برنامج بينات

بينات 1432 – تأملات في سورة النساء – الحلقة 18

الحلقة 18 – تأملات في سورة النساء – الآيات (100 – 101)

رابط الحلقة

http://www.youtube.com/watch?v=fc68OHIhog4&feature=player_embedded

(وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١٠٠﴾ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴿١٠١﴾)

د. الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. ما زلنا نتحدث في سورة النساء وقد وصلنا فيها الى قول الله عز وجل (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿١٠٠﴾) هذه الآية بلا شك مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما قبلها وهي الآيات التي ورد فيها ذمُّ أولئك الذين تأخروا عن الهجرة وقد قال الله في حقّهم (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٩٧﴾) ثم عذر الله أقواماً لعُذرهم (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴿٩٨﴾ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿٩٩﴾). بعدما ذكر ذلك العتاب وذلك العذر بيّن أنه سبحانه وتعالى قد وعد كل من هاجر بأن يوسّع الله عليه وان يفتح له أبواب المراغمة وأبواب السعة حتى يجد ما لم يكن يتصوره أو يتوقعه. نعيش في هذه الحلقة مع هذه الآية وما يليها ونبدأ بالدكتور مساعد ماذا عندك في هذه الآية؟

د. مساعد: هذه الآية هي معطوفة على آية الذين تتوفاهم الملائكة وهي تُشعِر بتلك النفسية نفسية القاعد عن الهجرة في ذلك الوقت وكأنه من أسباب قعوده ظنّه السيئ في أنه إن خرج من موطنه فإنه لن يجد سعة لأنه تصور الأسوأ والآيات في هذا (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) إن كنتم خائفين على الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى سيفتح لكم هذه الدنيا فكأن فيها هذه الإشارة وكأنها تشير الى هذه النفسية القاعدة المتكاسلة عن الهجرة الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا ربطها في قوله (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولم يقل “من يهاجر يجد في الأرض مراغماً كثيرا وسعة” هنا

د. الخضيري: لا بد أن يكون القيد (في سبيل الله)

د. مساعد: مع أنها قد تكون معلومة من السياق لكن إبراز هذا أنه أخلص نيته في سبيل كما أبرظنا هذا في حلقة سابقة عن صهيب الرومي رضي الله عنه مع أنه كان من أغنياء الصحابة في مكة وكان أيضاً عبداً حتى يسمى بصهيب الرومي يُنسب إلى الروم إشارة إلى أنه كان عبداً ولكن مع ذلك أغناه الله سبحنانه وتعالى فترك كل ماله في سبيل الله فوسّع الله سبحانه وتعالى عليه، وكذلك غيره من الصحابة الذين أعطاهم الله قدره في التجارة والتكسّب مثل عبدالرحمن بن عوف وغيره م من الصحابة. فالمقصود بالتنبيه على (في سبيل الله) هذا القيد بالذات هو التنبيه على أن يكون الخروج محضاً لله سبحانه وتعالى ومن فعل هذا سيجد مراغماً في الأرض وسعة

د. الخضيري: أيضاً في قضية (في سبيل الله) يا أبا عبد الملك معنى آخر فضلاً عن النية والقصد أيضاً أن يكون في سبيل الله أي مشروعاً، خروجاً مشروعاً يعني موافقاً لشرع الله فكلمة (سبيل الله)

د. الشهري: يدخل تحتها كل هذه المعاني

د. الخضيري: معنى القصد أن يكون نيته وجه الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة وأيضاً أن يكون موافقاً لشرع الله عز وجل في سبيله ليس خارجاً عنه

د. الشهري: هذه الآية فيها معنى جميل جداً نريد أن نلفت نظر الإخوة المشاهدين إليه وهو أن القرآن الكريم والاسلام جاء يفتح باب الأمل واسعاً أمام المسلم وأن الاسلام هو فتح لباب الأمل بكل معانيه: الأمل في رحمة الله سبحانه وتعالى والأمل في الدنيا سعة الرزق وفي مراغمة الأعداء وفي كيدهم وفي كبتهم.

المعنى الأول وهو الحسّي الذي ذكرتموه الهجرة في سبيل الله مضيّق عليك لا تستطيع أن تقيم دينك ولا تقيم شعائر هذا الدين فتخرج من هذا الضيق فيقول الله سبحانه وتعالى (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) والمراغم الكثير هو الأمر الذي ترغم به أعداء الله سبحانه وتعالى فأنت تخرج فتقيم دينك، إقامتك لدينك مراغمة لهم، ولذلك لاحظوا في قول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ (120)) لذلك أعجبتني – لا أذكر – في مقدمة الرافعي أو الشيخ محمد الخضر حسين يكتب في احدى مقدماته أو في مقالاته مقالة يرد بها على بعض الذين يثيرون الشبهات حول القرآن فقال: وأرجو أن يكون ما كتبته في هذا موطئا أطأ به موطئاً يغيظ أعداء الله. الفكره فكرة التوسيع والفكرة فكرة فتح باب الأمل قد يظن الذي يهاجر دائماً أنه سيتعرض للفقر ويتعرض للحاجة ويتعرض للغربة والله سبحانه وهو العليم بما كان وما لم يكن وما سيكون يقول لا، إذا هاجرت في سبيل الله فأبشر بالسعة وأبشر بالخير ووأبشر بالفضل

أيضا نقطة أخرى وهي الهجرة المعنوية الآن بعض الناس وهو غير مستقيم على أوامر الله وبعض الناس يظن أن الالتزام بأوامر الله والالتزام بهذا الدين وشعائر السنة وتتبع سنن النبي صلى الله عليه وسلم والالتزام بها هو تضييق على النفس في حين أنها بخلاف ذلك فإن الالتزام بسنة النبي هو السعة الحقيقية وأن تتبع الشهوات هو الضيق. تعال عند من يشرب المسكرات مثلاً ويرى أنه بهذا وسّع على نفسه وعلى صدره يفرفش هو يظن ذلك هو في الحقيقة يعيش في ضيق لا يعلمه الا الله وأن السعة الحقيقية والسعادة الحقيقية هي في الاستجابة لأمر الله وترك المحرمات وهذا فتح لباب الأمل وهو هجرة في الحقيقة هجرة من المعصية الى الطاعة بكل معانيها

د. الخضيري: مما يضاف أن كل من أُغلق عليه باب من أبواب الخير بسبب منه أو بسبب من غيره كسلطان قاهر يجب عليه أن يعلم أن الأسباب التي يعبد الله من خلالها أو يراغم بها أعداء الله أو يقدم فيها خدمة للدين أنها كثيرة جداً

د. الشهري: وأنها أوسع من أن تغلق كلها

د. الخضيري: أنت تتوقع أنهم عندما أغلقوا مثلا باب الشريط الاسلامي أنه انتهت الدعوة وفني الدين وأن المسلين عادوا إلى ظلمات الجهل وهذا ليس بصحيح بالعكس يٌغلق هذا الباب فيفتح الله سبحانه وتعالى بسببه أبواباً كثيرة، لاحظ قبل عشرين سنة كان الشريط له صولة وجولة وكان هو المحرك والدافع الآن لا مقام له ولا أحد يسأل عنه.

د. الشهري: أعطاني أحد الإخوة شريطاً أستمع إليه وإلى الآن لم أجد جهازاً أستمع به إليه، سيارتي ليس فيها مسجّل، انقرضت

د. الطيار: والبيت فسد المسجل فتركته ولم تصلحه! في قوله (مراغماً) قيل أنه مأخوذ من الرَغام وهو التراب وكان أحدهم يضع وجه صاحبه على الرغام كأنه يذلّه رغم أنفه

د. الشهري: رغِم أنفه

د. الطيار: رغم أنفه، فكأنه مأخوذ من هذا. (يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا) يعني يجد مكاناً يُراغم فيه غيره ممن كان يضيّق عليه. ولهذا سبحان الله لما تكلمت عن الساعة يا أبا عبد الله لاحظ أنه قال (يَجِدْ فِي الأَرْضِ)

د. الشهري: ذات الطول والعرض

د. الطيار: الأرض كلها. قال (قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ) يعني مكة فأطلقوا على مكة الأرض كأنه ليس هناك مكان في الأرض إلا مكة

د. الشهري: هذه يبدو أنها نظره مشتركة لصاحب الوطن يرى أن أرضه هي الوطن الوحيد وأما ما سواه لا يستطيع أن يعيش في غيرها

د. الطيار: قوله (يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) أي يستطيع أن يراغم عدوه في مواطن كثيرة جداً، هذا الذي ذلّك وأرغمك على البقاء إذا أنت خرجت ستجد أراضي كثيرة جداً واسعة تستطيع أن تراغم فيها عدوك ذاك الذي أذلك

د. الخضيري: كذلك الآية فيها الدلالة على أن مراغمة الأعداء أمر مطلوب وقبل قليل تلوتَ علينا قوله (وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ) وهو أن الانسان ينبغي له أن يقصد الى مراغمة الكفار وإغاظتهم والنيل منهم وشفاء الصدور بسبب أعمالهم التي يعملونها في أهل الايمان أو في حق الله سبحانه وتعالى كالشرك به ونسبة الولد إليه. قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً (123) التوبة) فالمقصود أن البحث عن الوسائل التي يكون فيها إغاظة لأعداء الله مطلوب من أهل الاسلام

د. الشهري: وهذا ما يسمونه اليوم في النظريات العسكرية ما يسمونه نظرية الردع وبعضهم يسميها نظرية الردع الاستراتيجي بمعنى أنك أنت عندما تمتلك القوة ليس بالضرورة أنك تقصد الاعتداء على الآخرين وظلم الناس ولكن أن تمتلك القوة التي تجعل عدوك يهابك ويرهبك وتحفظ حقوقك وأيضاً حتى تُقنع الناس بما عندك لأن الناس لا تقتنع إلا بالقوة ويكون لك مكانة وقدرة تستطيع من خلالها أن تنتصف ممن ظلمك وأن تكفّ يد المعتدي لو اعتدى، هذا مطلب شرعي ذكره الله في القرآن في مواطن كثيرة فقال (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) ولم يقل تعتدون به، بل إنه عندما قال (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194) البقرة) عبّر بالاعتداء هنا عن الاقتصاص في مقابلة الاعتداء لكن الأصل أنه ليس هناك اعتداء في الاسلام بل هو دين سلام بمعنى الكلمة لكن أيضاً أن يكون لك من الرادع والقوة ما يجعل الآخرين يهابونك فهذا مطلب. فكذلك هنا في قوله سبحانه وتعالى (وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ) العدو عدوك يكره أن ينالك خير، أن تتعلم، أن تكتشف، أن تُصنّع، أن يكون عندك اكتفاء ذاتي في شرب الماء هذا يغيظه، أن يكون عندك اكتفاء ذاتي في التصنيع هذا يغيظه لأنهم يريدون أن تبقى معتمداً عليهم فالله سبحانه وتعالى يثبت في هذه الآيات أن مراغمة الأعداء مطلوبة

د. الخضيري: هذه الآية ألا ترون أنها أصل في كون المسلم لا يتوقف يتحرك أن يكون فاعلاً لا يستسلم للواقع الذي فُرض عليه ويتوقع أنه لا مجال للحركة ولا مجال للقيام بأمر الله عز وجل. يقولون “الأحدب يعرف كيف ينام” لو ضُيق عليك وفعلوا فيك ما فعلوا ستجد مجالاً واسعاً لا أقول أرضاً واسعة بل مجالاً واسعاً للعمل والتأثير والتغيير وتقديم خدمة لدين الله ونفع للناس

د. الطيار: قوله (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ) لاحظ هذه الحالة الخاصة حدثت لبعضهم وليست هي الحالة الأصل. الحالة الأصل أن من يهاجر يصل الى المكان الذي يريد. فهذه الحالة الخاصة أيضاً لأهميتها ولأنه يُتوقع السؤال عنها ما شأن من خرج مهاجراً ثم مات؟ هذه ذكرها هنا (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ) أنتم انسوا الأمر أجره على الله ومن كان أجره على الله فهو ليس له حدود

د. الشهري: فأولئك يوفيهم أجورهم عندما قال في صيام رمضان عندما قال “إلا الصوم فأنا أجزي به” إشارة على أنه لا يُسأل عن كثرته

د. الطيار: وكأنه وقع السؤال هنا عن حالة حدثت وقع خلاف بين المسلمين عن الذي

د. الخضيري: خرج من بيته ولم يدرك مراده فصارت قاعده شرعية وهي أن كل من سعى إلى خير ولم يصل إلى ما سعى إليه جعل الله له أجر من وصل إليه وهذه عظيمة جداً

د. الشهري: ولا يملكها الا الله سبحانه وتعالى

د. الخضيري: نفترض أنك ذهبت إلى العمرة وفي الطريق حيل بينك وبين أدائها لأي سبب من الأسباب حتى لو كان نظامياً ليس عندك تصريح أو رخصة أو جواز أو غيره فرُددت فقد كتب الله أجرك. أذكر في هذه المناسبة في قضية الحج أن الدكتور يحيى اليحيى حدثني كان من أوائل من سافروا الى بلد الجمهوريات الاسلامية بعد أن زالت عنها الشيوعية المهم قابل رجلاً ففرح ذلك الرجل لمقابلته وقال له تمنيت أن يكون أبي موجوداً ليراك قلت لماذا؟ قال لأن والدي بقي 40 سنة يذهب من بلادنا أظنه من داغستان إلى موسكو من أجل أن يستخرج تصريح الحج فيُرد، فقلت أنا للشيخ يحيى لعل الله كتب له أجر حجة أربعين سنة بهذا السعي لأنه ما كان يحول بينه وبين الحج إلا هذا النظام الذي كان في العهد الشيوعي أنه ما كان يسمح بالذهاب إلى الحج والعودة. يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله ثم يُمنع – ما نقول يدركه الموت- بل يُمنع من الوصول الى حاجته مع صِدقه يكتب الله له أجر الذين قد عملوا ذلك العمل موفراً وهو في بيته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر “إن في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا وطأتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر “

د. الطيار: أيضاً لاحظ أنه رد القضية قال (إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ) وهنا يذكرنا بحديث “فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”

د. الشهري: هذه الآية فيها فائدة وهي قوله سبحانه وتعالى (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ) فيها دلالة على أهمية المبادرة الى العمل الصالح وإلى المشروعات الصالحة لأنك أنت طليب الموت فالموت يطلبك ولذلك قال هنا (يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) فيه إشارة أن الموت يطلبك فبادر للعمل قبل أن يصل إليك ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم “بادروا بالأعمال” ولذلك عبّر هنا قال (يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ)

د. الطيار: لكن لاحظ أيضاً أنه قال (مِن بَيْتِهِ) كأنه تخلى عن شيء يملكه

د. الخضيري: وأشق الأشياء أن يخرج الإنسان من السكن الذي يسكن فيه ويأوي إليه وهو من أشق الأشياء التي يحصل عليها الانسان هو البيت الذي يأوي إليه وهذا بالتجربة وجدناه ويمكن الزواج أحياناً أيسر عليه من الوصول إلى البيت لما فيه من الكلفة والمؤونة والتعب والشقاء الكثير

د. الشهري: وفيه أيضاً المعنى الذي ذكرتموه معنى الارتباط بالبيت وأنه عزيز وغالي ولم يقل ومن يخرج من وطنه وإنما عبّر بخاصة الخاصة البيت وهو الوطن الخاص

د. الخضيري: قوله (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ) قوله (على الله) ألا ترون أن فيها معنى الالتزام والضمان؟ كأنه يقول حقك عندي ومن يقول هذا؟ الله جل جلاله، والله لايخلف الميعاد أي اطمئن غاية الطمأنينة بأنه لن يفوتك شيء من الأجر الذي أنت كنت تطلبه فهو على الله، إنس الموضوع!

قوله (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) سر التعقيب بهذا يا أبا عبد الملك؟

د. الطيار: يبدو والله أعلم أنه لما قال (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) لما تكلم أن هناك تقصير من العباد في هذا الجانب فقدّم سبحانه وتعالى المغفرة أي أن الله قد غفر لهم كل تقصير أو تأخير في الهجرة

د. الخضيري: ألا يمكن أن يدخل فيها أن الانسان قد يهاجر ولا يزال مرتبطاً بوطنه فيتردد أحياناً ويحصل عنده شيء من هواجيس ابليس في الشك في موعود الله عز وجل هذا لا يسلم منه أحد فالله يقول يغفر لكم ذلك ويرحمكم لأنكم لا تطيقون الخروج من هذا الأمر ومع ذلك ربكم رحيم فمن هو الذي يقول أنا خرجت ونسيت كل شيء وتركت كل شيء وراء ظهري وأقبلت على الله سبحانه وتعالى وأنا واثق في موعوده كأني أراه بين عيني؟! هذا خُلّص من الناس قد لا يرقى كثير من المؤمنين إلى أن يصلوا إلى هذا المقام، الله يتجاوز

د. الطيار: سعة رحمة الله مع النفس البشرية وهذا سبق أن نبهنا عليه أن الله سبحانه وتعالى يتعامل مع واقعية العبد فهو الذي خلقه وهو أدرى به وهو الذي أعطاه هذه النفس ويقول أنا أدرى بنفسك ماذا تحتاج؟ كيف تفكر؟ ماذا تكّنّ؟ فالله غفور رحيم

د. الخضيري: أنا أقول أن هذه مناسبة لمن؟ لأولئك الذين قد يُحجمون عن بعض الأعمال خوفاً من الرياء أو خوفاً من وقوع قوادح في الأعمال خصوصاً قوادح الاخلاص لأنها خفيه جداً ولا يكاد يسلم منها أحد. والله ما نثق في عمل عملناه أننا استطعنا أن نتجرد فيه من حظوظ أنفسنا أو من هذه الشهوات الخفية من عُجب ورياء أو شيء من قوادح الشرك التي هي أخفى من دبيب النمل، هل هذه تصرفك عن أن تقدم وتتقرب وأن تعمل؟ لا، يجب عليك أن تستحضر في هذه الحالة ما دام أن الذي بعثك على هذا العمل هو إخلاص العمل لله وهناك ثغرات داخل ذلك العمل لا تكاد تخلص منها فتقول عسى الله أن يعفو عني وكان الله غفوراً رحيماً. هنا تأتي مغفرة الله ورحمته وينبغي للانسان أن يحسن الظن بربه في هذا الميدان. الآن عندما تؤم الناس تُحسِّن صوتك وتجوِّد ما استطعت يحدث أن يدخل في ذلك العمل شيء من حظوظ النفس فتخاف أن تقع في الرياء يجب عليك أن تستحضر وأنت خائف أن الله غفور رحيم ولو ردّك مثل هذه المخاوف عن هذا العمل لما بقي أحد يعمل ولما عملت أنت شيئاً

د. الشهري: وللعلم هناك كثير من الصالحين يمتنع عن أعمال الخير بسبب هذه الطوارئ والأفكار، يقول نسأل الله الإخلاص ويظن أن الذي يعمل العمل يزكّي نفسه أنه خالص مئة بالمئة لا يمكن هذا ولا يمكن أن يدعي أحد بأنه عمل عملاً خالصاً لوجه الله لأن الله هو الذي يطلع على النفوس سبحانه وتعالى. ولذلك تلاحظوا في حديث الثلاثة الذين آواهم الغار ثم انطبقت عليهم الصخرة فتوسلوا الى الله بأعمال صالحة فكان كل واحد منهم يقول اللهم إن كنت عملت هذا خالصاً لوجهك الكريم فافرج عنا ما نحن فيه، من هو الذي يعلم أنك عملته خالصاً لوجهه الكريم؟ لا يدّعي أحد على وجه الأرض لا من نبي مرسل ولا ملك أنك فعلت هذا خالصاً لا يعلمه إلا الله فاطر السموات؟ هذه أعمال قلبية لا يستطيع أن يزكي فيها نفسه ولكن الانسان يجتهد ويجّوّد ويسأل الله الاخلاص ويعمل والله هو الذي يبارك ولعل الله سبحانه وتعالى مع العمل والاستمرار يصلح النيّات

د. الخضيري: ولذلك شيخ الاسلام ابن تيمية له موقف جميل جداً في قضية من ينهى الناس عن العمل خشية الرياء قال هذا لم يكن من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا طريقته مع أصحابه أن يقول لا تعمل كذا خشية الرياء بل كانت طريقة القرآن وطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالعمل والأمر بالاخلاص. الآن من الناس خطيب مسجد تقول والله أخشى عليك من الرياء، أخشى عليك من الشيطان أن يفس عليك عملك! ما كانت هذه طريقة محمد صلى الله عليه وسلم بل يقال: أقدِم، إعمل وأخلِص وجاهد نفسك فقد تكون بلغت مقام المجاهدين في ميدان الاخلاص أن تجاهد في دفع هذه الطوارئ وهذه الأشياء التي تشغل عليك في عملك. هذه طريقة المنافقين ولذلك قال (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (79) التوبة) يلمزون المطوعين في ماذا؟ يقولون ما حمل فلان على أن تصدق إلا الرياء

د. الشهري: إذا كان كثيرا

د. الخضيري: إذا كان كثيراً وأما أصحاب القليل فيسخرون منهم يقولون إن الله غني عن صدقتكم فأولئك ما سلموا منهم وهؤلاء ما سلموا منهم. فيقول أبدأ لم يكن هذا من عهد رسول الله ولا من طريقته لتربية أصحابه.

د. الشهري: ولو تأملت في صنيع هؤلاء حتى من ناحية واقعية لوجدت أنهم يفسدون الأديان لأنه لن يقوم أحد بهذا الدين إذا كان كل أحد يقول لن أقوم بهذا العمل خشية من الرياء فمن يبقى إذن؟ ولذلك أعجبني بيت شعر قديم يقول:

إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب     فمن يعظ العاصين بعد محمد

د. الخضيري: لا أحد، وقال عمر بن عبدالعزيز كلمة نحو هذا البيت لما قيل له كيف يأمر أحدنا بالمعروف وينهى عن المنكر وهو لم يسلم منهما فقال “ود الشيطان أن يكون نال من أحدكم هذا حتى لا يبقى أحد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بل على الإنسان أن يأمر بالمعروف ولو كان يقصّر فيه وينهى عن المنكر ولو كان يقصّر فيه، هذه مهمة جداً

د. الشهري: الدين فيه واقعية عجيبة مع النفس البشرية (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) عندما يأمرك وينهاك فكل هذا ما تقبله فطرتك

د. الخضيري: في قوله (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) عندما قال (كان) ما الذي تدل عليه (كان) يا أبا عبد الله؟

د. الشهري: هذه من الصفات التي تتميز بها (كان) لذلك قالوا كان وأخواتها ولم يقولوا ليس وأخواتها مع أنها من أخوات كان لكن لها مميزان تختلف عن غيرها، هي الأخت الكبرى وهي أم الباب فمن مزاياها أنها تأتي مسلوبة (ناقصة) لكن هنا (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ليس معناها أنه كان غفوراً رحيما في الماضي وأما في المستقبل فلم يعد، لا، وإنما تدل على خلاف ما يفهمه الناس منها (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) أي إن الله غفور رحيم مغفرة ورحمة دائمة مستمرة في الماضي وفي المستقبل، هذا معناها. وكثير من الناس يفهم القرآن الكريم على لغتنا اليوم عندنا تقصير في لغتنا العربية وفي دراستها لكن عندما ترجع الى لغة العرب قبل القرآن الكريم تجد أنهم يستخدمونها بنفس هذا الأسلوب أن (كان) تستخدم أحياناً للاشارة إلى الدوام وشدة الاتصاف بهذا الوصف (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) يعني شديد الاتصاف بصفة المغفرة وصفة الرحمة وهذا فتح لباب الرجاء

د. الخضيري: وفي قوله (وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) قلت (كان الناقصة) هل هناك واحدة تامة؟

د. الطيار: نعم، كان لتامة التي تكتفي بمرفوعها

د. الشهري: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)

د. الخضيري: أما التي تحتاج إلى مبتدأ وخبر هذه يسمونها ناقصة، وتسمية نقصان هنا اصطلاحي. قال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ (101)) هذه الآية نزلت تخفيفاً من الله على عباده المؤمنين أنهم إذا ضربوا في الأرض أي سافروا فليس عليهم جناح أن يقصروا من الصلاة. رفع الجناح، رفعُ الجناح لا يعني أن هذا الشيء مباح وليس مستحباً وعزيمة وإنما لأن الأصل أن تؤدى الصلاة تامة كاملة بيّن الله رفع الجناح عمن قصرها في حال السفر قال (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) هذه تدل على أن الآية نزلت في حالة معينة وهي بداية مشروعية قصر الصلاة وأنه كان رخصة للمؤمنين عندما كانوا يذهبون للقتال في سبيل الله ولذلك قال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) قيّدها

د. الشهري: نحن الآن نقصر الصلاة في كل سفر دون أن يكون هنالك خوف من الذين كفروا

د. الخضيري: فهي نزلت في بداية الأمر لهذا المعنى ثم صارت بعد ذلك رخصة من الله عز وجل لعباده في كل ضرب في الأرض وإن لم نخف من الذين كفروا وهذا الإشكال ذكره عمر

د. الشهري: ذكره يعلى عندما سأل عمر فقال له يا أمير المؤمنين (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) وقد أمن الناس اليوم فقال لقد سألت رسول الله عما سألت عنه فقال هي صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوها

د. الخضيري: لذلك أخذ العلماء من ذلك أن قصر الصلاة عزيمة وليس برُخْصة، هو رُخْصة من حيث المعنى أنه تخفيف ولكن هو عزيمة من حيث أنه لا ينبغي للانسان أن يدع القصر في سفره هي سنة لو تركها الإنسان لقلنا فعلت مكروهاً إذا قال أنا أريد أن أتم الصلاة نقول له لا، إثنتان للمسافر أفضل من أربع بخلاف الجمع الجمع رخصة يفعلها الانسان متى احتاج إليه ولو ترك الإنسان ذلك وصلّى كل صلاة في وقتها فلا حرج عليه.

د. الطيار: أيضاً من لطائف المناسبات أنه قال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ) قبلها كان يتكلم (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا) لما ذكر حال سفر ناسب أن يذكر شيئاً متعلقاً بالسفر في عبادة أخرى تلك عبادة الهجرة وهذه عبادة الصلاة  وكأن من يهاجر سوف يسافر وهو محتاج الى حكم من هذه الأحكام

د. الخضيري: وفي الغالب أنه يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه فنزلت الآية مراعاة لحاله

د. الطيار: أيضاً هذه مناسبة أخرى

د. الشهري: وهذه قد تصلح دليلاً في باب في أصول الفقه في قضية تأخير البيان عن وقت الحاجة. لاحظوا هنا عندما كان هناك حاجة لبيان حكم السفر والصلاة فيها أنت دعوته للهجرة قلت له اخرج فهو سيحتاج قطعاً إلى هذه فقال إذا سافرت فاقصر الصلاة فكان في هذه بيان عند الحاجة إليه.

د. الخضيري: وفيها أيضاً بيان أنه على العبد أن يراعي أحكام الله في كل حال فأنت إذا كنت مطمئنااً تراعي أحكام الصلاة وتقيمها وإذا كنت في سفر تراعي أحكام الصلاة وتقيمها، قصدي ما يُظن أن الصلاة لا تُقام إلا في حال معينة بل الصلاة معك في كل حال وعليك أن تجتهد في اقامتها والقيام بها والله عز وجل يخفف عنك بقدر حالك ولذلك هنا خفف قصّر أمرنا بالقصر وسيأتينا في صلاة الخوف بعد قليل خفف الله عز وجل فنظام الصلاة كله يتغير بمناسبة الخوف الذي يقع على المؤمنين.

د. الشهري: عندي سؤال في الرجل مع الصلاة والمرأة مع الصلاة فالآن في حال الخوف والحرب فالله عز وجل لم يعفو عن الرجل ويقول أنت معفو عنك الصلاة طيلة الحرب ثم تبدأ تصلي بعد انتهاء الحرب وإنما قال تصلي (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ) في حال أن المرأة إذا حاضت فإنها تُعفى من الصلاة فلا تقضي ولا تصلي حتى ينتهي عذرها ثم تبدأ الصلاة وكذلك النفساء أما الرجل فلا يعفى عن الصلاة أبداً مطلقاً، فلماذا لا يلتفت إلى هذا الجانب في تكريم المرأة وفي العفو عنها؟ وفي أن الله سبحانه وتعالى راعى أصل خلقتها، الرجل ليس عنده هذه المزية بل هو مأمور بالصلاة في كل حال لا بد أن يصلي، ما رأيك؟ هل هناك من العلماء من تحدّث لماذا لم يعفى عن الرجل من الصلاة في مثل هذه المناسبات؟

د. الطيار: هم ذكروه من باب تعظيم قدر الصلاة أنه حتى في مثل هذه الحال الذي يحتاجون فيه إلى التخفيف أُمروا بالصلاة على أي حال كانوا فهم يذكرونه في هذا الجانب

د. الشهري: إذن ليس هناك حال يعفى الرجل من الصلاة لا في الحرب ولا في السلم

د. الطيار: أبداً لكن الموازنة بين أمرين متباعدين يحتاج إلى ذهن يجمع بينهما. (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) ما الفرق بينها وبين ليس جناح عليكم؟

د. الخضيري: فيها العناية بهم

د. الطيار: إنما هم المقصودون فقدم الجار والمجرور. رفعُ الجُناح (ليس عليكم جُناح) أي إثم

د. الشهري: لأن الجُنحة هي الاثم والخروج عن النظام أو الاستواء

د. الطيار: هذا الخطاب (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) يبدو أنه ورد في أكثر من موطن وأنا ألفت النظر إلى أن مثل هذه التعبيرات في القرآن قليلة يجب أن تجمع وتدرس دراسة بلاغية

د. الخضيري: مثل (إن الصفا والمروة  )

د. الطيار: أيضاً نفس القضية ما الفرق بين (فلا جناح عليكم) و(ليس عليكم جناح)؟ كأنه أمر يحسون فيه بتقصير لأنه قصر من الصلاة كانت رباعية فتقصر قال (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ) لكن العجيب وهذه بعض العلماء لفت إليها تدخل في باب العلل أحياناً تدرك وأحياناً لا تدرك. عائشة رضي الله عنها كانت ترى أن الصلاة فرضت ركعتين فأُقرت صلاة السفر وأُتمت صلاة الحضر مذهبها هذا على أن صلاة السفر الآن فريضة ركعتين

د. الخضيري: ولهذا استدل بعضهم بهذا على وجوب قصر الصلاة ومنهم الحنفية وشاركهم بعض العلماء المحققين.

د. الشهري: لكن يبدو لي والله أعلم أنه لا يمكن أن تكون قصرت الصلاة إلا وأن تكون قبل ذلك تامة لا يعبّر بلفظ القصر إلا لشيء كان تاماً

د. الطيار: هذا كلام صحيح لكن مذهب عائشة رضي الله عنها ذكرت هذا والمقصود الخروج إلى أمر وهو أن القصر على كلام عائشة رضي الله عنها أن الظهر ركعتان الفجر ركعتان حتى المغرب ركعتان

د. الشهري: إذن على مذهب عائشة رضي الله عنها أن الصلاة كانت ركعتين ثم أصبحت أربع ثم جاءت الحاجة إلى الصلاة في السفر والحديث عنها في هذه الآية فقال لا الصلاة في السفر تبقى كما كانت في الحضر قديماً ركعتين كأن هذا تاريخياً عن كلام عائشة رضي الله عنها.

د. الطيار: لكن ليس هذا هو المذهب الصواب لأن صلاة المغرب لم تتأثر لأنها ثلاثية مما يدل على أنها أصل

د. الشهري: إذن الحديث عن الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء أما ما سواها فلم يدخله القصر.

د. الخضيري: لم يقل تقصروا الصلاة وإنما قال (أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ) ما دلالة هذه؟ قد يكون من دلالته أن الصلاة ليست كلها تُقصر وإنما يقصر شيء منها وهي الظهر والعصر والعشاء.

د. الطيار: شيء منها أي من الصلوات الخمس الذي يصح فيه القصر أو التجزئة

د. الخضيري: وأيضاً دلالة أخرى قال تقصرون منها ولم يقل تقصروها لأنه لو قال تقصروها لكان الناس يكتفون بتكبيرات الاحرام وقرآءة الفاتحة فقال تقصروا منها شيئاً ولا تقصروها بالكليّة فهذه أيضاً دلالة لقوله (أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ). قال (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) ثم قال (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) ما حكمة التذييل بهذا؟

د. الطيار: هذا نوع من الاستطراد لما ذكر الكفار (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) أراد أن يذكر فائدة مرتبطة بهم فقال (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) فكأنه نوع من الاستطراد لما ذكر حال هذه الصلاة وسبب القصر. (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ)

د. الخضيري: كيف يفتتنونكم؟ لأنهم كانوا عدواً لكم.

د. الطيار: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) وكأن هذا في بداية الأمر نزلت هذه الآية وربطها أيضاً بمن يهاجر فيخشى على نفسه فهو بحاجة الى الاسراع مثل الهارب فكونه يقصر الرباعية لا يطيل فيها والسنن تسقط في السفر ففي مثل هذه الحال هو بحاجة إلى أن يسرع في الأمر فقصرت الصلاة خشية أن يدركه الذين كفروا

لكن هذا لا يعني أن الأمر في قصر الصلاة مقيّد بهذا القيد. هذا القيد إما أن يكون قيداً في أول الاسلام اشير إلى ما يحصل في أول الاسلام وما أن يكون وصفاً كاشفاً مجرد فقط إشارة إلى حدث معين فقط.

د. الخضيري: قوله (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا) لاحظوا كيف الله سبحانه وتعالى بيّن عداوة الكافرين وأنها عداوة ظاهرة بينة تظهر لكل أحد، هذا الذي لم تظهر له عداوة الكافرين لا شك أنه ممن طُمس على بصيرته وهذا يظهر مع الأسف من كثير من الناس الذين سايروا الأوضاع وحاولوا أن يدجّنوا الاسلام بحيث لا تبين لهم عداوة الكافرين فيقول أبداً هذه أمم تعيش لمصالح عامة لنا فهم يصنعون لنا ويفعلون ولكنه ينسى أنهم ذوو عداوة مبينة لأهل الاسلام. لعلنا نختم بهذا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً من أهل القرآن وخاصته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.