الفرد– الوحيد– الواحد-الأحد –
ها نحن وصلنا إلى فصل الفاء وعندما استعرضت كلمات هذا الفصل وجدت بأننا قد أخذناها وأحصيناها مع كلمات في فصول سابقة ولم تبقى إلا هذه الكلمة وكلمة أخرى وهذا يعني أننا في الآن في الفصول الباقية في القاف والكاف واللام والميم والنون سنمضي سراعاً من حيث أن معظم الكلمات قد بحثت في مجموعات ومنظومات سابقة.
الفرد: كلمة الفرد نبدأ بهذا الفصل حرف الفاء بكلمة الفرد (وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿95﴾ مريم) (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿94﴾ الأنعام) حينئذٍ هذه الكلمة تعني التفرد، والفرد هو الذي كان مع جماعة فانقطع عنهم كنت مسافراً مع مجموعة ثم انفردت يقال فرّد الرجل. في لغة العرب فرّد الرجل من ترك رهطه وقومه وجماعته وسافر وحده يقال فرّد، يقال شجرة فارد الشجرة التي في البستان أو مع مجموعة أشجار شجرة فإذا وجدت شجرة بعيدة عن البستان تسمى فارد، يقال راكب فارد، الراكب الفارد هو الذي ليس معه بعير آخر وحده هو وبعيره. ويقال استفرد فلان فلاناً أي أخرجه من جماعته أي كأن يكون هنالك جماعة وأنت أخذت واحد منهم اسمه فلان الفلاني استفردته أي قطعته عن رهطه وجماعته فصار فرداً. إذن الفرد هو الذي كان مع مجموعة ثم انقطع عنهم على خلاف الوحيد.
الوحيد: لم يكن مع أحد أصلاً (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿11﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿12﴾ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿13﴾ المدثر) هذا الوحيد هو أصلاً ليس لديه شيء كل منا يولد وحيداً (كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أنت في بطن أمك ليس لديك لا زوجة ولا أولاد ولا جيش ولا أعوان ولا أنصار فأنت وحيد. فالوحيد الذي وُجِد وحيداً منذ البداية ليس معه أحد، فإن كان معه أحد ثم انقطع عنه يسمى فرداً. هذا من دقة القرآن فعندما يقول تعالى (ذرني ومن خلقت وحيداً) فالوحيد إنسان ليس متزوجاً وليس لديه أولاد أو أتباع إنسان عائش لشخصه وفي قوله (وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) أي أنه كان مع أولاد وعائلة وجيش وأتباع جاءنا وحده (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فمن لم يتزوج ولم يدخل مع أحد وقد مات أبواه قبله لا يقال جاءنا فرداً ولكن جاءنا وحيداً. هكذا الفرق بين الفرد والوحيد: الفرد من كان مع جماعة فانفصل عنهم في كل شيء شجرة، بعير، راكب، أي شيء ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (سبق المفرِّدون) المفرِّدون هم الذين يذكرون الله كثيراً والذاكرات يلهيهم الذكر عن غيره يتركون الأهل والمال والخ ولهذا في لغة العرب يقال فرّد الرجل إذن تنسّك فيترك أهله وماله وعياله ويتنسك في صومعة في مكان بعيد، في مسجد، ينقطع للعبادة والعلم لا يرى أحد كالإمام السيوطي الذي بلغ من العلم ما بلغ هذا انقطع عن الناس في بيت مبني ليس فيه نافذة ولا باب إلا مكان يدخل منه ويخرج مثل السلحفاة ويعطوه الطعام، حينئذٍ كتب كل هذه الكتب وهو في هذه الخلوة يقال فرّد الرجل كان مع طلابه وشيوخه وأصدقائه وأهله وزوجته وعياله فترك هذا كله يقال فرّد الرجل. فرّد الرجل إذا كان مع جماعة ثم انقطع على خلاف الرجل الوحيد. فكلمة الوحيد تعني أنه لم يكن معه أحد في الأصل.
هذا الفرد وهذا الوحيد.
الواحد: الذي لا ثاني له ولا يتجزأ (إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ (19) الأنعام) ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (92) الأنبياء) هي أمة إسلامية واحدة لا يوجد غيرها هنالك شمس واحدة ولا يوجد اثنتان وقمر واحد لا يتجزأ ولا يصبح أربعة أقمار وإذا جزأته لم يعد قمراً صار هلالاً أو إنكسف. الأحد الذي ليس كمثله شيء. هذا الفرق بين الواحد والوحيد والأحد: الواحد هو الذي لا ثاني له، والوحيد كان أصلاً ليسله رفقة وليس معه أحد، والأحد هو الذي لا يشبه أحد. هذه الأوصاف تطلق على الله عز وجل وخاض فيها علماء الكلام خوضاً لا يحمدون عليه ولن يصلوا من ذلك من شيء إلى يوم القيامة وهو حسب ما أرى علم خبيث فرّق الأمة من لا شيء، بالوهم وكلام فارغ وكلام سخيف كلام للهرطقة فهو يريد أن يتعلم رب العالمين كيف يسمع وكيف يبصر وكيف يدير كونه وكيف يخلق وكيف يميت وهو لا يعرف حتى نفسه فأرنا هذه نفسك التي تحيى بها ما هي وأين هي وما لونها وما وزنها وكيف نفخت فيك وكيف تخرج منك وكيف تموت وكيف تحيى؟ أنت لا تعرف نفسك وتريد أن تعرف رب العالمين الذي (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿103﴾ الأنعام). إذاً هذا علم من العلوم التي ابتُلي بها المسلمون وقتل بعضهم بعضاً إلى هذا اليوم، هذه الفروقات الطائفية التي تطحن المسلمين طحناً تظهر من جديد بين متمردين وبين كذا وبين كذا وبين كذا وكل يقتل الآخر معتقداً أنه كافر من وراء هذا العلم الخبيث باسم العقيدة كالذي يعتقد أن الكرة الأرضية تقوم على قرن ثور كلما تحرك الثور صار زلزالاً، على هذا تذابحوا وأن يأجوج مأجوج أقوامٌ لا يزالون إلى الآن يحاولون أن يهدموا الجدار رغم أن هذه الكرة الأرضية ما بقي مكان فيها إلا مُسِح مسحاً وإن قلت لهم كلاماً آخر اتهموك بالكفر. هكذا هو الفرق بين الفرد والوحيد والواحد والأحد.
كلمة الفرد أعظم ما استعملت في كتاب الله عز وجل في التعبير عن موت المؤمن، عن موت الإنسان عموماً موت العباد بشكل عام: كلمة فرادى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) لقد تقطع بينكم أي أنكم كنتم مع بعض فانظر إلى دقة القرآن فلم يقل جئتمونا وحيدين ولكن فرادى أي واحد بعد الآخر وحينئذٍ أنتم لم تموتوا بشكل جماعي متكاتفين ومتم موتاً واحداً، لا، ولكن كل شخص يأتي لوحده أمة لوحده حالة لوحده نهائياً (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) حينئذ نتكلم عن فرادى في كتاب الله عز وجل في هذا السياق، وهذا سياق علينا جميعاً أن ندركه والنبي صلى الله عليه وسلم أهاب بنا أن نتفكر في الموت، ليس فقط نذكره بل نتفكر ما هو الموت؟ ماذا قبله؟ ماذا بعده؟ كيف عبر عنه كتاب الله عز وجل؟ كيف عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ كيف يقع في حالة الأمر؟ متى نكون فرادى؟ وفي نصوص تقول جئت جماعة (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (73) الزمر) وفرادى تعني لا عيال ولا أهل (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ عبس) وفي آية أخرى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴿23﴾ الرعد) فيجب أن نعرف متى نكون فرادى ومتى نكون زمراً مع أهلنا أو أصدقائنا أو نظرائنا من أصحاب الأعمال؟ ثابت في الحديث أن أهل العلم يحشرون مع بعض زمرة يدخلون الجنة متآخين متحابين من باب معين، والشهداء من باب، الأنبياء من باب، والصائمون من باب الريان، إذاً متى نكون فرادى؟ هذا يقتضي أن نعرف كيفية فقرات الموت كما تحدثنا عنها من قبل أربع أو خمس سنوات ولا بأس أن نعيده باختصار والكلام فيها يطول وحينئذٍ نعرف متى نكون فرادى ومتى نكون في جمع؟ ونحن نعرف أن أخطر وحشة يتعرض لها الإنسان أن يكون فريد حتى لو كان في الجنة أعرف شخصاً في قصر منيف، قصر يتمناه الإنسان في جنته يوم القيامة بقي فيه ليلة واحدة كاد أن يفقد عقله لأنه لوحده لو كان معه إنسان آخر لكان ذاق بهجته. ولذلك التفرد من ساعة الموت إلى أن تصل الجنة من أشق ما يعانيه المؤمن. وأنت لاحظ هؤلاء الناس الذين في السجون أخطر سجن عندما يكون سجناً انفرادياً، وحدك في زنزانة لا تسمع فيها أحداً إلا دقات قلبك هذا أقسى من التعذيب لو كنت مع مجموعة ويعذبوك أرحم من أن تبقى لوحدك ولهذا في كثير من الأحيان يفقد عقله.
نتكلم عن متى نكون فرادى؟ (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿93﴾ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿94﴾ الأنعام) أولاً الظالم هنا يقصد به الكافر (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿13﴾لقمان) الكلام هنا عن المشركين، وعلى جميع الذين يسمعوننا أو يقرأون كتباً أنزلها الله عز وجل ولم تحرّف عليك أن تفرِّق دائماً أن يوم القيامة هناك مكانان لا ثالث لهما: مكان لمن يوحّد الله عز وجل ومكان لمن يشرك به وهذا عالِم وهذا عالِم، هذا لا يدري أين يذهب هذا؟ طريقان ما أن تخرج روحك إلا وتحمل ما يقرب من عشرة دقائق في مكان مظلم ضيق هذه الاختناقة، هذه الذي سماها النبي صلى الله عليه وسلم ضغطة القبر، هذه كالولادة عندما يولد الطفل يبدأ بالبكاء، مرور الطفل من الرحم إلى عنق الرحم إلى خروجه من بطن أمه اختناق ولهذا أول ما يخرج يبدأ بالبكاء لاختناقه. وبالضبط هذه الولادة نفسها سنمر بها ساعة ما نموت، كما يفعل رواد الفضاء عندما يخرجون من الغلاف الجوي يحصل لهم هذا وإذا حدث عطل في الكبسولة التي هم فيها يموتون وقد حصل أكثر من مرة أن رواد الفضاء وهم من الرجال عالي القيمة وقيمتهم عالية علمياً لخلل في الكبسولة وجدوا مختنقين لم يستطيعوا أن يجتازوا هذا الحجاب الحاجز في الفضاء فماتوا. هكذا هو كل موت، بعد هذا الموت، بعد هذا الحجاب، بعد هذا النفق الضيق الذي هو ضغطة القبر حينئذٍ إما إلى جنة وإما إلى نار أي مكان للموحدين ومكان للمشركين. الكلام هنا عن الظالمين المشركين الذين يعبدون حجراً أو مدراً أو شخصاً أو نهراً وما أكثرهم في التاريخ الإنساني من آدم إلى أن تقوم الساعة (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿1﴾ الرعد) وفعلاً معظم بني آدم من آدم إلى أن تقوم الساعة النسبة الأقل هم الذين وحّدوا الله توحيدا يرضيه والغالبية العظمى أشركت به بهذا الشكل أو بذاك. الكلام هنا عن المشركين (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) الغمرات الشِدّة التي لا نجاة لك منها، هناك شدة تخرج منها لكن إذا كانت الشدة بحيث أنه من المستحيل أن تخرج منها كأن يحكم على شخص بالأشغال الشاقة مؤبداً هذه غمرة لن يخرج منها إلا بموته. حينئذ رب العالمين يتحدث عن أن هؤلاء الظالمين في ساعة الاحتضار هم من أشق الناس من ساعة الاحتضار إلى أن يصلوا جهنم. يقول تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) للعلم ساعة الاحتضار هنالك عدة ملائكة والملائكة هؤلاء خلقٌ عظيم ولكلٍ وظيفة: النازعات والناشطات الخ فهنالك ملائكة للرزق وللآجال وللتعذيب وللرحمة ومنهم من يسوقون المطر ومن يحمون الأطفال (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (11) الرعد) (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴿4﴾الطارق) فهم مالئين الكون. ساعة الاحتضار تأتيك مجموعات من الملائكة قبل أن يأتوك ملائكة الموت تجيء إما ملائكة الرحمة وإما ملائكة العذاب، ملائكة العذاب (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿50﴾الأنفال) في جميع أنحاء العالم اليوم ليس هناك استثناء لا أوروبا ولا أمريكا ولا روسيا ولا دول عربية ولا عالم ثالث الكل يُعذِّب المساجين وفي العالم كله لم يعد هنالك عالم حر وعالم كُر الكل أصبح كراً. التعذيب الآن قبل المحاكمة هكذا بالضبط الموت. وللعلم هنالك وفاة وهنالك موت عندما ينقطع اتصال الإنسان بمن حوله أصبح بالوفاة لكنه إلى الآن حي (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴿83﴾ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴿84﴾ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴿85﴾الواقعة) فهو حي لكنه غافل وكلنا رأينا هذا، شخص كان يتكلم معنا وفجأة انقطع أصبح ذاهلاً يهذي بكلام غير مفهوم يتكلم مع أناس غير موجودون ورأينا أناس وجوههم في غاية الرضا وآخرون مرعوبين وقد قرأنا كتباً عن بعض كبار المجرمين في التاريخ، شهود عيان أنه كان على وجوههم رعب لا يمكن وصفه. وهنالك من تراه مبتسماً ابتسامة هائلة كأنه نائم. ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم على أمته المؤمنين الموحدين وهي أمة رحيمة نادراً ما يموت مسلم وفي رقبته حقوق الغير، أناس رحيمين ببعضهم فكلمة طيبة تكفيهم ليتصافوا يقول صلى الله عليه وسلم “والذي نفس محمدٍ بيده لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون” وهذا حادث. وأناس بالعكس والعياذ بالله أصحاب الحقوق الذين يعذبون ويقتلون والخ فيهم رعب هائل (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أخرجوا أنفسكم وهذا كلام ملائكة العذاب الذين يتوفونهم ضرباً (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) فهو لا يزال يتنفس في الوفاة وتبدأ به الرحمة أو العذاب تبدأ الرحمة والعذاب تتعامل مع المحتضِر في ساعة الاحتضار فيضربونه، وهنالك ملائكة الرحمة في نفس الساعة (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴿30﴾ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿31﴾ فصلت). إذاً هناك نوعان من الملائكة تتعامل مع نوعين من البشر: الموحّدون لله عز وجل (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) ألا تخافوا مما هو قادم ولا تحزنوا على ما تركتم من أموال وملك وثروات والخ وابشروا بالجنة. فالفرق بين الإيمان والشرك فقط بغض النظر عن الأعمال. بعد هذا مرحلة التحقيق وقد قلنا أن مرحلة التحقيق تعذيب فالتحقيق الآن في كل العالم تقريباً إلا باستثناءات ضئيلة كهذه الدولة المباركة والباقون كلهم يعذبون الجمهوريات الإسلامية تعذب وأوروبا تعذب وأمريكا تعذب وروسيا تعذب كله يعذب قبل المحاكمة فلا يصل إلى المحاكمة إلا وهو مقضي عليه من التعذيب. حينئذٍ هذا بالضبط يحدث في مرحلة الاحتضار تأتي ملائكة العذاب لمن هو مشرك وملائكة الرحمة لمن هو موحّد تأتي تهنئه وتطمئنه وتبشّره ما دام يقول لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبه تصديقاً لا شائبة فيه. حينئذٍ هذا الذي يجري يقول (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) لو نلاحظ أن الآن في السجون العنيفة لا يقتلون السجين بل يتركونه هو لكي يقتل نفسه وينتحر. قال صلى الله عليه وسلم عن المؤمن “تسيل روحه كما تسيل القطرة الصافية من السِقاء” فالماء يجري في غاية اليسر والسهولة. وقد سمعنا عن كثير من الذين قتلوا أنفسهم أو انتحروا في السجون وهذا الذي جرى في الحرب العالمية الثانية رومل الذي كان يسمى ثعلب الصحراء ضد مونتغمري اختلف معه هتلر فقال له اقتل نفسك وتبقى أنت زعيم وفعلاً انتحر.
إذاً أنواع الملائكة ساعة الاحتضار هم ملائكة العذاب للمشركين فقط وملائكة الرحمة للموحّدين فقط وملائكة الموت الذين هم (إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴿61﴾الأنعام) قبل الموت هنالك وفاة والوفاة هي ساعات الغيبوبة عن الدنيا والتعامل مع الآخرة ولكنك لا تزال حياً ولكنك ذاهلٌ عمن حولك هذه هي الوفاة (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا (42) الزمر) ساعة الموت هنالك مقدمة وهي الوفاة. وفي هذه الوفاة تكون مرحلة التحقيق الأول التي يكرم فيها البريء ويعذب فيها المتّهم على أيدي المحققين. حينئذٍ إذا كنت موحداً فإن عليك أن تُحسنَ الظن بالله في مثل تلك الدقائق إذا قرّبت من الموت كأن تكون مريضاً بدأت تموت هذه الدقائق وأنت صاحي عليك أن تضيف إلى خوفك من الله عز وجل كمية هائلة من حُسن الظن لو تعلمون ماذا يعني أن تظن بالكريم خيراً؟ ولا بد أن تظن بالكريم خيراً. وحينئذٍ قل يا ربي أنت أكرم الأكرمين وأنت غنيٌ عن عذابي وأنا والله أموت ولا أشرك بك أحداً وليس لي مال أتقدم به إليك إلا أني أموت ولا أشرك بك أحداً حينئذٍ في هذه الساعة يتجلى كرم الله من حيث من هذه الدقائق، من ساعة الوفاة أي ساعة الاحتضار تبدأ تسع وتسعين رحمة تتعامل معك وكل ما أعطاك الله للبشرية من نعم في الدنيا كلها برحمة واحدة فتأمل ماذا تفعل؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله” لأن الله سبحانه وتعالى قال: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي عبدي ما يشاء) هذا هو الكرم وهذه هي الرحمة، هذا هو التفرد الذي لا يكون إلا لله عز وجل (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿16﴾ غافر) ويعفو عن كثير، يستر القبيح، يظهر الحسن، يغفر مليون زلة بحسنة واحدة، بتسبيحة، بسقيا كلب، بكظمة غيظ، بدمعة من عينيك من خشية الله، بركعتين في جوف الليل، بعدل ساعة أنت حاكم أو أمير وجاءك واحد متهم وقد ركبه الذنب فعدلت له وعفوت عنه يعفو الله عنك حينئذٍ عليك أن تحسن الظن، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب فسأله: كيف تجدك قال: أرجو رحمة ربي وأخاف ذنوبي قال صلى الله عليه وسلم: “والله ما اجتمعا في قلب عبد ٍ مؤمن في مثل هذا الموطن إلا غفر الله له كل ذنوبه وإلا أعطاه الله ما يرجو” أي من حيث الرحمة. عبدالله بن مسعود من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قال: “والذي لا إله غيره لا يحسن عبدٌ الظن بالله إلا أعطاه ظنه وذلك بأن.الخير في يده” صدق عبدالله ابن مسعود. حينئذٍ هذا الذي نتكلم عنه نحن لا نزال في مرحلة الوفاة وهذه تتم في عالم آخر حينئذٍ ولو أن صاحبنا المحتضر لا يزال بيننا ولا يزال يتنفس لكن يتعامل مع العالم الآخر (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) بدأ يتعامل مع العالم الآخر ولهذا كل محتضر أو كل مريض إذا وجدته يتكلم كلاماً ليس مفهوماً مع أمه المتوفاة أو أباه أو فلان لن يعود أبداً، هذا من سر الله. كثير من الناس يبقى لسنوات مغمى عليه لا يعي لكن يرجع يعيش متى ما تكلم مع الآخرين اعلم أنه وصل إلى العالم الآخر (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى) وأنتم تعلمون كما تكلمنا من قبل أن المجيء غير الإتيان: المجيء أي الإتيان من بعيد (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ﴿11﴾ طه) هذا من بعيد، (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿8﴾ النمل) جاءها أي وصل. (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا ) أي وصلتم، (وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿95﴾ مريم) كلنا نحن، نحن لا نزال في بداية الوصول، نحن في طريقنا إلى تلك الساعة (وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) آتيه ولم يقل جاءه لأنه من بعيد نمشي في الطريق إلى الله عز وجل، هذا الذي في الاحتضار وصل قال (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ). إذاً نحن الآن لا نزال في البرزخ ليس في هذه الدنيا كل ما يجري للإنسان الذي يموت بعد الوفاة عندما يذهل عمن حوله ويتعامل مع العالم الآخر حينئذٍ انتهى لم يعد من أهل الدنيا ولو أنه لا يزال بيننا كل ما يصيبه بعد ذلك من نعيم أو شقاء أو عذاب أو عذاب قبر أو رحمة أو أكل فهذا برزخ، البرزخ هو العالم الثالث بين العالمين بين عالم الدنيا وعالم الآخرة، هذا البرزخ الذي هي المحطة وكل فصلين بينهما فصل احتياطي بين الشتاء والصيف هنالك ربيع وخريف لا يوجد هنالك نقلة مباشرة، بين صف وصف في المدرسة هنالك ثلاثة أشهر إجازة، في كل شيء هنالك إجازة حتى عندما تطلق المرأة هنالك عدة، دائماً هنالك فاصل وهذا الفاصل بالنسبة للموت يسمى البرزخ (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿100﴾ المؤمنون) من ساعة وفاته إلى أن يموت يكون في البرزخ وهنالك في البرزخ حياة كاملة أنت وأهلك والخ. إذاً ساعة الوصول فرادى منذ أن تصل إذن أنت انتهى التحقيق معك، والتحقيق كما نعرف (أول ما يسأل العبد يقال له: من هذا الذي بعث فيكم؟ فتقول: هذا محمد رسول الله أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ما كتابك؟ القرآن كذا أنت بالتحقيق ناجي حينئذٍ يلتئم الشمل. نحن قلنا جئتمونا ساعة الاحتضار ليس معك أحد ولا تعرف ابن ولا عم ولا خال ولا شيء ولكن لوحدك لأنه مذهل، فزع، مخيف، من أجل هذا تأتي الملائكة على أشباه جميلين وآخرين في منتهى الرعب من أجل هذا في تلك الساعة أنت فرد (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى) لا ينتهي التحقيق وأنت ناجي وأنت موحد وكما في الحديث “أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة فإن حسنت حسن سائر عمله وإن ساءت ساء.سائر عمله” فأنت إذا كنت موحداً وكنت من أهل القبلة فقط بالتحقيق أنت ناجي في هذه المرحلة أنت ناجي وتستقر في البرزخ فعندما تخرج من التحقيق من هذا النفق الذي ثبت علمياً أنه موجود هذا النفق تصعد من هذا النفق وهنالك أحاديث كثيرة (عندما تصعد الروح إلى رب العالمين ويقول اكتبوا كتاب عبدي في عليين) ثم ترى عائلتك وأهلك وترجع الصلة بعائلتك ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث….. من ولد صالح يدعو له” فعدنا عائلة والتئم الشمل هذا ابني وهذه ابنتي هذا فلان هذا تزوج هذا ذهب أعمالهم تراها فإذا رأيت خيراً حمدتموها وإلا قلت يا ربي لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا ترجع الصلة، ونكون فرادى أي في غاية الاستيحاش ساعة الاحتضار أنت فرد وحينئذ في تلك الوحشة رب العالمين يقول (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي لا تخاف ولا تحزن على الذي راح وابشر بالجنة فيسعد سعادة هائلة أما الآخر والعياذ بالله (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الهوان والمذلة هنالك عذاب ليس فيه مذلة أي عذاب الجهل كشخص قام بانقلاب فقبضوا عليه وقتلوه قتلة رهيبة لكن بشرف فهو بطل فقد تحمل الموت إعداماً أو شنقاً أو إطلاق رصاص في منتهى الرجولة هو عذاب لكن رجل لا يوجد مهانة وهنالك عذاب فيه مهانة وإذلال كما يحصل في التعذيب. حينئذٍ هذا البرزخ هذا عالم متكامل بعد ما يقول رب العالمين (اكتبوا كتاب عبدي في عليين) يعود وينزل وله مكان يسكن فيه وفيه أكل وشرب (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿25﴾ البقرة) في البرزخ تأكل وتشرب من الجنة إذا كنت من الناجين بحيث يوم القيامة تقول هذا الأكل كان يأتينا مثله في البرزخ حينئذٍ هذا الذي تعود فيه الألفة، فأنت تدعي لأمك أو لأبوك عندما تستغفر للأموات كله يصل التواصل بينك وبين أهلك يستمر تعود الألفة. إذن المقطع الأول أنت تأتي فرداً في ساعة الاحتضار إلى ساعة ما تستقر في البرزخ بعد العرض على الله تعالى (اكتبوا كتاب عبدي في عليين) وترجع الصلة مع أهلك أو يقول (اكتبوا كتاب عبدي في سجين) (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿7﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿8﴾ المطففين) ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿18﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿19﴾ المطففين) هذه المرحلة الأولى أنت فرادى تبقى في البرزخ تستقر تأكل تشرب وتنتقل من مكان إلى مكان فالبرزخ عالم بقدر الأرض مليار مرة فأنت تكون في مكان ثم تنقل رأساً لمكان أفضل وأوسع وأجمل وفيه نافذة على الجنة ترى بيتك فتقول: يا رب بم نلت هذا ولست في دار عمل؟ فيقال له: هذا باستغفار ولدك لك. ما من شيء أرجى للميت من الاستغفار كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم “استغفروا لصاحبكم فإنه الآن يُسأل) حينئذٍ رجعت العلاقات الأسرية ابنتك، ابنك، عمك، خالك، أخوك، كل هذه العلاقات رجعت من جديد، فأنت تكون فرادى ساعة النزع أو ساعة قبض الروح تستمر أنت مع العائلة إلى ساعة البعث هناك تعود لوحدك وهناك يكون الرعب (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿37﴾ عبس) هناك ترجع الوحشة والوحدة من هول الموقف فهناك الفزع الأكبر الأنبياء يجثون على الركب من الخوف كالذين في السجون عندما يرون التعذيب ويسمعون صراخ المعذبين من الألم والفزع يجثون على ركبهم فلم تعد أقدامهم تحملهم ويشعرون كأن معدتهم تكاد تنفجر من الألم فيجثون على ركبهم ويعصرون بطونهم من شدة الفزع مما يحدث حولك فتأمل إذا كان هذا في الدنيا فكيف فزع الآخرة عندما تكون في الحشر وتسمع فحيح جهنم وهي تنادي هلُمَّ إلي؟ (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴿12﴾ الفرقان) الفزع الأكبر هناك تبقى وحدك أيضاً لا ترى أحد كلهم حولك لكنك ذاهل (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿2﴾ الحج) نحن رأينا في حياتنا هنا بعض الكوارث، بعض الأوبئة تفعل هذا، إعصار رهيب الناس تذهل ورأينا حروباً كما في العراق وغيرها الناس تذهل من الذبح والإبادة والناس يفرون من هذا ورأينا البيوت تحرق بأهله وأطفاله ونسائه فكيف يوم القيامة العذاب الأكبر؟ النار؟ (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا (46) غافر) حينئذٍ هناك تبدأ الفرادى مرة أخرى. حينئذٍ تبقى فرادى في وحشة هائلة (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴿108﴾ طه) مرعوب ولا ترى أحد وهذا في الدنيا قد يحدث في ساعات التعذيب الجماعي كما في كوسوفو الصرب كانوا يحرقون بالمئات يضعونهم في مبنى ويحرقونهم جميعاً والكل تشتعل فيه النار فقد يكون معه ابنته وأخاه وأطفاله لكن الكل مشغول بنفسه ولا يفكر بالآخر من شدة الذهول والهول وهذا في الدنيا وعذاب الدنيا لا يوازي شعرة من عذاب الآخرة. إذاً بعد أن كنا فرادى ساعة الاحتضار والموت والتحقيق الأولي عندما تأتيك ملائكة عذاب وملائكة رحمة وملائكة موت ثلاثة أنواع من الملائكة موجودين مجموعات خمسين ملك من ملائكة العذاب سود غلاظ كل واحد منهم سِنُّه بقدر جبل أحد شيء مرعب وملائكة الرحمة في غاية الجمال وملائكة الموت حينئذٍ هنالك أنت وحيد هناك فرد (وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) بعد ذلك تعود مع أهلك في البرزخ تواصلهم ويواصلوك وتراهم في الرؤيا وهنالك أناس يجتمعون مرة أخرى بأجسامهم الأثيرية فكثير من الناس رأوا فلان الفلاني حي ولكن عندما يمسكونه لا شيء فهو أثير وهذه حقيقة ثابتة ربما عاد بعض الأموات بأجسامهم الأثيرية حتى اجتمعوا بأصحابهم والنبي صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء فقد عادوا بأجسامهم الأثيرية وقال r لقد رأيت أخي موسى قائماً في قبره، وسمعنا من أناس عدول قد رأوا أبائهم وبعض الصالحين بعينيهم وهذا باب فلسفي كبير.
سؤال من مشاهد: الفرق بين لحظة الموت وانتهاء التحقيق فالبعض يقولون أنه يستحسن أن يبقى الأهل مع الميت يدعون له؟ ثق ما أن يموت الميت بأقل من مليار من جزء الثانية انتهى التحقيق وراح واستقر إما في مكان الموحدين أو المشركين وأنت لم تغسله إلى الآن هذا من باب حب البشر للناس في أقل من لمح البصر تمت الوفاة ثم الموت ثم التحقيق وهم منكر ونكير ثم صعد السموات ونزل وهذا كله يحدث في زمن صفر كلمح البصر أو هم أقرب وهذا القبر لا يوجد فيه شيء فالقبر هذا دنيوي فهو مخزن لهذا الجسد الذي كان تراباً فعاد تراباً ولن يعود إليك بل سيعود إليك جسد عملاق فأنت في البرزخ فترة ترقي فالمجنون يعقل والطفل يكبر والغبي يصبح ذكي (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿22﴾ ق) ستكون علّامة بمستوى العالم القادم فأنت الآن جدك التاسع العشر الماضي كانت معلوماته قليلة وأنت الآن معلوماتك أكبر بكبير من معلومات جدك هكذا في البرزخ لأن العالم مدهش هناك والقوانين تختلف عن كل قوانين الأرض فهي فترة ترقي (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) معلوماتك هائلة فليس هنالك لا مجنون ولا طفل ولا غبي ثم حينئذ أنت في هذه الثواني تكون استقريت والخ وإلى الآن جثمانك هذا الذي سيصبح تراب وينتهي الأمر تماماً هذا لا يزال لم يحرك من فراشه أو من المستشفى أو من المغسلة.
حينئذٍ التئم شمل الأسرة بالبرزخ صار البعث، جئنا فرادى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) ثم صار الحساب كل شخص عرف طريقه إما إلى جنة وإما إلى نار، يلتئم شمل الأسرة مرة أخرى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿73﴾ الزمر) إذاً يلتئم شمل الأسرة مرة أخرى وذلك لأن رب العالمين يوم القيامة يعلمنا أن هنالك أصناف من العباد مرحومين رحمة هائلة من خصائصهم ومن صلاحياتهم أن فلان الفلاني إذا كان من أولي الألباب (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿19﴾ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴿20﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴿21﴾ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴿22﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴿23﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴿24﴾ الرعد) أي كل من هو صالح للجنة من أهلك بما يصلح العبد للجنة؟ بلا إله إلا الله وحدها إذا لم يكن لك من عمل صالح في حياتك كلها إلا أنك قلت يوماً مصدقاً بها قلبك لا إله إلا الله فأنت صالح للجنة ولا يجب أن يكون تقياً مثلك وإلا فأين المِنَّة؟ ومِنَّة الله عليك أن كل أهلك وأقاربك وإخوانك وزوجتك وعيالك وبناتك وأجدادك كلهم يأتون معززين مكرمين يدخلون الجنة من غير حساب وفي درجتك والجنة مائة درجة بالضبط كمن يتعين سفير فيذهب في قصر فخم جداً في مكان راقي ولكن معه أمه العجوز وزوجته الأمية وأولاده الأطفال كما فعل يوسف عليه السلام (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿93﴾ يوسف) أتى بكل أهله عجائز وكبار في السن ورفعهم على العرش هكذا يوم القيامة والكلام في هذا طويل ومن رحمة الله العظيمة في هذا المجال نجاك بأنه يكفي أن يصلي عليك أربعين شخص أو شهد لك أربعة أو خمسة بالخير ولهذا من صلى الجنازة الله يغفر له جميع ذنوبه وذلك لأثرها على العباد ومن العبادات الجليلة أن تتبع الجنائز ويرجع الإنسان بثلاث قراريط كل قيراط مثل جبل أحد من الأجر لأن صلاتك على الميت ستنجيه فصلي على الميت لكي يبعث رب العالمين من يصلي عليك.
بُثّت الحلقة بتاريخ 16/3/2007م وطبعتها الأخت نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها