الحلقة 1:
(إن من البيان لسحرا)
القرآن ليس فيه سحر البشر وإنما هذا السحر الذي بهر العرب وبهر العالم أجمع.
خصّ الله تعالى نبيّه محمداً r بكتاب بأفصح لسان وجعل فيه غرر البلاغة ودرر البيان فتحدى به قوماً ملكوا ناحية الفصاحة وفنون الكلام وتحداهم بأن يأتوا بسورة بل بآية من مثله فخابوا وخسروا وبهرتهم سلاسة ألفاظ القرآن وإحاكم أساليب القرآن، الإيجاز والحجة والبرهان حتى قال الوليد بن المغيرة: والله إن له لحلاوة وإن أصله لغدق وإنه فرعه لجنان (ثمار لا تتوقف). وحقّ للوليد أن يقول ذلك فهو أمام حبل الله المتين والنور المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يملّه الأتقياء ولا تنقضي عجائبه على كثرة ترداده وقراءته ولا تزيده تلاوته المتكررة إلا حلاوة. وتزداد محبتنا للقرآن الكريم كلما قرأناه أكثر. سبحان الله! وكل كتاب يُقرأ يُملّ بعد مرتين أو ثلاث لكن القرآن لا يزال غضّاً طرياً وعداه من الكلام مهما وصل من الحسن والبلاغة مبلغاً يملّ مع الترديد ويُعادى إذا عيد كما يقولون لأن إعادة الحديث أثقل على القلب من الحديد كما قال السيوطي رحمه الله.
هناك لفتة جميلة من سيد قطب – ونظرت في كتب التفسير فلم أجد تفسيراً حديثاً يستمتع به الإنسان كتفسير في ظلال القرآن لسيد قطب – يقول في لفتة استخرجت منها عنوان حلقات هذا البرنامج، يقول: سَحَر القرآن العرب منذ اللحظة الأولى سواء منهم في ذلك من أسلم وشرح الله صدره للإسلام وكذلك سَحَر من جعل الله تعالى على بصره غشاوة وإذا تجاوزنا عن النفر القليل الذين أسلموا ليس بسبب القرآن وإنما بسبب شخصية محمد r قبل أن يتتالى القرآن الكريم مثل خديجة وعلي بن أبي طالب وأبو بكر وزيد بن حارثة هؤلاء أسلموا بمعرفتهم بمحمد r أنه صادق أمين ذو خلق عظيم. إذا تجاوزنا عن هؤلاء وأمثالهم – ممن أسلموا بسبب شخصية محمد r – نجد أن القرآن الكريم كان هو العامل الحاسم في إسلام الهعرب وإيمان الذين آمنوا في أوائل دعوة الإسلام. هؤلاء الذين أسلموا لم يسلموا لأن محمداً r كان له قوة أو سلطان أو دولة أن كان يعطيهم مناصباً، لم يكن له حول ولا قوة ولم يكن للإسلام قوة ولا منعة. وعندما ننظر في إسلام عمر بن الخطاب نجد أن الاسلام كان مضطهداً لحظة إسلام عمر. عندما ننظر في انبهار الوليد بن المغيرة نجد ذلك في حالة ضعف الاسلام وهذه فترة اضطهاد المسلمين من قريش.
سنذكر شيئاً من القصص كيف انبهر العرب بكتاب الله عز وجل وكيف لما كانت تنزل الآيات كان العرب الفصحاء يشدهون عندما يرون القرآن الكريم. قصة عمر بن الخطاب والوليد بن المغيرة تكشفان عن هذا السحر القرآني الذي أخذ العرب أخذاً منذ اللحظة الأولى. هذه الحلقات ستبيّن أين هذا السحر القاهر هو ليس كالسحر وحاشا للقرآن أن يكون كتاب سحر ولكنه كتاب بيان كما ذكره الله عز وجل.
كيف استحوذ القرآن على قلوب العرب وعقولهم بحيث أقرّ بهذا الأمر مسلمهم وكافرهم؟ الكل تأثر بالقرآن الكريم فكيف حدث ذلك؟