الوجاهة– الدرجة – المنزلة – الزلفى – الوسيلة -المقام – القدر
هذه هي منظومة الوجاهة في القرآن الكريم.
الوجيه: هو ان يكون للشخص وجه في مجتمعه وجه مقبول إذا حضر يُعد وإذا غاب يُفقد وإذا سأل يعطي وإذا طلب أجيب وإذا شفع يشفّع ويحبه الناس ويقومون له إذا أقبل ويودعونه إذا غاب هكذا هو الوجيه كما قال تعالى في سيدنا عيسى ابن مريم u (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) آل عمران) هذه الوجاهة ترتب لصاحبها عذة ألقاب وعدة كلمات جاء بها القرآن فلا تكون وجيهاً إلا إذا ترقيت درجات في مجتمعك ثم صارت لك منزلة ثم صارت لك زلفى ثم صرت وسيلة ثم كان لك مقام ثم كان لك قدم صدق ثم كان لك مقعد صدق وهذه أمور تجري في الدنيا والآخرة كما قال تعالى (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) وهذه الكلمات القرآنية قد تتحقق في الدنيا كما تتحقق في الآخرة.
الدرجة: هي مراحل الصعود ولهذا الدرجات كثيرة على خلاف المنزلة فهي واحدة. مثلاً أنت تترقى في الجامعة من معيد وهذه درجة فتصبح مدرساً وهذه درجة أعلى ثم تصبح استاذاً مساعداً ثم استاذاً مشاركاً وهكذا وكذلك في الجيش : ملازم، ملازم أول، نقيب، رائد، عقيد، عميد الخ. وهكذا في كل الصعود في الحياة فكل من له منهج صعود حتى الطالب في الابتدائية ثم المتوسطة ثم الثانوية ثم الجامعة فالحياة كلها درجات لكن أعظم الدرجات في الآخرة (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) الاسراء) فالقرآن الكريم يصف الدرجات في قسم منها (أعظم) (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) وهناك درجة عالية (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) إذن فالدرجات مراحل متعددة تنتقل من درجة الى درجة أعلى فإذا وصلت الى أعلى الدرجات كانت تلك المنزلة.
المنزلة: هي الدرجة الرفيعة النهائية ليس فوقها درجة فمثلاً حين يقال فلان درجاته عالية فإذا بلغ القمة نقول صار له منزلة عظيمة فالمنزلة إذن هي نهاية الدرجات كما قال النبي r ” إن العبد لتسبق له المنزلة عند الله فلا يبلغها بعمل فيسلّط الله عليه الهمّ والحزن فيبلغها بذلك” وقال r : “أنزلوا الناس منازلهم” فأي إنسان عليك أن تضعه في الدرجة العليا التي يستحقها لا تنقص قدره عن درجته. فالدرجة هي التوجه صعوداً صعوداً حتى تصل الى المنزلة.
الزلفى: القرب من الملك أو الحاكم فالملك له حاشية وجلساء في مجلسه أناس تعوّد الناس أن يروهم في مجلس الملك هؤلاء من أهل الزلفى. (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) ص) (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر) يجعلونا دائماً مع الله، عند الله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ {س}(206) الاعراف) هذه العندية هي الزلفى لأنه قريبة من الماك سواء كان الملك في الدنيا أو ملك الملوك يوم القيامة هذه هي الزلفى. إذا كنت من أهل الزلفى أي من الجالسين عند الملك أو الأمير دائماً فالزلفى لها صلاحيات تجعل لك وجاهة كل ذلك من اسباب الوجاهة فإذا كانت لك درجة رفيعة فأنت وجيه فإذا بلغت القمة في الزلفى فأنت في مقعد الصدق. ومقعد الصدق هو الذي يجلس عن يمين الملك كما ورد في الأحاديث “الذين عن يمين الله وكلتا يديه يمين، اثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه – وجبت محبتي للمتزاورين فيّ”.
الوسيلة: أعظم من الزلفى وأعظم من مقعد الصدق لأن هذه الوسيلة هي التي يمكن لصاحبها أن ينوب عن الملك في صلاحياته فهذه هي قمة الوصول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) المائدة) (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) الاسراء) والوسيلة كما قال r “مرتبة عظيمة يوم القيامة لا تنبغي الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا فمن سأل لي الوسيلة وجبت له شفاعتي” فالوسيلة هو الذي يتصرف يوم القيامة بالنيابة عن الله عز وجل يخرج من يشاء من النار ويدخل من يشاء الى الجنة تلك هي الشفاعة الكبرى وهذا هو قدم الصدق.
قدم الصدق: الذي لا ترد شفاعته (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) يونس) وهو سيدنا محمد r الذي لا ترد شفاعته أبداً فعندما يقول r :”من يقول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم في اليوم مئة مرة غفر الله ذنوبه” وكثير من هذه الأحاديث في هذا الباب فيقولون أن الله تعالى لم يقل ذلك لكن الله عز وجل أعطى النبي r الصلاحيات فإذا قال r شيئاً من هذا القبيل فإنه يجيبه الى ذلك فكأن الله تعالى أعطاه شيئاً من صلاحياته (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الانبياء) هذه الرحمة منها ما وكله الله تعالى اليه فقال له r قل ما شئت وأنا أقبل وأجيب ولها سمى المولى عز وجل نفسه رؤوف رحيم وسمى المصطفى رؤوف رحيم ورب العالمين لم يعط هذين الاسمين لأحد من خلقه إلا للنبي r.
هذه الوسيلة هي كتائب الملك ينوب عنه وأحياناً يصدر أوامر وتعليمات من غير أن يرجع الى الملك لأنه هو خوّله بذلك. وقال r : “ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه”.
المُقام: دار الاقامة (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) الفرقان) (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) فاطر) الجنة والفردوس الأعلى من دار الاقامة. والمقام هو نوع من الوجاهة في الشدائد والوجهاء أنواع كل في مجاله ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) الاسراء)) فمثلاً شخص وجاهته يستعملها لنصرة المظلومين وآخر في الصلح بين المتخاصمين وهكذا فالمقام هو من يلجأ اليه الناس لوجاهته في شدائدهم (الفقر، المرض، العدو، المحن وما الى ذلك) يتوخون منه أنه قادر على أن يخفف آلآمهم وأحزانهم وأن جدون عنده ما يحتاجونه هذا مقام (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) فيوم القيامة الناس في تلك المحنة العظيمة في الحشر ذلك الفزع الأكير فمن الذي يقوم على أمر الناس ومن الذي يفزعون اليه؟ الله عز وجل في تلك الشدة.
القدر: (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق) وقد سميت ليلة القدر لأن فيها قيمة عظيمة عند الناس فكل من له قدر له مواصفات عظيمة تجعله في أعين الناس كبيراً هذا هو القدر كل ما كبر الأمر سواء أكان عليماً أو عالماً أو حاكماً أو مشروعاً عظيماً أو غيره فكل شيء له قيمة هائلة عند الناس وقيمة أساسية يسمى له قدر.
هذه هي منظومة الوجاهة وكل هذه الكلمات تصب في أنك وجيه (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) كسيد الخلق سيدنا محمد r وسيدنا عيسى ابن مريم u وكل الأنبياء وكثير من أتباع الانبياء وهناك وجهاء من الأمة في الدنيا والآخرة من صالحين وعلماء ومجاهدين وشهداء وكل هؤلاء يشفعون يوم القيامة فلكل ذي قيمة وقدر يوم القيامة شفاعة والكثير من الصالحين يدّخرون هذه الوجاهة للآخرين وليس لأنفسهم فإذا كان وجيهاً وطلب لنفسه سقطت وجاهته فمن عناصر الوجاهة أن لا يطلب لنفسه بل للآخرين أما هو فالملك أو الحاكم هو الذي يعرف قدره فيعطيه فإذا أعطاه قبِل أما أن يسأل فهذا ليس وجيهاً وهذا معنى كلام المصطفى r الذي ادّخر شفاعته ليوم القيامة.
بثت الحلقة بتاريخ 18/11/2005 م