قصص القرآن

قصص القرآن – الحلقة 12

اسلاميات

الحلقة 12

 

ترتيب نزول الآيات كان يتّسق ويتفق مع زمانه أما ترتيب الكتاب فهو الذي يقابل ما نحن فيه مع زماننا. الشاهد على هذا الكلام أن سورة البقرة ترتيبها 87 في النزول والثانية بعد الفاتحة على رأس الكتاب. عندما نستعرض السور السبع التي وردت فيها قصة آدم u: البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، طه ، ص. نجد أن سورة الأعراف هي الثانية من حيث النزول والثالثة من حيث ترتيبها في الكتاب، سورة ص هي ترتيبها الأول من حيث نزول قصة آدم فيها وترتيبها السابعة في الكتاب. بلا شك هناك ما أراده الله سبحانه وتعالى بهذا الجمع. القضية أنه ساعة نعرض للقصة يتابع الناس معنا كما تقرأ بترتيب الكتاب ونحن قررنا أن نسير على ترتيب الكتاب وليس على ترتيب النزول حتى يسير الناس معنا وهم يقرأون القرآن بترتيب الكتاب. وسبحان الله تعالى فإن الآيات كلها إذا جمعتها من كل السور التي وردت فيها تجد أنها جاءت بأكثر من ملمح في كل قصة ففي سورة البقرة مثلاً كثير من الآيات التي لم تأت في القصة في سورة أخرى. ففي سورة البقرة ورد نص (إني جاعل في الأرض خليفة) هذا النص لم يرد في أية سورة أخرى ولم يتكرر جاء في سور أخرى (إني خالق بشراً من طين) وهذا ما تنفرد به القصة في سورة البقرة وهي على رأس الكتاب. وهنا يجب أن نوضح أنه لما نتكلم في هذا البرنامج عن القرآن نقصد به النزول وعندما نتكلم عن الكتاب نقصد به المصحف بترتيبه الذي بين أيدينا اليوم.

في سورة البقرة قال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وأتمنى أن أمحو من أذهان الناس آثار الإسرائيليات وأذكر أن أحدهم سألني مرة: هل الملائكة تتكلم؟ ووجدت من أسئلته ما يحتاج لوقفات. يجب أن نقول أننا نحن نأخذ القصص في القرآن حتى نأخذ العبرة والعظة منها. حتى من موقف إبليس ساعة حسد آدم ويجب أن نفهم ماذا حصل؟ لماذا لم يسجد إبليس لآدم كما أمره الله تعالى؟ لأن هذا واقع حال ويتكرر عندنا الآن. كثير من الناس يتكلم عن السحر ولكن لم يقف أحد عند الحسد وأصل قصة آدم كلها أنها مبنية على الحسد لأن إبليس لم يعجبه تكريم المولى لآدم فحسده ولما حسده وحتى يوقع الحسد فيه رأى زاوية الضعف في آدم. كما جاء في حديث رسول الله r أنه ساعة خلق الله آدم وتركه ما شاء الله أن يتركه (في الإسرائيليلت يقولون أربعين سنة) أخذ إبليس يستعرض هذه الجثة قبل نفخ الروح فعلِم أنه خلْق لا يتمالك أي عنده شهوة تُسهّل مهمة إبليس معه لأنه أجوف. لا يتمالك لغة تعني لا يملك نفسه عند الغضب، عند الشهوة وهذه حالات سيطرة إبليس علينا وهو يدخل من هذه المداخل: الغضب والشهوة. عرف إبليس نقطة ضعفنا ولذا فسيطرته سهلة وعلينا نحن أن نسد الثغرات لننجح في المعركة القائمة إلى يوم الدين بيننا وبين إبليس. ساعة فراق الدنيا هي الساعة التي يعرف الإنسان منا هل نجح في الإختبار مع إبليس وهذه هي اللحظة التي يبكي عليها العارفون ساعة فراق الدنيا إلى الدار الأبدية لذا نستعرض هذه القصة لنأخذ منها العِبر.

سؤال ما هي الملائكة؟ ذكر الله تعالى في القرآن خلق آدم والإنسان وخلق الجن لكن لم يذكر خلق الملائكة فجاء الحديث الشريف ليخبرنا عن خلقهم لحصول التكامل بين الكتاب والسُنة. قال رسول الله r:” خُلِقت الملائكة من نور وخُلِق الجن من نار وخُلق الإنسان مما وُصِف لكم” (مما وصف لكم) لأن مراحل خلق آدم تحدث عنها القرآن الكريم .وهذه حجة على الذي يرفض السُنة ونقول له من أين عرفت عدد ركعات كل صلاة إذن؟

سورة البقرة تعطينا جانباً من جوانب قصة آدم u وكل سورة وردت فيها القصة فيها لمحة جديدة ولا يوجد تكرار في القصة. قصة آدم جاءت في سبع سور وكل سورة فيها ملمح لم يأت في سورة أخرى. أحد رواة الإسرائيليات قال أن الله تعالى يستشير الملائكة لكن هذا غير صحيح لأن الله تعالى قال (إني جاعل) ولم يقل سأفعل أو يا ملائكتي أأخلِق؟ أو غيره وهذه الكلمة (إني جاعل) هذا قرار ولا تدل على إستشارة أو غيرها (إسم الفاعل جاعل يقع وقوع الثبوت) والله تعالى أمره (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون) هو سبحانه وتعالى لا يستشير. الشيء لم يكن موجوداً عندنا لكنه موجود عند الله تعالى بمجرد إرادته لهذا الشيء يوجد وكلمة (يقول له) تتعني كأن الشيء أمامه وإلا ما إستعمل الضمير (له) وقوله تعالى (كُن فيكون) تعني إظهر للخلق فهو موجود أصلاً (وليس من الكينونة) ولو لم يكن موجوداً لما اقل (له) فإذن كُن يعني إظهر للبشر أو لخلقي.

(إني جاعل في الأرض خليفة): سورة البقرة تكلمت عن واقعة لم تتكرر في باقي السور وهو ردّ الملائكة. تخيّل لو لم يأت ردّ الملائكة تكون الآية على النحو: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. جاء في البقرة ملمحاً جديداً أن الملائكة ردّت وفكّرت وتوقعت لكن لو لم تكن تكلمت لكانت القصة في سورة البقرة تكراراً لما ورد في غيرها من السور. كلام الملائكة يبيّن أن الآيات في هذه السورة ستتحدث عن ملمح لن يتكرر في سورة أخرى. فسورة البقرة هي الوحيدة التي جاء فيها ردّ الملائكة (قالوا).

(وإذ قال ربك للملائكة) : أي أُذكر يا محمد. الواو في (وإذ) متعلقة بذكر الواقعة كأنها إستئنافية ليذكر لنا الرسول r عبر الوحي هذه القصة. كأن الرسول r عندما تنزل الآيات سيقول بالنص (وإذ).

سؤال ما موقع هذه الآيات بالنسبة لما سبقها؟

عرض خلق الكون وكيف إستعدّ الكون لهذا لإستقبال هذا الجعل فكأنه يضيف إلى المؤمنين من تؤنبه نفسه (فكيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم.. ترجعون) نحن لم نعش لحظة الخلق ولكننا عشنا لحظة الموت ورأينا من يموت ودفنّاه فنأخذ من هذه شاهداً لتلك. يجب أن نعمل حساباً لقوله تعالى (ثم إليه ترجعون). (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) قبل خلق آدم. (وإذ) اذكر أنه بعد أن خلق الكون وأعدّه خلق آدم ولم يستشر. هناك ربط بين هذه الآية وما قبلها بالواو في (واذكر). اذكر يا محمد ساعة قال ربك للملائكة تبين أن الرسول r يستمد من هذه القصص صدق نبوته وصدقه في الوحي فهو لم يحضر هذه القصص ولم ير نوحاً وإبراهيم وموسى وعيس. قصص هؤلاء جاءت في التوراة والإنجيل وكان حري بهم أن يقولوا له صدقت. فالله تعالى يؤيد الرسول r بصدق القرآن الكريم.

(وإذ) أي اذكر وقل لهم حتى يصدقوك. (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) بالرصيد الموجود عند الشخص لمن يُتكلم عنه إما تصدقه أو تكذبه. فهل يعقل أن يغامر الرسول r بحكاية يكذّبوه فيها؟ هل سمعتم أن يهود المدينة قالوا للرسول r لم يحصل ما تقول؟  وهذا سيبقى حتى بعد وفاة الرسول r فالقرآن باقٍ بقوله (وإذ).

عندما سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: يا أبا بكر هل عرفت ربك؟ قال نعم، قالوا  بِمَ؟ قال عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي، فقالوا: كيف عرفته؟ قال: العجز عن الإدراك إدراك والبحث في ذات الله إشراك. هذه الجملة يجب أن تدعل كل بشر يسلم بها فعندما تعجز عن إثبات وجوده فقد أثبته. طالما أن اليهود لم يكذبوا الرسول r في واقعة من وقائع القصص فهذه غاية القصص. القصة التي يحكيها الرسول r لها واقع في التوراة والإنجيل وهو لا يعلم فهو صادق لذا قال تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص) لم يكن الرسول r قبل البعثة يقص قصصاً. هو r قًصّ عليه القصص ولم يكن هو الذي يتتبع القصص. (بما أوحينا إليك) القصص ضمن الوحي كقصة نوح وموسى وعيسى وغيرهم. عقاب المشركين يوم القيامة أنهم عندهم القصص في كتبهم ولكنهم كذبوا محمداً r عندما أخبرهم بها لذا فليس عبثاً أن جاء في الاتحة قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم تأتي سورة البقرة تتحدث عنهم. الرجل العاقل لا يضحك على نفسه فهم لديهم القصص في كتبهم لكنهم لم يصدقوا الرسول r.

سؤال ما دلالة إستعمال كلمة(ربك) بدل الله مثلاً؟

لأنه عندما قال إقرأ قال (إقرأ بسم ربك الذي خلق) وبسم الله جاءت على رأس كل السور تطبيقاً للقول. جاءت (ربك) لأجل موضوع العبودية.

سؤال (وإذ قال ربك للملائكة) هل الأمر صدر لجميع الملائكة؟

هناك رأيان في هذا بعض المفسرين قدامى ومحدثين قال أنه لبعض الملائكة المسخرين والمتصلين بخدمة الإنسان مثل المدبرات أمراً والحفظة وجبريل وإستدلوا على رأيهم بقوله تعالى في آية أخرى (أستكبرت أم كنت من العالين) قالوا: العالين هم الذين لم يشملهم الأمر وهم حملة العرش. والرأي الآخر الذي آخذ به أن قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة) يعني كل الملائكة لأنه لم يقل بعض أو قليل أو كثير فلا يوجد تبعيض وإنما قال للملائكة فلذا نميل إلى أن جميع الملائكة شملهم الأمر. أما كلمة العالين في الآية (أستكبرت أم كنت من العالين) فهي تعني العالين جمع عال أي المستكبرين بدليل قوله تعالى عن فرعون (إن فرعون لعالٍ في الأرض). وهذا الإختلاف بين العلماء شهدناه مع الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ومع أستاذه الشيخ عبد الجليل تواب الذي قال: كل الملائكة والشيخ الشعراوي قال بعض الملائكة والشيخان لم يختلفا إلا في بعض الأمور القليلة جداً. نحن نختلف لكن تبقى اللغة هي الفاضل (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً) اللغة لها وقع في الإستخدام قبل القرآن. نحن نرجح رأياً لكن لا نتعصّب لرأي ضد رأي. والمناقشة يجب أن  تكون للإستفادة حتى لو إختلفنا. يجب علينا أن نقرأ القرآن ونطبقه ونستفيد منه.

(في الأرض) هذه الكلمة تحقق معنى كلمة الجنة التي قلنا أنها على الأرض وليست جنة الخلد لأن أول إستخدام لكلمة الجنة في القرآن (أصحاب الجنة) (جنتان). الأرض التي خلق آدم لها وخلق البشر لها وهي خُلٌِقت وأُعدّت لآدم. قال تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) فنحن لم نأت للسماء ولكن للأرض.

سؤال خليفة: لماذا لم يقل مخلوقاً أو آدم أو غيرها حتى لا تثير كلمة خليفة الجدل؟ خليفة لله أو خليفة يخلف بعضهم بعضاً

أن يكون لله تعالى خليفة فهذا كلام فارغ. عندما تسمع كلمة الله يجب أن تضعه على مدار ما جاء في القرآن (ليس كمثله شيء). خليفة سبق وذكرنا أنه  لغةً هو الذي يخلف غيره ويقوم مقامه بعد موته أو سفره أو غيابه أو إنتقاله . وفي كل المعجم اللغوية كلمة خليفة على أنها عجز المخلوف إحتياجه إلى خليفة. فلان حاكم بلد فيها أطراف مترامية فيستخلف على بعض أجزائها خليفة لأن البشر ليسوا مهيمنين أما الله تعالى فهو المهيمن. الدكتور محمد المسيّر قال أن القول أنه خليفة لله هذا مستحيل.

كلمة خليفة، لنفترض أنهم قالوا خليفة عن الله فلمن تكون الفائدة؟ لله أو للخليفة؟ فائدة لله! فهل يعقل هذا الكلام ؟ وهل الله تعالى يحتاج لخليفة؟ كل البشر يحتاجون لخليفة فالموظف في عمله مثلاً يحتاج لخليفة يخلفه في عمله عندما يكون مسافراً أو بعيداً عن عمله. من يحتاج من؟ الخليفة يحتاج للمخلوف أو  العكس؟ بالواقع الذي يقولونه من إعتبارهم أن خليفة تعني خليفة عن الله كأنهم يقولون أن الله تعالى حاشاه يحتاج لخليفة.

ردّ الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها أي يخلف بعضهم بعضاً فيحدث فساد. الملائكة هم أقدر الخلق على معرفة كُنه الإله الحق ولم أنهم فهموا أن المقصود خليفة عن الله فهل كانوا ليقولوا: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ لا يمكن. الخلق هم الجنّ والملائكة والبشر والملائكة أعرفهم بكُنه الإله الحق وهناك من البشر من عرف قدر الإله الحق لكن الملائكة أقدر الخلق على فهم كُنه الإله الحق بدليل أنهم لا يعصون. خليفة الله كلمة مستحيلة. إنما خليفة تعني على رأي ذرية يخلف بعضهم بعضاً. ساعة مات آدم كان عنده خليفة وحتى الذي ليس لم يخلّف فهناك كثيرون غيره عندهم خليفة.

سؤال  لماذا قال خليفة؟ هذه على مراد الله تعالى حتى نفتح هذا الحوار فيزداد معرفتنا بكُنه الإله الحق. خليفة لم تأت إلا في سورة البقرة حتتى تتميز هذه السورة وقد ورد في سور أخرى (بشراً من طين) وغيرها. هذه الكلمة (خليفة) لها مراد عند الله تعالى وليس من العبث ولا من قبيل الصدفة أن تأتي في سورة البقرة في أول القصص فهذه أول قصة. إذن يستحيل أن يكون لله تعالى خليفة.

(قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) هذا ليس إعتراضاً ولا مناقشة ولا إستنكاراً. هم قالوا في الحقيقة سمعاً وطاعة لكن غيرتهم على طاعة الله تعالى على أن يأتي خلق يُفسد أو يسفك الدماء. من أين علموا هذا؟ رد الله تعالى عليهم يبيّن من أين عرفوا؟ قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) تدل على أنهم يعلمون شيئاً. جاء إحتمالهم تعلمون أي عندهم علم إحتمالي وهم بنوا كلامهم على أحد أمرين: إما على خلق سبقنا في الأرض ونحن نخلفه، أو على أن طبيعة الأرض لهكذا أي الفساد وسفك الدماء. والإثنان إحتمالان تعجل فيهما الملائكة. وربما لأن الإنسان لا يتمالك كما أخبرنا الرسول r. إبليس فعل هذا الأمر في التوقع (ولا تجد أكثرهم شاكرين) من أين جاء بهذا؟ هذا ظنُ منه يحاول أن يفكر وأن يتوقع. القرآن يعبّر نفس التعبير ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين). فما قاله إبليس ظنُ منه وقع وليس علم يقين.

(أتجعل فيها من يفسد فيها) قول الملائكة هذا إستيضاح وتحقق من توقع لديهم. ولذلك لما يعرض القرآن الكريم أن الملائكة لا يعصون الله تدل على أنهم لم يُغضِبوا الله تعالى لكنه سبحانه عمل لهم تجربة عملية في قوله (إني أعلم ما لا تعلمون).

سؤال لماذا ذكرت الآية سفك الدماء بعد ذكر الفساد؟ سفك الدماء نوع من أنواع الفساد فلِمَ خصّه؟ السفك من أنواع الفساد لكن الفساد يتعدد. وأبرز واقعة وأول واقعة فساد حصلت على الأرض هي قتل قابيل لأخيه هابيل  ولهذا صدق حدس الملائكة. نحن علينا عندما نتلو قوله تعالى (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) نقول سبحان الله هذا ما قرأناه في سورة البقرة (يسفك الدماء) وهكذا نستنبط ونحقق ونربط القرآن بعضه ببعض بطريقة موسوعية فالمولى تعالى لم يأمرنا بقراءة القرآن وإنما أمرنا بالتدبر (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) فالذي لا يتدبر كأن على قلبه قفل ولن يستفيد من القرآن.

لم يذكر في الآية الزنا أو السرقة لأن هذه كلها من الفساد. سفك الدماء هو أول واقعة على الأرض. يقول r في الحديث الشريف: “لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل” (صحيح البخاري، كتاب الأنبياء) وقال تعالى (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) لأن قابيل علّم القتل. وعلينا أن نتفكر في قصة قابيل وهابيل ونرى الفرق بينهما فقابيل قال لأخيه لأقتلنّك أما هابيل فكان ردّه (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يد إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) وهكذا هم الناس قسم يفعل وقسم لا يفعل وهذا هو التغاير في البشر. والمسلم هو الذي سلّم لهذا الكتاب فلا يفسد ولا يسفك الدماء والرسول r يقول: “المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده”.

(ويسفك): إستعمل فعل يسفك بدل يقتل أو غيره ليدل على بشاعة الفعل. يسفك الدماء لتشمئز من اللفظ. يقال: الآدميّ بُنيان الربّ ملعونٌ من هدمه. فإذا كنت أنت قد بنيت جداراً وهدمه أحدهم تغضب فما بالك بخلق الله تعالى؟

أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء): تكرر حرف الجر (فيها) مرتين مرة مع الأرض ومرة مع يفسد لكن لم يرد مع يسفك الدماء لأن سفك الدماء من الإفساد.

سؤال الآية (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) كأن الملائكة يقارنون بينهم وبين آدم؟ هذا الظاهر لكن في الحقيقة هم يغيرون على محارم الله تعالى فكأنهم يقولون: يا رب هل يكون في الأرض خلقٌ كخلق الملائكة؟ خلقٌ لا يعصي مثلنا؟. قيل في الإسرائيليات ـن الملائكة إعترضت. لكن في الحقيقة أن الملائكة طبيعتها الطاعة وليس عندهم حسد وإنما الحسد في إبليس. الجنّ مكلّف والبشر مكلّف والملائكة طائعون. (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) كأنهم يقولون نحن نسبح بحمدك فهلاّ يا رب العزة جئت إلى الأرض بمن يسبح ، وهذا إعتقاداً منهم أن الخلق الذي سيُخلق لن يسبح. خصائص المؤمن تنفي ما قاله الملائكة لأن المؤمن يقول (سبحانك) لله تعالى وحده. فحتى الكافر الذي سجد للقرآبين والأصنام لا يقولون لها (سبحانك) وإنما يقولوا هذا الكلمة لله تعالى وحجه ولهذا قال تعالى للملائكة (إني أعلم ما لا تعلمون).

أخصّ كلمة علّمنا إياها رسول الله r: “سُبوح قدّوس رب الملائكة والروح”، سبحان ربي الأعلى نقولها عند السجود، سبحان ربي العظيم نقولها في الركوع ولم نقل سبحان لغير الله تعالى. فلما قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) الملائكة تقول سبحانك ولا تعرف أن تقول غيرها لكن البشر يقولونها لله تعالى محده مع أنهم يمكن أن يقولوها لغيره سبحانه ولهذا فهم أفضل من الملائكة ولذلك قال تعالى للملائكة (إني أعلم ما لا تعلمون).

سؤال ذكرت الآية في قول الملائكة خصلتان فيهم (نسبح بحمدك ونقدس لك) مقابل خصلتان من البشر (يفسد فيها ويسفك الدماء). الملائكة يستعرضون الذي سيحصل في الخلق إزاء مثليتهم. هم أوعى الخلق بكُنه الإله الحق فكانوا يتمنون من وجهة نظرهم أن الذي سيكون على الأرض لا يعصي الله تعالى وهذا من غيرتهم على الإله الحق وأنه يجب أن لا يُعصى.

(ونحن نسبح لك ونقدس لك) ما هو التسبيح والتقديس؟ نحن عندما نسجد نقول: سبحان ربي الأعلة فالتسبيح هو التنزيه. والتقديس من القَدَس وهي لغة غريبة في الغة وتعني الدلو الذي تتم به الطهارة. نقدّس لك يعني نطهّر لا نُخطيء. لا يمكن أن نعصي الله تعالى ونحن نعلم صفة الرقيب. هذا الكلام عن الملائكة أما البشر فالذي يعيشها فيهم (صفة الرقيب) يخاف والذي لا يعيشها ينجح معه الشيطان بأن لا يستحضر هذه الصفة عند المعصية فيقع في المعصية. نغفل عن ذكر الله تعالى ونغفل عن موضوع التسبيح والتقديس فنقع في المعصية.

ساعة الحوار مع الملائكة لم يكن آدم قد خُلٌِ بعد بدليل قوله تعالى (إني جاعل).

سؤال المنطق أن يكون الرد من الله تعالى على قول الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) أن يكون : لن يفسد لكن الله تعالى قال: إني أعلم ما لا تعلمون فما دلالة هذا الرد؟ وكيف نربط بين السؤال والرد؟

رد الله تعالى على الملائكة يبين أنه تعالى لن ينزل عند رغبة الملائكة لأن المخلوق الذي سأخلقه سيكون على مراد الله تعالى وليس على مراد الملائكة. فالخِلأقة تمت على مراد الله سبحانه. حتى بعد المناقشة لأن الله تعالى إذا قضى أمراً لا يتبدل ولا يتغير. التغير من صفات البشر أما ما قضاه الله تعالى لا يناقش ومع ذلك المناقشة مفتوحة لأن الملائكة تدخلت في الكلام. والكلام (إني جاعل في الأرض خليفة) كان حتى تسجد الملائكة وليس للإستشارة لأنه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وقضاء الله تعالى لا يُرد والملائكة تدخلت بالسؤال فقال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) تبيّن أن إراداته لن تتغير.

سؤال الملائكة مأمورون والجنّ مكلّفون وهما مخلوقين قبل الإنسان فلماذا خلق آدم؟ لأنه يختلف عن الجنّ المكلّف والملائكة المأمورين. فالبشر مكلّف لكنه يمكن أن يأخذ صفات الملائكة في مواطن (الطاعة العمياء) ويأخذ صفات الجن في مواطن أخرى (المعصية العمياء). أما الجنّ فصحيح أنهم مكلفون لكن الجن إما أن يكونوا عصاة وإما أن يكونوا طائعين ولا يمكن لأحدهم أن يكون هذا وهذا في وقت واحد كما عند البشر بدليل قوله تعالى (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك). أما البشر فيمكن أن يكون طائعاً في مواطن وعاصياً في مواطن. لأن البشر أغيار والواحد منهم فيه متناقضات كثيرة. فأحياناً ترى شخصاً في الكعبة يبكي ثم بعد أن ينتهي يكذب أو غيره. لذلك البشر أفضل من الملائكة ومن الجن. والإجابة (إني أعلم ما لا تعلمون) إجابة عالية جداً لو فكرنا فيها. كأني بالله تعالى يقول: إني أخلق خلقاً ليس في بالكم وما أقضي به لا يصل إليه أحد في التفكير.

سؤال تحدث القرآن عن خلق آدم لكن لم يتحدث في خلق الملائكة أو الجن وكأن خلق آدم سيكون له قضية فلماذا؟

علينا أن نرى أولاً كيف جاء تكليف كل من الملائكة والجن والبشر بالقرآن؟ الملائكة والجن لم يُكلّفوا بالإيمان بهذا القرآن كما كُلِّف البشر. قال تعالى (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) لم يقل في الآية لِمَنْ علّم الله تعالى القرآن؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 24/4/2006م