برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 20

اسلاميات

الحلقة 20

6 رمضان 1430

(فاتت الدقائق الأولى من هذه الحلقة بسبب إذاعة الأخبار حول فشل إغتيال الأمير نايف)

ويبدو أن الحديث كان حول الآية { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} 152 آل عمران}

الذين أذاعوا أثناء المعركة أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قُتل هم اليهود والمنافقون .وفى رواية أن عمر بن الخطاب سمع يهوديا يقول أثناء المعركة” قُتل محمد” فسل سيفه وقال لا أسمعن أحد يقول هذا. وهذا يليق بعمر رضى الله عنه كان ثابتا وعرف أن خبر مقتل النبى إن كان صحيحا لا ينبغى أن يعلن فى هذا المكان . ماذا حصل للمؤمنين؟ أصابهم الهم الشديد وكادوا أن يفشلوا

دار نقاش حول ما وقع من الرماة يوم أحد.

يرى د.  عبد الرحمن الشهري أنه لم يقع بين الرماة لا تنازع ولا فشل . والرماة ما خالفوا أمر الرسول.لسبب. هو أمرهم بالثبات فى أماكنهم . هل أمرهم بالثبات لأجل غير مسمى؟ ويمكن أن نوازن بين هذا الموقف الذى وقع فيه الرماة وموقف الصحابة عندما أمرهم النبى بالإتجاه إلى بن قريظة وقال (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) . فمنهم من صلى هناك وأجّل الصلاة ومنهم من صلى فى الطريق وأكمل. قال لا تبرحوا أماكنكم وهم إجتهدوا فى فهم هذه العبارة بعد أن رأوا المشركين ينهزمون والمعركة تميل إلى النصر ولا حاجة هناك للبقاء فى هذا المكان وإتجهوا إلى الغنائم. .أين التنازع؟

ويقول د. محمد الخضيرى ود. مساعد الطيار بأن كان للرماة أمير وقف يقول لهم أن الرسول أمرنا وحذرنا ألا نبرح أماكننا حتى لو رأينا الطير يتخطفنا ولذلك (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ). قال ابن مسعود:” ما ظننت أن أحدا منا فى أحد كان يريد الدنيا إلا لما قرأت الآية التى إستخرج بها الله خبيئة نفوس بعض الصحابة” وكانت أحد درسا واضحا أنه أيها الناس لا يكون لكم قصد إلا وجه الله والدار الآخرة وطاعة الله ورسوله.

ولذلك فإن الذى يظهر أن بالفعل وقع من الرماة معصية وعوقب المسلمون بذلك وكان درسا للمسلمين باقى حياتهم ولذلك مهما اختلف المسلمون وحصل بينهم تنازع إلا وحل فيهم الفشل. والعصر الحاضر أكبر دليل على ذلك.

وكذلك نرى من سياق الآيات أنه لا ذكر لليهود ولا المنافقين انتهى دورهم فى غزوة أحد فى التثبيط الأول (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)آل عمران وأيضا فى {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)آل عمران} .وصُفى الجيش ولم يبق إلا طائفتين  {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}  الله ثبتهم لما بدأت المعركة كانوا صادقين ولم يحدث لهم التنازع ولذلك نصرهم وجاء وعد الله. {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} آل عمران. والحديث موجه للصحابة : فشلتم أنتم  أى جبنتم أنتم وتنازعتم أنتم من بعد ما أراكم أنتم ما تحبون من النصر وبعدها قال من يريد الدنيا ثم صرفكم عنهم أنتم ليبتلبكم أنتم ثم عفا عنكم أنتم (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الحديث كله منصب على الصحابة.

والآيات الأخرى تؤكد أن ما حدث فى أحد هو مصيبة كما سماها القرآن {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} 165 آل عمران.  وممكن تسمى هزيمة. ولكن الحقيقة أن غزوة أحد معلم فى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ان بعض المعاصرين الذين يكتبون التاريخ عندهم عاطفة غير منضبطة يريدون أن يظهروا الصحابة لا يحدث منهم خطأ, يقولون أن كل الصحابة كانوا مجاهدين ,كلهم كانوا متعبدين . ولكن يجب أن يكون عندنا اعتدال. والرأى الذى ذكر قبل قليل مجانب للإعتدال محاولة نسب الخطأ إلى غير الصحابة مع أن الله سبحانه وتعالى نص عليهم (نسبه إليهم). و نحذر أننا عندما نأتى للقرآن وعندنا ثقافة معينة نؤول القرآن تأويلات بعيدة ونصرفه إلى معانى فيها تكلفات من أجل القضية التى نتوقع أن تكون كذلك. ويُجنى فى الآخر على ظاهر القرآن .

د.  عبد الرحمن الشهري: الآن نحن نتحدث عن هذا الموضوع من منطلق نظم القرآن نفسه . نحن نتحدث عن قوله تعالى {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)آل عمران}. ثم جاء الحديث عن { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران} إلى {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} ثم {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} . فى قوله مسكم القرح ما هو هذا القرح؟ هو الإنكسار فى الجيش ثم جاء بعدها {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} هذا والله أعلم أن هذا القرح والإنكسار كان سببه ما أشيع أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قتل فوقع الهرج فى صفوف المسلمين . من الذى أشاع؟ وأشاع ذلك المنافقون. (د. الخضيرى: الذى أشاعه ابن قمنة وبعض الصحابة تلقفوه والبقية من الصحابة استطاعوا أن يردوه )

ولكن هذا وقت وجيز ربما لا يتجاوز ساعة. من خلال {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} يمكن إستنباط منها أن الفشل والتنازع بسبب ما دب فى صفوفهم وضعف بعضهم . وقال بعدها {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} آل عمران. فلما ثبتوا { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} لو كانوا هم المنكسرين لقال صرفهم عنكم وكف شرهم ولكن الله سبحانه وتعالى قد أشغل المسلمين بما وقع فى هذا الموقف من إنكسار . والمشركون فى هذا الموقف بالذات ولوا هاربين.

د. الخضيرى: على كل حال هذه فكرة يمكن أن تستنبط من السياق ونحن نستفيد كون يفتح الإنسان بصره وسمعه لما يقال من أفكار ثم يناقشها. كلام المفسرين جميعا والمشهور أن الرماة هم السبب.

آجالنا مقدرة ومكتوبة

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران}. هذه الآية معنى بارز للأشياء التى نستفيد بها من كتاب الله عز وجل ويتميز به المسلمون عن مَن لا يؤمنون بالأديان أو من كان إيمانهم بالقضاء والقدر ضعيفا. وهو علمنا أن آجالنا مقدرة ومكتوبة عند الله لا يزيد الحرص من آجالنا ولا تنقص الشجاعةمن آجالنا أيضا. قال النبى صلى الله عليه وسلم” إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله” الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1630 – خلاصة الدرجة: حسن

ولذلك نجد المسلم يسافر ويذهب ويحج ويتوكل على الله عز وجل ويعلم أن أجله سيأتيه فى الموعد والزمان والمكان الذى قدره سبحانه وتعالى ولا راد له. فلا تتلكع فى الأمر. وإفعل ما تراه خير لك من سفر أو رحلة أو عمل ما دام لا يخالف شرع الله فالموت والحياة بيد الله.

ونلاحظ فى الآية مسألة مهمة فى علوم القرآن {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران} العطاء  ما مقيد بشئ وهو هنا أطلق . فقد يفهم القاعدة أن هنا من يريد الدنيا يعطى . نأتى يسورة الإسراء يقول تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) الإسراء} أى نعجل له هو ما نشاء نحن ولمن نريده نحن . وهذا ملحظ مهم جدا فى علوم القرآن (حمل المطلق على المقيد) وليست القاعدة مرتبطة بالأحكام كما يظن البعض . نقول أن للقرآن أحكام وأخبار والقاعدة تطلق للأحكام والأخبار.

وفى فهم آخر للآية فإن هذا الوعد من الله يتحقق لكل أحد. من كان يريد شئ فى الدنيا يؤته منها(أىِ ّ منها) . ولهذا هذه الآية موضحة وسورة الإسراء تزيد فى الإيضاح أن لا يقع شئ إلا بالمشيئة الإلهية . أما من طلب الدنيا يحقق الله شئ منها . أى ليس كل ما يتمنى يتحقق وبهذا الفهم يمكن الجمع بين الآيتين.

النصر بالصبر والتقوى والإستغفار

فى الآية {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران} قرن الله تعالى بين الصبر والنصر. وبعدها {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران} و {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) آل عمران} وأيضا كرر الحديث عن التقوى من قبل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) آل عمران} ونلاحظ فى المقطع الحديث عن الصبر وتكرار له . ( {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران}  {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران} فإن ما ضعفوا وما استكانوا إشارة إلى أن النصر مع الصبرولا يمكن أن يقع النصر أبدا بدون الصبر والتقوى.

ويأتى الله تعالى بمثال من الأمم السابقة {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران} وقد وقع لكثير من الأنبياء. فالصحابة وقعوا فى هذا الموقف وأشيع بينهم أن النبى قد قتل وأنهم صبروا وثبتوا {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} وكان النصر. قارنوا بين {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} وبين {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران}. فى موقف القتال يستغفرون أى أن القتال موطن للإستغفار وأن الإستغفار من أسباب النصر.

وهذا يؤكد المعنى الذين تحدثنا عنه .إنما الناس يؤتون قدر ذنوبهم, وأن النصر ليس مبتوراعلى حياة المسلم. النصر هو ثمرة لحياة المسلم وعمله أى (متصل) . أنت تريد أن تكون فاسقا مفسدا فى الأرض ثم إذا جاءت المعركة تريد أن يكون النصر من الله!! . لا بد أن يكون لك إتصال حتى لو اتخذت العدة لا يمكن ان يحدث ذلك.لابد أن يكون لك إتصال. وحتى مع هذا الإتصال لا بد أن تشعر أنك مذنب ومقصر مهما عملت من أسباب التقوى ودخول الجنة. ولذلك قالوا {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} يستغفرون عن ما وقعوا فيه من أخطاء (ذنوبنا) وعن ما تجاوزوا فيه من حدود الله (إسرافنا) وهذه مبالغة فى تقصى ما يحدث من خلل فى حق الله عز وجل وهى دليل على الصدق فى الطلب لأن الإنسان الذى يطلب بصدق يلح. قال صلى الله عليه وسلم( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي وعمدي ، وكل ذلك عندي) – الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6399 – خلاصة الدرجة: [صحيح]. هذا هو الإلحاح والتضرع

أثر العلم فى تثبيت المقاتلين

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران} وفى قراءة أخرى (قُتِلَ) وهى تناسب مع {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ}  والقراءة الثانية (قاتل) هذا حالهم ونبيهم بينهم فهم قدوة لكم أى تأسوا بهم فأنتم لستم بدعا كما قال {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران} فالأنبياء هذه حالهم يقاتلون وقد يقتلون.

توجد ثلاث معانى كأن الآية تشير اليها. الربيون إختلف المفسرون وكلاهما صحيح. إما الربيون جمع رَبانى نسبة إلى الرب أى أنهم علماء فقهاء أولياء لله. أو يقال نسبة إلى الرِبَة (الجماعة) وهم علماء كثيرون فقهاء ويكون المعنى أى نبى قاتل معه علماء كثيرون فما وهنوا ولا استكانوا. والمعنى الثانى نبى قُتِلَ معه من أصحابه علماء كثيرون كما حدث لكم قتل كثير منكم فاقتدوا بهم ولا تهنوا. الثالثة كأين من نبى قُتِلَ.. ثم تقف. أى النبى هو الذى قُتل. والربيون الذين معه لم يهنوا. وهى تناسب الموقف الذى تعرضوا إليه. والمعانى الثلاث كلها صحيحة ومناسبة.

ونلاحظ من حيث اللغة أنه نفى الوهن والضعف وبينهما معنى مشترك . الوهن أشد من الضعف وقد يكون الوهن قلبى والضعف جسدى.وإستكانوا أى خضعوا لعدوهم . ولما نفى عنهم ذلك فمعناه أنهم صبروا. وكأين أصلها ( أى) أضيف لها الكاف.تفيد الكثرة

والآية تدل على أثر العلم فى تثبيت المقاتلين وهذا يتناسب لأن العلم سبب للصبر وتثبيت الأقدام. العلماء الراسخون فى العلم كأنهم راسخة جذورهم فى الأرض. مثل رسوخ الشجر والجبال. والنبى لم يقاتل إلا ومعه علماء. وهذا معناه أننا نقاتل عندما نربى الناس وقال النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ” ذروة سنامه الجهاد” يعنى أعلى ما فى الإبل ,ما قام إلا على أرجل وأركان. ونحن نحتاج عندما نرفع راية الجهاد أن نربى الناس ويكون فيهم علماء كثير ربانيين وهم الآن قلة.

فائدة أثر العلم فى الإنتصار واضح فى قصة صلاح الدين . يوجد كتاب قيم د. ماجد الكيلانى “هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس” . الهزائم التى وقعت للمسلمين كانت فى وقت كان الجهل فاشيا ومدارس القرآن الكريم فى دمشق مدرسة أو إثنين. منذ بدأت الأمة تصحو وتعد للنصر بدؤا بالمدارس وإعادة الناس للقرآن الكريم وتدبره والعمل به الى أن جاء النصر فى أيام صلاح الدين وعدد المدارس يزيد فى دمشق وحدها عن 500 دار. ولذلك كتب صلاح الدين المنجد كتاب”دور القرآن الكريم فى دمشق” وثانيا, من كان مع صلاح الدين فى الجيش؟ كان معه من الأعلام القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى ومعه ابن قدامة صاحب المغنى وقد استشهد وكان معه من الفقهاء والقراء خلق كثير.