لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 138

اسلاميات

الحلقة 138

سؤال: في سورة الإسراء قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) هذه الآيات ختمت بالسميع البصير مع أنه من المعروف أن الإسراء والمعراج يدل على قدرة الله فلماذا لم تختم الآية مثلاً وأنه على كل شيء قدير أو إنه هو السميع العليم؟ وما دلالة قوله تعالى (ليلاً) مع أن السُرى هو المشي ليلاً؟

هذه الأسئلة وغيرها أثيرت في هذه الآية وغيرها ويبدو لي الأفضل أن نتكلم في هذه الآية في لمساتها البيانية وقبل عدة سنوات أثيرت مثل هذه الأسئلة.

الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) من الناحية البيانية وضع هذه الآية بالنسبة لما قبلها وما بعدها من الملاحظ أن سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد يعني بداية السورة التي قبلها (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) وبداية السورة التي بعدها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) إذن هذه السورة هي كسورة حفت بالتسبيح قبلها والتحميد بعدها. والسورة نفسها أي آيات سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد بدأت بالتسبيح (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) وانتهت بالتحميد (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) السورة وآياتها هكذا. ثم من الملاحظ أنها سُبقت بالمعية مع الله تعالى في آخر السورة قبلها قال (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) النحل) أعلى المعيّة هي المصاحبة وأعلى المعية أن يُعرج به إليه لا معية أعلى من ذلك فدلّ على أنه r أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون، لا معية أعلى من ذلك ولن تحصل لنبي مثل هذه المعية. هذه وضع السورة. نلاحظ في هذه الآية المباركة فيها آثار تعبيرية كثيرة: بدأت السورة بقوله (سبحان) وسبحان في اللغة إسم مصدر ويقولون علم على التسبيح أو إسم مصدر بمعنى التسبيح يعني ننزهك يا رب عن كل نقص. ورد التسبيح في القرآن بصور شتى ورد بفعل ماضي (سبح لله)، مضارع (يسبح لله) وأمر (سبِّح باسم ربك العظيم) وبالمصدر أو اسمه (سبحان) (سبحان ربي) حتى يشمل كل أحوال التسبيح، يستغرق كل أحوال التسبيح.

سؤال من المقدم: إذن التنوع اللفظي من حيث الصيغ الصرفية والصيغ النحوية التي جاءت للدلالة على الشمول والعموم؟

كل الأحوال وكل الأزمان الماضي والحال والاستقبال والأمر والمصدر. ثم هنا في سورة الإسراء بالذات قال (سبحان) بدأ بالمصدر بدون ذكر لفاعل التسبيح ولا الزمن لأن المصدر هو حدث مجرد غير مقيد بفاعل ولا بزمن. بدأت السورة بكلمة (سبحان) المصدر أو إسم المصدر الذي هو لم يقيد بفاعل ولا بزمن لغرض الإطلاق يعني هو أهل التسبيح هو يستحقه سواء كان هنالك من يسبحه من خلقه أو لم يكن. لو كان هناك فاعل لربط التسبيح به لكن عندما أطلقه (سبحان) لم يقيده بفاعل ويقتضي التسبيح بحد ذاته بغض النظر عن الذي يقوم بفعل التسبيح ولا بزمنه لأن المصدر حدث مجرد ولو اقترن بزمن أصبح فعلاً. إذن هو إطلاق التسبيح من أي زمن قبل الخلق بعد الخلق قبل وجود أي كائن وبعده سواء كان هنالك من يسبحه أو لم يكن (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)، هذا أمر. نلاحظ أن افتتاح السورة بالتسبيح طبع السورة بالتسبيح فشاع فيها التسبيح إلى حد كبير فقال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)) (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) هذا أعظم إطلاق في التسبيح (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) هذا أعظم إطلاق لا ملائكة ولا عاقل ولا غير عاقل (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)) (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)) ولا أعلم أن هناك سورة تدانيها في التسبيح وكثرته بدأت بالتسبيح وليست هنالك سورة تدانيها في شيوعها ولعل هذا إشارة في نقله r إلى عالم التسبيح. هذا أمر.

ثم قال (بعبده) لم يقل بمحمد ولم يقل بالرسول r ليدل على أن الإنسان مهما عظم ومهما كبر فلا يعدو أن يكون عبداً لله. هذا مقام تشريف ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي أنه أرفع من سائر العباد ولئلا يعظم محمد على غير ما ينبغي فيُدعى له منزلة أعلى من العبودية فهو عبد ثم العبودية أعلى وسام، أعلى وسام للخلق هو مقام العبودية، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) وعلى أيوب قال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص). نلاحظ أولاً أنه لما ذكر ربنا موسى u عند المناجاة فقال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (143) الأعراف) ذكره باسمه ولم يقل عبدنا موسى ولا الرسول r موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كان عاقبة ذلك أن خر موسى صعقاً لو قال عبدنا كيف يخر صعقاً؟ مناسبة المقام، قال موسى بامسه العلم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) لم يقل وخر عبدنا موسى هذه ليست مناسبة للتكريم. ذكر عبد أقوى من ذكر الإسم المجرد (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) هذه العبودية الاختيارية هي أعلى وسام.

سؤال من المقدم: في نفس السورة قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (5)) هذا مجال تشريف لهؤلاء العباد؟

العبودية قسمان إختيارية وقسرية، القسرية ليس فيها فضل كلنا عبد لله شاء أم أبى (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) مريم) ليس فيها فضل الفضل هو في الاختيار كلما عبد وذلل الإنسان نفسه لله ازداد تقرباً إليه وزاد رفعة عنده، هذه العبودية الاختيارية.

ثم السؤال قال لماذا قال (ليلاً) مع أن الإسراء والسُرى يكون ليلاً. نحن عندنا عموماً الظروف قسمان ظرف مؤسِس وظرف مؤكد والحال عندنا حال مؤسِسة وحال مؤكِّدة والصفة صفة مؤسِسة وصفة مؤكِّدة. ضبط المؤكد كأن تقول سريت ليلاً. المؤسس تأتي بشيء جديد والمؤكد يؤكد المعنى الذي قبله، مكثت زمناً المكث يجب أن يكون زمناً إذن هذا ظرف مؤكِّد لم يؤسس معنى جديداً. في اللغة عندنا الظرف والحال والصفة مؤسسة ومؤكدة. ليدلنا على أن كل هذا الذي حصل هو في جزء من الليل. ولو قال (أسرى) لا يعني جزء من الليل وإنما قد يكون بدأ بالإسراء في الليل، لا نعلم ولو قال أسرى ليس بالضرورة أن ينتهي بالليل وإنما يبدأ بالليل، قد يكون ستة أشهر لأن الليل مدة بعيدة . قال (أسرى بعبده ليلاً) يعني تمت هذه بجزء من الليل ذهاباً وإياباً، ليس فقط التوكيد وإنما أراد ربنا أن يعلمنا أن الأمر كله تم واكتمل بجزء من الليل. لو قال أسرى قد يكون استغرق الليل كله ولكنه قال ليلاً يعني بجزء من الليل.

سؤال من المقدم: هل هنالك فرق بين ليلاً والليل؟

نعم وقد نص على ذلك النحاة وسيبويه إذا عرّفته بـ (أل) استغرقته يعني لما تقول صحوت الليل يعني كل الليل، حدثته الليل يعني كل الليل لكن حدثته ليلاً يعني جزء من الليل، قال تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) لم يقل ليلاً ولو قال ليلاً يعني بجزء من الليل، (يسبحون الليل والنهار) اي طول الليل والنهار أكدها قوله تعالى (لا يفترون). كل ما حصل في جزء من الليل.

هذه دقائق تجدها في كتب اللغة.

ثم قال (من المسجد الحرام) للدلالة على قدرته أن الإسراء من هذا المكان إلى المسجد الأقصى. وفي بعض الروايات دلالة شرعية وكثير من العلماء يقولون أن الإسراء كان من بيت أم هانئ وهذا البيت هو خارج المسجد الحرام لكن هذه إشارة على أن مكة كلها حرم وكلها مسجد حرام وما دخل فيه من التوسعة هو مسجد حرام حكمه حكم المسجد الحرام وما دخل فيه هو من المسجد الحرام. هل المسجد الحرام الآن كما كان في زمن الرسول r أو توسع؟

سؤال من المقدم: المسجد في اللغة ربما يدل على بناء معين؟

ولذلك قالوا هذه فيها إشارة شرعية إلى أن مكة كلها تدخل في الحرم. لو قال بهذا الرأي قال هذاد]ليل على أنه كل مكة هي جزء من البيت الحرام وعلى أي حال الله أعلم بهذا.

ثم قال (إلى المسجد الأقصى) لم يكن ثمة مسجد بمعنى مسجد كان هناك بيت المقدس ليس هنالك مسجد بمعنى المسجد تقام فيه الصلاة كما نعرفه الآن وقال المسجد دلالة على أنه سيكون وهم كانوا يعرفون أن المقصود بيت المقدس لأنه بُني للعبادة بعد الكعبة بأربعين سنة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) آل عمران).

نلاحظ أنه قال (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) حول المسجد الأقصى طبعاً بإسناد فعل المباركة إلى الله تعالى (باركنا) ولم يقل بورك حوله مع أنه في بدابة الآية لم يكن الضمير ضمير المتكلم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ليدل على أن المتكلم هو الله وليس نقلاً عنه هو الذي باركه. لو قال بارك حوله يعني يتكلم عن غائب.

سؤال من المقدم: قد يسأل سائل لماذا لم يتكلم ربنا تعالى بضمير المتكلم في حال الإسراء؟

ماذا يقول سبحاني؟!

وقال (باركنا حوله) ولك يقل باركناه لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد ولو قال باركناه يعني فقط المسجد. هذا حكم آخر مكة كلها حرم. بارك المسجد وحول المسجد لم يقل إذن باركناه ويكفيه بركة أنه مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن).

سؤال من المقدم: باركنا حوله هل توحي بالضرورة أن المسجد مبارك؟

هو المباركة حوله جاءت بسبب المسجد ثم ربنا تعالى ينسب المساجد إليه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ (18) التوبة) وفي الحديث “أحب البقاع إلى الله المساجد” والمساجد بيوت الله في الأرض، حتى في الجاهلية لما قال زهير: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله، هذا تعظيم للبيت.

ثم لاحظ أنه أطلق المباركة (باركنا) لم يقل باركناه بكذا. بارك قد تكون معنوية من البركة أما (باركنا حوله) عامة روحانية ومعنوية ومادية كلها مباركة مطلقة. ثم نلاحظ أنه قال (باركنا حوله) ولم يقل (باركنا ما حوله) حتى تبقى المباركة دائمة لأنه لو قالها ستخص الأشياء المعينة التي حوله وإذا زالت تزول المباركة أما (باركنا حوله) لا بد للمسجد أن يكون له حول فباركه. لو قال باركنا ما حوله يعني بارك الأشياء المعينة التي حوله إذا زالت تزول المباركة أما باركنا حوله بقيت المباركة ببقاء حوله.

ثم قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لما قال (باركنا حوله) يعني إلتفت إلى المتكلم ليدل على أن المتكلم هو الله قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لماذا أسرى؟ (لنريه) تعليل وهذه لام العِلة يعني إذن تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة ومعنى ذلك أن هنالك منهجاً لهذه الرحلة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حتى يرى من آياتنا، وقال (من آياتنا) وليس آياتنا (من للتبعيض) يعني هناك أمور محددة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لا يراها كلها وإنما جزء. إذن هي معللة ولحكمة. الآيات بمعنى مخلوقات الله العظيمة والمعجزات.

سؤال من المقدم: إذن رحلة الإسراء والمعراج كلها ليرى الرسول r من آيات الله؟

نعم من آيات الله.

نلاحظ قال (لنريه) ولم يقل ليرى ولم يقل ليُرى. (ليرى) من تلقاء نفسه وإنما هذه رحلة فيها منهج. لما قال (لنريه) من الذي يُريه؟ الله سبحانه وتعالى، لو قال ليُرى لا نعلم من الذي أراه لكن قوله (لنريه) ذكر الفاعل هو الذي يريه بإرادته وهذا تعظيم لله وللرسول، الله تعالى هو الذي يريه بإرادته هذه.

سؤال من المقدم: بعد ذلك قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم)؟

هذه بعد أن أراه ربه، أراه فرأى إنما بداية الرؤية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إذن وأضاف الآيات إلى نفسه سبحانه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وليس من الآيات، كلها تعظيم.

سؤال من المقدم: جمع آيات هنا هل له دلالة خاصة؟

هي ليست آية واحدة وإنما جمع من الآيات.

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) رجع للإفراد بعد أن قال (من آياتنا، لنريه، باركنا) قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ليدل على أنه واحد لا شريك له منزه عن الشرك وذكرنا في أكثر من مناسبة أن هذا أسلوب مضطرد في القرآن الكريم أنه حيث يذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه واحد لا شريك له. وقال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يقل إنه سميع بصير، (هو) ضمير الفصل الإعلان له الكامل في ذلك وأنه مختص به سبحانه. يأتي السؤال لماذا قال (السميع البصير) وكان المضمون أن يأني بما يدل على القدرة؟

سؤال من المقدم: هل هناك فرق في النحو بين (إنه هو السميع البصير) و(إنه السميع البصير)؟

إنه هو السميع البصير آكد. مع أنه وردت في القرآن (والله سميع عليم) هذه حسب السياق الذي يأتي بها والضمير (هو) للتأكيد، آكد والكمال في ذلك، لم يقل على كل شيء قدير، هكذا كان المضمون، هو أفاد القدرة لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) دل على قدرته ولو قال كل شيء قدير هو مفهوم مما سبق لم يضف شيئاً جديداً وإنما هو معلوم مما مضى ولكنه أراد أن يذكر ملحظاً آخر: هو أولاً لماذا أسرى به؟ ليرى ويسمع وليدل على أن ما يراه يراه ربه وأن ما يسمعه يسمعه ربه. إذن هو اختيار لأنه أراد ربه أن يرى ويبصر ويسمع قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فما يسمعه يسمعه ربه وما يبصره يبصره ربه. قد تسأل لماذا لم يقل السميع العليم مع أنه سبحانه قالها في مواطن؟ الذي يسمعك ويبصرك هو عليم بك، الذي يعلم ليس بالضرورة أن يبصرك إذن هنا ما هو أدل على العلم لأن العليم قد يكون غائباً عنك إذن هنا السميع البصير شمل العلم والرؤية والسمع هذا أمر. تقول ربنا قال في مواطن السميع العليم قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقال (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) لماذا؟ لما قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) لما ذكر الشيطان الذي لا يُرى ولا تُرى وساوسه وإنما تُعلم قال (السميع العليم) لكن لما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) هؤلاء يُبصر بعضهم بعضاً.

لماذا قدم السمع على البصر في الآية (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ؟ في الأكثر وليس الغالب يقول السميع العليم لأنه من يسمعك أقرب إليك ممن يراك.

سؤال من المقدم: في بعض المواقف الأخرى (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) الكهف) مسألة الأذان الخاصة بالسمع وحتى صم بكم عمي قدم خاصية السمع فهل هذا يدل على أن السمع أهم من البصر؟

في مواطن وفي مواطن قال تعالى (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) وإنما ما يقتضيه (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) لأن هؤلاء رأوا جهنم بعد أن كانوا يسمعون عنها وليس من رأى كمن سمع، كنا نسمع والآن أبصرنا فقدم الرؤية.

قدم السمع على البصر لأن من يسمعك أقرب إليك ممن يراك، أنت ترى النجوم والكواكب والشمس والقمر وترى رجلاً من بعيد ولا تسمع صوته (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) يشعر بالقرب والطمأنينة وفي مجال الدعوة والتبليغ السمع أهم من البصر. وهناك أمر آخر أن الإسراء كان في الليل والليل أداته السمع وليس البصر قال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) القصص) مراعاة الحالة فناسبت الكلمة المسرح الذي تتحدث عنه. إذن تقديم السمع أولى من كل ناحية.

نلاحظ أنه ذكر في هذه الآية جملة من صفات الله سبحانه، ذكر الحياة لما يقول (سميع بصير، أسرى بعبده) معناه أنه حيّ، الحياة والقدرة في الإسراء والحكمة (لنريه من آياتنا) والسمع والبصر، يعني لا شك أن السميع البصير القدير يكون حيّ، من يفعل العلّة فهو حكيم وذكر صفة الخلق تضمناً (لنريه من آياتنا) إذن ذكر أبرز صفات الألوهية الحياة والخلق والملك والقدرة والحكمة والسمع والبصر. ذكر هذه الأمور تعريض بآلهة الكفار التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل وهي عاجزة. نلاحظ أنه ذكر الكمال فيما ذكر من صفات الله، ليس فقط ذكرها وإنما ذكر الكمال فيها، ذكر الكمال في القدرة والسمع والبصر والحكمة، أي شخص قد يكون سميع بصير ولكنه أحمق متهور فتكون هذه الصفات عيباً فيه، ربنا نفى هذا بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) نزّه نفسه عن صفات النقص وما لا يليق إذن كان كاملاً في هذه الصفات كلها منزهاً عن العيوب فاستحق الثناء هذا علاوة على أن قوله (سُبْحَانَ) يفيد تنزيهه عما كان يصفه أهل الجاهلية (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) الإسراء).

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 28/7/2008م

  1. إتصال من الدكتور بهجت الحديثي مدير بيت الشعر بالشارقة شارك فيه بهذه الأبيات وهي بعنوان “يا سيد الذكرى”:

للآن باقٍ ذِكرُك المِعطاء

لحناً به تترنم الشعراء

للآن والذكرى ربيع نفوسنا

وشذى النبوة عاطرٌ شذاء

للآن والذكرى تهيج بخاطري

والنفس من ولهٍ بها غناء

قد هلّ يومك مشرقاً متألقاً

فازّينت عرساً به الأنواء

يومٌ يهيم بحبه كل الورى

وفم الزمان تبسٌُّم وثناء

بك تزدهي الأيام نشوى والدُنى

تزهو وتشدو باسمك الجوزاء

اسم تُجلجلُ في السماء حروفه

واللوح مزدانٌ به لألآء

ما دوّن التأريخ إلا صفحة

من سيرة تُجلى بها الظلماء

سمحاء جادت بالنعيم وبالهدى

نوراً به تتوضأ النعماء

راقت بها الدنيا وظل سؤالها

أتغيب تلك الشرعة السمحاء

لا لن تغيب وفي الذُرى راياتها

والحق لا يعلو عليه لواء

كم تاه في معناك عصرٌ وانقضى

واحتار في أسراراك الحكماء

وانشق كسرى قلبه وصروحه

وإيوان قيصر في الحياة بناء

يا كاتباً بالنور تاريخ النهى

بك ينتهى المعراج والإسراء

يا سيد الذكرى بدربك نلتقي

ولنا بيومك للجهاد نداء

علّمتنا أن الرسالة ثورةٌ

فيها لكل الظامئين رواء

ومن الرسالة أشرقت في دربنا

شمسٌ تغيب بظلِّها الظلماء

لا لن نحيد عن الجهاد طريقنا

حتى تخضّب بالدماء دماء

ولتشهد الدنيا بأنا أمةٌ

عربيةٌ راياتها خضراء

النصرُ مكتوبٌ لها ولجُندها

جُند السماء وإن طغى الأعداء

عذراً أبا الزهراء أنت إمامنا

أنت الذي فوق السماء سماء

أنت الذي فوق السماء سماء

  1. طلب من الدكتور محاولة تجديد التفسير للقرآن الكريم وإظهار الناحية العلمية في القرآن.

  2. ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل) وما دلالة اختيار هذين الإسمين العزيز الحكيم من بين كل الأسماء الحسنى؟

  3. تكرار كلمة الظل في القرآن الكريم بشكل واضح وهل لها بعض المعاني الخاصة كما في سورة الفرقان (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)) فهل يمكن توضيح كلمة الظل وكيف يكون ساكناً؟ وفي آية أخرى (وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً (57) النساء) وفي النحل (يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ (48)) ما الفرق بين الفيء والظل؟ وفي سورة الرعد (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)) كأن الظل مرافق الإنسان يسجد معه فهل يمكن توضيح هذه المعاني واللمسات البيانية؟

  4. في لغة الإعلام واللغة الحديثة يقولون الظل الأحمر فما هو الظل الأحمر؟

  5. هل هناك علاقة بين الظل والظلمة؟ كأن الظل ظلمة ولكن هناك ظلمات بعضها فوق بعض كما ورد في القرآن الكريم فهل يمكن توضيح معنى الظل والظلمة؟

بُثّت الحلقة بتاريخ 28/7/2008م

2009-01-23 22:35:16الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost