الحلقة 178
ضيف البرنامج في حلقته رقم (178) يوم الإثنين 25 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محسن بن حامد المطيري، الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .
وموضوع الحلقة هو:
علوم سورة البلد والشمس والليل
***********************
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم اليومي التفسير المباشر. اليوم بإذن الله تعالى وهو اليوم الخامس والعشرون من شهر رمضان المبارك من عام ألف وأربعمئة وثلاث وثلاثين للهجرة سنتوقف بإذن الله تعالى مع ثلاث سورة من سور الجزء الثلاثين من القرآن الكريم سورة البلد وسورة الشمس وسورة البلد. ويسعدني باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون الكرام في مستهل هذه الحلقة أن أرحب بضيفي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور محسن بن حامد المطيري، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود، حياكم الله دكتور محسن وأهلاً وسهلاً بك
د. المطيري: حيّاكم الله وحيّا الإخوة المشاهدين.
سورة البلد
د. الشهري: هذه أول مرة في هذه السنة نجرّب أن نقدم أكثر من سورة في حلقة واحدة ولا شك أن الوقت يضيق على الضيف لكن لعلنا إن شاء الله نحاول نختصر في عشر دقائق عشر دقائق فنعطي الإخوة المشاهدين لمحة عن كل سورة من هذه السورة كما تعودنا مع ضيوفنا الكرام. نبدأ على بركة الله مع سورة البلد ونتحدث في بدايتها عن اسم السورة، هل هو الاسم الوحيد؟ هل هناك أسماء أخرى؟ وهل هناك -وهذا سؤال لم أطرحه من قبل- هل هناك مرجع في معرفة أسماء السور بشكل خاص؟
د. المطيري: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فأسأل الله جلّ وعلا أن يجعل هذا الاجتماع اجتماع خير وبركة وأن يجعلنا ويوفقنا لإفادة إخواننا المشاهدين. هذه السورة وهي سورة البلد -كما طرحت في البداية هذا السؤال هل هناك مرجع- وأنا أبحث مرجع في أسماء السور وجدت كثيراً من تكلم عن أسماء السور من المفسرين ومن المتقدمين والمتأخرين في الحقيقة وجدت أن من أوسع الكتب التي تكلّمت عن أسماء السور هو كتاب متأخر لكنه حقيقة متقدم في هذا الباب وهو كتاب الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع الذي طبعته جمعية “تبيان”، حقيقة هذا الكتاب فيه تحريرات جميلة وفيه إشارات وفيه أيضاً توسّع في طرح أسماء السور. هذه السورة وهي سورة البلد اسمها يدل على عنوانها وموضوعها ولها أكثر من اسم ذكره المفسرون، منهم من ذكر ان اسمها المشهور اسمها سورة البلد إشارة إلى بيت الله الحرام ولذلك أجمع المفسرون على أن المراد بالبلد هنا هي مكة البيت الحرام. في كتب السنة وبعض كتب المفسرين يذكرون اسماً آخر وهو باسم بداية السورة”لا أقسم بهذا البلد” يقولون سورة “لا أقسم بهذا البلد ولعل هذا مسمى تسمية بأول السورة كما هو تسمية كثير من السور، وقد بوّب عليها البخاري بهذا السورة “سورة لا أقسم بهذا البلد”. هناك اسم آخر ذكره بعض المفسرين ولعله اجتهاداً وهو اسم العقبة إشارة إلى قوله (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ولعل هذا الاسم لا يكاد يوجد له نظير في القرآن اسم العقبة بهذا المسمى فلذلك ذكر الاسم على هذه السورة
د. الشهري: إذن هذه ثلاث مسميات
د. المطيري: لعل الاسم المشهور والمعروف هو البلد
د. الشهري: هل هناك فضل خاص لهذه السورة؟ هل ورد في فضلها حديث خاص؟
د. المطيري: لم يرد ولم أمرّ على حديث خاص بهذه السورة.
د. الشهري: متى نزلت؟ هي نزلت في مكة إذن بما أنها تتحدث عن مكة
د. المطيري: نعم، سورة البلد مكية وبعض العلماء حكى الاجماع الزمخشري رحمه الله والقرطبي حكوا الاجماع على أن السورة سورة مكية، بعض المفسرين وأشار إليه ابن عطية ونسبه إلى المهدوي قال إن بعضهم ذكر أنها مدنية لكن هذا القول ربما يكون قول فيه بُعد.
د. الشهري: ننتقل إلى صلب الحديث موضوع سورة البلد، موضوع سورة البلد الرئيسي وأغراضها
د. المطيري: سورة البلد لها أغراض وهذا الاسم يشير إلى هذا العنوان، اسم البلد وهو إشارة إلى البلد الحرام
د. الشهري: إذن نقول موضوع السورة هو مكة، بلد الله الحرام
د. المطيري: تعظيم بيت الله الحرام في نفوس المسلمين وفي نفوس المشركين وهو إشارة في تعظيم بيت الله الحرام إشارة وتعريض للمشركين إلى أن المشركيت رغم أنهم يدّعون أنهم يعظّمون بيت الله الحرام ويعظّمون البلد إلا أنهم مع ذلك استحلوا عرض النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه وآذوا أصحابه وهذا تناقض وفيع تعيير لهؤلاء المشركين فكيف تدّعون أنكم معظّمون لبيت الحرام ثم في نفس الوقت تخرجون النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وتضعون سلى الجزور على ظهره وهو يصلي ببيت الله الحرام، فهذا كله فيه تعريض بالمشركين. فيه إشارة أيضاً إلى بعض الصفات التي كان عليها المشركون في قول الله (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴿١١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴿١٢﴾ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿١٣﴾) كل هذه الصفات افتقدها المشركون وهم الذين يدّعون أنهم معظّمون لبيت الله الحرام.
د. الشهري: نعود إلى السورة من أولها في قوله هنا (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴿١﴾ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴿٢﴾) واضح أن المقصود به بلد الله الحرام وهو مكة (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) ما المقصود بقوله (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)؟
د. المطيري: في البداية هذه السورة القسم الذي أشار إليه الله عز وجل في بداية يشير إلى أشياء: أولاً السورة بدأت بعدة أقسام (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴿١﴾ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴿٢﴾) ثم (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) و(وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) تعتبر جملة اعتراضية بين القَسَمين. (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) هنا مسألة دائماً يذكرها المفسرون وهي الحرف (لا) ما المراد به؟ وجدت أن من أفضل من تكلم عن هذا الحرف هو الشنقيطي رحمه الله في دفع إيهام الاضطراب فإنه لما جاء عند هذه الآية وعن قول الله عز وجل (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) التين) افترض مسألة وهي مسألة أن هنا ربما يكون نفي للقسم ثم في سورة التين أقسم الله عز وجل بسورة البلد فكيف نجمع بين هاتين الآيتين؟ فأطال الشنقيطي رحمه الله وذكر أقوالاً أربعة، القول الراجح منها وهو ما عليه عامة المفسرين منهم الطبري ومنهم الشنقيطي ومنهم ابن عاشور ومنهم ابن كثير وعليه عامة المفسرين أن (لا) هنا زائدة المراد بها التأكيد -ولا شك أن عبارة زائدة هنا تجتنب في القرآن إذا كان المراد بها ليس لها معنى – إما إذا كان المراد بها اعرابياً وأما إذا كان المراد بها التأكيد فإنها تُعتبر صحيحة وهذا دراج في القرآن وفي لغة العرب وقد ذكر الشنقيطي رحمه الله شواهد كثيرة في القرآن وفي لغة العرب منها قول الله عز وجل في قصة ابليس (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (12) الأعراف) (ألا) زائدة هنا المراد بها التأكيد، (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ (93) طه) هذا أيضاً المراد بها التأكيد. القَسَم هنا في بداية السورة فيه تعظيم لبيت الله الحرام وتكرار القسم هنا أيضاً فيه تشويق وفيه تأكيد لما سيُقسم الله عز وجل عليه لأنك عندما تقول: والله، والله، فإنك تشدّ انتباه السامع فيه تشويق وفيه أيضاً تأكيد لما ستُقسم عليه فكيف إذا كان المًقسِم هو الله جلّ وعلا؟ هنا قال (لا أقسم) فأقسم الله بهذا البلد. فيه تعظيم أيضاً لهذا البلد لأن الله لا يُقسم إلا بشيء عظيم عنده لذلك أقسم الله عز وجل بالبلد في هذه السورة. وأيضاً في قوله هنا (بهذا) فيه تمييز لهذا البلد وأيضاً فيه تعظيم لهذا البلد و(هذا البلد) هذه اللفظة جاءت في أكثر من موضع في القرآن منها في سورة التين في قول الله عز وجل (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)) فهنا أقسم الله عز وجل بالبلد في سورة التين. وأيضاً جاءت في أواخر سورة النمل (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا (91)) وهذه كلها من أسماء بيت الله الحرام ولا شك أن كثرة التسميات تدل على تعظيمه. هنا أيضاً من تعظيم بيت الله الحرام في هذه الآية في قول الله عز وجل (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)، (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) ذكر المفسرون لها أقوالاً كثيرة هي تعود إلى قولين: القول الأول أن المراد بقوله (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) أنك مباح يا رسول الله إما أن تكون مباحاً لك القتال وإما أن يكون مباحاً لكفار قريش في أذيّتك وكلاها فيه تعريض لكفار قريش. والقول الثاني المراد بـ(حلٌ) هنا أي وأنت حالٌ ومقيم في هذا البلد وهذا أيضاً فيه تعظيم لبيت الله الحرام أن من تعظيم بيت الله الحرام أن محمداً صلى الله عليه وسلم مقيماً بها. وفي قوله (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يا رسول الله أنك مباح فيه إشارة إلى أمر غيبي مستقبلي وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم سيُحلّ له القتال في بيت الله الحرام وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قال: “لما فتح الله على رسول صلى الله عليه وسلم مكة، قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، فإنها لا تحلّ لأحد كان قبلي، وإنها أُحلّت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحلّ لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها” إلى آخر المعاني في تعظيم بيت الله الحرام. المقصود هذا الأمر الأول. الأمر الثاني الذي فيه تعريض للمشركين (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) يعني أنك مُباح يا رسول الله عِرضك وأذيّتك من هؤلاء كفار قريش رغم أنهم يدّعون أنهم يعظّمون بيت الله الحرام.
د. الشهري: ننتقل إلى جواب القسم في قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) أليس هذا جواب القسم؟ ما دلالته؟ وما علاقته بالمُقسم به؟
د. المطيري: أقسم الله عز وجل أيضاً بقوله (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴿٣﴾) ثم كان جواب القسم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) في كبد يعني في نصب في تعب ولاحظ التعبير القرآني (في كبد) كأن الإنسان يعيش في ظرف في كبد في نصب منذ أن ينشأ إلى أن يموت. وهنا وقفة جميلة وقفها سيد قطب رحمه الله ولفتة جميلة، قال إن الإنسان لا بد أن يكابد وينصب ويتعب في هذه الدنيا لكن هناك من ينصب لدعوة وهناك من ينصب لنزوة، وهناك من ينصب للسموات وهناك من ينصب للديدان والحشرات وربما ينصب لشهوة ذاهبة زائلة. والإنسان لا شك يكابد في هذه الدنيا إلى أن يلقى الله جلّ وعلا لكن المكابدة الأعظم تكون عند لقاء الله عز وجل فإما أن يكابد الإنسان ويدخل جنة عرضها السموات والأرض فيكون نهاية كبده جنة عرضها السموات والأرض وإما أن يكون كبده إلى نار تلظى فتكون خسارة فوق الخسارة.
د. الشهري: كما قال الله (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ (11) الحج). في قوله سبحانه وتعالى هنا في ذكره وامتنانه على الإنسان (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴿٨﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿٩﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿١٠﴾) ليتنا نتوقف مع هذه أيضاً قليلاً.
د. المطيري: هذه الآيات كلها (الإنسان) بعض المفسرين ذكر أن المراد بها الكافر فقط لكن الحقيقة أن المعنى عام المؤمن والكافر كلاهما يلاقون الكبد في الدنيا فقوله (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴿٥﴾ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا ﴿٦﴾ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴿٧﴾) يدخل فيها جنس الانسان لكنها تظهر أكثر في صفات الكفار ولذلك بعض المفسرين ذكر أن هذه من صفات المشركين أنهم يتفاخرون بشيء لا يستحق الفخر، يدّعون أنهم ينفقون أموالهم لكن أين ينفقونها؟ ينفقونها في الفخر والسمعة وهذه الصفة توجد عند من ضعف يقينه بما عند الله عز وجل أنه يفتخر بما في الدنيا ويهلك ماله ويذهبه في أمر تافه. هنا قال (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴿٨﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿٩﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿١٠﴾) لا شك أن هذه الآيات الثلاث فيها إطناب والسبب في هذا الإطناب هو الامتنان من الله عز وجل وجل على الإنسان. وهنا ذكر ابن عاشور وقفة جميلة قال: إنها هذه الأشياء الثلاثة أو الأربعة هي أصول التعلم بالنسبة للإنسان فالعين يكتسب منها اليقينيات فيرى الإنسان بعينه (وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) فإنه أيضاً يتعلم ويعلّم الناس وقال أيضاً (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) جعلنا له فكراً يفكر به ويختار الخير من الشر وهنا قوله “النجدين والعقبة واقتحم” هنا وقفة جميلة بلاغية في القرآن فالنجد هو المكان المرتفع الذي يكون دون الجبل والعقبة هي الكؤود التي تكون في أعلى المرتفع ثم في قوله (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) يدل على أن طريق الخير يحتاج إلى اقتحام وكما قال سيد قطب: فيه تحضيض وفيه دفع للإنسان أن يفعل أعمال الخير حتى يصل للعقبة الكؤود وهي مكان الجنة. ثم إنه عبّر هنا بالنجدين المكان المرتفع عن الخير والشر، بعض المفسرين قال المراد به الثديين وهذا فيه بُعد بالنسبة لسياق الآيات لكن المراد المرتفع. ذكر بعض المفسرين فقال إذا كان المراد بالنجد المكان المرتفع بالنسبة للخير يمكن أن يُحمل لكن على ماذا يُحمل الشرّ؟
د. الشهري: والشر فيه انخفاض
د. المطيري: ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات”. فقال بعض المفسرين قالوا المراد به من باب التغليب. وقال بعضهم لا، وإنما المراد به من باب طريق الخير صعب الذهاب بالنسبة للدنيا وأما بالنسبة للآخرة فطريق الشر ذهابه إلى النار.
د. الشهري: دعني أضيف فكرة في هذه، أنا فعلاً قرأت كلاماً في هذا في قوله في أول السورة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) إشارة إلى أن الإنسان سواء كان مؤمناً أو كان كافراً أنه في كبد في هذه الدنيا لا يسلم من كبدها أحد ففي قوله (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) إشارة إلى أنه حتى الذي يسير في طريق الشهوات لا يخلو من الكبد ولا يخلو من الهمّ فشبهه الله بالنجد المرتفع لأنه يكابد فيه وبالرغم من ذلك يكون مصيره في الآخرة والعياذ بالله الخسران، فقد يكون هذا توجيهاً للتعبير بالنجدين والله أعلم. هل هناك وقفة نختم بها مع سورة البلد؟
د. المطيري: قال (فَكُّ رَقَبَةٍ ﴿١٣﴾ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴿١٤﴾ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴿١٥﴾ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴿١٦﴾) هذه كلها أعمال فيها خير عظيم ولا يفعلها إلا رجل موقن بما عند الله عز وجل ولذلك نعى الله عز وجل على هؤلاء المشركين أنهم كانوا يفتقدون هذه الصفات فاليتيم عند المشركين كان مهاناً ولذلك الله عز وجل قال في سورة الماعون (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3))
د. الشهري: (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) المدثر)
د. المطيري: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)) في سورة الفجر. فمن صفات المشركين الظاهرة أنهم كانوا يهينون اليتيم أيّما اهانة وكانوا في نفس الوقت يدفعون أموالهم في الدنيا للفخر والسمعة. (فَكُّ رَقَبَةٍ) جاء فيها عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أصلٌ كما قال ابن عاشور رحمه الله قال: هذه الآية أصلٌ في أن الاسلام يتشوّف إلى فك الرقاب ولذلك تجد أن الإسلام في كثير من الكفارات يوجِب عتق الرقاب بينما ليس هناك باب إلا باب واحد في الأسرى وهو عن طريق الحروب فقط وهذا يردّ شبهة عظيمة على الإسلام أنه يستعبد الناس، فهذا يدفع هذه الشبهة ولا يقال إلا أن الإسلام خير للمسلم في دنياه وفي أخراه. (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) يتيم وقريب للإنسان ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصدقة على القريب صدقة وصلة” (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قوله (ذا متربة) أنه لا يملك حتى اللباس الذي يلبسه يكون بينه وبين التراب لا شيء فإنه يلتصق بالتراب مباشرة. ثم قال (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) فوق لك كله ولذلك يقولون أن (ثم) للتراخي الرُتبي وليس التراخي الذكري والزمني، هذا فوق هذا كله ولذلك لا ينفع الإنسان الكافر شيء إذا كان يفتقد للإيمان ولذلك عائشة رضي الله عنها عندما سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان قالت إنه كان يقري الضيف وكان يطعم المسكين فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه في النار، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. ولذلك أبو طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ربما قدّم للدين ما لم يقدّمه كثير لكنه في ضحضاح من النار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يغني عنه شيئاً الإنسان إذا كان يفتقد للإيمان ولذلك أعظم صفة يمتلكها المرء في هذه الدنيا أن يكون على الايمان. قال (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) خصّ هاتين الصفتين الصبر والمرحمة لأنها عظيمة بالنسبة للمسلم فالصبر يدفع الإنسان عن الشهوات والمرحمة هي مِلاك – كما عبّر ابن عاشور – قال هي مِلاك الأمة الاسلامية أن يكون بينها هذا التراحم وهذا التواصل ولذلك قال الله عز وجل في سورة العصر (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) فالإنسان اذا افتقد أن يوصي الإنسان بصفة فإنه لا شك سيفقد هذه الصفة
د. الشهري: نختم باقي مهنا أقل من دقيقة في آخر آيتين ثم ننتقل بعد الفاصل إلى سورة الشمس إن شاء الله.
د. المطيري: قال (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)
د. الشهري: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿١٩﴾ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ﴿٢٠﴾) ليتك توضح هاتين الآيتين
د. المطيري: (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) لا شك أن (أولئك) إشارة إلى البعيد فلا شك أن هذا عظيم علو مكانتهم، قال (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) هؤلاء المؤمنين هم أصحاب اليمين والميمنة هنا مأخوذ من اليُمن والعرب كانت تتفائل باليمين وكانت تتشاءم بالشمال ولذلك كان إذا سافر الإنسان فوجد طيراً وجاءه من الشمال فإنه يرجع عن سفره ولذلك يسمّون اليمن باليمن السعيد وسميت الشام بالشام ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يذهب الشؤم عن الشام قال اللهم بارك في يمننا وبارك لنا في شامنا. قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) يعني أحصاب الشؤم ولا شك أن هذا تحقير للكفار (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) فهم شؤم على أنفسهم وشؤم على الأمة وشؤم على الأرض ولطلك النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن القطر يُمنع من السماء بمعصية هذا الكافر وبمعصية بني آدم فهم شؤم على كل من يكون في أرضهم. قال (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) فقدّم العامل على المعمول والمؤصدة المراد بها المطبقة مطبقة على أصحابها.
د. الشهري: لعلنا نكتفي بهذا فيما يتعلق بسورة البلد وبعد الفاصل إن شاء الله نواصل الحديث عن سورة الشمس. أيها الإخوة المشاهدون فاصل قصير نشاهد فيه سؤال هذه الحلقة ثم نعود لاكمال حديثنا مع الدكتور محسن المطيري فابقوا معنا.
———–
فاصل – سؤال الحلقة
في قوله تعالى (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) الضحى) ما هو تفسير كلمة (وَمَا قَلَى)؟
1. ما أبغضك
2. ما تركك
3. ما أضلّك
————-
سورة الشمس
د. الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون الكرام ما زال حديثنا متصلاً في هذه الحلقة المباركة مع ضيفنا الدكتور محسن المطيري حول سورة البلد وسورة الشمس. ولعلنا ننتقل يا دكتور محسن بعد الفاصل الآن إلى سورة الشمس لعلنا نركز الحديث فيها في خمس دقائق عن اسمها وموضوعها كما في سورة البلد.
د. المطيري: سورة الشمس أيضاً هي من السور المكية بالإتفاق وهي من السور المتقدمة في النزول في مكة ولها أكثر من اسم ذكره المفسرون منهم من ذكر أن اسمها هي الشمس وذكر بعضهم بأول السورة (والشمس وضحاها) وهكذا عنون لها البخاري رحمه الله، ابن عاشور رحمه الله رجح أن المراد بها أن الاسم هو (والشمس وضحاها) قال حتى تتميز عن سورة التكوير ولا حاجة لهذا فالأمر واضح هذه سورة الشمس وتلك سورة التكوير. سورة الشمس كما ذكرنا هي من أوائل السور ولذلك سميت بسورة الشمس (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) لأنه بدأ يبزغ نور الإسلام في مكة بعكس سورة الليل أنها سميت بالليل لأنها هي السورة السادسة في سور القرآن، الشمس إشارة أن الإسلام بدأ ينتشر في مكة والليل كانت في بداية السور ولا شك أن الشمس هي إشارة إلى الإسلام والإسلام ضياء ونور على الأمة والليل هو علامة على الظلام وهو دلالة وإشارة إلى الكفر. قال (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)) أقسم الله عز وجل بأيمان متتابعة.
د. الشهري: أحد عشر قسم، أنا حسبتها قبل قليل أحد عشر مقسَم به.
د. المطيري: هذا القسم أيضاً كما ذكرنا في سورة البلد الإقسام مراد به التشويق، المراد بها أيضاً التأكيد، المراد بها شد إنتباه السامع كل هذا مما يراد به قضية القسم. ولا شك أن هناك غالباً مناسبة بين القسم والمُقسم به فهنا قال الله عز وجل (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)) أقسم الله عز وجل بالشمس والضحى. بعض العلماء قال المراد بالضحى هو النهار كله كما ذهب إليه ابن جرير رحمه الله والضحى معروف هو أول النهار (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا). ثم قال (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) يعني إذا تبعها ولا شك أن الشمس والقمر كلها آيات من آيات الله عز وجل، ثم قال (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)) (جلاها) الضمير هنا بعض العلماء قال أنه يعود إلى الشمس وقال بعضهم أنه يعود إلى النهار عفواً الأرض قال بعضهم ان الضمير يعود إلى الأرض وبعضهم قال المراد بها الشمس يعني يجلّي الشمس بعكس الليل فإنه يخفي الشمس.
د. الشهري: جلاها معناها أظهرها وأبرزها.
د. المطيري: نعم أظهرها وأبرزها أظهر الأرض بنورها أو أظهر الشمس. قال (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)) ولاحظ هنا التقابل والطباق في هذه الآيات.
د. الشهري: بين النهار وبين الليل هنا وجلاها ويغشاها.
د. المطيري: نعم الشمس والقمر والنهار والليل وسيأتي معنا بعد قليل تقواها وفجورها وقد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها كل هذا من الطباق الموجود في هذه السورة. قال (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)) لاحظ هنا في عبارة (بناها) شبّه السماء بالبناء في هذه الإستعارة في هذه الإشارة ثم قال (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) طحاها يعني دحا وهي البسط والاستواء بسطها الله جل وعلا للناس. قال (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) والنفس لا شك أنها تحمل الخير والشر، والتسوية هنا بعض المفسرين قال التسوية المراد بها التسوية الخَلقية وقال بعضهم لا، المراد بالتسوية التسوية العقلية والتسوية الخَلقية دلّ عليها قول الله عز وجل (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) الإنفطار) والتسوية الفكرية هي التي يُبصر الإنسان بها طريق الخير من طريق الشر ولذلك قال (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) أشار إليها في الآية التي بعدها (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) والإلهام ابن عاشور رحمه الله يقول أنه من مبتكرات القرآن ولا أعرف يقول في لغة العرب يوجد هذا الأمر مأخوذ من اللَّهْم أو اللَّهْم وهو البلع دفعة واحدة والمراد بإلهامها هنا هو العلم الذي يناله الإنسان من غير تجربة.
د. الشهري: طبعاً يقصد يا دكتور بعض الإخوة المشاهدين قد ربما لا يتوقف عند كلمة “مبتكرات القرآن” ابن عاشور يقصد بها الأشياء التي جاء القرآن الكريم بها ولم تكن معروفة في لغة العرب ولا شائعة في أشعارهم مثل هذه اللفظة (فألهمها).
د. المطيري: وهذا يدل على البلاغة الموجودة في القرآن فإن العرب بلغوا الغاية في البلاغة فكون القرآن يأتي بشيء جديد هذا الذي أبهر كفار قريش وجعلهم يتوقفون مع القرآن.
د. الشهري: وأنا أتصور يا دكتور محسن أنه بالرغم من أنها لم ترد عندهم ولم تنتشر بشكل كبير إلا أنهم يفهمونها ويعرفونها ماذا يقصد بها مباشرة.
د. المطيري: إي نعم (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء). قال (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) هنا أسند الفجور والتقوى إلى هذه النفس فالنفس يوجد فيها دفعة ونزعة إلى الخير ونزعة إلى الشر ولذلك الإنسان يجب أن يُجاهد نفسه على الخير ويجب أن يبحث عن طرق الخير. قال (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) ثم جاء جواب القسم (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) ولا شك أن القسم هنا معلوم لدى الناس قد أفلح من زكّى هذه النفس وطهّرها من المعاصي والذنوب (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) دسّ هنا مأخوذ من الدسّ وهو الإخفاء يعني حال بين نفسه وبين الخير والدس هو الاخفاء وهذا معروف عند الكثير.
د. الشهري: ومنه في قوله تعالى (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ (59) النحل) يعني يخفيه.
د. المطيري: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) ثم لا شك أن السورة من أولها كلها تهديد للمشركين ولذلك جاء جواب القسم (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)). ثم ذكر صورة من صور الطغيان عند المشركين ولا شك أن هذا تعريض بمشركي وكفار قريش أن الذي حال بينهم وبين إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم هو الطغيان وهو تجاوز الحد في الكبر وفي المعصية. قال (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) الباء هنا سببية يعني بسبب طغيانها، بسبب تجاوزها، بسبب فرط كبرها هذا الذي دعاهم إلى تكذيب صالح رغم أن الله عز وجل أرسل لهم آية. (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) ثم ذكر الضمير ما الذي حصل؟ من قوم ثمود قال (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) انبعث هنا مطاوع لفعل بعث يعني بعثوه فانبعث وهو كما جاء في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوماً وهو يذكر هذا الرجل الذي قتل الناقة قُدار ابن سالف وصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عزيز في قومه صاحب مَنَعة سيّد كأبي زمعة – والراوي هو عبد الله ابن زمعة كان مطاعاً في قومه- قال هذا هو الذي انبعث ولا شك أن هذا الرجل شقي ولذلك الله عز وجل وصفه فقال (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا).
د. الشهري: يعني أشقى واحد فيهم مع أنه كان سيداً كما تفضلت.
د. المطيري: مع أنه كان سيداً ولكن طغيانه كان سبباً في إقدامه على هذا الأمر. قال (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (13)) وهو صالح أشار الله عز وجل له برسول الله تعظيماً له لا شك الإشارة أنها تشريف لصالح عليه السلام قال (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) احذروا ناقة الله أن تقتربوا وسقياها (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) الشعراء) لا تقتربوا من سقياها. قال (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) والعَقْر هو البَرْك يعني يكسر الإنسان رجلي هذه الناقة ثم تبرك وهو كناية عن القتل والنحر فالعقر هو أن يبرِّكها ثم القتل. قال (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)) فدمدم أي أطبق عليهم بتلك الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
د. الشهري: يعني نختم في أقل من دقيقة يا دكتور لماذا ذكر الله سبحانه وتعالى ثمود هنا كمثال على الطغاة الذين طغوا وبغوا فأهلكهم الله سبحانه وتعالى لماذا لم يذكر هنا قوم هود وقوم فرعون مثلاً؟
د. المطيري: الله عز وجل دائماً يذكر لكفار قريش ما هو السبب في هذا العذاب الذي ينزل عليهم، هذا هو السبب الطغيان فانتبهوا يا كفار قريش لا تطغوا على النبي صلى الله عليه وسلم فيصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء ولذلك هم كفار قريش يعرفون قوم ثمود ويعرفون قوم عاد لأنهم يمرون عليهم.
د. الشهري: لعلنا نكتفي يا دكتور محسن بهذا في سورة الشمس ونتوقف أيها الإخوة المشاهدون مع فاصل قصير ثم نعود لمواصلة حديثنا إن شاء الله حول سورة الليل مع الدكتور محسن المطيري.
—————————-
إعلان مركز تفسير للدراسات القرآنية – مطبوعات مركز تفسير
—————————-
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرحباً مرة أخرى في التفسير المباشر وما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور محسن المطيري حول سورة الشمس وقد انتهينا منها وسندخل الآن إن شاء الله في سورة الليل. قبل أن نواصل يا دكتور محسن أستأذنك وأستأذن الإخوة المشاهدين في أن نعلن الفائز في مسابقة البرنامج في حلقة الأمس.
الفائز في مسابقة الأمس: سلطان ابن عوض العتيبي من الطائف
سورة الليل
د. الشهري: بسم الله نبدأ يا دكتور مع سورة الليل ولعله بقي معنا أقل من عشر دقائق في السورة نحاول نأتي على أهم مسائلها. اسم سورة الليل هل هذا هو الاسم التوقيفي لها؟ أم أن هناك اسماء أخرى؟
د. المطيري: في سورة الشمس وسورة الليل كلاها جاءا في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة معاذ ابن جبل قال له: هلّا صليت بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها
د. الشهري: أرشده إلى مثل هذه السور
د. المطيري: فكلاها جاءت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسمية ولذلك الخلاف الذي حدث في سورة الشمس حدث في سورة الليل. وبعض المفسرين عامة المفسرين أن سورة الليل اسمها الليل بعض المفسرين ذكر أن اسمها هو “والليل إذا يغشى”.
د. الشهري: إذن يمكن أن نذكر من فضائل السورة ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرشد معاذ بن جبل لقرآءتها إذا صلّى بالناس؟
د. المطيري: يعدّ هذا مما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قرآءتها من أواسط المفصّل
د. الشهري: هي إذن من السور التي نزلت مبكراً
د. المطيري: سورة الليل جاءت في أوائل القرآن وهي السورة السادسة من حيث النزول
د. الشهري: في ترتيب النزول تعتبر الرقم ستة. ما هو موضوع سورة الليل؟
د. المطيري: سورة الليل هي جاء بأعمال الصالحين الأتقياء المؤمنين وجاءت بأعمال المشركين المعرضين عن الآخرة. أقسم الله عز وجل في أوائل السورة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴿١﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴿٢﴾ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴿٣﴾) هذه أيضاً أقسام للتشويق والاهتمام. أقسم الله عز وجل بالليل إذا غشي بظلامه الكون قال (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ثم أقسم بما هو مقابل فقال (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)
د. الشهري: وقبل قليل قال (والنهار إذا جلّاها) وهنا يقول (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)
د. المطيري: نعم، (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) يعني أظهر الأرض وأظهر الشمس وبضيائه. ثم قال (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)) جاءت في قراءة ابن مسعود في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (والذكر والأنثى) وبعض المفسرين أشار إلى أن الزمخشري كما يعبر يقول هذه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهي القراءة التي ثبتت في السنة الصحيحة ولم تأتي عن القُراء القراءة المتواترة.
د. الشهري: ولذلك هي تعتبر من القراءات الشاذة.
د. المطيري: إي نعم، ولذلك نبّه بعض المفسرين منهم ابن عاشور رحمه الله إلى أن هذا المسمى قد يكون فيه إشكال فيظن أحدهم أن هذه هي القراءة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يجب أن ينبه على هذا الأمر أن قول أنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت بالسنة ولم ترد عن القُرّاء القراءة المتواترة. وهنا في قوله (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) طبعاً (ما) ذكر المفسرين فيها قولان إما أن المراد بها (ما) الموصولة وإما أن يراد بها (ما) المصدرية فإذا كانت الموصولة يكون إقسام بالله عز وجل (والذي خلق الذكر والأنثى) وإذا كانت (ما) المصدرية “وخَلْق الذكر والأنثى”. وهنا أشار بعض المفسرين إشارة جميلة وهي أن طبيعة الليل ليست كطبيعة النهار تختلف طبيعة الليل في ظلمته والنوم الذي يحصل للبشر وأيضاً النهار هو الذي يكون فيه العمل ويكون فيه الذهاب لطلب الرزق إلى آخره وأيضاً طبيعة الذَكَر ليست كطبيعة الأنثى ولذلك الذين يدعون إلى مساواة الذكر بالأنثى هؤلاء يغيّرون سنة الله عز وجل في خلقه فطبيعة الذَكَر ليست كطبيعة الأنثى هذا له صفات كما أن النهار له صفات وأيضاً هذه لها صفات كما أن الليل له صفات، الذي يخلط كالذي يخلط بين الليل والنهار ويخلط بين الأبيض والأسود.
د. الشهري: هذا الاختلاف بين طبيعة الرجل والمرأة هو الذي يدعو للتكامل أصلاً ولا تستقيم الحياة إلا بهذا الإختلاف. موضوع الإنفاق يا دكتور محسن وأنت تتحدث عن موضوع سورة الليل موضوع الإنفاق ظاهر في سورة الليل في قوله سبحانه وتعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)) موضوع الإنفاق وذكره في بداية الدعوة، الآن تقول أنها السورة رقم ستة في بداية دعوة الإسلام ثم يأتي الحديث عن الإنفاق بهذه الطريقة التي يشجع فيها على الإنفاق أليس فيه إشارة إلى حاجة الدعوة دائماً إلى المال وإلى البذل وفيه دعوة للمسلمين للنفقة في إقامة هذا الدين؟
د. المطيري: لا شك كون هذه الآيات تنزل في هذه السورة السادسة في أوائل الإسلام يدل على عِظَم الإنفاق في سبيل الله عز وجل ولذلك هذه الآيات لم ترد في الثناء على صحابي مثل هذه الآيات وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبماذا تميز أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ أجمع المفسرون ابن عطية رحمه الله وغيره على أن هذه الآية (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)) وقبلها (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)) الذي أنفق واشترى الرقاب في سبيل الله عز وجل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه قالوا أولى الناس بهذه الآية هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لماذا؟ لأنه أعتق ستاً من الرقاب منهم بلال ابن رباح لما أعتق بلال ابن رباح رضي الله عنه ماذا قال المشركون؟ قالوا ما أعتقه لأن أبا بكر قدّم مالاً عظيماً لأمية ابن خلف حتى يعتق بلال فكان المشركين غير متصورين لهاذا الأمر ماذا يريد عند هذا الرجل الحبشي لماذا يقدّم له هذا المال كله؟! قال له أبو بكر خذ ما شئت وأعتق هذا الحبشي لما رآه يعذب في ذات الله فأعتقه ابو بكر فقال المشركون ما أعتق أبو بكر إلا ليدِ عنده إلا ليدٍ لبلال على أبي بكر فقال الله عز وجل تكذيباً لهم (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى). ولذلك عروة ابن مسعود في صلح الحديبية لما جاء عند النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح وحدث بينه وبين أبي بكر كلاماً فتكلم له أبو بكر بكلمة عظيمة لا أود أن أذكرها فقام عروة ابن مسعود ونظر إليه فقال والله لولا يد لك عندي في الجاهلية لرددت عليك يعني حتى عروة ابن مسعود وهو سيد من سادات قريش ومع ذلك يقرّ لأبي بكر الصديق أن له يداً عليه. أبو بكر الصديق الذي ميزه أعتق ستاً من الرقاب وكان يقدّم ماله لله عز وجل. عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لما جاء عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده سعة من المال فقال والله لأسابقنّ الليلة أبا بكر جاء فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تركت لأهلك؟ قال أبقيت لهم نصف مالي.
د. الشهري: هذا عمر.
د. المطيري: هذا عمر ظنّ أنه سيسبق أبا بكر اليوم فجاء أبو بكر بمال قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله فقال عمر لا جرم ما سابقت أبا بكر بعد اليوم! إنتهى الأمر. وغيره لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق إلى المدينة جاء أبو قحافة وهو رجل أعمى كبير في السن فقال لأسماء والله ما أرى أبو بكر إلا فجعكم في ماله كما فجعكم في نفسه فجاءت أسماء ووضعت كيساً ووضعت داخله شيئاً من الحصى فقالت انظر فتحسسه فقال نعم إن ابقى لكم هذا المال، قالت والله ما أبقى لنا شيئاً!
د. الشهري: بقي معنا يا دكتور دقيقتان فقط لعلنا نقف في قوله سبحانه وتعالى هنا (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) يعني هل من وقفة عند هذه الآية؟ وهي جواب القسم
د. المطيري: نعم هذا هو جواب القسم وجواب القسم هنا معلوم لدى الناس فلماذا الله عز وجل أقسم بكل هذا؟ لتأكيد هذا الأمر مع أنه معلوم إلا أن كفار قريش أعمالهم تدلّ على خلاف هذا الأمر أنهم لا يعرفون أن سعي الناس شتى، أن منهم من سيكون في الجنة ومنهم من سيكون في النار. وفي هذه الآية استعارتان في قوله (سعي) والسعي في الأصل هو العمل الدؤوب هو المشي بسرعة فاستعيرت للعمل وهذا كثير في القرآن. وأيضاً في قوله (شتى) والشتّى هو المتفرق مختلف فاستعيرت لتفرق أعمال الناس فاستعير المحسوس إلى المعقول. قال (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)) هنا جاء التفصيل بعد الإجمال كما يقولون أصحاب الأخبار سيأتي الموجز ثم التفصيل فهنا جاء الإجمال ثم جاء بعده التفصيل.
د. الشهري: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن يا دكتور وأن يتقبل منك. انتهى وقت الحلقة الحقيقة وإن كنا نتمنى أن يكون الوقت أوسع نتحدث في سورة الليل. أيها الإخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً أشكر فضيلة الشيخ الدكتور محسن بن حامد المطيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود على ما تفضل به كما أشكركم أنتم أيضاً على متابعتكم وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبولين عنده في هذا الشهر المبارك القاكم غداً وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.