برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1433هـ – سورة التغابن

اسلاميات

الحلقة 158 – 5 رمضان 1433هـ

ضيف البرنامج في حلقته رقم (158) يوم الثلاثاء 5 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة التغابن.

——————-

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في حلقة جديدة من برنامجكم اليومي التفسير المباشر اليوم سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذه الحلقة حول سورة التغابن. وباسمكم جميعاً أرحب بضيفي في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود فحيّاكم الله يا دكتور.

د. الخضيري: حياكم الله وحيّا الله الإخوة المشاهدين.

د. الشهري: وأهلاً وسهلاً بك. وعدد من الزملاء هنا على التويتر يبلغونك السلام، ما شاء الله لك شعبية طيبة يا أبا عبد الله.

د. الخضيري: جزاك الله خيراً

د. الشهري: اليوم سوف نتحدث عن سورة التغابن وما زلنا في السور التي تبدأ بالتسبيح وسورة اليوم هي من هذه السور. نبدأ يا أبو عبد الله باسم سورة التغابن، أولاً ما دلالة هذا الاسم، الأمر الثاني هل لها أسماء أخرى غير هذا الاسم؟.

د. الخضيري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ارزقنا علماً ينفعنا. هذه السورة تسمى التغابن ليس لها اسم آخر وهي من السور القلائل التي تنفرد باسم واحد بحيث لا يشاركها اسم آخر لكنها تدخل ضمن مجموعة تسمى المسبِّحات. والمسبِّحات خمس التي ورد في السُنة أنها تسمى المسبحات خمس: الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن هذه الخمس تسمى المسبحان لكن السور التي افتتحت بالتسبيح سبع هذه الخمس وسورة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) سورة الإسراء و(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)) سورة الأعلى ولجلالة التنزيه ومحبة الله إياه جاءت صيغة التسبيح على جميع الصيغ، جاءت بالمصدر سبحان وبالماضي سبح وبالمضارع يسبح وسبِّح (الأمر)، فعندنا سبع سور جاءت بمختلف الصيغ وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين لنا أن الله منزه في كل زمان في كل حال وفي كل وقت عن كل نقص وعن مشابهة المخلوقين.

ما هو هذا الاسم؟ التغابن اسم من أسماء يوم القيامة سمي بذلك لما يقع فيه من الغبن. ما هو الغبن؟ الغبن هو الخسران والحسرة التي تقع في نفس الشخص عندما يخسر مثلاً بيعة من البيعات، يشتري شيئاً رخيصاً بثمن كبير جداً أو يخسر شيئاً ثميناً جداً بثمن بخس فالكافرون يوم القيامة عندما يرون الجزاء العظيم ويرون أنهم لم يقدموا الشيء القليل من الإيمان والعمل الصالح يصيبهم الغبن والمؤمنون يغبنون الكافرين على أنهم حصلوا هذا الجزاء العظيم من الله سبحانه وتعالى وبقي الكفار لم يعملوا العمل الذي عمله المؤمنون فيأخذوا مثل جزائهم ولذلك قيل التغابن لكثرة ما يحصل فيه من الغبن. والعجيب أن هذا التغابن في هذه السورة جاء على ثلاث طبقات:

1.      الطبقة الأولى طبقة الايمان أو في جانب الإيمان عندما يغبن المؤمنين الكافرين وعندما يُغبَن الكافرون حيث لم يقدموا الإيمان لينالوا هذا الجزاء العظيم.

2.      الثاني في جانب الطاعة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ (12)) المطيع يجد أثر طاعته يوم القيامة ويُغبَن العاصي ولذلك جاء في السورة  بعد (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (12)) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (14)) من أين جاءت العداوة؟ عداوتهم في أمر الطاعة حيث أطاع هؤلاء المؤمنون أزواجهم وأولادهم فلم يطيعوا الله سبحانه وتعالى أو قصّروا في طاعة الله عز وجل وأصابتهم الحسرة وهؤلاء جماعة من الصحابة عندما تركوا الهجرة والجهاد مع رسول الله طاعة لأودهم وأزواجهم تحسروا على ذلك حسرة شديدة عندما جاؤوا فوجدوا المؤمنين قد جاهدوا وتعلموا وتفقهوا في دين الله فأرادوا أن يعاقبوا زوجاتهم وأولادهم فقال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14))

3.      الغبن الثالث الغبن في الإنفاق وهو عندما يكون بين يديك مال يمكن أن تشتري به جنة عرضها السموات والأرض وتشتري به جزاء مضاعفاً في الدنيا والآخرة (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ (17)) هذا الذي لا ينفق وبيده المال الذي آتاه الله إياه مغبون فهذا غبن ثالث، فالسورة جاءت بالغبن من الوجوه الثلاثة: غبن في الإيمان، غبن في الطاعة غبن في الإنفاق وهذا مقصودها الأعظم لمن يتفكر فيها. هذه السورة من أعجب السور من جهة أنها سورة مدنية تشبه سياق السور المكية

د. الشهري: وهذا الذي كنت سأسأل عنه: هل السورة نزلت في المدينة أو نزلت في مكة؟

د. الخضيري: من العلماء وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم يرون أنها مكة عدا ثلاث آيات نزلت في المدينة وهي قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)) والجمهور على أنها مدنية ولكن تشبه في سياقها وفي موضوعاتها السور المكية وهذا نوع من أنواع

د. الشهري: تمييز المكي عن المدني،

د. الخضيري: لا، نوع من أنواع السور ما يكون مدنياً ويشبه المكي وهناك ما هو مكي ويشبه المدني

د. الشهري: المقصد الأعظم لسورة التغابن هي حول هذه الصور الثلاث من صور التغابن؟

د. الخضيري: التغابن في صوره الثلاث في الإيمان وفي الطاعة وفي الإنفاق

د. الشهري: وجيء بضيغة التفاعل للدلالة على هذا

د. الخضيري: هذا التنوع والاختلاف وتلك الكثرة التي ستكون يوم القيامة لأن التغابن سيكون كثيراً حتى المؤمنون يغبت بعضهم بعضاً وحتى الإنسان يغبن نفسه، كان بالإمكان أن يأخذ الجزاء الكبير بهذه الأعمال ومع ذلك فاتته، أنت تموت وقد أنفقت ما أنفق لكن ترى أنك تركت أكثر فلو زدت في الإنفاق لحصّلت شيئاً أكثر مما أنت عليه

د. الشهري: ولو زدت في النوافل ولو زدت في التسبيح، كل شيء يمكن أن تزيد فيه. نعود إلى سبب النزول، هل سورة التغابن لها سبب نزول مباشر؟

د. الخضيري: السورة كلها ليس فيها سبب نزول فيما أعلم إلا هذه الآيات الثلاث التي ورد فيها قول الله عز وجل (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)) هذه الآيات كما ذكر كثير من المفسرين وقد ورد بأسانيد مقبولة أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الهجرة طواعية لزوجاتهم وأولادهم فلما هاجروا بعد ذلك أو رأوا ما أدركه الصحابة بعد ذلك أصابهم شيء من الغبن ورجعوا يريدون معاقبة أزواجهم وأولادهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية مبينة أن الزوجات والأولاد مع أنهم منك واقرب الناس إليك وأكثر الناس انتفاعاً بك إلا أنهم قد يكونونا أعداء لك من حيث لا تشعر عندما يصدونك عن دين الله أو يصونك عن طريق تريد به مرضاة الله سبحانه وتعالى أو يؤخروك عن مجال من مجالات الطاعة. ولذلك ورد في الحديث أن “الولد مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَة” من هذا الجانب لأن الإنسان قد يترك شيئاً من الطاعات بسبب أولاده

د. الشهري: والانفاق أيضاً كلما أراد أن ينفق

د. الخضيري: فتكون هذه وجه العداوة في هذا الباب. وبما أنها عداوة ليست متمحضة وإن هؤلاء يقولونها بمقتضى الجبلة وأنها قد تكون منك أنت وليست منهم هم من خوفك أو حرصك قال الله عز وجل (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)) يعني لا ينبغي أن تقابل أولادك بتلك الحال بعداوة مماثلة ومقاتلة ومجاهدة بقدر ألا تستجيب لطلباتهم عندما تتعارض مع أوامر الله عز وجل.

د. الشهري: وربما شيخ محمد لأن المصير في النهاية أو المآل في الآخرة أن نتيجة عدم الإنفاق أو البخل ستكون وبالاً وغبناً عليه في الآخرة وهذا ما يصنعه الأعداء به ولذلك يقول أحدهم زوجته كانت كثيرة الطلبات وأنفق كل ماله في تلبية طلباتها فقال لها يوماً: ماذا كان سيصنع اللص أكثر من ذلك؟! لأنك تقومين بدور اللص، اللص كان سيسرق المال وأنت أخذتيه كاملاً في ملذاتك فالثمرة واحدة. نعود إلى السورة من أولها يمكن أننا نقسمها إلى مقاطع.

د. الخضيري: قبل ذلك هنالك ملامح رئيسية في السورة. من أهم الملامح في هذه السورة أنها لما ذكرت الإيمان ذكرت الإيمان باركانه الستة وهذا من النادر اجتماعه في سور القرآن وخاصة في السور القصيرة.

الإيمان بالله: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ). ورد فيها من أسماء الله 12 اسماً قدير وبصير وعليم وخبير وغني وحميد وغفور ورحيم وشكور وحليم وعزيز وحكيم هذا كله في سورة واحدة. 12 اسماً من أسماء الله في هذه السورة غير إثبات الربوبية وإثبات الحمد، هذا بالنسبة الإيمان بالله. الإيمان بالرسل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ (6))، الإيمان بالكتب (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ) الإيمان بالملائكة (الَّذِي أَنزَلْنَا) لأن إنزال الكتب عن طريق الملائكة، الإيمان بالقدر خيره وشره في قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ) هذه آية من آيات القدر معروفة عند العلماء يعني طُبعوا يوم طبعوا على الإيمان وعلى الكفر بقدر الله عز وجل الذي يعلم سبحانه وتعالى حكمته أيضاً اللون الثاني من ألوان القدر المذكور في السورة بشكل واضح وصريح (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي يرضى بقضاء الله (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، بقي الإيمان باليوم الآخر واضح في السورة جداً في قول الله عز وجل (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)

د. الشهري: وقوله قبلها (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)

د. الخضيري: (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وقوله بعدها (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) فالحاصل هذه السورة من ملامحها أنها جمعت أركان الإيمان ولخصتها تلخيصاً بليغاً وبديعاً. من مميزات هذه السورة أنها كما ذكرت قبل قليل جمعت أسماء كثيرة لله عز وجل وصفات كثيرة فقوله (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ، يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وغيرها مما ذكرنا من صفات الله عز وجل وأسمائه الحسنى.

د. الشهري: ما دام أنك ذكرت الأسماء والصفات هنا سؤال من الشيخ إحسان العتيبي وهو من الأصدقاء الفضلاء يسلم عليك

د. الخضيري: وأنا أقول وعليك السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيراً على ما تصنع بإخوننا اللاجئين في سوريا خير الجزاء له جهود مشكورة نسأل الله أن يتقبل منه

د. الشهري: هذه عادته. السؤال الثاني يقول ما مناسبة اسم الله حليم لتختم به الآية 17 (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)

د. الخضيري: هي جاءت في آية الإقراض والصدقة، فالاقراض هنا من الله سبحانه وتعالى فيه شيئان (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ) فهذا شكور فمن شكره لعبده أنه يضاعف له تلك الصدقة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) حليم فصارت شكور مناسبة لأول الجزاء وحليم مناسبة للجزاء الثاني من جزاء الصدقة.

د. الشهري: جواب بديع. نعود إلى مقاطع السورة

د. الخضيري: هل ممكن أن نتحدث عن مناسبة السورة مع سورة المنافقون؟

د. الشهري: نحن فعلاً قصرنا في الحلقات الماضية في قضية المناسبات بين السور

د. الخضيري: المناسبة بين السورتين ظاهر جداً

د. الشهري: بينها وبين المنافقون

د. الخضيري: نعم، أولاً لو لاحظت في سورة الممتحنة جاء الولاء والبراء (إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (4) الممتحنة) من هم أصناف الناس الذين يُبرأ منهم؟

د. الشهري: المشركون والمنافقون

د. الخضيري: في الصف جاء ذكر النصارى وفي سورة الجمعة جاء ذكر اليهود وإذا ذكر اليهود لا بد أن يذكر المنافقون لأنهم هم المقابلون لهم في داخل الصف الإسلامي، فبعد ذكر اليهود في الجمعة جاء ذكر المنافقون في سورة المنافقون بقي الكافرون جاؤوا في سورة التغابن فهناك مناسبة بين هذه السور كلها.

  • الأمر الآخر في سورة المنافقون ذكر الإنفاق (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)) وهنا قال الله عز وجل (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
  • جاء التحذير في سورة المنافقون من فتنة الأهل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)) وجاء التحذير هنا أيضاً من فتنة الأهل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
  • في سورة المنافقون ذكر جزاء المنافقين وهنا ذكر جزاء المؤمنين وذكر أيضاً جزاء الكافرين
  • أيضاً ذكر اليوم الآخر في تلك السورة وفي هذه السورة وغير ذلك من المناسبات بين السورتين

د. الشهري: مما يدل على أنها نسيج

د. الخضيري: من الأشياء اللطيفة التي ذكرها السيوطي رحمه الله أظن في “الاكليل” قال شيئاً بديعاً وهو من مليح العلم وليس من متينه، قال: سورة المنافقون هي السورة الثالثة والستون من سور القرآن الكريم من حيث الترتيب وجاء في آخرها (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)) فيها إشارة إلى عمر النبي صلى الله عليه وسلم. فإن قلت هل من مزيد؟ أقول نعم، هذه الآية رقم 11 (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وهي السنة التي توفي فيها النبي صلى الله عليه وسلم

د. الشهري: أصبحنا من أصحاب الاعجاز العددي!

د. الخضيري: ممكن، الأمر الثالث ذكره السيوطي – الأمر الثاني هذه من عندي – الأمر الثالث ذكره السيوطي قال: وجاء بعدها سورة التغابن ليظهر الغبن لفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم

د. الشهري: هذه تصلح مُلَح. أستأذنك بفاصل قصير ثم نعود لنستكمل حوارنا

—————

فاصل: سؤال الحلقة: قوله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) ما هو تفسير كلمة التغابن؟

1.      يرث المؤمنون منازل أهل النار في الجنة ويرث أهل النار منازل أهل الجنة في النار

2.      التجارة

3.      البكاء

————

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود وحديثنا ما زال عن سورة التغابن وموضوعها. نعود إلى آيات سورة التغابن ولو أمكن أن نأخذها من أولها ونتوقف معها مقطعاً مقطع.

د. الخضيري: افتتحت هذه السورة (يسبح) وهذه صيغة مضارع تدل على أن التسبيح يتجدد لله عز وجل في كل حين إذا رأيت عصفوراً أو رأيت نعمة من نعم الله أو في كل آية من آيات الكون يتجدد التسبيح (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (44) الإسراء)

د. الشهري: ما معنى التسبيح؟

د. الخضيري: التسبيح في اللغة بمعنى التنزيه، تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وعن مشابهة المخلوقين وإن كانت مشابهة المخلوقين نقص لكن ننص عليها لأن بعض الطوائف والملل شبهوا الله بخلقه وغالب الضلال في هذا إما يرفع المخلوق لمرتبة الخالق أو ينزّل الخالق إلى مرتبة المخلوق فالضلال يأتي من أحد هذين. قوله (يُسَبِّحُ لِلَّهِ) أي ينزه الله تعالى في كل وقت وفي كل حين. (مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) أي جميع ما في السموات وما في الأرض إما تسبيحاً بالمقال أو تسبيحاً بالحال وهذا هو الأصل، كل شيء يدل على الله سبحانه وتعالى

د. الشهري: ما الفرق لما يقول (مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) و(يسبح لله من في السموات) ما الفرق بين التعبير بـ(ما) والتعبير بـ (من)؟

د. الخضيري: (ما) تدل على غير العقل و(من) تدل على العاقل والأغلب في التسبيح أن ياتي بـ (ما) لأن الأكثر من المخلوقات التي نراها هي ليست من العقلاء ولذلك يأتي للدلالة عليها لأن هي الأكثر (ما في السموات) فإن قيل لم قدم ما في السموات على ما في الأرض؟ قيل لأن ما في السموات أسبق مما في الأرض لأن وجود الملائكة قبل وجود المخلوقين من بني آدم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (30) البقرة). قال (وما في الأرض) أي ىية يأتي فيها (وما في الأرض) اِعلم أن الحديث الذي سيأتي سيكون متصلاً بمن في الأرض أما إذا جاء (يسبح لله ما في السموات والأرض) أو (سبح لله ما في السموات والأرض) فاعلم أن الحديث بعدها ليس متصلاً بأهل الأرض

د. الشهري: (وما في الأرض) هي التي يتصل بها

د. الخضيري: نعم إذا جاء (وما في الأرض) الحديث بعدها (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ)

د. الشهري: الخطاب لمن في الأرض. أستأذنك في سؤال للأخ أحمد من الرياض.

اتصال من الأخ أحمد من الرياض: في بداية السورة ذكر الله (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ما سبب إدخال تصوير الإنسان في آيات البعث، هل هناك حكمة في ذلك؟ السور الأخيرة الجمعة والمنافقون وهذه السورة ختمت بذكر المال فهل هناك ترابط بينهم؟

د. الخضيري: قال (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) لو لاحظت جميع آيات التسبيح في سور المسبحات تختم بالعزيز الحكيم إلا هذه قال (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فنقول (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) هي في محل قوله (وهو العزيز الحكيم) فالملك هو العزة بمكان العزة لأن العزيز هو الملك و(له الحمد) هذا هو الحكيم أضف إلى أن السورة ختمت بالعزيز الحكيم.

سؤال من الأخت زهرة من الرياض: في الآية (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ) ذكر أن الله سبحانه وتعالى سبق كلمته أنه يخلق المؤمن مؤمناً والكافر كافراً بالرغم من ذلك يعذب الكافر فنريد من الشيخ أن يشرح لنا هذه المعادلة. السؤال الثاني نريد من الشيخ أن يدعو لنا أن يرفع درجاتنا في العلم.

د. الشهري: أعرض عليك أسئلة الأخ أحمد يقول في الآية الثالثة (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ما علاقة هذه الآية بقضية التصوير وامتنان بالخلق وحسن الصورة في معرض الحديث عن اليوم الآخر في قوله (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)

د. الخضيري: لما ذكر التسبيح ذكر أنه (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) فهو يذكر العوالم العلوية والعوالم السفلية أبرز العوالم السفلية أنت يا ابن آدم ولذلك قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) امتن عليهم بخلق السموات والأرض وامتن عليهم بأنه أبدع صنعهم وأحسن إليهم حتى في صورتهم ومظهرهم

د. الشهري: ولا شك أن حسن صورة الإنسان في خلقه من أعظم ما يستحق الله عليه التسبيح والتنزيه

د. الخضيري: هذا أمر والأمر الثاني الشكر بأن لا يُكفر فلو كانت صورة الإنسان كتصوير البهائم مثلاً وحاله كحالها كم سيفقد من اللذة والمتعة والسعادة الشيء الكثير!

سؤال من الأخت أم عبد الله من جدة: نسمعكم في البرنامج تقولون محور السورة ومقصود السورة وموضوع السورة فما الفرق بين الثلاثة؟

د. الشهري: السؤال الثاني الذي ذكره الأخ أحمد يقول سورة الجمعة والمنافقون والتغابن الحديث فيها عن ذكر المال والانفاق فما العلاقة بينها؟ هل هناك من صلة؟

د. الخضيري: هناك علاقة وهي أن هذه السور عامة تناقش صوادّ الإنسان عن دين الله عز وجل الذي يصده عن دين الله وعن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا نظرت إلى سورة المنافقون من أعظم ما يوقع الإنسان في النفاق هو رغبته في الدنيا من أهل ومال وولد تجعله لا يتبع الحق. إذا نظرت إلى سورة الصف من أعظم ما يمنع الإنسان عن الجهاد في سبيل الله المال والأهل والولد وإذا نظرت إلى سورة الجمعة وأنت تعلم أن الذي أوقع الصحابة في كونهم قاموا وتركوا ذكر الله وتركوا رسول الله وهو يتكلم رغبتهم في المال فجاء التهديد لهم (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة) وكذلك هنا في قضية الإيمان من أعظم الأشياء التي تصد الإنسان عن الإيمان وما يصده عن الهجرة رغبته في المال والأهل والزوجة والولد

د. الشهري: رابط واضح. ودائماً نقول يا دكتور محمد أن المنافقين يرسبون دائماً في اختبار المال، في القرآن الكريم لم ينجح فيه إلا ذو القرنين ربما يكاد يكون هو الوحيد الذي نجح في اختبار المال.

الأخ عادل من العراق: السؤال الأول بعيد عن السورة  ذكر الله سبحانه وتعالى (يتيهون اربعين سنة) وفي آية أخرى (وبلغ أربعين سنة) وبعث النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعين سنة والجنين في بطن أمه مراحله أربعين يوماً فما الحكمة في الرقم أربعون؟ وهل هناك سر في هذا الرقم؟ السؤال الثاني، سورة الجمعة بدأت يسبح وسورة التغابن يسبح وسورة الصف سبح فما الفائدة؟

د. الشهري: الأخت زهرة سألت فقالت الله سبحانه وتعالى يقول في أول السورة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ) والسؤال سؤال القدر المعروف كيف الله سبحانه وتعالى قد خلقهم وقدّر أنهم كفار لماذا يعاقبهم إذن؟

د. الخضيري: ربنا سبحانه وتعالى هم الحكيم العليم نؤمن بحكمته التامة وعلمه واطلاعه الواسع على كل شيء،  لما خلق الخلق ابتلاهم بالإيمان والكفر خلقهم وخلق للكفر أهلاً وخلقهم وخلق للجنة أهلاً وللإيمان أهلاً وكان ذلك بمقتضى حكمته هو العليم بذلك سبحانه وتعالى ثم إن الله سبحانه وتعالى علمه هذا لا يظهر في تصرفاتنا نحن بمعنى أنه لما خلقنا طان من تمام عدله وحكمته أن بصّرنا بالحق والباطل وبالإيمان والكفر (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد) وأرسل لنا الرسل وأنزل لنا الكتب وجعل لنا عيوناً وأسماعاً واختيار تام لا نشعر أننا حينما نذهب للصلاة أن أحداً يجرّنا إليها ولا حينما نترك الصلاة أن أحداً يمنعنا عنها، ثم قال اختاروا هذا نجد وهذا نجد، هذا طريق حق وهذا طريق ضلالة ثم وقع ما علمه الله عز وجل فينا. هذا الفعل الذي منا لا يمكن أن يُنسب إلى أنه فعل الله، هو فعلنا واختيارنا وهذا نراه وندركه نحن ونحسه فعلاً ولذلك لا يمكن أن يكون الله سبحانه وتعالى بذلك ظالماً لنا حاشاه سبحانه وتعالى عن الظلم بل بما كسبت أيديكم. وأنت تلاحظين يا أختي الكريمة أنك تفعلين فعل الخير بنفسك وبرغبتك وبما تعلمينه من محبة الله عز وجل لهذا العمل وبالآيات والدلائل التي جاءت إليك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلمين أن هذا خير تتبعينه وأن هذا شر تتركينه والثاني يعلم أن هذا خير فلا يتبعه ويعلم أن هذا شر فيدخل فيه وهنا لا يجوز لنا أن نعترض على قدر الله فقدر الله فينا خاص به سبحانه وتعالى لكن عملنا نحن نحن محاسبون عليه ومسؤولون عنه وليس من حقنا أن نعترض عليه. ولعلنا نقرّب هذه بحكاية: صور لو أن الأستاذ دخل على الطلاب أول يوم من العام ثم نظر في وجوهم وقال في نفسه أظن فلان وفلان سيرسبون وفلان وفلان سينجحوا ثم أنهم في أثناء العام الدراسي مارسوا كل الأشياء التي يمارسونا ودرسوا وفعلوا كل الأشياء، في النهاية رسب هؤلاء الذين توقع الأستاذ أن يرسبوا ونجح أولئك الذين توقع الأستاذأن ينجحوا وكان ذلك بناء على اختباراتهم جهدهم وما قدموه، هل من حقهم أن يعترضوا على الأستاذ؟ أنه أنت أصلاً وقع في نفسك هذا الشيء. أنا لست هنا أشبّه الله عز وجل ولكني أريد أن أقرِّب هذه الصورة أن هذا لا يمكن أن يعدّ ظلماً من الله أو عدم عدل من الله سبحانه وتعالى في حق عباده.

د. الشهري: وأيضاً من صفات علم الله سبحانه وتعالى أنه يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون

د. الخضيري: وقال في حق الكفار يوم القيامة (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ (28) الأنعام) وهذا من تمام علم الله عز وجل

سؤال من الأخت أم إياس من الرياض: في سورة آل عمران في الآية (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)) ما دلالة تقديم وتأخير الموت والقتل؟. بالنسبة للحفظ يستصعب عليّ حفظ خواتيم الآيات فأريد كتاباً للاستفادة.

د. الشهري: الأخت زهرة تطلب منك دعاء أن يوفقها الله لما وفقك إليه من العلم

د. الخضيري: وما وفقك أنت أيضاً، جزاك الله خيراً . نحن نسال الله أن يؤتيها خيراً مما أوتينا من العلم فما أوتينا إلا شيئاً يسيراً ونسأل الله أن يبارك في هذا اليسير ويبارك لها ولنا ويعلمنا العلم الكثير والمؤمن مطالب أن يتعلم ويطلب من الله الازدياد من العلم (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه) هذا لنبينا صلى الله عليه وسلم فأنا أقول للأخت لا تسالي أحداً أن يدعو لك بل إسألي الله من واسع فضله فالله سفبحانه وتعالى يستجيب دعاء من يدعوه أكثري من دعاء الله عز وجل أن يوسع لك في العلم النافع لأن المطلوب أن يتعلم الإنسان ما ينفعه.

د. الشهري: أحسنت جزاك الله خيراً. الأخت أم عبد الله تقول أنتم تقولون داماً محور السورة، موضوع السورة، مقصد السورة وأيضاً أضيف الوحدة الموضوعية هل هي مصطلح واحد؟

د. الخضيري: هي مصطلح واحد لكن كل واحد أحياناً يختار الكلمة التي يرى أنها أنسب أو أليق بالمقام وإلا كلها تعبر عن شيء واحد ماذا يجمع شتات ما في السورة من موضوعات وقضايا. ما هو الذلا يلائم بينها وتجتمع عليه؟ قد تجد عشر قضايا مثل في هذه السورة عندنا في الإيمان وفي الإنفاق وفي عداوة الأزواج والأولاد وعندنا في جزاء المؤمنين والكافرين، هذه عدة قضايا، ما هو الجامع بينها؟ الجامع بينها هو موضوع التغابن فهذا يسمى محور السورة

د. الشهري: أو عمود السورة

د. الخضيري: أو عمود السور كل هذه أسماء لشيء واحد.

د. الشهري: الأخ عادل من العراق يقول في قوله سبحانه وتعالى (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ (26) المائدة) وقال (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (15) الأحقاف) وذكر أن الطفل يبقى أربعين يوماً في بطن أمه ثم ينفخ فيه الروح، يقول ما دلالة الأربعين؟

د. الخضيري: الأربعون رقم يكون فيه التغيير التغيير مقرون بالأربعين، فتغير الإنسان من حالة الشباب وقلة النضج، ينضج في الأربعين (بلغ اشده وبلغ أربعين) والأربعين هي مرحلة التغير في المجتمعات في كل أربعين سنة يتغير المجتمع ولذلك الذي يريد أن يغير في المجتمع لا بد أن يدرك هذا وأنه لا يمكن التغيير أن يحدث في سنتين أو ثلاث أو خمس أو عشر بل يحتاج إلى مثل هذه الفترة ولذلك بنو اسرائيل لما خرجوا من أرض العبودية عند فرعون كانوا قد بقوا سنين طويلة بل هذا ورثوه من آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم فورثوا الذل والعبودية والقهر والتسلط والاستعباد ولذلك لما قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) المائدة) يعني سينصركم في دخولها فهي مكتوبة لكم لا يمكن أن يسكنها أحد سواكم قالوا (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) المائدة) نحن قاعدون هنا ننتظرك اذهب أنت وربك تقاتلون ثم ندخل فيها فهذا مجتمع ليس صالحاً للقتال فبقي أربعين سنة حتى نشأ جيل التغيير الذي تغير في هذه الصحراء وهكذا مرحلة الأربعين مرحلة التغيير، باية التغيير في هذا الطفل كل أربعين ينتقل لمرحلة جديدة من مراحل عمره

د. الشهري: نستأذنك دكتور محمد ونستأذن المشاهدين في فاصل ونجيب على بقية الأسئلة

———-

فاصل: تعريف بمركز تفسير للدراسات القرآنية – مطبوعات مركز فسير

——————

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متصلاً عن سورة التغابن مع ضيفنا الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري. قبل أن نواصل حديثنا نشاهد الفائز في حلقة الأمس

الفائز في حلقة الأمس: الأخت منى بنت زاهر العسيري من الرياض

د. الشهري: نعود إلى أسئلتنا، الأخ عادل سأل سؤالاً وأنت نبهت لقضية سبَّح يسبح فقال جاءت سورة الجمعة يسبح وجاءت سورة التغابن يسبح ما دلالتها؟

د. الخضيري: سبَّح للماضي فيما مضى من الزمان ويسبح للحاضر، الخلق والعوالم كلها تسبح الله عز وجل على الدوام  يتجدد تسبيحها مرة بعد أخرى. هناك ملاحظة في اقتران هذا الفعل سبَّح ويسبح: كل ما ذكر سبّح ستجد أن القتال موجود في السورة سورة الحديد والحشر والصف كلها فيها القتال، ما دلالة هذا؟ أنا ليس عندي بيّنة في هذا الأمر لكن هذه ملاحظة وينبغي أن تكون محل دراسة أما يسبح فليس فيها شيء من ذلك.

د. الشهري: الأخت أم إياس سألت عن آيتين في سورة آل عمران (157 و158) لماذا قدم في الآية الأولى القتل (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ) وقال في الثانية (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ)؟

د. الخضيري: القرآن دائماً يراعي الحال والسياق في تقديم ما هو مناسب لذلك السياق فلما كان السياق سياق قتل ونهي عن مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم للقتال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ (156)) كان الحامل لهم على نهي الناس عن الذهاب مع رسول الله هو خوف القتل فقدمه في الآية الأولى (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ (157)) وفي الثانية جاء على الأصل وهي أن الموت هو الذي يعتام كثيرا من عباد الله (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ (158))

د. الشهري: نكمل المحاور

د. الخضيري: هذه السورة أفاضت في الثناء على الله عز وجل وبيان أفعاله وصفاته (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ) (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) تدرج من الظاهر إلى الأقل ظهوراً إلى الخفي جداً. ثم انتقل بعد ذلك إلى معاتبة الكفار الذين سبقت لهم المثلات فيما مضى من الأمم (ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ) بالحجج الواضحات والدلائل التي لا يجوز معها كفر فقالوا محتجين (فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا) عناداً لأن هذه ليست حجة للكفر (وَتَوَلَّوا) أعرضوا عن الإيمان ولم يطيعوا ولاحظ أن السورة فيها هاتين الركيزتين للكفار: الكفر بمعنى الجحود والتولي الإعراض عن الطاعة وهما سبب ما يصيبهم من بلاء. قال (وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ) هو غني عن طاعتهم وإيمانهم. ثم ذكر شيئاً آخر وهو ادعاؤهم أن لا بعث فقال (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي) فأقسم بذاته العلية على البعث وفي القرآن أقسم بالله عز وجل ثلاث مرات هذه منها، مرة في سورة سبأ ومرة في يونس وهذه في التغابن. (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فإن قيل لماذا (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) قيل لأنه قد يستغرب الإنسان كيف سيبعث الله كل هذه الخليقة ثم ينبئهم؟! قال هذا على الله يسير. وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف يبعث الله الخلق كلهم ثم يحاسبهم جميعاً؟ قال: كما يرزقهم الآن جميعاً. أنت لك رزق وأنا لي رزق يساق، تلك النملة وذلك الحوت في وسط البحر كل واحد له رزقه بقدر فكذلك حسابهم يوم القيامة. قال (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) هذا هو المنجي من الغبن أن تؤمن بالله ورسوله وطبعاً هذا اسم جنس يشمل جميع الرسل (وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) وهو القرآن وكتب الله عز وجل وسماه نوراً لأنه يخرج الإنسان من ظلمة الكفر فالكفر ظلمة وإن بدا أن الإنسان وضيء الوجه ويًبصر ويرى المحسوسات لكنه في الحقيقة إذا لم يبصر طريق الله الموصل إلى رضوانه وجنته فهو في ظلمة وهؤلاء كلهم الذين نراهم في حيرة وشك لا يعلمها إلا الله ولذلك يعترف كثير منهم أو كل من يسلم منهم أنه الآن ولد وأنه الآن أبصر الطريق. قال (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) كأنه لا تغابن يحصل إلا في ذلك اليوم.

د. الشهري: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياك من الفائزين في ذلك اليوم والإخوة المشاهدين وأن يكفينا التغابن وأهله شكر الله لك دكتور محمد على ما تفضلت به وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله في موازين حسناتك كما أشكركم أيها الإخوة المشاهدون على متابعتكم وأشكر باسمكم فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود على ما تفضل به وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يجعله عوناً لنا على فقه القرآن والعمل به وتدبره إنه على كل شيء قدير. أراكم غداً على خير إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.