برنامج بينات

برنامج بينات – 1431هـ- تأملات في سورة النساء الآيات 20-23

اسلاميات

الحلقة 12

تأملات في سورة النساء الآيات (20 23)

د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والآه

مشاهديَّ الكرام مازلنا نتحدث في آيات سورة النساء هذه الآيات العظيمة التي فيها من التوجيهات والآداب والإرشادات الكريمة التي لا تسلم و لا تسعد الحياة إلا بإتباعها والأخذ بها. والحقيقة في كل مرة نظن أننا نستطيع أن نتجاوز قدراً كبيراً من الآيات إلا إننا نجد أن المعاني تكثر والآداب والإستنباطات تتوفر ولا نريد أن نحرم أنفسنا ولا نحرم إخواننا المشاهدين. مشاهدي الكرام وصلنا إلى قول الله عز وجل (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿٢٠﴾) سنتحدث عن هذه الآية وما يليها من الآيات لكن بعد أن نستمع لها وننصت لتلاوتها أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿٢٠﴾ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴿٢١﴾ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ﴿٢٢﴾ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٢٣﴾)

بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات الكريمة وتأملناها نبحث الآن في بعض معانيها. وصلنا يا مشايخ إلى قول الله عز وجل (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) كنا توقفنا عند قضية المغالآة في المهور وكان من ضمن الحديث الذي تحدثنا به قصة عمر رضيَّ الله تعالى عنه عندما قال (ألا لا تغالوا في مهور النساء فلو كانت مكرمة لكان أحظي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، و لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد في مهره عن كذا وكذا) أو كما قال أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب. وهذه القصة ثابتة ورواها أهل السنن ولكن حصل الإشكال في الزيادة التي يتداولها كثير من المؤرخين و الكاتبين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضيَّ الله تعالى عنه. حيث يقولون أن إمرأة قامت فقالت كيف تقول في قول الله عز وجل (وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا)؟ فقال عمر (أصابت إمرأة وأخطأ عمر) على أساس أنه تراجع عن هذا الأمر. حقيقة هذا الشيخ عبد الله بن زيد المحمود القاضي في قطر [رحمه الله ] كتب رسالة في هذه القصة وبيَّن أن القصة صحيحة إلى نهاية كلام عمر دون إستدراك المرأة، وكان مما إستدل به طبعاً أن إسنادها فيه إنقطاع [إسناد الزيادة] والثاني أن أهل السنن رووا قصة أمير المؤمنين عمر دون أن يرووا هذا المشهد الذي يعتبر ناسخاً لكلام عمر، وعند التأمل في الآية لا نجد في الآية ما يدل على نقد كلام عمر فعمر يقول لا ينبغي لكم أيها الناس أن تغالوا في مهور نسائكم وهذا صحيح لأن النبي صلي الله عليه وسلم بيَّن كما ذكرتم  يا دكتور عبد الرحمن أن خير النساء وأكثرهن بركة أيسرهن مؤونة وأن التقليل في المهر وعدم المبالغة فيه أمر مطلوب شرعاً وعمر أنما طلب بهذا الحد. ولذلك نحن نقول أن أمر الناس بهذا وحثهم عليه لا إشكال فيه والآية إنما جاءت على وجه أن الإنسان لو دفع لإمرأته وبالغ في الدفع فإن هذا جائز . هنا يأتي السؤال هل يجوز لإمام أن يقنن مهراً معيناً أو أن الناس أن يتفقوا على مهر معين إذا رأوا أن الأمور بدأت تصل إلى شيء لا يستطاع أو يشق على كثير من الناس ويضر بالحياة الإجتماعية فهي تبقي على نساء عوانس؟ أنا الحقيقة سمعت فيما سمعت في الجرائد وكذا تجد عدد من العشائر والقبائل يجتمعون و يتفقون على أن مهر البكر كذا ومهر الثيب كذا من أجل يسهلون على الناس أمر الزواج فنقول أن هذه الإتفاقات يجب أن تحظى بالتأييد والدعم والمساندة والحقيقة هي أنها في نهاية المطاف مصلحة للناس لأن الناس إذا تُركوا على سجيتهم وزين لهم الشيطان بعض هذه المغالآة على وجه المفاخرة التي لا معني لها إلا العلو بشئ ليس مجالًا للعلو ..

د. الطيار: صحيح .

د. الشهري: والحقيقة أن إرتفاع المهور يكاد يكون يمثل أكثر من 85% من مشكلات العنوسة و تأخر سن الزواج لأن الحياة الإقتصادية أصبحت الآن مكلفة جداً و أصبح الذي يستطيع أن يحصّل المهر ويقوم بأعباء الزواج قليل جداً حتى أنه أصبح الآن الموظف البسيط أو العادي لا يستطيع أن يدفع مثل هذه المهور الغالية فيتأخر سنة وسنتين وثلاث وأربعة وربما أكثر من ذلك حتى يستطيع أن يحصل على ما يستطيع به أن يتزوج. ولو كان الناس كما تفضلت رجعوا إلى السنة ويسّروا أمور الزواج والمهر لتزوج الفتيات وتزوج الشباب في سن مبكرة ولإنعكس هذا على المجتمع بصفة عامة في عفافه وفي أخلاقه وفي قوته وفي تماسكه كما كان الحال في عهد السلف الأول . وأنا أقول عندنا نحن هنا الآن في المناص هنا كثير من القبائل تصنع هذا فتتفق على أن يكون المهر لا يتجاوز مثلاً عشرة آلاف ريال

د. الخضيري: غير تكاليف الزواج

د. الشهري: عشرة آلاف ريال يدفعها الزوج ويدخل فيها ما يدخل فيها الزوج و تمشي الأمور بهذه الطريقة وتزوج البنات وأصبحت العنوسة في بعض القبائل غير موجودة بنسبة صفر ..

د. الخضيري: عجيب ..

د. الشهري: نعم ،و أصبح الشاب من هذه القبيلة يتزوج وهو في سن مبكرة ويبني بيته والحياة ماشية، وهذه هي السنة أصلاً لكن تجد المغالآة في المهور وقصص المغالآة في المهور سببًا من أسباب عزوف كثيراً من الشباب عن الزواج سواء في مجتمعنا هنا في العالم الإسلامي أو في غيره حتى!

د. الخضيري: خصوصاً مع وجود البطالة الآن وقلة الوظائف وأيضاً ضعف الشباب في العزيمة والإصرار على الكدح

د. الشهري: والحقيقة أن هذه من الأشياء التي لم يتنبه لها المصلحون في المجتمعات الإسلامية الآن يعني الآن هذه البطالة الموجودة وهذا الغلاء في المعيشة ألا يجب أن يتوافق معه تخفيف المهور ؟ بلى  فلماذا نصر ونقول أن المهر مثلاً يبقي أربعين ألف سواء إرتفعت المعيشة أو لم ترتفع، هذا غير مقبول صحيح . صحيح أن ممكن أن أربعين ألف أو خمسين ألف أو ستين ألف تكون مناسبة في مرحلة معينة الآن أصبحت غير مناسبة لأن المبلغ هذا لا يستطيع أن يحصل الشاب للتو تخرج وتوظف .

د. الخضيري: استدراك الآن يا أبا عبد الله على موضوع أن تكون 85% .. أنا أقول ليس المهر هو محل الإشكال قد يكون في غالب الأحيان تكاليف الزواج ليلة العرس والأبهة التي تكون فيها أحياناً المهر الناس يتراضون على ألف ريال وعلى خمسة آلاف ريال وعشرة آلاف ريال لكن لما تأتي ليلة العرس وإذا به في قصر أو في فندق من أفخم الفنادق و يأتى بمطرب أو مطربة أو شيئ من هذا المنكرات بأربعين ألف يستلمها للذة ساعة أو ساعتين وليتها لذة ويسمونها إحياء! وفي النهاية على رأس هذا المسكين! . طيب أنا أقول المهر يحل لهذا لأنه يذهب ليد الزوجة يمكن أن تحفظه تستفيد منه تشتري به بعض حاجياتها يعني تنتفع منه بوجه من أوجه الإنتفاع المشكلة في نظري هذه التكاليف التي هي محل المباهاة الحقيقية كان الناس ولا زالوا جزء منهم يتباهون في كمية المهر فلانة أعطيت مائة وعشرين بينما فلانة لايمكن أن تعطي أربعين إذن فلازم ترفع إلى مائة وعشرين فهي ليست أقل منها والدها في المكانة الفلانية أهلها من الأسرة الفلانية! ونحن نقول لا إنتبهوا أيها الأخوة ليست القصة أيضاً هي قصة المهر.  المهر ينبغي أن يراعى قدراً القدر اللطيف الخفيف على الزوج فيه وأيضاً تكاليف الزواج ولذلك في الحقيقة عنها أهنئ المؤسسات الخيرية التي قامت بما يسمي الزواج الجماعي وقبل أيام شهدنا زواجًا في جدة وآخر في المدينة فيه خمسمائة زوج على خمسمائة فتاة يعني ألف إنسان تزوجوا في ليلة واحدة بتكلفة واحدة يدفع كل شخص ما يقارب ألف ريال أو شيء من هذا القبيل و ينهي مراسم ليلة الزواج هذا لا شك أنه يوفر مبلغًا كبيرًا من المبالغ عليهم .

د. الطيار: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)

د. الخضيري: طبعاً قبلها ماذا قال؟ قال (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) وهاتان دالتان على حرمة أخذ الزوج لشيء من المهر الذي تقدم به للزوجة وأن ذلك لا يحل له إلا أن ترضاه الزوجة .

د. الطيار: مثل قوله سبحانه وتعالى في آلهة الكفار { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } ( سورة الأنعام 108 ) مع أن سب آلهة المشركين جائز لكنه نهي عنه هنا للمآل وهذا كله من باب الأدب مع الله سبحانه وتعالى و رعاية ما يخرج من الألفاظ المسيئة لله سبحانه وتعالى فنهاهم عن أن يفعلوا هذا. وهنا أيضاً وفي حق رسول الله صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا } ( سورة البقرة  104 )  وهنا عندنا أمثلة كثيرة جداً من القرآن في هذا الجانب وهو رعاية الأدب في الألفاظ

د. الخضيري: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } ( سورة البقرة 187 )

د. الشهري: جميل جداً لاحظوا أن هذه الآيات تتلى و لله الحمد في المساجد وفي الجوامع وفي كل يقرؤها الرجال والنساء والصغار والكبار والبنات ولا تلاحظ فيها لا سوء عبارة ولا نبوء عبارة ولا تجد فيها حرجاً وأنت تدرسها وأنت تعلمها للناس وهذا من سمو العبارة وأدبها والكناية وهذا من الإسلوب الراقي جداً في أنك ممكن أن تدرس الآداب والتعاملات بين الزوج و الزوجة وبين الرجل والمرأة وأنت في نفس الوقت لا تجرح الحياء ولا تخدش الحياء وهذا رائع جداً. تعالَ وأنت تقرأ الآن في كتب أهل الكتاب المحرفة طبعاً تجد فيها من العبارات ومن القصص التي يندى لها الجبين! لذلك أذكر أحد القساوسة يقول (نبغي أن يحذف هذا الجزء جزء كبير من الكتاب المقدس لأن فيه ألفاظ صارخة تخدش الحياء وتسيئ إلى الأخلاق ) في حين أن القرآن الكريم من أوله إلى آخره لا تجد فيه شيء من هذا مع أنه تعرض إلى مثل هذه القضايا مثل قوله (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) إشارة إلى ما يقع بين الزوج وزوجته ولاحظ أنه هنا إستنكر على من يأخذ من مال زوجته شيئاً حتى إذا طلقها لسببين: السبب الأول أنه قد أفضى بعضكم إلى بعض وحصل بينكم من المخالطة ومن المكاشفة ما لا يليق بك أن تطالب بعده بهذا المال . والأمر الثاني الإشارة إلى غلظ وإلى عظمة الرباط بين الزوج و الزوجة فقال (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) وهو ما وقع في عقد الزواج والنكاح من أنه قد رضيها زوجة له وهي قد قبلته زوجاً لها بحضور وليها وشهود الشاهدين وما في هذا العقد من الغِلَظ ومن التعظيم وما يترتب عليه من الحقوق بين الزوج وزوجته ما لا ينبغي معه أن يطالب بعده بشيء من المهر الذي دفعه لها وهذا غلظ ميثاق الزواج .

د. الخضيري: في غلظ ميثاق الزواج دعونا نتأمل كيف جاء غليظًا؟ لاحظ الآن المرأة لو كانت تملك عمارة بمائة مليون من حقها شرعاً أن تبيع هذه العمارة دون أن ترجع إلى أحد من أوليائها أليس كذلك؟

د. الشهري: بلى صحيح ،

د. الخضيري: ولكن لو أرادت أن تزوج نفسها ما حل لها ذلك إلا أن يشهد أن يكون ذلك بإذن وليها وشهود الشاهدين لماذا؟ كما ذكر الدكتور عبد الرحمن ماذا يترتب على هذا العقد ؟  الحياة حياة كاملة ترتب عليه أن هذا الزواج سيلحق به نسب ، ستكون به قرابة ، سيلحق به ميراث، سيكون به سمعة ، ستقوم به تواصل بين أسر ، ستقوم به حياتهما يعني المرأة الآن تتصرف بمئات الملايين لكن هذا الأمرما تتصرف به وحدها بل لابد لغلظ هذا الميثاق أن يدخل معها آخرون لأن العاقبة فيه واضحة في الدنيا قبل الآخرة ولذلك نحن نقول أيها الناس إتقوا الله في أمر هذا الميثاق، واليوم نحن نشاهد يا أبا عبد الله نشاهد تساهلاً كبيراً في أمر أن يتزوج إنسان إمرأة فيقول والله إني أتزوج وأرى ونيتي أني أطلق، يا أخي هذا ميثاق غليظ! وفيه معنى عظيم جداً هل ترضي هذا لإبنتك أن يأتي إنسان قد نوى أن يستمتع منها ليلة أو ليلتين أو إسبوعًا أو إسبوعين ولو كانت الصورة الظاهرة شرعية ولي وشهود وحفلة زواج وغير ذلك ثم في النهاية تذهب وتلقي كلمة الطلاق على المرأة من خلال رسالة جوال أو مكالمة هاتفية وتجعلها بعد هذا الميثاق الغليظ أسيرة الأحزان والطلاق والسمعة السيئة والكلام والقيل والقالة بين الناس. والله إني أظن والله أعلم أن أيَّ إنسان منا تدبر قوله (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) أن يحترم هذا الميثاق وأنه ما يدخل فيه إلا وهو صادق النية. د. الشهري: وهو خطاب للرجال

د. الخضيري: نعم خطاب للرجال صادق النية أن يحسن إلى هذه المرأة ، وأنه صادق في رغبته فيها ، وأنا هنا أحذر ويا ليتكم يا مشايخ تشاركوني في هذا الأمر الآن شاع بين الشباب وخصوصاً في الصيف يذهبون إلى بعض الدول الإسلامية المبتلية بالفقر بما آتاهم الله من الغنى ولما يتطلع فيه أولئك أن يعيشوا عيشة كريمة يرضون إرتباط بشباب يأتي الواحد وفي نيته أن يتزوج هذه الفتاة لمدة شهر أو إسبوع أو إسبوعين هذا عبث! .

د. الشهري: عبث صدقت وإن كانت صورته الظاهرة صورة مشروعة. لكن لاحظ الآن عندما يؤكد الله سبحانه وتعالى على هذه المعاني العميقة في العلاقة الزوجية بين الزوج وزوجته وهو الإشارة إلى قضية الميثاق الغليظ في قوله هنا (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) لاحظ الآن عندما يستنكر على الزوج الذي يريد أن يأخذ من مال زوجته يستنكر عليه بهذه المعاني الأخلاقية معاني أخلاقية أليس كذلك؟! وكيف تأخذونه ولم يقل وهو حرام عليكم لا قال (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) يخاطب في الإنسان أخلاقه ، ويخاطب فيه عاطفته ، ويخاطب فيه إيمانه مما يشير أيها الأخوة إلى أن المؤمن الحقيقي لا يتهاون في مثل هذه القضايا قضية الطلاق ، قضية إهانة المرأة ، قضية عضلها ظلمها خاصةً إذا كان ليس لها من يدافع عنها يتيمة مثلاً ليس لها من يدافع عنها من أب أو من أخ أومن قريب فيتفرد هذا الزوج الظالم بهذه المرأة المسكينة فيظلمها ويتعسف في التعامل معها .

د. الخضيري: العجيب يا أبا عبد الله في قضية التبشيع، طريقة التبشيع القرآنى تبشيع وتنفير النفس من فعل هذا الأمر يقول (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) يعني يذكر شيئاً يستبشع الإنسان بعد ما يسمعه أن يرجع فيما أعطاه المرأة حتى إن كان على وجه الهبة ليس من المهر ولا من تكاليف الزواج، يقول (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) يعني وصلت إلى شيء لم يصل إليه أحد غيرك حتى أبوها وأمها ما وصلوا إلي ذلك الشيء وهم أقرب الناس إليها أنت وصلت إليه بعد ذلك تذهب وترجع؟! مثل ما قال النبي صلي الله عليه وسلم (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) يعني خلاص النفس ما عاد يمكن أن تعود، مثل ما قال الله عز وجل { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (سورة الحجرات 12) تبشيع تنفر بعده النفس نفوراً تاماً .

د. الطيار: قوله هنا (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) أيضاً هذا مرتبط بعادة جاهلية سبقت الإشارة إليها في الآية التي قبل هذه في قوله سبحانه وتعالى (لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا (19)) فقد ينكح الرجل زوجة أبيه في أنكحة الجاهلية يلاحظ هنا إنه قد يقع هذا دون أن يكون هناك نوع من الميراث  قد يكون طلقها فهذه أعم من الآية الأولى بمعنى أنه قد تكون مطلقة فيتزوجها الإبن

د. الخضيري: أو يموت الأب عنها ثم يأتي الإبن فيتزوجها كما يتزوجها سائر الرجال

د. الطيار: نعم، بأي صورة من الصور أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج زوجة أبيه وهذا من إحترام الأب لأنه الآن حتى لما أنت تتخيل هذا الأمر تستكرهه

د. الشهري: هذا من المحرمات تحريم تأبيدي زوجة الأب إنها تحرم على الولد نعم تحريماً أبدياً .

د. الخضيري: تعالى ننظر إلى قضية التخلّص يا أبا عبد الملك كيف أنه جاء إلى هذا الحكم بعد ما ذكر المقدمة في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) فأشار إلى عادة الجاهلية في إرث النساء بعد موت الآباء يرث الأبناء زوجات أبائهم ثم جاء هنا ليذكر مسألة أخرى وهي نكاح منكوحة الأب أو الزواج على منكوحة الأب وأن هذا أيضاً محرم فخرج من ذاك إلى هذا بهذه الصورة الجميلة.

د. الشهري: لكنه صرّح في هذه الآية بالزواج نفسه فقال (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) ما معنى إلا ما قد سلف يا شيخ؟

د. الخضيري: يعني إلا شيئاً قد مضى في الجاهلية

د. الشهري: وليس معناها إلا ما قد وقع منكم قبل هذا الحكم إفرض إنه قد تزوجها قبل هذه الآية فيبقي على زواجه منها؟

د. الخضيري: لا لا، بل يجب عليه أن ينزع وهذا لأن الله قال (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً) ومثل هذا لا يمكن أن يكون يجوز إستمراره، فاحشة منكرة عقلاً مستقبحة عقلاً وشرعاً. (ومقتاً) قالوا لأنه يورث البغضاء بين الأقارب لأنه من عادة الزوج الثاني أنه يبغض الزوج الأول بسبب أن الزوجة تذكره بما كان من زوجها الأول أو الغيرة التي تحدث بين الأزواج مع الزوجات. (وساء سبيلاً)  أي ساء طريقاً من طرق الإتصال بين الرجال والنساء أو الوصول إلي ما أحل الله عز وجل. فالحقيقة هذه الآية يا إخواني هي أول آية في ذكر المحرمات من النساء، وهي مذكورة طبعاً في الآية التي تأتي بإذن الله عز وجل لكن أول واحدة – (ولا تنكوا ما نكح أباؤكم). طبعاً آباؤكم يقصد بها كل أب لك وإن علا

د. الشهري: الأب وأب الأب

د. الخضيري: أبوك وأبو أبيك وأبو أبي أبيك وأبو أبي أمك وأبو أمك كل هؤلاء من دخل من هؤلاء من عقد من هؤلاء على إمرأة حرمت على كلٍ ابن له وإن نزل. فلننتبه لهذه الكلمة (أباؤكم) يعني أباؤكم وإن علوا وأبناؤكم وإن نزلوا. (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ) طبعاً كلمة (ولا تنكحوا) يقصد بها العقد

د. الشهري: ومن باب أولى ما بعده ..

د. الخضيري: نعم، قصدي يمكن بعض الناس يقول إذا عقد عليها ولكنه لم يدخل بها نقول خلاص حرمت تحريماً مؤبداً بالعقد

د. الطيار: نعم ..

د. الخضيري: والنكاح إذا أطلق في القرآن يا أبا عبد الملك يدل على ماذا؟

د. الطيار: على العقد

د. الخضيري: ولا يستثنى من هذا إلا قول الله عز وجل { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } ( سورة البقرة 230 ) تنكح هنا بمعنى الوطأ الجماع وإختلفوا في قول الله عز وجل { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } ( سورة النور 3 ) هل هو العقد أم الوطأ؟

د. الشهري: يأتي الآن تعديد المحرمات أي المحرمات الآتي يحرم نكاحهن (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ) الحقيقة هذه الآيات فعلاً فيها إشارة إلى

د. الخضيري: دعونا نعدها أولاً حتى يتابع معنا الإخوة: أولاً منكوحة العقد تقدمت، ثم هنا قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ)، هذه كم؟ عشر (وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) إحدى عشر، (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) إثني عشر ، (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) ثلاثة عشر ، (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)  أربعة عشر ثم جاء بعده إلى قوله (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)

د. الشهري: هم خمسة عشر نوعًا حرم الله نكاحهن. هنا في قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} يدخل فيها الأم كما تفضلت الأم وإن علت يعني الأم و وأم الأم وأم أم الأم  وهكذا

د. الخضيري: و أم الأب وأم أب الأب و أم أبي الأم كل من كانت أم لك وإن علت فهي محرمة عليك وبناتكم كذلك بنتك وبنت إبنك وبنت بنتك وبنت إبن إبنك و بنت إبن بنتك كل من كانت بنتًا لك خرجت منك فهي محرمة.

د. الشهري: وأخواتكم

د. الخضيري: كذلك. طبعًا هذا الترتيب مقصود أول شيء بدأ بمنكوحة الأب ثم بدأ بالأم لبشاعته وعظمه كيف تعود إلى أمك فتنكحها بعد أن خرجت منها؟! ثم البنات ثم الأخوات ثم العمات عمتك شقيقة الوالد

د. الشهري: أو أخته لأب أو أخته لأم ..

د. الخضيري: خالاتكم كذلك خالتك الشقيقة أو خالتك لأب أو خالتك لأم . بنات الأخ بنات الأخ الشقيق

د. الشهري: أو الأخ لأب أو الأخ لأم ..

د. الخضيري: البنات بناته وبنات إبنه وبنات بنته و بنات بنت بنته وبنات بنت إبنه

د. الطيار: كل من قالت له يا جد فهو داخل في ذلك

د. الخضيري: وبنات الأخت ، الأخت الشقيقة والأخت لأب و الأخت لأم والبنات مقصود بها أيضاً بناتها وبنات إلي آخره . وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم جاء الآن إلى سبب آخر من أسباب التحريم و هو الرضاع، الأول كان النسب والآن جاء إلى الرضاعة. أمك التي أرضعتك { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ }

د. الشهري: لاحظ هنا أنه وصفعها بأنها أم ..

د. الخضيري: وذكر الرضاع والرضاع طبعاً لا يحل إلا ما كان في حولين وبلغ خمس رضعات {وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} أيضاً نفس العملية {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} أم الزوجة، والزوجة المقصود بها من عقدت عليها أيَّ إمرأة عقدت عليها حرمت عليك أمهاتها من هم أمهاتها؟ أمها وأم أمها وأم أبيها وأم أم أمها وأم أبي أمها وإن علت كل هؤلاء يحرمن بالعقد . {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } الربيبة من هي يا دكتور عبد الرحمن؟

د. الشهري: هي بنت الزوجة من غير الزوج أن يتزوج الرجل إمرأة وعندها بنت من غيره فهذه البنت تحرم على الزوج لا يجوز له أن يتزوجها. لكن لاحظ أنها في الآية هنا فيها قيد غير مقصود {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } أولاً أن تكون تربت في حجرك في بيتك يعني فهل معنى هذه الآية أنه لا يجوز لك أن تتزوج بنت زوجتك التي تربت معك في البيت فيجوز لك أن تتزوج إبنتها التي تربت عند غيرك؟

د. الطيار: الجواب لا  ..

د. الشهري: لا يحل لك أن تتزوج إبنه زوجتك مهما كانت هل تربت عندك في البيت أو تربت عند غيرك ..

د. الطيار: ذكر هذا القيد لماذا؟

د. الشهري: يبدو لأنه قيد الغالب من جهة وأيضاً من جهة أخرى يبدو أنه قيد أخلاقي أنه ينبغي على الرجل أن يكرم زوجته التي يتزوجها إذا كان عندها بنت أن يقيمها مقام ابنته يربيها ويكرمها إكراماً لزوجته وكأن هذا نوع من أنواع حث الأزواج على إكرام بنات زوجاتهم وإقامتها مقام بنته.

د. الخضيري: لو قال قائل أنتم الآن إدعيتم دعوة وهي أنكم تقولون إن الربيبة إذا كانت في غير الحجر فهي مثل الربيبة إذا كانت في حجر الإنسان يعني في بيته والآية قيدت فيها قيد فمن أين لكم أنكم أخرجتم هذا القيد؟ أنا ذكرت في مرة ماضية أقول سبحان الله طبعاً هنا جماهير العلماء سلفاً وخلفاً على ما ذكرتم أن هذا القيد غير معتبر من أين ذلك؟ الحقيقة ما وجدت جواباً إلا عند شيخنا العلامة ابن عثيمين وكان هذا الأمر أشكل علي كثيراً قديماً فالشيخ أجاب عنه بإجابة بسيطة جداً مع إني سألت هذا السؤال بعض طلاب العلم فما عرفوا الجواب إلا أنهم قالوا هذا خرج مخرج الغالب وأن هذا هو الواقع ولذلك لا يعتبر هذا الشرط. قال لأنه لما أراد أن يستثني قال { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ} ولم يقل فإن لم يكن في حجوركم،. لما أهمل هذا دل على أنه إنما جاء وصفاً وبياناً للواقع، دل على أن هذا الشرط غير معتبر لأنه لما جاء إلى قوله { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ } ولم يذكر قوله فإن لم يكن في حجوركم فدل على أن هذا القيد الذي ذكر لا مفهوم له ..

د. الشهري: استنباط جميل!

د. الخضيري: طبعاً هنا لاحظوا حكمة عجيبة جداً وهي قوله {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم) ثم قال (مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} ولم يقل نكحتموهن لو قال نكحتموهن لكانت الربيبة تحرم بمجرد العقد ولكن لما قال – دخلتم بهن – الربيبة لا تحرم إلا بالدخول فلو عقد على أمها ثم طلق الأم قبل أن يدخل بها فالربيبة حلال له يعني التي هي بنت زوجته فهي حلال له . هنا يمكن أن يأتي السؤال يا دكتور مساعد الأم تحرم بمجرد العقد على البنت ، والبنت لا تحرم إلا إذا دخل على أمها فما هي الحكمة في ذلك؟؟ أو لماذا فرق بين الصورتين ؟ يقولون أن الأم ما تغار من إبنتها بينما البنت قد تغار من أمها ..

د. الطيار: عجيب

د. الخضيري: نعم، يعني لو جاء رجل إلى إمرأة خطبها و عقد عليها ثم لما رأى البنت عجبته فطلق الأم و طلب البنت الأم مهما كانت لعظم شفقتها ورحمتها لن يبقى في صدرها على ابنتها شيء.

د. الشهري: لأنها هي التي أخذت الزوج من الأم ..

د. الخضيري: نعم، لكن إعكس المسألة لو أنه عقد على البنت ثم أعجبته الأم فطلق البنت وأراد أن يعقد على الأم البنت في هذه الأحوال قد تغار من أمها تشعر أن أمها قطعت الطريق عليها ولا تملك من الحنان مثل ما تملكه الأم .. الأم قد تفدي إبنتها بنفسها

د. الطيار: جميل

د. الخضيري: نعم، وهذه حكمة عظيمة جداً . قال { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } يا أبا عبد الملك الحلائل من هن ؟؟

د. الطيار: زوجات الأبناء، زوجات الأبناء من أبناء الصلب من أبنائكم أنتم ..

د. الشهري: هل هناك ولد إبن من غير الصلب ( الذين من أصلابكم )؟

د. الخضيري: نعم، هنا قد يقال التبني. والعجيب أن التبني كان أصيلاً في الجاهلية  فالقرآن إستعمل أساليب كثير جداً لنزع هذا التبني حتى إن هذا النزع وصلت آثارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمره الله أن ينكح زوجة متبناه وهو زيد بن حارثة زينب بنت جحش رضيَّ الله تعالى عنها وأرضاها وكان هذا شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الله عز وجل { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} ( سورة الأحزاب 37 ) فجعل إزالة ونزع هذه القضية عادة التبني في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فزالت إلى اليوم ولا يعرف لها أثر بين المسلمين و لله الحمد ..

د. الطيار: سبحان الله ..

د. الشهري: هذا يدلك على أن القدوة ينبغي أن يصبر في مثل هذه المواقف لأنه ينبغي أن يكون هو العبرة ويكون هو المثال وهو النموذج يحتذي، ولذلك فعلاً القدوة تذكرهم في الإمام أحمد رضيَّ الله عنه عندما صبر في محنة خلق القرآن ولم يترخص كما ترخص غيره وفعلاً كان في صبره خير كثير

د. الخضيري: قالوا لا تقية لقدوة

د. الشهري: لذلك القدوة ينبغي أن يتحمل ويصبر على ما لا يصبر عليه غيره من الناس .

د. الخضيري: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} هذه آخر واحدة من المحرمات في هذه الآية معناها يا أبا عبد الملك؟

د. الطيار: يكون الجمع الآن هنا قيد الجمع أن يجمع بين أختين يتزوج أختين في وقت واحد أن يعقد على هذه وهذه أو يعقد على واحدة ثم يدخل الأخرى هذا لا يحل حتى يتخلص من إحداهما

د. الشهري: سواء كان أختين شقيقتين أو أختين لأب أو أختين لأم. ويقاس على الجمع بين الأختين، الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها لأنه ثبت في السنة النهي عن ذلك لأن المفسدة التي تترتب على الجمع بين الأختين هي المفسدة أيضاً على الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لأن المرأة في الغالب أو دائماً تكره ضرّتها فلو كانت أختها فهذه ستصبح قطيعة رحم

د. الخضيري: ستفضي إلى قطيعة رحم والإسلام حريص جداً على أن الأرحام هذه ما يصلها شيء من القطيعة . قال {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يعني إلا ما قد سبق في الجاهلية.

د. الشهري: لكن هل معنى (ما قد سلف) أيضاً كما إنه إذا قد تزوج رجل أختين قبل نزول هذه الآية فهل معنى الآية أنه قد يبقي على ما تزوج؟ لا، ما دامت نزلت هذه الآية ينبغي أن يطلق واحدة منهما

د. الخضيري: مثل أيضاً من كان عنده أكثر من أربع ونزلت آيات التحديد بأربع نساء فإنه أُمر أن يستبقي أربعًا ويفارق سائرهن. قال { إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } طبعاً هذه مناسبة يظهر والله لبعض لما حدث من أنكحة مخالفة  لأمر الله عز وجل في الجاهلية يقول (كان الله غفوراً رحيماً ) إذا أقلعتم وإستقمتم على أمر الله عز وجل. كلمة (كان) يا أبا عبد الملك ما هي دلالتها في هذه الآية ؟

د. الطيار: طبعاً سبق أن نبهنا عليها أنها كان هذه بمعنى كان ولم يزل وأنها للدلالة على تأصل وثبوت إسمها لخبرها لثبوت إسمها لفظ الجلالة لخبرها (كان الله غفوراً رحيماً) وطبعاً يلاحظ أن المغفرة فيها جانب ما يسمى بالتخلية الإزالة والرحمة فيها جانب التحلية. وكما ذكرت أنه هناك بعض الأنكحة التي ذُكرت قد يكون وقع فيها بعض من نزل عليهم الخطاب فأشار الله إلى أن ما سلف لا حرج عليكم فيه وعفى الله عنكم  وأزاله عنكم .

د. الخضيري: ألا تلاحظون يا إخواني إهتمام الإسلام بالأنساب من خلال هذه الآيات؟ وهو أن الإنسان يضبط نسبه من هم أخواله وأعمامه وإخوانه لئلا يقع منه شيء من هذا الأمر المحرّم. حتى الرضاع ينبغي أن يضبط لأنه قد يخطب الإنسان إمرأة و يتبين أنه قد صار أخاً لها في الرضاعة

د. الطيار: والناس يتهاونون في تقيده وضبطه .

د. الشهري: وكم سمعنا مثل هذه الحوادث يتزوج الرجل المرأة يبقى معها ربما حتى ينجب أطفال عشرة ستة سبعة ثم يكتشف أنها أخته من الرضاعة لشهادة إمرأة عابرة فيترتب على ذلك الفراق

د. الخضيري: وهنا نقول الحقيقة قول النبي صلى الله عليه وسلم [ تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ] فالأنساب مذكورة في القرآن الأم والأخت والخالة و بنت الأخت والعمة وغير ذلك وهذا يجعل الإنسان دائماً حريصًا على معرفة هذه الأشياء وضبطها وتوريثها لأبنائه

د. الشهري: لأنه لا يمكن أن تضبط الأرحام إلا بصلتها لأنه إذا أحييت في أبنائك وفي بناتك معرفة أرحامك هذه خالتك هذه عمتك

د. الخضيري: هذه خالة أمك هذه خالة جدتك، والله أنا أزور مع أبنائي خالات والدي، تصور! هي تصير خالة جدهم لاحظ، يقولون من هذه؟ أقول هذه أبي هذه أخت أمه فطبعاً هذه خالة جدهم فيبقى في نفوسهم أن هذا أمر يجب أن يراعى وأن يحفظ

د. الشهري: وسبحان الله هي مسألة مترابطة فالأمر بصلة الرحم يترتب عليه معرفة هذه الأرحام وإتقاء هذه الشبهات.

د. الخضيري: الحديث مع هذه الآيات التي هي من آيات الأحكام حديث ماتع ونحن نوصي إخواننا بأن يتفقهوا فيها نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا ولهم في القرآن العظيم ونستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بُثّت الحلقة بتاريخ 12 رمضان 1431 هـ