برنامج بينات

برنامج بينات – 1431هـ- تأملات في سورة النساء الآيات 34-35

اسلاميات

الحلقة 19

تأملات في سورة النساء ( الآيات 34 – 35)

د: عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلًا وسهلًا بكم في هذه المجالس القرآنية التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها في موازين حسناتنا وحسناتكم أجمعين يوم نلقى الله سبحانه وتعالى. كنا قد وقفنا في اللقاء الماضي عند آية القوامة في سورة النساء وهي قول الله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (34)), وتحدثت مع الشيخ الدكتور محمد والشيخ الدكتور مساعد عن بعض المعاني واللفتات في هذه الآية الكريمة. وقد توسع بنا الحديث عن بعض الوقفات في هذه الآية, ولعلنا نكمل بإذن الله في هذا اللقاء الحديث حول هذه الآية وقبل أن نبدأ نستمع إلى هذه التلاوة:

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35))

د. عبد الرحمن: وبعد أن استمعنا إلى هذه الآيات العظيمة التي تتحدث عن جانب الحياة الزوجية, وجانب إدارة وقوامة الرجل في حياته اليومية, وموقف الإسلام من هذا الموضوع في هذه الآية وفي الآية التي تليها, ولعلنا إن شاء الله في هذه الحلقة نختم الحديث يا إخوان حول هذه الآية لأننا ربما أطلنا في اللقاء الماضي في الحديث حولها وهي جديرة في الحقيقة بأن نفيض ونطيل الحديث حولها لأنه كثر في الآونة الأخيرة الطعن في مبدأ قوامة الرجل على المرأة, وكأنه أمر ابتدعه الرجل, أو أخذه عنوة من المرأة, في حين هو تفضيل من الله سبحانه وتعالى بنص الآية (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ), وكما ذكرتم في الحلقات الماضية أن مبدأ التفضيل هذا تفضيل الرجل أو جنس الرجال على جنس النساء، تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، تفضيل بعض الأماكن على بعض هو أمر اختص الله سبحانه وتعالى به (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (253) البقرة).

وقفنا في اللقاء الماضي عند قوله سبحانه وتعالى (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) وقلنا هذا هو النوع الأول من أنواع النساء حيال هذه القوامة, النساء حيال قوامة الرجل وهذا الحق الذي أعطاه الله إياه نوعان, فالنوع الأول: مستجيبات مذعنات لأمر الله سبحانه وتعالى, والنوع الآخر انحرف عن هذه الاستجابة وعن هذه الطاعة, ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية كيف يتعامل الرجل مع هذا النوع من النساء, نبدأ معك دكتور مساعد حول هذه النقطة: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ)

د. محمد: طرحت سؤالًا دكتور عبد الرحمن قبل نهاية الحلقة الماضية ونريد الإجابة عليه, قلت أن المرأة التي تطيع زوجها تتهم بأنها لا شخصية لها, فأود الإجابة.

د. عبد الرحمن: أعطنا الجواب, بعد إذنك دكتور مساعد.

د. مساعد: لا بأس، لا بأس..

د. محمد: أقول المرأة العاقلة هي التي تستطيع الوصول إلى ما تشتهيه وتطلبه وترغب فيه من زوجها من بوابته, تأتي البيت من بابه, وإتيانها لتحقيق مطالبها من بابه هو أن تلين وتخضع وتذل لزوجها وتطيعه فيكون زوجها أطوع ما يكون وأسرع ما يكون في تحقيق مرادها, وهذا يكاد يكون مضطردًا في الأزواج الذين يجدون من زوجاتهم مسارعة في تحقيق طلباتهم, وإسعادهم في بيوتهم, وتلمّس حاجاتهم, والتحببّ إليهم, كما تسمى المرأة عروبًا،

د. عبد الرحمن: العروب هي المتحببة إلى زوجها

د. محمد: تلك المرأة هي التي تستطيع أن تحصّل ما تشاء من زوجها بحسن تبعُّلها وطيب كلامها ووصولها إلى ما يرغبه زوجها, ولذلك لا يعتبر هذا ضعف شخصية بل يعتبر حُسن سياسة وذكاء في الوصول إلى المراد بالأسلوب المناسب. يمكن للمرأة أن تصل إلى مرادها بطريقين: طريق القوة والعناد, مثلًا: المرأة تقول لزوجها: أريد الذهاب إلى أهلي, الزوج: لا، أنا مشغول وتعبان, الزوجة: أنت ظالمني, فتزنّ عليه وتتكلم وفي النهاية الزوج يضجر ويوصلها إلى بيت أهلها وعندما تصل تخرج من السيارة ونزلت بدون سلام ولا كلام وتزاعلوا وفي الليل تريد المرأة العودة إلى بيتها فيقول الرجل أنا مشغول ويتركها عدة أيام فتتعبه ويتعب معها والسبب هو طريقة الطلب لكن لو أنها قدّمت له وجبة جميلة وتجمّلت له وقالت له إذا لم يكن عندك شغل ولا عندك ارتباط ولا يؤذيك أريد أن أزور أهلي، ماذا تتوقع أن يقول لها؟! يقول لها من عيوني، واحدة غطاء وواحدة فراش. ولذلك نحن نقول بالعكس كون المرأة تتحبب لزوجها, وتلين له وتسمع كلامه وتعاشره المعاشرة الحسنة هذا أقرب الطرق لكونها تسعد في حياتها وتصل إلى مطالبها.

د. مساعد: هذا صحيح.

د. عبد الرحمن: جميل جدًا. إذاً هذا جواب على قولنا أن من يتهم المرأة المطيعة لزوجها أنها ضعيفة الشخصية هذا غير صحيح بل إنها الإنسانة القوية الشخصية فعلًا.

د. مساعد: حديث أم زرع في هذا المقام أيضًا يُنصح النساء بمراجعة هذا الحديث وشروحه,

د. عبد الرحمن: الذي روته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم

د. مساعد: الذي روته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : ” فتذاكرن أزواجهن…..فقال لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك”, حديث رائع, وفيه معاني كثيرة جدًا.(1)

د. عبد الرحمن: هذا الباب الأول. والباب الثاني: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ). النشوز في اللغة هو الارتفاع, ومنه قوله تعالى (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا (259) البقرة).

د. مساعد: (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا  (11) المجادلة), إي غرتفعوا عن المكان.

د. عبد الرحمن: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا نشز أي مكان مرتفع, وهنا معنى جميل فالمرأة لا يكفي أنها تعصي زوجها, وإنما تترفع عليه, وتتعالى عليه وهذا من أشد ما يكون إيلامًا للزوج احتقارًا له, أو تمردًا عليه. قال (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) والسؤال هنا هل مجرد أنك تخاف النشوز أو أنها تنشز فعلًا فتبدأ في اتباع هذه التوجيهات؟

د. مساعد: كما سبق في أننا ذكرنا أن الخوف يأتي بمعنى العلم وسبق في هذه السورة, (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي تعلمون نشوزهن بمعنى أن النشوز قد وقع فهذا احتمال, والاحتمال الثاني بوادر النشوز, لكن التيقن منه أو وقوعه هو الذي يأتي عليه هذا الترتيب (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ), فهذا الأقرب أن يكون النشوز قد حدث ووقع. قال: “فعظوهن” أي واللاتي تخافون نشوزهن, أي علوهن وارتفاعهن عليكم, وعدم استجابتهن لكم فعظوهن، فهذا هو الأمر الأول. ولاحظ أن التربية كيف تبدأ بالأقل فالأغلظ, والوعظ كما هو معلوم أن يذكّرها بالله سبحانه وتعالى, ويذكّرها بمنزلة الزوج, وأن طاعة الزوجة عبادة, ويذكّرها بأن المرأة التي تعصي زوجها وتبات وزوجها غضبان عليها تلعنها الملائكة حتى تصبح, يذكرها بهذه الأمور الشرعية فإذا هي رجعت فلا يتعدى إلى ما بعد ذلك, ولذا قال (فعظوهن) فهذه هي المرحلة الأولى.

د. محمد: في قوله “فعظوهن” كما أسلف الدكتور مساعد يعني يأتي بالكلام الذي يرقق قلبها ويعيدها إلى جادة الصواب, مثال ذلك التذكير بالجنة بالنار بالأحاديث الدالّة على وجوب طاعتها لزوجها وإذعانها وقبولها لأمر الله عز وجل, ويذكّرها بنعمة الله عليها, أُنظري إلى فلانة وفلانة وفلانة قاعدات في بيوتهن بلا أزواج يتمنين أن يكنّ ذوات أسر وعندهن بيوت وأولاد فاحمدي الله على ما أنت فيه من نعمة وإياك أن تكوني مثل فلانة التي كانت في بيت وزوج فعصت وتمردت على زوجها فآل أمرها إلى ما آلت إليه. فالمقصود أن وسائل الوعظ كثيرة جدًا ولذلك أنا أقول قد يكون الزوج لا يحسن هذا فلا يلزمه أن يقوم بهذا الأمر بنفسه لأنه لا يحسنه, بل يأتي بكتب أو أشرطة والحمد لله كثرت هذه الأشرطة أو يسمعها برنامجًا معيناً أو يرسل لها رسالة نصية بالجوال, يطلب من إمام المسجد مثلًا أن يكتب له خمسة أو ستة أسطر يعظ به زوجته أو يكِل هذا الأمر إلى رجل من أهل العلم يكلمها عبر العاتف أو يأتي لزيارتهم, ولو كان الوعظ بشكل غير مباشر لكان أجدى, لأن الوعظ المباشر قد يحمل الإنسان أحيانًا على العناد خصوصًا إذا خفّت التقوى. يقول لي أحدهم أنه إذا أراد أن يعظ امرأته جعل أحد أصدقائه يتصل عليه بالجوال وهو في السيارة مع امرأته, فكأنه يحكي له ما فعلت به زوجته, وهذا يرشده إلى الحل فيقول له المفروض أن تفعل كذا واتق الله في هذا الأمر فيتحدث مع صاحبه على أنهم يحلون مشكلة ذلك الرجل, ويقول: إياك أعني واسمعي يا جارة!. فيقول: جربت هذا في عدد من المواطن مع امرأتي فوجدته ناجحًا, وبعد الانتهاء من المكالمة أجد أن امرأتي قد سمعت الكلام بتفاضيله من دون أن أجرحها بكلمة أو أن أتجشم عناء فتح الموضوع معها.

د. مساعد: كشفتم الأسرار للنساء, فالنساء سيعلمن أنهن المقصودات في أي نصيحة.

د. محمد: أبدًا، لا يضر ذلك.

د. عبد الرحمن: بالعكس، هذا من استخدام الحيلة في موضعها, أولًا هو فيه مراعاة لمشاعر الزوجة, لأن الحقيقة الوعظ المباشر أحيانًا يكون قاسي, وبعض الأزواج لا يوفق في نصح زوجته, ولا في نصح غيرها, فمن المفترض أن يستخدم مثل هذه الأساليب غير المباشرة, ويستفيد من خبرات الآخرين, ويستعين بالأشرطة, والاستعانة بالأصدقاء, هذه الحقيقة طريقة مفيدة في الوعظ, لأن البعض يفهم من الوعظ هنا (فعظوهن) أي الوعظ المباشر, فيقول لها الحديث في صحيح البخاري: ” إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح”, ويجلس يهددها بهذا الحديث، هذا أسلوب غير مقبول!.

د. محمد: أو إذا أراد أن يذكرها بالنعمة يقول لها: لو كنت في بيت أهلك لكنت في فقر شديد وانظري إلى أختك وأنا الذي رفعت من شأنكم، ولولا الله ثم أنا لما كان شأنك وأهلك هكذا, يهيّج المرأة ويمنّ عليها بما أعطاها وبما حصل لها منه, فهذا لا يليق.

د. عبد الرحمن: هذا ليس وعظًا إنما هي شتيمة وتعيير!.

د. محمد: ولذلك نقول لئلا يعود الوعظ بنقيض قصده ينبغي أن يكون الإنسان ذا حكمة في استخدام هذا الأسلوب الرباني, فإن كنت تعرف فالحمد لله, وإن كنت لا تعرف ولا تُحسِن فأعط الأمر لمن يحسنه.

د. عبد الرحمن: قبل أن ننتقل عن الموعظة في نفس السورة، الله سبحانه وتعالى ذكر فوائد الاستجابة للموعظة, حتى تعرف الزوجة فائدة الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى, لأنك أحيانًا عندما ينصحك شخص ثم تستجيب لنصيحته يُفسر ذلك بشكل أو بآخر على أنه ضعف في شخصيتك, واستجابة لإملاءات الآخرين وهذا غير صحيح, الله سبحانه وتعالى يقول: “فعظوهن”, استجابة المرأة للموعظة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها فيها خمس فوائد ذكرها الله سبحانه وتعالى في السورة نفسها (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68)), فماذا تريد أكثر من ذلك؟

د.محمد: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69))

د. عبد الرحمن: فهذه فائدة الاستجابة للموعظة, نحن نأمر الزوج ونشير عليه بأن يحسن عرض الموعظة, لكن لنفرض أن الزوج كان أحمقًا غير بصير بعرض الموعظة فنحن نخاطب الزوجة أن تكون أعقل منه, وأن تتقبل النصيحة على مرارتها, لكي تظفر بهذه النتائج التي ذكرها الله للموعظة.

د. محمد: لكن هناك أسلوب يحسنه كل أحد في الموعظة وهو أسلوب القصة, لما يجلس الزوج مع زوجته وهو يعلم أن عندها مشكلة في هذا الجاني نشوز أو ترفع فيستفيد من قصة حصلت مع أحد من جماعته فيقص هذه القصة، فلان كنا جالسن البارحة وقال حصل كذا وكذا, فالقصة بذاتها تؤثر بدون أن تضيف لها أي إضافة, خصوصًا إذا كان عند المرأة شيء من التعقل ستعرف أنها قد يؤول أمرها .

د. عبد الرحمن: هذا بما يتعلق بالمرتبة الأولى من مراتب إصلاح الزوجة الناشز, أولًا تلاحظون أنه بدأ بإصلاح الموضوع من الداخل. في الخلافات الزوجية إذا وقع الخلاف بين الزوج وزوجته فالأوْلى أن لا يخرج الموضوع عنهما, فلا يتدخل فيه لا والد الزوجة, ولا أم الزوجة ولا والدة الزوج ولا أخت الزوج, بينك وبين الزوجة وهي “فعظوهنّ” هذه المرحلة الأولى مما يدلك على أن الحياة الزوجية لها كما ذكرنا في الحلقة الماضية حصن يجمعك أنت وهذه الزوجة, المفترض أن تحافظ عليه, وعلى سريته وعلى صيانته, لأنه غالبًا عندما تستعين بشخص ليصلح بينك وبين زوجتك فأنت تضعف وتنزل مرتبة في عين هذا المصلح, لأنه سيعرف أنك وزوجتك لستم بأكفاء وعندكم مشاكل

د. محمد: وسينظر إلى المشكلة من زاوية ما أُملي عليه، مثلًا يقول طلبت منها كذا ولم تفعله والقصة ليست هنا وإنما طويلة جداً ولها ذيول ولم يُحكى لك كل شيء وإنما حكي لك حدث معين مجرد يراد منك أن تصلح بناء على هذا الفهم وهذا لا يمكن أن يُصلح. هناك قصة تتعلق بموضوع سرّية الحياة الزوجية رجل حصل بينه وبين زوجته خلاف, غضبت الزوجة وهربت إلى بيت أهلها فسأل الأب وكان حكيمًا هل جاءت زائرة؟ قالوا لا، بينها وبين زوجها خلاف, فاستدعى الأب الزوج فجاء، فلما جاء وكان الإخوة قد علموا بالموضوع لأن الزوجة ما صبرت فحكت لهم ما حصل من زوجها, وكان هذا هو نقطة الإشكال في الموضوع كيف تتحدث الزوجة عما يحدث بينها وبين زوجها أمام هؤلاء الذين لا يدرون ما هي ملابسات هذا الحدث ولا مقدماته ولا مسبباته؟! فلما اجتمعوا قال الأب في اختبار صعب جدًا لم يتوقعه أحد من الجالسين قال للبنت وكان زوجها موجودًا وإخوتها فكانوا منتفخين غضبًا يريدون أن ينتصروا لأختهم, المهم قال الأب لابنته الشاكية يا فلانة إخلعي عباءتك هذه, فخلعت عباءتها التي كانت عليها فقال لها الأب: إخلعي ثوبك الذي عليك  الجميع استنكر، كيف تخلع ثوبها؟! فلما رآها مترددة صرخ في وجهها قال لها أقول لك إخلعي ثوبك! الناس بين مصدِّق ومكذِّب، وطبعًا من العادة خصوصًا في النساء تلبس ثوبًا فوق ثوب, ومن خوفها من أبيها وهيبة الموقف خلعت ثوبها, وهنا حصل أن بدى منها مما لا تحب أن يراه أحد إلا الزوج مثل الذراعين وغير ذلك من الأمور التي تحب أن تسترها عن أعينهم، فلما فعلت ذلك لاذت بالفرار خلف زوجها ليسترها, فقال الأب لأولاده: أرأيتم أختكم أين ذهبت؟ ذهبت خلف زوجها, حلّ الموضوع عند زوجها، ثم أمر الحميع بالانصراف, ثم قال للزوج: هذه ابنتنا وهي ضعيفة وقد وكلنا أمرها إليك, فلا يليق بك أن تفعل معها إلا الجميل, احتملها واستر عليها, ولا تخرج مشاكلكم من بيتكما, فأخذ الرجل بيد زوجته وعادا إلى بيتهما راشدين, ولم يعودوا بمشكلة بعد ذلك اليوم!.

د. عبد الرحمن: جميل جدًا! وكثير من الزوجات أنبه إلى هذا تخطئ خطأ فاحشاً عندما تنقل كل المشاكل الخاصة لأنها مباشرة، فبعض الزوجات بينها وبين أمها خط ساخن مباشر أربع وعشرون ساعة, تخبرها بكل ما يحدث مما هو خاص بينها وبين زوجها, قال لي، لم يقل، فعل، ما فعل، والأم من منطلق حرصها على ابنتها تؤجج النار وهي لا تدري, فتفسد حياة ابنتها, فكم من حياة زوجية ليس فيها مشاكل تدخلت أم الزوجة, أو أخت الزوجة, فتفسد حياة زوجية من أهنأ ما يكون بسبب خروج المشاكل عن الزوجين.

د. محمد: أنا بفضل الله عز وجل إستنصحني عدد كبير من الشباب قبل زواجهم يقولون انصحنا بما ترى أنه يصلحنا في زواجنا، فنصحتهم بأمور كثيرة تقوى الله وغير ذلك, ثم نصحتهم بأن يعاهد زوجته من أول زواجكما بأن تكون مشاكلهما بينهما, فإن تدخّل أي أطراف أخرى في المشاكل المعهودة المعروفة التي لا يخلو منها بيت, حتى بيت النبوة ما خلا منها, ينبغي أن تحلوها أنتم بأنفسكم، يا زوجتي خلافاتنا ما تصل إلى أمك ولا إلى أبيك ولا إخوتك ولا أخواتك ولك عليّ أن لا أوصل شيئًا مما أراه منك أو مما يقع بيننا لا لأمي ولا لأبي ولا لأخواني ولا إخواتي وبهذا تنسجم الحياة, وكثير منهم قالوا أن هذه النصيحة عادت عليهم بالخير الكثير.

د. عبد الرحمن: طبعًا أنت قضيت بذلك على 60% من الإشكالات, وهذا كله يدخل تحت قوله تعالى “فعظوهن”, نريد أن نفصّل في معنى الوعظ, لأنها ليست مجرد كلمة تقول أنا وعظتها, بعضهم يلقي كلمة الوعظ والعصا في يده من أجل مراعاة الترتيب!.

د. محمد: كأنه يستحلّ بالموعظة الضرب,

د. عبد الرحمن: بالمناسبة الموعظة تحتاج إلى وقت

د. محمد: فالموعظة ليست تعليمًا فهي ليست معلومات, المعلومات تكون للجاهل, أما الموعظة فهي التذكير,

د. مساعد: لأن أصل العلم موجود

د. محمد: العلم موجود، المرأة تعرف هذه الأمور كلها والرجل أيضًا يعرفها, فالمقصود إعادة الذكرى للإنسان, لأن الإنسان من طبعه أن ينسى ويغفل فالزوج يقوم بهذه الذكرى (فعظوهنّ).

د. عبد الرحمن: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) ما المقصود بالهجر يا شيخ مساعد؟

د. مساعد: لاحظ أنه خصص الهجر بالمضاجع, أي قيّده به.

د.عبد الرحمن: يعني ليس المقصود واهجروهن مطلقًا.

د.مساعد: معم وإنما الهجر في المضاجع، لذا قال ابن عباس رضي الله عنه: أي يجامعها ولا يكلمها فذلك أقسى ما يكون على المرأة, وهذا أحد أنواع الهجر.

د.عبد الرحمن: أو أن يستدبرها بظهره في فراشه,

د. عبد الرحمن: أي يبيت معها في فراش واحد ولكن لا يكلمها.

د.محمد: وقد يضطر إلى أن لا يبيت معها في فراشها ولا في حجرتها, ففمنهم من يرى أن هذا مما يحق للرجل, على أن لا يتجاوز بذلك ثلاثة أيام. ويقولون هذا من أشد ما يكون على المرأة وأقساه

د.عبد الرحمن: والسبب؟

د.محمد: لأن المرأة ما تتحمل هذا سبحان الله! المرأة ملاذها وحصنها هو الرجل, فإذا رأت أن هذا الحصن صدّ عنها شعرت بالخطر, هذا إذا كان لها عقل, ولم يكن الشيطان قد ركبها ولا صويحبات السوء قد أججن نار الحقد في قلبها. فإن هذا يؤذيها ويردها إلى جادة الطاعة ولكن لا ينبغي للإنسان أن يستعمل أسلوب الهجر القاسي بترك البيت أو بترك الحجرة, إلا عندما يضطر لذلك الأصل كما قال الدكتور مساعد.

د.عبد الرحمن: جميل جدًا, إذا هذه المرحلة الثانية (واهجروهن في المضاجع), والمقصود بهذه المعاني هو تأديبها في المضجع بهجرانها وإبداء شيء من الصدود عنها, لعلها تلين وتعود. ثم ذكر الحل الأخير “آخر الدواء الكيّ” كما يقولون قال (واضربوهنّ).

د. مساعد: من الذي أمر بالضرب؟!

د. عبد الرحمن: الله سبحانه وتعالى.

د. مساعد: نعم، هذه قضية مهمة جدًا, أنا أذكر أول سنة درّست في كلية المعلمين, كنا ندرّس من معهم بكالوريوس, ففي أحد الدروس درس التلاوة كنا نقرأ هذه الآية, فلما جئنا عند “واضربوهن”, قال أحد الطلاب وكان كبيرًا في السن: والله ما أرفع يدي على زوجتي, قلت له: هذا أمر إلهي إذا أنت لم تعمل به هذه قضيتك أنت! قال: لا يمكن, قلت: يا أخي فرّق بين أمرين: أولًا إعرف ما معنى الضرب, ثم كونه أمر إلهي يجب علينا الالتزام به, لا يلزم تنفيذه لكني لست أنا من أمرت بهذا ولا من غيري, إنما هو من أمر الله ، الله سبحانه وتعالى يقول: (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ), إذا كانت زوجتك يكفيها الوعظ فالحمد لله وإذا ما كفى انتقلت إلى الهجر, فإن لم يكفها انتقلت إلى الضرب وإنما ضرب غير مبرِّح, بل ضرب فيه إشارة إلى عدم رضا الزوج عن زوجته وليس كما يفعل بعض الناس.

د. محمد: أما بالسياط والكسر وشق الجلد والجرح فلا يجوز!.

د. مساعد: وكأنه محمد علي كلاي! والشيطان سبحان الله في مثل هذا يحضر, تجد المسكينة تبكي وهو يزيد في إيلامها.

د. محمد: كأنه يفرِّغ شحنات الحقد, والسؤال هنا: هل هذا واجب على الزوج أم أن المقصود به تخييره؟ أنا أظن والله أعلم أن هذا مباح للزوج أن يفعله فإن تركه فالأمر له, بمعنى أنه يقال له عظها, فإن انتفعت وإلا فاهجرها في المضجع, فإن ضربتها فذلك من حقك, وإن لم تضربها وصبرت على نشوزها فهذا من كمال خلقك, ولذلك النبي صلى اله عليه وسلم لما ذكر الذين يضربون أهليهم قال:” ليسوا بخياركم” , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يده على جارية ولا امرأة من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام.

د. عبد الرحمن: هناك مسألة دائما نقرأها في هذا الموضوع, بأن الضرب يكون بطرف الرداء أو الثوب, أو تضرب بعود آراك, وأنا في تصوري أنها ما دامت أنها استعصت على الوعظ والهجر فلن ينفعها هذا النوع من الضرب الخفيف!.

د. مساعد: المراد أن فيه نوعًا من الإهانة.

د. عبد الرحمن: في نفس الوقت يحرم الضرب العنيف كشق الجلد وكسر العظم, لكن أعتقد أن التوسط في هذا هو المطلوب, بأن تمسّ المرأة بضرب خفيف لكن يكون ضربًا موجعًا حتى يؤدبها وحتى تستقيم.

د. مساعد: لا, ضربًا غير موجع.

د. محمد: التأديب بالضرب يكاد يطبق التربويون الذين يتسنمون ذروة هذا العلم وتدريسه على أن الضرب أمر لا يليق بالبشر, نقول: هذا مخالف لشرع الله, ولا يجوز أن ننساق وراء مثل هذه الدعوة, لأن الذي خلقنا أعلم بنا

د. مساعد: أحسنت.

د. محمد: وإذا كان هذه الآية فيها إشكال في فهمها فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر”, الضرب بحد ذاته نحن عندنا له صفة شرعية, والعلماء مطبقون على هذه الصفة لا يختلفون فيها, وهو أن يكون ضربًا غير مبرِّح, لا يراد به تفريغ شحنات الحقد, ولا يراد به الإيجاع وإنما يراد به التعبير عن عدم الرضا بما يفعله ذلك الشخص من ترك للصلاة إذا كان طفلاً أو هذا المرأة من نشوزها عن زوجها, وإذا كان الله قد حكم بذلك فلا يجوز أن نتكلم في حكم الله, ولو لم تستسغه عقولنا, ولو لم يرضه غيرهم أو أعداؤنا, ولو خشوا بأن يكون ذلك عيبًا عليهم, نقول اتقوا الله, إن كنتم تستحون من هؤلاء, ألا تستحيون من الله عزّ وجل أن تردوا عليه أمره, ألا تستحيون من النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن تقولوا الضرب لا يليق بالبشر, لا، يليق لكن الضرب المشروع.

د. عبد الرحمن: وأيضًا كون أن الله جعله آخر الخيارات فيه دلالات, الدلالة الأولى أن المرأة التي تضطر زوجها للوصول إلى هذه المرحلة لا تنفع فيها الموعظة ولا ينفع فيها الهجر, فالحقيقة أنها تستحق أن ينتقل بها إلى هذه المرحلة, لأن الغالب على المرأة أنها حساسة تؤثر فيها الكلمة والموعظة, والهجر أيضًا يؤثر فيها, فإن كانت المرأة لم تتأثر بالموعظة ولم تتأثر بالهجر فيبدو أنها تستحق المرحلة الثالثة تحتاج إلى التأديب, والهدف في النهاية هو استصلاحها لزوجها. ونحن قد قلنا في بداية السورة أن السبب في تسميتها سورة النساء قضية الإنصاف والاستصلاح للمرأة. ومن إصلاحها هذا التقويم.

د. محمد: لاحظ أبا عبد الله أن الطبيب عندما يريد العلاج إذا رأى في طرفه إصبع المريض مثلًا سرطان أو نحوه فإنه أو ما يبدأ العلاج بالأدوية, فإن استجاب الجسد وبدأ المرض يذهب وإذا لم يستجب تجده اضطر للقطع, ولا يمكن لأحد أن يقول للطبيب بأنه طبيب قاسي القلب أو إنسان ما عنده قلب! لا، لأن هذا مرض ولابد للطبيب أن يتصرف وهذا التصرف مع شدته كوته صعبا على النفوس, إلا أنه في النهاية لابد منه لقطع دابر الفساد.

د عبد الرحمن: جميل, أيضًا لاحظوا يا إخوان أن المقصود من هذه المراحل كلها إصلاح الزوجة والمحافظة على الأسرة, وإلا فإن أسهل حلّ للزوج إذا لم تعجبه زوجته طلقها, هذا أسهل حل, ولكن هذا أشد ما يكون على الزوجة, والإسلام عندما جعل الزواج حصنًا حصينًا ولتكوين الأسرة لا يريد أن يهدمه لمجرد الاختلاف في وجهات النظر, كما يحصل الآن حيث تنتهي الحياة الزوجية ويختلفون لأسباب تافهة, فلم يبق للحياة الزوجية تلك المكانة وتلك المتانة.

د. محمد: لكن لاحظ أبا عبد الله أن إصلاح الزوجة الناشزة أربع طرق: الوعظ, الهجر, الضرب, الطلاق, لكن الطلاق لم يذكره الله عز وجل في الآية لأنه بغيض لله, وإلا فالله قال (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ (130)), فذكر الطلاق.

د عبد الرحمن: في قوله هنا (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا), نريد أن نتحدث عن هذه أن الله سبحانه وتعالى أشار بالفاء ” فإن ” إلى أن بمجرد عودة المرأة إلى الطريق الصحيح.

د محمد: أي لا يحل لكم حينها أن تبغوا عليهن سبيلًا, قف أيها الزوج!. والعجيب أن قوله ” سبيلًا ” يشمل حتى الكلمة التي فيها تذكير بتلك المشكلة، ليس لك حقّ في أن تؤلمها حتى بتذكيرها بأخطائها, (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) والمعنى: لا طريق لك عليها ولا على ماضيها الذي مرّ بها.

د.عبد الرحمن: ولا يلتفت منكم أحد، تطوي هذه الصفحة!

د مساعد: لاحظ: (فإن أطعنكم) ترجع إلى كل حدث. والمعنى: فعظوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، فعظوهن واهجروهن في المضاجع فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا.

د عبد الرحمن: إذاً معناه أن الحد الذي ينبغي أن تتوقف عنده عندما تطيعك وترجع عما كانت عليه, ثم يتوقف الأمر. وفي هذا إشارة إلى أنه ليس المقصود من وراء هذا أن تذلها وأن تعود ذليلة صاغرة وإنما إذا لمست منها أنها ندمت, تخيّل واحد يضرب زوجته حتى تعود راغمة إلى ما كان يأمرها به وتتأبى عليه وفي نفسه الزوج الشعور بالنشوة والانتصار فذكّره الله بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا), أي إن كنت ترى نفسك وأن أنت متعالي على زوجتك فإن هناك من هو أقوى منك وأقدر عليك من قدرتك على هذه الزوجة المسكينة

د. مساعد: هذا من اختيار الأسماء المناسبة للحدث.

د. محمد: ومناسب أيضًا لقضية ” واضربوهن ” أي إذا ضربتم فإياكم أن تظلموا, فإن إحساسكم بأنكم أعلى منهن وأقدر لا يعني ذلك أن أبدًا الأمر مفتوح فاعلموا أن الله أعلى وأقدر منكم.

د. مساعد: وسبق أن ذكرنا مرارًا أن على تالي القرآن أن يتأمل مثل هذه الفواصل, فيتأمل (عليا كبيرا) ويتأمل الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج الذين يبغون, فذكّرهم تعالى بقوله: (فلا تبغوا عليهن سبيلا), وذكرهم بقوله (إن الله كان عليا كبيرا).

د. عبد الرحمن: بقي معنا دقيقتان ونريد نتحدث فيها عن الآية التي بعدها.

د. مساعد: كان عندي ملاحظة, في قوله (سبيلا) في الوقف عليها عندك (قلي) أو (ج)؟

د. عبد الرحمن: (قلي).

د. مساعد: وأنا عندي نفسها, ومعنى ذلك أنهم اختاروا الاستئناف, أي: فلا تبغوا عليهن سبيلا لأن الله كان عليًا كبيرًا, هذا موجِب الوصل.

د. عبد الرحمن: تلاحظون الآية التي كنا نتحدث عنها هنا كانت المسألة كلها مقتصرة على بيت الزوج يعني الموعظة والهجر والضرب كلها لم تُرفَع إلى الجهات المختصة، أما الآن (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)), لمن الخطاب في الآية؟

د. مساعد: الأولياء،.

د. محمد: المقصود من يلي أمر المسلمين من حاكم أو قاضي ونحوه, يتولى أن يختار رجلًا من أهل الزوج, ورجلًا من أهل الزوجة.

د عبد الرحمن: كأن القضية رفعت للقاضي؟

د محمد: نعم,

د. مساعد: أولياء الزوجين من آبائهم وإخوانهم ، العقلاء

د. محمد: الغالب طبعًا أن الناس يترافعون للمحاكم في هذه القضايا والقاضي يختار من يبعث من هؤلاء من هؤلاء, ولكن ما سبب كون الأمر يحتاج إلى الوالي أو القاضي ليترتب على ذلك لوازمه من تنفيذ الحكم, سواء حكموا بالطلاق أو الوفاق فقال (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) قيل يريد هذان الحكمان, وقيل إن يريد الزوجان, ولا مانع من إرادة الأمرين, يريد الزوجان إصلاحاً ويريد الحكمان إصلاحًا يوفق الله بينهما، بين الزوجين. ولعل المعنى أعم من كونه يُجمع بينهما, وإنما يوفق الله بأن يرشدهما إلى الصواب لحل هذه الإشكالية التي وقعت بين الزوجين إما أن يجمع وإما أن يفرق.

د. عبد الرحمن: في أقل من نصف دقيقة لماذا ختمت الآية بقوله (إن الله كان عليمًا خبيرًا)؟

د. محمد: لما ذكر الشقاق وكيفية حلّه بهذا الأسلوب ذكّر بأنه هو العالِم بكل شيء, وأن هذا الأسلوب هو الذي يحل الإشكال بإذن الله عز وجل, فذكّر بعلمه وأنه لا أعلم منه جل وعلا, ثم ذكّر بخبرته, والخبرة هي العلم بدقائق الأمور, لما كان هذا أمرًا دقيقًا يتصل بأمر الزوجين في قضية خاصة قال (خبيرا), والله أعلم.

د. عبد الرحمن: نسأل الله أن ينفعنا وإياكم والإخوة المشاهدين بما قلنا وسمعنا في هذا اللقاء. أيها الإخوة انتهى وقت هذا اللقاء, لعلنا نلقاكم إن شاء الله وأنتم على خير في اللقاء القادم, نستودعكم الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1]الحديث: عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا قَالَتِ الأُولَى زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى ، وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ قَالَتِ الثَّانِيَةُ زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ قَالَتِ الرَّابِعَةُ زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لاَ حَرٌّ ، وَلاَ قُرٌّ ، وَلاَ مَخَافَةَ ، وَلاَ سَآمَةَ قَالَتِ الْخَامِسَةُ زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ قَالَتِ السَّادِسَةُ زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ ، وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ قَالَتِ السَّابِعَةُ زَوْجِي غَيَايَاءُ ، أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ ، أَوْ فَلَّكِ ، أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ قَالَتِ الثَّامِنَةُ زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ قَالَتِ التَّاسِعَةُ زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ قَالَتِ الْعَاشِرَةُ زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ فَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا ، وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا قَالَتْ خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيٍّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا وَقَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ.

أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب بدء الوحي, باب حسن المعاشرة مع الأهل, حديث رقم 5189

بُثّت الحلقة بتاريخ 19 رمضان 1431 هـ