قصص القرآن

قصص القرآن – الحلقة 24

اسلاميات

الحلقة 24:

 

سؤال: لماذا تتكرر القصة الواحدة على مدار بعض السور في آيات مختلفة وبمفردات مختلفة مع أن القصة واحدة فما فائدة التكرار؟

التكرار يعتبر من باب إما إعطاء ملمح جديد وإما لإعطاء نقطة في إستكمال الصورة: الصورة الكلية لخلق آدم، الصورة الكلية لأمر الله تعالى لإبليس بالسجود لآدم، الصورة الكلية لرفض إبليس السجود لآدم، ما هي ملامحها؟ ملامح الخلق تكتمل في الصورة الكلية. الصورة الكاملة سبعة ملامح كل ملمح يعطي صورة مستقلة لكنها هي جزء في الصورة الكلية. هي قصة واحدة لكن ملامحها سبعة وكل ملمح يمكن أن يعطيك صورة كاملة لو أردت أن تأخذها لوحدها وتستغني عن الباقي لا بأس وهذا عظمة الأداء القرآني لكن في الحقيقة يجب أن نأخذ الملامح السبعة. نحن سنأخذ السور السبع ثم نستعرض الملامح العامة واليوم سنضرب مثالاً على ذلك قضية أمر إبليس بالسجود ورفضه في السور السبع التي وردت فيها قصة آدم u حتى يكون واضحاً للمشاهدين. هذا مثال واحد، عندنا قصة آدم كعنوان ثم هناك  إستعداد الكون لآدم، خلق حواء، الأمر بالسكن في الجنة، الأمر بالسجود، وسوسة إبليس، وغيرها خطوط عامة كلها ملامح كثيرة وكل ملمح من هذه يمكنه لوحده أن يعطيك القصة. في كل سورة سنجد ملمحاً جديداً ليس في السور الأخرى. الأداء القرآني بديع في أن الملامح السبع في هذه الواقعة التي سنعرض لها كل ملمح منها مبني على الذي قبله. عندنا قصة خلق آدم وردت في سورة البقرة، الأعراف، الحجر، الكهف، الإسراء،طه و سورة ص نجد كل سورة مبنية على التي قبلها مع أن وقت النزول كان ترتيب السور مختلفاً. ترتيب النزول كان له غاية وترتيب الجمع الذي بين أيدينا له غاية. وما دامت تغيرت المفردات في القصة إذن يكون هناك معنى جديد. بعض الناس تقول أن القرآن والكتاب بمعنى واحد فنسألهم من حيث ماذا؟ يجب أن لا نغفل بعض الأمور، البعض يقول جاء في كتاب الله كذا وجاء في القرآن كذا وهو يعتقد أنهما بنفس المعنى لكن نقول له إختلاف المبنى يدل على إختلاف المعنى. أحدهم سألني مرة في إحدى المحاضرات: لماذا تتعب نفسك وأنا أرى أن الكتاب هو القرآن؟ قلت له: تعال إلى قول الله تبارك وتعالى (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) وقوله تعالى (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً) فلو فتحنا القلب يكون للقرآن توقيع وللكتاب توقيع والحمد لله على هذه الآيات التي تؤكد كلامنا. فسكت الأخ السائل عندما واجهته بهذه الآيات.

هناك توقيعات كثيرة في كتاب الله تختلف في قوله تعالى (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس) لم يقل الكتاب وإنما القرآن وهدى للناس هذه الآية في سورة البقرة وفي مطلع القرآن (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وبعد ذلك قال تعالى (هدى للمتقين) فهو هدى للمتقين فقط. لما كان القرآن قرآناً كان هدى للناس فلما أصبح القرآن كتاباً اقتصرت هدايته على المتقين. القرآن يهدي الناس لأن الرسول r حيٌّ ويهدي الناس لكن لما مات r صار الكتاب هذا من أراد هدايته يتجه لمحطة التقوى يكون من المتقين. فالذي بين أيدينا كتاب والقرآن منه والقرآن جزء الكتاب. سورة البقرة قرآن وردت في الكتاب وهي جزء من الكتاب. الكتاب هو القرآن كله (ذلك الكتاب) يكون كله ونحن نسمّيه الآن المصحف. هناك توقيع آخر (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) نفهم أنه هناك نزولان: واحدة بالهمزة (أنزل) والأخرى بدون همزة (نزل). أنزلناه: الله سبحانه وتعالى هو الفاعل. الكتاب نزل إلى السماء الدنيا مجملاً جملة واحدة وتنزل من السماء الدنيا قرآناً مفصلاً منجماً وفق الأحداث.الأولى أنزل ولذلك (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الكلام على الكتاب كله.

سؤال: الأقرب للتصور الذهني أنه طالما أن القرآن نزل منجماً بحسب الأحداث كان من الممكن أن تعالج بعض السور قصة خلق آدم كما نزلت يعني سورة البقرة لم تكن الأولى في النزول وبالتالي لم تكن الأولى في استعراض قصة آدم لكنها الأولى في الكتاب فما الحكمة في هذا؟

البقرة ترتيبها في النزول 87 وهي رقم 2 في الكتاب. أول سورة نزل فيها قصة آدم هي سورة ص. لماذا سورة ص رقم 7 في قصة آدم مع أنها الأولى في النزول؟ الذي أنزلها هو الله سبحانه وتعالى وعلمه سابق. إذا نظرنا إلى سورة ص نجد فيها مع سورة طه التي قبلها ختام الملامح يعطوك مع بعضهما ما جاء في سورة البقرة. هذا جدول بالسور يظهر حصر لما فعله إبليس في سبعة ملامح:

 

إسم السورة

الآية

البقرة

 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ

الأعراف

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ

الحجر

إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ

الإسراء

 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا

الكهف

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا

طه

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى

ص

إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ

 هناك 3 (أبى) إثنان منها مع توصيف (أبى واستكبر) (أبى أن يكون من الساجدين) وواحدة لوحدها في سورة طه (أبى)، (لم يكن من الساجدين) واحدة، (كان من الجن ففسق) واحدة، (إستكبر وكان من الكافرين) واحدة، (أأسجد لمن خلقت طينا) واحدة.

في سورة البقرة قال (أبى واستكبر وكان من الكافرين) وفي طه وص معاً أبى واستكبر وكان من الكافرين: طه فيها أبى لوحدها وص فيها استكبر وكان من الكافرين. لما نجمعهما مع بعض (أبى واستكبر وكان من الكافرين). نعود للبقرة (أبى واستكبر وكان من الكافرين) أبى أي رفض واستكبر هذا سبب رفضه، وكان من الكافرين عِلّتها.

في الأعراف (لم يكن من الساجدين) لأنه استكبر. إذا سألنا لماذا لم يكن من الساجدين؟ يرد عليك حال القرآن لأنه استكبر. والساجدون الذين هم الملائكة لم تستكبر قط ولا تنسى قولهم (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) هؤلاء لما أخطأوا خطأ صغيراً عملوا توبة إنابة مع ملاحظة أنه لما قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها) المولى لم يخطئهم وإنما أيدهم وقال أنه سيفعل أكثر من هذا (إني أعلم ما لا تعلمون) لكنه أمر عند الله تعالى وحكمته عنده تعالى. لما نسأل لماذا لم يكن من الساجدين؟ لأنه استكبر والساجدون الذين هم الملائكة لا يعرفوا الإستكبار بدليل لما أمرهم تعالى بالسجود سجدوا. أما ابليس فلكونه ليس منهم استكبر وكان من الكافرين، لأنه ليس من الملائكة. الأعراف ترشح البقرة وتؤكدها. لماذا لم يكن من الساجدين؟ لأنه استكبر التي في البقرة.

نذهب لسورة الحجر (أبى أن يكون مع الساجدين) لأنه لم يكن من الساجدين التي في الأعراف. هناك فرق بين أن يكون من الساجدين و مع الساجدين .من الساجدين غير مع الساجدين والمنّيّة غير المعيّة، كيف؟ نضرب مثالاً على ذلك من القرآن (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) استعمل (مع) لأنه لما نبحث عن كُنه الصدق نجد الصادق هو الرسول النبي والصادقين في توقيع القرآن هم الأنبياء والمرسلين مطلقة فلا يمكنك أن تكون منهم وإنما تكون معهم. فلا بد أن تكون معهم ولن تكون منهم أبداً. المنّيّة في هذا الأمر ليست لي فلو قال (كونوا من الصادقين) فلن يمكنني أن أفعلها.

مرة قال (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) ولم يقل هنا (أبى) لأنها ليست في يده. فلما قال (أبى) قال (أبى أن يكون مع الساجدين) لأن هذه في يده هو. هو لم يكن من الساجدين بسبب أصل خلقته. كينونته جنّ والساجدون ملائكة هو ليس منهم بدليل: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) المنيّة ليست بيده لكن المعية كانت فرصة أمامه ولذا قال (أبى أن يكون مع الساجدين) فإباؤه مردود عليه. لو سجد لكان معهم وليس منهم وهو في جميع الأحوال ليس منهم حتى لو سجد كما قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين. لم يكن من الساجدين هذه ليست بيده لكن جاءت له فرصة أن يكون معهم فلما جاءت الفرصة أبى.

سؤال: هو امتنع عن السجود وكان يرد الحجة على الله تعالى بأن الله أراد له ذلك؟

لو كان الأمر هكذا كان عليه أن يقول: يا رب أنا من الجن وأنت أمرت الملائكة ولكنه بتصرفه أثبت أن الأمر شمله وأنه رفض هذا الأمر. أثبت أن الأمر له ورفض الأمر. (لم يكن من الساجدين ) من حيث الكُنه إستثناؤه ليس على أنه فهم وإنما على شمول الأمر له ولم يكن منهم إطلاقاً فالملائكة خلقت من نور وهو خلق من نار. المنيّة مستحيلة وليست بيده. عظمة الأداء: الآيتان وراء بعض مع أن الحجر فير الأعراف في النزول لكن في الجمع وفي الكتاب الأعراف، الحجر. لم يكن من الساجدين. وهنا أبى أن يكون مع الساجدين، الأولى ليست بيده ولا يُسأل عنها عندما نوقع الآيات أبى أن يكون مع الساجدين لأن طبيعته تختلف عنهم فهم طائعون متواضعون وهو مستكبر غلبته جبلّته وحقده على آدم، كل هذا أخرجه من طاعة مدّعاة. نسأل لماذا شمله الأمر؟ لأنه كان كلما صدر أمر للملائكة يعمله هو فيما عدا الأمر بالسجود؟ في حال تنفيذه لأوامر الله تعالى ما كان يعلم أنه سيكون هناك خلق لآدم وما ورد في الكتب أنه قرأ تحت العرش أنه سيكون هناك خلق هذا كله من الإسرائيليات. الأمور التي كان يطيع فيها لم يدخل فيها الحقد والغِلّ وإنما كان يتقرب إلى الله تعالى وعند النقطة المهمة رفض وقد يكون اغترّ بنفسه وبخِلقته وبعبادته ولذا نوجّه الناس دائماً إلى عدم الكِبر. أنت كبشر أحسن من الملائكة في أنك مخيّر وتطيع أما الملائكة فمجبولة على الطاعة فالبشر الطائع أفضل من الملائكة. في قرارة إبليس أنه لن يسجد لآدم لأنه في نظره خير من آدم ولهذا أول ملمح في سورة البقرة (أبى واستكبر وكان من الكافرين).

سؤال: هل الجن وقتها كان منهم المسلم والكافر؟

كلا لغاية تلك اللحظة لم يكن هناك كفر. (كان من الكافرين) الكينونة بما هو كائن ليس بما كان. كائن عند إبليس في الوضع العام وهو سيسُنّ صفة الكفر وسيبدأ الكفر بعد تلك اللحظة. لذا من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها. فالذي يفعل حسنة في الإسلام يأخذ أجرها وأجر من عمل بها (كالذي يبني مسجداً يكون صدقة جارية له) والذي يعمل سنة سيئة يأخذ وزرها ووزر من عمل بها (كالذي يبني سينما مثلاً تكون له سيئة جارية).

رفض إبليس السجود في الحجر (أبى أن يكون مع الساجدين) لماذا؟ لأنه لم يكن منهم، طبيعته غلبته مع أن الفرصة جاءته. سبق أن ضربنا مثالاً في حلقة سابقة عن تلميذ متخلف تعليمياً وضعناه في فصل للمتقدمين وأعطيتهم أمراً فلو نفّذ المتخلف يكون معهم، فإذا قلت له لماذا لم تجب على السؤال؟ فقال: أنا متخلف تقول له إرجع إلى فصلك وانتهى الأمر لكن إذا قال لك هل هذا سؤال يُسأل هذا كلام فارغ فيكون قد جاءته الفرصة ولم يعقلها. إبليس كان مخيّراً ولو كان مسيّراً لكان ملكاً لأن الملائكة مسيّرة. إجابته على هذا السؤال (ما منعك أن تسجد) أبى أن يكون مع الساجدين لأنه لم يكن من الساجدين هو يدّعي الطاعة فيما سبق إلا الأمر بالسجود والله تعالى يعلم خائنة الأعين وهو اللطيف الخبير توصيفان في غاية الروعة.

البقرة (أبى واستكبر)، الأعراف (إلا إبليس لم يكن من الساجدين)، الحجر (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين).

في الإسراء قال (أأسجد لمن خلقت طينا) هذا ردّه على قول الحق تعالى (ما منعك أن تسجد).

ما هي أأسجد؟ هذا إستفهام إنكاري، إستفهام بإنكار كأن يقول هل هذا معقول أن أسجد أنا الذي من نار أسجد للمخلوق من طين؟ كأن هو الذي يعمل توصيف في دماغه هو ويضع قواعد أن النار أعلى وأفضل من الطين. وقال قبلها في الأعراف (خلقتني من نار وخلقته من طين) هذا تعليق عليها. كلمة (أأسجد لمن خلقت طيناً) نتيجة ماذا؟ توقيعها أنه استكبر. أأسجد لمن خلقت طينا ذلك أنه استكبر فردّ الأمر على الآمر سبحانه وتعالى وبهذا القول أثبت أن الأمر شمله وأثبت أنه رافض للأمر فقوله (أأسجد لمن خلقت طينا) هو الذي منعه أن يكون مع الساجدين. الاستكبار الذي في البقرة والكُنه الذي في الأعراف هو الذي منعه أن يسجد ويجعله يسأل هذا السؤال.

في الكهف (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) هذا توقيع حقائق الإباء والاستكبار والتعالي فلأنه كان من الجن فسق كانت قالته توقيعاً لهذه الحقائق (أأسجد لمن خلقت طينا).

في طه، نجد عجباً (أبى) فقط. قبلها: أبى واستكبر، أبى أن يكون مع الساجدين. إثنان أبى وصّفوا وهذه أبى وحدها. ننتبه ماذا قال المولى بعدها؟ (قلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك) كأننا بالله تبارك وتعالى يقول: كان الإباء لوحده يكفيك يا آدم أن لا تسمع كلامه، لا استكباره ولا وسوسته. بدليل قلنا يا آدم لم تأت إلا بعد (أبى) وحدها. كأن المسلم الواعي لما يحصل له موقف من أحد هذا الموقف كفيل أن تعي فما بالك أن يحذّرك الله رب العالمين أن هذا عدو لك ولزوجك؟. كأننا بالله تبارك وتعالى يقول: لو لم أحذّرك يا آدم كان إباؤه فقط يكفيك ليحذرك منه فما بالك (أبى واستكبر) (لم يكن من الساجدين) وأنا حذّرتك منه. هذه جبلّة آدم ينسى (فنسي ولم يجد له عزما) وهكذا نحن. أحدهم يقول كيف يفعل آدم هذا؟ نقول له نحن نفعلها كل يوم. لا تتوقف القصة عند آدم وإنما تنسحب على ذريته إلى يوم القيامة، وهذا القصص (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) يعني كل قصة في القرآن وحي من الله تعالى. هذه القصة ساعة ما حصلت حصلت بأمر من الله تعالى وساعة ما نزلت وحياً لمحمد r بأمر من الله تعالى وعملت لننتبه وما زلنا لا ننتبه.

سؤال: ماذا الذي حدث بين إبليس وبين طائفة الجن لاسيما أن هناك حوارات كثيرة في القرآن: (قال قرينه ربنا ما أطغيته) (إذ تبرّأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا)، هل حدث شيء بين إبليس كممثل لطائفة الجن وطائفة الجن أم أن طائفة من الجن اتبعته على كفره وعناده وما ذهب إليه؟

هذا الملمح ليقال أن المخيّر لا يلزِمه أحد. البعض يتصور أنه يمكن أن يقول يوم القيامة كانت لي ظروف. الخطباء يقولون أن عمر بن الخطاب عطّل حدّ السرقة في عام الرمادة ويترك كل ما فعله عمر ويمسك بهذه القضية. هذه نفس تريد أن ترتكن إلى شيء (بلى إن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) هناك أناس تقول أنا لما سرقت كنت محتاجاً، لكن ليس كل محتاج يسرق وليس كل الناس وافقت عمر على حد السرقة فإذا أنت أعجبك رأي عمر قد لا يعجب غيرك وعمر ليس قرآناً. إختلف معه كثيرون، لكن البعض يكبّرها لأن في نفسه منها أمور. كأنني بالله تبارك وتعالى يقول للناس أن المخيّر لا يجبره أحد بدليل أنك أنت بشر وتقول الجن وسوس لي فما بال الجن الذي خالف إبليس؟ هذا من جنسه ولم يسمع كلامه. الجن كله مخير مثل الإنسان.

المخيّر لا سلطان عليه لأنها ضد مبدأ التخيير. (رب بما أغويتني) هو فعل هذا مرتين: مرة بالتصريح ومرة بالتلميح. أغويتني قالها هكذا وهذا القول منضبط بأصل الخِلقة (فألهمها فجورها وتقواها) وهذه النظرة ما زالت موجودة إلى الآن. هناك إلى الآن مسلمين يقولون (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) وهذه كلمة اليهود ويقولون سندخل النار قليلاً ثم نخرج منها ويعتقدون أنها ستكون نزهة في النار أو فندق خمس نجوم! الصحابة كانوا إذا سمعوا اسم النار يغمى عليهم أسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان. وعندما نقول للناس أن هذا خطأ ما تفعلونه يقول لك تعودنا على ذلك وهذه كلمة اليهود (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة). ولهذا كل القصص القرآني حتى يقول الناس من اليوم سأسمع الكلام لأن مبدأ التخيير لا يمكن أن أقول يوم القيامة أن فلاناً ضغط عليك. البشر يقولون هذا على الجن. والجن من طبيعته وخلقته فلا ينفع أن يعتذر أحد بهذا. فقوله تعالى (ربنا ما أطغيته) كلام مجازي يعني أنا ما غيّرت في طبيعته لكن هو ما إن وسوست له حتى نفّذ ولم أُجبره على الطغيان هذا معناها. هذه مسألة سيحاسب عليها ولذلك رد المولى تعالى قال (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد).لا تختصما بالمعنى (المثنى في صيغة الجمع). (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) مبدأ الخصام نفسه غير مسموح به أمام رب العالمين. الرجل الذي سيختصم لأنه قدّم إلينا بالوعيد فلا حجة لك بالتخاصم. إبليس قال (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).

مرة قال (رب بما أغويتني) صريحة ومرة قال (قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون) يريد أن يهرب من الموت. لم يقل أنظرني إلى يوم أجلي لأنه يريد أن يعيش طيلة الحياة الدنيا والآخرة إلى يوم البعث يريد أن لا يموت. الرد جاء مرة (إنك من المنظرين) ومرة (إلى يوم الوقت المعلوم) لأنه كخلق له أجل (لكل أجل كتاب). آية ترشح آية، قال (إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) فلا حجة لأحد أن يقول أحد ضغط علي (ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) . (إلا عبادك منهم المخلَصين) هؤلاء عباد خُلّصوا من يدي فردّ عليه المولى تبارك وتعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) هذا ليس تفضّلاً من إبليس.

سؤال: عبادي طائفة محددة إذن الذين يخرجون من زمرة عباد الرحمن للشيطان عليهم سلطان؟

لكن نسأل هل هو سلطان قهر أو سلطان شهوة إتّباع؟ هو سلطان شهوة إتّباع. لم يشرح أحد للناس سلطان قهر أو سلطان شهوة إتباع؟ هو سلطان شهوة اتباع، ولا يوجد سلطان قهر عند التخيير. (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) هذه يجب أن نضعها عند كل مشعوذ ودجال ونصاب ومن يذهب إليهم ومن يدعون العلاج بالقرآن والذين يخرجون الجن وغيرهم. هل هناك علاج بالقرآن؟ ماذا يحصل إذا وضع أحدهم يده على رأس شخص ممسوس؟ ما هي الآلية التي تحصل؟ إذا كان هناك شخص يعاني من ألم ما يعطيه الطبيب حبة تسكن الألم ولكن لا تزيل الألم وهذا التوصيف الصحيح فهذه الحبة آليتها معروفة، الحبة مثلاً تذهب للمخ وتقول له إنس الألم مع أن الألم موجود.نحن نسأل هؤلاء المشعوذين ما هي الآلية التي تحصل عندما يضع يده على رأس الممسوس ويقرأ؟ إذا كان الذي يقرأ القرآن على الممسوس هو الطبيب فكيف سيخف المريض أو الممسوس وهو لم يفعل شيئاً؟! الذي يقرأ القرآن هو المعالِج وليس المعالَج. وأسأل هل إذا ذهبت مع شخص مريض إلى الطبيب ووصف له علاجاً فهل إذا أخذته الدواء أنا يشفى هذا الشخص؟ بالطبع لا. هؤلاء يتحججون بالآية (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) فنقول لهم أكملوا الآية (وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) هنا الكلام عن العقيدة وليس في الطب وإلا كان قال لا يزيد الظالمين إلا مرضاً. هؤلاء يحتجون أيضاً بالحديث عن عمر بن الخطاب أنه وضع يده على مريض وقرأ عليه نسأل هل عالج الرسول r بالقرآن؟ لو لم يفعلها رسول الله r لكان قصّر وما قصّر r. ولنوضح جهل هؤلاء نقول كيف يشخّص أحدهم أنه عليه أن يقرأ سورة الكهف للمرض الفلاني والبقرة لمرض آخر وغيرها؟ وقد سبق أن تناقشت مع أحد هؤلاء المعالجين بالقرآن مع الدكتور عبد الله بركات وحاورناه ولم يقتنع فسأله الدكتور هل هي رمية بلا رامي فأجاب نعم هي رمية بلا رامي وهذا دليل أنه لا يفهم شيئاً. نسأل هل يمكن للدكتور أن يكشف على المريض ويعطي نفس الدواء لكل الأمراض ولكل المرضى؟ وحتى نفس المرض لا يمكن أن تعطي مرضاه نفس الدواء بنفس الكمية. لا يمكن. هؤلاء الذين يدّعون العلاج بالقرآن نصّابين والناس عندهم إستعداد للنصب كذلك يفعلون في الإسرائيليات.

إذن لا غواية من الله تعالى حيال إبليس إنما إبليس هو الذي أضلّ نفسه  وأبى حتى يبيّن أنه مغلوب على أمره وهذه ضد التخيير بدليل (أبى). والدليل الآخر لما سأله المولى تعالى ما منعك أن تسجد لو كانت إجابته: رب أنت أغويتني أنا لست من الملائكة وإنما قال أأسجد لمن خلقت طينا.

عند سورة طه قال (أبى) فقط والعِلة أن المولى تعالى كأنه يقول لنا: كانت أبى وحدها تكفي لتحذر إبليس.

في سورة ص قال (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) لم يقل أبى لأنه استكبر والاثنان يعيدان للبقرة (أبى واستكبر وكان من الكافرين). في السبع سور أخذنا صورة في ص كاملة وكل ملمح كان كفيلاً يا آدم ويا أبناء آدم أن يبعدوكم عن إبليس وتحذروه لذا يجب أن نفهم أن سورة الأعراف قبل أن نتركها وكما أخذنا أولها بالحروف المقطعة مع بدايتها مه نهايتها علينا أن لا نغادرها إلا عندما نسمع فيها أربع نداءات (يا بني آدم) لأنه ليس من فراغ قال (يا بني آدم) كأنه يريد أن يذكركم بما حصل مع آدم (وليس غلطة آدم لأنها غُفرت له في حينها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وبما وقع فيه آدم حتى لا تقعوا أنتم في مثله. كل هذا لأن القرآن منهج (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان).

سؤال: الله تعالى قادر على عصمة آدم فلم تركه يعصي؟

هذا مراد الله تعالى ولا معقّب عليه ولا يُسألأ عما يفعل والسؤال في حد ذاته خطأ. ومع هذا كله أنت تعصى آناء الليل والنهار. البعض يحتج بالآية (زُيّن للناس حب الشهوات) من الذي زيّن؟ تزيين كل شخص مختلف. زُيّن بُنيت لما لم يسمّى فاعله. لا نقول الله تعالى زيّن إلينا هذه الأشياء حاشاه وقلنا في قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) ألهمها أي بيّن لها الفجور ليجتنب قبل التقوى لتُتّبع.

بُثّت الحلقة بتاريخ 24/7/2006م