برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 24

اسلاميات

الحلقة 24

11 رمضان 1430

 


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} عندما يأتي الخطاب بـ (ياأيها) الذين آمنوا فإن المخاطب به هم أهل الإيمان . قال ابن مسعود إذا قال يا أيها الذين آمنوا فارعنا سمعك فهو إما أمر تؤمر به أو شر تُنهى عنه. ولا شك أنه من الأوامر المرتبطة بالخير. { لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} كأنها تتمة للفكرة السابقة التي ذكرت في الآية السابقة { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} من الآية154 آل عمران. الحقيقة هذا المعنى ركزت عليه الآيات لكثرة دورانه في عالم الناس وجوده في عموم الناس وهي أن يتوقع الناس أن الضرب في الأرض والسفر والخروج في القتال وغيره يجلب بالموت للإنسان. ولكن الموت بيد الله . كم من إنسان ورد موارد الموت ولم يصبه شىء فكم من القادة الذين مروا على الكثير من المعارك وملاقاة العدو ولم يصيبهم شىء. هذه القضية تتردد على ألسنة الكثير من النساء ..أخاف إبني يسافر أو يحج فيموت. كل خير تراه لنفسك وتؤمن به إعمل به. وقضية أن تموت أؤ لا تموت هي بيد الله. كم من مرة في مجلس معين يدخل ملك الموت ويأخذ من قد يكون أصغرهم سنا وأكبرهم مؤهلات للبقاء _كما يقال_ ويترك الآخرون. ولذلك فإن تأكيد الآيات على هذا المعنى لأنه مهم ولكثرة حاجة الناس إليه فينبغي أن يتطهر قلب المؤمن من هذا الشىء. وفيه أيضا إشارة إلى أن عدم الإيمان بقضاء الله وقدره من صفات الكفار. فقال (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) لمصلحة عادية (أَوْ كَانُوا غُزًّى) أو خروج للحرب. لا شك أن الذي يذهب للحرب مظنة القتل أكبر ولكنه قدم الضرب لأنه أكثر. (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) هل هذا فعلا حقيقة؟ أبدا لأنه ذكر في الآيات السابقة (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) من 154 آل عمران. في قصص كثيرة نجد سبحان الله أن الإنسان يسوق نفسه (يساق) إلى قدره. فهذا من المعتقدات الباطلة التي ينبه الله المؤمنين عليها. وأنها مما يشابه به المؤمنون الكفار. هؤلاء هذا إعتقادهم. إياكم أيها المؤمنون أن تشابهوا الكفار فيما يعتقدوا. وهذا الآن ملاحظ من الغربيين. يقتل منا كثير ومن أعدائنا أقل,انظر ما يصنعون هم على قتلاهم وما نصنع نحن على قتلانا. فرق كبير . أمهات الشهداء في فلسطين يهنؤون بإستشهاد أبنائهم بالرغم أنهم يصابون كل يوم في أبنائهم وأزواجهم. وبالرغم من ذلك راضيين صابرين ويعيشون حياة نفسية مستقرة.

(لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) هذه أول عقوبة . والآن ولذلك الجنود الذين يقتلون في العراق تقام دعاوى من أهلهم ضد الحكومة هناك. وأهلهم يتسخطون وذلك لأنهم لا يؤمنون بالقضاء ولا يؤمنون بالقدر. من لطائف الآية لماذا قدم الموت في (عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) ؟ لتناسبها مع (إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى) الضرب يناسب الموت والغزو يناسب القتل. وفي الآية الثانية ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ذكر القتل أولا لأنه أقرب للمغفرة والرحمة من الموت فقدمها. لما جاء بالمغفرة والرحمة جاء بما يوصل لهما.

(وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ) عندنا إيمان راسخ أن الله هو الذى يحيي ويميت وأنت الآن حي فجاء أولا بيحيي. ” من كتاب (الفرج بعد الشدة ) للتنوخي” وحكى محمد بن الحسن بن المظفر، قال: حضرت العرض في مجلس الجانب الشرقي ببغداد، أيام نازوك، فأخرج خليفة نازوك على المجلس جماعة، فقتل بعضهم. ثم أخرج غلاماً حدث السن، مليح المنظر، فرأيته لما وقف بين يدي خليفة نازوك، تبسم. فقلت: يا هذا، أحسبك رابط الجأش، لأني أراك تضحك في مقام يوجب البكاء، فهل في نفسك شيء تشتهيه ? فقال: نعم، أريد رأساً حاراً ورقاقاً. فسألت صاحب المجلس أن يؤخر قتله إلى أن أطعمه ذلك، ولم أزل ألطف به، إلى أن أجاب، وهو يضحك مني، ويقول: أي شيء ينفع هذا، وهو يقتل ? قال: وأنفذت من أحضر الجميع بسرعة، واستدعيت الفتى، فجلس يأكل غير مكترث بالحال، والسياف قائم، والقوم يقدمون، فتضرب أعناقهم. فقلت: يا فتى، أراك تأكل بسكون، وقلة فكر. فأخذ قشة من الأرض، فرمى بها، رافعاً يده، وقال وهو يضحك: يا هذا، إلى أن تسقط هذه إلى الأرض مائة فرج. قال: فوالله، ما استتم كلامه، حتى وقعت صيحة عظيمة، وقيل: قد قتل نازوك.لاوأغارت العامة على الموضع، فوثبوا بصاحب المجلس، وكسروا باب الحبس، وخرج جميع من كان فيه. فاشتغلت أنا عن الفتى، وجميع الأشياء، بنفسي، حتى ركبت دابتي مهرولاً، وصرت إلى الجسر، أريد منزلي. فوالله، ما توسطت الطريق، حتى أحسست بإنسان قد قبض على إصبعي برفق، وقال: يا هذا، ظننا بالله- عز وجل- أجمل من ظنك، فكيف رأيت لطيف صنعه. فالتفت، فإذا الفتى بعينه، فهنأته بالسلامة، فأخذ يشكرني على ما فعلته، وحال الناس والزحام بيننا، وكان آخر عهدي به.” انتهى

(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ختم بالعلم . والآية مليئة بالتأكيد على  معرفة الله لما في الصدور وما في القلوب ومراقبته . وفي هذه المعركة بالذات وما فيها من دروس عسكرية يؤكد على قضية  أنه سبحانه وتعالى عليم بذات الصدور.

(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) لم يقل قتلتم أو متم في سبيل الله كأن الموت يقع على كل أحد وفي كل حال وقد يكون في سبيل الله أو لا يكون. وقدم القتل لشرفه لأنه في سبيل الله.

وجمع لهؤلاء بين المغفرة والرحمة (خير مما يجمعون). يعني ما أقبلتم عليه في الدار الآخرة خير لكم مما متم عنه فلِمَ الخوف من الموت؟ لِمَ الخوف من ملاقاة الموت؟. حالنا مثل حال الطفل أول ما يخرج من بطن أمه يصيح. لماذا تصيح؟ أنت تخرج من الضيق إلى السعة. هذا الطفل بعد ما يخرج يتنفس الصعداء ويحرك يديه ورجليه هل يفكر أن يرجع؟ لا.  وكذلك حالنا الآن نشفق على الدنيا ونتمنى ألا نخرج منها . طيب ماذا سنلقى عند الله؟ هو خير لك من الدنيا وما فيها من الضيق والنكد وهذا عين الإيمان بالغيب وهذا من عجائب النفس أن الإيمان بالغيب لا يؤتاه كل أحد. ولهذا لو تأملت بعض الناس ينكر عليك إيمانك بالغيب وهو تجده يؤمن بالغيب من حيث لا يشعر لا يؤمن بالغيب الذي عندك ولكن يؤمن بغيب آخر ليس له مقدمات. الغيب الذي عندنا له مقدمات. بعض الناس لما يأتي يجادل فيها قد يغفل عنها خاصة من يناقشون الملاحدة وغيرهم أن الإيمان مقدمته عقلية. بعض الناس يظن أن الإيمان لا علاقة له بالعقل. الإيمان شيء والعقل شيء آخر هو يحاول أن يفصل بينهما. وليس بصحيح. هناك عقل فطري وأي كافر يؤمن لا يؤمن إلا بالعقل الفطري. لابد أن هناك مبدأ عقلي جعله يقتنع والعقل يهديه إلى أن يؤمن . إذا اقتنعت أن دين الله حق ستأتيك أشياء لا يدركها العقل الآن هي فوق العقل. القاعدة التي  لا تستطيع أن تدركها بعقلك لا تأتيك . ما مقامك الآن؟ مقام التسليم ولكن لا تصل مقام التسليم إلا بعد مقام العقل {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} من البقرة 286. نقول لبعض الأخوة أن ينتبهوا لمثل ذلك . لا يناقش في هذا الموضوع أنت تؤمن بكذا. اثبت لى ودلل لي. المسأله ليست هنا, المسألة أن يؤمن بالله إلى آخر المقدمات العقلية فإذا إقتنع بهذا إقتنع بها فهذا جرء. أحيانا نناقش الجزئيات ونغفل الآخر.

(لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) كل الآيات التي جرت معنا تتحدث عن صنفين من الناس أو النفوس.تتحدث عن نفوس المؤمنين التي دخل الإيمان فيها فأثمرت ثمرات عجيبة مرت علينا . عندما ذكر المتقين {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران}   المتقين وذكر صفات {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} آل عمران. تحدث عن الذين ثبتوا في المعركة ومحص الله قلوبهم وقضية الأيمان بالقضاء والقدر .وكلها صفات المؤمن الراسخ.   وتحدث عن نفوس لا تثمر هذه الثمرات . نفوس أنانية مكذبة يصيبها جزع (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) .  أصلا معركة أحد  ومجىء قريش كان بالحسرة على من قتل منهم في بدر. وكذلك { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} آل عمران. هذه النفوس المكذبة المتسخطة ليس عندها عفو ولا صبر ولا إحسان   فلا يمكن أن ترجو منها , من تلك من النفوس المرابية { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} آل عمران. قرأت في الكتب التي تتحدث عن الربا وقصص المرابين أن أشد الناس قلوبا هم المرابين. وقد يقتل المرابي أو يسرق الآخرين أو يسجنهم مقابل المال. في حين أن المؤمن الصادق قد يتنازل عن نصيب من الدنيا من أجل الآخرة . ولذلك قال (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فأطلق. وهذا من فوائد  التفسير الموضوعي للقرآن عندما ننظر للسور كمقاطع قرآنية. نتحدث عن غزوة أحد كاملة , نتحدث عن صفات المؤمنين.

في قوله تعالى{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158} لما ذكر المغفرة ذكر القتل. لما ذكر الموت ذكر الحشر و لم يذكر مغفرة. ذكر الأغلب ففي ملاقاة الناس وهو الموت. في الأولى نبه على فضل الشهادة في سبيل الله والثانية عامة لازمها الرجوع إلى الله. وهنا (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ)  من أساليب القصر لأن لا إله غيره.

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران}

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) يعني هذا اللين الذي حصل لك يا محمد كان رحمة من الله. وكون القائد يتميز باللين لا يمنعه  من الحزم. هذا الذي وقع من الصحابة في أحد من معصية لان له رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه لفتة مهمة للقائد . لا يرضى بالخطأ ولكن يعامل المخطئ معاملة أخرى. الخطأ   يجب أن يكون درسا للأمة ولكن هؤلاء المخطئون انظر إلى ماجعلهم يخطئون إنهم بشر لابد أن يخطئوا.  ينبغي لك أن تلين لهم وأن تقابل ما حصل منهم من عثرة أو سقطة  باللين والرحمة ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقدم عقوبات وتأديب لمن نكثوا العهد ونزلوا من الجبل وكان هذا من رحمة الله.

(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) هذا درس لكل القادة وأن يستوعبوا مَن تحتهم أن كان مدير مدرسة أو شركة أو غيرها بأي صورة من صور القيادة أن يكون لين الجانب وإتساع الصدر. لا يرضى بالخطأ ولكن المخطىء يعامله بحسب الحال وأن يلين له و يحتويه وإلا  تخسره ويكون عدوا لك. كما كان لأبو عامر الفاسق كان من المنافقين في المدينة ولما قويت شوكة المسلمين ترك المدينة إلى قريش. فلما حارب المسلمين في أحد صنع أشياء أثرت في المسلمين ومنها أن حفر حفرا في ميدان المعركة فلما دارت الدائرة على المسلمين  في آخر المعركة سقط صلى الله عليه وسلم في إحدى الحفر.

أظن أن بعض من انحرفوا عن الجادة كان من أسباب انحرافهم انهم في وقت من الأوقات عوملوا معاملة قاسية وأن من كان يربيهم لم يتخذ هذا الخلق  العظيم في إحتوائهم.  تجد أن لم يكن القائد متصفا بهذه الصفة مذا سيحصل؟ انه لا أستطيع ان يحتويه فلا يخرج عن الإطار. لأنه هو جاء اليك بقراره الشخصي ويخرج يقراره الشخصي. إن استعمال أسلوب العنف والقسوة في معالجة هفواته وأخطائه سيؤدي إلى أن تصنع عدوا . وهذا يفسر لنا وجود بعض من يكتبون في الصحافة والإعلام وقد كانوا في يوم من الأيام صالحين وشرفوا بهذا الخير العظيم. ما الذي جعلهم الآن  حرابا وسهاما على الصالحين؟ هي قسوة في التربية  مرت بهم.(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). إن أولى الناس أن يكون قاسيا ولا ينفض عنه الناس هو صلى الله عليه وسلم لأنه نبي الله . حتى لو كان قاسيا  فهم ملزمون بإتباعه .وبالرغم من ذلك قال تعالى حتى انت لو كنت قاسي لانفض الناس من حولك. من نحن الآن عندما يأتي أصحاب السلطة بقسوة وعنف.حتى الأب ربما إبنك أو إبنتك يفعل ما لا ترضاه عامله بشيء من اللين.

ثم قال (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) كان المتوقع أن يقال له لا تشاورهم لأن الشورى كانت سبباً للخروج. ولكن هذا تأكيد على أن الشورى أمر ثابت. هذه الهزيمة أو الإنكسار الذي وقع كان بالشورى ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتب أحدا. وهذا درس رائع قد نتشاور في أمر ,البعض يرى رأيا والنصف الآخر لا يراه , يقول هذا النصف قلنا لكم كذا. فيجب أن نتأدب. الأمر الثاني أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا كان من المتوقع أن ترجح رأي الذين وافقوه ولكن قال   (ما ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه . الراوي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المحدث: الألباني – المصدر: فقه السيرة – الصفحة أو الرقم: 250خلاصة الدرجة: صحيح)

هذه الآية يجب أن تكون نبراسا وتدار في مجالسنا بين طلبة العلم  ومن يكون مسؤلا يجب أن ينظر فيها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه) الإنسان في أمور التعليم والتربية يحس هذا بنفسه . إذا قسى في غير موطن القسوة يجد الناس تنفر منه وإذا هو رفق بالناس لانوا له وأعطاهم الخير الذي عنده . كلنا نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا جاءت هذه الأخلاق لماذا نضعف ولا نستطيع أن نقتدي به؟