لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 230

اسلاميات

الحلقة 230

اللمسات البيانية في سورة هود 13

المقدم: نكمل رحلتنا مع سورة هود متعلمين مما علمكم الله سبحانه وتعالى وواقفين على اللمسات البيانية الموجودة في هذه السورة. وكنا توقفنا في اللقاء المنصرم عند قوله تبارك وتعالى (وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) هود). في قوله تبارك وتعالى (إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ) ماذا أفادت هذه الآية؟ لماذا لم يقل ولا ينفعكم نصحي؟

د. فاضل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. قال سبحانه (وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ) يعني إذا نصحتكم وأنا أريد لكم النصح لأن أحياناً أحدهم ينصح الآخر وهو لا يريد أن ينصحه وإنما لأمر ما قد ينصحه

المقدم: درءاً للعتاب مثلاً؟

د. فاضل: مثلاً، وأحياناً هو يريد النصح ففي هذه الحالة هو يبالغ في النصح إذا كان يريد النصح يبالغ يهتم بالنصح

المقدم: لو قال ولا ينفعكم نصحي وسكت ما يعطي أنه يريد أو يبالغ أو يشدد على النصحية؟

د. فاضل: ليس بالضرورة، إن أردت أن أنصح لكم يعني مع إرادتي واهتمامي بالنصح. فرق بين واحد ينصح وهو لا يريد وإنما نصح هكذا، يحصل هذا الشيء في حياتنا واحد ينصح واحد هكذا إما درءاً لكلام أو شيء من ذلك. يقول لا ينفعكم نصحي إذا نصحتكم وأنا أريد نصحكم وفي هذه الحالة هو سيبالغ في النصح.

المقدم: لإرادته إياه

د. فاضل: مع هذا الاهتمام ومع هذه الشدة لا ينفعكم النصح إن كان الله يريد أن يغويكم. لاحظ المسألة: هذا الاهتمام الكبير بالنصح من أي واحد مهما كان إرادة الله إذا أراد الله أن يغويه فلا ينفعه النصح. إرادته لا تعني إن كان الله أغواكم، فقط الإرادة ولا ينفع.

المقدم: هنا إرادته النصح لهم وإرادة الله إن أراد أن يغويهم؟

د. فاضل: لا، إن أراد النصح يفعل (ولا ينفعكم نصحي) هو يريد أن ينصح فقط إرادة الله تمنع من النصح وإن كنت مهتماً مريداً لذلك أبالغ في النصح، هو لم يجعل هذا بمقابل إغواء الله،

المقدم: ربما علّق النصح وإرادته النصح على إرادة الله سبحانه وتعالى إن أراد

د. فاضل: إن أراد فقط لا يتم هذا. فقط الإراداة. هو يبين أن هذا أمر عظيم يعرفون ربنا سبحانه وتعالى ما هي قدرته فمجرد إرادة الله الإغواء لم يقل إن كان الله أغواكم، النصح لا ينفع مع إرادتي النصح وشدة رغبتي والحرص عليه مهما أفعل لا ينفع إن كانت الإرادة فقط، إن كان لا يريد فقط، إن كان الله يريد أن يغويكم كل هذا الكلام لا ينفع لأنه هو لم يجعل هذا الفعل بمقابل فعل

المقدم: قد يتساءل أحدهم هل يريد الله سبحانه وتعالى غواية العباد؟

د. فاضل: هذا يبين قدرة الله سبحانه وتعالى (وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) النحل) يبين قدرته وإرادته ماذا تفعل فمجرد إرادته تمنع

المقدم: لكن هو يريد الخير

د. فاضل: يريد الخير، يريد أن يعبدوه حتى يعلمهم قدرة ربنا سبحانه وتعالى

المقدم: هذا درس تعلميم لهم ينتبهون من إرادة الله سبحانه وتعالى أين تتوجه

د. فاضل: نحن ينبغي أن نتعلم، ربنا لو اجتمعت الأمة

المقدم: لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك

د. فاضل: ينبغي أن نتعلم كيف تكون إرادة ربنا غالبة، هذا تعليم، يريد أن يفهمهم أن كل عملي هذا إذا إرادة الله سبحانه وتعالى إذا أراد غير ذلك لا ينفع عملي.

المقدم: مع أنه ربما نفهم أن الله سبحانه وتعالى يريد لهم خيراً بدليل أنه أرسل إليهم نوحاً، هو يريد لهم الخير

د. فاضل: لكن ينبغي أن يعلمهم

المقدم: هنا قال (وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي) وفي الأعراف قال (وَأَنصَحُ لَكُمْ (62)) كيف نوائم بين الإثنين؟

د. فاضل: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ (62) الأعراف) هو ذكر أنه ينصح لهم، السياقين مختلفين. ذكرنا في القصة أول ما وردت في الأعراف هذا في أول الدعوة ينبغي أن يذكر مهمته

المقدم: لا يصح أن يقول ما ينفعكم نصحي في البداية

د. فاضل: هذا بعد تطاول الزمن

المقدم: إذن بينهما فترة زمنية هي مدة دعوته؟

د. فاضل: حصل جدال (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) نوح) الآن يقول لهم لا ينفعكم نصحي

المقدم: نعتبرها في نهاية المطاف أو في نهاية الدعوة وتلك في بداية الدعوة

د. فاضل: في بداية الدعوة لا يمكن أن يقول لا ينفعكم نصحي وإنما ينصح لهم ويدعوهم ويعلمهم ويرشدهم وبعد تطاول الزمن وسد الأمور في وجهه قال هذا الأمر.

المقدم: هل دراسة الزمن يؤثر سلباً أو إيجاباً على مسرح الكلام؟

د. فاضل: هو في أول الأمر كما هو في آخر الأمر؟! الآن هناك أمر آخر تبليغ والتبيلغ اسنمر ونصح حتى قالوا (قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) إذن ذاك في مقام وهذا في مقام، ذاك في بدء الدعوة وهذا المقام عندما حصل ما حصل بينهم وجادلهم فأكثر جدالهم وقالوا فائنا بما تعدنا، المقام مختلف أصلاً

المقدم: لاتساع الهوة الزمنية بينهم

د. فاضل: ولا يصح أن يكون واحدة مكان أخرى.

المقدم: إذن من ضمن المعول عليه في فهم آي القرآن الكريم دراسة الزمن

د. فاضل: الزمن طبعاً والسياق متى قيلت هذه ومتى قيلت هذه

المقدم: لا يصح أن يقول أحدهم هو قال كذا وقال كذا هكذا خبط عشواء، لا يصح. بهذا المنطق في قوله تعالى (إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)) ماذا فيها من لمسات بيانية؟

د. فاضل: (هُوَ رَبُّكُمْ) هو الآن ذكر أمريان توحيد الألوهية ألا تعبدوا إلا الله وتوحيد الربوبية (هُوَ رَبُّكُمْ) لا غير حصراً، ألا تعبدوا إلا الله هذا توحيد الألوهية و(هُوَ رَبُّكُمْ) توحيد الربوبية هو ربكم حصراً

المقدم: لماذا قال في المؤمنون (أنهم ملاقو ربهم)؟

د. فاضل: هو قال للذين ازدروهم (وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا) (وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ)

المقدم: هو على الذين تزدري أعينهم. لكن (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هذا لمن لم يؤمن به

د. فاضل: هذا للمخاطبين، الكلام الآن مختلف (إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ) يتكلم عن المؤمنين الذين ازدروهم قال (إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ). هم بالنسبة لهم قال (هُوَ رَبُّكُمْ) هو ربكم تحديداً ليس لكم رب غيره (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وإليه ترجعون حصراً لا إلى غيره

المقدم: وترجعون إليه؟

د. فاضل: ليس فيها حصر

المقدم: كلها رجوع إلى الله

د. فاضل: فيها رجوع لكن ليس فيه حصر، يمكن ترجع إلى غيره،

المقدم: إليه ترجعون لله حصراً لا لأحد غيره؟

د. فاضل: حصراً لا لأحد غيره،

المقدم: وترجعون إليه؟

د. فاضل: ليس حصراً، ترجع إليه ويمكن ترجع إلى غيره واللغة تحتمل.

المقدم: (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

د. فاضل: حصراً لا إلى غيره. هو ربكم حصراً ليس لكم رب غيره وإليه ترجعون حصراً لا إلى غيره فإذن ما اتخذتم من دونه من أرباب وما إلى ذلك هذا ليس شيئاً ولن يغني عنكم من الله شيئاً. (هو ربكم) توحيد ربوبية (وإليه ترجعون) حصراً لا إلى غيره،

المقدم: لا إلى نسر ويغوث ويعوق لا تنفع ولا تضر

د. فاضل: ليست أرباباً هو ربكم وحده، إليه ترجعون لا إلى غيره.

المقدم: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) نوح) هذه الآلهة. أول ناس عبدوا الأصنام قوم نوح؟

د. فاضل: فيما ذكر لنا في القرآن، هذا ما ذكر لا نعلم.

المقدم: هم أشركوا، هم عبدة أوثان وبالتالي يقول لهم هو ربكم توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

د. فاضل: قال لا تعبدوا إلا الله توحيد ألوهية وهو ربكم توحيد ربوبية وإليه ترجعون حصراً لا إلى غيره.

المقدم: يعني لا هذه الأصنام ولا غيرها تنفع ولا تضر

د. فاضل: هنالك أمر، هو قال (إنهم ملاقو ربهم) للذين ازدروهم وهنا قال (هو ربكم وإليه ترجعون) لم يقل تلاقوا ربكم أيضاً، اختلف التعبير. الملاحظ في القرآن أنه يستعمل (ملاقو ربهم) ونحو هذا التعبير لم يستعمله في الكافرين، يستعمله في المؤمنين فقط واستعمله مرة واحدة في عموم الإنسان. لكن للكافرين لم يستعمل ملاقو ربهم. إليه ترجعون عامة، قال في الصلاة (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) البقرة) راجعون عامة، في جنود طالوت (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) البقرة) ربنا خاطب المؤمنين (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) البقرة) وخاطب الإنسان (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) الإنشقاق) لكن لم يخص هذا الأمر بكافر، مرة واحدة خاطب عموم الإنسان

المقدم: على الإطلاق وإذا خصص يكون للمؤمنين فقط

د. فاضل: فقط. إليه ترجعون عامة ليس خاصاً بأحد، استعملها للعموم (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء) (وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) يس) (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) العنكبوت)

المقدم: هل هذه خصوصية استعمال قرآني مثلاً؟

د. فاضل: نعم خصوصية.

المقدم: هنالك بحوث في خصوصية الاستعمال القرآني؟ القرآن له خصوصية تغير لغة، يكسو بعض الكلمات دلالات معينة ويستخدم كلمات بدلالات محددة، هل هنالك من تناول هذا الموضوع؟

د. فاضل: عَرَضاً تأتي في أثناء البحوث.

المقدم: ما رأيكم أن نخصص حلقة في قابل الأيام أو مجموعة حلقات حول خصوصية الاستعمال القرآني وهي تحتاج لعلم غزير نفصل فيها القول نضرب أمثلة وأدلة وتعلم الباحثين كيف يبحثون في خصوصية الاستعمال القرآني هذه.

د. فاضل: إن شاء الله إذا ربنا يسّر.

المقدم: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35)) على من يعود هذا الكلام؟

د. فاضل: قيل إن هذا الكلام من قوم نوح هم الذين قالوا فتراه يعني افترى الوحي على الله كل هذا افتراه على الله، وقيل هذا كلام قريش معترض بين القصة، كلام قريش لسيدنا محمد جملة معترضة بين القصة، أثناء القصة التفت للمسألة قال (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) وفي آخر القصة ذكر (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا (49) هود) في أثناء القصة إلتفت لهم

المقدم: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي) وكأن هذا رد سيدنا محمد على قومه وهو ينبئهم عن قصة سيدنا نوح

د. فاضل: منطوق الآية يصلح لكل رسول، كل رسول كذبه قومه ورموه بالافتراء لماذا كذبوه قالوا يفتري على الله، يعني لماذا كذب الرسل هو ليس مرسل معناه أنه افترى على الله فإذن منطوق الآية يصلح لكل رسول كذبه قومه والرد يصلح لكل من قال ذلك، عموم لأصحاب الرسالات، لو قيل لسيدنا محمد فسيكون هذا الرد عليه

المقدم: لكن الموقف أو الموقع من آيات سيدنا نوح ربما يحتاج إلى نظر لأنه حينما أقرأها وأنا أحفظها أتصور أن هذا كلام سيدنا نوح

د. فاضل: لذلك هم قالوا، قسم ذهب إلى أن هذا في سياق قصة سيدنا نوح رموه بالافتراء فقال هذا الأمر  وقسم قال هي معترضة وتصلح للجميع

المقدم: عندما يقول (فَعَلَيَّ إِجْرَامِي) أي إجرام يقصد؟

د. فاضل:الافتراء، لو افترى على الله أليس هذا إجراماً؟

المقدم: بلى

د. فاضل: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي) الذي افترى على الله مجرم فعليه إثم ذلك، (فَعَلَيَّ إِجْرَامِي) يعني عليّ إثم الافتراء

المقدم: الافتراء في اللغة الكذب

د. فاضل: نعم الكذب

المقدم: لكن بدون أصل ولا دليل هكذا محض تأليف القصة هكذا، إذن افترى كلمة شديدة لها دلالة شديدة بالفعل، هو جالس خيّلت له بنات أفكاره ذلك!

د. فاضل: يفتري على الله الكذب.

المقدم: هنا قال (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ) لماذا لم يقل مثلاً من إجرامكم كما قال عليّ إجرامي؟ لماذا جاءت هكذا؟

د. فاضل: هم اختلفوا في معنى هذا التعبير. قسم قال أنا إن افتريته عليّ إثم ذلك وأنتم عليكم ما ترتكبون من الآثام والإجرام (وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ) لي عملي ولكم عملكم.

المقدم: أنا أتحمل افترائي وأنتم تتحملون افتراءكم

د. فاضل: أنا بريء مما أعمل وأنتم بريئون مما تعملون، قسم ذهب إلى هذا، كل واحد يتحمل نتيجة عمله إن أجرم فهو عليه الإثم إن افتريته فعلي إجرامي وأنتم أيضاً تتحملون إجرامكم. هذا الظاهر في معنى التعبير هذا. قسم ذكر ذكره مع الآخر يحتمل، قال لهم إن افتريته فعلي إجرامي لكن أنا بريء مما تدّعون ومما تجرمون في حقي، أنا بريء،

المقدم: من التهمة التي ألصقتموها إليّ

د. فاضل: وأنتم تجرمون في حقي تنسبون إليّ الافتراء

المقدم: المعنى جميل والآية تحتمل

د. فاضل: تحتمل معنيين،

المقدم: أنا إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء من إجرامكم

د. فاضل: أنا بريء مما تنسبون إليّ

المقدم: جميل، لفتة طيبة. أي المعنيين ترجح؟

د. فاضل: كلاهما. لكن يبقى السؤال لماذا قال (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ) وليس إجرامكم. هم رموه بأمر واحد وهو الافتراء على الله، هذا إجرام. لكنهم هم مستمرون في الإجرام ليس إجراماً واحداً وإنما هم مليئون بالإجرام ليس أمراً واحداً

المقدم: ولو قال أنا بريء من إجرامكم

د. فاضل: يعني أمر واحد

المقدم: إجرامهم كثير

د. فاضل: هم مستمرون في الكفر والتكذيب وما إلى ذلك

المقدم: ولهذا جاء بها بصيغة الفعل وليس إجرامي بالإسمية وتجرمون بالفعلية.

د. فاضل: أنتم رميتوني بأمر واحد

المقدم: وكأنه وقع محدد مجرد الافتراء كما يدّعون

د. فاضل: وأنا بريء مما يجرمون، هي ليست مسألة واحدة وإنما هي أمور كثيرة فلا يمكن أن يقول من إجرامكم.

المقدم: هذه المحاورات القرآنية تحتاج إلى تفصيل القول أكثر بالفعل اللفظة والمفردة والأحكام المتعلقة بها تتعلق عليها أحكام ليس مجرد رصف المباني هكذا للتعبير عن حالة دلالية معينة. إذن كل كلمة في القرآن عاشقى مكانها. هنا الأمر الإلهي يخبرنا ربنا تعالى (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36)) (وأوحي إلى نوح) لماذا جاءت بصيغة المبني للمجهول الذي لم يسمى فاعله مع أنه في موقف آخر يقول (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ (27) المؤمنون)؟

د. فاضل: لو نظرنا في قصة نوح في سورة المؤمنون توضح المسألة، في سورة المؤمنون هو دعا ربه لكي ينصرنه (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)) إذن هو دعا ربه فاستجاب له وقال (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) لأنه دعاه.

المقدم: الفاء هنا تعقيب؟

د. فاضل: تعقيب يعني مباشرة (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) من دعاه أجابه أوحى إليه، (رَبِّ انصُرْنِي)- (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ)، ما قال أُوحي إليه، من الذي أجابه؟ هو دعا ربه فقال فأوحينا

المقدم: قال فأوحينا بالمعلوم. وهنا قال (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ) مع أن الموحي واحد

د. فاضل: هو الآن مبني للمجهول لكن ناسب لما قال رب انصرني يعني هو يريد النصر من الله حصراً فقال فأوحينا، من دعاه أجابه،

المقدم: لكن هنا ليس هناك دعوة وبالتالي ليس هناك حوار

د. فاضل: ليس هناك دعوة. هذه فيها دعوة دعا ربه فاستجاب له، نادانا فاستجبنا له.

المقدم: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ (88) الأنبياء) داعه فاستجاب له، عندما يدعو يأتي بضمير الله سبحانه وتعالى لأنه يكلم الله سبحانه وتعالى

د. فاضل: فإذن السياق يوضح أنه عندما دعا ربه (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ) (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) أجابه هو،

المقدم: أيضاً وحي لكن ما جاء بالمجهول

د. فاضل: المقام مختلف,

المقدم: الحديث ربما يكون واحداً هو دعا ربه لكي ينقذه وأوحي إلى نوح فيها إنقاذ من الفيضان.

—–فاصل——-

المقدم: الموقف حالة إنقاذ من اله سبحانه وتعالى لسيدنا نوح فلماذا مرة يقول أوحينا ومرة أوحي؟

د. فاضل: الملاحظ أنه حيث جاء فعل أمر متصل بالإيحاء فعل أوحينا لا يبنيه للمجهول وإنما يذكر الفاعل في القرآن كله إذا جاء فعل أمر بعد فعل الإيحاء يذكر الفاعل مثلاً (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) الأعراف) ألقِ فعل أمر فقال أوحينا، (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) فعل أمر، (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) النحل) (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا (77) طه). (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة) لم يبنه للمجهول، (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) النحل). مطلقاً في القرآن الكريم حيث جاء فعل أمر بعد الإيحاء لا يبنيه للمجهول، هذه سمة في كل القرآن. وهنا نفس الشيء (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا (27) المؤمنون)

المقدم: جرياً على سنن القرآن في هذا

د. فاضل: في القرآن كله حتى لا نقول مصادفة.

المقدم: أحدهم يقول الكلام يتغير مع أن الموقف ربما يكون واحداً لكن الفعل متغير هو ما فهم القرآن!

د. فاضل: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ (1) الجنّ) لا يناقض هذا أن ربنا سبحانه وتعالى أوحي إليه.

المقدم: مع أن اللغة العربية تقبل هذا وتقبل ذاك، تقبل المعلوم والمجهول وإن كان الفعل حتى بعدها هل لنا أن نسأل لماذا يميل القرآن الكريم إلى صنع خصوصية خاصة به؟

د. فاضل: هو أيضاً لا شك أنه لما يذكر فعل أمر ربنا سبحانه وتعالى ربنا يذكر نفسه حتى نعرف من هو الآمِر

المقدم: إذن هذا مقصود لذاته. هنا قال ربنا (بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) هود) ومع يوسف قال (فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) يوسف) فما الفرق بين يفعلون ويعملون؟

د. فاضل: هو قال (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنََ) جاء بحرف الاستقبال حتى سد طريق الإيمان يعني انتهى الأمر، لا يؤمن أحد آخر (فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون) من استهزاء وتكذيب. يبقى السؤال في يوسف ذكر العمل (فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) يوسف). أيضاً من الملاحظ في القرآن أنه يستعمل الفعل (فعل) مع الإهلاك لم يستعمل الفعل (عمل)

المقدم: أهنالك فرق بين فعل وعمل؟ ألا يدل كلاهما على حدوث شيء؟

د. فاضل: فعل أعمّ من عمل. سواء كان بالنسبة لهؤلاء الذين يعاقبون أو لله سبحانه وتعالى عندما ينسب الفعل لنفسه. (أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا (155) الأعراف) لم يقل عمل. (أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) الأعراف) يستعمل فعل، في العقوبات وفي الإهلاك يستعمل (فعل) سواء هم فعلوا أو ربنا يستعمل لنفسه فعل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر) (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) الفيل) (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ (45) إبراهيم) (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) المرسلات) عامة، هذا في السياق كله.

المقدم: مع أننا لا نلتفت إلى فعل وعمل المهم كله شيء عمل وما حصل حصل

د. فاضل: نحن لا نلتفت ولكن هذه بلاغة القرآن وبيان القرآن.

المقدم: هنا يصدر الأمر الإلهي لسيدنا نوح عليه السلام (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)) ما معنى (بأعيينا ووحينا)؟

د. فاضل: نلاحظ أيضاً كيف بدأ؟ قال (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) هو بدأ بما فيه النجاة، صنع الفلك وقدّمه على مصير الظالمين (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) إذن قدّم نجاة المؤمنين (اصنع الفلك) هذه سبيل النجاة على مصير الظالمين

المقدم: يعني حكم لهذا بالنجاة ولهذا بالغرق.

د. فاضل: قدّم الفلك على الغرق، هذا في الحقيقة ظاهرة في القرآن الكريم يقدم نجاة المؤمنين على هلاك الكافرين. في آية أخرى قال (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا (64) الأعراف) ومع باقي الأنبياء أيضاً (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود) ومع شعيب (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود) يبدأ بنجاة المؤمنين لأنها أهم أولاً ليطمئن قلوبهم ويحفظهم ربنا لأنهم عزيزين عليه، يحميهم. يبقى السؤال (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) بأعيينا يعني برعايتنا وحفظنا. يبقى السؤال يقولون لماذا جاء بالجمع؟ يقولون للدلالة على تكثير الحفظ وديمومته، كثرة الحفظ والديمومة فجاء بالأعين جمع، (ووحينا) مفرد تعليم ما لك كيف تصنعها.

المقدم: الحفظ لك كثير في مقابل تبليغ هذا الوحي

د. فاضل: نعم، وقسم قال أعيننا يعني الملائكة لأنها تحفظ أيضاً (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ (11) الرعد)

المقدم: لكن الأمر صادر من الله تبارك وتعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) الكلام كله متصل لله سبحانه وتعالى

د. فاضل: (ووحينا) أي تعليمنا لك كيف تصنعها

المقدم: ليس وحي الرسالة التي يبلغها إلى قومه وإنما وحي كيفية صنع السفينة.

د. فاضل: نعم لأن (أعيننا) ينبغي أيضاً أن يحفظه من هؤلاء وهو يعمل قد يمنعونه من العمل قال (بأعيننا) نحن نحفظك و(ووحينا) نعلمك كيف تصنعها لأنها أول مرة يصنع الفلك

المقدم: لم يكن موجوداً قبل؟

د. فاضل: الظاهر لأنه لم يكن موجوداً من قبل.

المقدم: ولهذا سخروا منه ماذا يصنع في الفلك في الجبل! (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ) لماذا سماهم الذين ظلموا ولم يقل (فيهم) مثلاً؟

د. فاضل: لا تخاطبني يعني لا تراجعني فيهم لا تطلب إمهالهم لا تطلب تأخير العذاب عنهم

المقدم: هل كان من الممكن أن يطلب؟

د. فاضل: ممكن، مثلما فعل إبراهيم (قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا (32) العنكبوت)

المقدم: حتى قوله (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ (45) هود)

د. فاضل: يحصل يقول ربي لعلهم يؤمنون رحمة بهم فقال (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ). وذكر صفتهم ذكر الصفة التي تستدعي إهلاكهم.

المقدم: ظلموا من؟

د. فاضل: جعله مطلقاً لأنفسهم ولغيرهم ولذلك لم يذكر صفة معينة أو قيد معين، ظلموا عامة هذه صفتهم فهو ذكر الصفة التي تستدعي إهلاكهم وعقوبتهم لا تستدعي أن تستشفع فيهم ولو قال فيهم لكن لما ذكر الصفة

المقدم: يعني عدم الشفاعة في أي إنسان ظالم، يمكن تؤخذ على عموم اللفظ أم لخصوص السبب؟

د. فاضل: الظالم قد تدعو له بالهداية أو تطلب أن يُهلك الظالمين.

المقدم: وإذا كان الأمر أن الله سبحانه وتعالى قال (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ) أن الأمر منهي من قبل الله سبحانه وتعالى وحكم عليهم بالغرق قال (إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) لماذا لم يقل سأغرقهم؟

د. فاضل: كأن الأمر انتهى

المقدم: هو لم يحصل بعد وإنما سيحصل

د. فاضل: صحيح لكن الأمر انتهى فجاء بالإسم، كأن الأمر انتهى عند الله

المقدم: هو عندما يعبر بالإسم أو الفعل إني جاعل – إني سأجعل، سأغرقهم – إنهم مغرقون هل هناك فرق في هذا؟

د. فاضل: طبعاً الإسم يدل على الثبوت كأن هذا الأمر قد حصل

المقدم: بالإسمية أم الفعلية؟

د. فاضل: الإسمية.

المقدم: بالإسمية ثبوت وتحقق

د. فاضل: أنت تسأل فلاناً تقول هل تعتقد أن فلان سينجح؟ يقول لك هو ناجح لأنك أنت مطمئن أن هذا الأمر منتهي لا يُسأل عنه أصلاً

المقدم: وكأن (إنهم مغرقون) سبق الحكم وانتهت المسألة.

د. فاضل: انتهى الأمر هم مغرقون.

المقدم: لكن سأغرقهم ربما يكون فيه كلام أيضاً لم يحصل بعد

د. فاضل: لم يحصل بعد ولكن كأن الأمر انتهى. هو إسم الفاعل أحياناً يراد به الماضي وأحياناً يراد به المستقبل وأحياناً يراد به الحال

المقدم: مغرقون إسم مفعول أم إسم فاعل؟

د. فاضل: مغرقون إسم مفعول، هو هذه صفة إسم فاعل أو إسم مفعول تدل على الثبات والدوام وكأن الأمر حصل وانتهى. أنت تقول فلان سيخسر تجارتنا وهو خسران، هو خاسر كأن الأمر انتهى

المقدم: وكأن مقدمة أعماله توحي بإصدار الحكم هذا، سابقة أعماله لا تبشر بأي خير. سيدنا نوح حال ركوب السفينة مع الذين آمنوا كان يعلم نهاية الذين ظلموا؟

د. فاضل: طبعاً..

المقدم: تستمر القصة في الإخبار (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود) هنا قال (ويصنع) جاء الفعل بصيغة المضارع مع أن الفعل حدث في الماضي فلماذا؟

د. فاضل: نحن في أكثر من مناسبة سابقة ذكرنا أن هذا يسمى حكاية الحال، يعني تذكر أمراً ماضياً تذكره بالفعل المضارع تنقله إلى المشاهدين كأنما هو الآن,

المقدم: يحدث لحظة التكلم.

د. فاضل: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ (91) البقرة) وهم قتلوهم. ويذكر في السيرة لأن الأمر المهم يؤتى به بالفعل المضارع

المقدم: دلالة على استحضار الصورة وقت الحديث. مع أنه يتغير الفعل بعدها مباشرة (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ) مر بالماضي وليس يمر بالمضارع كما قال (يصنع)؟

د. فاضل: الآن يذكر الصنع لأنه هو مستمر بالصنع. حتى قسم قال التقدير أنه أخذ يصنع الفلك أو طفق يصنع الفلك هكذا يقدر قسم لكن عدم التقدير أولى، لماذا؟ لأنه لو قدرت أخذ يصنع الفلك ستحيله إلى بداية العمل (وَاصْنَعِ الْفُلْك)

المقدم: حينما كُلِّف به

د. فاضل: الآن أحاله إلى العمل المستمر وليس إلى ذات العمل

المقدم: هو دخل في العمل ومستمر فيه حتى هذه اللحظة. (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ) قال مر عليه وليس مر به مع أن القرآن الكريم يستخدم (مر به) (وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) المطففين) فلماذا يأتي بحرف الجر على مع الفعل مرّ؟ هل هي مر به أو مر على؟

د. فاضل: هذا الكلام يدل على أن سيدنا نوح لا يصنع في طريق المارة وإنما في مكان متنحي أخفض من المكان. مر على (على) للاستعلاء، هم يمرون من علو وهو متنح عنهم في مكان وهم يمرون عليه وهو يصنع وليس في الطريق (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) الصافات). بينما (وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) هم في مستوى مرور واحد.

المقدم: (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِه) ما هو جواب (كلما)؟

د. فاضل: قالوا يحتمل كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، كلما مر ملأ سخروا منه

المقدم: (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)

د. فاضل: هذه جملة استئنافية (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) قسم ذهب أنه كل ما مر عليه ملأ سخروا منه.

المقدم: والقسم الثاني؟

د. فاضل: كلما مر عليه من قومه سخروا منه – قال، يعني لما مر عليه ملأ من قومه ساخر قال إن تسخروا منا.

المقدم: يعني جواب كلما يمكن أن تكون سخروا منه ويمكن أن تكون قال إن تسخروا منا

د. فاضل: لكن المعنى سيتغير لأن الدلالة كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه يعني ملأ يسخر منه لكنه ليس بالضرورة أنه يرد على كل ساخر، ليس بالضرورة، أحياناً يتركهم وأحياناً يرد والجملة (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) استئنافية. والأخرى كلما مر عليه ملأ ساخر قال (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)

المقدم: يعني كلما مر عليه ملأ سخروا منه – قال إن تسخروا منا

د. فاضل: هو لا يترك ساخراً إلا ويرد عليه. يرد على كل واحد يسخر منه لكن ليس بالضرورة أن كلما مر ملأ يسخر منه.

المقدم: حضرتك تميل إلى أيها؟

د. فاضل: ربنا لو أراد أن يعين الجواب بالتحديد لقال كلما مر عليه ملأ من قومه يسخرون منه قال (إن تسخروا منا) لكن هذا التعبير يحتمل الأمرين، لماذا هاذ الشيء؟ هو أراد أمراً أنه لا يمر ملأ إلا سخر ولا يترك ساخراً إلا رد عليه وهذا لا يحتمل إلا هذا التعبير.

المقدم: جمع الإثنين بهذا التركيب

د. فاضل: لا يمر عليه ملأ  إلا سخر منه

المقدم: لو قال كلما مر عليه ملأ يسخرون منه

د. فاضل: ربما يكون هناك ملأ غير ساخر لكن التعبير يجمع الإثنين

المقدم: كل ملأ مر عليه لا بد أن يسخر منه

د. فاضل: وهو لا بد أن يجيب. لا يترك ساخراً إلا ورد عليه

المقدم: يعني عموم مرور الملأ والسخرية وعموم الرد منه على كل ساخر

د. فاضل: هذه التعبير يجمعها لو غير أي شيء أو جاء بتعبير يعين لا يجمع المعنيين والاثنان مقصودان.

المقدم: هل بنفس المنطق (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ) هل كان يمر عليه ملأ من غير قومه؟

د. فاضل: هو مرسل إلى قومه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (25) هود)

المقدم: هل كان هناك قوم غيرهم؟ أليس هو أبو البشر الثاني بعد أبينا آدم؟ في قوله تعالى (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) إن تسخروا جاء بصيغة المضارع مع أن الفعل حدث بالماضي حتى أنه قال (سخروا منه)

د. فاضل: هو قال (كلما) إذن معناه أنه لما قال (كلما) تفيد الاستمرار والدوام. قال إن تسخروا منا معناها دوام السخرية والاستهزاء وليس إن سخرتم، دوام السخرية والاستهزاء دائمون عليها.

المقدم: قال (قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا) مع أن قبلها قال (سَخِرُواْ مِنْهُ) لماذا لم يقل إن تسخروا مني؟

د. فاضل: هم كانوا إذا رأوه سخروا منه وإذا رأوا المؤمنين سخروا منهم سخروا من الجانبين فهو يرد على الكل

المقدم: وكأنه يذب عن المؤمنين. (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) لو قلنا أنها بصيغة المضارع لماذا لم يقل في المستقبل سنسخر منكم باعتبار أن الشيء سيحدث في المستقبل؟

د. فاضل: نسخر فعل مضارع يدل على الحال والاستقبال, محتمل أن المؤمنين يسخرون من الكافرين في الحال لأنهم لا يعلمون ماذا سيحيق بهم، هؤلاء يسخرون ولا يعلمون ماذا سيحيق بهم فهؤلاء أولى بالسخرية، ترى واحد يلعب ويلهو وأنت تعلم ما سيحيق به وهو لاهٍ عابث لا يعلم فهؤلاء يستحقون السخرية فهم يسخرون منهم الآن ويسخرون منهم في المستقبل ويسخرون منهم في جهنم.

المقدم: من آمن بنوح كانوا يعلمون أن الكافرين سيغرقون؟

د. فاضل: نعم نوح بلّغهم،

المقدم: ولهذا قال فإنا نسخر وليس سنسخر

د. فاضل: يسخرون منهم الآن وعندما يغرقون وفي جهنم.

المقدم: في المراحل لكها ولو قال سنسخر يخلصه للإستقبال؟

د. فاضل: للإستقبال

المقدم: ليس الآن. أيّ دقة هذه!

بُثّت الحلقة بتاريخ 12/3/2010م


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2121

الحلقة 230
الرابط علي الارشيف
http://www.archive.org/details/lamasat230

رابط جودة عالية
http://ia331217.us.archive.org/0/items/lamasat230/lamasat230.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia331217.us.archive.org/0/items/lamasat230/lamasat230.rmvb

mp4 رابط
http://ia331217.us.archive.org/0/items/lamasat230/lamasat230_512kb.mp4

رابط صوت
http://ia331217.us.archive.org/0/items/lamasat230/lamasat230.mp3

2010-03-13 08:48:01الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost