برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1433هـ – سورة الجن

اسلاميات

الحلقة 166

ضيف البرنامج في حلقته رقم (166) يوم الأربعاء 13 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص، أستاذ التفسير بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة الجن .

***********************

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان في برنامجكم التفسير المباشر اليوم سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى عن سورة الجن. وباسمكم جميعاً في بداية هذا اللقاء أرحب بضيفي فضيلة الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص، أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود، حيّاكم الله يا دكتور.

د. زيد: حياكم الله وحيّا الله المشاهدين الكرام

د. الشهري: وما زلنا متشوقين إلى اللقاء الثاني لأن لقاءك الماضي عن سورة المنافقون كان لقاء ماتعاً وانتشر انتشاراً طيباً ولله الحمد

د. زيد: بفضل الله

د. الشهري: كتب الله أجرك. اليوم سورة الجن هل سوف تقول عن الجن مثلما قلت عن المنافقين؟ نبدأ باسم السورة أولاً

د. زيد: لا، لن أقول لأن المنافقين طبقة واحدة أما الجن فقالوا (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) هذا التفريق الأول بينهما.

د. الشهري: إذن دعنا نبدأ باسم السورة سورة الجن هل لها أسماء أخرى؟ أو هذا الاسم الوحيد لها؟

د. زيد: بسم الله. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا رسول الله. هذه السورة لها اسمان فيما أحفظ لا ثالث لهما سورة الجن وسورة “قل أوحي إليّ” وهذا معروف في كتب التفسير والحديث.

د. الشهري: تاريخ نزول السورة هل ظهر لك؟

د. زيد: الذي يبدو والله أعلم أنها نزلت قبيل السنة العاشرة من البعثة في مكة لأن ما ورد من روايات في هذا المقام تشي بشيء من هذا التوجه

د. الشهري: هل لها سبب نزول مباشر محفوظ؟

د. زيد: سبب نزول لم أقف على شيء من هذا ولكنني حاولت أن أربطها بسورة الأحقاف لأن الحديث عن الجن واستماعهم للقرآن

د. الشهري: في قوله في الأحقاف (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29))

د. زيد: نعم، الحقيقة أن هذه الآيات في عدة مواطن قابَلَتها روايات في الحديث قد يبدو من ظاهرها أن فيها شيئاً من التعارض لأن الصحابة لهم موقفان من هذه المسألة منهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الجن ولم يجتمع بهم ودليلهم أن الله هو الذي أبلغه بذلك (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ (1)) الرسول لم يرهم ولم يجتمع بهم ولكن الله أبلغه بذلك وهذه رواية ابن عباس. ابن مسعود له روايات أخرى تدل على أنه لقيهم واجتمع بهم وحلّ بعض مشاكلهم في أحاديث أيضاً صحيحة ومشهورة ما يؤكد أن الجن استمعوا للرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك عادوا إلى قومهم ثم جاؤوا إليه وفداً- هذا الذي يبدو لي والله أعلم- ولهذا قد يترجح لديّ أن هذه الاعلان قبل ذاك

د. الشهري: قبل سورة الأحقاف

د. زيد: يترجّح لديّ لأن الله سبحانه وتعالى هناك قال له (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) وهنا أبلغه بأن الجن قد استمعوا فربما هذه قبل تلك أو هذه توضيح لتلك، الموضوع اجتهاد ويسير لأنه مبني على تحديد تاريخ النزول، وفي هذه المسألة مشقّة لأنها قد تُفضي إلى التكلّف وهو ما نحذر منه. لكن عموماً الجن استمعوا أولاً دون أن يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم باستماعهم وهذا سببه حين حيل بينهم وبين خبر السماء عادوا إلى ابليس فقالوا له كما قالت الآية (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9))

د. الشهري: هذه ظاهرة جديدة

د. زيد: نعم، هناك شيء جديد ولذلك قالوا (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)) فانصرفوا إلى ابليس فأرسل الوفود في آفاق الأرض يبحثون عن الخبر فجاؤوا واستمعوا إلى الخبر فاستمعوا لهذا القرآن وقالوا مقولتهم وآمن منهم من آمن ثم عادوا بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا به وهذا جمع بين الروايات وبين دلالات الآيات.

د. الشهري: إذن هي سورة مكية وتقدّر أنها نزلت في السنة العاشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو التوجيه بينها وبين سورة الأحقاف. دعنا ندخل في موضوع سورة الجن، ما هو موضوعها الذي تتحدث عنه؟

د. زيد: والله سورة الجن فيما يبدو لي منذ فترة طويلة وأنا أتأملها هي سورة التنظيف والتمهيد، نظّفت ما بين الأرض والسماء ثم نظّفت ما بين الناس والقرآن في الأرض بإزالة المعتقدات الباطلة فهي سورة تمهيد، شقّ طريق من السماء إلى الأرض

د. الشهري: كيف؟ اشرحها لنا

د. زيد: كان الجن يستمعون ويقعدون مقاعد للسمع قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

د. الشهري: ما معنى يقعدون مقاعد للسمع؟

د. زيد: يعني كانوا يسترقون السمع، الجن أوتوا من القوة ما شاء الله لهم بذلك فكانوا يستمعون بعض ما يقضي الله تعالى به لأمر أراده الله، لحكمة، فيأخذون الخبر وينزلون به إلى الكَهَنة وكما ورد الكهنة تضيف إليه ما لديها من أساطير ومن كذب. استمر هذا الحال، فلما أذن الله تعالى في أن يلتقي خبر السماء مع الأرض أزاح كل هذه المقاعد ليكون الطريق ممهداً ولا يشوش شيء على القرآن الكريم فصار الجن يُقذفون من كل جانب، دُحُورًا، فنزلت هذه الآيات فلما شعر الجنّ بأنهم استُبعدوا قالوا هناك شيء جديد حدث أو سيحدث وكلامهم واضح (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) ثم علّقوا بعد ذلك وقالوا بالتأكيد هناك شيء (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)) ثم انطلقوا بعد ذلك فكان الذي كان. فالسورة تمهيد لإيجاد طريق صافي نقي بين السماء والأرض ثم بعد أن نزلت هذا السورة مهّدت لتنظيف آخر لتكون أيضاً المسألة نقية وهي إزالة ما علق في أذهان الجاهلية من معتقدات وأساطير حول الجن. الجن هم يتحدثون بلسانهم عن حالهم في السورة، أنتم يا كفار قريش تزعمون أن الجنّ أبناء الله تعالى عن ذلك، يعلمون الغيب، يقدّرون الخير والنفع ولهذا تستعيذون بهم، هذه الهالة العظيمة التي كانت موجودة في أذهان قريش والعرب عموماً عن الجن جاء الجن أنفسهم يقولون للعرب نحن ليس كما تزعمون نحن فينا الضعف (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) نحن لا نعلم الغيب كما تزعمون أنتم (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) ونحن كذلك ضعفاء ونخشى الله سبحانه وتعالى (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا) وأنا كذلك طوائف (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) كل هذا الكلام جاء الجنّ أنفسهم يخاطبون كفار قريش عن حالهم ولهذا الجنّ في هذه السورة شاركوا في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. من بدايتها (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) كفار قريش قالوا أساطير الأولين وهؤلاء قالوا (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)، كفار قريش قالوا إن الله اتخذ أبناء وبنات، هؤلاء قالوا (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) هؤلاء آمنوا وكفار قريش كفروا فهناك تقريع لكفار قريش. هذه سورة حقائق عجيبة، سورة تمهيد كما قلنا، إزالة أوهام وإزالة عقبات وإزالة أساطير من طريق هذا القرآن الكريم

د. الشهري: هذا موضوع رائع. دعنا ندخل في محاور السورة إن صح التعبير ونتوقف عند آيات السورة ودلالاتها. وقبل ذلك هنا سؤال: النبي صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى الإنس وإلى الجن ولم يذكر لنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أنه دعا الجن دعوة خاصة إلا في هذه السورة وفي سورة الأحقاف فهل معقول أن هذا الجزء الكبير من المخلوقات وهم ثنائي الجن والانس لم يوجد لهم إلا هذا التوجيه أم أن كل القرآن الكريم يعتبر موجّهاً للجن أيضاً

د. زيد: الجن أنفسهم قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا) مما يدل على أنهم مهيأون في فطرتهم لفهمه واستيعابه والحكم عليه. إذن القرآن كله لهم كما رأينا. الخلائق ثلاثة -كما لا يخفى على السامعين الكرام- الإنس والجن والملائكة، الإنس والجن لهم عقول أعطتهم فرصة الاختيار ولهذا هم مكلّفون وخطاب الله تعالى بأن منهم حطب جهنم وسيحشرون في جهنم دلّ ذلك على أنهم أصلاً مكلّفون وحتى السورة نفسها نصّت على هذا الأمر، هذا أمر. والأمر الآخر ربما يكون بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم من الاتصال ومن اللقاءات ما لا نعلمه نحن وهذه قضية مهمة. ولاحظ الرسول صلى الله عليه وسلم حينما اجتمع بهم وضع خطّاً لعبد الله بن مسعود قال له لا تتجاوزه وفي هذا إشارة أن هناك حاجزاً كبيراً بين الانس والجن عالَمان منفصلان كل له طبائعه وخصائصه وما نراه الآن من محاولات يائسة للجمع بين الإنس والجنّ في لقاءات وفي تلبّس وفي استحضار وفي كذا وكذا أنا شخصياً أضع علامة استفهام على هذا كله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يضع حدّاً فاصلاً ولهذا قال لابن مسعود لا تتجاوز هذا الحدّ وفي هذا إشارة إلى أن هذا العالم غير هذا العالم

د. الشهري: وأنت تشير إلى قصة ابن مسعود عندما صاحبه لمقابلة الجن، ما هي هذه القصة؟ لأن بعض المشاهدين لا يعرفها

د. زيد: الرسول صلى الله عليه وسلم أشعر الصحابة أنه على موعد مع الجن فعرض عليهم في بعض الروايات من يرافقه فرافقه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وعبد الله بن مسعود كما هو معروف كان كظِلّ للنبي صلى الله عليه وسلم فسار معه إلى أن وصل إلى حدّ فوضع له خطاً وقال له لا تتجاوز هذا الحدّ ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم. ابن مسعود قال كنت أسمع صوتهم وجلبتهم وصياحهم وكلما خشيت على الرسول صلى الله عليه وسلم منهم وأردت أن اندفع اندفاعاً فأتذكّر فأبقى في مكاني. فالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته أراد أن يرسل هذه الرسالة أنهما عالَمان منفصلان لا يلتقيان، هذه نقطة مهمة جداً. لذلك تحضير الجن والحديث مع الجن والصلة بالجنّ والآن توسعت الأمور فصار هناك زواج بين الإنس والجن كل هذا أتحفظ عليه لا أنكره ولا أثبته ولكني أتحفظ عليه من خلال هذه الدلالات القرآنية والهدايات النبوية

د. الشهري: نعود للسورة في قوله (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) هل معنى هذا أن الوفد جميعاً الذين جاؤوا هؤلاء آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم واعترفوا بصدقه وبرسالته وبهذا القرآن الذي جاء به؟

د. زيد: ظاهر الآيات يدل على أن الوفد آمن لأنهم استمعوا فآمنوا ولا شك أن الاستماع كان من الجميع (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) والعجب هنا لا يحصى، غير مقيّد، هو عجب في نظمه وفي أسلوبه وفي دلالاته وفي هداياته وفيما تضمنه هذ القرآن من معانٍ عجب ولهذا قالوا بعد ذلك (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)

د. الشهري: عجباً يعني تعظيماً له

د. زيد: نعم، كل ما فيه يدعو إلى العجب

د. الشهري: سبحان الله!

د. زيد: من باب التعظيم والتقدير والاعجاب

د. الشهري: وهذا فيه إشارة أنهم يفهمون اللغة العربية وأنها لغتهم التي كانوا يفهمونها

د. زيد: لا أدري لكن قطعاً فهموا النص هذا لا شك فيه، كيف فهموه؟ نقف عند هذا الحدّ. نحن منهجنا لا نتردد في الوقوف في المكان الذي يجب أن نقف فيه لا نجد في ذلك حرجاً. لكن لاحظ العبارة العجيبة قالوا (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) ما قالوا إلى الحق ولا الصواب ولا الإيمان، اختاروا لفظة تشتمل على كل هذه المعاني والرُشد هو غاية النضج وغاية الايمان وغاية الهداية كلها تجمعت في الرُشد إشارة إلى أن البشرية إنما جاءها القرآن بعد أن كادت أن تبلغ سن الرشد. الديانات السابقة البشرية لم تنضج ولم تبلغ سن الرشد ولهذا كانت ديانات ناقصة وخاصة ومحدودة التشريعات ومحدودة الدلالات. هذه الأمة لعل الله سبحانه وتعالى نظر إليها فربما بلغت مبلغاً راشداً فجاء هذا القرآن ليعطيها هذا الرشد. فاختيار كلمة الرشد هنا لها معنى عظيم. (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) وفي هذا توبيخ وتقريع لكفار قريش، الرسول منهم ولغته لغتهم وواحد منهم وقفوا منه هذا الموقف وجلس عندهم سنوات طويلة وهؤلاء الجن من جلسة واحدة ومن استماع واحد آمنوا وفي هذا ردٌ على كفار قريش الذين ارتبط في أذهانهم أن الشرّ مرتبط بالجن وأن الكفر مرتبط بالجن. هذه نقطة أيضاً أن الجن هم مثلكم فيهم خير وفيهم شر. إذا قلنا الجن يتبادر إلى الذهن الخوف والرعب والمكر والإيذاء فهذه السورة بيّنت أن الأمر ليس كذلك.

د. الشهري: وأن فيهم أهل إيمان.

د. زيد: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ)

د. الشهري: نكمل في قوله (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) ما معنى هذه الآية؟

د. زيد: هذه الآيات هنا يبدو أنها ردٌ على ما استمعوا له، وأنت بارك الله فيك يا دكتور عبد الرحمن قبل البث المباشر كان عندك رأي في الذي استمعوا له لا بأس أن نسمعه

د. الشهري: أنا أشرت إلى بحث لأحد الزملاء في ملتقى أهل التفسير الأخ العليمي المصري يقول: في أثناء بحثي عن إحالات القرآن الكريم – في القرآن الكريم تأتي إحالات (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ (119) الأنعام)-

د. زيد: القرآن فيه إحلات كثيرة جداً

د. الشهري: فيقول في قوله تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) تساءلت ما هو هذا القرآن العجب الذي سمعته الجنّ حتى يقولوا هذا الكلام؟ فيقول من خلال بحثي ترجح لدي بنسبة كبيرة جداً بأنها سورة الأنعام هي السورة التي استمع إليها الجن أن الأشياء التي ذُكرت فيها هي الأشياء التي أشاروا إليها هنا وذكر منها نفي الصاحبة ونفي الولد ونسبة الولد لله سبحانه وتعالى. فأنت تحفظت على هذا الرأي

د. زيد: جزاه الله خيراً أنا تحفظت عليه لسبب بسيط جداً. هذا نحتاج إلى أن نتأكد من تاريخ نزول السور فإذا سورة الجن نزلت في السنة العاشرة وأحسب أن سورة الأنعام في السنة الخامسة قد يكون المسافة بينهما ربما طويلة، قد يكون هذا لكنه رأي جميل ويحتاج إلى تأمل

د. الشهري: وهو من التدبر الذي أُمرنا به

د. زيد: نعم ويُستحق أن يُتأمل إن شاء الله. هذه السورة الحقيقة هي سورة حقائق على الرغم من أنها جاءت في ثماني وعشرين آية فقط إلا أن فيها حقائق عن التوحيد، حقائق عن عالمية الإسلام، حقائق عن ربوبية الله سبحانه وتعالى، حقائق عن أن المخلوقين كلهم مُعبَّدون لله تعالى، حقائق عن عالمية الدعوة، حقائق عن عالم الجنّ وهذه قضية مهمة جداً. الناس في الجن مغالون ما بين اِفراط وتفريط، ما بين من يُنكر أصلاً وجودهم وهم أصحاب العقلانيين هؤلاء وهؤلاء لا يستحق الوقوف معهم وبين من يبالغوا في تعظيم أمرهم إلى أن جعلوهم شركاء لله سبحانه وتعالى كما كان حال أهل الجن وما زالت بعض هذه الصفات تتسرب إلى ضعاف الإيمان في عصرنا الحاضر، ما زالت الناس تعظّم أمر الجن وتحسب لهم ألف حساب وتخاف منهم وكأن بعض رواسب الجاهلية عادت إلينا من جديد وأنا أحسب أنه ليس هناك خطر من الجن على الإنس، دعك من الشياطين، وأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يسلّط الجن على الإنس ليفتنهم في دينهم، ليس عندنا ما يدل على هذا، الآيات والأحاديث العامة لا تدل على هذا. فهذه السورة فيها شيء لا يوجد في القرآن كله وهي وضعت الجن في موضعهم الطبيعي

د. الشهري: تصحيح للتصوّر

د. زيد: تصحيح للتصوّر، مخلوقون فيهم صالحون وفيهم فاسدون، الصالح سيدخل الجنة والفاسق سيكون حصب جهنم بل هم أكثر أهل جهنم وأنهم لا يعلمون الغيب وأنهم ضعفاء وأنهم كذا وأنهم كذا

د. الشهري: لعلنا نتوقف مع أقوال الجن لكن بعد هذا الفاصل. أستأذنك فاصل نعرض فيه سؤال الحلقة ثم نعود لمواصلة حديثنا مع الدكتور زيد عمر

——————————

فاصل – سؤال الحلقة: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) ما هو تفسير كلمة (رهقاً)؟

1.       عذاباً.

2.       ضلالاَ.

3.       هداية.

—————————–

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا متصلاً مع شيخنا الأستاذ الدكتور زيد بن عمر عن سورة الجن. نعود مرة أخرى يا دكتور زيد إلى آيات وأقوال الجن هنا وأنت ذكرت أن هذه السورة تصحح التصورات حيال الجن.

د. زيد: ومن أبرز هذه التصورات هي قول الجن (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) هذه أولاً فيها إشارة إلى أن في الجن رجالاً وبالتالي منهم نساء مقابل الرجال وما دام هناك رجال ونساء فهناك ذرية (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ (50) الكهف) وينبغي أن نشير إلى مسألة أن كَفَرة الجن هم الشياطين حتى نحسم هذه القضية. الجن منهم المسلمون ومنهم الكافرون وهم القاسطون وهؤلاء هم الشياطين وذريتهم ومنهم العفاريت أما بقية الجن فهم أمة من الأمم منهم الصالحون. أشاروا إلى قضية مهمة كانت من أبرز مظاهر حياة الكافرين في العرب أنهم كانوا يستعيذون بهم وهنا نلحظ استغلال الجن لهؤلاء المغفّلين الضعفاء الذين كانوا يستعينون بهم فزادوهم رهقاً زادوهم ألماً وتعباً يعني كأن الجن شعروا أن الإنس يخافون منهم ويرجون خيرهم فاستغلوا هذا الأمر وزادوهم همّاً وتعباً وهذا يذكّرني بشياطين الإنس الذين يستغلون الضعفاء والغَفَلة من هذه الأمة حين يترددون عليهم فيشعرون أنهم يخافون منهم فيطلبون منهم مالاً ثم مالاً آخر ثم افعلوا كذا وافعلوا كذا الصورة تتكرر حين كانت في الجاهلية. ولهذا اسمح لي بشيء دلّت بعض الروايات والآثار أن الجن هم الذين كانوا يخافون من الإنس وإلى يومنا هذا والدليل على ذلك أنهم يسكنون في أعالي الجبال وفي قيعان الوديان ويسكنون الأماكن المهجورة هذا ما دلت عليه بعض الأحاديث، لما هذا؟

د. الشهري: بعداً عن الإنسان.

د. زيد: خوفاً من الإنسان وهروباً منه لكن بعض هؤلاء الجن استغلوا غفلة وضعف الناس يعني نحن نهرب إلى الوديان والجبال خوفاً منكم فعندما رأيناكم تأتون إلى الوديان والجبال ثم تستعيذون بنا فوجدناها فرصة أن نستغل ضعفكم. هذا الآن يتكرر في عصرنا الحاضر لكن ليس من الجن، من شياطين الإنس الذين يقولون نحن على صلة بالجن ويشتغلون بالسحر ويشتغلون في كذا وكذا، تكرر الوضع يجلس هكذا أنت مطلوب منك ألف يأتي المسكين في اليوم الثاني فيقول له لا، الألف لم تعد تكفي والله المطلوب خمسة آلالاف، يأتي بالخمسة آلالاف فيقول له لم تعد تكفي، ارتفعت الأسعار! نفس الشيء سبحان الله العظيم تتكرر الأمور.

د. الشهري: صدقت والله بعضهم يفلس ولم يتحقق له ما يريد.

د. زيد: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) زادوهم تعباً وألماً ومشقة لأن الله سبحانه وتعالى أوكلهم إليهم والسورة نفسها تقول عن أنفسهم لا نعلم الغيب، لا نقدر، الأمر أمر الله سبحانه وتعالى لن نعجز الله هرباً نحن كذا وكذا وكذا يعني هناك مساواة كاملة بين الإنس والجن أمام هذه القضايا. صحيح الله سبحانه وتعالى خصّ الجن بصفات ذكرتها قصة سليمان عليه السلام خصتهم بأشياء وأنا أعتقد أن الله سبحانه وتعالى خصّ الإنس بأشياء وأوضحُها أنه جعل سبحانه الرسل من الإنس هذه ميزة عظيمة وجعل منهم فقط منذرين ومنا جعل الرسل هذه ميزة. إذاً هما أمّتان لهما ميزات خاصة بهم من ميزات الجن سرعة التحرك وسرعة القدرة على التشكّل القدرة على الإتيان بالأعمال ولكن في قصة سليمان سامهم سوء العذاب وأذلّهم وفي هذا إشارة للناس أن هؤلاء هم الذين تستعيذون بهم أنتم.

د. الشهري: أستأذنك يا دكتور في اتصال من إحدى المشاهدات أم عزيزة من مكة المكرمة تفضلي.

إتصال من الأخت أم عزيزة من مكة المكرمة: أنا صاحبة السؤال الأول في سورة الصافات.

د. الشهري: نكمل حديثنا عن سورة الجن يا شيخ

د. زيد: فهذه سورة تصحيح المفاهيم سورة التحذير والتوضيح للإنس أيها الإنس احذروا أن يستغلكم كفرة الجن فإن الله تعالى أزاحهم من طريق الإسلام من فوق، طريق القرآن حتى تكون الطريق نقية صافية هذه القضية أود أن يستحضرها الإخوة الكرام وأن يستحضروا أيضاً أن كثير من الجن مؤمنون إخوان لنا أيضاً نستأنس بهم وبذكرهم لماذا دائماً إذا ذكر الجن خفنا فيهم مؤمنون كثير وهم اعترفوا بهذا وسمعناهم قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ (2)) هؤلاء إن شاء الله لا يؤذون المسلمين ومن يؤذي المسلمين وهم الشياطين علاجه واضح بعض الآيات والأذكار، إذاً إنتهينا إذاً موضوع الجن أعطي في الدائرة الإسلامية المعاصرة أعطي حجماً أكبر من حجمه وسبب ذلك ضعف الإيمان والتعلق بالأوهام والخرافات ينبغي أن يعود إليها ويحفظها كل مسلم وأن يرددها ليضع الجن موضعهم الذي أشرنا إليه.

د. الشهري: في قوله يا دكتور هنا في أول السورة (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) وهنا قال (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ).

د. زيد: المعنى كله واحد.

د. الشهري: ألا يدل على أن المسلمين في صف الجن أيضاً يتفاوتون فهناك المسلم صادق الإيمان الصالح وهناك المسلم ضعيف الإيمان؟

د. زيد: أورد ابن كثير في تفسيره رواية بسند صحيح عن الأعمش أنا أذكرها كما هي عند ابن كثير “يقول أنه قابل الجن واستمع من الجن فسألهم – بسند صحيح عن الأعمش عند ابن كثير وأنا مجرد راوية-

د. الشهري: الإمام الأعمش من أئمة الحديث الكرام

د. زيد: فقالوا منا كما هو الحال عندكم، قال: من شرّكم؟ قالوا: الرافضة”. فمن الجن رافضة واعترفوا أنهم شر الجن هذه رواية الأعمش عند بن كثير ويمكن الرجوع لها عند تفسير هذه الآيات مما يدل عل أنهم درجات.

د. الشهري: وفرق ومذاهب.

د. زيد: لا شك في ذلك لكن عالم خاص منفصل عنا.

د. الشهري: هنا في قوله سبحانه وتعالى (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) قد يتساءل البعض يا دكتور ويقول ما هو الضرر الذي كان سيحدث لو بقي الجن في أماكنهم يستمعون الوحي ويسرّبونه؟

د. زيد: تتعدد المرجعية، اختلاط، توحيد المرجعية مهم جداً وهي أن الذي يتلقى الوحي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم كل ما يأتي به حق وما عداه باطل هنا القضية المهمة، المبلِّغ واحد وما عداه لا يعترف به، الحق واحد وما عداه لا يعترف به ولهذا لا بد أن يحصّن المصدر ويوحد يعني تُبعَد الوسائل التي قد تشوش عليه. نحن الآن نعاني من التشويش الأمة الآن تعاني من التشويش حول نصوصها الشرعية مع أن الله سبحانه وتعالى بيّن أن التشويش حول النص الشرعي يؤدي إلى مخاطر عظيمة ولهذا الله سبحانه وتعالى تكفّل به لكن هذا التشويش على الأرض ليس على السماء من شياطين الإنس.

د. الشهري: ولك أن تتخيل في سورة النجم كيف أن هناك بعض الروايات روايات باطلة تقول أن الرسول قال على لسانه: “تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى” فوقعت بلبلة في السورة وروايات كثيرة كيف لو كان الجن متاح لها الإستماع؟ّ!

د. زيد: وبقيت في مقاعدها، الحقيقة كان الجن يحصلون على بعض الروايات وبعض الأخبار وينزلون بها عندما أذن الله سبحانه وتعالى للقرآن والوحي أغلق هذا الأمر ليقول للناس جميعاً خبر السماء لا يأتيكم إلا من طرف واحد ومصدر واحد فقط مصدر الرسول صلى الله عليه وسلم وما عداه باطل.

د. الشهري: ننتقل في قوله سبحانه وتعالى هنا في هذه الأقوال التي قالها الجن.

د. زيد: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) هل هذه من قول الجن أو من قول الله سبحانه وتعالى؟ يعني يمكن هذا ويمكن هذا لكن الكلام صار فيه تحوّل في الخطاب لأن الفعل كما هو في سورة طه حين سأل فرعون (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) طه) هنا (أنزل) وهنا (أسقينا) لإسناد الفعل إلى الله لأنه في نعمة عظيمة. (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) هل هذا من كلام الجن؟ لكن هذه الآية فيها ثلاث حقائق كبرى:

الحقيقة الأولى الارتباط الوثيق بين الإستقامة وبين الرزق والرخاء ولذلك الأمة حين تنظر في مشاكلها فتجد ضيق العيش والضنك في العيش وتبحث عن الأسباب تطرح أسباباً كثيرة ولكنها تغفل عن السبب الحقيقي سبب الإستقامة. نضع الآن أسباب كثيرة جداً لماذا ارتفاع الأسعار؟ لماذا كذا ولماذا كذا؟ نتحدث عن أمور كثيرة لكننا لا نسأل القرآن الكريم أن الاستقامة هي الأساس (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (96) الأعراف) هذه الحقيقة الأولى حقيقة الارتباط الوثيق بين الاستقامة وبين الرخاء في الرزق.

د. الشهري: نكمل باقي الحقائق الثلاث بعد الفاصل يا دكتور، فاصل قصير أيها الإخوة المشاهدون ثم نواصل حديثنا إن شاء الله.

——————-

فاصل تعريف بنشاطات مركز تفسير

مطبوعات مركز تفسير – كتب علمية – أبحاث –

——————

د. الشهري: حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا متصلاً عن سورة الجن مع شيخنا الأستاذ الدكتور زيد بن عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود وقبل أن نواصل حوارنا أستأذنك دكتور زيد نعرض فائز مسابقة الأمس.

الفائز في سؤال الأمس: أنس يوسف المبارك – الدمام.

د. الشهري: نعود يا دكتور إلى الحقيقة الثانية التي ذكرتها (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)

د. زيد: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لنفتنهم فيه (17))

د. الشهري: (على الطريقة) يعني على ماذا يا شيخ؟

د. زيد: على الطريقة هي الاسلام، طريق الاسلام.

د. الشهري: قلت الحقيقة الأولى قضية الرزق.

د. زيد: الارتباط الوثيق بين الاستقامة والرزق.

د. الشهري: والحقيقة الثانية.

د. زيد: فلا يفرح البشر بسعة في الرزق مع انحراف، هذه قاعدة. أما إن حصل هناك سعة في الرزق في ظاهرها مع انحراف فتدل عليه بقية الآية (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ). (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) هذه القاعدة الأولى.

القاعدة الثانية قد يأتي قائل ويقول نرى من وُسِّع عليه في رزقه مع انحرافه قلنا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) هذه القاعدة الثانية أن في الرزق فتنة، والفتنة تشمل الجميع لكن هنا يُفتن من أوتي خيراً مع انحرافه ويُفتن كذلك من آتاه الله سعة مع استقامته (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً(35) الأنبياء).

المسألة الثالثة وهي العاقبة وهي الصلة الوثيقة أيضاً بين الانحراف والعذاب وهي بقية الآية (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) عذاباً متعباً مهلكاً يعني من يعرض عن ذكر ربه يلحق به عذاب وهلاك ومشقة في الدنيا والآخرة. الحقيقة أن هذه الآية الواحدة فيها هذه الحقائق الثلاثة التي ينبغي أن يستحضرها الانسان وهي كما ذكرنا أن الرزق مرتبط بالاستقامة وإذا حصلت سعة مع الانحراف فهي فتنة وأن نهاية المنحرف عقاب ومشقة من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) وهي العذاب الصَعَد في هذه الدنيا.

د. الشهري: في الآية التي بعدها هل هي من كلام الجن أو هي من كلام الله سحانه وتعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)؟.

د. زيد: والله الذي يبدو لي الآن الكلام بعد ذلك انتقل للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. أولاً السورة فيها تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم حين استمع له الجن وشهدوا له هذه لا بد أن نذكرها ابتداءً، استماع الجن له ثم حضورهم إليه واستماعهم له واحتكامهم إليه هذا تكريم له صلى الله عليه وسلم وإشعار بأنه نبي للإنس والجن. بعد ذلك هذه الآيات كأنها نتائج لمقدمات بعد أن استبعدنا أن يكون للجن دور غير أنهم عبيد لله مؤمنهم وكافرهم وأبطلنا الأساطير والخرافات التي تعلّق بها الناس جاءت الدعوة هنا (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) إذ لا مسوِّغ بحال أن يُدعى مع الله سبحانه وتعالى أحد في كل مكان وبخاصة في المسجد. ومن هنا أيضاً اِسمح لي أن أقول لا نمل الحديث عنها حين نجد بناء المساجد على القبور ونجد أن هناك مساجد فيها قبور وتكاد تُعبد من دون الله تعالى وهذا من ألاعيب الجن كفرة الجن وهم الشياطين. ولهذا السورة هنا بينت ايضاً أن الله سبحانه وتعالى يقول على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام حتى الرسول لا يملك لنفسه شيئاً.

د. الشهري: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) النبي صلى الله عليه وسلم.

د. زيد: نعم لما دعا الجن قيل أن معنى هذه الآية أن الجن تجمعوا فوقه كما يأتي أحدهم يتكلم بكلام عجيب أو يوزع على الناس شيئاً عجيباً فيتجمع الناس عليه فإما تجمعوا عليه إعجاباً إن كان الجن هؤلاء الذين تكلمت عنهم وإما إشارة إلى تجمع كفار قريش عليه استنكاراً، يصلح هذا ويصلح هذا. يعني من يأتي بشيء عجب الناس منه طائفتان طائفة تتجمع عليه وتتهافت عليه لتأخذ هذا الشيء وتسمع منه وتقترب وناس يتجمعون عليه إنكاراً لما هو عليه.

د. الشهري: وهذا معنى لبداً. ثم الآية التي ذكرت (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22))

د. زيد: يعني الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تكلم هذا الوفد من الجن على لسان الجن جميعاً أننا هذا هو حجمنا هذا هو موقعنا هذه هي طبيعتنا نحن الجن، جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتكلم باسمه وباسم الإنس أننا لا نملك لأنفسنا لا ضراً ولا نفعاً ولا نعلم الغيب ولا كذا ولا كذا فهذه السورة فيها نداءان فيها بلاغان بلاغ من الجن بيّن وضعهم وبلاغ من الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن وضع الإنس وبالتالي يكون هؤلاء عبيداً لله تعالى لا يملكون شيئاً ولهذا لا يُدعى إلا الله سبحانه وتعالى. ولهذا ختمت السورة بمعنى في غاية الوضوح والرد على الناس وهي (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) (أحداً) وتشمل الإنس والجن كأنها تلخيص إن صح التعبير لكل ما مضى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) هذه قاعدة. (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) والمراد به هنا جبريل الذي يأتي بالوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، ومحمد صلى الله عليه وسلم فيما أطلعه الله على الغيب، وما عدا ذلك من يزعم أن أحداً يعلم الغيب من المعاصرين الأحياء أو من الأموات باستثناء النبي صلى الله عليه وسلم فيما أطلعه عليه فهو كافر بالله فالزعم بأن هناك أئمة وهناك أبدان وهناك علماء ورؤساء يعلمون الغيب والله أصل عندهم علم لدني من الله سبحانه وتعالى فهذا هو الكفر بعينه وهذا يعيد الأمة إلى جاهليتها الماضية.

د. الشهري: هل هناك من يفعل ذلك اليوم؟

د. زيد: نعم هناك طوائف من غلاة الصوفية من يرون هذا ويزعمون أن علماءهم يعلمون الغيب ويبلّغونهم بهذا يلعبون بهم كما كان الجن يلعبون ويسخرون من كفار قريش لكن ذاك يلعب بهم جنّ، فربما -أرجو المعذرة في العبارة يكون لهم مسوغ الجن عفريت لا يراه- لكن هؤلاء يلعب بهم من هم أقل منهم فضلاً ومنزلة ومكانة؟! هذه السورة سورة تحرر الناس من الاستعانة بغير الله، من اللجوء لغير الله، من دعاء غير الله، من طلب غير الله. هذه السورة مهدت الطريق جعلتها مستقيمة سالكة بين العبد وبين ربه. سورة عظيمة أنا أدعو الجميع أن يحفظ هذه السورة.

د. الشهري: جزاك الله خيراً أتحفتنا وأمتعتنا. اِنتهى وقت هذه الحلقة جزاك الله خيراً وقبل أن ننتهي أمس في حواري مع الدكتور محمد الخضيري دار نقاش كان ذكره الشيخ أو ذكرته أنا وهو حديث منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم “من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة” فلما خرجتُ من الحلقة نبهني الشيخ عبد الله الزقيل حفظه الله قال هذا الحديث غير صحيح وهنا موجود تفصيل له فأحببت أن أنبّه الإخوة المشاهدين أن هذا الحديث غير صحيح وكان قد جاء تعليقاً عند قوله تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) نوح) وأيضاً في آخر السورة قال (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (28) نوح) فأحببت أن أنبّه إلى هذا. أشكرك د. زيد باسمكم جميعاً أشكر ضيفي الدكتور زيد بن عمر العيص على ما تفضل به في هذه الحلقة وفي الحلقة الماضية وإن شاء الله سيكون ضيفاً في حلقات قادمة. أراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.