الحلقة 162
ضيف البرنامج في حلقته رقم (162) يوم السبت 9 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة القلم
—————
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم التفسير المباشر اليوم سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذه الحلقة عن سورة القلم هذه السورة العظيمة التي كانت من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم. باسمكم جميعاً أرحب بضيفي في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود حيّاكم الله يا دكتور محمد.
د. الخضيري: حياكم الله وبياك.
د. الشهري: وأهلاً وسهلاً بك. نبدأ على بركة الله يا دكتور محمد، ماذا عن اسم السورة؟
د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علماً ينفعنا. سورة القلم تسمى عن المفسرين سورة القلم وبعضهم يقول نون والقلم الاسمين بمعنى واحد بمقدمة هذه السورة إما الحرف وما بعده وإما القلم ولا أعرف لها اسماً آخر
د. الشهري: وهذا الاسم الذي اشتُهرت به في المصاحف
د. الخضيري: هذا الاسم الذي اشتهرت به في المصاحف وفي كتب التفسير وغيرها. هذه السورة سورة مكيّة بإجماع وليس هناك إشكال في أنها مكية وليس فيها شيء من المدني
د. الشهري: كلها مكية
د. الخضيري: وموضوعاتها وأسلوبها وقضاياها كلها مكيّة أيضاً
د. الشهري: ألا يلفت النظر يا دكتور محمد سورة القلم تكاد تكون هي السورة الثانية ربما أو الثالثة في النزول عن القلم وسورة اقرأ عن القرآءة ما تعليقك؟
د. الخضيري: الحقيقة هذا ملحظ جميل جداً في كون هذا الدين بُني على أساس متين من العلم. فالسورة الأولى تؤكد على القرآءة وتذكِّر بنعمة القلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾) ثم تأتي هذه السورة وقيل هي السورة الثانية أو الثالثة النازلة بعد سورة العلق لتذكّر أيضاً بهذا الأمر وكأنه حثّ لهذه الأمة الأمية على أن تأخذ بالقلم لأن الأخذ بالقلم سبب عظيم من أسباب الرقي والحضارة وحفظ العلم وضبط الشرع لأن الشرع ما يُضبط إلا بالقلم ولذلك أمر الله عز وجل بالكتابة فيما هو دون العلم، فيما هو دون الدين وهو المال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (282) البقرة) وما أخذت أمة بالقلم إلا عَلَت وارتفعت بين الأمم ومتى تركت القلم ونسيته ولم تدون العلوم وتنقل المعلومات ضاعت
د. الشهري: ندخل في محور سورة القلم
د. الخضيري: الحقيقة أشكل عليّ المحور ووجدت بعض الباحثين يقول إنها الأخلاق ولكن الذي يبدو لي والله أعلم أن محورها هو النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلت كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأقول لبيان الدفاع عنه ونفي صفة الجنون، مكانته عند الله سبحانه وتعالى، بيان خُلُقه الذي حباه الله به، بيان أيضاً أولئك المعارضين له ما هي حقيقتهم، قارِنوا بين هذا النبي وبين ذلك الحلّاف المهين الهمّاز المشّاء بنميم، المنّاع للخير، المعتدي، الأثيم، العُتُلّ، الزينم، أن كان ذا مال وبنين، إلخ. قارِنوا بين هذا وهذا ستجدون الفرق واسعاً ولذلك جاء في السورة ما يدل على هذه المقارنة فقال بعد أن قص علينا قصة أصحاب الجنة قال (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٥﴾ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿٣٦﴾ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴿٣٧﴾ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ﴿٣٨﴾) ثم بعدما انتهى من هذا كله قال (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ (44)) الذي جئت به والرسالة التي أتيت بها (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٤٤﴾ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴿٤٥﴾ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴿٤٦﴾) هل سألتهم على ما جئت به أجراً؟! لقد كنت في قمة الروعة والوَرَع فلم تسأل على تبليغ الدين شيئاً ولذلك قال (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾) من أول السورة والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولها قال (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴿٢﴾ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴿٣﴾ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿٤﴾) وفي آخرها قال (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴿٤٩﴾ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٥٠﴾ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴿٥١﴾ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴿٥٢﴾) عادت على ما بدأت به وهو الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان حقيقة هذا النبي وأنه حريٌ بهذه الدعوة وخليقٌ بأن يُبعث ويُنبأ ويحمل هذه الرسالة وما هو إلا ذكر للعالمين
د. الشهري: وأيضاً الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان حقيقة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم من الموضوعات المناسبة لبداية الدعوة، فهو تزكية للنبي صلى الله عليه وسلم للاستماع إليه ولما جاء به عليه الصلاة والسلام.
د. الخضيري: يعني أتوقع أن البدايات يجب أن تكون على قضايا الاعتقاد المهمة: الرب سبحانه وتعالى، النبي صلى الله عليه وسلم والرسالة واليوم الآخر، هذه قضايا لا بد من تحريرها والاستدلال عليها وكشف الشبهات التي تحوم حولها وتجليتها لكل الناس بكل الأساليب والصور التي يحصل بها وضوح الحق
د. الشهري: هل هناك سبب نزول مباشر لهذه السورة؟
د. الخضيري: ليس هناك سبب نزول
د. الشهري: يعني ما نزلت في سبب مباشر حُفظ في كتب السنة؟
د. الخضيري: لا أبداً
د. الشهري: إذن هذا هو محورها: الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان حسن خُلُقه
د. الخضيري: أو نقول: النبي صلى الله عليه وسلم بالدفاع عن حسن خلقه، ثوابه وأجره، أحقيته بهذه الرسالة، شكر نعمة الله عز وجل ببعثته لأن قصة أصحاب الجنة لها صلة بهذا كما سنبين
د. الشهري: هل يمكن تقسم السورة إلى مقاطع؟
د. الخضيري: نعم، المقطع الأول في بيان حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه. ثم بعد ذلك المقارنة بينه وبين ما كانوا يناصبونه العداء ومن أبرزهم الوليد بن المغيرة الذي كان قد أوتي سعة في المال والولد ومع ذلك لم يشكر نعمة الله عليه وقد عرف الحق وعرق أن هذا نبي مُحِقٌ من عند الله عز وجل ومع ذلك لما تأمل كما في سورة المدثر قال (فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴿٢٤﴾ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴿٢٥﴾) فالله عز وجل بيّن حقيقة هذا الذي يدّعي هذه الدعوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة رسول الله، انظروا إليه، من هو؟ ما هي حقيقته؟ فذكر الله عز وجل حقيقته. ثم جاء إلى ضرب المثل وهذا هو المقطع الثالث. ضرب المثل جاء بصورة عجيبة وهي كيف يُنعم الله على عبد بنعمة ومع ذلك لا يستعملها في طاعة الله؟! فحريٌ أن يُسلب تلك النعمة. فهؤلاء القوم قد أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: القوم يعني أصحاب الجنة
د. الخضيري: أصحاب الجنة طبعاً. فهؤلاء القوم قد أنعم الله عليهم بهذه الجنة ومع ذلك قد تواطأوا على أن يحرموا المساكين منها وأن لا يشكروا نعمة الله عز وجل في أداء حق الله تجاه أولئك الفقراء المساكين، فسلبهم الله تلك النعمة وقضى عليها في ليلة ليلاء حتى أصبحت كالصريم ثم تفاجأوا بأن عقوبة الله نزلت بغتة ومن دون مقدمات حتى أنهم ما عرفوها هل هي جنتهم أو غيرها من شدة ما نزل بهم من البلاء فأنتم أيها المشركون في بحبوحة من العيش تُجبى إليكم ثمرات كل شيء، عندكم رحلة الشتاء والصيف تأتيكم العرب وتخضع لكم وتشهد لكم بالسيادة والقيادة، فهي الأمة التي كانت قائدة للجزيرة، الأمة ذات الكلمة المسموعة، أتريدون أن تكفروا نعمة الله برد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فيحصل لكم من البلاء والعذاب ما حصل لهؤلاء الذين ذكر الله حالهم من أصحاب الجنة
د. الشهري: هل ظهر لك صلة بين سورة القلم وسورة الملك التي سبقتها؟
د. الخضيري: نعم، الصلة واضحة جداً، تلك عن الله عز وجل، سورة الملك عن الله
د. الشهري: سورة الملك عن الله عز وجل وكماله
د. الخضيري: وهي سورة من سور التوحيد ولو لاحظت يا أبا عبد الله أن غالب السور التي فيها فضائل واردة في السُنة تجد أن لها صلة بالتوحيد
د. الشهري: تتكلم عن الله
د. الخضيري: تتكلم عن الله، سورة الإخلاص، سورة الكافرون، سورة الملك، الفاتحة، آية الكرسي
د. الشهري: أواخر سورة البقرة
د. الخضيري: أواخر سورة البقرة تتحدث عن الله وعن الاعتقاد فيه سبحانه وتعالى وصفاته إلى آخر ما هنالك
د. الشهري: وقد ذكر هذا الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه “الاتقان” عندما قال: أن سبب تفضيل سورة الاخلاص وآية الكرسي وأواخر سورة الحشر هو أنها تتحدث عن الله سبحانه وتعالى وما كان فيه حديث عن الله فهو أفضل مما كان في الحديث عن غيره من سور القرآن الكريم مع فضل كل السور
د. الخضيري: لكن الله عز وجل جعل لكلامه تفاضلاً. النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيّ سورة معك من كتاب الله أعظم؟ فجعلها أعظم وصفة التفضيل هذه مقصودة. سورة الفاتحة لا يمكن أن تُقارَن مثلاً بسور أخرى من سور القرآن
د. الشهري: مثل (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) المسد)
د. الخضيري: مثلاً. لما جعل الله فيها عز وجل من المعاني العظيمة الشريفة العامة التي انتظمت كل علوم الكتاب.
د. الشهري: إذن فأنت قلت سورة الملك تتحدث عن الله عز وجل
د. الخضيري: وهذه عن النبي صلى الله عليه وسلم فالعلاقة بينهما ظاهرة من هذه الجهة. من جهة أخرى سورة الملك ذكر فيها تهديد المشركين وهذه أيضاً ذكر فيها تهديد المشركين (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ﴿٧﴾ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿٨﴾ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴿٩﴾ الملك) وأيضاً جاء فيها الاستفهامات الكثيرة (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴿١٦﴾ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴿١٧﴾) (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴿١٩﴾ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴿٢٠﴾ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ﴿٢١﴾ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٢٢﴾) وكذلك في هذه السورة جاءت فيها استفهامات كثيرة على سبيل الحوار والنقاش وإثارة العقل وتحريكه كما في قوله مثلاً (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ﴿٣٥﴾) (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿٣٦﴾ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴿٣٧﴾) (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴿٣٩﴾) (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴿٤١﴾) وجميعها حوارات عقلية التي في سورة الملك وهنا حوارات كل من يسمعها من ذوي العقول سيُصغي لها ويعلم أنها تُبين الحق بطريقة لا يمكن أن يعترض عليها معترض
د. الشهري: هل ورد في فضل سورة القلم آثار أو أحاديث؟
د. الخضيري لا ليس فيها فضيلة خاصة لكن المفصّل وردت فيه الفضيلة المعروفة قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واثلة ابن الأسقع رضي الله عنه: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلت بالمفصّل. والمفصّل يبدأ من سورة ق إلى آخر القرآن وسمي مفصّلاً لكثرة الفواصل فيه بـ”بسم الله الرحمن الرحيم”.
د. الشهري: فتدخل ضمن هذه الفضيلة. دعنا يا دكتور محمد نبدأ من أول السورة ونتوقف مع الآيات
د. الخضيري: افتتحت هذه السورة بقوله (ن) ونون هذا حرف من الحروف المقطعة على الصحيح وهذه الحروف المقطعة اختلف الناس في معناها اختلافاً كبيراً وأصوب الأقوال عند كثير من المحققين أن هذه الحروف المقطعة افتُتحت بها جملة من سور القرآن للدلالة على التحدي وهو أن يقال أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف التي تتحدثون بها والتي تكتبونها والتي يتألف منها كلامكم ومع ذلك لا تستطيعون أن تأتوا بمثل هذا القرآن المؤلّف من مثل هذه الحروف التي تتحدثون بها. ويستدل العلماء على هذا الأمر بأنه ما تكاد تذكر هذه الحروف إلا ويُذكر بعدها شيء له صلة بالقرآن (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص) (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) ق) إلى غير ذلك وهذا إما أن يكون أغلبياً أو أن يكون تاماً لكن مع شيء من التأويل والتكلّف.
د. الشهري: هو يكاد يكون تاماً لأن السور التي لم يأتي فيها ذكر القرآن مباشرة يأتي في أثناء السورة
د. الخضيري: نعم، هذا لا شك فيه. قوله (وَالْقَلَمِ) هذا قَسَم بالقلم والصحيح أن القلم هنا اسم جنس يعني أقسم الله بالقلم الذي جعله الله عز وجل نعمة على البشرية كلها تُحفظ به العقود والمواثيق والعلوم والتواريخ وأشياء كثيرة. وبعض المفسرين ذكر أن هذا القلم المراد به القلم الذي كتب الله به المقادير “أول ما خلق الله القلم قال له اُكتُب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة” فنقول هذا أشرف الأقلام فهو داخل فيه ولا إشكال في هذا. قوله (وَمَا يَسْطُرُونَ) أي وما يكتبون يعني هذا تأكيد على جنس الكتابة وما يتصل بها لأن القلم أيضاً فُسِّر بتفسيرين: قيل القلم الذي هو القلم واختُلف هل هو جنس القلم أو الذي كتبت به المقادير وقيل القلم عبارة عن الكتابة يعني كأنه يقول “والكتابة” فكأنه هنا أقسم بثلاثة أشياء القلم الذي هو الأداة والكتابة وما يسطرون أي وما يكتبون فأقسم بثلاثة أشياء على ثلاثة أشياء، ما هي الأشياء الثلاثة؟ (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)) (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)) (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (3))
د. الشهري: والله كلها مؤكدات كثيرة
د. الخضيري: نعم، فأكّد على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون وذلك من فضل الله عليه لأن الله أوحى له وميّزه بهذه النبوة فليس (بمجنون)
د. الشهري: معنى الآية: ما أنت بمجنون بنعمة ربك
د. الخضيري: نعم، فالباء دخلت في خبر (ما) للدلالة على تأكيد النفي مثل (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت) وإلا أصل الكلام “وما ربك ظلاماً”. قال (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) ثواباً وجزاء عند الله عز وجل (غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع لا ينقطع لا في الدنيا ولا في الآخرة. و (غَيْرَ مَمْنُونٍ) لا ينقص بل يزيد و (غَيْرَ مَمْنُونٍ) غير محسوب لأن ممنون تأتي بهذه المعاني الثلاثة ونحن عندنا قاعدة في التفسير وهي أن الكلمة إذا فسرت بأكثر من تفسير وهي صحيحة في اللغة جاز لنا أن نفسّر بها ما لم يحدث تعارض
د. الشهري: يصير مشتركاً لغوياً
د. الخضيري: هذا مشترك لغوي والغالب في المشترك اللغوي أنه يصح حمل الآية فيه على جميع معانيه إلا أن يكون هناك تعارض بحيث إن قيل بأحدهما انتفى الآخر
د. الشهري: فيُغلّب السياق
د. الخضيري: فيغلّب السياق وأدلة أخرى أيضاً تغلِّب أحد المعاني. قال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هذا مدحٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بالكمال البشري فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية فيه فليس هناك أحد أكمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلق الله وتكفي هذه الآية في بيان فضله وشرفه عليه الصلاة والسلام (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هذه الآية لما سُئلت عائشة رضي الله تعالى عنها كيف كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أوما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن الله عز وجل قال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ماذا نستفيد من هذا؟ نستفيذ أن أيّ صفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حميدة فهي موجودة في القرآن وقد أخذها من القرآن، كان خُلُقه القرآن.
د. الشهري: اللهم صل وسلم عليه. لعلنا نواصل يا دكتور بعد الفاصل. فاصل قصير أيها الإخوة المشاهدون نشاهد فيه سؤال المسابقة ثم نعود بإذن الله تعالى.
————
فاصل- سؤال الحلقة:
قوله تعالى (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)) ما هو تفسير كلمة الخرطوم؟
1. الناصية
2. الأنف
3. الوجه
—————-
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذا اللقاء الذي ما زال حديثنا فيه متصلاً عن سورة القلم مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري، حياكم الله يا دكتور مرة أخرى.
د. الخضيري: حياكم الله.
د. الشهري: وقفنا عند قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) في تزكية النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أن هذه الآية شهادة عظيمة في حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم يعني شهادة حسن سيرة وسلوك من الله سبحانه وتعالى.
د. الخضيري: وهذه تكفي من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كيف وقد أيضاً شهد له الخلق الذين عايشوه وتعاملوا معه عليه الصلاة والسلام بانه أكمل الخلق خُلُقاً، ولذلك أقرب الناس منه يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً فكلما ازداد الإنسان في باب الخلق اقترب من الصفة النبوية.
د. الشهري: هل برأيك يا دكتور محمد القرآن الكريم الآن أشار هنا إلى شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم أخلاقه التفصيلية عليه الصلاة والسلام مع أهله مع الصحابة مع الأعداء مع الأصدقاء هل القرآن الكريم تعرّض لها؟
د. الخضيري: نعم، ومن يتتبع القرآن من أوله لآخره سيجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تقفّى هذه الأخلاق خلقاً خلقاً فأخذ بها عليه الصلاة والسلام في كل جانب من جوانب الحياة مع أهله، مع ذريته، مع الناس، في الحرب، وفي السلم في الليل في النهار في كل شيء.
د. الشهري: مثل ماذا بعض الآيات التي تشير إلى أخلاقه صلى الله عليه وسلم؟
د. الخضيري: مثلاً قول الله عز وجل في سورة آل عمران (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران) هذه الآيات تتعرض لصفات عامة النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخلّق بها.
د. الشهري: ومثل قوله أيضاً (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159) آل عمران).
د. الخضيري: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران).
د. الشهري: شهادة له برقة القلب وباللطف.
د. الخضيري: إي نعم وقد كان عليه الصلاة والسلام قد وفى على الغاية في هذا الباب عليه الصلاة والسلام.
د. الشهري: أستأذنك في إتصال يا دكتور، معنا الأخت زهرة من الرياض حياكم الله أخت زهرة.
إتصال من الأخت زهرة من الرياض:
1. (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)) هذا الخطاب خاص بالكفار أم عام للجميع؟
2. السؤال الثاني (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)) هذا الخطاب يا شيخ لشخص معين؟
د. الشهري: أبشري، أم هو عام للجميع؟ نعود يا دكتور إلى حديثنا عن أول السورة أنت تحدثت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في أولها (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) ثم (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)).
د. الخضيري: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ (6)) ستعلم يا محمد ويعلمون من هو المجنون لأن المفتون هنا بمعنى المجنون والمفتون تأتي بمعنى الجنون مفعول بمعنى المصدر بأيّكم الجنون. فهم اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون والحقيقة أن الأيام والوقائع ستثبت من هو الذي هو حقيقٌ بهذه الصفة، وهذا في الدنيا ناس تظهر لهم الحقائق وتبين لهم الدلائل ومع ذلك يعرضون عنها هم أولى بهذه الصفة من نبي على هذا الخلق وعلى هذا القدر وعلى هذه الدعوة التي اكتملت في العقل والنقل وفي الخلق وفي جميع المناحي. اُنظر مثلاً من أخلاقهم لما قالوا في سورة الأنفال (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الأنفال).
د. الشهري: يعني بدل ما يقولوا اِهدنا إليه.
د. الخضيري: اِهدنا إليه أو دلنا عليه أو ثبتنا واجعلنا من أهله قالوا (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً (8) الأنفال) لن نقبل هذا الحق بأيّ حال من الأحوال! وهذا يدل في الحقيقة على سخف العقول.
د. الشهري: وسفاهتها.
د. الخضيري: إي نعم وسفاهتها، ثم قال.
د. الشهري: أستأذنك في سؤال يا دكتور. سؤال الأخ عماد من العراق.
إتصال من الأخ عماد من العراق: عندي سؤال أنا فسرت آية من القرآن الكريم ووضعت لها اسماً حتى يسهل لي البحث بعد تفسير راقي ووجدت فيها من العلوم الكثير ووضعت لها إسم (الكينونة) فهل يصح أم لا يصح؟
د. الشهري: ما هي الآية التي سميتها بهذا الإسم؟
الأخ عماد من العراق: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) يس) فهل يصح أن أضع لها اسم ييسر لي البحث؟
د. الشهري: يعني تسميها آية الكينونة؟
الأخ عماد من العراق: نعم هذا وصف الآية وتفسيرها الذي فسرته أنا الآن فسرتها بمعنى واسع وبها عدة علوم وبها عدة أشياء تنعكس على واقعنا مثل الجاذبية والعصور التي مرت بها الأرض سابقاً.
د. الشهري: طبعاً هذا الحقيقة يبدو أنه موضع طويل، على كل حال سنناقش هذا يا عماد أبشِر، لعل إن شاء الله إذا جاء الوقت سنشير إليها ولكن أخشى أن يدركنا الوقت يا شيخ والسورة أمامنا طويلة.
د. الخضيري: ثم قال الله عز وجل (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)) الله عز وجل يعلم من هو الضالّ من المهتدي وهذا قد بان حتى للناس. قال (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)) يعني بعد أن بان هذا الأمر وظهر من هو المُحِقّ ومن هو المبطل إياك يا محمد أن تطيع هؤلاء في ما يدعونك إليه ويحاولون ردك عن دعوتك وعن دينك الذي تدعوا الناس إليه فلا تطع هؤلاء في محاولاتهم لثنيك عن دعوة التوحيد وما يتصل بها. قال (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)) ودوا لو تلين لهم وتتنازل عن شيء من دعوتك.
د. الشهري: يعني المداهنة هي الملاينة والمجاملة.
د. الخضيري: الملاينة وترك الحق من أجل إرضاء الناس. عندنا شيئان: المداراة والمداهنة، المداراة هي أن تبتسم في وجوه الناس وأن تلين في قولك لكن من دون أن تترك الحق الذي أنت عليه هذه تسمى مداراة. أما المداهنة فهي أن تترك الحق من أجل إرضاء الآخرين.
د. الشهري: وهذا هو المذموم.
د. الخضيري: وهذا هو المذموم طبعاً.
د. الشهري: أستأذنك معنا إتصال من عمان الأخ عارف حياكم الله يا شيخ عارف.
إتصال الأخ عارف من عمان: سؤالي هو الأمم السابقة هل ورد كيف كانت تصوم؟ سؤال آخر (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ (184) البقرة) بعض المستشرقين يقولون لِمَ لم يقول (وعلى الذين لا يطيقونه)؟
د. الشهري: أحسنت يعني تركيبها اللغوي ودلالته، أبشِر، يعني هذا سؤال مشهور عند المفسرين. نعود يا شيخ نكمل ثم نعود إلى الأسئلة إن شاء الله، في قوله (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)) وأنت فرّقت بين المداراة المقبولة والمداهنة المذمومة التي ذمّها الله وهي المجاملة على حساب الدين.
د. الخضيري: درس لكل الدعاة ولكل العلماء في أن يقدّموا دين الله عز وجل كما أنزله الله. نعم، قد أُجامل فابتسم في وجوه الآخرين، قد أجامل أتنازل عن حقي الشخصي أصفح وأعفو، لكن الحق لا يجوز أبداً أن أتنازل عنه أو ألوي عنقه أو أحرّفه من أجل أن يرضى عني الخصوم أو أحاول أنزّل آيات القرآن على الواقع بما يتسق مع الواقع دون أن يتسق مع الآيات أو النص. قال الله عز وجل (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)) في الأول قال (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)) الذين كذبوا رسالتك ثم ذكر من هو أخصّ منهم وهو أشخاص بأعيانهم اتسموا بأنهم يكثرون الحلف لهوان الله في قلوبهم فهم يحلفون على ما يستحق وما لا يستحق ويحلفون وهم يعلمون أنهم كاذبون هؤلاء أيضاً لا تطعهم (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) أي كثير الحلف ولذلك ينهى الإنسان عن كثرة الحلف فلا يحلف إلا بحقّ ولا يحلف إلا ما يعلم أنه صدق، (مَهِينٍ) أي حقير وذليل وإنسان لا مروءة له ولا قيمة.
د. الشهري: ولذلك ذكرها الله من صفات المنافقين كثرة الحلف (يحلفون، يحلفون).، أستأذنك في سؤال الأخت عزيزة من مكة.
إتصال الأخت عزيزة من مكة: سؤالي خارج السورة، في سورة الصافات بعدما ذكر كل الأنبياء ذكر أربع آيات ما عدا لوط ويونس لماذا؟
د. الشهري: نعود ولعلك تجيب على سؤال الأخت زهرة ضمن حديثك (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) هل هذا خاص بالوليد بن المغيرة أم هو عام في كل من يتصف بهذه الصفة؟
د. الخضيري: عامٌ في كل من يتصف بهذه الصفة والوليد بن المغيرة إن صح أنها نزلت فيه فهو واحد منهم بلا شك وإن لم يصح أنها نزلت فيه فهو وغيره ممن يُكثر الحلف وهو مهين واتصف بهذه الصفات داخل في هذه الآية. والقرآن يقصد إلى أن يبرز الوصاف ويدع الأشخاص من أجل أن تبقى آياته عامة شاملة صالحة لكل زمان ومكان فينتفع بها المسلمون بدءًاً من الرسول صلى الله عليه وسلم وإنتهاءً بآخر مسلم على وجه الأرض.
د. الشهري: يا سلام! وهذا هو اللبيب اللائق، ثم هذه الأوصاف التي قالها.
د. الخضيري: قال (هَمَّازٍ) عياب أي كثير اللمز للناس والطعن فيهم (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) يمشي بالنميمة والقالة بين الناس فلان قال فيك كذا وفلان قال فيك كذا.
د. الشهري: مشاء يعني كثير المشي بالنميمة.
د. الخضيري: كثير المشي بالنميمة، (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) لاحظ كلها جاءت على صيغة المبالغة للدلالة على أنه ممعِن في ذلك مبالِغ فيه.
د. الشهري: وليست أشياء عابرة فيه.
د. الخضيري: ليست اشياء عابرة تمر بالإنسان ثم تزول عنه. (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي كثير المنع للخير ما وقع بيده لا يمكن أن ينتقل عنه إلى غيره ولو رأى خيراً ينتقل إلى آخر حاول أن يصدّه وأن يمنعه من كثرة منعه للخير. (مُعْتَدٍ) أي كثير الإعتداء سواءً في معاملته لله أو معاملته للمخلوقين. (أَثِيمٍ) أي يقع في الإثم كثيراً وهو ما حرّم الله سبحانه وتعالى. (عُتُلٍّ) ما معنى عتل؟ أي غليظ القلب جافي يعني فيه جفاء وغلظ قلب لا يتّعظ ولا يلين ولا يرعوي ولا يسمع الحق ممن يأتي به متكبر. قال (بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) (زنيم) قيل هو الذي لا يُعرف منه خير الذي يمشي بالشر أو الذي لا يأتي إلا بالشر وقيل الزنيم هو ابن الزنا الدعيّ المُلصَق في القوم ويمكن اجتماع هذين الوصفين في الشخص فيقال هو ابن الزنا الملصق بالقوم الذي لا يعرف منه خير ويكثر منه الشر ويغلب على هذا الصنف أن يكونوا كذلك، لماذا؟ لعدم وجود من يرحمهم ولعدم وجود آباء وأهل وأسرة ترفق بهم وتعلمهم يُستغلون ويستثمرون في هذا الباب.
د. الشهري: أستأذنك يا دكتور عندي ملحوظة في قضية (زنيم) ولكن بعد أن نأخذ سؤال للأخت أم عبد الله من جدة.
إتصال الأخت أم عبد الله من جدة: سؤالي في قوله تعالى (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) معنى زنيم على قول من قال أنه ولد الزنا ألا يتعارض هذا مع قوله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (164) الأنعام)؟
د. الشهري: هذا ما كنت سأساله للشيخ. في قوله سبحانه (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) بعض الذين يقولون إنه ابن الزنا كيف الله سبحانه وتعالى يذمّ أحد بأنه ابن زنا وهذا لا يد له فيه وإنما العيب عيب من قام بهذه الجريمة والفاحشة لعل الذي يظهر والله أعلم هو ما ذكرته يا دكتور هو قضية أن الزنيم هو الملصق بالقوم وليس منهم ولكن ليس لأنه ابن زنا ولكن لأنه ربما يكون من قبيلة أخرى.
د. الخضيري: يمكن أن يكون هذا واحد ويمكن أن يكون هناك جواب آخر وهو أن هذا غالب فإذا كان غالباً حُمِل على الغالب ويستثنى من ليس كذلك. ويمكن وصف ثالث وهو أن هذا واقع في الشخص الذي نزلت الآيات فيه وهو الوليد بن المغيرة فيقال كيف تسوون بين هذا الذي على خلق عظيم ومن أسرة معروفة وذو جاه عريض وبين هذا الدعيّ الذي آتاه الله مالاً وولداً ولم يرعى حق الله عز وجل وهو بهذه الصفة يعني رقيع أخرق أحمق صفيق ذليل حقير فيه هذه الصفات كلها والعرب كانت تتمدح بصفات الأصل والنسب والحسب وما إلى ذلك وما يتصل بها.
د. الشهري: ولا زالت.
د. الخضيري: ولا زالت فيقال كيف تقارنون بين هذا وهذا؟ والعلم عند الله.
د. الشهري: جميل جداً فتح الله عليك، نكمل يا شيخنا في (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ).
د. الخضيري: قال (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ) يعني حصل منه ذلك العتو وهذا الكبر بسبب أنه كان صاحب مال وبنين كان المفترض أن يكون حاله حال الشاكر عندما آتاه الله المال والبنين أن يشكر الله فيكون أكثر الناس تواضعاً وأكثر الناس إستماعاً للحق وقبولاً له واحتراماً للآخرين واحتراماً لمن يأتي بالحق أيضاً.
د. الشهري: سبحان الله تلاحظ يا دكتور محمد أن هذا المعنى مكرر حتى في السورة التي نزلت قبلها في قوله تعالى في سورة العلق (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) العلق) وأيضاً هنا (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ).
د. الخضيري: هذا يدلك على ماذا؟ يدلك على أن أشد موانع الحق ليس هو كون الحق ليس ظاهراً في نفسه بل هناك موانع نفسية الكِبر والغرور والإعجاب بالنفس والمال والولد هي التي تمنع الإنسان من قبول الحق وهذا باقي في الناس إلى اليوم بل إنك تجد الناس أحياناً يقبلون الحق ويعملون به فإذا أغناهم الله بدأ يصيبهم البطر والخروج عن الحق والتأذي والتأبي لدعوة الله عز وجل ودعوة أنبيائه بسبب هذا البطر ولذلك من رحمة الله بكثير من عباده أن يجعلهم فقراء.
د. الشهري: أو متوسط الحال أو فقير.
د. الخضيري: نعم. (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي هذه مقالته عندما تتلى عليه آيات الله عز وجل؟ يكذب بها ويقول هي خرافات الأولين وهو أول من يعلم أنها ليست كذلك. ثم توعده الله عز وجل بقوله (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ).
د. الشهري: من يقول ذلك.
د. الخضيري: من يقول ذلك وهذا الوسم اختُلف فيه هل هو في الدنيا قد وقع مثلاً على من وقع عليه في غزوة بدر أو أنه في الآخرة الأظهر أنه وعيد مفتوح يمكن أن يقع في الدنيا وسيقع في الآخرة على أمثال هؤلاء.
د. الشهري: أستأذنك في فاصل يا دكتور فاصل قصير أيها الإخوة المشاهدون ثم نعود لنكمل حوارنا بإذن الله تعالى.
***************
إعلان مركز تفسير – لقاء أهل التفسير (لقاء شهري في الدراسات القرآنية)
***************
د. الشهري: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا متصلاً حول سورة القلم مع ضيفنا فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود. قبل أن نواصل حديثنا يا دكتور محمد نعرض الفائز في حلقة الأمس، الفائز من جدة أيضاً ما شاء الله أهل جدة أخذوا الجوائز هذا العام!
الفائز في مسابقة حلقة الأمس: أكرم خالد سعيد عبده من جده،
د. الشهري: وأنا بودي أن يفوز ناس من مصر ومن سوريا حتى يشعر الناس أن هناك نزاهة ومصداقية. نعود يا دكتور محمد إلى سورة القلم (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ).
د. الخضيري: بالمناسبة أختنا سمر الأرناؤوط طبعاً نحن نستفيد منها في كل برنامج في الحقيقة لأنها تعد مادة دسمة جداً وتهديها لكل من يرغب فيها من الباحثين خصوصاً وأنها متابعة للبرامج وغيره فأنا قبل أي حلقة الحقيقة أتصل بها وأقول لها إذا كان عندك شيء أرسليه فترسل جزاها الله خيراً ولا تبخل وتسارع وفي أسرع وقت فكانت الأسبوع الماضي تقول لي كنت أتوقع أن أفوز في الحلقة التي تخرج فيها فقلت لها أسأل الله أن يفوّزك.
د. الشهري: ننتقل إلى السورة حتى لا أخذنا الوقت يادكتور (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) ننتقل إلى هذا المقطع و(سنسمه على الخرطوم) لا تجاوب عليها لأنها طلعت في السؤال.
د. الخضيري: هذه القصة طبعاً قد يقول قائل ما مناسبتها في السورة؟ نقول مناسبتها هي قضية شكر النعمة يعني بلونا هؤلاء بالنعم وأعطيناهم الأموال والأولاد ومع ذلك لم يشكروا الله عز وجل ولم يقبلوا الحق الذي جاء به فإن عقوبة الله لهم قريبة كعقوبة هؤلاء أصحاب الجنة أتاهم الله الجنة ومع ذلك أجمعوا على أن يمنعوا عباد الله حق الله في هذه الجنة. فابتلاهم الله عز وجل بعقوبة بالغة في ليلة ظلماء فأحرق جنتهم بكمالها حتى إنهم لما جاءوا إليها لم يهتدوا إليها ولم يعرفوها هل هي جنتهم أم غيرها حتى قال قائلهم (فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)) فهذه قصة عظيمة جداً ومن أعاجيب هذه القصة أن الله سبحانه وتعالى لما صورها لنا صورها بطريقة كأنك تشاهد أو كأنك أمام مسرحية لأنه ماذا قال؟ قال (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) أي في الصباح يجثّنها في الصباح قبل أن يأتي الفقراء (وَلَا يَسْتَثْنُونَ) أي ولا يقولون إن شاء الله أو لا يستثنون أحداً من الفقراء (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ) الآن نحن عرفنا النتيجة نحن الآن نراهم وهم يتسامرون ويتشاورون ويتآمرون ورأينا الجنة وهي تحترق.
د. الشهري: مشهد ثاني هذا.
د. الخضيري: مشهد ثاني هم راوه كأنك الآن أمام شاشة تليفزيون تماماً قال (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (20) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (21)).
د. الشهري: والطائف الذي يأتي في الليل.
د. الخضيري: في الليل، (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ) جلسنا ننظر إليهم وهم يمشون في الصباح ينادي بعضهم بعضاً هلّموا إلى جنتكم حتى نأخذ ما فيها، فنحن الآن نراهم بسخرية هائلة جداً لأننا نعرف النتيجة أمام أعيننا هذا في الحقيقة غاية في الذوق التصويري للآيات قال (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)) تصور نفسك يا أبا عبد الله وأنت تشاهد هؤلاء وهم يتخافتون.
د. الشهري: يتخافتون أي يتكلمون بهدوء.
د. الخضيري: بهدوء وأنت ترى الجنة في المشهد الآخر وهي محترقة، أي سخرية تقع في قلبك لمثل هؤلاء وهم يفعلون ذلك الفعل ويقدمون على جنة لا يجدون فيها شيئاً!. قال (أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)) تمنيت السؤال يكون على حرد لأنها محل إشكال في السورة صراحة فحرد هذه في اللغة تأتي بمعنى بمعنى القوة.
د. الشهري: وتأتي بمعنى القصد العمد.
د. الخضيري: وتأتي بمعنى الغضب وتأتي بمعنى المنع والصحيح أنها في هذه الآية يمكن حملها على كل هذه المعاني (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ) يعني بقوة أو وهم غاضبون وهم قاصدون وهم يريدون المنع (قادرين)، قال الله عز وجل (فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)).
د. الشهري: قالوا إنا لضالون أي أخطأنا الطريق لا يمكن أن تكون هذه مزرعتنا.
د. الخضيري: لا يمكن جنتنا نعرفها وقيل أنها من العنب. (قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) اعترفوا كأن هذه إشارة من الآيات إليكم يا أهل مكة لئن كنتم كذّبتم برسول الله وقلتم في حقه ما قلتم فإن أمامكم فرصة
د. الشهري: أن تعترفوا بالحق وتعودوا له.
د. الخضيري: نعم تعترفوا بالحق وتعودوا إليه لعل الله سبحانه وتعالى أن يعوضكم خيراً.
د. الشهري: وهذا فتح لباب الأمل والتوبة.
د. الخضيري: ثم جاء بعد ذلك التذكير بنعمة الله عز وجل في الآخرة (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يعني هذه المزاوجة التي دائماً تأتي والتثنية التي تأتي في القرآن بين الوعد والوعيد.
د. الشهري: ذكر النار وذكر الجنة.
د. الخضيري: ثم قال الله عز وجل (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (36) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ما هذا الحكم الذي تحكمونه؟! (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) أي ألكم كتاب تدرسون فيه (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ)؟ هل جاءكم كتاب أنكم ستتخيرون العاقبة التي تريدونها؟ (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ) هل أعطيناكم عهداً بأن لكم يوم القيامة ما تشاءون من الدور والجنة أو النار وغيرها؟ أبداً، ما جاءكم شيء من ذلك. (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ) من الكفيل بذلك والضامن لهم بذلك؟ لا أحد إلا أهواءهم. (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ).
د. الشهري: ولعلك تجيب على سؤال الأخت زهرة.
د. الخضيري: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) هذه الآية اختلف فيها السلف على قولين (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) يعني عن شدّة وهول وهذا معنى معروف عند العرب ويمكن أن تُحمل الآية عليه وهو يوم يكشف عن شدة وهول (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ).
القول الثاني وهو لجماعة من السلف (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) أي ساق الله عز وجل عندما يكشف ربنا سبحانه وتعالى عن ساقه فيسجد كل مؤمن ومؤمنة فيأتي من كان من المنافقين يريد أن يسجد فيبقى ظهره طبقاً لا يستطيع أن يسجد كلما أراد أن يسجد اِنكفأ على ظهره جزاءً وفاقاً كما كان في الدنيا.
د. الشهري: (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).
د. الخضيري: هل يمكن حمل الآية على هذا وعلى هذا؟ يمكن حمل الآية على هذا وعلى هذا ولا تعارض بينهما لكن لا يجوز لمن حمل الآية على قوله (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) أي عن هول وشدة لا يجوز له أن ينفي صفة الساق عن الله لأنها قد ثبتت في الحديث الصحيح.
د. الشهري: تسمح لي يا دكتور عارف من عمان عزيز علينا يقول كيفية صيام الأمم الماضية هل عندك جواب فيها؟
د. الخضيري: ما عندي والله فيها جواب.
د. الشهري: الأمر الثاني يطيقونه (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ (184) البقرة) يقول لماذا جاءت بهذا التركيب؟
د. الخضيري: تركيبها هكذا صحيح كما هو تأويل سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه يعني على من يطيق الصيام وهو مستطيع له ولم يصم أن يقدّم فدية وهذا كان في أول الإسلام قبل أن ينزل قول الله عز وجل (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (187) البقرة) يعني الآيات التي بينت أن الصيام من أول النهار إلى الليل. وقال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185) البقرة) في أول الأمر كان تخييراً وفي آخره كان إلزاماً لجميع المؤمنين.
د. الشهري: وهذا مناسب لهذا السياق.
د. الخضيري: هذا قول، القول الثاني أن (يطيقونه) أي يصومونه بشدة وقد قرأ بعضهم يطوَّقونه يعني من يصومه بشدة ومشقة عليه فدية إذا لم يصم وهذا في حق الكبير والحامل والمرضع إذا لم يصوموا فإنهم يكفِّرون عن ما تركوه من الصيام.
د. الشهري: جميل جداً، هنا سؤال نختم به يا دكتور محمد في قوله سبحانه وتعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ (223) البقرة) الأخت أشواق تقول أريد تفسير الآية (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) وما مناسبة قوله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) البقرة).
د. الخضيري: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) هذه الآية نزلت لما ادعى اليهود أن من جاء امرأته من دُبُرها في قُبُلِها يعني موضع الحرث جاء الولد أحول فالله عز وجل كذّبهم وقال (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) أي محل حرث لكم محل زرع لكم (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) أي مكان الزرع (أَنَّى شِئْتُمْ) كيف شئتم سواء كانت المرأة قائمة أو قاعدة أو مستلية أو على ظهرها أو على بطنها مادام في محل الحرث المقصود ألا تتعدوا هذا المحل إلى مكان آخر وهو الدُبُر فإن هذا لا يحل فبل إتيانه من كبائر الذنوب فقوله (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) أي محل زرع لكم فأتوهن في محل الزرع وهو الفرج.
د. الشهري: إذا واضحة هذه الآية جزاك الله خيراً يا دكتور الحقيقة أنا متأكد أن ما زال هناك الكثير لكن الوقت أدركنا اسأل الله أن يتقبل منك ويشكر سعيك ونلتقي بك يوم الثلاثاء القادم إن شاء الله. أيها الإخوة المشاهدون الكرام باسمكم جميعاً أشكر فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود على ما تفضل به كما أشكركم أنتم أيضاً على متابعتكم وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وأن يجعل ما سمعتم في موازين حسناتنا أجمعين وأراكم غداً وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.