الحروف في القرآن الكريم, حرف العين

حرف العين – منظومة وظائف الماء

اسلاميات

 

منظومة  وظائف الماء

الماء مادة يعرف الجميع فضلها وقدرها وأهميتها في هذه الحياة بل هو كان الأساس على هذا الكوكب (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء (7) هود) هذا الماء هو عنصر أساسي في كل شيء حيّ من إنسان وحيوان ونبات وكل مخلوق فيه حياة لا يمكن أن يكون حياة إلا أن يكون الماء عنصر أساسي. هذ الماء مشكلة العالم اليوم حتى قيل أن حروب القرن الواحد والعشرين سنكون حروب ماء لأن الماء يقل وسينضب أكثر من قلته وستقوم حروب ليستأثر القوي بالضعيف كما كانت حروب البترول في القرن العشرين وما من دولة إلا استعمرت بسبب البترول الذي أصابنا منه ما أصابنا وحصدنا أوزاره من حروب كما حصل في حرب العرق، البترول استولى عليه الأقوياء ولم يعد له شأن وإنما صار بأيدي اللصوص الأقوياء والماء سيكون على هذه الشاكلة في هذا العالم كما يقولون. والماء له قدسية في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله r وهو أشد أنواع الرحمة والنقمة والعبادة والمعصية. والتبذير في الماء معصية حتى في الطاعة، النبي r وجد سعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء إسراف يا رسول الله؟ قال r: نعم ولو كنتَ على نهرٍ جارٍ. فنهى r عن الإسراف في الوضوء، وفي دولة الإمارات يستخدمون كلمة (يتمسحون) يقصدون بها الوضوء والكلمة صحيحة لها دلالتها لأنه عليك أن تقتصد في الماء إلى حد التمسح وليس الطرطشة والصبّ والدفق. حتى في الغسل كان r يسبح من الجنابة هو وزوجه بإناء واحد نظراً لأهمية الماء وضرورة المحافظة عليه. والكل يعلم كم تنفق الدولة في توفير الماء لشعبها وتحليته وكم نحن نجهض هذه الجهود التي تقوم بها الدولة مشكورة بهذا الهدر الذي لا معنى له، كل واحد منا في بيته يقوم بهدر هذه المياه وهي نعمة عظيمة هدراً عظيماً برغم المشقة والتكاليف الباهظة التي تقدمها دولة الإمارات ودول الخليج ودول العالم وفي الدول الغربية هناك موازين دقيقة من الدولة ومن الشعب نفسه لقيمة الماء فيستعملونه بالحد الأدنى منه بدون هدر ولا زيادة أما نحن فنهدر الماء هدراً لأننا تعودنا على الترف وهذه رذيلة تخلّ بالنعمة وشكر النعمة أن لا تبذرها. ومن أعظم أنواع التبذير تبذير الماء فهو أشد من تبذير الماء لأن المال قد يعوض والماء لا يعوض.

من أهمية الماء أيضاً أن الجود به عبادة عظيمة وفي الحديث الذي يدل على كرم الله عز وجل وعلى مدى قيمة الماء حديث أن امرأة بغياً من بني إسرائيل سقت كلباً ماء فغفر الله تعالى لها وأدخلها الجنة. ورجل حكم الله تعالى عليه بالنار وذهب مغلولة يداه إلى النار ووجه مسود مقحمة يديه وعلى الصراط إلتقى رجلاً من أهل الجنة فناداه يا فلان ألا تعرفني؟ فال لا، قال نحن أهل فلان جئتنا في يوم فمنحناك وضوءاً، فقال أذكر هذا، ما الذي فعل هذا بك؟ قال ذنوبي، قال اشفع لي، فقال يا رب إن هذا وهبني في يوم من الأيام وضوءاً ( أي حفنة من الماء) فشفّعني فيه فقال تعالى خذ بيد أخيك إلى الجنة (بحفنة ماء دخل الجنة)؟ هذا الحديث الحضاري الذي يجعل كل حركاتك وتصرفاتك وكل شؤونك موزونة وزناً دقيقاً لهذا من العبث الشنيع أن نهدر الماء كما نفعل الآن. من أعظم الرحمات (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) الروم) الذي يمشي الآن في الإمارات يرى الإخضرار لكل الصحراوات الرملية تشع خضرة وزهوراً بهذا المطر النازل من السماء الذي هو الغيث (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى) الفرق بين الغيث والمطر أن المطر عقوبة والغيث رحمة. هذه الرحمة قد تنقلب إلى عقوبة (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) القمر) هذا الماء لو تقلبت به على تقلباته لرأيت كم عظمة الله تعالى تتجلى في هذا الماء وهو جند من جنود الله عز وجل (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (31) المدثر).

نتكلم عن وظائف الماء التي جاءت في القرآن والقرآن تكلم عن الماء بشيء عجيب. وهناك من بحث وكتب كتاباً عن الماء والقرآن الكريم ويجب على أصحاب العلم بالماء أن يكتبوا أكثر من هذا الموضوع ويبينوا الإعجاز العلمي في الماء وخاصة ماء زمزم الماء المعين.

الماء الحميم: (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (15) محمد) ماء شديد الحرارة لكنه يُشرَب، أنت الآن لو غليت ماء يمكن أن تشربها. يوم القيامة ماء حميم يشربه أهل النار ثم لما يصل إلى بطونهم تتقطع أمعاءهم.

الماء العذب: (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ (53) الفرقان) العذب هو طيب المذاق فيه حلاوة وهناك حالات معينة تكون أنت عليها بعد عطش شديد تشعر أن الماء فيه حلاوة.

الماء السائغ: سهل الإنحدار إلى جوفك. أحياناً إذا كان مثلجاً جداً بحيث لا يمكن أن تشربه من شدة برودته وتغص به وكذلك إذا كان حاراً لكن عندما يكون بوزن معين يسوغ كما يقول الشاعر:

وساغ لي الشراب وكنت قبلاً                   أكاد أغص بالماء الفرات

فالماء السائغ هو الذي يكون سهل الإبتلاع وسهل الإنحدار إلى جوفك (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ (12) فاطر).

الماء الصديد: (مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) إبراهيم) الماء المتعفن بين الجلد واللحم، كل من يُجرح يخرج من جرحه صديد بين جلده وعظمه، كل مخلوق حيواني بين جلده وعظمه ماء، هذا الماء لانحساره وانحباسه يصبح متعفناً وهذا بعض شرابات أهل النار والعياذ بالله هناك شرابات أخرى ومن شراباتهم ماء الصديد.

ماء الدمع: ماء جميل وهذا ماء له لغة. الدمع لغة وهناك من تسيل دموعه محبة أو فرحاً أو حزناً أو لفراق حبيب أو لقاء حبيب (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) المائدة) وإلى الآن هناك من يسمع آية قرآنية معينة أو حديثاً في حالة معينة تسيل دموعه فرحاً أو حزناً أو اعتباراً وهناك من يحزن لفوات خير (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة). الفقهاء كان لهم مع الدمع حديث طويل الإمام عبد الرزاق صاحب كتاب المصنف يقول:

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ورأيت كيف نوزع التوديعا

لعلمت أن من الدموع محدثاً  وشهدت أن من الحديث دموعا

وما من شاعر تحدث عن الحب أوالفراق إلا وفيه دمع فالدمع أساس لكل مشاعر الإنسان من فرح أو ترح، دموع الفرح ودموع الحزن من اللغة المشتركة للإنسان ويقال أن بعض الحيوانات تبكي. قال أحدهم:

إني رأيت دموع العين ساقطة         يا ليتها سقطت في ذلك الكأس

لأمزج الدمع بالماء وأشربه            فالدمع يخبرني عن كل إحساس

الماء الثجاج: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا (14) النبأ) المتلاطم كالموج الهائج.

الماء الطاغي (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) الحاقة) الماء المخرِّب، الفيضان. الثجاج يسير ببطء، لما ينزل المطر في البداية يسيل ببطء ثم يتجمع حتى يصير موجاً.

الماء الدافق: بقوة كالبئر المتفجرة (خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) الطارق).

الماء الجاري: الذي لايتوقف (تجري من تحتهم الأنهار)

الماء المعين: من العين التي لا تنضب كماء زمزم، وهناك ماء جاري الذي لا يتوقف هناك أشياء تجري مثل السيل لكن ينتهي بيوم أو يومين أو ساعة أو ساعات فإذا كان مستمراً يقال جرى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف) وهو النيل وماء النيل لا يتوقف.

الماء الوهن: الماء السراب (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء (39) النور)

الماء الغدق: (لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) الجن) الغزير. يقال فلان يغدق عليك الهبات أي بشيء كبير متواصل. الغدق هو الماء الوفير الكثير الذي أكثر ما تحتاجه.

الماء الملح الأجاج: شديد الملوحة (وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (53) الفرقان).

الماء الفرات: شديد العذوبة. الماء العذب هو الحلو فإذا كان شديد العذوبة يقال له فرات، ودرجات العذوبة تتفاوت (وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا (27) المرسلات) لذا يقال النيل والفرات ينبعان من الجنة والرسول r تحدث عن هذا كثيراً. الماء الأجاج شديد الملوحة (وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)، وهناك عذب كثير إذا كان العذب عذباً بشكل شديد يسمى فراتاً. قال شوقي في نهر دجلة:

يا شراعاً وراء دجلة يجري           في دموعي تجنبتك العوادي

هذه دعوة ما استجيبت للأسف اجتمعت العداوي على الفرات وإن شاء الله تعالى سيزول هذا الظلم.

الماء المعين: (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ (30) الملك) العين التي لا تنضب مثل ماء زمزم وهناك من العيون في العالم كله لا تنضب وفي الإمارات بعض العيون تمتد إلى إفريقيا ولا تنضب.

الماء المهين: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) السجدة) المفسرون لم يدركوا أن (مِن) هذه تبعيضية وقالوا أن الإنسان خلق من ماء مهين، كيف تكون مهيناً وهذا خلق الله عز وجل؟ الذي يحصل أن الخصيتين تقومان بإنتاج 300 مليون حيوان منوي (حيمن) في اليوم فقط واحد منها يلقح والباقي يذهب فضلات والله تعالى يقول أن هذا الإنسان خُلِق بهذا الحيمن الواحد من مجموعة كبيرة التي ذهبت فضلات (مهين)، الحيمن الواحد هذا مقدّس (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (70) الإسراء). أنت تستخرج الذهب من التراب والتراب تافه، واللؤلؤ يستخرج من الشعب المرجانية والوحل البحري، أعظم مضاد حيوي وهو البنسيلين مستخرج من عفن الخبز. رب العالمين قال (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) المؤمنون) السلالة إنفصال البويضة إلى أن أصبحت نطفة التي هي خلق الله عز وجل. السائل المنوي الذي فيه بالملايين تذهب إلى الفضلات وتأخذ الحيمن الواحد هذا ليس مهيناً وإنما نشأت وسط جو مهين أما هي فليست مهينة، الدُرّة ليست مهينة ولكن الوحل الذي كانت فيه مهين. يقول الأطباء أن أعظم المضادات الحيوية هو الثوم مع أنه مادة نتنة آسنة والرسول r نهى من أكلها لا يقرب مسجدنا إلا أن في الثوم مضاداً حيوياً هاماً وينتج شيئاً عظيماً.

الماء الرحمة: هذا من الماء الجميل كما يسمونه أهل الإمارات (مطر الرحمة) ويسبشرون به (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى) فالمطر الذي يحيي موات الأرض والشجر الذي لم يكن حياً يسمى رحمة (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (50) الروم).

الماء المطر: هو المؤذي (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) الشعراء) القرآن يستعمل المطر بالعذاب والغيث عندما ييأس الناس ويستمطرون ثم يمطر الله عز وجل السماء فيسمى غيثاً (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا) نقول اللهم أغثنا ولا نقول اللهم أمطرنا. المطر عذاب والغيث رحمة.

القرآن يحدثنا عن ماء لا يأسن. في الأرض أي ماء يتغير طعمه أما في يوم القيامة فالماء غير آسن (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ (15) محمد) في الجنة.

الماء الوابل: هو ماء ثقيل. هناك مطر غزير لكنه ممتع وهناك مطر ثقيل إلى حد لا يمكنك أن تدخل تحته ويؤدي إلى كوارث (كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا (264) البقرة) الوابل يعني من قوته وثقله يحفر الأرض تماماً وعكسه الطلّ (فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ (265) البقرة).

الماء المُهل: (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (29) الكهف)

الماء المنهمر: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) القمر) هو الذي يبدأ شيئاً خفيفاً ثم يشتد إلى يصبح الماء مستمر النزول بقوة يسمى إنهماراً. أول الغيث قطر ثم ينهمر. إذا كان ينهمر ويتقطع يسمى صبّاً (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (25) عبس) (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) الفجر) ليس مستمراً وإنما متقطعاً وإذا إستمر فهو إنهمار (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ). (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) الحج) فالصب متقطع والإنهمار مستمر.

أهمها وأعلاها الماء الطهور (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48) الفرقان) وهو أشرف صفات الماء في الدنيا طاهر في نفسه مطهر لغيره، الماء طاهر مطهِّر لذا قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة) المتطهر هو الذي كلما أحدث توضأ فإذا إستمر على الطُهر طيلة النهار فهو مطهّر والله تعالى يحب هذا ويحب هذا وهذا فيه كلام كثير لأنه من المتشابه والمتشابه يحتمل معاني كثيرة.

لأهمية الطهور في ملة الإسلام ما من أمة تعنى بطهارة الثوب كطهارة القلب وطهارة المجلس كطهارة الخُلُق وطهارة العِرض كطهارة اللسان كهذه الأمة، أمة قائمة على الطُهر، تطهر لسانك وعينك ودماءك (تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا) سيفك طاهر من الظلم ولسانك طاهر من الغيبة وعرضك طاهر من الخنا وثوبك طاهر من النجاسة ومجلسك طاهر لا تصلي إلا على طاهر وتصلي في لباس طاهر هذه أمة زاكية “جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً”. قال تعالى (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة) ما قال يطهرهم، يطهرهم من النجاسة، يزكيهم أي أن يبقى طاهراً في كل شيء ظاهراً وباطناً. ممكن أن أطبخ لحماً لكنه ليس زاكياً قبيح الرائحة سيء المنظر صحيح أن اللحم طاهر لكنه غير زاكي. فالطهارة ضد النجاسة والتزكية ضد الوساخة. الوساخة ليست حراماً فأنت ممكن أن تصلي وأنت وسخ إذا كنت عامل بناء أو صبغ ولكن الأفضل أن تكون ثيابك زاكية معطّر وفمك طيب بالسواك هذا من التزكية وما من أمة زكت بنبي كما زكت هذه الأمة بهذا النبي r (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) لا إله إلا الله تظهرهم ولكنك زاكي كل ما فيك طيب ليس فيك نتن ولا قبح ولا خشونة. لذلك تتوضأ من أي شيء: من ريح، من ملامسة النساء، أنت لم تتوسخ لكنك زاكي جداً. في معركة بدر تحالفت الملائكة مع المسلمين وتحالف الشيطان مع المشركين (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ (48) الأنفال) قاتلت الملائكة مع المسلمين وإبليس تتبع المسلمين في هذه المعركة الخالدة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً من حيث أنها الفاصل بين الشرك والتوحيد إلى يوم القيامة. بدأ إنتصار التوحيد على الشرك من هذه المعركة إلى يوم القيامة ولن يزول برغم كل المعوقات. الذي حصل عندما رب العالمين ألقى عليهم النعاس (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) الأنفال) هذا النعاس معجزة، قلة قليلة (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الأنفال). في هذه المعركة المعجزة

وسمعت عن بدر وإن حديثها في كل نأب ندوة فيحاء

كانت على ثغر الزمان قصيدة         من أين ينحت مثلها الشعراء

يوم الفرقان بين الشرك والإيمان. رب العالمين ألقى عليهم النعاس أمنة منه والشيطان زين لهم أعمالهم كما في الحديث “الرؤيا من الرحمن والحلم من الشيطان” فمن وساوس إبليس إستحلم معظم المسلمين وأصبح قسم كبير منهم جُنباً، معركة قائمة، الله تعالى ألقى عليهم النعاس فأصبح قسم كبير منهم مجنب فقالوا كيف نذهب للمعركة وهم جنب فقال تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) في هذه المعركة الفاصلة قال صلّوا أولاً (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (102) النساء) لا تستعجلوا، فإغتسلوا بعد أن جاءهم مطر شديد فاستحموا وتوضأوا وصلّوا وقاموا يقاتلون فانتصروا. كم هي الطهارة أساسية في هذا الدين؟. لهذا عندما يكون هناك جُنُب في البيت تخرج الملائكة ولا تعود إلا أن يتطهر أو يتوضأ. إذا كنت جُنُباً في أول الليل ومتعب فلم تغتسل فعلى الأقل قم وتوضأ إلى أن تغتسل قبل الفجر. فالماء الطهور هو أقدس أنواع المياه (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48) الفرقان) طاهر في نفسه ومطهِّر لغيره. هذه أمة طاهرة فتح الله تعالى قلوبها على التزكية بشرف المصطفى r. الرسول r هو السبب أن هذه الأمة زاكية وننظر إلى أخلاقياته r كان يحب العطر ويأنف ممن بطنه كبير أو ممن يتجشأ أمامه أو ممن يأكل كثيراً أو يشخر في النوم وكان r أنيقاً.

هذه الأمة عندها حساسية من النجاسة. الرسول r مرّ بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول. تأمل كم هذه الأمة حساسة من النجاسة ولذلك (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة) (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة) الذي كلما وقعت عليه نجاسة أو أحدث تطهر أو الذي هو طاهر تماماً. يقول r: “عامة عذاب القبر من البول فاستنزهوا من البول”. هذه أمة زاكية. يقول r: “إن الملائكة لا تقرب الجُنُب حتى يتوضأ” الملائكة لها مزاج، الملائكة حرس (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ (11) الرعد) (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) الطارق) هذا الحافظ له مزاج إذا رأى صورة خرج، إذا رأى كلباً في بيتك ليس لك حاجة فيه من صيد أو حراسة خرج، إذا أجنبت خرج فعلى الأقل توضأ من الجنابة قبل أن تنام إلى أن تغتسل. وبالاضافة إلى أن الوضوء والغسل عبادة فقد اكتشف العلماء أسراراً عليمة في أهمية الغسل من الجنابة وفي الوضوء ويقولون أنه يزيل التلبّد وينشط الجسم لأن الإنفعال الناتج خلال عملية الجماع يحدث في الجسم والجلد خللاً يزيله الماء فهو منعش ومطهر ومنشّط. يقول r ” لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جُنُب”. هناك عبادات عظيمة من كرم الله عز وجل لم نتثقف في مدى أهميتها، الجميع يتوضأون لكن هذا الوضوء مغبون لأن الناس لم يتعلموا ما معنى الوضوء.

الماء الدافق: (خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) الطارق) الخصيتين تنتجان 300 مليون حيمن والذي يلقح واحد فقط. هذا الحيمن ينبغي أن يصل إلى البويضة خلال عشرين دقيقة والمسافة من بداية الجماع إلى البويضة تساوي نسبياً 100 كيلومتر فإذا مرت عشرون دقيقة فأكثر فلا يكون هناك تلقيح. خلق الله تعالى الماء الدافق لكي ينطلق بقوة ليصل الحيمن إلى البويضة بعشرين دقيقة ولهذا الإنسان كبير السن ولم يعد الماء دافقاً عنده فلا يصل الحيمن لذا لا يعود هناك حمل.

حديث آخر يدل على قدسية الوضوء “عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتى يخرج نقياً من الذنوب ولا يغترنّ أحد”. إذا كنت صالحاً وقد يخطئ الصالح، أنت تصوم وتصلي وقد تخطئ هذه الذنوب اليومية تخرج بالوضوء إذا إعتدت الوضوء. لهذا إسباغ الوضوء فيه يختصم في الدرجات “قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط”. والمهم أنه لا وضوء لمن لا يسمّي. شرط هذا الفضل العظيم في الوضوء أن ذنوبك تتناثر مع الماء أن تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم لأني أشاهد كثيراً من الناس لا يسمّون. وأحسِن الوضوء ومن إحسانه أن تبدأ بالتسمية فكل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله فهو أقطع. هكذا الماء وصفاته وتكلمنا عن نزر قصير من هذه النعمة العظيمة، كل الدنيا لا تساوي شربة ماء إذا عطشت في الصحراء وأنت تملك الدنيا كلها تقول أعطني شربة ماء وخذوا كل مالي. الطاووس لما دخل على الخليفة قال له الخليفة عظني، فقال ماذا تفعل إذا عطشت في الصحراء قال أدفع نصف ملكي لأحصل على شربة ماء، فقال الطاووس وماذا تفعل إذا حُبس الماء في بطنك؟ قال الخليفة أفديه بنصف ملكي فقال لا يساوي ملك لا يساوي شربة ماء.

لما حقت الكلمة على الأمم السابقة كفرعون وغيره كانت عقوبتهم الماء. إذا أكرم الله تعالى عبداً أكرمه بالغيث وإذا عذبه عذبه بالمطر فالماء هو أداة العقاب والرحمة.

بُثّت الحلقة بتاريخ 16/2/2007م