لمسات بيانية, لمسات بيانية - حلقات

لمسات بيانية – الحلقة 27

اسلاميات

الحلقة 27

تابع سورة الحديد

(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21))

نظرة عامة على الآية: قال الله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) بعد أن ذكر الدنيا ومآلها في الآية السابقة (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) وجهنا ربنا سبحانه وتعالى إلى المسابقة في الخير. لأن كانت هناك مسابقة دنيوية اللعب فيه نوع من المسابقة وهناك مسابقة في التفاخر واللهو والزينة والتكاثر هو تباري ومسابقة فبدل هذه المسابقة في أمور الدنيا التي ستكون حطاماً ألا أدلكم على ما هو خير من ذلك؟ وهو المسابقة إلى طلب المغفرة وإلى الجنة فقالوا (سابقوا) بدل تلك المسابقة في الدنيا من اللعب والتفاخر والتكاثر فقال ألا أدلكم على أفضل من هذه المسابقات التي ستكون حطاماً نسابق إلى مغفرة من ربنا والمسابقة إلى الجنة (أعدت للذين آمنوا) ثم قال (ذلك فضل الله) إذن أمرنا ووجهنا إلى المسابقة في الخير إلى مغفرة من الله سبحانه وتعالى. هكذا تكون المسابقة وليست المسابقة في اللعب واللهو والتفاخر.

سؤال من المقدم: هذه الآية تتعلق بما قبلها ففي هذه الآية قال (مغفرة من ربكم) وفي الآية قبل قال (مغفرة من الله) ؟

هنا أمر عباده المؤمنين ووجههم إلى المسابقة وهو ربهم والرب هو الموجه والمرشد إلى ما هو خير فقال (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) والمعلم والقيم أما الله فهو لفظ الجلالة تأتي من العبادة، المعبود. الله إسم العلم الذي يُعرف به سبحانه وتعالى والباقي صفات (الرحمن الرحيم) هذه صفاته، المقصود بالاسماء الحسنى صفاته. الله تعالى له صفات كالرحمن صفة من صفاته واسم له لكن اسمه العَلَم الله.

الفرق بين الإسم والصفة؟ اسم العلم هو ما يسمى به الشخص وفي أسماء العلم في الدنيا هو ما أطلقه عليه أبويه في الدنيا أما الصفة فهو ما يتصف به كأن تقول الشارع أو الفقيه هذا ليس اسم علم. إسم العلم قد يكون مرتجل يعني يُطلق هذا وليس منقولاً من وصف وقد يكون منقولاً من وصف (كريم، فاضل، محمد) منقول من وصف أو من مصدر أو من وصف آخر أما المرتجل فسمي هكذا. الله هو إسم لله تعالى لما تقول منقول يجب أن يكون منقولاً عن شيء آخر  منقول من صفة أو من إسم جنس مثل أسد وذئب. المرتجل أُطلق عليه ابتداء. حتى لو كان لكلمة الله اشتقاق (أكثر اللغويين على أنها مأخوذة من أله وقسم يقول بمعنى تحير، هو الإله والمعبود ثم سقطت الهمزة أصلها الإله المعبود معرّفة بـ أل سقطت الهمزة وأدغمت اللام باللام وصارت الله) ويدل على أنها في الأصل معرفة بأل أنها لا تنون مع أنها ليست ممنوعة من الصرف (الممنوع بالصرف يجر بالفتحة)، المنصرِف ينوّن وهذه ليست منونة فهي في الأصل معرّفة . الرب معناها المربي والمالك ونقول رب الدار (إنه ربي أحسن مثواي) لأن الرب قد يقال للشخص فهو المربي والسيد والمرشد والقيم والمالك.

قال من ربكم لأنه أمر عباده ووجههم وأرشدهم إلى ما فيه خير أما هناك فليس خطاباً لأحد (كمثل غيث) ليس خطاباً وإنما هو وصف للدنيا (ومغفرة من الله) هذا وصف وليس خطاباً. أما الأخرى فهو توجيه وخطاب ومسابقة (مغفرة من ربكم) هذا أمر وهناك وصف للدنيا الطبيعي أن يقول مغفرة من الله لأنه لا يخاطب أحدنا (كمثل غيث) ليس خطاباً أما (مغفرة من ربكم) فيها خطاب لأنه مضافة إلى ضمير المخاطبين (كم). الهدف واحد لكن في آية مخاطبين والثانية كلام عام وصف للدنيا.

سؤال من المقدم: ألا يظن أحدهم أن هناك والعياذ بالله من يسمى الله ومن يسمى الرب؟

الله هو الرب (الحمد لله رب العالمين) هذه من أسمائه وصفاته التي تذكر، الرحمن الرحيم هل نقول أنه واحد آخر وإذا قلنا الرزاق أو الرحمن أو غيره هل يكون هناك 99 إلهاً.

سؤال من المقدم: في هذه الآية قال تعالى (سابقوا) وقال( وسارعوا) في آل عمران؟

هذا ذكرناه قبل سنوات وأشرنا إلى هاتين الآيتين في سؤال ويعاد السؤال الآن مرة أخرى وهناك أكثر من اختلاف في الألفاظ. آية الحديد (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)) وآية آل عمران (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134))

المفارقة ليست بين سابقوا وسارعوا فقط وإنما في الآية كلها فهو قال (كعرض السماء) في آية الحديد جاء بكاف التشبيه والسماء مفردة وفي آل عمران لم يأت بكاف التشبيه وقال السموات جمع. في آل عمران قال أعدت للمتقين وفي الحديد قال للذين آمنوا بالله ورسله. ثم أضاف في آية الحديد (ذلك فصل الله يؤتيه من يشاء). إذن ليست مسألة سابقوا وسارعوا فقط.

الحديد

آل عمران

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ

عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ

أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ

ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ

عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

سابقوا وسارعوا: المسارعة أنت قد تسارع بنفسك إلى الأمر (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ (90) الأنبياء) أما المسابقة فتقتضي أكثر من واحد حتى تكون مسابقة. لا بد أن يكون أكثر من متسابق. المسارعة قد تكون لوحدك أنت تسارع إلى الامتحان لكن المسابقة تسابق غيرك للوصول إلى المركز الأول. المسارعة سرعة أما المسابقة هي سرعة وزيادة.

(كعرض السماء) (عرضها السموات والأرض): قدّم المغفرة على الجنة لأن المغفرة تسبق دخول الجنة. ما الفرق بين السماء والسموات؟ إذا عرفنا الفرق نفهم التشبيه لِماذا حصل. السماء في القرآن وفي اللغة إما أن يكون واحدة السموات السبع (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ (5) الملك) السموات السبع كل واحدة منها تسمى سماء السماء الأولى إلى السابعة. والسماء قد يقال لكل ما علاك فالسحاب يسمى سماء (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء (22) البقرة) الجو (أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء (79) النحل) السقف سماء بنصّ القرآن (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) الحج) إلى سقف بيته (السبب هو الحبل) من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليخنق نفسه فالسقف سماء. (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء (125) الأنعام) فضاء، السحاب قال (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء (48) الروم). كل ما علا الإنسان فهو سماء لا يشترط أن يظلّك. إذن السماء إما أن تكون واحدة السموات السبع وإما أن تكون لكل ما علاك. الأوسع هي السماء لأن السموات ستكون قسماً من السماء (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (75) النمل) (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) الأنبياء) لكن قال (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (6) الفرقان) لأن القول فيه سرٌ وعلن يعني قلت في نفسي يصير سراً فالقول أوسع من السرّ (وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ (8) المجادلة) هذا سر وعلن فلما قال يعلم القول قال في السماء لأنها أوسع لما قال السر وهو جزء قال السموات.

كعرض السماء وعرضها السموات. السماء أوسع من السموات فجاء بكاف التشبيه (كعرض السماء) هي مشبّهة كعرض السماء لأن السماء أوسع بكثير من السموات فجاء بكاف التشبيه لأن المشبه دون المشبه به. المشبه هو الجنة والمشبه به السماء والأرض فلما اتسعت اتساعاً هائلاً جداً شبّه ولما حدّد لم يحتاج التشبيه. في آل عمران (عرضها السموات والأرض) فعلاً عرضها السموات والأرض هكذا أخبرنا تعالى أن الجنة عرضها عرض السموات والأرض. يعني جنة آية الحديد أوسع من جنة آل عمران.

في آية الحديد أعدت الجنة للذين آمنوا بالله ورسله وهم أكثر من المتقين التي ذكرت في آل عمران. المتقين جزء من الذين آمنوا بالله ورسله فلما اتسع العدد استعمل الكثير (السماء). ليس كل الذين آمنوا بالله ورسله من المتقين. لم يقل وعملوا الصالحات وإنما قال (الذين آمنوا بالله ورسله) هذا فضل عظيم قال الذين آمنوا بالله ورسله أما في آل عمران فهي أخص لأنه لم يقل فقط المتقين وإنما المتقين الذين ينفقون (أعدت للمتقين) لما اتسع الخلق المكان يجب أن يتسع (السماء) لما خصص المتقين خصص (عرضها السموات).

أيها فيها تفضل أكثر؟ أن يدخل عموم الذين آمنوا بالله ورسله أم المتقين؟ الذين آمنوا فقال ذلك فضل الله لأن الفضل كبير جداً أدخل الجنة كل من آمن بالله ورسله فقال (ذلك فضل الله).

نلاحظ قال سابقوا وهي المسارعة وزيادة، وقال السماء وهي السماوات وزيادة وقال الذين آمنوا وهي المتقين وزيادة وزاد ذلك فضل الله. في آل عمران خصص المتقين وقال الذين ينفقون فضيّق الدائرة وهذه لها علاقة بما قبلها لأنه في آل عمران طلب الأمر بالتقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)) فناسب (أعدت للمتقين)، قال قبلها اتقوا الله واتقوا النار فقال أعدت للمتقين. (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) وقد نهى عن أكل الربا (لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) ثم قال المتقين الذين ينفقون بعكس آكل الربا (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) هذا يأخذ من الناس وهذا ينفق في السراء والضراء لما تقدم الأكل على الربا لأن الأكل هو الأخذ من الناس والذي ينفق هو يعطي الناس. المؤمنون ينفقون في الشدة حتى في السراء والضراء وآكل الربا يأخذ مال الذي وقع في الشدة، يأكل من مال من وقع في الشدة واضطر للإستدانة وهذا ينفق في شدته ورخائه.

سؤال من المقدم: في القرآن نجد اتقوا الله واتقوا النار؟ فكيف نتقي الله؟

نحمي أنفسنا من الله (وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة) يجب أن نحاذر من عقابه نبتعد عن محارمه وأصل التقوى الحذر شبهوها بالذي يمشي في أرض مشوكة يحذر يشمر ثيابه ويتحسس موقع أقدامه. والتقوى أن لا يراك مولاك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك. أن نأتمر بالأوامر وننتهي عن النواهي.

سؤال من المقدم: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)) هل هناك من رابط بين هذه الآية وما سبقها؟

قبلها تكلم عن الحياة الدنيا تكون حطاماً، هذه مصيبة وهنا وجهنا إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة في (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهذه المصيبة التي وقعت في الأرض لما قال (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) كلها أصبحت حطاماً وقعت في النفس وفي الأرض إذن هذه مصائب وقعت في الأرض والأنفس وذكر الأموال وذكر الأنفس. فذكر أن كل مصيبة تقع في الأرض وفي الأنفس وتحل إلا هي مدونة مكتوبة قبل أن تقع وهي يسيرة على الله سبحانه وتعالى. كل ما أصابكم وما يصيبكم في المستقبل، ما أصاب من مصيبة في الأرض من كوارث وما إلى ذلك وفي الأنفس إلا مدونة مكتوبة كتبها ربنا عنده في كتاب (الكتاب هنا اللوح المحفوظ الذي كتب فيه ما كان وما سيكون إلى يوم الدين). كلها مدونة في كتاب قبل أن تقع لذا ينبغي أن نوجه أنفسنا إلى أمر آخر وهو المسابقة إلى الآخرة حيث لا مصيبة لا تقع فيها مصائب ولا يقع فيها شيء إذن هي مرتبطة بالآيتين التي قبلها. فقال لنا ما حلّت وما وقعت من مصيبة في الأرض ولا في الأنفس إلا وهي مدونة فلِمَ التأسف؟، قبل أن نخلقها، قبل أن نوجدها، من قبل أن نبرأها.

سؤال من المقدم: قال (ما أصاب) هل أصاب بمعنى حل أو وقع؟

القرآن لا يستعمل مع المصيبة إلا أصاب ولم يستعمل فعلاً آخر لم يقل وقعت مصيبة أو حلّت مصيبة إنما يستعمل أصاب ومتصرفاتها ما تصرّف منها. أصاب أصلها من الإصابة والإصابة أصلها ضد الخطأ (أصاب فلان الهدف أي لم يخطئه، أصاب فلان في كلامه أي لم يخطئ) رب العالمين بين لنا أن المصائب هي مقدرة وقد أصابت موقعها المقدر لها لم تخطئه. لا تتصور أن هذه المصائب وقعت عشوائياً وإنما اصابت موقعها المقدر لها لم تخطئه فلم الأسى؟ إن يستعمل أصاب ولم تقع عشوائياً ولا تؤدي حلّت أو وقعت هذا المعنى. لكن أصابت أي أصابت موقعها المقدّر لها لم تخطئه.

سؤال من المقدم: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ) قدم المصيبة في الأرض على النفس؟

الأرض هي مقدمة من حيث الخِلقة، الأرض تسبق لأن الأرض مهيأة لمن عليها من الأشخاص والمصائب في الأرض قبل أن تقع في الأنفس، المصائب في الأرض هي تقع فيها كوارث من فيضانات وغيرها قبل أن يوجد البشر إذن المصيبة في الأرض أسبق من مصيبة الأنفس ولذلك قدمها (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ) قدم الأرض لأنها وقعت قبل الأنفس.

ما فائدة (من)؟ هذه تسمى في اللغة مِنْ الاستغراقية التي تستغرق كل ما دخلت عليه. (وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ (62) آل عمران) استغرقت جميع الآلهة. (أن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ (19) المائدة) تستغرق كل ما دخلت عليه. لما تقول ما جاءني رجل فيها احتمالين أنه ما جاءك رجل وإنما رجلين أو أكثر وما جاءني رجل أي واحد من هذا الجنس أما ما جاءني من رجل تستغرق الجنس بكامله لم يأتك لا واحد ولا أكثر من هذا الجنس. ما أصاب من مصيبة أي أي مصيبة كبيرة أو صغيرة لم يشذ عنها مصيبة واحدة فيما يحدث في كل الدنيا لا يمكن أن تقع مصيبة إلا وهي مدونة في كتاب وخارج الكتاب لا تقع وهذا على سعة علم الله وإحاطته بالأشياء صغيرة أو كبيرة حيثما وقعت هي مدونة مكتوبة في كتاب من قبل أن تقع.

سؤال من المقدم: في الحديد قال (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ) وفي الشورى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30))؟

(أصاب) مطلق لم يقيدها بمصاب معين، (ما أصاب) لا قيّدها في مكان ولا في شخص، بينما (ما أصابكم) هناك مخاطبين لا تتعلق بالأرض فهي للمخاطبين تحديداً لأنه قال (فبما كسبت أيديكم) لما قال فبما كسبت أيديكم خصصها فذكر المصائب التي تصيبنا بما كسبت أيدينا, لما قال ما أصابكم عندما خصص قال بما كسبتم أيديكم لما خصص خصص وفي الثانية أطلق فقال أصاب لم يقل بما كسبت أيديكم (ما أصاب) وعندنا في آية أخرى في التغابن (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (11)). (ما أصابكم) خاصة و(ما أصاب) عامة مطلقة.

سؤال من المقدم: في الحديد (مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) لماذا لم يقل من قبل أن تقع؟

في الآية يدل على العلم والقدرة لما قال (إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) دل عل علمه وقدرته . نبرأها يعني نوجدها وهي أحد معاني الخلق. الخلق له معاني وقد ينسب إلى الإنسان تقول خلقت هذا الشيء كما قال عيسى (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ (49) آل عمران) يأتي بمعنى التصوير. بمعنى من المعاني الخلق يعني الإيجاد. قال نبرأها بدل نوجدها. الله تعالى يستعمل إسم البارئ بمعنى الخالق. لم يقل من قبل أن تقع لأن هذه الآية تدل على العلم والقدرة: االعلم أنه في كتاب و (من قبل أن نبرأها) أي هو الذي أوجدها إذن دل على علمه وقدرته ولو قال من قبل أن تقع دل على علمه فقط ولا يدل على القدرة. نبرأها هو الذي أوجدها فيها علم وقدرة، علِم بها فدوّنها وأوجدها فيها قدرة. لو قال من قبل أن تقع لا تدل على القدرة وإنما على العلم فقط. لما قال من قبل أن نبرأها دل على العلم والقدرة وتدل على التوحيد إذا كان يبرأها كلها فأين الآلهة الأخرى التي يزعمون؟ يدل على القضاء والقدر لأنها مدونة في كتاب ويدل على التوحيد ونفي الشرك.

ضمير النصب في نبرأها على من يعود؟ المصيبة أو الأنفس أو الأرض؟ يعود على جميعها قبل خلق الأنفس والأرض والمصيبة وهذا علم عظيم، عندما قال من قبل أن نبرأها أطلقها. لا يمكن أن يقول نبرأهم لأنها للذكور للعقلاء ولا نبرأهنّ تعني ثلاثة، لكن نبرأها أكثر لأن ضمير غير العاقل لو عندنا ضمير غير عاقل في الجمع الجمع القليل نأتي بضمير الجمع وللقليل نأتي بالإفراد. مثال (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (36) التوبة) قال منها لم يقل منهن (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) لما قال أربعة قال فيهن بضمير الجمع ولما قال اثنا عشر قال منها وجاء بالإفراد. إذا كان الضمير لغير العاقل إذا كان كثيراً نأتي بضمير الإفراد وإذا كان قليلاً أي أقل من عشرة نأتي بضمير الجمع. العرب لما يؤرّخون يقولون: لثلاث خلون، لأربع خلون، لإحدى عشرة ليلة خلت، لما يتجاوز العشرة يقولون خلت.

ضمير الفاعل للتعظيم (النون في نبرأها جمع التعظيم) جاء بعدها بالمفرد (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ما قال علينا وهذا تعبير في القرآن حيث يذكر ضمير التعظيم في جميع القرآن يأتي بعده أو يسبقه ما يدل على الإفراد. ليس في القرآن موطن فيه ضمير التعظيم إلا أن يكون قبله أو بعده ما يدل على الإفراد. (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) هذا في جميع القرآن حيث ذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو أن يأتي بعده ما يدل على الإفراد.

سؤال من المقدم: إن ذلك على الله يسير ما فائدة التقديم؟

هذه للحصر أي على الله يسير حصراً لو قال يسير على الله قد يكون يسيراً على غيره لما تقول هذا هيّن عليّ هذا ليس حصراً هين عليّ قد يكون هين على غيرك. (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ (9) مريم) أي حصراً وفائدة التقديم الحصر لا يكون يسيراً على غيره.

أسئلة المشاهدين خلال حلقة 21/5/2007م:

  1. في سورة المؤمنون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (24)) وكأن الذين كفروا هم القليل لأن الملأ هم أقل من القوم ولكن الذين آمنوا به هم القليل. وفي آية أخرى قال (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (33) المؤمنون) ما الفرق بين قومه الذين كفروا والملأ الذين كفروا من قومه؟

  2. يغفر لكم ذنوبكم في الأحقاف (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)) هذه عن الجن وهم من أمة محمد؟ أنا قلت ذنوبكم خاصة بأمة محمد ومن ذنوبكم عامة للجميع وتكون بحسب العمل الذي تعمله يمكن أن تغفر بعض الذنوب.

بُثّت الحلقة بتاريخ 21/5/2007م

2009-01-20 15:07:46الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost