الحلقة 34
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)
ذكرنا في اللقاء السابق أن السياق يتحدث عن البخل بالمال ولا يمنع دخول البخل بغير المال قياسا لأن النص (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ) يدخل فيه المال والعلم كما فسر البخاري أن الرسول فسره أنه البخل بالمال ومثل ما فسره ابن عباس بأنه البخل بالعلم وهو كتم اليهود أمر النبي صلى الله عليه وسلم . ومما يناسبه أن الآية قبلها { اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } ولم يقل آمنوا بالله ورسوله مما يشير أن الإيمان بمحمد هو الإيمان بموسى وعيسى فلا غضاضة عليكم أن تؤمنوا بمحمد فرسولكم عيسى وموسى بشروا به. والأمر الثاني إذا إستقرأت آيات البخل في القرآن تجد أنها تأتي بالمال وتأتي العلم.
(سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هذه هي عقوبة. والتطويق هو أن يوضع الشيء للإنسان كالطوق له. ففي يوم القيامة يطوق الإنسان جزاء له على عمله السيء يطوق ما بخل به على رقبته ويأتي البعير وله رغاء والشاة ولها ثغاء لأنه منع زكاتها ويأتي الذهب والفضة وقد طوق الإنسان بها فيكون ذلك علامة له في يوم الموقف وفضيحة أي فضيحة.
ما هي الذنوب التي يفضح أصحابها في الموقف يوم القيامة منها البخل ومنها الكبر { يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى : بولس تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال . الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2492. خلاصة الدرجة: حسن صحيح} ومنها الربا { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (من 275 البقرة)} والغلول في الغنيمة { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ من 161 آل عمران } وتشتعل عليه في قبره، وأيضا الخيانة الغادر يرفع له لواء يوم القيامة ، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان – الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6177- خلاصة الدرجة: [صحيح . نسأل الله ألا يفضحنا. الله يحاسب يوم القيامة كل واحد بمفرده ويقول { بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده ، إذ عرض رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ويستره ، فيقول : أتعرف ذنب كذا : أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه هلك ، قال : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، فيعطى كتاب حسناته . وأما الكافر والمنافق ، فيقول الأشهاد : { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } . .الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2441.خلاصة الدرجة: [صحيح]} فإن فضل الله واسع سبحانه وتعالى.
قوله { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} في مقابلها {ولله ميراث السموات والأرض} هو الذي أعطاكم قبل أن تموتوا وهو الذي يرثكم بعد أن تموتوا فلماذا تبخلوا فيما طلب منكم أن تنفقوا فيه؟. الله هو الذي يعين المنفق على الإنفاق فعندما يرزقك الله المال ويعطيه لك ليس لذكاءك وغباء الآخرين وإنما هو رزق ساقه الله إليك بكرمه وفضله ويبتليك فيه{ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ (من 38 محمد)} هذه فلسفة كثير من الناس لا يفهمها. تقول لأحد الميسورين تبرع بمال فيبخل ويظن أنه أساء إلى هؤلاء ولكن أنت أسأت إلى نفسك، يبخل عن نفسه كأنه يقول لله أنا لا أريد هذا الأجر في الآخرة. هذا هو لسان حاله ولذلك الآيات { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران } فيها معنى انتهز الفرصة ومنها في المال الذي تنفقه وهو مهم في قضية المسارعة فبإمكانك أن تنفقه في الجهاد ونشر العلم وفي طباعة الكتب قبل أن يفوتك هذا الخير. والعجيب أنه يموت البخيل ويترك هذا المال الذي بخل به على نفسه حسرة للورثةفهو يورث . سمعت قصة أن أحد التجار كان يبني مسجداً قبل أن يموت ثم مات قبل أن يكتمل المسجد فأوقفت كل الأعمال ليقتسم الأبناء التركة والأبناء بخلوا على أبيهم أن يكملوا المسجد من حصصهم بقيت 400 ألف لم يدفعوها مع أن الأب ترك الملايين، انظر ماذا يحدث بعدك؟ فأنفق وقدم لنفسك، قال سبحانه وتعالى { وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ (من 223 البقرة) } . وبعض التجار يتحسس من شىء ليس مطالبا به فالناس يتكلمن عن مشروع يعجبه فيدفع المال للمشروع ولكن المشروع يقدر الله أن يفشل فينزعج التاجر. نقول لا تنزعج فإن الذي عليك هو النيّة الصادقة ينتهي دورك عند دفعك للمال ويكتب لك الأجر. أما الثمرة والنتيجة فلست مطالباً بها. لو جاءك واحد ورأيت أنه صادق واعطيته ثم ظهر أنه سارق فقد كتب أجرك. ما بعد ذلك ليس مما تطالب به. صحيح أن الحرص والنظر في أين يذهب المال هذا مطلوب ولكن وقوع الفشل لا يعني أن تتوقف عن الدعم. ويدخل إبليس على التجار والمحسنين من هذا الباب بأن تتشكك أن يكونوا سارقين أو أن يفشل المشروع . أقول سبحان الله المفروض أن أجرك سيكتب كاملا لما تُخرج المال حتى لو سرق من أول ليلة . طبعا الإنسان يتأكد ويتثبت ولكن إياك أن تمنعه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رجل : لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد ، على زانية ؟ لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته . فوضعها في يدي غني ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على غني ، فقال : اللهم لك الحمد ، على سارق ، وعلى زانية ، وعلى غني ، فأتي : فقيل له : أما صدقتك على سارق : فلعله أن يستعف عن سرقته ، وأما الزانية : فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني : فلعله يعتبر ، فينفق مما أعطاه الله . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 1421خلاصة الدرجة: [صحيح]} الله يتقبل الصدقة . صحيح أن النفس تتشوف أن يرى ثمرة ماله، نعم. ولكن لا تغفل هذا الجانب. فأنت تتعامل مع الله ولا تتعامل مع الناس.
ملحظ آخر وهو موضوع المنة في الصدقة بعض المحسنين رأيناه يكاد يمن عليك وأنت تطلب مالاً لدعم مشروع خيري ويسأل من يشرف على المشروع؟ وما هي الضمانات؟ أنا محسن أنا أخبرتك عن هذا المشروع وسأتحمل عنك تبعة هذا. فإياك أن ترى أنك متفضل بل أنا المتفضل عليك وأسلوبك في التعامل هذا ومحاولة إبانة أنك تبحث عن الضمانات هذا فيه نوع من المنّة. ونلاحظ أن ما رأيت إنساناً يتشرط في إعطاء الصدقة إلا رأيت أن الصدقة لا تبلغ أثرها وإذا كان المحسن سمح النفس في صدقته يبارك الله فيها. بعض الناس تسأله هل تريد شيئاً يقول أبدا إفعلوا ما بدا لكم أسأل الله أن يتقبلها فتجد من أسباب البركة شيء لا يوصف. يقول إنسان هذا البئر أريدك أن تحفره في أفقر مكان وعند أحوج الناس يكادون يموتون من العطش لماذا يشترط هذا ؟ أو أحدهم يريد أن تصرف زكاته لطالب شريعة متعلم لغة عربية ذو مال، أقول لا تتشرط. ينبغي لنا عندما نتصدق أن يكون الإنسان سمحا.
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } هو بخل بشيء هو من فضل الله وهو الذي أعطاك ففي هذا نوع من إساءة الأدب مع الله . تعطي شخص مليون ثم تطلب منه خمسين ريالاً فيقول لماذا خمسين؟ . الله يعطيك ثم يطلب منك من باب الإختبار ثم يثيبك عليه { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة } هذا هو الإبتلاء . تستوقفني قصة الثلاثة من بني إسرائيل دائماً الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى والأقرع والأبرص { إن ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا ، فأتى الأبرص فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه ، فأعطي لونا حسنا ، وجلدا حسنا ، فقال : أي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل – أو قال البقر ، هو شك في ذلك : أن الأبرص والأقرع : قال أحدهما الإبل ، وقال الأخر البقر – فأعطي ناقة عشراء ، فقال : يبارك لك فيها . وأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : شعر حسن ، ويذهب عني هذا ، قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب ، وأعطي شعرا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، قال : فأعطاه بقرة حاملا ، وقال يبارك لك فيها . وأتى الأعمى فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : يرد الله إلي بصري ، فأبصر به الناس ، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم ، فأعطاه شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ، فكان لهذا واد من إبل ، ولهذا واد من بقر ، ولهذا واد من غنم ، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين ، تقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ، بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال له : إن الحقوق كثيرة ، فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله ؟ فقال : لقد ورثت لكابر عن كابر ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت . وأتى الأقرع في صورته وهيئته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا ، فقال : إن كنت كاذبا صيرك الله إلى ما كنت . وأتى الأعمى في صورته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل ، وتقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله بصري ، وفقيرا فقد أغناني ، فخذ ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخدته لله ، فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك .الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 3464خلاصة الدرجة: [صحيح]}
وما أكثر ما نراها من الناس عندما يأتي سائل يرده الناس ردا عنيفا وقد نهى عن ذلك { وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ (من 38 محمد)) في حين أن الله تعالى غني عنك وهو الغني ونحن الفقراء.
وفي قوله سبحانه وتعالى { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة } } يذكر الشيخ الشعراوي لفتة جميلة أن هذا من إحترام الله لعبده كأن هذا المال ماله هو والمفروض ان يقول اعطني مما أعطيتك ولكن الله يحترمك كأنه مالك أنت الذي كسبته بنفسك يقول أقرضني غياه وإعطي عبدي هذا من مالك وأنا أعوضك بالخلف في الدنيا ثم تأتي المضاعفة التي لا حدود لها في الآخرة وهذا إحترام لإرادة العبد وإختباره وتكريمه. وهذه ترتبط بها الثواب والعقاب عندما يعطيك حرية الإنفاق فيترتب عليها الثواب والعقاب { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (من 9 الحشر)} وفينل من يتغلب على هذا الشح وما أكثرهم وفينا من يوفقه الله فيتغلب على الشح.وينفق في سبيل الله.
(وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إيراد هذه الجملة فيما يتعلق بالبخل واضح جدا . أنك تبخل ولكن الله سبحانه وتعالى له ميراث السماوات والأرض غني عن مالك وصدقتك. فإذن أنت الذي بحاجة لله سبحانه وتعالى. عندما نتأمل الآية بعض الناس يقول ليت فلان من الأغنياء يعطيني بعض المال ولا يقول يارب أعطني. كما حدث مع قارون لما خرج في زينته { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) القصص} لو قدّر الله -وهو نادر- جاءك رزق من فلان تجد أنك تشكره أكثر مما تثني على الله سبحانه وتعالى مع أن الله جعله سببا في وصول المال إليك . جاءت إمرأة إلى عمر بن عبد العزيز ومعها يتيمات لها ليعطيهم من العطاء. فلما أعطى الأولى قالت الحمد لله ولما أعطى الثانية قالت الحمد لله ولما أعطى الثالثة قالت شكر الله لك يا أمير المؤمنين قال أما وقد رددت الفضل إلى أهله فإنا كُنا نعطي وأما وقد جعلت الفضل إليّ فدعي هؤلاء يواسين الرابعة. علينا أن ننسب الفضل لله تعالى.
قصة عن صالح الراجحي وهي مشهورة ذكرت في الكتاب الذي أُلّف عنه وهي قصة فيها عبرة. وكان رجلا يعمل في بداية حياته لما جاء إلى هنا حمالا يحمل المتاع . هذا الرجل الغني بدايته جِدّ وكدّ وتعب . كان يمشي في شوارع الرياض فمر الملك عبد العزيز في موكبه وكان من عادته أن يفرّق المال على الناس خاصة بعد أن أنعم الله بنعمة البترول . فلما مرّ رأى هذا الرجل يمشي فرمى له ببعض الريالات فمر صالح من عندها ولم يلتقطها فتعجب الملك من ذلك الرجل وهو على غير عادة الناس. قال لصاحب السيارة قف وارجع لماذا لا تأخذ المال؟ قال أنا غني عنه ,الذي أعطاه يعطيني. يقول هذه الثقة بالله جعلت الله يعطي هذا الرجل عطاء واسعا حتى أنه صار في سنين لا يعرف كيف يؤدي زكاته ويبحث عن مخارج في كيف يخرج الزكاة من كثرتها تبقى شهراً كاملاً والناس يصطفون لأخذها حتى ينهيها قبل أن يذهب للعمرة. إذا وثق الإنسان بالله سبحانه وتعالى وجعل الأمر إليه سيجد كيف يحصل من الخير.
(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ختم بالعلم والخبرة ومرت قبل ذلك وهي هنا مرتبطة بأن البخل دسيسة في النفس وتظهر في العمل. فقال هذا الذي تعملونه الإنفاق أو عدم الإنفاق هو عمل والله خبير به ومجيء خبير تدل على العلم بما في النفوس من دسائس. قد تخفى على الناس
(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181))
المقصود بها طائفة من اليهود الذين تجرؤا وقالوا هذه الكلمة الخبيثة فيها روايتان يقال { دخل أبو بكر الصديق , بيت المدراس , فوجد من يهود أناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له : فنحاص , وكان من علمائهم وأحبارهم , ومعه حبر يقال له : أشيع . فقال أبو بكر : ويحك يا فنحاص , اتق الله وأسلم , فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله , قد جاءكم بالحق من عنده , تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل , فقال فنحاص : والله _ يا أبا بكر _ ما بنا إلى الله من حاجة من فقر , وإنه إلينا لفقير ! ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ! وإنا عنه لأغنياء , ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ! ينهاكم عن الربا ! فغضب أبو بكر , فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال : والذي نفسي بيده , لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدوا الله , فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين , فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد , أبصر ما صنع بي صاحبك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله , إن عدو الله قد قال قولا عظيما , زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء ! فلما قال ذلك غضبت لله مما قال , فضربت وجهه , فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك , فأنزل الله فيما قال فنحاص ردا وتصديقا لأبي بكر : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } الآية .الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر – المصدر: عمدة التفسير – الصفحة أو الرقم: 1/444. خلاصة الدرجة: إسناده جيد أو صحيح} وبعض الكتب تقول هذا لا يليق بخُلُق أبي بكر الرجل الأسيف ولكنه ليس كذلك إذا انتهكت حرمات الله بل هو من أقوى الصحابة.
وهذه الآية { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } فيها فائدة أن التعبير في القرآن الكريم “قد سمع الله ” إشارة أنه كان في مجتمع سري أو مغلق وإنها لم تكن مما يقوله اليهود علنا ويكثرون منها ويتوقعون ألا تُعلن ولكن كشفهم الله وفضحهم. قالت عائشة رضي الله عنها {عن عائشة قالت الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } الآية .الراوي: عائشة المحدث: ابن عساكر – المصدر: معجم الشيوخ – الصفحة أو الرقم: 1/163.خلاصة الدرجة: صحيح)
فنحاص جاء يشتكي ابا بكر فذكر أبو بكر ما قاله فنحاص فأنكر فنحاص فجاءت الآية شهادة من الله سبحانه وتعالى تؤكد معنى أن هذا المجتمع مغلق واستطاع فنحاص أن يُنكر وما عند ابي بكر ما يُثبت هذا الكلام فجاءت الشهادة من الله (قد سمع الله). وبمناسبة ذكر فضل أبى بكر الصديق أنه في غزوة أحد عندما جرح النبي وقتل بعض أصحابه وانسحب أبو سفيان بالجيش فنادى أبو سفيان هل فيكم محمد؟ فسكتوا بأمر النبي صلى الله عليه سولم، قال هل فيكم ابن أبي قحافة؟ (الذي هو أبو بكر.) فسكتوا، فقال هل فيكم ابن الخطاب؟ فسكتوا، فقال أبو سفينان قد كفيتم هؤلاء (ما دام هؤلاء قد قتلوا فقد ضاع أمركم) فما تمالك عمر بن الخطاب نفسه فقال قد أبقى لك الله ما يسوؤك، يستفاد من هذه القصة فائدة أن ترتيب الصحابة أبو بكر ثم عمر ترتيب حتى عند المشركين يعرفونه يعرفون أن أحق الناس بالولاية بعني النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر. ثم عمر وهذا أيضاً دليل يؤكد أحقية هؤلاء بالخلافة ويناقض ما يقوله الشيعة أنهم يقدمون علي على أبي بكر وعمر.
(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)) الكلام عن البخل، لكن هل المراد الإخبار بأن الله سمع أم المراد لازم الخبر وهو التهديد؟ المراد التهديد والوعيد بلا شك. وإن كان بعض الناس خلط فجعل اللازم هو المقصود وما عداه ليس بمقصود نقول لا، سمع بمعناها المعروف في اللغة وأن الله يسمع الأصوات سمعا وله سمع يليق به ولكن اللازم أيضا مقصود وذلك أن الله يتهددهم ولذلك جاء بعدها { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )
أليس من عقيدتنا أن كل ما يحدث هو مكتوب ؟ إذن فلماذا يكتب مرة ثانية؟ هذا من تمام الضبط والإحكام في أمر الله عز وجل. الأشياء مكتوبة قبل الخلق في كتابه وعند النفخ وفي بداية كل سنة وفي بداية كل يوم وأيضا بعد العمل فيه كتابة وكلها متطابقة لا خلاف بينها.ولا تباين ولا اضطراب
من فوائد الآية لما قال { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } أن حكاية مثل هذا الكلام الذي لا تقبله النفس. ولولا أن ذكره الله لم يتجرأ أحد أن يقوله. فمن قال هذا في حقه هو تنقّص وأيما تنقص ومع ذلك ذكره الله نلاحظ بعض طلاب العلم يأنف من ذكر كلمة أو معتقد ويزعم أحياناً أن هذا فيه إشارة للشبهة. فنقول ليس هذا هو المنهج القرآني. نعم قد يكون هناك شبهة في بعض الأمور ولكن ليس هو المنهج يجب أن نفرق بين الأصل وما يخرج عن الأصل. الأصل أن إيراد الشبهة كاملة منهج قرآني، ذكر الكلام بمعايبه منهج قرآني ونلاحظ بعض طلبة العلم ممن يحقق بعض المخطوطات يواجه كلاماً لا يوافق عليه (مثل بجاه النبي) وهو يخالف هذا يقول ذكر المؤلف كلمة كذا. وأذكر أيضا نقلاً ذكره ابن عطية في (المحرر الوجيز) في قول تعالى (من شر غاسق إذا وقب) قال ابن عباس كذا قال كلام لا يمكن أن يقوله ابن عباس، هذا التصرف ليس سليماً وليس من الأمانة العلمية وليس من الفقه. هل سنكون الآن على المنهج الذي ربانا عليه القرآن ليس هذا هو المنهج وإلا فلماذا تضع نقط على هذا الكلام؟ هل هناك أشنع من هذا الكلام على الله؟ هم ينسبون إليه الفقر.
ومن الفوائد أيضا من الآية سوء أدب اليهود مع الله ومع الأنبياء. كنت أقرأ في تلمود اليهود قرأت فيه كلاما في غاية الوقاحة والبشاعة والقبح مع الله ومع غير اليهود ثم وفي نفس اليوم أقرأ هذه السورة فوقفت عند هذه الآية وأقول سبحان الله لا تستغرب على اليهود هذا الحقد وسوء الأدب إذا كانوا أساؤا الأدب مع الله وقتلوا الأنبياء. لماذا نتوقع منهم اليوم من العدل والإنصاف؟ هذا من الجهل. بحقائق الأمور
نلاحظ فائدة أنه ثنّى على مقالتهم أنهم قتلوا الأنبياء الذي لا يحترم الله لا يحترم الأنبياء ولذلك قال (سنكتب ما قالو) وسنكتب أيضا قتلهم الأنبياء، أشار إلى هذا الذنب بالذات يعني أن هؤلاء الذين لا يعرفون قدر الله لا يعرفون قدر أنبيائهم، قد نستغرب كيق يقدمون على قتل نبي، إذا كان قدر الله عندهم بهذه الصورة فما هو موقفهم من الأنبياء؟!. أقل. ما قال “ونقول لهم ذوقوا” بل قال “ونقول ذوقوا” مقابل لما قالوه قاتلهم الله أنى يؤفكون. ثم يقول مبينا السبب { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }. لا يظلم وقد حرم الظلم على نفسه. هم يفعلون كل هذا على علم وعلى بينة وبالرغم من ذلك يكذبون ويتهمونالله بهذه الفرية العظيمة ولذلك كان الغضب عليهم { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) الفاتحة} لأنهم علموا ولم يعملوا. ما أوقح هؤلاء اليهود! من كلامهم على الله وقتلهم الأنبياء وقولهم على عيسى وأمه واتهامها أنها زانية. لما تتأمل تاريخهم خاصة تاريخهم الأخلاقي تجده في غاية السقوط. ولعله من إبتلاء للمسلمين في هذا الزمان ولعل إرتفاع شأن اليهود في هذا الزمان الآن هو عقاب لنا بعد تنازعنا وضعفنا .فأدام الله هذه الشرذمة التي حكى الله عنها في كتابه من سوء الأخلاق والسقوط وعصيان الله دليل في أننا حاجة ماسة للعودة إلى الله. ولذلك بعض اليهود قالوا لن تنتصروا علينا أيها المسلمون حتى يكون عددكم في صلاة الفجر كتعدادكم في صلاة الجمعة، هذا مؤشر، أنتم لستم ملتزمون بدينكم. المؤشر هو إقدامكم على صلاة الفجر. وفعلا في صلاة الجمعة أعداد كبيرة ولكن أين هم في صلاة الفجر للأسف؟
{ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } كيف نفى بصيغة المبالغة ولم يقل ليس بظالم للعبيد. بعض العلماء يقولون أن نفي الأكثر هو نفي للقليل هذا صحيح لكن نقول ما وجهه؟ مثل “زوارات” لعن الله زوارات القبور .الراوي: – المحدث: موفق الدين ابن قدامة – المصدر: الكافي – الصفحة أو الرقم: 1/275.خلاصة الدرجة: صحيح }. استنبط منها البعض أن يجوز للمرأة أن تزور مرة أو مرتين فلا تكون زوارة (صيغة مبالغة). والبعض قال زوارة مثل ظلام للعبيد. نحن نؤمن بأن الله لا يظلم مثقال ذرة ولذلك نستغرب لماذا قال ظلام؟. يقال جاء مناسبة مع كثرة العبيد،. لا يظلم هذا ولا يظلم هذا فإنه ليس بظلام. كما نلاحظ قول “للعبيد” لماكان أمرا لا يختص بالمسلمين بل يخص المؤمن والفاجر و خيّر وشرير قال للعبيد أي نفى الظلم عن كل عبد لله لكن لما يكون الخطاب للمؤمنين ينسبهم إليه { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) الحجر} ينسبهم لنفسه إضافة تشريف وتكريم. المراد هنا الكلام ليس مراد به المؤمنون بل كل الناس.