الحلقة 206
اللمسات البيانية في سورة هود 2
المقدم: في هذه الحلقة نكمل رحلتنا مع سورة هود متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى ومستنبطين اللمسات البيانية الموجودة فيها في قوله تبارك وتعالى (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)) ما معنى قوله تبارك وتعالى (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ)؟
د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. قيل إن بعض المنافقين أو الكفار كان إذا مرّ بالرسول r ثنى صدره وظهره وغطى وجهه حتى لا يرى الرسول r كُرهاً وإعراضاً ولا يريد أن يسمع ما يقوله عليه الصلاة والسلام، فذكر ربنا أنه حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون.
المقدم: يعني ساعة يثنون صدورهم
د. فاضل: أفادت تعبير الرؤية والمراقبة ثم العلم. الرؤية والمراقبة من الله سبحانه وتعالى أنه يراهم ويراقبهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون. إذن ربنا سبحانه وتعالى يراهم ويراقبهم ويعلم ما في أنفسهم ليس بمجرد الرؤية والعلم حين يستغشون ثيابهم يعني ليس فيما بعد تأمل وتفكير، لا، وإنما حين يعلم ثم ليس هذا فقط حتى لا يظن أنه فقط في هذا الوقت قال (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)
المقدم: ماذا في هذه الـ (ما) في (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)؟
د. فاضل: هذه فيها احتمالان أن تكون (ما) مصدرية يعني إسرارهم وإعلانهم وتحتمل أن تكون إسماً موصولاً يعني الذي يسرونه والذي يعلنونه.
المقدم: الآية تحتمل المعنيين ليس له قرينة سياقية لتحديد معنى معين في السياق؟
د. فاضل: نعم، لو جاء بالعائد لو قال يسرونه كان تخصص المعنى بإسم الموصول (الذي) لكن هو وسع المسألة حذف العائد فاتسع المعنى فهو يعلم الإسرار والإعلان ويعلم الذي يسرونه ويعلنونه هذا يسمى توسع في المعنى، ذكر أمران المصدر والذات.
المقدم: كانت الدلالة سيكون فيها اختلاف إذا حدد ربنا تبارك وتعالى أن هذه مصدر أو أن هذا إسم موصول؟
د. فاضل: هذا جزء من المعنى. بينما هذا الحذف شمل معنيين.
المقدم: والمقصود كل شيء في نفوسهم وما يدور بخلدهم.
د. فاضل: كل شيء، يعلم إسرارهم وإعلانهم مداره وكيفيته، المصدر ويعلم الذي يسرّونه ويعلنونه.
المقدم: في تعبير شبيه بهذا يقول تعالى (وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) النمل) وهنا ربنا تبارك وتعالى يقول (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) ما الفرق بين الإسرار والإخفاء؟
د. فاضل: الآية في سورة النمل (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25))
المقدم: وقال أيضاً في آية أخرى (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة) تبدون وتكتمون
د. فاضل: كأن الإخفاء أكثر خفاء من الإسرار، أخفى من السر. الإسرار قد يكون في النفس (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ (77) يوسف) هذا في النفس وقد يكون الإسرار إلى غيرك
المقدم: يعني أنا أسررت إليه
د. فاضل: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا (3) التحريم) (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ (1) الممتحنة) (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) طه)
المقدم: ألا نستشف منها معنى السِر أو السريّة؟
د. فاضل: هو السر، تفضي إليه دون غيره فهو كتمان من ناحية وإفضاء من ناحية، قد تسره في نفسك لا تظهره لأحد (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ (77) يوسف) هذا إسرار. لكن هناك إسرار مع الإفضاء إلى معين، إسرار عن آخرين وإفضاء إلى من أفضيت (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا (3) التحريم) لم يذكر للبعض الآخر. هذا الإسرار. الإخفاء قد يكون أخفى قال تعالى (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) طه) إذن هنالك ما هو أخفى من السر، وقد كان هناك سؤال في السابق كيف يكون أخفى من السر؟ قلنا الذي لم يصل بعد إلى علم الإنسان وإلى سرّه.
المقدم: قبل أن يتبادر إلى نفسه من الداخل.
د. فاضل: نعم. الإخفاء تقول أخفيت البضاعة تحت الأرض تضعها في صندوق تقول أخفيتها في صندوق تحت الأرض. قال تعالى (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ (1) الممتحنة) ما قال ما أسررتم
المقدم: مع أنه قال في بداية الآية (تسرون) وكأنهم يخفون ويسرون في نفس الوقت
د. فاضل: (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ) قال بما أخفيتم ما قال بما أسررتم. الإنسان قد يسر إلى شخص لكن له هدف يخفيه من هذا الإسرار.
المقدم: يعني إذا أطلعه على سر ما لكن لغرض معين
د. فاضل: أنت تسرّه بحديث لكن تخفي في نفسك غرض، هذا إخفاء. ربنا قال الدافع أنا أعرفه لو قال بما أسررتم لقال أسررتم بالمودة وكان ما حصل وما ذكره
المقدم: الذي خرج إليه السر يعلم السر لكن لا يعلم الدافع.
د. فاضل: هذا أخفى
المقدم: الله يعلم السر الذي قيل والدافع الذي خلف هذا السر
د. فاضل: لماذا قال؟ ما الغرض من ذلك؟ لأنه لو قال وأنا أعلم بما أسررتم مثل تسرون بالمودة هو نفسه، ما أسررتم يعني ما ذكروه فيما بينهم لكنه قال بما أخفيتم. إذن هنالك إسرار وهنالك ما هو أخفى. ولذلك السؤال الذي سألته في آية النمل (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)) قال خبء يعني ما هو خافي
المقدم: الخبء هو المخبوء؟
د. فاضل: نعم، هو المستور
المقدم: هو الشيء الذي خُبِأ
د. فاضل: نعم، فقال (ما تخفون) لأنه مناسب للخبء، لأنه لم يطّلع عليه أحد والخبء الذي في الأرض والسموات مخبأ ربنا يخرجه هذا خافي، هذا أخفى. ولذلك سيدنا إبراهيم قال (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء (38) إبراهيم) (ما نخفي) ثم قال (وما يخفى على الله من شيء)
المقدم: (ما) هنا بمعنى الذي إسم موصول؟ وما يخفى نفي يعني لا يخفى
د. فاضل: نعم. أما الآية الأخرى (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) النمل)
المقدم: ما الفرق بين هذه الصيغ وما تقدّم؟
د. فاضل: الكِنّ هو الذي تحفظ فيه الأشياء، مثل صندوق.
المقدم: الظرف نفسه كِنّ
د. فاضل: الذي تحفظ فيه هو كِنّ (أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ (235) البقرة)
المقدم: (فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) الواقعة) في مكان معين
د. فاضل: (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) الواقعة) يعني لا يزال محفوظاً في مكان معين. لؤلؤ مكنون يعني لا يزال في الصدفة محفوظ.
المقدم: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) النمل)
د. فاضل: الصدر صار في الصندوق الذي يحفظ هذه الأشياء
المقدم: سر أيضاً
د. فاضل: مخفي في صندوق أيضاً. وقوله (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ (5) فصلت) في صناديق مقفلة
المقدم: في حرز حريز، الكنّ لا يوصل إليه بسهولة. هل هنالك تدرج دلالي من حيث استخدام القرآن الكريم للإسرار والإخفاء والكِنّ؟
د. فاضل: ذكرنا مثلاً ربنا ذكر (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ) هذه مرتبة أخرى، (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) مرتبة أخرى، (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ) يعني محفوظة في صندوق، قطعاً هي مراتب
المقدم: (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)) ما المقصود بذات الصدور؟
د. فاضل: فيها أمران إما الأسرار المستكنة في الصدر
المقدم: لم يخرج بعد؟
د. فاضل: نعم، وإما القلوب التي في الصدور، هذه كلها ذات الصدور
المقدم: (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) هل لأنها موضع الإسرار؟
د. فاضل: باعتبار القلب وعاء والأسرار التي هي موجودة في الصدور.
المقدم: هل (ذات) جمع؟
د. فاضل: هي مفرد، ذوات جمع.
المقدم: كيف ذات والقلب مذكر؟!
د. فاضل: (ذو) مذكر.
المقدم: ويكون مقصود بذات الصدور القلب؟
د. فاضل: القلوب، ذات الصدور جمع.
المقدم: ذات تعني صاحبة؟ ذات الصدور يعني صاحبة الصدور؟ إما أن تكون الأسرار أو القلوب
د. فاضل: نعم، الأسرار أو القلوب التي في الصدور
المقدم: هل ترجح معنى؟
د. فاضل: كلاهما مقصود، يعني عليم بهما
المقدم: لماذا استخدم ربنا سبحانه وتعالى – وهو لا يُسأل عما يفعل- صيغة (عليم) تحديداً؟ مع أنه في غير ما موضع في القرآن يستخدم عالم وعلام فلماذا هنا عليم؟
د. فاضل: أولاً جاء بالإسم للدلالة على ثبات علمه لم يقل يعلم.
المقدم: هل إستخدام الإسم غير إستخدام الفعل هنا؟ مع أننا تعلمنا أن (يعلم) فيه الاستمرار والتجدد والحدوث
د. فاضل: كل واحدة لها دلالة في سياقها.
المقدم: لكن هنا الإسم أمكن.
د. فاضل: في أكثر من مناسبة فرقنا بين عليم وعالم وعلام. ذكرنا في حينها أن (عالم) ربنا اختصها في القرآن بعلم الغيب أو علم الغيب والشهادة فقط (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (9) الرعد) وعلاّم في الغيوب (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) سبأ) وعليم يستعملها مطلقة إما أن يجعلها (عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أما علام فخاصة بالغيوب، عليم مطلقة.
المقدم: أيها أقوى من الثانية خارج القرآن لغة؟ هل اللغة تفرِّق أم كلهم بدرجات واحدة متقاربة؟
د. فاضل: صيغ المبالغة في دلالاتها اختلاف مع أنها كلها للمبالغة
المقدم: إسمها صيغ المبالغة
د. فاضل: تسمى صيغ المبالغة ونحن عندنا الصفة المشبهة لها دلالة صيغة فعلان لها دلالة التجدد والامتلاء مثل عطشان، وصيغة فعيل لها دلالة الثبوت واحد يقول هو طولان تقول هو طويل. طولان حدث جديد يدل على التجدد والامتلاء مثل صيغة فعلان لكن لا يستمر، عطشان ليست حالة ثابتة ليست مثل طويل أو قصير, جوعان مثل طويل أو قصير؟ لا. صيغة أفعل عيوب ظاهرة مثل أعمى وأعرج، صيغة فعل لها دلالة أخرى ولكها يسمونها صفة مشبهة لكن لها دلالات. اختلاف المباني يدل على اختلاف المعاني
المقدم: هذه قاعدة.
د. فاضل: لذلك صيغ المبالغة هي كل إسم مبالِغ لكن هنالك فرق بين صيغة فعال وصيغة مفعال مثل معطاء، هذه مبالغة، مهدار، كلها مبالغة لكن الدلالة تختلف. مثل فعول مثل صبور، صبور غير صبّار.
المقدم: إذا أخذنا مثلاً فعال فعيل فعول مفعال هي من صيغ المبالغة كلها وهناك فروق دلالية بينها؟
د. فاضل: نعم.
المقدم: اللغة العربية تفرق بين هذا وذاك؟ مثلاً إذا قلت عليم وعلام وعالم -في اللغة- للغيب فهل تحتمل اللغة؟
د. فاضل: في القرآن ألن يستعمل غفار وغفور؟ وفعال وفعول للمبالغة؟ كلها تندرج تحت صيغ المبالغة لكن فعّال في الأصل كما يقول أهل اللغة منقولة من الحِرفة مثل نجّار، حدّاد، هذه أصلها للحِرف. صيغة فعال هي للحِرَف مثل صبّاغ، قصّاب. فلما يقول إنسان كذّاب أي حِرفته الكذب، صناعة وصاحب الحرفة يداوم عليها، حرفة يعيش منها، صبّار يعني حرفته الصبر، ماذا تقتضي؟ هذه تقتضي التجديد والاستمرار لأن صاحب الحرفة مستمر على صنعته، مداوم لها، هذه فعّال ولذلك ربنا قال (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح) لأن الغفار بمقابل الكفّار (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) نوح) كلما أحدث كفراً أحدث الله مغفرة.
المقدم: الله! هذه مقابل تلك
د. فاضل: طبعاً. قال (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11) القلم) يمشي هكذا، ليست مثل (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الهمزة) هذه غير دلالة، تلك حرفة يمشي (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ)
المقدم: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)) إذن القرآن الكريم حينما يستخدم بعض الصفات في بعض الأماكن هي مقصودة لذاتها.
د. فاضل: صيغة فعول على وجه السرعة وضربنا مثلاً في غفار وغفور. غفور في الأصل هي للمادة، مادة الشيء، السَحور ما يؤكل في السحر، الوَضوء الماء الذي يتوضأ به، في الأدوية، العَيون ما يوضع في العين دواء العين، الأَنوف ما يوضع في الأنف، السَفوف ما يُسف عن طريق الفم، الوَقود الحطب الذي توقد فيه النار، الوُقود هو الحدث، الاشتعال، الوَقود هو الحطب (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (24) البقرة) هذه صيغة فعول هي للمبالغة. عندما يقول رجل صبور كأنه مادة للصبر يُستهلك في الصبر كما يُستهلك الوَضوء في الوضوء، كما يُستهلك الوقود في الحطب. ربنا غفور أي كله مغفرة، فرق بين غفّار يجدد المغفرة وبين ربنا كله مغفرة ولذلك في أرجى آية (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر)
المقدم: كله مغفرة، سبحانه وتعالى.
د. فاضل: إسمها مبالغة ولكن لكل واحدة دلالة.
المقدم: جزاك الله خيراً. أنت تربطنا بالآية تجعلنا نحسها ونستشعرها.
د. فاضل: مفعال غير دلالة.
المقدم: إذن ربنا إختار عليم هنا لدلالته (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ولم يقل علام أو عالم.
د. فاضل: قلنا أن علام تأتي مع الغيوب. عليم تأتي إما مطلقة (عليم حكيم) أو بكل شيء (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أو متعلق بمجموع (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) الجمعة) (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) مجموع ليس بمفرد، لا تأتي كلمة عليم مع مفرد مطلقاً.
المقدم: لغة أم قرآن؟
د. فاضل: هي مبالغة.
المقدم: من حيث وضعها تأتي مع الجمع.
د. فاضل: هذا في القرآن.
المقدم: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6)) ما هي الدابة؟
د. فاضل: الدابة هي إسم لكل حيوان ذي روح عاقل أو غير عاقل ويحتاج إلى رزق.
المقدم: له أرجل، ربنا سبحانه وتعالى قال (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ (45) النور )
د. فاضل: إذن هي مطلقة
المقدم: الدابة تشمل الزواحف أيضاً؟
د. فاضل: تمشي على بطنها (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ)، كل شيء
المقدم: ليس المعنى ما يدب على ظهر الأرض؟
د. فاضل: هو يدخل فيه كل الزواحف والحشرات. فإذن كل حيوان ذي روح عاقل أو غير عاقل هو دابة.
المقدم: (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) ما المستقر والمستودع؟
د. فاضل: المستقر هو الموضع الذي استقرت فيه قبل مجيئها إلى هذه الدنيا أين كانت؟ في بضة؟ في رحم؟ في صُلب؟ وبعد هذه الدنيا أين تستقر؟ أين تأوي؟
المقدم: عجيب! يعني يعلمها قبل أن تكون وبعد أن كانت.
د. فاضل: ومستودعها حيثما تهلك وتتفرق أجزاؤها أينما كان. يعلم مستقرها والموضع الذي تموت فيه وتتفرق.
المقدم: لم يذكر أماكن الحركة إنما ذكر المستقر والمستودع. لكن بداية ما فائدة (من) في (وَمَا مِن دَآبَّةٍ)؟
د. فاضل: (من) هذه الإستغراقية،
المقدم: يعني جميع الدواب
د. فاضل: كلها، كل الدواب بلا إستثناء.
المقدم: هنا ربنا خصص قال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ) فأين دواب السماء؟ وقال (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ (29) الشورى) في الأرض والسماء لكنه قال في الاية في الأرض فماذا عن دواب السماء؟
د. فاضل: الذي يحدده السياق أصلاً السياق في الآية وفيما بعدها على من في الأرض، على سكان الأرض. السورة أصلاً على أهل الأرض والكلام فيما قبلها وفيما بعدها هو الكلام على أهل الأرض، بداية من أولها (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ (5)) وما قبلها في الأرض
المقدم: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ) هل نفهم الأرض فقط ما عدا السماء؟
د. فاضل: هو أشار إشارات أخرى تفيد السماء لكنه خصص الأرض لأن السياق في الأرض. قبل هذه الآية قال (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4))
المقدم: يشمل السموات والأرض
د. فاضل: بعدها قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (7)) إذا خلقها ألا يرزقها؟
المقدم: الرزق عليه
د. فاضل: قال في آخر السورة (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ (123) هود) تدخل فيها. لكن السياق لما كان في الأصل الكلام على أهل الأرض وسكان الأرض ذكر الأرض. وأصلاً في السورة كسمت عام ذكر الأرض فيها أكثر من السماء. ذكر الأرض 11 مرة وذكر السموات 6 مرات. إذن هو السياق في أهل الأرض وفي سكان الأرض وما حصل لهم وما يحصل لهم والتكليف فكان أنسب مع أن هنالك إشارات تشير إلى أنه يعلم ما في السموات (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)
المقدم: حتى لا يقول قائل أو يظن ظان أن الله تعالى عندما قال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ) يقصد تحديداً الأرض وليس السماء.
د. فاضل: ما قبلها وما بعدها إشارات إلى قدرته وأنه خلق السموات والأرض وفي الآخر يرجع الأمر كله إليه.
—–فاصل—–
المقدم: التعبير القرآني عجيب! إذن ليس لأي أحد أن يتحدث في أي آية ويبترها من سياقها حتى وإن كانت الآية مكتملة، لا بد أن يراعي سياقها وارتباطها بما قبلها وبما بعدها.
د. فاضل: القدماء قالوا هكذا.
المقدم: لأن بعضهم يتكلم في القرآن فربما يثير بعض ما اقوله أنه هو قال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ) وما قال السماء إذن هو قادر على الأرض فقط وليس على السماء لأنه لم يذكرها.
د. فاضل: انظر ما قبلها وما بعدها
المقدم: هذا يُعرف بدراسة السياق؟
د. فاضل: السياق مهم جداً ويقال أكبر القرائن السياق، القدماء قالوا أكبر القرائن السياق.
المقدم: ونحن نتحدث في السياق قال تعالى (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) فأين أماكن الحركة؟
د. فاضل: غير المستقر والمستودع؟
المقدم: نعم.
د. فاضل: الآية (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) عندما قال على الله رزقها يعني يرزقها أينما كانت تمشي أو مستقرة، قال (إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) أينما كانت سواء في المستقر أو غير المستقر. لما قال (إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) ضمن لها ربنا رزقها إذن هي أينما كانت سواء في المستقر أو في غير المستقر
المقدم: قبل أن تكون وهي بيضة ينزل لها رزق؟
د. فاضل: يرزقها من أمها.
المقدم: سبحان الله العظيم! يعني رزقها مكفول على الله سبحانه وتعالى قبل أن توجد وحينما توجد
د. فاضل: هو قال (يعلم). قال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ) الدابة عندما تخرج، قبلها لا تسمى دابة. عندما تخرج من البيضة الآن أصبحت دابة قبلها لا تسمى دابة.
المقدم: (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا) إذن لم تكن دابة
د. فاضل: هذه عامة قال (يعلم) يعلم مستقرها سواء قبل أن تأتي إلى الأرض وهي في الأرض أين تستقر وأين تأوي. ليس فقط مستقرها ومستودعها. لماذا اختار مستقر؟، ماذا تعني كلمة مستقر في اللغة؟ هي إسم مفعول ومصدر وإسم مكان وإسم زمان.
المقدم: إسم مفعول ومصدر وإسم مكان وإسم زمان.
د. فاضل: نترك الآن إسم المفعول، يعلم استقرارها ويعلم مكان استقرارها ويعلم زمان استقرارها متى تستقر؟ عندما قال (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا) يعلم استقرارها ومكان استقرارها وزمان استقرارها في كلمة واحدة وكذلك مستودع ينطبق عليها المكان والزمان والمصدر، هذا اختيار الكلمة.
المقدم: ماذا في هذه الآية أيضاً من لمسات بيانية؟
د. فاضل: يمكن تأليف الآية. هو قدّم الخبر (إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا)
المقدم: له دلالة معينة؟
د. فاضل: نعم، الحصر يعني رزقها على الله حصراً ليس على غيره، هو الذي ضمن لها رزقها حصراً
المقدم: أليس رب العمل هو الذي يرزق؟
د. فاضل: الله هو الرازق
المقدم: ونحن حينما نطعم الدواب نأتي لها بالخشاش
د. فاضل: ربنا ضمن أن توصلها إليها
المقدم: واستعملنا لها
د. فاضل: هو كل الرزق بيد الله سبحانه وتعالى (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) الذاريات) هو حصر كل دابة على رزقه وحصر الرزق عليه.
المقدم: ولو قال (رزقها على الله)؟
د. فاضل: ليس فيها حصر. لما تقول رزقك عليّ ليس أني تكفلت بذلك. لما تقول عليّ رزقك يعني عليّ ليس على غيره. الآية كيف تضمنت الدلالة؟ جاء بـ (من) الاستغراقية (من دابة) الدالة على الشمول، ثم قال (دابة) وهي أعم شيء في الأحياء تشمل كل الأحياء. يعني (من) الاستغراقية الدالة على جميع الدواب ودابة كل ما يدبّ ثم قال (إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) بتقديم قصر الرزق على الله دون غيره.
المقدم: هل يدخل فيها الحشرات؟
د. فاضل: كل شيء، كل ذي روح. ثم قال (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) والمستقر يشمل كل موضع استقرت فيه
المقدم: المصدر وإسم الزمان والمكان
د. فاضل: لاحظ العموم، كلها عموم والمستودع أيضاً نفس الكلام. (من) والدابة والرزق كله على الله سبحانه وتعالى والمستقر الاستقرار، الزمان والمكان والمصدر والمستودع الزمان والمكان والمصدر. ثم قال (كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) كل ما يتعلق بالدوابّ والعلم كل هذا مدون، كل شيء عن كل دابة كل ما يحصل لها قبل أن تأتي أين رزقها أين تتفرق كل أمر الدواب بلا استثناء كل المعلومات كل الأشياء هذه في كتاب.
المقدم: منذ متى؟ قبل الخلق وحتى يرث الله الأرض ومن عليها؟
د. فاضل: طبعاً مدوّن مسطور في كتاب، هذا علم. عظيم القدرة والعلم. ومبين مبيّن كل شيء بالتفصيل كل ما يحدث عن كل دابة.
المقدم: إذا كان كله مكتوب فمنطق لنا أن نتصور (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) الكهف) بهذا الشكل ينفذ البحر.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 7/12/2009م:
أم آدم من كندا: في الآية 18 و19 من سورة الشعراء (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)) لماذا قال فرعون لسيدنا موسى عليه السلام (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) ولم يقل أنك قتلت نفساً؟، ولماذا قال له (وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)؟ ما هو الكفر عند فرعون؟
د. فاضل: الكافرين بالنعمة، كفرت نعمتك نحن ربيناك.
المقدم: ليس الكفر أن يخرج من الملة. الكفر هو الستر
د. فاضل: نعم. هذه إشارة إلى ما فعل، هو يعرفها
المقدم: مع أن الله تبارك وتعالى ذكرها (وَقَتَلْتَ نَفْسًا (40) طه)
د. فاضل: أشار له أنه عرفها، موسى يعرف المسألة.
المقدم: هل كان فرعون يحبه فلم يصرح بالفعلة؟
د. فاضل: أحياناً أنت تكتفي بالصلة عن ذكر الشيء. تعرض عنها لأنه معروفة له لا تعيدها عليه أو للتعظيم (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه)
المقدم: إذن الحذف وعدم الذكر له دلالة أيضاً؟
د. فاضل: نعم.
أبو فراس من سوريا: في الحلقة الماضية ناقشتم مسألة تتولوا وتولوا. في سورة يونس في آية نوح قال تعالى (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ (72)) فما دلالة ذكر ميم الجماعة في توليتم؟
د. فاضل: هذه ميم الجمع. وهنا لا تصير تائين لأنه فعل ماضي لا يمكن أن يكون فيه تائين ليس مثل تتولا وتولوا، ذاك فعل مضارع.
أبو فراس: في نفس سورة هود قال تعالى (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ (57) هود)
المقدم: يقصد صيغة تولوا وتوليتم، الخلاف في الصيغة؟ ضمير الخطاب مختلف، توليتم مخاطب وتولوا غائب.
د. فاضل: هذا ليس غائباً لأنه لو أكمل الآية (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هود)
المقدم: سؤال أبو فراس اختلاف الصيغة في توليتم وتولوا، لم اختلفت الصيغة؟ الفرق اللغوي بين توليتم وتولوا
د. فاضل: عندما تدخل أداة الشرط يصير أمراً آخر والجواب عنه أما بدون أداة شرط يختلف..
المقدم: هناك أداة شرط في الاثنين
د. فاضل: إذن السؤال إذا كان فعل الشرط ماضي أو مضارع يعني إن تدرس تنجح وإن درست نجحت
المقدم: واحدة مضارع والثانية ماضي.
د. فاضل: لا شك وعند النحاة الماضي إذا دخلت عليه الشرط يكن زمنه مستقبل (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (8) الإسراء) (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ (19) الأنفال) هذه أيضاً مستقبل، إذا كان السؤال هكذا نجيب عنه في حلقة قادمة.
أبو فراس: أسأل عن الفرق بين الآيتين في يونس وهود.
عارف من سلطنة عمان: متى موعد إعادة البرنامج؟
المقدم: يوم الثلاثاء الساعة 10.30 صباحاً.
ما هي الآية التي استعصت عليك ووقفت عليها طويلاً لاستكشاف اللمسات البيانية فيها؟
د. فاضل: أكثر من آية في الحقيقة. آية ذكرتها استغرقت حوالي ستة أشهر وآية استغرقت أكثر من هذا بكثير. ذكرت مرة آية (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) إستوقفتني أكثر من سنة. وآية أخرى إستغرقت ستة أشهر (تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) القمر) و(كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة) لماذا واحدة بالتذكير والثانية بالتأنيث مع أن كلاهما وصف للنخل؟ (أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) يصف النخل و (أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) يصف النخل، فلماذا جاءت مرة بالتأنيث ومرة بالتذكير؟. إستغرقتني هذه ستة أشهر. المفسرين حسب ما اطلعت عليه يقولون الآيات لأن الآية في سورة الحاقة (تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) ما قبلها وما بعدها هي هكذا والثانية في سورة القمر (قمر – منقعر) تسير على الفاصلة القرآنية لكني لم أكن مقتنعاً بهذا التخريج فبدأت أفكر لماذا هذا الشيء لأن أعتقد أن خواتيم الآيات ليست فقط مناسبة لما قبلها وما بعدها وإنما هنالك قطعاً علاقة بالمعنى. ثم ربنا سبحانه وتعالى بعد التأمل والتدبر نحن لدينا قاعدة كنت غافلاً عنها أن التأنيث يفيد الكثرة والتذكير قد يفيد القلة. والتأنيث قد يفيد المبالغة، ربنا قال (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف) (قال) لكن قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ) لأن النسوة قليل والأعراب كثير، هذا في القرآن كثير. فالتأنيث يفيد الكثرة.
المقدم: إذن أعجاز نخل خاوية كثيرة؟
د. فاضل: وفيها مبالغة أيضاً مثل علام وعلامة تفيد المبالغة. لو نقرأ الآيتين تتضح المسألة، قال في القمر (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20)) يوم نحس، يوم واحد. بينما في الحاقة قال (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)) زاد العتو على الصرصر هناك قال فقط (رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) أما هنا قال (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) ثم قال (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا (7)) أيّ التدمير سيكون أكثر؟
المقدم: في الحاقة
د. فاضل: فقال (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) والخاوية أكثر من المنقعر باعتبار كل منقعر مخلوع، خاوية أكثر من المنقعر، هذا على وجه السرعة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 7/12/2009م
رابط الحلقة من قسم الفيديو
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2039
رابط الحلقة فيديو
http://www.archive.org/details/lamasat071209
http://ia341335.us.archive.org/2/items/lamasat071209/lamasat071209.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia341335.us.archive.org/2/items/lamasat071209/lamasat071209.rmvb
mp4 رابط فيديو
2009-12-08 10:12:35الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost