الحلقة 116
سؤال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) كيف عرفت الملائكة أن هذا المخلوق سيفسد في الأرض؟ (فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) البقرة) ما المقصود بصادقين؟
هنالك سؤالان مثاران في هذا الموضع السؤال الأول (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) قالوا من أدرى الملائكة وما أدراهم بذلك؟ والسؤال الآخر (فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ). أما السؤال الأول فمما ذكر أنهم احتمال أنهم اطلعوا على اللوح المحفوط واللوح المحفوظ كتب فيه كل شيء وما يفعله البشر فرأوا ما يفعله هؤلاء فقالوا (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) هم اطلعوا إما بإخبار الله لهم أو بما اطلعوا عليه في اللوح المحفوظ. أما في قوله (فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يقال إن الملائكة قالت فيما بينها (إن الله ربنا سبحانه لن يخلق خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم) يتذاكرون فيما بينهم قبل أن يُخلق آدم، قالوا فيما بينهم (إن الله لم يخلق خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم) فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين في زعمكم أنه لن يخلق أعلم منكم وأسجدهم له وهم قالوا (لا أكرم ولا أعلم)، قسم كبير قالوا رسل البشر هم أفضل من رسل الملائكة وعوام البشر أفضل من عوام الملائكة لأنهم مكلفون.
استطراد من المقدم: (هؤلاء) على من يعود الضمير؟
(هؤلاء) قال تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا (31) البقرة) أي الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم والتي يحتاجها.
سؤال: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف) ما هي صيغة أحصى هل هي إسم تفضيل أو فعل؟
هي تحتمل وهكذا يقول المفسرون تحتمل أن تكون فعلاً ماضياً وتحتمل أن تكون إسم تفضيل، ليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً، (أحصى) ممنوع من الصرف. (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ (6) المجادلة) أحصاه فعل ماضي. أحصى أمداً لما لبثوا ويكون أمداً يكون مفعول به.
استطراد من المقدم: إسم التفضيل ألا يجب أن يكون هناك شيء مفضل على شيء؟
أحياناً لا يذكر إسم التفضيل، نقول الله أكبر ليس بالضرورة أن يُذكر، (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) وإن كان في الأصل هو يفضل شيء على شيء لكن ليس بالضرورة أن يُذكر
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول
و(أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) (امداً) يحتمل أن تكون تمييز (أحصى أمداً) ويحتمل أن تكون مفعول به لأحصى وهذا من باب التوسع في المعنى.
سؤال: في سورة الصف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ (14)) وفي آل عمران تكررت الآية (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)) عيسى ينسب النصرة إليه وهم يقولون نحن أنصار الله مباشرة فما دلالة هذا؟
أولاً ما معنى (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ)؟ هذا التعبير يحتمل معنيين الأول أنا أنصر الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ (7) محمد) ينصر دينكم، فمن يكون معي في نصرة دين الله؟ أنا أنصر حتى أنتهي إلى الله، حتى أفضي إلى ربي حتى نصل إلى ربنا. فمن يكون معي في نصرة الله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)؟ أنا أنصر الله أنصر دينه فمن يكون معي في ذلك؟ هذا شكل والشكل الثاني إن الله ينصرني في هذا الأمر فمن يكون معي في نصرة الله إياي؟ ينصرني يعني يؤيدني فمن يكون معي في هذا الأمر؟ وهذه يعبر عنها بـ (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ) يعني أنا سأفعل وينصرني الله بشكل ما فمن يكون معي في ذلك؟، أنا أنصره وهو ينصرني فمن يكون معي؟ هذا السؤال يحتمل المعنيين وقد ذكرهما المفسرون والآية تستوعب المعنيين.
ومن ينصر دين الله ينصره الله هي متلازمة وفي الحالتين يجمعهما قوله تعالى (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) ولذلك الأمران مطلوبان والمعنيين ذكرهما المفسرون لأن (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) فيها المعنيين من يكون نصيراً معي لدين الله والله ينصره؟ نصر الله له صور كثيرة وليس له صورة واحدة، التثبيت هو نوع من النصر وكون الإنسان ثابتاً على دينه والفتنة لا تضره هذا نصر. إذن هذان المعنيان هما مما يجمعهما قوله تعالى (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ). يبقى السؤال لماذا قال نحن أنصار الله؟ ولم يقل نحن أنصارك إلى الله؟ هم للإعلام بأنهم سينصرونه وإن لم يكن معهم حتى لو مات أو قتل لأنهم لو قالوا نحن أنصارك إلى الله سيتعلق التصر بوجوده إذا كان معهم (أنصارك) فإذا أفضى انفضوا، نحن أنصارك انتهى ما بينهما، نحن أنصار فلان فإذا ذهب انتهى الأمر. قالوا (نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ) يعني سنكون سواء كنت معنا أو لم تكن معنا على الإطلاق. لو قالوا نحن أنصارك إلى الله معناه أن النصرة ستنقطع بعد ذهابه لكن لما قالوا نحن أنصار الله النصرة لا تنقطع حتى بعد ذهابه. حتى هو لم يقل من أنصار الله؟ وإنما قال (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ) لأنه لو قال من أنصار الله؟ لادّعى كل واحد أنه أنصار الله وحتى اليهود تقول نحن أنصاره. إذن هو يريد نصرة الله عن طريق الدين الذي جاء به فهو مكلف ورسول ولم يرد أن يعمم السؤال وإلا لقال كل واحد نحن أنصار الله من وجهة نظرهم. إذن السؤال (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ) ولم يقل من أنصار الله؟ السؤال فيه نظر والإجابة فيها نظر أيضاً. والإجابة (نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ) لم يقولوا نحن أنصارك يعني هو ما يسأل من أنصار الله؟ لأنه سيجيب كثيرون وسيدّعون أنهم أنصار الله وإن لم يكونوا من أتباعه. الكل أنصار الله والإجابة لم تكن نحن أنصارك إلى الله حتى لا تكون متعلقة به وإنما بالله مباشرة حتى لو ذهب وهذا يعلم صدقهم من خلال هذا الكلام فهم فعلاً صادقون ولم يربطوا الإجابة به شخصياً وإنما بأصل الرسالة وأصل الدعوة.
استطراد من المقدم: هل قالوا فعلاً هذا الكلام؟
هم قالوا مدلول هذا الكلام لأن ربنا سبحانه وتعالى حتى لو كان بغير لسان العرب يترجم أدق الترجمة لكن بأسلوب معجز، أدق الترجمة وينقل المعاني أدقهل لكن بأسلوب معجز. هم لم يتكلموا العربية فربنا نقل عنهم معنى الكلام تماماً بأسلوبه المعجز كما قالوا وبالتالي حينما نقل عن فرعون نقل الكلام الذي يريده فرعون لكن بأسلوب معجز وتعبير أدبي. أنا قرأت ترجمات لشاعر مترجمين مختلفين هي المعاني واحدة لكن لكل مترجم أسلوب مختلف بحسب ما أوتي من قوة بيان قصص نقرأها مترجمة لكن المترجم يعطيها وإن كانت الأحداث هي واحدة لكن كيف تصاغ وكيف تنقل؟ هذا ما حدث بالفعل لكن الله تعالى نقله لنا بأسلوب معجز.
سؤال: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) مريم) في هذه الآية ورد تهديد إبراهيم لأبيه لماذا استخدم إسم الرحمن مع العذاب مع أن إسم الرحمن إسم ينفع المؤمن؟
الرحمن قد يُعذِّب من رحمته حتى يرعوي من يرعوي، نحن نربي أولادنا ونصربهم حتى يرعوون. أولاً السمة التعبيرية للسورة، هذه السورة تفيض بالرحمة من أولها إلى آخرها من (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (1)) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) تشيع فيها الرحمة أكثر سورة في القرآن تشيع فيها الرحمة وتكرر فيها لفظ الرحمن 16 مرة ولم يرد في سورة من السور مثل هذا التكرار ففي سورة البقرة على طولها ورد ذكر الرحمن مرة واحدة (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163))، الأنعام لم يرد فيها إسم الرحمن هذا من حيث الجو التعبيري. فإذن اختيار الرحمن هنا مناسب لجو السورة وتكرر إسم الرحمن. ثانياً نلاحظ لفظ (المسّ) مناسب لذكر الرحمة ولم يقل مثل ما قال في الأنعام (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)) أتى العذاب كاملاً بينما في سورة مريم (يَمَسَّكَ عَذَابٌ)، المسّ الخفيف بينما في الأنعام قال أتاكم وعذاب الله وهناك عذاب منه تنكير وبغتة أو جهرة وهلاك في الأنعام.
استطراد من المقدم: ألا يفيد التنكير العموم والشمول وعذاب الله عُرِّف بالإضافة فصار معرفة.
صار معرفة، عذاب منه يعني شيء من عذابه. أصلاً لم يأت في القرآن يمسككم عذاب الله أو يمسك عذاب الله لم يرد وإنما قال مس رحمة. فإذن كلمة (يمس) فيها الخفة وعذاب منه بينما أتاكم عذاب الله. عذاب منه يعني عذاب من الرحمن.
سؤال: في بعض الآيات الخطاب للرسول r بصيغة (ألم تر) والرسول r لم يراها فما دلالة هذا الخطاب؟
(ألم تر) في اللغة العربية تأتي بمعنيين. الأول: السؤال عن الرؤية البصرية والرؤية القلبية، ألم تر خالداً اليوم؟ ألم تر الأمر كما أراه؟، هذا معنى، والمعنى الآخر معناها ألم تعلم ألم ينتهي علمك؟ للتعجيب. هذه الصيغة تأتي للتعجيب سواء رآه أو لم يسبق له رؤيته. إذن هي للتعجيب مثل (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ (19) الملك) ألم تعجب من هذا؟ ألم تعجب مما يفعله الرحمن؟ هم يرون. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) الشعراء) هذه رؤيا مشاهدة لكن فيها تعجيب. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (243) البقرة) ألم ينتهي علمك؟ ألم تسمع منهم؟ ألا تتعجب من أولئك؟ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ (258) الملك) إقرأ الحوار بينهم ألا تعجب من هذا المتكبر وكيف كان يحاوره إبراهيم؟. هذا التركيب في العربية له دلالتان (ألم تر إلى) إما الرؤية البصرية أو القلبية وإما ألم ينتهي علمك؟ ألم تعجب؟ يعجّبه من الحالة التي يذكرها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى (246) البقرة) هي للتعجيب والقصد منها التعجيب يلفت نظر السامع الذي يحدثه والمخاطب إلى أمر يدعو إلى التأمل والعجب من الحالة أو من قدرة الله أو ما إلى ذلك.
سؤال: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)) هل يمكن شرح مفصل للآيتين؟
نقرأ الآيات حتى تتضح (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)) هذا وصف الجنتين وقال (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) أي أقل منهما في الجزاء (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77)). في الأولى قال (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) وفي الثانية قال (مُدْهَامَّتَانِ) الأولى أعلى لأن الأفنان تطلق على ضروب عدة والأفنان جمع فنن وهي عموم النعم هذه لا يفيد معها مدهامتان، مدهامتان أي شديدتا الخضرة تميل إلى السواد لم يذكر نِعَم وإنما ذكر الخضرة، مدهامتان كلمة عربية هذه صيغة إفعالّة وهي قليلة في اللغة مثل إحمارّ واصفارّ وهي أشد وفيها مبالغة أكثر، أدهم من مدهامتان أي يميل إلى السواد. مدهامتان أي مائلتان إلى السواد من شدة الخضرة. فهنا إذن (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) أعلى. (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) مقابل (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) أي فيهما ماء قليل وتجريان أقوى، وأقل من الضخ النضح. (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) أكثر وأقوى من (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ). (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) مقابل (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) في الأولى ذكر البطائن ولم يذكر الظاهر، البطائن من استبرق فما بالك بالظواهر؟ ولذلك قسم قالوا الظواهر هي من النور الجامد. قال (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) مقابل (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) قاصرات لا تنظر إلى غير زوجها لا ترى أفضل منه ولا أحب منه فهي قاصرة الطرف على زوجها، أما مقصورات أي مثل المحبوسات في الخيام محددة إقامتهم. وقال (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) ولم يقلها في مقصورات في الخيام (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) ثم قال (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ولم يقل مثل ذلك في الثانية. إذن في كل لفظة الأولى أعلى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)
سؤال من المقدم: لكن ربما يظهر سؤالاً أن الجنتان الأولى جزاء لمن خاف مقام ربه فلمن اللتان من دونهما؟
لا نعلم، ربما لمن هو دونهم. كل من يقول لا إله إلا الله موحد يدخل الجنة. الجنان هي جنان وذكر الآن جنتين، جنتان هما بستانان خارج القصر وداخله الجنة بمعنى البستان وذكر القدامى أنه تكرر فبأي آلآء ربكما تكذبنان في كل جنة ثماني مرات على عدد أبواب الجنة وأبواب الجنة ثمانية كما في الحديث. الأبواب هي واحدة.
استطراد من المقدم: ربما يكون المكان واحد لكن الدرجة وما بها من مميزات تختلف من واحدة عن الأخرى.
بالطبع (لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ (4) الأنفال).
سؤال: كلمة ضامر في الآية (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) ما معناها وما مضمونها؟ وما اللمسة البيانية في (فج عميق)؟. البعض فسرها على أنه الدابة لكن البعض يقول هذا قصور في التفسير لأنها لا تشكل وسائل النقل الحديثة.
الضامر المهزول من السفر، ما يُركب من الحيوانات وعادة الإبل إذا ركب أحدهم عليها فستكون مهزولة من كثرة السفر الطويل خاصة أنها (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وذكرنا سابقاً أنه قال عميق ولم يقل بعيد لأن الارتفاع أصعب من مجرد البعد في الأرض المستوية، قال من كل فج عميق وإن كان المقصود به البعد لكن كلمة العمق أدل على المشقة حتى كلمة فج أشق من كلمة طريق لأن كلمة فج أصلها طريق في الجبل. فج هي طريق وعر في الجبل والجبل فيه صعود ونزول، فإذن فج وعميق كلها تدعو إلى الضمور، إضافة إلى أن الحج إرتفاع عميق، الحج إليس إرتفاعاً إلى الحسنات ورفعة في المقام فـ (يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يصعدون إلى الأعلى يصلون إلى مكانهم فكلمة (عميق) أنسب من كل ناحية من كلمة بعيد. والضامر هي الإبل أو كل ما يُركب من الدواب الطائفة الهزيلة من السفر. وقوله (رِجَالًا) يعني يمشون على أرجلهم وهي جمع راجل أي الذي يمشي على رجليه. (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يأتون إما رجالاً أو على كل ضامر ركباناً والكل يأتي من كل فج عميق. وقال (يَأْتِينَ) للدواب الإبل تأتي من كل فج عميق يعني مسافة طويلة، القريب يأتي مشياً والبعيد كيف يأتي مشياً؟ (يَأْتُوكَ رِجَالًا) هذا قسم و(وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) يأتوك مشاة وركباناً.
استطراد من المقدم: كنا نفهم (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) هؤلاء صنفان الصنفان يأتين من كل فج عميق فهل نقول يأتون؟
لو كان لكان غلّب الرجال بينما قال (يَأْتِينَ) يعني للدواب.
سؤال: هل المنافقون في الدرك الأسفل في النار؟ (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء) هل يشمل الكفار أو يشمل الكفار والمنافقين من المسلمين؟
ربنا قال هذا. لا، لأن المنافق كما ذكر ربنا سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة) المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان تحديداً.
استطراد من المقدم: مثلاً إذا كنت أبطن كرهي لشخص معين وأظهر له مودتي هل هذا نفاق؟
هذا ليس النفاق الشرعي المذكور في القرآن. المذكور في القرآن إبطان الكفر وإظهار الإيمان والرسول r ذكر قسم من يكون فيه خصلة من النفاق، قال “آية المنافق ثلاث” هذه مجموعها وإذا كانت فيه واحدة كان فيه خصلة من النفاق “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق” فيه خصلة وليس منافقاً خالصاً، ويكون منافقاً على قدر ما فيه من خصال.
سؤال من المقدم: هو مسلم، مسلم إذا حدّث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف وفي رواية وإذا خاصم فجر، هل يمكن أن يكون المسلم فيه هذه الخصال؟
الرسول r r سُئل هل المؤمن يزني؟ قال نعم، هل يسرق؟ قال نعم، هل يكذب؟ قال لا. إذا حدث كذب إذن إنتفت عنه صفة الإسلام. إضافة إلى أن المقصود في الشرع هذا المقصود بقوله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) هؤلاء الذي يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان أما الذي هو مسلم هذا شيء آخر ربنا يحاسبه على قدر ما فعل من معاصي يعني إذا قال لا إله الله مؤمناً بها قلبه مصدقاً بما يقول هذا لا يُبطن الكفر. إذن المقصود بالمنافق الذي هو بالمفهوم الشرعي الدقيق لمفهوم المنافق. عبد الله بن سلول هذا منافق يبطن الكفر تحديداً ويظهر الإيمان (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة) هؤلاء المنافقون فكيف يكون مسلماً؟ ويمكن أن يقولها تغليظاً للعقوبة وأحياناً يقال تغليظ العقوبة وتكبيراً للسيئة وتعظيماً لها مثلاً من قتل مسلماً يكون خالداً في النار ومع ذلك العلماء مختلفون هل المسلم خالد في النار إن قتل مسلماً لكن من الناحية الشرعية المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان وبالتالي ليس مسلماً. أما من ناحية إن كان من باب تغليظ العقوبة يشهد الشهادة ويفعل أفعالاً أخرى هذا أمر آخر.
سؤال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) الكهف) ما دلالة وراءهم؟
أولاً الوراء من حيث اللغة يكون خلفك أو قدامك. حتى هم قالوا الوراء خلف لكن إذا كان مما تمر عليه والملاحظ أنه إذا كان الأمر يطلبك تقول وراءك وإن كان أمامك (وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) الإنسان) (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) إبراهيم) وهي أمامه ترصده تطلبه. إذا كان الأمر يطلب الشخص نقول وراءه. نحن الآن نقولها في كلامنا وراءك امتحان، أو وراءك شغل كأن الشيء يطلبك. وفيها دلالة أخرى أنه لو قال أمامك نقول له إرجع وراءك لكن هذا وراءك، حالة تهديد ووعيد فيها.
سؤال: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج) وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)) وفي المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) هل طول الأيام يختلف؟ خمسين ألف سنة في يوم القيامة.
خمسين ألف سنة هذه في يوم القيامة تحديداً كما في الآية والحديث (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج) هذا الكلام في يوم القيامة. يعرج يعني يصعد والصعود يستغرق خمسين ألف سنة وورد هذا في الحديث الصحيح عن يوم القيامة أنه خمسين ألف سنة وأنه ليخفف على المؤمن كصلاة مكتوبة. هذا اليوم يوم القيامة هو خمسون ألف سنة مما نعد أما (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فهذه في الدنيا. هي لم ترد خمسين ألف سنة إلا في هذا الموضع وفي يوم القيامة وفي الحديث أيضاً أما ألف سنة في الدنيا يعني اليوم عند ربنا كألف سنة مما نعد. درسنا ونحن طلاباً أن الأيام نسبية فأيام المشتري غير يوم الأرض ويوم المريخ غير يوم الأرض كل واحد له مقدار وبالنسبة لنا اليوم دوران الأرض حول الشمس فاليوم نسبي ونحن يومنا هكذا وفي كوكب آخر يختلف وليس بالضرورة نفس اليوم ويكون أطول بسنوات هذا تعلمناه ونحن طلاب، يوم القيامة ربنا جعله خمسين ألف سنة. إذا كان بعض الكواكب يومها سنوات مما نعد فكيف بأيام الله؟ هو أعلم به ونحن لا نعلم القياس لكن هو (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) يعرج الأمر من الأرض إلى الله في ألف سنة، هذه ألف سنة مما نعد لكن عند الله يكون في لحظة، القصة بالنسبة لنا تساوي ألف سنة.
سؤال: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) الكهف) ما دلالة تقديم الفرار على الرعب؟ مع أن المنطق يكون الرعب أولاً ثم الفرار.
الواو لا تفيد الترتيب إذن يبقى أيهما أهمّ؟ (نستكمل الإجابة في الحلقة القادمة إن شاء الله)
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/5/2008م
2009-03-16 16:10:36الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost