لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 215

اسلاميات

الحلقة 215

اللمسات البيانية في سورة هود 6

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة هود متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى وواقفين على اللمسات البيانية الموجودة في هذه السورة وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند الآية الكريمة (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16)) في هذه الآية جمعت الآية بين فعلين ربا يكون بينهما تقارب دلالي صنعوا ويعملون فما الفرق بين الصنع وبين العمل؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. ربنا سبحانه وتعالى ذكر الصنع ثم ذكر العمل. الصنع هو إجادة العمل، العمل عام سواء كان بإجادة أم بغير إجادة لكن الصنع فيه إجادة فذكر الأمرين

المقدم: (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ) إذن هم أجادوا الصنع في الحياة الدنيا؟

د. فاضل: سواء ما صنعوه أو ما عملوه من غير صنع كلاهما ذهب هباء

المقدم: هم صنعوا أم عملوا؟

د. فاضل: كلاهما، الإنسان يصنع ويعمل.

المقدم: لكن يعمل ربما تكون فيها عفوية، فيها تلقائية حين يكون فيها القصد

د. فاضل: وقد تكون بها قصد لكن بدون اتقان، العمل عمل عام فكلاهما ذهب هباء. ما بذلوه بجهد لإحسانه أو ما عملوه على وجه العموم كلاهما ذهب

المقدم: لماذا ذكر الصُنع في البداية ثم ذكر العمل ثانية؟

د. فاضل: هذا الترتيب ترتيب فني عجيب هي هذه الآية. هو ذكر (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ)

المقدم: ذكر الحبوط أولاً ثم البطلان ثانياً.

د. فاضل: يعني ذكر مع الصنعة الحبوط وذكر البطلان مع العمل

المقدم: تركيب عجيب فعلاً. لِمَ؟

د. فاضل: الحبوط أخص من البطلان. البطلان أعمّ كما سأذكر. الحبوط خاص بالأعمال في القرآن لم يرد إلا في الأعمال (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (5) المائدة) (لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) الأنعام) (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ (217) البقرة)

المقدم: وهنا (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ)

د. فاضل: ما يتعلق بالعمل عموماً. البطلان عام في العمل وغير العمل في القضاء والاعتقاد (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً (191) آل عمران) الباطل أعم.

المقدم: إذن البطلان أعم والحبوط خاص

د. فاضل: فذكر الخاص مع الخاص، الحبوط مع الصُنع، الحبوط أخص فذكره مع الصنع الذي هو أخص والبطلان أعم ذكره مع العمل الذي هو أعم.

المقدم: هل للترتيب في حد ذاته بين الصنع والعمل غرض بلاغي معين أو غرض بياني معين؟ بدأ بصنع هل لأجل حبط أو لأجل بطل؟ ولو عكس الترتيب خارج القرآن كيف يكون؟ (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) على من يعود الضمير؟

د. فاضل: هما سؤالان نؤجل الأول نذكره بعد قليل لكن السؤال الآن على من يعود الضمير (فيها)؟ هذا فيه احتمالان الأول احتمال أنه متعلق بحبط (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) الحبوط سيكون بالآخرة ومن المحتمل حبط ما صنعوا فيها ومحتمل أن يكون متعلق بما بعده يعني حبط ما صنعوا فيها وباطل فيها ما كانوا يعملون. (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) عندنا فعلان حبط وصنع، الحبوط في الآخرة والصنع في الدنيا، يعني حبط في الآخرة الذي صنعوه في الدنيا، عندنا (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) السؤال على من يعود الضمير في (فيها)؟ على الحبوط أو على الصنع؟ بالنسبة للآخرة أو للدنيا؟ (فيها) على من يعود؟

المقدم: في الآخرة أم في الدنيا؟

د. فاضل: الإثنان، هذا التركيب في اللغة يحتمل أمرين، يحتمل حبط في الآخرة ما صنعوا ويحتمل حبط ما صنعوا في الدنيا

المقدم: ما المقصود؟

د. فاضل: كلاهما. لو قدّم لو قال حبط فيها ما صنعوا؟ هو قال (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) الآن (فيها) يحتمل أنه يعود على الحبوط وعلى الصنع الآخرة والدنيا يحتمل وكلاهما مطلوب حبط في الآخرة ما صنعوه في الدنيا. الآن لو قال حبط فيها ما صنعوا كان ينصرف للذهن للآخرة فقط ولا يصح للدنيا.

المقدم: إقترابه من الفعل الجار والمجرور دائماً يتعلق بالفعل كتقسيم شجري كما قال تشافازكي

د. فاضل: يتعلق الفعل أو ما ناب عن الفعل. لكن في هذا التعبير من حيث اللغة والنحو الآن هو يحتمل التعلق بالاثنين بالصنع والحبوط

المقدم: يعني كونه يأتي ملاصقاً للصنع لا يصرفه مجرداً للصنع في الدنيا

د. فاضل: لا، ليس بالضرورة. الآن في هذا التركيب يحتمل الأمرين: يحتمل الحبوط في الآخرة أو الصنع في الدنيا

المقدم: المعنى يعني خارج القرآن حبط في الآخرة ما صنعوا في الدنيا

د. فاضل: هذا احتمال. لو قدّم (فيها)

المقدم: ينصرف الذهن إلى الحبوط في الآخرة فقط

د. فاضل: فقط.

المقدم: هم صنعوا في الدنيا أيضاً

د. فاضل: لا، لا ينصرف لهذا لماذا؟ نحوياً لا ينصرف.

المقدم: الدنيا دار صُنع

د. فاضل: نحن نتكلم عن التركيب الآن. لو قال وحبط فيها ما صنعوا تكون للآخرة فقط. لماذا؟ هو يتعلق بحبط وصنع من حيث اللغة من حيث النحو. لو قال حبط فيها لا يصح أن يتعلق بصنع

المقدم: ولو حذف فيها وقال وحبط ما صنعوا؟

د. فاضل: إذن المعنيان مرادان مقصودان. في هذا التأخير جمع الأمرين حبط في الآخرة ما صنعوه في الدنيا. لو قدم لا يصح ويكون معنى آخر

المقدم: ما معنى حبط؟

د. فاضل: ذهب هباء

المقدم: لم لم يقل فيها في قوله تبارك وتعالى (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؟ ما قال (فيها) أصلاً؟

د. فاضل: سنذكر الأسباب بعد قليل. عندنا أولاً (مَا صَنَعُواْ) تحتمل أن تكون (ما) مصدرية بمعنى حبط صنعه أو تحتمل إسم الموصول أي حبط الذي صنعه

المقدم: ألا توجد قرينة سياقية تحدد معنى؟

د. فاضل: لا. لو قال ما صنعوه يكون فقط إسم موصول. لو أبدل (ما) وجعل مكانها (الذي) تكون إسم موصول. الآن عندما قال (مَا صَنَعُواْ) لم يذكر عائداً صار احتمال لو قال ما صنعوه

المقدم: انصرف الذهن لأمر معين وتقيّد

د. فاضل: تقيّد إسم الموصول ليس غير، ذكر عائداً فسيكون إسم موصول قطعاً، (مَا صَنَعُواْ) عامة

المقدم: في خارج القرآن لو قلنا حبط الذي صنعوا كمعنى عام وصل إلى الأذهان والأفهام والأسماع؟

د. فاضل: لكن هذا خاص بالأعمال لم يأت إلى المصدر الصُنع عمل عموماً. ونحن عندنا أمران العمل وعندنا ما صنعوه، عندنا العمل كحدث وعندنا ما صنعوه

المقدم: نفس الكلام في (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) أيضاً؟ تحتمل أيضاً؟

د. فاضل: تحتمل أيضاً. ننظر الآن في تأليف العبارة التي سألت عنها، كيف قال في الآول (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) لم هذا التركيب؟. أولاً القسم الأول (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) هذا مبني على الخصوص يعني كل كلمة اختارها تفيد الخاص

المقدم: باعتبار الصنع فيه دقة وقصد

د. فاضل: كل الكلمات، كل التركيب، (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) مبني على العموم. (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) مبني على الخصوص يخصص كل شيء، (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) مبني على العموم عبارة عامة، هكذا نرتبها ترتيباً فنياً، كيف؟ نأخذها مسألة مسألة. في العبارة الأولى قال حبط وفي الثانية قال باطل، قلنا الحبوط خاص بالأعمال (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (5) المائدة) (أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ (17) التوبة) البطلان عامة في الأعمال وغيرها (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) الأعراف) (إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) الأعراف) يأتي لغير العمل، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ (18) الأنبياء) (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ (17) الرعد) (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ (188) البقرة) (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ (72) النحل) هذا إيمان، (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) الإسراء) (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ (62) الحج) هذه معتقدات، إذن أيّ الأعمّ؟

المقدم: البطلان

د. فاضل: إذن أولاً الحبوط أخص والبطلان أعمّ. نأتي إلى (حبط) حبط فعل ماضي و(باطل) إسم، أيّ الأعم؟

المقدم: الإسم

د. فاضل: إذن من ناحيتين الإسم أعم وأثبت من الفعل

المقدم: من حيث الدلالة والمعنى

د. فاضل: الدلالة والصيغة. من حيث الدلالة في اللغة الحبوط ومن حيث الصيغة إسم وفعل. الأولى قال (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) والثانية (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) قلنا أولاً الصنع أخص من العمل، العمل أعم. ما صنعوا فعل ماضي، ما كانوا يعملون ماضٍ مستمر،

المقدم: الأولى ليس فيها ما كانوا يصنعون.

د. فاضل: أيّ الأعم؟

المقدم: ما كانوا يعملون.

د. فاضل: لاحظ كيف يضع الأمور العجيبة الدقيقة، صنعوا فعل ماضي، (كانوا يعملون) ماضٍ مستمر إذن هذا أعمّ الماضي المستمر يشمل ذاك وما قبله. قال (مَا صَنَعُواْ فِيهَا) إذن قيّد الصنع سواء بالحبوط أو كما ذكرنا الصنع في الدنيا، في الثانية قال (باطل) لم يقل باطل فيها، إذن جعلها عام.

المقدم: لم يقل باطل فيها و باطل لا ما كانوا يعملون فيها

د. فاضل: هذه على العموم لأنها مبنية على العموم

المقدم: لا في الدنيا ولا في الآخرة ولكنها تضمن الاثنين

د. فاضل: الإثنين. هذا كلها سواء في الدنيا والآخرة

المقدم: هي بالفعل تشمل الاثنين

د. فاضل: هي فعلاً تشمل الإثنين، تلك مقيدة وهذه غير مقيّدة، أّي الأعم؟

المقدم: (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)

د. فاضل: إذن لاحظ كيف وضع العام مع العام والخاص مع الخاص. (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) حتى تأليف العبارة نحوياً، (وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا) فعل وفاعل، حبط فعل ماضي (ما) فاعل سواء كان مصدراً أو إسم موصول. (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فيها احتمالين إما أن يكون خبر مقدم ومبتدأ مؤخر (باطل) خبر مقدّم، أصل التركيب “ما كانوا يعملون باطل”، مبتدأ وخبر. ومحتمل أن يكون (ما) فاعل وإسم الفاعل ” وباطل الذي كانوا يعملون”، الذي إسم فاعل يعمل إسم الفعل، فذاك واحد وهذه إثنان أيّ الأعم؟

المقدم: (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

د. فاضل: لاحظ كيف الاختيار هذا

المقدم: يعني من حيث الشكل العام فيها تلازم وتوأمة غير عادية حتى على مستوى الكلمة والأداء

د. فاضل: والتركيب والدلالة والذكر والحذف والاختيار وكل شيء، اختيار الفعل والإسم والصنع والعمل وذكر الضمير وعدم ذكر الضمير

المقدم: باعتبار حضرتك ضلع في الدراسات البيانية هل كنا في حاجة إلى مثل هذا البيان ومثل هذه البلاغة الفصاحة؟ كان يمكن أن نقول “وحبط الذي كانوا يعملون في الدنيا” كمعنى عام تصل الرسالة لذهن السامع وتنتهي القضية؟

د. فاضل: هذه أشمل وأعمّ مما ذكرته أنت. ثم أنت تريد أن تقول أي كلام أو كلام معجز أو كلام مبين أو كلام يتحدى به؟

المقدم: قد يثار تساؤل ما فائدة البلاغة أصلاً المهم هناك جنة ونار وهناك عقاب وثواب وفصل لم نحتاج البلاغة والبيان ومتخصصين؟ ما نكسبه من البلاغة؟

د. فاضل: أنت تقرأ أحياناً شعراً يهزك كما تقرأ شعراً مضعضعاً؟!

المقدم: طبعاً لا

د. فاضل: التأثير يختلف بشكل كبير وكذلك النثر والفنّ تؤثر، فكيف يكون القرآن كلام هكذا كيفما كان؟

المقدم: والله صدقت، إذن يأتي به للتأثير. الله أكبر!. صدقت، إذن ليس الغرض مجرد التعبير عما سيحدث أو مجرد الإخبار والإعلان. من مقاصد القرآن فيه بلاغة وبيان ودقة وحسن الاختيار وحسن النظم كما قال عبد القاهر الجرجاني

د. فاضل: ولذلك تحداهم بأن يأتوا بمثله.

المقدم: هذه معجزة النبي عليه الصلاة والسلام.

(أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (17)) في هذه الآية ذكر الله تبارك وتعالى البينة ثم الشاهد ومن قبله كتاب موسى فما حكمة الترتيب؟ وما اللمسة البيانية الموجودة فيه؟

د. فاضل: في القضاء أمام القاضي صحة الحكم البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر. وإذا احتاج يطلب شهوداً، يحكم إما بالبينة أو الشهود.

المقدم: أليست البيّنة شاهد؟

د. فاضل: لا البيّنة هي حجّتك، تأتي بالبينة

المقدم: هي أقوى من الشاهد

د. فاضل: طبعاً. تأتي ببينة تثبت. البينة دليل وليس شاهداً. البينة غير الشاهد

المقدم: البينة يعني دليل والشاهد من شهد الأمر. البيّنة حُجة.

د. فاضل: حجة دامغة، صحة الحكم في القضاء تستند إلى أمرين البينة أو الشهود العدول، في كل أقضية الدنيا، كل قضاء في العالم صحة الحكم يستند على أمرين البينة أو الشهود العدول هذه أو هذه فإذا اجتعمت تصبح حجة دامغة، إذن هو ذكر أكرين البينة والشهود (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) ذكر أمرين

المقدم: وضّح لنا البينة من ربه والشاهد، ما المقصود بهذا التركيب؟

د. فاضل: هو الآن ذكر بينة وشاهد لما كانت الدعوة أنه مرسل من ربه، الكلام بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام، أصل الدعوة أنه مرسل من ربه إذن يحتاج بينة من ربه

المقدم: دليل بأنه مرسل. إذن (مِّن رَّبِّهِ) تعود على النبي عليه الصلاة والسلام، من رب النبي محمد؟

د. فاضل: طبعاً هو يدعي أنه مرسل بالدعوة إذن ينبغي أن تكون البينة من ربه. إضافة إلى ذلك (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) يعني شاهد من ربه حتى يكون عدل، كيف يشهد على أنه من ربه يجب أن يكون شاهد من ربه. إذن صارت البينة من ربه ال من ربه إذن قطعاً هذا شاهد عدل لأنه من ربه

المقدم: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً)

د. فاضل: ما اكتفى بذلك، هو واحد كافي، البينة كافية، الشاهد كافي

المقدم: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً)

د. فاضل: ما اكتفى، إضافة إلى ذلك (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً) لاحظ كيف أن الأمر محكم، البينة هي كافية وإن لم تكن كافية فالشاهد كافي، ذكر كلاهما ولكنه لم يكتف بهذا قال أيضاً هنالك شاهد آخر وهو كتاب سابق من ربه. هذا الكتاب السابق قبل أن يأتي بكم شهد بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام قال صراحة أنه سياتي هذا الرسول r.

المقدم: سيدنا محمد مذكور في التوراة؟

د. فاضل:بل مذكور هذا الشخص المقصود إسمه ومكان نشاته وأين نزل الوحي وعلامته البدنية ومن أي شعب هو؟ وإلى أين يهاجر؟

المقدم: كل هذا في الإنجيل والتوراة؟ هل هناك نصوص؟

د. فاضل: في التوراة الحالية سفر التثنية الإصحاح 43، الآية رقم 2

المقدم: يقال الآية عندهم أيضاً؟

د. فاضل: هم رقّموها. طبعتان مختلفتان واطلعت عليهما بنفسي، “جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار”

المقدم: سيناء هي سيناء وما هي ساعير؟

د. فاضل: (ساعير) مكان المسيح، فلسطين، فاران مكة بالإجماع. وفي الطبعة الأخرى “جاء الرب من سيناء وأشرق من ساعير وتلألأ من جبل فاران” والأخرى “جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار”

المقدم: ما علاقة سيدنا محمد بهذا؟

د. فاضل: الوحي نزل في جبل فاران، غار حراء، استعلن من الجبل.

المقدم: الجبل اسمه فاران؟

د. فاضل: بكة إسمها فاران أصلاً، والحجاز إسمها فاران أصلاً. في التوراة أن إبراهيم جعل إسماعيل في بادية فاران.

المقدم: “جاء الرب من سيناء” يقصد رب موسى؟

د. فاضل: يعني شريعة الرب. “جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير (وهو المسيح) واستعلن من جبل فاران ومعه ألوف الأطهار” سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ومعه ألوف الأطهار أي الذين معه وهذه الجملة موجودة في بعض النسخ ومحذوفة في نسخة أخرى. وفي النسخة أيضاً طبعة الموصل “وحيٌ على العرب” والطبعة الأخرى “من جهة بلاد العرب”, نفسها “وحي على العرب في الوعر في بلاد العرب” في الجبل، “هاتوا ماء لملاقاة العطشان” يتكلم عن الهجرة، “يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزة فإنهم من أمام السيوف هربوا، من أمام السيف المسلول من أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحر فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار” يعني مجد العرب، قيدار يعني العرب، ” وبقية عدد أبطال قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل تكلم” بعد سنة من الهجرة. ” لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار” (إسم العرب) “لتترنم سكان سالع” سالع هذا جبل في المدينة، يتكلم بعد الهجرة، وذكر الشامة على كتفه.

——-فاصل——-

المقدم: ما تفضلت به في التوراة هذه أدلة دامغة على أنها تتحدث عن سيدنا محمد، لِمَ لم يؤمن القوم؟

د. فاضل: ربنا قال (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة) وقسم منهم آمن مثل عبد الله بن سلام وأبي بن كعب

المقدم: إذن ذكر البينة من ربه والشاهد من ربه ومن قبله كتاب موسى هذه كلها تأكيدت على نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. هو يريد أن يثبت أن محمداً عليه الصلاة والسلام نبي

د. فاضل: (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ)

المقدم: (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ) لماذا (تك) وليس تكن؟

د. فاضل: بعد أن ذكر الأمور وكل واحد منها كافي في إثبات الدعوة إذن قال (فلا تك) يعني إحذف أي شك أو ريبة من نفسك كما حذف النون من أصل الكلمة.

المقدم: نحوياً تصح تك؟

د. فاضل: طبعاً، تكُ هذه مشهورة. تكُ وتكُن

المقدم: يحذفها لالتقاء الساكنين مثلاً؟

د. فاضل: لا،

المقدم: هناك لم أكُ ولم أكن

د. فاضل: هذا جائز بكثرة في (تكن) لكن يبقى بيانياً

المقدم: إذن هو يجوز (فلا تك) و(فلا تكن) لم اختار هنا (تك)؟

د. فاضل: إحذف المرية من نفسك كما حذفنا هذه النون من أصل الكلمة، إحذف المرية

المقدم: إحذفها، لا تعوّل عليها

د. فاضل: أبداً.

المقدم: (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) ماذا في هذا التعقيب؟

د. فاضل: بعد أن ذكر هذه الأمور قال (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) رتبها من حيث التعبير ثم احتاط بعد ذلك كل ما يمنع الشك، البينة من ربه والشاهد من ربه والكتاب من ربه والحق من ربه ماذا بقي؟! لا شيء. ثم لعله يبقى في النفس شيء بأن لعله يرى أنه كيف لا يؤمن الناس بعد كل هذه، حتى يقطع كل شك قال له هذه من طبيعة الناس (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) إذا رأيت أكثر الناس لا يؤمنون هذه من طبيعتهم، هذه ليست في أصل القضية لأن ربنا قال (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ (116) الأنعام) لعله في النفس أنه لماذا هؤلاء لا يؤمنون قال له هذه طبيعة الناس.

المقدم: إذن مسألة الأكثرية في القرآن لا بد أن تُراجَع،

د. فاضل: نعم لا بد أن تراجع

المقدم: ليست كل الأكثرية تكون صح أو حق أو صواب

د.فاضل: ليس بالضرورة

المقدم: هل هناك فرق بين الحق والصواب؟ هنا قال (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) وفي آية أخرى (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) اللغة تحتمل الفرق بين حق وصواب؟

د. فاضل: الصواب الصح والحق أعمّ

المقدم: ما البينة وما هو الشاهد؟ ولماذا قال هنا (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) ولم يقل من الله؟

د. فاضل: قبل أن أجيب على هذا السؤال نلاحظ أن النهي الذي ورد في الآية (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) هذا نهاه أبلغ ما يكون النهي. كيف؟ هذا تركيب عجيب. أولاً جاء بالفاء الدالة على السبب يعني بعد أن ذكرنا الأسباب الموجبة على صحة الدعوة (فَلاَ تَكُ) إذن جاء بالفاء. ثم النهي ثم حذف النون (تَكُ) ثم قال (فِي مِرْيَةٍ)

المقدم: ماذا كان يمكن أن يقول غير (في مرية)؟

د. فاضل: على مرية، ممترياً، شاكاً

المقدم: إذن (في) مقصودة؟

د. فاضل: طبعاً، هي ظرفية يعني لا تكن فيها كما يكون الشخص في اللُجة أُخرج منها، لا تكن في شك

المقدم: أخرِج نفسك من دائرة الشك هذه

د. فاضل: ثم نكّر المرية (مرية) حتى يشمل كل شك. ثم قال (منه) من القرآن لم يقل لا تك في مرية لأن الإنسان يشك في أمور كثيرة لكن المقصود هنا القرآن

المقدم: مع أنه لم يسبق له هنا ذكر

د. فاضل: ثم قال (إنه الحق) أكّد بـإنّ ثم عرّف الحق لم يقل إنه حق، هذا يدل على أنه وحده الحق ولا حق سواه،

المقدم: ولو قال حق؟

د. فاضل: هو حق، الجنة حق والنار حق والله هو الحق المطلق فلو اتبعت أي كتاب آخر كان اتباعك باطلاً، هذا هو الحق. كل كتاب آخر منسوخ. ثم ذكر الجهة التي تدل على أحقيته (إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) ثم قال (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) حتى يحتاط للمسألة

المقدم: أكّد ضرورة خروجهم من المرية لأنه ليس بالأكثرية بالضرورة يستقي الإنسان حكمه.

د. فاضل: ثم حذّر بأن الذي لا يؤمن موعده النار. الآن نأتي إلى السؤال الذي تفضلت به ما البينة وما الشاهد؟ قيل البينة قسم قال هي القرآن وقسم قال هي الأدلة العقلية الدالة على الصحة. المعجزات التي تقطع بصحتها والشاهد قيل هو القرآن أو قيل هو النظم المعجز وقيل هو الإنجيل

المقدم: قال (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى)

د. فاضل: كتاب موسى

المقدم: هذا شاهد؟

د. فاضل: هذا شاهد، والإنجيل لم يذكره هذا شاهد آخر (يتلوه شاهد). هذا شاهد آخر ذكر إسمه صراحة

المقدم: والآية تحتمل أن يكون التوراة والإنجيل؟

د. فاضل: تحتمل، هو ذكر التوراة كتاب موسى والإنجيل ليس كتاب موسى، إذن هذا شاهد

المقدم: هنا لم قال (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ) ولم يقل الله؟ هل الله هو الإسم العلم لله سبحانه وتعالى؟

د. فاضل: الرب أليس هو في اللغة المربي والمرشد والموجّه والمعلم إذن هو الأنسب لذكر البينة الذي يبيّن

المقدم: حتى في تبيينه إرشاد وتوجيه وتربية

د. فاضل: ولذلك نلاحظ في القرآن كله أن البينة لم ترد مقترنة إلا مع الرب (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي (57) الأنعام) (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ (73) الأعراف) (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ) لم ترد مع غير الرب، لم ترد مع الله. إذن متناسبة الغرض مع مهمة الرب. الله إسم العلم ليس فيها دلالة، الرب هو المربي والمرشد والمعلم إذن هو الأنسب لذكر البينة. المربي، المعلم يأتي بما يبين. ثم ذكر شاهدين شاهد من قبله، كتاب موسى وشاهد يتلوه (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) هذا الشاهد يمكن أن يكون مستمراً إلى يوم القيامة قد يأتي من يشهد على صحته إلى يوم القيامة، في كل مرة يظهر شاهد ودليل يشهد (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53) فصلت) لن يتوقف الشاهد ولا تنقضي عجائبه كما قال. فإذن هذا الشاهد يبقى مستمراً وفي كل زمان يظهر شاهد جديد على صحة هذا الأمر. ولذلك ما قال تلاه وإنم قال (وَيَتْلُوهُ) مضارع فيه تجدد واستمرار إذن استغرق الماضي قبله ويتلوه في المستقبل فاسغرق كل الزمن الماضي والحال والاستقبال حتى قال (وَمَن يَكْفُرْ بِهِ) ولم يقل من كفر حتى يشمل كل من يكفر إلى يوم القيامة.

المقدم: سلّم يا رب. حتى في الجاهلية شهد له الوليد ابن المغيرة “إنه له لحلاوة وإن عليه لطلاوة”

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 11/1/2010م:

محمد من أبو ظبي: (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) طه) نعرف أن البصيرة هي بصيرة القلب فلماذا لم تكن مبصراً؟

د. فاضل: بصير عامة في القلب والنظر.

الآية (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) الحديد) ما الفرق بين الغَرور والغُرور؟

د. فاضل: الغَرور الشيطان هذه صيغة مبالغة والغُرور مصدر، الغَرور صيغة مبالغة يعني يعود على الشخص من يغرّه وأبرز ما يُطلق على الشيطان والغُرور هو المصدر.

محمد من الأردن: متى إعادة حلقة الخميس؟

المقدم: صباح الجمعة الساعة 9 صباحاً بتوقيت الإمارات والسبت الساعة 11.30 بتوقيت الإمارات

عدنان من العراق: (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿٥﴾ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴿٦﴾ الرحمن) ما معنى النجم هنا؟

د. فاضل: النجم على الأكثر هو صغار الشجر ما ليس له ساق، نبات صغير.

بُثّت الحلقة بتاريخ 11/1/2010م


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2062

الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat11012010

رابط جودة عالية
http://ia341337.us.archive.org/2/items/lamasat11012010/lamsat10012010_chunk_11.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia341337.us.archive.org/2/items/lamasat11012010/lamsat10012010_chunk_11.rmvb

mp4 رابط
http://ia341337.us.archive.org/2/items/lamasat11012010/lamsat10012010_chunk_11_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia341337.us.archive.org/2/items/lamasat11012010/lamsat10012010_chunk_11.mp3

2010-01-12 13:20:22الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost