برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 22

اسلاميات

الحلقة 22

9 رمضان 1430

مقدمة

تكلمنا فى الحلقة السابقة عن العلماء. العلم ليس على كل حال يهدي الإنسان الى الجنة ولكن العلم النافع, علم الكتاب والسنة وعلم هذه الشريعة العظيمة هو الذي يوصل الإنسان إلى المقاصد النفيسة في الدنيا وفي الآخرة.

لا زال الحديث عن غزوة أحد ووصلنا إلى قول الله عز وجل {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)آل عمران } هذه الآية مرتبطة بما قبلها ارتباطاً وثيقاً وأُذكِّر بما ذكرناه في الحلقة السابقة عن الوقف. وهنا الوقف ليس تاماً لأن الآية مرتبطة بما قبلها إعرابياً . قال تعالى (إذ تصعدون) إما أن تكون ثُم صرفكم إذ تصعدون أو ولقد عفا عنكم إذ تصعدون فتكون مرتبطة معنى واعراباً بما قبلها.

النبى صلى الله عليه وسلم يتخير مكان المعركة

تصعدون: معنى الاصعاد هو المشي فى الصعيد وهو الارض المنبسطة وبعضهم يقولون تصعدون من أصعد هو الصعود من مكان المعركة لأن أرض المعركة كان فيها جبال. وبعض اللغويون يقولون الصعود هو الرقي والاصعاد هو الانتشار في الصعيد وقوله تصعدون هنا من الاصعاد، من أصعد وليس صعد. لو تخيلنا المعركة لعرفنا معنى الإصعاد وكيف كان المسلمون ينتشرون في أرض المعركة وحبذا لو خلال التفسير جئنا بخريطة لموفع المعركة فهذه تعطي الذي يتعلم التفسير تقريب واضح لمكان المعركة.

نلاحظ أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما يدير معركة يديرها باحترافية عالية جداً  ليست القضية أننا نتكل على نصر الله وتنتهي القضية عند هذا بل إن نصر الله سبحانه وتعالى ينزل علينا لأننا اتخذنا الأسباب والاحتياطات التي أمرنا الله بها وخاصة الأماكن. فكان صلى الله عليه وسلم يتخذ كل الاحتياطات ومنها إختيار الأماكن. واختياره صلى الله عليه وسلم مكان بدر ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أشيروا علي في المنزل ، فقال الحباب بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال : فإن هذا ليس بمنزل ، انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم . . .} الراوي: – المحدث: ابن العربي – المصدر: أحكام القرآن – الصفحة أو الرقم: 1/391 خلاصة الدرجة: ثابت.

ثم ذكر الخطة المذكورة ليكون عندهم ماء وليس عند عدوهم ماء. العدو من استكبارهم تركوا الإستعداد وما شعروا إلا وقد وقعوا فى الفخ. وفي أحد جاء المشركون المدينة من شمالها لأنهم لا يستطيعون دخول المدينة من جنوبها لوجود القلاع والحصون واكتفوا أنهم جاؤوا إلى أرض منبسطة ووادي. والنبي صلى الله عليه وسلم اتخذ مكانا رائعا جعل فيه جيشه . جبل أحد عن يمينه وجبل الرماة عن يساره وخلفه. جبل الرماة صغير يمكن أن يوضع عليه سرية من الجيش تحمى وتدير رحى المعركة. تتعجب من إختيار النبي صلى الله عليه وسلم للمكان حتى لو أردنا أن ننسحب عندنا جبل ولذلك عندما وضع الرماة على الجبل قال لهم عليه الصلاة والسلام: لا تبرحوا أماكنكم  حتى لو رأيتمونا تتخطفنا الطير.

أنا كنت فوق جبل الرماة وكنت أتساءل كيف يصل السهم من هذا المكان البعيد؟ . ان هذه المسألة أشكلت على محمود شيت خطاب وهو رجل عسكرى من كبار من كتبوا في الحاضر في تاريخ الاسلام ومن كتبه كتاب (الرسول القائد) فجاء إلى أرض المعركة ولما راجع الروايات وجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وضع الرماة بالفعل فوق الجبل وضع آخرين في وسط الجبل للرمي. هؤلاء للرصد والحماية و وهؤلاء القيام الفعلي بالرمي. السهم لو رميت لا يتعدى 20 متر ثم يسقط والجبل أعلى من ذلك. أنظر فى غزوة الأحزاب وضع صلى الله عليه وسلم الخندق فى شمال المدينة. اختيارات كل هذه الأماكن تدل على الأخذ بالأسباب والعلم بالجغرافيا والفلك وكل الأسباب المحيطة معتبرة.

فائدة: متعلقة بالرسم.

” تَلْوُونَ” كتبت بواو واحدة  ولو اننا نعتمد على الرسم – كما يقول بعض المستشرقين- لقرأناها “تلون” ولكن الأصل فى القراءة هو ما حفظ فى الصدور وليس ما كتب فى السطور. نجد أن هناك واو صغيرة أضافها علماء الضبط تنبيها على الواو الأخرى التى لم تكتب. والصحابة لم يكن عندهم إشكال في ذلك أن يكتبوها بواو واحدة ويقرأونها واوين، بعض العلماء المتأخرين أشاروا أنها من سوء هجاء المتقدمين أي كانوا ضعفاء فى الإملاء وليس هذا بصحيح. الإملاء اصطلاح تعارف عليه أهل كل عصر والإملاء إلى اليوم فيه خلافات. ألا ترون ان هذه فائدة تشير الى مفهوم الزوجية فى الحياة خلق الله كل شيء في الحياة على هيئة الزوجية، الآن في تلقي المصحف لا يقبل خط إلا بشهادة حافظ ولا يقبل حفظ حافظ إلا بشهادة  مكتوب. هذين الشاهدين على ضبط النص القرآني. ونعمل بهذا إلى اليوم في رضد درجات الطلبة على الرغم من وجود التقنية لعمل ذلك. الصحابة كانوا لا يكتبون الآيات إلا بعدما يتأكدون منه.

(لا تلوون) معناها هربتم مسرعين حتى اذا ناديناكم لا تردون ولا تلتفتون وهذا ما وقع فى نفوسهم من الهلع والهروب في الموقف عصيب. ولم يكن صلى الله عليه وسلم بمنأى عن أصحابه ,كان هو الذي يثبت وهو الذي يدورون حوله وكانوا يقولون كنا نحتمي به لعلمهم انه أشجع الخلق. وشجاعة البدن راجعة إلى شجاعة القلب وثباته وثبات القلب راجع إلى الإيمان والإتصال بالله سبحانه وتعالى فأعظم الناس اتصالاً بالله سبحانه وتعالى هو أشجعهم قلباً وأشجع الناس قلباً هو أجرأهم. ومع هذه الصفات التى إتصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والقوة لم يثبت أنه قتل بيده إلا أُبي بن خلف فى معركة أحد عندما قال بل أنا أقتلك يا عدو الله. فبالرغم من شجاعته صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكن سفاكاً للدماء كما يتهمه الجهلاء.

{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}

الصحابة رضي الله عنهم وقع منهم ما وقع فى هذا الموقف فعاقبهم الله في نفس المكان. نستنبط فائدة أنه ينبغي على المؤمن ألا يحزن عندما يعاقَب فكان العقاب مباشرة فهذه نعمة وفي مصلحته. قد أعجل العقوبة لمحبته لك و لرحمته بك. ونجد بعضهم عندما يصاب بمصيبة فيعلوه الهم وبعضهم يتسخط ويقول أنا ماذا فعلت يا رب وكذا. أقول هذه نعمة على الانسان أن يعجل العقوبة. يقول حسن البصرى: إنني لأرى ذنبي في ولدي ودابتي وزوجي. وهذا من رحمة الله بالإنسان بتعجيل العقوبة حتى تأتى يوم القيامة بدونه وهو أيضا تقويم مباشر وحتى لا تتمادى في معصيتك. وما يؤكد ذلك {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} ويقول المفسرون  في قوله (فأثابكم غماً بغم) عاقبكم الله غما, غم القتل والجراح بسبب أنكم غممتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفتكم إياه وتنازعكم في الأمر، هذا قول ويشهد له واقع الصحابة. والقول الثاني وهو أقوم والله أعلم انه أثابكم غما بغم قتل رسول الله كان سبباً لزوال الغمّ الذي وقع في قلوبكم بالهزيمة والانكسار والمصيبة فلما سمعتم قتل رسول الله نسيتم مصيبتكم فكان ذلك من رحمة الله بكم. ولما علموا انه حي يرزق كأنه لم يصيبهم شىء يؤكد ذلك موقف الصحابية التي أبلغوها عن مقتل زوجها وأبيها وأخيها وهي تسأل ما فعل رسول الله؟ فقيل لها هو حيّ يرزقن فقالت كل مصيبة بعده جلل يعني سهلة أو صغيرة. الشيخ الشعراوى رحمه الله حام حول هذا المعنى الثاني فأجاد. الإصابة هنا كأنها بمعنى جزاء معنوي وليس من باب العقاب كما فى القول الأول أنها عقاب. أثابكم أي خفف عنكم المصيبة . (غماً بغم) فيها بيان معنى الأدوات هل الباء في (بغم) بمعنى على أو باء السببية أو باء بمعنى البدل يعني غماً بدل غم أو غماً بسبب غم أو غماً على غم.

(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يبدو أنها مرتبطة بالحدث كاملاً (حتى اذا فشلتم) (منكم من يريد الدنيا) هو خبير بعملكم . مجموعة أعمال حصلت منهم وكلها اعمال فناسب أن يكون الختام  (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)”خبير” يدل على الخبرة والعلم.فكل خبير عليم وليس كل عليم خبير. وتأكيد على ذلك قوله تعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ) لم يكن أحد يعلمها من الصحابة رضى الله عنهم.

{ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) آل عمران}

النعاس من الرحمة ومن الشيطان

{ أَمَنَةً نُعَاسًا} يقول العلماء أن النعاس يأتي فى مواطن يكون فيها من الرحمان أو من الشيطان. المواطن التي يكون النعاس من الرحمن هو القتال أمام العدو. فالإنسان هو أمام عدوه يتوقع منه ضربة, فى تلك المواطن يسهر الشخص سهراً شديداً ويذهب نومه ولا وجود للإسترخاء. وهذه من المواطن التى كافأ بها الله تعالى المؤمنين وهذه من خصوصيات أصحاب الأنبياء أن يكافئهم مثل هذه المكافآت جزاء عاجلا جزاء لهم على صدقهم وهذا النعاس أمنة. وفي مواطن أخرى يأتي من الشيطان في خطبة الجمعة مثلا أو أثناء الصلاة أو في قيام الليل. قال أنس إن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4562 خلاصة الدرجة: [صحيح]. وعن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر ، وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك قوله تعالى { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } . الراوي: أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري المحدث: الوادعي – المصدر: الصحيح المسند – الصفحة أو الرقم: 366. خلاصة الدرجة: صحيح على شرط مسلم

قال (أمنة) أولا وهذا تطمين وتأمين لهم وفي بدر قال (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) الأنفال) وهنا (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ) قدّم الامنة هنا لأنها حال خوف فناسب أن يقدم الأمنة وحالهم في بدر لم يكن حال خوف مطلق لكن ليست حالهم كحالهم في أُحد.

{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}

ومتى أهمتك نفسك أوكلك الله إليها وإذا كان همك الله والدار الآخرة تولى عنك وحفظك “احفظ الله تجده تجاهك” .هذا المعانى الرائعة أثارها سيد قطب في ظلال القرآن (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) وقال هؤلاء الأنانيون، المسلمون يتخطفون وهؤلاء همتهم أنفسهم. ولا شك أن هؤلاء هم المنافقون أما المسلمون الصادقون فكانوا يقاتلون مع رسول الله. نلحظ الصالحين من عباد الله وطلاب العلم وغيرهم الذين يهتمون بتوعية الناس وقضاء حوائجهم وإعادة الدين لمجده, هؤلاء من يقضي حوائجهم فى بيوتهم؟ هذا ليس مشغولا بهذه الأشياء فلا يشغله الله بها. أما من ليس له همّ إلا نفسه يشغله الله بهذه الأشياء. مهما تفرغت لله اعلم أن الله يكفيك مؤونة الحياة قد أشغل بها كثيراً من عباده. يكفيه إياها من تفرغ له.

{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ } يظنون أن الله لا ينصرهم وهذا لا يقع إلا ممن ضعف يقينه وهم المنافقون. ولذلك قال بعدها (ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ)

نحن نتهاون بقضية الظن وهو حسن الظن بالله وعدم امتلاء القلب يقينا بموعود الله. هذا وقع فى القرآن كثيرا من أولئك الذين لا يعرفون الله حق معرفته ولا يقدرونه حق قدره وفي سورة الفتح تركيز كثير على هذا المعنى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) )

كيف يظنون أن الله لا ينصر دينه ويترك جنوده ويسلمهم إلى عدوه، قال (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ). (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)) ثم قال (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)) أي هلكى خاسرين . ثم يقول تعالى ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) الفتح) فعوقبوا على ذلك أنهم لم يتبعوا الرسول ولم يشاركوه فى المعركة. وهو نفس المعنى هنا (يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) ثم فصل {يقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} وفيها تفصيل لتلك الأمور القلبية التى لا يطلع عليها إلا الله ولذلك قال (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) متناسبة مع هذا الظن القلبي. (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) كأنهم يُسلبون الاختيار مع الرسول فهم جبناء لا يستحقون أن يُستشعروا. وهذا الذي أُبعد النعاس عنهم خوف القتل والآخرون المطمئنون بموعود الله أصابهم النعاس.