحة سوف يكون له فرق كبير بأن يسمع شيء وهو يفهمه.
د.عبد الرحمن: لم يبقى لنا يا دكتور عيسى إلا دقيقة واحدة من الوقت فنجيب على سؤال الأخت أم عبد الله الأول: { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ } [النساء:128]، تقول: ما معنى الشح في الآية؟
ثم نؤجل بقية أسئلتها للحلقة القادمة إن شاء الله.
د.عيسى: هذه الآية جاءت في معرض الحديث عن قضية الصلح بين الزوجين، والزوجان قد يتمسك كل واحد منهما بحقه كاملاً فهنا يأتي كل واحد منهم يتمسك بحقه الشح يشح – يعني يريد أن يتمسك بحقه كاملاً-
د.عبد الرحمن: والشح هو البخل
د.عيسى: والشح هو البخل فيريد كل واحد منهما أن يتمسك بحقه ولهذا قال الله عز وجل: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } مع أنه قد تحضر كل واحد منهم شحيح وبخيل بأن يثبت حقوقه وكأن الأولى تؤثر الصلح والثانية تحذر من الشح.
د.عبد الرحمن: الله أكبر، جميل، يعني هي دعوة للالتقاء إلى المنتصف إن صح التعبير.
د.عيسى: نعم.
د.عبد الرحمن: شكر الله لك يا أبا عبد المحسن هذه الإطلالة الرائعة
وأسأل الله أن يكتب أجرك، وأن يجعل ما تفضلت به في ميزان حسناتك
أيها الإخوة المشاهدون باسمكم جميعاً أشكر أخي العزيز الدكتور عيسى بن علي الدريبي الأستاذ المشارك في قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بجامعة الملك سعود، وأشكركم أنتم أيضاً على متابعتكم وإنصاتكم، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته
حتى نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة الغد أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الضيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أذيعت يوم الجمعة بتاريخ: 5 / 9 / 1429هـ
————————
رابط الفيديو للمشاهدة
http://www.youtube.com/watch?v=QugfI6JcKxA