قصص القرآن

قصص القرآن – الحلقة 14

اسلاميات

الحلقة 14

 

(وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38))

إلقاء نظة عامة على الحوار الذي دار بين الله تعالى وآدم بعد مسألة السجود والأمر لآدم بالسكن في الجنة مع زوجه:

يجب إلقاء هذه النظرة لأسباب كثيرة جداً. كل كلمة في القرآن لآدم من بداية الخلق والحياة على الأرض لها وقع: نحن من سلّمنا على الأرض إن لم يكن للناس جميعاً. ساعة قال تعالى (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) ها توجيه من الله تعالى يجب أن أعرف مناط التوجيه والغرض منه. يجب أن أفهم أن ما وقع لآدم وحواء في الجنة مكتوب من الله تعالى لكن لم يعفيهم من المسؤولية، يجب أن نضع ضوابط. (بل إن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) لا ينفع يوم القيامة أقول لم أكن أعرف أو أن الظروف لم تسمح لأن الفيصل يوم القيامة (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، والسؤال من الملائكة (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) إذن (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) وليس لك مبررات لأن الشيطان ينجح مع البعض بأن يقول لهم إن الله غفور رحيم وهذا شيء مكتوب والناس كلها تقع في المعاصي فيقع الإنسان عندئذ في المعاصي نتيجة الظروف والإمكانيات. لذا أجرى الله تعالى هذه الآيات في قرآنه لتكون شاهداً علينا. آدم نفسه لم يقل: حصل ما حصل غصباً عني. صدر الأمر الإلهي (إهبط) خرج آدم وهبط نتيجة فِعل. صحيح هو مكتوب. وهنا يظهر السؤال الذي يطرحه الناس هل أنا مسير أو مخير؟ فنقول: أن الإنسان مسيّر فيما لا دخل له فيه، في القضاء الذي قضى الله تعالى به مثل مجيئك إلى الدنيا من غير رغبتك. لكنك مخيّر في إختيار الإسلام برغبتك. فلا تحاسب الله تعالى على سابق علمه لكني سأحاسب على عملي لذلك التوجيه الإلهي دائماً فيه جزئية بعدك عن القضية أو عن الخطأ أو عن مكمن الخطأ.

يقولون آدم كان مسيراً ويوجدون مبرراً لفعل الشيطان لكن هذا من غير واقع. الله تعالى خلق الشيطان على خلقته وطبيعته لمراد وحكمة. ساعة يوسوس الشيطان لعشرة هل كلهم يستجيبون له؟ كلا. حتى لو رفض منهم واحد فقط لزمت الحجة باقي الأشخاص. لو واحد يهودي أسلم أصبحت الحجة على كل اليهود.

المشكلة أن لا أحد يعجيه حاله ولا أحد يقول الحمد لله على عطاء الله. يجب أن نترك الأمور على طبيعتها ولله في خلقه شؤون.

أول الخلق آدم:

كان يجب أن يحصل لآدم ما حصل حتى نتعلّم منه وتبدأ الحياة. أول إخبار عن آدم (إني جاعل في الأرض خليفة) قال في الأرض ولم يقل في الجنة فلذا وجود آدم في الجنة (جنة التدريب) أفهمها على أنها مرحلة. ساعة إنتقل آدم إلى الأرض بدأ يشقى وبدأت الحياة. ننظر في الآية (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) لم يقل ولا تأكل من هذه الشجرة وإنما قال ولا تقربا وهذه صيانة إحتمال المولى تعالى لنا: لا تقرب فتقع في المحظور لأنه : من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيها”.

علينا أن نأخذ كل تكليف من الله تعالى لنا ونطبقه بحذافيره لأنك لما تسمع كلام الله تعالى تسد المنافذ على الشيطان. البعض سيقول أنا أعرف ماذا أفعل لكنه لا يدري أن الشيطان يوقع أحياناً بعض الناس الصالحين ويدخل لهم من باب أنكم يجب أن تطلعوا على ما يحصل حتى تتمكنوا من نصح الناس بالإبتعاد عنه فيدخل الصالح مثلاً الخمارة ثم يوسوس له بأن عليه أن يذوق الخمورة ليعرف كيف يكون شعور شاربيها فيشرب فيكون قد وقع في المعصية وهو يظن أنه محصّن ويعرف ماذا يفعل. ساعة حرّم الله تعالى الزنا قال (ولا تقربوا الزنا) ولم يقل لا تزنوا، وساعة حرّم الخمر قال (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) لا تذهبوا ناحيته لأنكم لو ذهبتم ستقعون في المعصية وسترتكبون الإثم. الناس مشكلتها أنها تفهم الأمور على مرادها هي وليس على مراد الله تعالى. والبعض يقول أن الخمرة هي السائل المسكر فقط وهذا خطأ فالخمر هو كل ما يخامر العقل كالحشيش والأفيون وغيرها لأن نتيجتها واحدة لذلك نهى الرسول r عن كل مسكر ومُفتّر. نحن نجيد المناقشة في الدنيا ونبرر لكن علينا أن نفكر كيف سنجادل الله تعالى يوم القيامة (يوم تأت كل نفس تجادل عن نفسها).

(ولا تقربا هذه الشجرة) لكن آدم إقترب. كُل ما تشاء ولا تقرب. (وكُلا منها رغداً حيث شئتما) البداية كانت بالأمر بالأكل من حيث يشاءا ثم قال ولا تقربا هذه الشجرة. وسبق أن قلنا في مرة سابقة أنه قد يُعذر آدم لو كان الأمر الإلهي صدر بعدم الأكل من كل الشجر إلا واحدة وقد يكون له مبرر. لكن هذه الواقعة كان لا بد أن تتم على مراد الله تعالى.

آدم نسي في تلك الحظة (فنسي ولم نجد له عزما): لم يقل آدم عندما أمره الله تعالى بالسكن والأكل إلا من شجرة واحدة لم يقل له : لِمَ لا آكل من هذه الشجرة؟ لا يوجد في القرآن تعقيب من آدم على أمر الله تعالى لأن آدم كان مسلّماً تماماً لله تعالى لكنه نسي وهذا تحذير لنا جميعاً لأن الإنسان قد يكون مؤمناً جداً ولكنه ينسى. لذلك كلمة (فأزلهما) تناسب كلمة (فنسي) لأنها ليست معصية بتخطيط.

المعاصي نوعان: معصية مفاجئة لم يخطط لها من قبل وإنما حصلت فجأة كأن يُغرر بأحد بمعصية. وهناك معصية بتخطيط وهذه تكون مع سبق الإصرار والتصميم. والإثنان في النار لأن أقلّ النار نار. والخطأ خطورته أن يكوت الإنسان عليه وهذه أمنية الشيطان أن يكوت الإنسان على معصية ولو حصل هذا يكون العاضي في النار والعياذ بالله.

(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)) المخطط والمدبر والذي وقع في المعصية حتى لو كان في أول النار فهو في النار وكذلك في الجنة فلا يستقل أحدٌ عملاً لأن أقلّ الجنة جنة. الشيطان قد يوسوس للإنسان ويمنعه من الصدقة بحجة أنها قليلة ولن تنفع فلا يتصدق الإنسان لأنه يستقلها لكن نقول: لا تحقرن من المعروف شيئاً وخف من المعصية مهما صغُرت. والروسل r يوصينا في الحديث الشريف: “إتقوا النار ولو بشق تمرة” معنى الحديث أنه لو كانت لديك تمرة واحدة فكل نصفها وتصدق بنصفها ولا تدري فقد تكون هذه الصدقة القليلة هي التي تحتاجها يوم القيامة لتدخل الجنة.

الشيطان يتمنى أن يُخطئ الإنسان ويموت على المعصية ولهذا على كل إنسان أن يفكر عندما يوسوس له الشيطان لأنه قد ينوي الإنسان فعل طاعة أو صدقة فيأتي الشيطان ويؤخره عن الطاعة ويمنّيه بطاعة أخرى كأن يقول له إذا أراد التصدق بصدقة قليلة إنتظر حتى يكون لديك مالالأص أكثر فتتصدق به فتتراكم الطاعات دون أن تفعلها ثم تستثقلها فيما بعد كالصلوات قد يوسوس الشيطان لأحد من النسا بأن ينتظر أن يعود لبيته ليصلي في مكان طاهر نظيف ثم عندما يصل البيت يوسوس له بأن يرتاح قليلاً ثم يصلي في المسجد جماعة وهكذا حتى تفوق أوقات الصلوات وتتراكم عليه فلا يصليها. وهكذا يبدأ الإنسان بترك الطاعات لأنها تراكمت وأصبح يستثقلها.

(وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) النزغ هو الوسوسة التي قلنا سابقاً أنها صوت الحلي المحبب للنفس والشيطان يوسوس دائماً لك بما تحبه.

ما دلالة اللفظ: (فأزلهما)؟

(فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) زُحزح مبني للمجهول وأُدخل مبني للمجهول. الشيطان أزلّ أي زحزح في التعبير اللغوي العادي. عندما تزل أحداً تزحزحه. هذا معنى أزلّ: زحزح في القرآن. (فمن زحزح عن النار) يعني أنه كان سيذهب بعمله إلى النار. لكن الزحزحة عن النار تُدخله الجنة والزحزحة عن الحنة تدخله النار. إذا سمعت كلام الشيطان ستزلّ إلى النار وإذا سمعت كلام الله تعالى تزحزح عن النار.

(فأخرجهما مما كانا فيه): التوجيه الإلهي أنهما كانا في الجنة، في الراحة، في السعادة، فلما نسي آدم: الوقوع في المعصية نتيجة عدم الإصرار على الطاعة لأنك لست قوياً ولو كنت قوياً لا يمكن للشيطان أن يوقعك في معصية والشيطان نفسه إستثنى (إلا عبادك منهم المخلَصين) هؤلاء بشر يعني ليس مستحيلاً على بشر أن لا يطيع الشيطان والله تعالى أيّد هذا بقوله (وأن هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) هذا الكلام يقال للسحرة والدجالين لأن هناك أناس لن يقدر عليهم الشيطان.

(عبادي) قلنا هذه كلمة عظيمة وهذ ركبٌ علينا جميعاً أن نلحقه لأنها لا تقال إلا في توقيع وفي لحظة يبكي عليها العارفون (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي).

(مما كانا فيه) أي الذي كانا فيه خير.

(فأخرجهما): تدل على السرعة ولم تتحديث الآيات عن الوقت الذي قضاه آدم وزوجه في الجنة. فمهما كانت المدة لا يهم لأن المهم النتيجة أنه خرج منها. لم يكن بإمكان آدم أن يبقى فيها لأن هذا الأمر على مراد الله تعالى. أما نحن فيمكننا أن نبقى في طاعة الله تعالى دائماً.آدم كان مثالاً حيّاً أمام أعيننا نتعلم منه. الآن السملم واليهودي والنصراني والمجوسي يموتون ويُدفنون ولا نرى حالهم لكن لنا في آدم مثال حيّ أمام أعيننا.

(فأخرجهما) لم يقل فأخرجهما الله أو غيره. لأن الله تعالى لا يُخرِج من النعيم وإنما سبحانه يُخرجك من النار. آدم وزوجه لم يخرجا بإرادتهما وإنما أخرجهما بالمعصية. (فأخرجهما) مترتبة على (فأزلهما). الشيطان هو الذي أزلهما وهو الذي أخرجهما وهذه تظهر في سورة طه (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) هو الذي أخرجهما لأنهما سمعا كلامه. التوقيع لنا نحن : إياك أن تسمع كلام الشيطان.

الشيطان قال (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملَكين أو تكونا من الخالدين) جاء بمغريات حتى يأكلا. لو آدم فكّر وقال لإبليس: لمَ لا تأكل منها أنت وتكون من الخالدين؟ هذا هو الدرس لنا نحن.

لما طرد إبليس من رحمة الله تعالى لعب لعبة فقال (فأنظرني إلى يوم يبعثون) يريد أن يفرّ ن الموت لأن ساعة تقوم الساعة لا يوجد موت. هو يريد أن يهرب من الموت لكن الرد جاء من الله تعالى (فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) سيكون لك يوم تموت فيه. ساعة خلق الله تعالى الكون خلق الموت قبل الحياة (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) الموت متربص بكل حيّ. فلما قال الشيطان (إلى يوم يبعثون) جاء الرد (إلى يوم الوقت المعلوم) وليس إلى يوم يبعثون حيث لا موت. إبليس أغرى آدم بالملك والخلود وهما آفة البشرية إلى الآن.

إبليس قال (أن تكونا ملَكين) ولم يقل ملِكين: ملَكين يعني يكون عندك معطيات الملائكة. آدم نسي ولم يتذكر. وهناك أناس تخطئ أحياناً أخطاء ما كان يجب أن يقعول فيها فأين المنطق؟ المنطق مع الإيمان، مع التقوى، مع الإحسان. لكن آدم نسي وهي آفتنا نحن أيضاً. عندما يوسوس الشيطان يدخل إلى كل واحد فينا من مداخل مختلفة عن الآخر فيعطيك لذة الشهوة ويُنسيك العقوبة لأن تذكر العقوبة تجعلك ترتدع. لو أنك فكرت أنك قد تموت على معصية لا تذهب إليها. وكم من البشر فُضِح أمره على رؤوس الأشهاد لأنه مات على معصية في الدنيا. يجب أن نوجد حواراً مع الشيطان لأنه يريد أن ينسيك المعصية لكن عليك أن تذكرها دائماً لأنك قد تموت عليها وهذا وحده كفيل بأن يردعك عن القيام بالمعصية.

(إلا أن تكونا ملَكين) وفي آية أخرى (هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى): هو يوسوس بشكل أو بآخر بالمغريات.: ستكون ملكاً وسيكون لديك سلطان ومال وجاه. أنت عليك إذا وسوس لك الشيطان بهذا أن تقول: الحمد لله على ما أنا فيه. فلا تنظر لمن هو فوقك وإنما انظر إلى من هو دونك واحمد الله على ما أنت فيه. كل إنسان له مداخل مختلفة. الشيطان لا يملّ والإنسان يستجيب. في كل غلطة عندما تدرسها سيكولوجياً: يأتي شخص ويقول لك أريد أن أعصي فتقول له: إذا أردت أن تفعل معصية إفعلها مع زوجتك فيقول لك لا يمكن أن أفعلها مع زوجتي فأنا أستحي من فعل هذا معها. فتقول: سبحان الله تستحي مع زوجتك ولا تستحي مع الله تعالى؟ هذا أمر غريب فعلاً. يجب أن يكون الإنسان واعياً دائماً.

ماذا ينبغي من بني آدم أن يفعلوا عندما يوسوس الشيطان لهم؟

يجب أن تجعل وسوسته لك إلى حوار. قل في نفسك كيف أعصي الإله؟ لو قال لك الله غفور رحيم قل له أكمِل الآية: وأن عذابي هو العذاب الأليم. فإن قال لك: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك، قُل له : لمن يشاء. فعل تضمن أن يغفر الله لك؟

(فأزلهما، فأخرجهما، فتلقى) هذا فضل من رب العالمين على آدم وعلينا جميعاً وهي مشروعية التوبة إلى الله تعالى . قلنا أن التوبة تعني الرجوع، يعني آدم ساعة ما أزله الشيطان بعُد ثم تاب إلى الله أي عاد. لما فسرنا الإنابة قلنا هي العودة والرجوع بالتوبة فالإنابة أعمّ والرجوع بالتوبة لو لم يُعطي الله تعالى آدم الكلمات فهل كنا سنعرف كيف نتوب؟ ساعة عصى آدم الله تعالى لم يعرف أن يتوب حتى تلقّى من ربه كلمات فتاب عليه والله تواب رحيم لأنه تواب حتى من قبل خلق آدم.

الرسول r يقول: ” يا أيها الناس إستغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مئة مرة” مم يتوب؟ هو قد غفر له لكنه يعلمك التوبة وأفضل التوبة توبة عن توبة.

سؤال: الله تعالى رزع في آدم وفي ذريته شهوة ما وهذا ما نعاني منه الآن. قد يتساءل سائل أليس هذا قسرٌ من الله تعالى أن يزيّن لنا هذه الأشياء ويمنعنا عنها؟

هذا الكلام يكون منضبطاً لو كنا جميعاً حالاً واحدة لكن ليس كل الناس تستجيب للتزيين. هذا الكلام قالته الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيه) لكن الرد من الله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) سيكون منهم الصالحون والطائعون. من المسلمين من أمسك نفسه عن شهوة ما طاعة لله تعالى وقال: إني أُمسِك عن الشهوة طاعة لك يا رب. والمولى ضرب لنا أمثلة في القرآن (قل هل يستوي الأعمى والبصير) النقيضان لا يجتمعان. طوبى لمن عرض له الشيطانه وسوسة عن شهوة فأمسك نفسه عنها.

لماذا يوسوس الشيطان بهذه الأشياء تحديداً؟ هل لآدم منعة من أشياء كثيرة لديه زوجة وطعام وشراب؟

من الزناة أزواج عندهم زوجات لكن مع هذا يفعلون المعصية. لو المولى تعالى قال لآدم اترك كل الشجر ولا تأكل إلا من هذه الشجرة الواحدة لكانت القصة مبررة. نحن نتكلم كثيراً عن الزنا والسرقة لأنها سمة العصر. فالزنا سمة العصر وقد ضيّع الشباب وفسدت الأمة. والزنا والسرقة من حدود الله. فربما ونقول ربما نجد عذراً لمن يزني وليس له زوجة مع أنه لا عذر له لكن أن يزني من له زوجة فما هو مبرره؟ كذلك السارق قد لا يعاقب السارق الفقير الذي سرق ليأكل لكن هذا المليونير الذي يسرق ولديه كل هذه الأموال لماذا يسرق؟ إذن هؤلاء لا حد لشهواتهم. لما كلّم الشيطان آدم دخل له من مداخل لا تتوقف. في المقابل من الشباب من أحصنوا أنفسهم مرضاة لله تعالى ومن الفقراء من يرى المال الحرام أمامه مستباحاً ولا يمد يده إليه مرضاة لله تعالى. فضل الله تعالى أنه ساعة تُعرض المعصية على الإنسان عليه أن يفكر بروية أنه لو مات على هذه المعصية فماذا سيفعل؟ سيُبعث على نفس المعصية ويكون في النار ولهذا على من تعرض عليه المعصية أن يفكر ويناقش نفسه وليقل الحمد لله عندها يكن أغنى الناس.

الشيطان يغلب لأنه لا أحد يناقشه. ساعة ما تناقش المعصية فهذه بشرى خير. من ناقش الأمر مع نفسه قد يرجع لكن الذي لا يناقش يقع في المعصية.

(فأزلهما، فأخرجهما) تدل على أنه لم يكن هناك وقت للتفكير. الإسلام عمل لنا صلاة الإستخارة وما خاب من إستشار، لكن المشكلة أنك تستشير وأنت مكوّن رأي مسبق. البعض يصلي الإستخارة ولكن الناس تقول إستخرت ولم أر شيئاً لكن صلاة الإستخارة ليس لها علاقة برؤية. الإستخارة معناها أن تستخير المولى أن يوفقك للموضوع أو عكسه. منهم من يصلي الإستخارة وهو مكون رأي وهذا لا يليق بالهه تعالى. فهذا يكون كالذي يستشير صاحبه في أمر ويطلب رأيه فيقول له أنا قررت كذا. إذن لماذا تستشيره؟ عندما تصلي الإستخارة يجب أن تكون غير مكون رأي وقد دخل الشيطان في هذا فأفسده علينا. الشيطان يدخل أيضاً في إستشارة الشباب للكبير فيقول من هذا لأستشيره؟ وهذا من الكِبر وهو أخو النار بلا محالة والرسول r يقول: ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر”.

عندما يوسوس الشيطان يذكر الإنسان بآيات الرحمة والمغفرة فكيف يُخرِج الإنسان نفسه من الزخم الإبليسي في المعصية؟ بالإستماع للرسول r : البِرُّ حسن الخُلُق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطّلع عليه الناس” عليك أن تفكر لو أنك عملت هذا العمل أمام الناس فهو حلال أما إذا عملته في السر فهو حرام. المؤمن لا يقبل الديّة في دينه. الضرورة شيء والمصلحة شيء آخر وصحيح أن الضرورات تبيح المحظورات ولكن في حدود. إذا كنت تضمن أن تعيش لتتوب من المعاصي فافعل ما تشاء. إضمن وافعل لكنك لت تضمن ولو ضمنت فقد أثمت وإياك أن تتكبر في ذلك فقد يأخذك الله تعالى قبل أن تتوب.

(إهبطوا) واو الجماعة تدل على آدم وذريته والشيطان وذريته. (منها) أي من الجنة والوسوسة لا تقتضي ولا تستلزم أن يكون الشيطان في الجنة ليوسوس.

الإسرائيليات تقول أن إبليس دخل الجنة مختبئاً داخل حيّة حتى لا يراه الله تعالى. فهل يعقل أن لا يراه الله تعالى داخل الحية؟! هذا كلام غريب يقولون لم يدخل الجنة حتى لا يراه الله لكنه اختبأ في بطن الحبة فهل لقدرة الله حدود بحيث لا يراه في بطن الحية؟ وهل وجوده في بطن الحية يعني أنه استتر من الله تعالى؟ هذا كلام لا يقبله عقل.

لما أمر الله تعالى آدم بدخول الجنة وأمره أن لا يأكل من الشجرة ونصحه أن لا يسمع كلام الشيطان فتجد في سورة البقرة (فأزلهما، فأخرجهما) والحمد لله على كلمة (فتلقى) لأنها هذه مشروعية التبوة.

سؤال: لما هبطوا إلى الأرض آدم وإبليس أعداء فهل حصل صراع بينهما على الأرض؟ هل ثبت أنه حصل صراع بين آدم وحواء من جهة وبين الشيطان من جهه؟ أم آدم توجّه إلى الله تعالى وعلّمه كيف يتوب؟ وإذا كان ربنا تعالى علّم آدم التوبة فلم ترك الشيطان؟

الشيطان كفر بالله تعالى ورد الأمر على الآمر أما آدم فقد عزمه ولم يكن قوياً (فنسي ولم نجد له عزما).

الكافر ليس له توبة إلا إذا عاد عن كفره. ساعة كفر الشيطان بالله خرج من رحمة الله تعالى أما البشر يعصون ويرجعون وهذا الرجوع الله تعالى يفرح بتوبة العبد وعندما قال تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) أراد أن يباهي الملائكة بهؤلاء البشر ساعة يتوبون. توبة الواحد منا يحقق قوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون).

إبليس كفر وليس له توبة. إيمان الكافر الآن إذا دخل في الإسلام شخص هذه في حد ذاتها توبة بمعنى رجوع إلى الله تعالى، إيمتن. هذه التوبة تجبّ ما قبلها فالتوبة عند المؤمن الحق تجبّ ما قبلها والإسلام يجُبّ ما قبله. ساعة يقول الإنسان أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله يكون من أهل الإيمان ولو كان في السبعين من عمره.

(فتلقى آدم من ربه كلمات) ما هي هذه الكلمات؟ وما المقصود بها؟

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. الكلمات لها وقع تبيّن عظمة العلاقة بين الرجل والمرأة. آدم هو الذي تلقى والإثنان قالا فيكون آدم قد أخبر زوجه. آدم قد يكون تلقى هذه الكلمات إما عن طريق الوحي أو بالإلهام.

(فتاب عليه) بوصفه ممثلاً للجنس البشري لأنها كانت مشروعية التوبة. الفاء غير مؤجلة أول ما تتوب تكتب مع التائبين (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) تمحى السيئات فوراً بفضل (الفاء). ساعة تاب الله تعالى على آدم هذا مثال لقبول التوبة ومشروعيتها إذا كان آدم تاب الله تعالى عليه فما بالك بأي شخص عادي بشرط أن يتوب (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).

بُثّت الحلقة بتاريخ 8/5/2006م