الحلقة 117
سورة الجن
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15))
سؤال من المقدم: ما معنى القاسطون؟
القاسط هو الجائر الظالم والقَسط بفتح القاف هو الجور والظلم بعكس القِسط بكسر القاف هو العدل. هناك قاسطون ومقسطون (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) المائدة) أي العادلون والقاسطون أي الجائرون. الهمزة هي همزة السلب، قَسَط بمعنى جار وظلم وأقسط أزال القسط وأزال الظلم مثل جار وأجار، جار ظلم وأجار رفع الظلم عنه، صرخ وأصرخ صرخ يعني صنع فعل الصراخ وأصرخ أزال الصراخ (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم) لا تستطيعون أن تعينوني وتزيلون صراخي ولا أنا أزيل صراخكم. إذن القاسطون الجائرون.
سؤال من المقدم: ما دلالة اختيار القاسطون بمقابل المسلمون بدل الكافرون مثلاً؟
هذا لأكثر من سبب أولاً فيها بيان عظم جرم القاسط تحذير وتهديد للقاسط فجعلها بمقابل المسلم كأن القاسط ليس مسلماً يعني فيها تحذير كبير. إضافة إلى أنه كما ذكرنا في أكثر من مناسبة أنه في هذه السورة لا يقابل الشيء بمقابله وإنما بما يتضمنه، هنا جاء بالمقسطين بمقابل المسلمون ولم يقل الكافرون لأن الكافر يتضمن القاسط الذي هو الجائر والقاسط يتضمن الكافر لأن القاسط هو قسم كافر وقسم غير كافر فإذن القاسط هو يتضمن ما يقابل المسلم (يتضمن الكافر وزيادة) لأن هنالك قاسطين ليسوا كافرين. مثل قوله تعالى (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) الجن) الرشد ليس مقابل الضر لم يقل النفع مقابل الضر لأن الرشد أعم من النفع وذكرنا أمثلة كثيرة في السورة وهكذا في سورة الجن أنه لا يقابل الشيء بنقيضه وإنما بما يتضمنه.
استطراد من المقدم: إذا كان القاسط مسلم ربما تنتفي عنه صفة الإسلام؟
بحسب درجة القسط لكن القاسطون كانوا لجهنم حطباً في كل الأحوال بحسب عظم هذه الصفة فيهم بحسب درجة الصفة فيهم لكن القاسط لا ينجو من العقاب.
وأيضاً إضافة إلى أن السورة وما ذُكِر فيها من معاصي وأوصاف هي أكثر ما تردد فيها من باب المظالم، قال مثلاً (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) هذا ظلم لأن المنتظر أن يكون جزاء الاستعاذة العون لا الزيادة في الرهق، أنت تستعين بواحد فالمفروض أ، يعينك لكن هؤلاء زادوهم رهقاً إذن هذا ظلم، (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)) هذا ظلم للرسول اجتمعوا عليه بسبب عبادته لله حتى هو ما قال يدعوهم أصلاً وإنما قال في السورة (يدعوه) ولم يقل يدعوهم، هو r لم يتعرض لهم ولم يدعوهم إنما عبد الله يدعو الله فلماذا اجتمعوا عليه؟ لو قال يدعوهم لأمكن أن يتعرضوا له إذن هذا ظلم. (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)) هذا اعتداء في القول أنت لو قلت على أحد شططاً يكون هذا ظلم فما بالك بمن يقول على الله شططاً؟ هذا مبالغة في الظلم. (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)) لو كذبت على أحد هذا ظلم فماذا لو كذبت على الله؟! هذا ظلم أشد. حتى هذه الآية مناسبة لما قبلها قال (فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)) فالبخس ظلم والرهق ظلم. إذن كلمة القاسطون هي أنسب كلمة مع الآية ومع ما قبلها ما تردد فيها من المعاصي يعني اختيار القاسطون أولاً بيّن عظم جرم القاسطون ثم السورة مبنية على أجزاء المقابلة ثم الأوصاف التي ذكرت في السورة السمة العامة في معاصيها تتناسب مع القاسطون، الآية التي قبلها (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)) إذن الآية تتناسب مع الآية التي قبلها ومع النسق العام للسورة يعني عموم السورة في اختيار الشيء وعدم اختيار ما يقابله تحديداً وإنما ما يتضمنه. فإذن اختيار القاسطون هو المناسب من كل جهة وهو تحذير عظيم للقاسطين بأنهم سيكونوا حطب لجهنم، هذا مصيرهم. هو بنى العذاب والجزاء على صفة القسط لا على صفة الكفر، هو بنى الجزاء والعذاب على صفة القسط والجور وليس على صفة الكفر وهذا تحذير عظيم للظالِم.
إستطراد من المقدم: نقول ما تفضلت به الآن من حسن اختيار كلمة القاسطون واللمسة البيانية التي فيها لو جاءت كلمة الكافرون ربما كنتم تلتمسون سبباً لمجيئها وتبرروها؟
نحن تعلمنا أن ننظر في السياق والسمت العام للسورة أو السمت العام للسياق. لو كانت جملة هكذا تصح أن نقابل المسلم بالكافر أما وضعها في سياقها يختلف. لما نذكر أن السورة مبنية على صفات المظالم لم يذكر إلا صفات المظالم فمن الأنسب اختيار صفة القاسطون أو صفة الظلم.
سؤال من المقدم: إذن النظر إلى المُفردة أو اللفظة داخل آي القرآن الكريم مع التي قبلها والتي بعدها والآية مع الآيات التي قبلها والتي بعدها ومع النسق العام للسورة والمنظومة داخل القرآن كله.
هذا التفت إليه القدامى وذكروا في السياق وقالوا هو من أهم القرائن وبحثوا فيها وأطالوا فيه وكلمة السياق ليست حديثة مبتدعة وإنما هي قديمة ذكروها في علوم القرآن. أعرابي ينتبه إلى السياق عندما قرأ القارئ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ (38) المائدة) ختمها بقوله والله غفور رحيم فاعترض على السياق وقال لا تستقيم وسياق الآية وقال أراها (وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم ما قطع، هو اعترض على السياق. نحن لاحظنا في القدامى لما كان يتنافر الشعراء في الجاهلية يقول أحدهم أنت تقول الشعر وابن عمه وأنا أقول الشعر وأخاه، البيت وأخاه بمعنى يعني أنت تقول البيت وابن عمه يعني بعيداً عنه في المعنى وليس مناسباً له وأنا أقول البيت وأخاه أي أقرب إليه في المعنى، هذا السياق.
استطراد من المقدم: إذن يكون ربما من الإعجاز في القرآن فكرة النظم المفردات مع بعضها البعض والآيات مع بعضها البعض؟
طبعاً ولذلك القرآن لم يجعل الإعجاز في آية وإنما جعله في سورة، القرآن لما تحداهم لم يتحداهم بآية لأن الآية قد تكون بكلمة أو كلمتين مثل (مدهامتان) (يس) وإنما تحداهم بسورة، فقالوا بما يقابل السورة لو كان عندنا أي تعبير بمقدار أقصر سورة سيكون معجزاً لأنه أصبح فيه سياق وارتباط حتى (إنا أعطيناك الكوثر) فيها سياق (إنا وأعطيناك وليس آتيناك ولربك وليس لنا).
سؤال من المقدم: ما هي اللمسات البيانية في قوله تعالى (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا)؟
أولاً اختار صفة تحري الرشد بمعنى بحثوا وطلبوا وابتغوا واختيار الرشد مناسب لما تردد في السورة من ذكر الرشد وهي أكثر سورة تردد فيها الرشد (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ (2)) (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)). إذن اختيار تحري الرشد هذا مناسب لما ورد في السورة لكن هنالك أمر هو ذكر عذاب القاسطين لكن لم يذكر جزاء المسلمين قال (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)) وقال عن المسلمين (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)) ولم يذكر الجزاء، تحري الرشد هذا طلب الرشد لكن ماذا سيجزيه ربه؟ في القاسطون ذكر العذاب الصريح أما مع المسلمين لم يذكر الجزاء، أولاً لأنه مناسب لما تردد في السورة من ذكر العذاب، ذكر العذاب أكثر من مرة ولم يذكر جزاء المسلمين في كل السورة لكن ذكر العذاب في أكثر من مناسبة. قال (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)) (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)) (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)) كلها عذاب ولم يذكر في كل السورة جزاء، جو السورة كلها ليس فيها ذكر جزاء وإنما ذكر عذاب العصاة. إذن عدم ذكر جزاء المسلمين هنا مناسب لجو السورة في عدم ذكر الجزاء في السورة كلها وذكر جزاء القاسطين مناسب لجو السورة في ذكر العذاب في أكثر من موضع. فإذن هذه مناسبة وتناظر لطيف في التعبير.
سؤال من المقدم: لماذا تتفرد سورة الجن بهذه السمات؟
لا أعلم لماذا تتفرد ولكن هذه المسألة تحتاج إلى نظر لكننا الآن نصف ما هو موجود.
استطراد من المقدم: ما بُحِثَ هذا السؤال قديماً لِمَ هذه السمات التعبيرية لكل سورة في القرآن الكريم؟ سورة الجن لها مقابلات من نوع خاص وتراكيب خاصة ومصطلحات خاصة؟ لماذا هذا الجو العام في سورة الجن تحديداً؟
هذه تحتاج لدراسة، والقدامى بحثوا تناسب الآيات كلها جميع الآيات في كل القرآن. من المؤلفات الموجودة في تناسب الآيات والسور كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور وكذلك مشهورة في كثير من كتب التفسير مثل البحر المحيط فيه ذكر لهذه المسألة وروح المعاني كذلك.
فكرة عامة عن الآية: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17))
معناها لو أنهم استقاموا على الهدى. هل هذا كلام الجن أو من كلام رب العالمين مما أوحاه إليه؟ قال (لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فهذا مما أوحي إليه (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (1)) انتهى كلام الجن وهذا كلام ربنا مما قد أوحى إليه. يعني لو أنهم استقاموا على الهدى (هذه عامة للجميع) الطريقة هي الهدى، لو استقاموا لوسع عليهم الرزق والماء الغدق يعني الكثير وهذا مناسب للسورة التي قبلها (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) نوح) هذه مناسبة لما قبلها. (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنختبرهم، الفتنة هي الاختبار في الأصل، لنختبرهم كيف يصنعون مقابل هذا الغدق؟ يطيعون أو يعصون؟ هذا الرزق يطغيهم أو ماذا سيفعلون به؟ ليس كل رزق رضى من الله تعالى وقد يكون إختبار وفتنة. (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنختبرهم ماذا سيفعل هؤلاء الخلق بما أعطاهم ربهم من النعم هل يشكرونه أو يطغون؟ حتى لما قال ربنا (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم (66) المائدة) هذا نفس المعنى يعني لو أنهم استقاموا على الطريقة ونفذوا شرع الله لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) الأعراف) هي بنفس المعنى أيضاً، آمنوا واتقول يعني استقاموا على الطريقة فإذن المعنى ظاهر أنهم لو استقاموا على الهدى لوسّع عليهم ربنا وأعطاهم الكثير من الخيرات.
سؤال من المقدم: ما الفرق بين الآيتين (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) و(وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) الجن) لماذا لم يقل ولو أنهم استقاموا على الطريقة؟ لماذا حذف ضمير الشأن؟
لم يقل ولو أنهم استقاموا أو وأنهم لو استقاموا وإنما قال (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا) لو قال ولو أنهم استقاموا لربما أفهم أن ذلك مختص بهم دون غيرهم (لو أنهم) لكن الكلام عام ليس مختصاً بهم لكن لكل من يستقيم على الطريقة، لما قال (وألو استقاموا) هذا حكم عام ولو قال (ولو أنهم استقاموا) هذا مختص بهم المخاطبين الإخبار عنهم، أما في قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) هذا مختص باليهود والنصارى ما علاقة الآخريم بالتوراة والإنجيل؟.
استطراد من المقدم: ما الفرق بين (أن) في الآية (وألو استقاموا) وبين (ولو أنهم) بالضمير هم؟
(أن) هل ذكر ضمير؟ لا، هنا ضمير الشأن محذوف يعود على الشأن وليس على المخاطبين، (وألو استقاموا) هذا حكم عام لم يخصصه بهم بينما (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (66) المائدة) هذا خاص بهؤلاء ثم هذا نسخ التوراة والإنجيل فالحكم كيف يأتي فيما بعد؟ إذن كل واحدة هي في مكانها.
سؤال من المقدم: ما حكم التقديم والتأخير (وأنهم لو استقاموا أو لو أنهم استقاموا)؟
الحكم سيكون واحداً لم يقل أنهم حتى لا يخصص فئة معينة، هذا حكم عام لجميع الدنيا على مر الزمان من يستقم على الطريقة يسقى ماء غدقاً من قبل زمن نوح إلى قيام الساعة، هذا حكم عام بينما الآية الثانية حكم خاص.
سؤال من المقدم: (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) مرة يذكر الإعراض عن ذكر الله ومرة يذكر الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) فهل هنالك فرق بين الإعراضين؟
الذكر في الغالب (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (17) الجن) يعني عن عبادته أو عن وحيه لكن الذِكر هو عام، (عَن ذِكْرِ رَبِّهِ) عن الوحي ولاحظنا أنه يذكر أحياناً (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124) طه) وأحياناً يذكر الآيات لكن من الملاحظ أنه لما يذكر الإعراض عن الذكر تكون العقوبة أشد، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الذكر بمعنى الوحي، عن ذكري أي عن وحيي. الآيات ليست هي القرآن كله لو هنالك ثلاث آيات هي جمع لما يقول (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (57) الكهف) لا يشمل كل القرآن فالذكر أعمّ من الآيات (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص) و(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) الذكر أعم والآيات جزء من الذكر. الذكر له معاني لكن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (124) طه) يعني إما عن العبادة أو عن الوحي الذي جاء به الرسول r والآيات قد تكون قسم من الذِكر والذي لاحظناه أنه لما يتكلم عن الإعراض عن الذِكر تكون العقوبة أشد يعني قال في الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) الكهف) ما عقوبة هؤلاء؟ لم يذكر العقوبة، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة) ما نوع هذا الإنتقام؟ لم يذكر. لكن قال (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) طه) هنا فصل في العذاب، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه) هذا تفصيل العذاب، (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) ولم يقل في الآيات مثل هذا التهديد. إذن لما يذكر الإعراض عن الذكر يذكر العقوبة أشد وهذا منطقي لأن الذكر أعم والآيات جزء من الذكر.
سؤال من المقدم: إذا قرن العذاب بالجزء ينطبق على الكل لكن لما يقرن العذاب بالكل فهل ينسحب على الجزء؟
هو ذكر ما يتعلق بالإشارة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) هذا جزء من الذكر، الآيات جزء من الذكر فعندما يذكر الإعراض عن الذكر هل يجعله من المناسب أن يذكره كالإعراض عن آية واحدة؟ هل الإعراض عن الشريعة كلها كالإعراض عن جزئية من الشريعة؟ لا، هل العقوبة واحدة؟ لا، هل يصح أن تذكر العقوبة واحدة مع الإعراض عن الكل والإعراض عن الجزء؟ لا. لو فعل هذا لسألنا كيف يكون الإعراض عن الجزء كالإعراض عن الكل؟
سؤال من المقدم: ما معنى صعدا؟
الصَعَد مصدر صعِد والقصد يتصعده العذاب يعني يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. ووصف بالمصدر حتى يدل على المبالغة في غشيان العذاب له، لم يقل عذاباً متصعداً وإنما قال صعدا وصفه لأنه يغلبه يعلوه فيغلبه، إذن المصدر أقوى. وقال (يسلكه) القرآن الكريم لم يستعمل الفعل سلك في الآخرة إلا في النار ولم يستعمله في دخول الجنة. سلك بمعنى دخل وأدخل لكن القرآن لم يستعمل سلك أو يسلك في دخول الجنة مطلقاً وإنما استعملها فقط في النار. هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني لأن سلك يعني دخل (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) لم يستعمل سلك في دخول الجنة لكن ربما – والله أعلم – السلوك هو أيسر “حُفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات” فكأن الدخول إليها أيسر فاستعمل سلك التي هي أيسر، سلك فيها سهولة ويُسر (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل) أي مذللة. (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) يعني يدخل العذاب بما كان يصنعه لأنها حفت بالشهوات فارتكبها فيسّر الدخول لها، هذا والله أعلم.
(اضغط هنا لمتابعة اللمسات البيانية في سورة الجن)
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 5/5/2008م:
-
يوسف u لما عبّر رؤيا صاحبي السجن (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا (42) يوسف) على أنه أوتي تأويل الحديث قال (ظن) فماذا تفيد هذه العبارة؟
-
ما ذكره الدكتور فاضل حول تناسب سورة الجن انقدح في بالي فكرة أردت أن أعرضها عليكم: أولاً الجن شيء مخفي عنا ونحن لا نراه وثانياً بدأت السورة (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) إنس وجن إذن هنالك مقابلة بين شيء ظاهر لنا وشيء مخفي عنا وثالثاً أن الديانات السابقة وعلى الأخص ديانة النصارى لا يعتقدون أن هناك عذاب في الآخرة وإنما يعتبرون أن عيسى u سيشفع لهم وسيدخلهم الجنة واليهود قالوا (نحن أبناء الله وأحباؤه) فناسب بما أن العذاب هو الشيء المخفي من هذه الديانات فناسب بهذه السورة أن يظهر العذاب لأن الجزاء بالجنة جميع الديانات النصارى يعتقدون أنه سيدخلون الجنة من دون حساب ولا عقاب وكذلك اليهود إذن العذاب بالنار هو الشيء المرفوض من بقية الديانات الثلاثة فهل هذا صحيح؟ قد تكون فيها التفاتة طيبة.
-
في سورة الأعراف (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)) وفي سورة النمل (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)) نلاحظ نفس الجواب إلا أنه في سورة الأعراف استعمل حرف الواو وفي النمل حرف الفاء فما اللمسة البيانية في هذا الاختلاف؟
-
بالنسبة للشرط وجواب الشرط أحياناً نسمع الشرط فيه أداة (لو) وجواب الشرط فيها (ما) للنفي أو (اللام) للتأكيد مثل (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ (14) فاطر) وأحياناً الجواب يكون (لما) هذه لم ترد في القرآن فأرجو أن تبينوا هذه الأداة (لما) في الحكم النحوي؟ في اللغة العربية اللام تأتي حكماً في الغالب مع المُثبَت (لو كان كذا لكان) يعني مع غير المنفي، إذا كان الجواب منفياً (لو زارني لأكرمته) (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا (15) الحجر) مع المثبت يمكن أن نأتي باللام للتوكيد (لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا (65) القارعة) (لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا (70) القارعة). أما المنفي إما أن يكون بـ (ما) أو (لم) مثل لو فعل كذا ما أعطيته، لو فعل كذا لم أعطه، إذا كان الجواب بـ (ما) فالأكثر عدم اقترانه باللام مثل لو زارني ما أكرمته ، أو ما أكرمه ولا نقول لما أكرمته إلا ما ورد قليلاً. إذا كان الجواب (لم) لا تقترن به اللام مثل لو لم يخف الله لم يعصه، إذن اقتران اللام هو مع المثبت إذا كان الجواب مثبتاً يمكن أن تقترن باللام وممكن الا تقترن حسب التوكيد، إذا كان الجواب منفياً بـ (ما) فالأكثر ألا يقترن الجواب باللام إلا ما ورد قليلاً وإذا كان الجواب بـ (لم) لم تقترن به اللام قولاً واحداً.
-
(وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) ما الفرق بين الإستماع والإنصات؟
-
(وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (44) الأنفال) ما دلالة ترجع في الآية؟
-
ما الفرق بين يغفر ويعفو ويتوب ويصفح ويسامح؟
-
ما الفرق بين الذنب والمعصية والسيئة والإثم والفحشاء والفسوق والضلال والإسراف؟
-
(إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) الأنعام) ما الفرق بين يخرج ومخرج؟
-
(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) الأنعام) ما دلالة (عليهم) وليس إليهم أو لهم؟
-
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) الشورى) ما دلالة الكاف؟ الكاف كثير من النحاة يقولون هي زائدة للتوكيد ويقولون إذا دخلت الكاف على (مثل) فهي زائدة للتوكيد، قسم قال هكذا. وقسم أنكر زيادتها وقال ليست زائدة وإنما لها معنى والقصد بالزيادة أنه لو حذفناها المعنى العام يبقى واحداً وهي تفيد التوكيد. أما هنا في الآية هل هي زائدة أو لا؟ في رأيي أنها ليست زائدة وإنما لها معنى. (نستكمل الإجابة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى).
بُثّت الحلقة بتاريخ 5/5/2008م
2009-03-16 16:12:55الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost