دَيْن- قرض – رهان –
الدَيْن ثلاث كلمات : دَيْن، قرض ورهن.
الدَيْن ما كان عن ربح: لي في ذمتك مال ولكنه مال تعامل إما بضاعة أو بيع وشراء أو مرابحة، بيني وبينك عمل وفي ذمتك مال لي دين في رقبتك بناء على فوائد وأرباح وما شاكل ذلك. الدَيْن إذن تعامل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). والله تعالى يأمرنا أن تكتبه نوعاً وكمّاً وكيفاً (وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ).
القرض: عكس ذلك. القرض فقط لوجه الله عز وجل. أنت في أزمة تحتاج نقود فأعطيك هذه النقود لتعيدها إليّ بحذافيرها دون زيادة ولا نقص وليس فوائد. الأرباح في الدين مشروعة وفي القرض ربا. كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا وكل دين جرّ ربحاً فهو جائز. (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) الحديد)
الرهن: هو حبس شيء لأجل أداء شيء آخر وجمعها رهان. (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) لي عليك حق وليس عندك شيء تسدد لي مالي ولا أئتمنك على مالي ترهن عندي شيئاً هو في ذمتي ضمان مالي. الرهن جمعه رهان والرهينة جمعها رهائن. بينك وبين الله تعالى حقوق والله تعالى يضمن حقوقه: نفسك رهينة عند الله تعالى إما أن يلقيها في جهنم أو تستردها بعملك الصالح وتفكها من النار (كل نفس بما كسبت رهينة).
الدَيْن فلسفة عجيبة في الاسلام. الدَيْن مذموم والقرض محمود. ” الحسنة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر” هذه مكتوبة على باب الجنة. الصدقة في سبيل الله بعشرة أمثالها أما القرض يأخذه رجل محتاج لوقت معين ليس متسولاً تفك به عسرته إلى أجل قريب هذه عبادة عظيمة. وفي الحديث: “إن الله مع الدائن ما لم يقض دينه ما لم يكن فيما يكرهه الله”. وكان r يستعيذ من الدين ومرة قال “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والدين” فقال له رجل: يا رسول الله أتسوي بين الكفر والدين؟ قال :نعم. وحديث آخر “ليّ الواجد يحل عِرضه وعقوبته” لأي يمكن لمن عنده مال لكن لا يوفّي دينه مع أنه يستطيع أن يوفّي يمكن غيبته عند الحاكم. “الدين راية الله في الأرض فإذا أراد الله أن يُذِلّ عبداً ةضعه في عنقه” “لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها، قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الدَيْن” لأنك لا تحب لقاء الدائن لأنه في عنقك دين له. ” من فارق روحه جسده وهوبريء من ثلاث دخل الجنة: الدَيْن والكِبر والغلول” الغلول سرقة المال العام وفي هذه الأيام ما يسمى مال الدولة أو الغنائم وهو أشد أنواع السرقة (ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة). إذا مت ولم توفّي الدين فهي قضية خطيرة. كل إنسان مؤمن موحد بعدما يموت تستقر روحه بعد ثواني بعد أن يمر بمراحل معينة إذا لم يكن عليه دين تخرد روحه مضطربة تعبة كالطفل يخرد من بطن أمه ثم يستقر ويطمئن إذا لك يكن عليه دين وتقول الملائكة عندما يأتي إخوانه في البرزخ ليسلموا عليه: دعوه يستريح فقد جاء لتوّه من نصب الدنيا. أما لو كان عليه دين تبقى روحه معلقة حتى لو كان مؤمناً موحداً وشهيداً لذلك الرسول r لم يصلي على مدين وإنما قال: صلوا على أخيكم كأنه أراد والله أعلم أن يهيب بالحاضرين أن يسدّ أحدهم دين الميت وتستقر روحه. يقول: كل من عليه دين وينوي أن يسدده صادقاً بإخلاص فإن الله تعالى يعينه فإن مات ولم يسدد سدده الله عنه وإذا لم ينو أصلاً سداد الدين فهذه مأساة يوم القيامة ” “. وأعظم أنواع الدين يوم القيامة التي سيحاسب الله تعالى عليها وهذه ربما هي مصيبة الأزواج في الدنيا هي أن تتساهل في دين زوجتك وهي حقوقها في النفقة إذا كانت مطلقة أو مهر لم تسلّمه لها مسبق أو مؤجل أو تقسطه لها على أقساط وعندك مال كثير لكن فقط لمجرد الأذى فحسابك يوم القيامة سيكون عظيماً ولا تستقر نفسك إلا بعد أن توفي زوجتك دينها. يقول r “أعظم أنواع الدَيْن ما استحللتم به الفروج” وما أكثر المتلاعبين بحقوق زوجاتهم. وهو دين ثقيل في ذمة الزوج من الميثاق الغليظ (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) النساء ) فليّق الله كل زوج له زوجة لها حق في ذمته فلا يأخذ موالها بغير طيب نفس لا غصباً ولا حياء لأن كل هذا دين يحاسب عليه يوم القيامة.
القاعدة: لا ترِكة إلا بعد سداد دَيْن. لا توزع التركة إلا بعد سداد الديون وأول دَيْن يُبدأ به هو حق الزوجة ولو أن المال لا يكفي وهذا لبيان أهمية حقوق الزوجة فلو ترك أحدهم عشرة آلآف درهم ومهر زوجته عشرة آلاف وعليه دين بعشرة آلآف فتعطى الزوجة حقها أولاً لأن حقها أولى الحقوق والديون.
الغلول في أموال بيت المال ومال الدولة كل فِلس يحاسب عليه يوم القيامة ومال اليتيم ومال الزوجة يحاسب عليها الانسان حساباً شديداً. يقول r كل دين يُقتص منك يوم القيامة إلا ثلاثة ديون يحملها الله تعالى عنك: الرجل تضعف همته في سبيل الله (قال تعالى: انفروا خفافاً وثقالاً: خفافاً أي شباباً وثقالاً الشيخ الكبير والمرأة والطفل والضعيف) لم استدان حتى ولو لم مات ولم يوفّي يسدد الله تعالى عنه يوم القيامة، والثاني رجل يموت عنده مسلم (يحتاج لتكفينه وتجهيزه ودفنه) والثالث من خاف عن نفسه العُزبة (شاب خاف على دينه وخاف من الفساد ايتدان ليتزوج ومات قبل أن يسدد فالله تعالى يسدد عنه).
يقول r: ” من فكّ رهان ميت فكّ الله رهانه يوم القيامة” فلا يحاسبك على جرم أبداً وفك الله تعالى رقبتك بما أنت مرتهن به يوم القيامة (كل نفس بما كسبت رهينة). إذا سمعت أن رجلاً مات وعليه دين وسددت عنه يسدد الله تعالى عنك يوم القيامة ولا يؤاخذك بذنب ونهيب بكل من له دين على ميت أن يسامحه فيه حتى يفك الله تعالى رقبته يوم القيامة. وكا منا معرّض لأن يكون قد استدان منه أحد فلم يسدد ولذا علينا أن نقول كل ليلة: أتصدق بعرضي ومالي على كل من لي حق عليه إكراماً لوجه الله تعالى وإكراما للرسول r. الدَيْن إذا لم يوفّى يولج صاحبه النار والأحاديث في فك الدين عجيبة وكثيرة. علّمنا الرسول r الدعاء ليساعد على فك الدين كما في الحديث الشريف: قال النبي r ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أدّاه الله عنك قُل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك (رواه أحمد والترمذي والحاكم). وعلّم الرسول r أبا سعيد الخدري هذا الدعاء ليقضي الله تعالى دينه ويذهب همه: قُل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدَيْن وقهر الرجال (رواه أبو داوود). وقال النبي r يا معاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به فلو كان عليك من الدين مثل جير أداه الله عنك فادع يا معاذ قُل: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير. تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنه من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. (رواه الطبراني).
الدَين مصيبة المصائب إن كنت أنت المدين وإن كنت الدائن فأنت مطالب أن تتبرع به إذا مات صاحبه أو تتلطف به والرسول r يهيب بالمسلمين ” رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى”. أما القرض فمن العبادات الجليلة يوم القيامة فإذا تعودت أن تقرض الناس تأتي بحسنات كثيرة لا يمكن أن تأتيك إلا من هذا الباب