الحلقة 6
أسرار التكرار في القرآن الكريم في سورة النساء
د. جمال السيد
سؤال: في قوله تبارك وتعالى (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) النساء) وفي سورة الأحزاب (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) الأحزاب) ما الفرق بين الايتين؟
الآية التي في سورة النساء (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)) ذكرت كلمة خير، الآية في سورة الأحزاب (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)) ذكرت كلمة شيئ، لماذا ذُكرت كلمة خيراً في النساء وكلمة شيئاً في الأحزاب؟ لو رجعنا إلى الآية السابقة في سورة النساء، كلمة (خيراً) اختريت لسببين، السبب الأول يخص السورة نفسها فسورة النساء تميل إلى جانب الصلح والود والإصلاح، إلى الخير فناسبها كلمة خير، والسبب الآخر يخص السياق فهذه الآية قبلها آية أخرى (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ (148)) فذكرت الآية الأولى السوء وجاءت هذه الآية مقابلة لها فذكرت الخير (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا)، فالآية هنا تدعو إلى الخير، الخير في السورة والخير في مقابلة السوء.
كلمة (شيئاً) التي في سورة الأحزاب، سورة الأحزاب تتحدث عن فريقين، عن مؤمنين ومنافقين، تتحدث عن مؤمنين وكفار وتبين أفعال وأقوال المنافقين في غزوة الأحزاب وتبين كيف كانوا يدّعون (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)) (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)) وقالوا أشياء كثيرة جداً وتحدثت الآية أيضاً عن المؤمنين فالآية بيّنت للطرفين أن أيّ شيء تبدونه سواء كان هذا الشيء خيراً أم شراً فالله يعلمه فجاءت كلمة شيء والشيء تشمل المعنيين.
الفئة المخاطّبة في الآيتين مختلفة ففي سورة النساء الآية كانت تخاطب المؤمنين وحدهم يقول لهم الله تعالى (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)) والخطاب في سورة الأحزاب للجميع (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)) ونلاحظ هنا أن شيئاً كلمة عامة والخير شيء والشر شيء فأقلُّ ما ينسب به الخير والشر أن يقال عنه شيء.
وفي نهاية سورة البقرة قال تعالى (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ (284)) قال (ما) ولم يقل خيراً أو شيئاً، الخطاب هنا لكل البشر وخصوصاً المؤمنين، خطاب عام ولكل الناس وينطبق بالدرجة الأولى على المؤمنين بواقع أن القرآن يخاطب الرسول والمؤمنين بالدرجة الأولة ويعمّ الخطاب الناس كلهم. (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) (ما) إسم موصول تدل على الصغير والكبير، تدل على كل ما يمكن. والآية في سورة الأحزاب ذكرت النكرة (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ) شيئاً قلّ أو كثُر، بينما في ىية البقرة التعبير بالإسم الموصول. إن تبدوا شيئاً من الشر أو شيئاً من الخير.
في سورة النساء قال تعالى (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ) ولم تأت في سورة الأحزاب لأن سورة النساء تدعو إلى جانب العفو وتدعو إلى الإصلاح وإلى جانب المودة تدعو إلى السلام، وتدعو إلى الإنصاف والمودة وحسن العشرة فيأتي بسياقات تدعم هذا الإتجاه.
سؤال: لماذا اختلفت خواتيم الآيتين في سورة النساء وسورة الأحزاب؟
الآية الأولى التي في سورة النساء (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)) الختام يناسب العفو، فالعفو تناسب (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ) وقديراً جاءت في جانب شديد من الروعة لتدل على أن الله يعفو عن مقدرة لا عن عجز ولا عن ضعف ولا عن احتياج للناس فتدعو المؤمنين من باب أولى إلى أن يتخلقوا بصفة من صفات الله عز وجل. كلمة قديراً أفادت أنه يعفو عن مقدرة ولا يعفو عن عجز، الله كان عفواً ويقدر أن يعاقب ولكن قدرته اقترنت مع عفوه، هو قدير على العفو وقدير على العقوبة لو أراد، يعني العفو عند المقدرة – هذا من باب التوسع في المعنى – قدير على العفو وقدير على أن لا يعفو، فالآية تدعو المؤمنين إلى أن يتخلقوا بهذا الخُلُق الحسن الذي وصفه الله عز وجل في الاية “العفو عند المقدرة” ونظراً لأن الاية تشجع العفو كان الختام (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا). ختام سورة الأحزاب (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)) هنا تنبيه للفريقين للمؤمنين والمنافقين وتنبيه لكل البشر سواء إن تبدوا شيئاً سواء من خير أو شر فإن الله كان بكل شيء عليماً حتى يرتدع الإنسان فلا يُبدي إلا الخير (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)) فختام الآية يحذرهم من ألا يبدوا إلا الخير. وفي آية سورة البقرة اختلفت ختام الآية (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ (284)) هنا تنبيه إلى أن الإنسان محاسب، الهدف من هذه الاية أن يحرص كل المسلمين على ما يقولون ، ما يعلنون وما يخفون ويعلموا أن الله يحاسبهم. وقد شقّت هذه الآية على الصحابة رضي الله عنهم فالإنسان قد يخطر في باله أحياناً معصية ولا يهمّ بها ففزع الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح ” لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } [ 2 / البقرة / آية 284 ] قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم بركوا على الركب . فقالوا : أي رسول الله ! كلفنا من الأعمال ما نطيق . الصلاة والصيام والجهاد والصدقة . وقد أنزلت عليك هذه الآية . ولا نطيقها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم . فأنزل الله في إثرها : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [ 2 / البقرة / آية 285 ] فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى . وأنزل الله عز وجل : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( قال : نعم ) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ( قال : نعم ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ( قال : نعم ) واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ( قال : نعم ) [ 2 / البقرة / آية 286 ]، الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 125، خلاصة حكم المحدث: صحيح” والرسول طمأن المسلمين على شيء “ إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تتكلم. الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 5269، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]”. المفسرون يقولون لما سمع المؤمنون هذه الاية قالوا سمعنا وأطعنا ولم يقولوا سمعنا وعصينا فخفف الله عنهم فأنزل تكملة الايات التي تبيّن أن الله سبحانه وتعالى عفا عنهم كثيراً (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة) فعفا الله عنهم، لما أحسنوا الجواب أحسن الله لهم الثواب. إذن ختام الآيات دائماً يتناسب مع صدرها.
سؤال: في الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة) ختمت الآية بـ (وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ولم تقل غفور رحيم مع أن سياق الآية يحتمل وكذلك في الآية (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) هود) ختمت بـ (وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) وفي الآية (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) ما قال غفور رحيم، ما هو معوّل ختام الآية؟
ختام الآية له صلة بما فيها، نوح عليه السلام على سبيل المثال لما قال (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) هود) أي إن ما يحدث فإنما هو لحكمةٍ عندك لأن الله قد وعده وقال له (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ (40)) فهو يقول (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) ولأنه يعلم أن ابنه لم يؤمن لم يقل وأنت أرحم الراحمين وإنما قال (وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) لأن كل فعل يحدث في الكون فإنما هو لحكمة عندك وإن كل أمر يحدث فهو لحكمةٍ عندك فإن نجّيتَهُ فهذا لحكمةٍ عندك وإن أهلكتَهُ فهذا لحكمة عندك وهذا منتهى التسليم، يسلّم لحكم الله عز وجل ويقول أن كل شيء يسير بحكمة الله ولذلك في الآية التي تليها قال تعالى (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) أي إنه ليس من أهلِ: الناجين الذين وُعِدت بنجاتهم.
أيضاً قوله تعالى (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) المائدة) يعني إن غفرت لهم مع أخطائهم ومعصيتهم فيكون هذا نتيجة عزة عندك ونتيجة حكمة عندك وأنت لست ملزماً أن تغفر لهم، عيسى عليه السلام يتبرأ من سلوكهم يعني يعطي الحكمة لله عز وجل يعني كل شيء يعود لله سبحانه لأنه عزيز إن غفر لهم فهو عزيز وإن غفر لهم فهو لحكمة عنده سبحانه، لم يقل فإنك أنت الغفور الرحيم لأن عيسى عليه السلام لا يضمن لهم مغفرة وهو يعرف أن كل شيء بمشيئة الله وكل شيء يجري في الكون بعزّته فيفوّض الأمر كله لله.
(أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) النساء) الختام هنا جاء مناسباً وفي الآية الثانية (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) الأحزاب) جاء مناسباً أيضاً وفي سورة البقرة (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)) الختام يبين أن الله قدير على أن يعلم ما في نفوسهم وقدير على أن يعذب هؤلاء وقدير على أن يعفو عن هؤلاء. كل ختام يناسب ما جاء في صدر الآية.
في سورة البقرة العبد الصالح الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)) قدير لأنه رأى بعينيه كيف أن الله حفظ له طعامه وشرابه لم يتسنّه ورأى بعينيه كيف أعاد له حماره فقال (أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). الآية التي تليها الله عز وجل أرى إبراهيم آية تدل على قدرته على إحياء الموتى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) لم تختم الآية أن الله عل كل شيء قدير وإنما ختمت (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لأن كل شيء يفعله بحكمته وكل شيء في الكون خاضعٌ لعزّته، الإماتة والإحياء في الآية هو رآها بعينه. العلماء يحاولون في تفسيراتهم معرفة دلالة ختام الآية بصدرها والسيوطي له مؤلف صغير في مناسبة الآيات والسور وحتى لترتيبها في المصحف وحتى ختام السورة ببداية السورة التي تليها.
سؤال: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) النساء) تكررت كلمة (بكفرهم) فلماذا تكررت؟
تكرار كلمة الكفر هنا لتعدد الكفر، كفروا بموسى وكفروا بعيسى وكفروا بمحمد، كفروا بكل الرسل، كفروا بعيسى عليه السلام عندما قالوا إنه ليس برسول، هم قالوا (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ (157) النساء) هذا لم يكن إيماناً منهم وإنما كان تهكماً وسخرية فهم مع قولهم (رسول الله) إلا أنهم لم يؤمنوا به كانوا يتهكمون (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ) تهكماً عليه وعلى رسالته ولا يعترفون أنه رسول. وذكر القرآن مثل هذا التحكم في قصة موسى مع فرعون (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) الشعراء) يقول فرعون رسولكم وهو لا يؤمن به أنه رسول وإنما يتهكم. حتى قوم شعيب عندما قالوا (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود) يتهكمون عليه فهم لا يقولون أنه حكيم ولا رشيد وإنما يتهكمون.
سؤال: في قوله تبارك وتعالى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) النساء) ما معنى قصّ؟
قصّ الرجل الشيء حكاه، سرده، ذكر شيئاً عنه ليعرّفه عن الآخرين ونلاحظ أن القرآن لا يقول حكى وإنما قصّ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ (3) يوسف) قصص القرآن ليس فيه كذب ولا اختراع. (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ (11) القصص) قصيّه يعني اقتفي أثره وهذا معنى آخر، قصّيه يعني تتبعي أخباره، إبحثي عنه، معناه أنها ستمشي في المدينة وتحاول أن تبحث عن شيء يدلها على فتى وجد في البحر حتى وصلت إليه.
في آية سورة النساء قال تعالى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ) باستخدام (قد) وفي آية أخرى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) غافر) بدون (قد)، فهل تتغير الدلالة إذا دخلت (قد) على الماضي والمضارع؟
(قد) إذا دخلت على الماضي فإنها تفيد التحقيق والتقرير والتقريب يقولون عندما قال إخوة يوسف له (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا (91) يوسف) يقولون أن هنا تحقيقاً، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) المؤمنون) هنا تحقيق. (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) النساء) هذه الآية تختلف عن سورة غافر، الآية في سورة النساء جاء قبلها (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)) الآية هنا تُشبِّه الوحي الذي أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي الذي أُنزِل إلى الأنبياء السابقين، هنا علاقة تشابه بين رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة الأنبياء السابقين، رسالة مشابَهة بين الرسول وبين الأنبياء السابقين. أما في سورة غافر فكانت الآية تذكر للرسول صلى الله عليه وسلم أن هناك رسلاً قبله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) غافر) تبين أن الله قد أرسل رسلاً قبله أما في سورة النساء فالقول الكريم يشابه بين ما أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وما أوحي إلى الأنبياء السابقين. ونلاحظ وجه التشابه في الآية (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) النساء) أي إن رسالتك ليست بِدعاً.
اختلف صيغة الفعل قصّ في الآيتين ففي سورة النساء قال تعالى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) وفي سورة غافر قال (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ) المعنى قد يكون واحداً لكن اختلاف الأسلوب هنا لدلالات (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) (قد) هنا للتقريب، وذكرنا أن (قد) إذا دخلت على الفعل الماضي تفيد إما التقريب وإما التقرير وإما التحقيق. هنا تقريب معناها إن الفعل قد حدث قريباً من الحال، عندما أقول قد جاء أخي يعني مجيئه كان قريباً من وقت كلامي، عندما أقول قد ذاكرت وأنا أقصد أني ذاكرت منذ زمن قليل. ولذلك رفض المفسرون أن يقولوا أن (قد) في قوله تعالى (لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا (91) يوسف) للتقريب، قالوا لقد فضّله الله علهيم وكان شيئاً مقرراً منذ القِدَم، يعني للتقرير وليس للتقريب، ليس لأنهم يعترفون بأنه فُضِّل عليهم الآن أو منذ دقائق مثلاً. (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ) تناسب أن الله ذكرهم في هذه الآية وفي سور قريبة.
إذا دخلت (قد) على المضارع إما تفيد التقرير وإما التقليل وإما التكثير، والبعض يقولون تفيد التشكيك وهذا يدخل في التقليل، عندما نقول قد يُفلت المجرم يعني هذا أمر وارد ولكنه قليل، (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) هذا شيء مقرَّر. إذا كان الفعل يمكن حدوثه أو لا يمكن حدوثه ثم ذكرت (قد) يراعى الأمر هل هو يحدث كثيراً أو قليلاً؟ إذا كان يحدث كثيراً فإن (قد) تفيد التكثير عندما نقول قد ينجح المجتهد هذا على التكثير لأنه أحياناً قد يفشل وهو مجتهد. عندما يقول تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ (18) الأحزاب) أو (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا (63) النور) (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) فهذا تقرير الله يقرر لأن الله يعلم ذلك ولا شك فيه.
سؤال: ماذا أفادت (وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) في الآية (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ (164) النساء) مع أن المتبادر إلى الذهن أنه لما قال (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْل) أنه لم يقصص عليه فئة أخرى؟
الله سبحانه وتعال أراد في السورتين النساء وغافر أن يبيّن للناس في السورة الأولى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُرسل كما أُرسل أنبياء سابقون قبله ذكر له أسماء بعضهم وأخبارهم ولم يذكر له أسماء بعضهم وأخبارهم وبالتالي عيلهم إذا طلبوا من الرسول آية – لأن هناك آية قبلها في سورة النساء (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء (153)) – الاية في سورة النساء (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (164)) يعني لماذا تطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بآية وهو رسول كبقية الرسل الذين سبقوه وهم قد سألوا وسى أكبر من ذلك (فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً (153))؟! في سورة غافر الله تعالى يعرّف رسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل قبله رسلاً ويعرّفه أيضاً وهذه حقيقة إيمانية للرسول وللمؤمنين يعني هناك رسل تعرفهم وعليك أن تؤمن بهم وهناك رسل لا تعرفهم وعليك أيضاً أن تؤمن بهم وكذلك المؤمنون.
سؤال: إستخدم القرآن (قد) مع الفعل الأول (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) واستخدم (من) إسم موصول مع الفعل الثاني (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ) ماذا أفاد الإسم الموصول؟ ولا لم يستخدم الإسم الموصول مع الفعل الأول؟
الآية الأولى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ (164) النساء) رسلاً أي وأرسلنا رسلاً (وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) من قبل لا في هذه السورة ولا في السورة السابقة فذكرت كلمة الرسل لتأكيد مبدأ رسالة الرسول وتشابهت مع بقية الرسل فذكرت كلمة (رسل) مرتين (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ذكرت كلمة رسل في النص للإشارة إلى مبدأ الرسالة. في سورة غافر (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) غافر) ذكر الإسم الموصول لأن الأمر قد صار معروفاً وأن الأمر صار حقيقة إيمانية لم يكن القصد هنا الإشارة إلى مبدأ الرسالة وحدها ولكن الإشارة إلى حقيقة إيمانية في أن هناك من الرسل من عرفهم وهناك من لم يعرفهم. بينما في سورة النساء وردت الرسل النص إشارة إلى مبدأ الرسالة وأنه رسول يشبه الرسل السابقين يشبه الرسل وفي غافر إشارة إلى أن هناك رسلاً عرِف بعضهم ولم يعرف بعضهم وأن عليه أن يؤمن بالجميع ولم يكن الهدف تشبيه الرسول بهم. وعدم وجود (قد) هنا لأنه أحياناً الفعل الماضي لا يأتي أمامه (قد) ويفيد التحقق الحدث وثبوته، إذن هو يخضع لمجريات السياق.
سؤال: في حوار الله تعالى مع أهل الكتاب ينهاهم مرة بقوله (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171) النساء) وفي موضع آخر (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) المائدة) ما سبب هذا الإختلاف؟ وما اللمسة البيانية؟
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ (171)) في سورة النساء جاءت معها كلمات تشير إلى بشرية عيسى عليه السلام (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) فالآية هنا تشير إلى جريمتهم عندما ادّعوا أن عيسى عليه السلام هو الله أو ابن الله أو أن الله ثالث ثلاثة فاستخدمت حرف العطف الواو، هناك من زعم أن عيسى هو الله وهناك من زعم أنه ابن الله وهناك من زعم أن الله ثالث ثلاثة واختلفوا على فئات شتى وفرق متعددة وأصبحوا لا يُحصون عدداً بالنسبة للاختلافات. فهنا لأن الآية ذكرت أشنع جريمة وهي نسبة ولد إلى الله فعطفت (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ)، لا تغلوا يعني لا تتشددوا، من الغلو، فلا تنسبوا للدين شيئاً ليس فيه. (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ) العطف هنا إرادة التعدد دليلاً على تعدد جرائمهم، دليلاً على تعدد كذبهم (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ) السورة هنا تذكر خطأهم فتقول (لا تغلوا ولا تقولوا). بينما الآية في سورة المائدة لم تذكر المسيح عليه السلام ولم تذكر (لا تقولوا على الله إلا الحق) لأن الآية هنا لم تذكر المسيح عيسى ابن مريم. سبب (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ) في سورة النساء ما جاء بعدها من أنهم نسبوا عيسى عليه السلام إلى الله عز وجل (وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) إنما الله إله واحد، لا تقولوا ثلاثة، يعني الآية تتحدث أن الله واحد وأن المسيح عيسى ابن مريم ليس إلهاً فعطف بالواو. أما في الاية الأخرى في المائدة فالآية تعدد هذا القول بالإضافة إلى توضيح أخطاء أخرى فعلوها غير قولهم المسيح ابن الله (وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77)) السياق مختلف ولاختلاف السياق تتغير اختيار الكلمة ودلالتها، إذن السياق هو الحاكم وإذا وضعت الكلمة في غير سياقها لا بد وأن يختلف معناها وتختلف دلالتها هذا مبدأ عام في فهم النصوص عموماً، هناك نظرية في علم اللغة تسمى النظرية السياقية تضم الكلمة مع أخرى وتوضع بجانب أخرى فتعطي معنى آخر. إذن دراسة السياق ودراسة أسباب النزول من أهم الأسس لفهم آي القرآن ولا يستطيع المفسر أن يفسر القرآن إلا إذا عرف أسباب النزول وإلا إذا كان ملمّاً باللغة العربية وإلا فإنه يتكلم خبط عشواء.
سؤال: يتحدث ربنا تبارك وتعالى عن عيسى عليه السلام يقول (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ (171) النساء) ومرة يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) و (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر)، ما هي الروح؟
كلمة الروح إذا قلنا (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) يقصد بالروح هنا جبريل عليه السلام قولاً واحداً. (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا (38) النبأ) يقول المفسرون الروح هنا إما جبريل عليه السلام أو ملك آخر اسمه الروح على اختلاف بعض المفسرين، الجمهور على أن الروح وصف به جبريل عليه السلام. أما قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) المفسرون يقولون إما قُصِد بها النبوة عندما يقال النبوة روح والروح أصل الحياة إذا نُزِعت الروح من الإنسان فقد مات وإذا نُزِعت الروح من الكائن الحي فقد مات فمعناه أن النبوة روح للبشرية فالنبوة تأتي لإحياء البشرية. هناك رأي يقول الروح النبوة ورأي يقول أن الروح في آية الشورى هو القرآن وهناك من يقول أن الروح هو جبريل عليه السلام أي أرسل الله الروح إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي جبريل في آية سورة الشورى. إذن فيها أقوال ثلاثة: النبوة وإما القرآن وإما جبريل عليه السلام. أما في سورة النساء في الكلام على عيسى عليه السلام (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ (171) النساء) (وَرُوحٌ مِّنْهُ) أي ذو روح من الله عز وجل وهو ناتج عن نفخ جبريل في درع مريم بناء على أمر الله عز وجل فقيل (منه) (وَرُوحٌ مِّنْهُ) لماذا قيل (منه) مع أن النافخ هو جبريل؟ لأن جبريل نفخ بأمر الله فصار النفخ من الله عز وجل لأنه أمر منه. المسيح هو روح من الله أي روح من أمر الله (وَرُوحٌ مِّنْهُ) قيل منه لأن الأمر من الله وحاشا لله تعالى أن يجل في شخص أو يكون شخص جزءاً منه. (روح الله) هذه الإضافة تعني إضافة بمعنى في وإضافة بمعنى اللام وإضافة بمعنى من، الملكية والظرفية والجزئية، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إلتمس خاتماً ولو حديد يعني من حديد، وعندما نقول هذه سحابة صيف يعني في الصيف، هذا كتاب زيد يعني كتاب لزيد أو كتاب من زيد. فروح الله أو روح منه اي من أمر الله عز وجل فالله أمر جبريل أن ينفخ في درع مريم فوصلت النفخة إلى فرجها فخلق الله عز وجل عيسى عليه السلام.
وفي قوله تعالى في الحديث عن خلق آدم عليه السلام (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي (28) الحجر) النفخ هنا يعني الله نفخ فيه من الروح لأن الله عز وجل واهب الروح وواهب الحياة ولا حياة بغير الله عز وجل. فهنا النفخ أيضاً للدلالة على أن الحياة التي جاءت في عيسى وأن عيسى جاء بدون أب لأن الله قد أمر بذلك لا لأنه ابن لله حاشا وكلا وحاشا لله أن يتخذ ولداً.
سؤال: قال تعالى (إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ (171) النساء) (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ (68) يونس) تقديم وتأخير (سبحانه) والتعبير بنفس الكلمات تقريباً ماذا أفاد؟ وما اللمسة البيانية؟ وهناك غيرما آية في القرآن على هذا النحو (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ (101) الأنعام) لماذا؟
الله سبحانه وتعالى في القرآن المكّي تمت معالجة حكاية البنوة أو نسبة إبن إلى الله بطريقة غير التي عولجت في السور المدنية. في السور المكية كان الهدف الأسمى هو تثبيت العقيدة في نفوس الناس فنجد التفصيل في سورة المؤمنون وهي سورة مكية يقول الله عز وجل لهم (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (91)) هنا رد منطقي على من يدعون أن مع الله إلهاً آخر أو أن الله يحتاج إلى ولد. في السور المكية الله يرد على المدّعين ببنوة أحد إلى الله بدلائل منطقية ودلائل عقلية يفهمها العاقل. في سورة الأنعام يقول لهم (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ (101)) يردّ عليهم بشيء منطقي كيف يكون ولد ولم تكن له زوجة، وصاحبة هنا بمعنى زوجة، وهل هناك ولد من غير زوجة؟! بعض الناس يفهم صاحبة يعني خليلة وأياً كان وضعها فالله تعالى ليس له صاحبة (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) أي وزوجته وسميت صاحبة نظراً للعلاقة القوية بيننها وبين زوجها فكل منها صاحبٌ للآخر وهنا لمحة دلالية في توضيح علاقة الرجل بزوجه. أما في القرآن المدني فنلاحظ كلمة (سبحان) (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ (116) البقرة) وفي الأنبياء (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)) عندما نسبوا إبناً إلى الله سبحانه وتعالى من الملائكة فتأتي (سبحانه) بعد ذكر القول.
في سورة الزخرف قال تعالى (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)) ما قال سبحانه هنا. قال تعالى (قُلْ إِن كَانَ) إن هنا للتشكيك يأخذهم على سبيل المناقشة العقلية (إن كان) إن فُرِض وهذا غير موجود وغير متحقق وأنا أول العابدين أي أنا أعرف الناس به وهي ليست للشرط، (إن) هنا نافية (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) يعني ما كان للرحمن ولد، إن كان له في زعمكم فأنا أول العابدين العارفين أنه ليس له ولد، لم يعلِّق عبادته كأول العابدين لأن للرحمن ولد سبحانه، ليس معناه أنا أول العابدين أنه له ولداً، إن كان ليس له ولد فأنا أول العابدين العارفين. (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) يعني أنا أول العارفين بأنه ليس له ولد وليس معناها أنا أول العابدين بأن له ولد. (إن) هنا بمعنى (ما) تنفي نفياً تاماً تنفي الأمر تماماً (إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد) يعني ما كان للرحمن ولد. يخاطب الآخرين وإن فرضتم على سبيل التشكيك أو على سبيل الإدعاء فإني أول العابدين بأن الله سبحانه وتعالى غني عن الولد، فهنا نفي.
سؤال: تقديم وتأخير (سبحانه) كما في سورة النساء (سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ (171)) وتأخيرها (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ (68) يونس) ماذا يفيد التقديم والتأخير؟
سبحانه تنزيه لله عز وجل، (سبحان) مصدر منصوب للفعل محذوف تقديره أسبح، أسبح سبحان، (سبحان) هذا مصدر والبعض يقول إسم مصدر وهو مصدر سماعي وليس على القياس، (أسبِّح) رباعي مصدره (تسبيح) فاعل – تفعيل وسبحان مصر سماعي وبعض الناس قال (سبحان) إسم مصدر وهو منصوب. الله تعالى يقول (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا) يسرد أقوالهم ثم يقول (سُبْحَانَهُ) يرد عليهم بأن الله منزّه عن ذلك، ونلاحظ لم يقل قالوا اتخذ الله ولداً وكذبوا وإنما يقول (سُبْحَانَهُ) إن الأمر أعظم وأكبر من أن يعلق عليهم بأنهم كذبوا. الدلالة القرآنية استخدمت هنا كلمة أعظم من أنهم كاذبون. لأن نسبة ولد إلى الله أشنع الكفر وأبشعه فلم ترد عليهم الاية فتقول لهم كذبتم وإنما تقول (سُبْحَانَهُ). عندما يتهم شخص شخصاً آخر فيقول له أنت كذبت فيمكنه أن يقول أنا لست أكذب فإذا كان الشخص بعيداً عن الكذب بعداً نهائياً يقول حاشا لله مثلي لا يكذب، فياتي بأسلوب أعلى. فالآية تقول (سُبْحَانَهُ) لتدل على أن الأمر أحقر من أن يرد عليهم بكلمة الكذب وإنما (سُبْحَانَهُ). وأحياناً تقدم (سُبْحَانَهُ) إذا لم يذكر القول بان له ولد، إذا لم ينص على القول في اللفظ، (سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) عندما لا ينص في الآية بادّعاء القول أن له ولد تأتي (سبحانه) ثم تأتي بعدها (أن يكون له ولد). وعندما تأتي (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (26) الأنبياء) ذكر القول أولاً فيقال (سُبْحَانَهُ) بعد ذكر القول.
سؤال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (173) النساء) (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) آل عمران) (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) فاطر) ما الفرق؟
الجزاء من جنس العمل. عندما تذكر الآية أفعالاً صالحة كثيرة للمؤمنين تعقبها بذكر جزاء متعدد، في سورة النساء (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ (173)) بعدها (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) هؤلاء رفضوا أن يكونوا مع الذين قالوا إن الله سبحانه وتعالى له ولد، هؤلاء لم يستكبروا عن عبادة الله عز وجل، هم آمنوا وعملوا الصالحات والآية مرتبطة بما قبلها وما بعدها فالآيات التي قبلها والتي بعدها نصت على أن هناك من قال أن هناك إله مع الله. وهناك آيات قالت (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) آل عمران) لأن الآية اكتفت بذكر إيمانهم واتفت بذكر صلاحهم فبينت أن الله يوفيهم أجورهم، في آية سورة آل عمران الله تعالى يتكلم إلى عيسى ابن مريم ويبين أن (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)) (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)) هنا تقسيم لفريقين ولم يأت تفصيلات لأعمال هذا الفريق وإنما الآية اكتفت بالتقسيم والكلام عن الفريقين فاكتفي بذكر (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ). أما في سورة النساء فسبقها آيات وتلاها آيات تتحدث عن ناس آمنوا وعملوا الصالحات ولا يستكبرون عن عبادة الله ولا يستنكفون عن عبادة الله لا هم ولا الملائكة المقربون ولا عيسى ابن مريم فهنا دلالة على تعدد أفعالهم الصالحة فزادت الآية (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ). في فاطر قال (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ) (لِيُوَفِّيَهُمْ) اللام هنا للتعليل الله سبحانه وتعالى عندما يقول أنه سيوفيهم يعني أنه سيعطيهم أجرهم غير منقوص يعني لا أحد أوفى من الله فمؤكد بالفعل أن هذا العمل سينالون عليه الأجر الوفير. لام التعليل تبين أن هناك حدثاً وأن هناك سبباً لهذا الحدث ذاكر فلان لينجح، كافأته ليجتهد، التأكيد يؤخذ من شيء دلالي ولام التعليل ليست من وسائل التوكيد وإنما هي للتعليل. نأخذ الوعد من كلمة (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) أن الله سيعطيهم أجرهم غير منقوص.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/6/2010م