تابع سورة لقمان
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5))
(يقيمون الصلاة) أداؤها على الوجه الأتم إقامة الصلاة هي أداؤها على الوجه الأتم وهي من الإحسان إلى النفس وإيتاء الزكاة من الإحسان إلى الغير. وذكر الإيقان بالآخرة وهو مدعاة إلى الإحسان إلى النفس وإلى الغير لأن الذي يوقن بالآخرة يحسن إلى نفسه بإصلاحها ويحسن إلى الغير. (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وفي آية البقرة قال (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) أي هنا كرر هم قبل (بالآخرة) ذلك أنه لو لاحظنا في سورة لقمان تردد في السورة ذكر الآخرة وأحوالها والتوعد بها في زهاء نصف عدد آيات السورة وأولها وآخرها (لهم عذاب مهين، فبشره بعذاب أليم، لهم جنات النعيم، عذاب غليظ، إليه المصير، مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِه) في زهاء نصف آيات السورة يتعرض للآخرة وأحوالها ثم هي بدأت بالآخرة (يوقنون) وانتهت بالآخرة بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (34)) فناسب زيادة (هم) توكيداً على طابع السورة وما جاء في السورة. إضافة إلى أن هؤلاء ذكر أنهم محسنون والمحسنون كما علمنا أنهم يحسنون إلى أنفسهم وإلى غيرهم وزاد فيهم هدى ورحمة وليس كما في البقرة المتقين الذي يحفظ نفسه. فزاد في وصف هؤلاء الذين يعبدون الله كأنهم يرونه وهذا من الإحسان “أن تعبد الله كأنك تراه” زاد في ذكر إيقانهم ويقينهم لما كانوا أعلى مرتبة وزاد لهم في الرحمة وزاد لهم في الآخرة (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26) يونس) زاد في ذكر إيقانهم فقال (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) هم أعلى في اليقين لأن اليقين درجات والإيمان درجات (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا (2) الأنفال) فالإيمان يزيد والاطمئنان درجات واليقين درجات والمحسنين يبعدون الله كأنهم يرونه إذن درجة يقينهم عالية فأكد هذا الأمر فقال (وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) فأكدها على ما ذكر في سورة البقرة (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) .السورة والآية كلها يختلف ويستدعي ذكر الزيادة. لكن الملاحظ أنه في البقرة وفي لقمان قدم الجار والمجرور على الفعل (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) لم يقل وهم يوقنون بالآخرة. الأصل في اللغة العربية أن يتقدم الفعل ثم تأتي المعمولات الفاعل والمفعول به والمتعلق من جار ومجرور والتقديم لا بد أن يكون لسبب وهنا قدم (وبالآخرة) وكذلك في البقرة (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) لأن الإيقان بالآخرة صعب ومقتضاه شاق أما الإيمان بالله كثير من الناس يؤمنون بالله لكن قسم منهم مع إيمانه بالله لا يؤمن بالآخرة مثل كفار قريش (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ (32) الجاثية) (إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) سبأ) (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) النمل) وهم مؤمنون بالله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25) لقمان) إذن هم مؤمنون بالله لكن غير مؤمنين بالآخرة ولذلك هنا قدم الآخرة لأهميتها فقال (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الإيمان بالله كأنه متسع لكن اليقين بالآخرة ليست متسعة والتقديم هنا للإهتمام والقصر.
(أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
(أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) واقتران لفظ الرب مع الهداية اقتران في غاية اللطف والدقة لأن الرب هو المربي والموجه والمرشد والمعلم، هذا الرب في اللغة. لم يقل على هدى من الله وإنما قال على هدى من ربهم وفيها أمران: يمكن أن يقال هدى من الله لأن الله لفظ الجلالة إسم العلم كل الأمور تنسب إليه يصح أن تُنسب إليه بإسمه العلم وأحياناً تنسب إلى صفاته بما يناسب المقام، ينسب لله ما يشاء وكلها تنسب لإسمه العلم ولكن هناك أشياء من الجميل أن تنسب إلى صفاته سبحانه وتعالى مثل أرحم الراحمين، الرحمن الرحيم فهنا قال على هدى من ربهم والرب في اللغة هو أصلاً المربي والموجه والمرشد فيناسب اللفظ مع الهداية واختيار لفظ الرب مع الهداية كثير في القرآن وهو مناسب من حيث الترتيب اللغوي (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه) (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء) (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (161) الأنعام) كثيراً ما تقترن الهداية بالرب وهو اقتران مناسب لوظيفة المربي. إضافة إلى أن ربهم أمحض لهم بالنصح والتوجيه والإرشاد وإفادته هو. (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) لا شك أن ربهم يهدهم فيه إخلاص الهداية وإخلاص التوجيه ورب الإنسان يعني مربيه أخلص له من غيره، هناك دلالة لطيفة بين الرب والهدى وبين بالإضافة ربهم هم، لو استعمل إسم العلم ليس فيه علاقة بهم وإنما عامة لكن على هدى من ربهم لا شك أن ربهم هو أرحم بهم وأرأف بهم لذا فاختيار كلمة رب مناسبة مع الهداية. ثم إضافته إليهم أمر آخر أنه أرأف بهم وأرحم بهم “على هدى من ربهم هم” لأن ربه هو أرأف به وأرحم به وأطلب للخير له. الهدى مقترن بالرب وفيه من الحنو والإرشاد والخوف على العباد ثم إضافة الضمير (ربهم) هذا فيه أن الله يحبهم ويقربهم إليه وفيه من الحنو والنصح والإرشاد والتوجيه ولا شك أن رب الإنسان أحنى عليه. وناك أكر إلتفت إليه الأقدمون: قال تعالى (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) يستعمل مع الهداية لفظ (على) بعكس الضلال يستعمل لها لفظ (في ) (لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) يوسف) هذا ملاحظ في القرآن الكريم (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4) يس) (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) النمل) ويستعمل في للضلال (إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47) يس) وليس فقط في الضلال وإنما ما يؤدي إلى الضلال (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) التوبة) (فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) يونس) كأن المهتدي هو مستعلي يبصر ما حوله ومتمكن مما هو فيه مستعلي على الشيء ثابت يعلم ما حوله ويعلم ما أمامه أما الساقط في اللجة أو في الغمرة أو في الضلال لا يتبين ما حوله بصورة صحيحة سليمة لذا يقولون يستعمل ربنا تعالى مع الهداية (على ) ومع الضلال (في).
(وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أولاً جاء بضمير الفصل (هم) وجاء بالتعريف (المفلحون) لم يقل أولئك مفلحون ولم يقل هم مفلحون وإنما حصراً إن هؤلاء هم المفلحون حصراً ليس هنالك مفلح آخر. أولئك الأصل إسم الإشارة من الناحية الحسة المحسوسة إذا لم نرد المجاز أن أولئك للبعيد وهؤلاء للقريب هذا الأصل مثل هذا وذلك. ثم تأتي أمور أخرى مجازية كأن هؤلاء أصحاب مرتبة عليا فيشار إليهم لعلو مرتبتهم بفلاحهم وعلة مرتبتهم بأولئك إشارة إلى علو منزلتهم وعلو ما هم فيه فالذي على هدى هو مستعلي فيما يسير هو مستعلي أصلاً فيشار إليهم بما هو بعيد وبما هو مرتفع وبما هو عالٍ ثم حصر الفلاح فيهم قال (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حصراً فمن أراد الفلاح ولا شك أن كل إنسان يريد الفلاح. والذي يؤمن بالآخرة يؤمن بكل شيء وبكل ما يتعلق بذلك وهي ليست كلمة تقال. وذكر ركنين أساسيين واحدة في إصلاح النفس وواحدة في الإحسان إلى الآخرين: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فإقامة الصلاة هي أول ما يسأل عنه المرء ولذلك هو قال (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حصراً لا فلاح في غير هؤلاء ومن أراد الفلاح فليسلك هذا السبيل أن يكون على هدى من ربه إذا أراد الفلاح عليه أن يكون على هدى من ربه وليس وراء ذلك فلاح.
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ما قالها في لقمان وقال في البقرة (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) ولم يقلها في لقمان، وقال في لقمان (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة) وفي البقرة قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وهذه أعم من الزكاة والزكاة من الإنفاق فإذن مما ينفقون تحت طياتها الزكاة. (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وهذا متعلق بالسورة نفسها كما ذكرنا أن في لقمان شاع فيها تردد اذكر لآخرة وهنا جو السورة ومفتتح السورة غالباً ما يكون له علاقة بطابع السورة من أولها إلى نهايتها. في سورة البقرة، قال (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وبعدها قال (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) هذا من الغيب لم يؤمنوا لا بالله ولا باليوم الآخر. وقال على لسان بني إسرائيل (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55)) إذن هم لا يؤمنون بالغيب وطلبهم عكس الغيب لذلك هو قال (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وليس مثل هؤلاء الذين يقولون آمنا وما هم بمؤمنين ولا مثل هؤلاء الذين طلبوا أن يروا الله جهرة بينما في لقمان قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25)) إذن هم مؤمنون بالغيب وقال (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ (32) لقمان) إذن هم دعوا الله، يختلف الطابع. الطابع العام في سورة البقرة الإيمان بالغيب وطلب الإيمان أو الإنكار على عدم الإيمان بالغيب بينما في لقمان الإيمان بالغيب حتى الذين كفروا قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) إذن يؤمنون بجزء من الغيب بينما أولئك في سورة البقرة ينكرون (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذه ليست إيماناً بالغيب وربنا يريد الإيمان بالغيب. ونلاحظ قال (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وفي البقرة قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) لأن تكرر في البقرة وذكر عدا الزكاة الإنفاق 17 مرة في البقرة وذكر الزكاة في عدة مواطن وذكر الإنفاق (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (261)) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى (262)) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً (274)) 17 مرة تكرر الإنفاق عدا الأمر بالزكاة في البقرة فإذن هذا أعم. في لقمان ما ذكر الإنفاق فطابع السورة يختلف. حتى (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) لم يقل هذا في لقمان لأنه في البقرة جرى هذا وطلب من أهل الكتاب أن يؤمنوا بما أُنزل إليه وما أنزل من قبلك في آيات كثيرة جداً (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ (41) البقرة) إذن يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وهؤلاء لم يؤمنوا (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ (75)) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا (76)) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ (91)) هم لا يؤمنون بما أُنزل إليه بينما هو طلب يؤمنون بما أنزل إليك وحتى في آخر البقرة قال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)) طابع السورة هكذا وفي لقمان لم يجد مثل هذا أصلاً ولذلك مفتتح سورة البقرة فيها طابع السورة موجود في مفتتح سورة البقرة.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6))
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هل يشتريه بغير علم؟ أو ليضل بغير علم؟ المفسرون قالوا قسم منهم قال يشتري بغير علم بالتجارة لا يعلم ماذا يشتري هل هو في صالحه أم لا؟ لأن الإنسان لما يشتري يشتري شيئاً لصالحه وهذا لم يشتري لصالحه شيء هو المفروض أن يشتري ما فيه نفع له لكن ما يشتريه ليس في صالحه وإنما سيورده موارد الهلكة والمفروض أن يشتري الحكمة وليس الأساطير والخرافات فإذا أراد أن يشتري المفروض أن يشتري ما فيه نفع له وللناس، فإذن قالوا هو يشتري من غير علم بالتجارة وماذا ستؤول إليه هذه البضاعة هل تؤول إلى صالحه؟ هل تؤول إلى ما فيه خير؟ إلى فلاحه في الدنيا والآخرة؟ أم هو كلام ليس فيه فائدة وفيه خسارة له في الآخرة؟. يشتري بغير علم بالتجارة وغير بصيرة بها. كان أفضل لو اشترى ما فيه حكمة وما فيه منفعة. وقسم قالوا ليضل الناس بغير علم وهو لا يعلم ماذا يتكلم؟ هو يضل الناس ولا يعلم ماذا يفعل؟ فهو يضلهم وهو لا يعلم ماذا يفعل وحتى لو علم فهذا ليس في صالحه لأنه أدى إلى إضلالهم وتكون عاقبة من أضل عليه ويحمل وزره ووزر من اضلهم (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (25) النحل). إذن هل المقصود يضل الناس بغير علم هو لا يعلم طريق الهدى فكيف يهديهم؟ إذن هو يضلهم عن سبيل الله. إذن قسم قالوا يشتري بغير علم لا يعلم ماذا يشتري غير بصير بالتجارة وقسم علقه يضل الناس بغير علم فأضلهم وهو لا يعلم ماذا يفعل وأنا أميل إلى أنه من التنازع أي الاثنين معاً أي يشتري بغير علم ويضل بغير علم وهذا باب في النحو التنازع يعني مثل يسبحون ويحمدون الله أي يسبحون الله ويحمدون الله، أكرمت وأعطيت زيداً فعلان يتنازعان على واحد المفروض أكرمت زيداً وأعطيت زيداً، هذا تنازع. إذن يشتري بغير علم ويضل بغير علم كلاهما وباب التنازع موجود في النحو كثيراً. كون أكثر من فعل أو أكثر من إسم يشتركان في متعلق واحد وفي معمول واحد يصير هناك تنازع “حضر وسافر محمد”، الكلام فيه كثير في اللغة. بغير علم مرتبطة بمن يشتري ومن يضل كليهما وتكون معمولة لكليهما ولهذا سموه تنازعاً لأن الفعلين يتنازعان مفعولاً واحداً، لما تقول أعطيت وأكرمت زيداً (زيداً) مفعول به للفعلين إذن بغير علم للإثنين يشتري بغير علم ويضل بغير علم فتكون الخسارة مضاعفة الذي يشتري بغير علم خاسر والذي يضل الناس يخسر فالخسارة مضاعفة وكونه بغير علم لا يعفيه من المسؤولية. ربنا قال (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) كونه لا يعلم لا يعفيه من المسؤولية. قال إنهم (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) الزخرف) لا ينفعه حسبانه أنه مهتدي ينبغي أن يكون على هدى من ربه. (ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) هذا لا يعفيه من المسؤولية ولذلك لما قال بغير علم فهذه خسارة أخرى هو يضل نفسه ولكن يضل الآخرين فيتحمل وزرين وزر نفسه ووزر الآخرين وسيكون أخسر الأخسرين.
سؤال من المقدم: بدأ الآية بالمفرد (من يشتري) وانتهى بالجمع (أولئك) فهل هنالك رابط؟ لما قال ليضل عن سبيل الله هذا سيكون تهديداً له ولمن يضلهم التهديد ليس له فقط هو فجمعهم في زمرته هو ومن يتبعه المُضِل والضال إذن ليسا واحداً وإنما أصبحت جماعة. إذن هذا تهديد له ولكل من يضله (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ). في آية أخرى قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة) قال (فحسبه جهنم) لأنه لم يذكر أحداً معه بدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد لأنه لم يتعلق بالآخر فقال فحسبه ولما هنا تعلق بالآخرين فقال أولئك لهم عذاب مهين.
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 16/7/2007م:
-
(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا (41) آل عمران) وفي مريم (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)) ما اللمسة البيانية في الآيتين؟
-
(وطور سنين) كلمة الطور وسنين ليستا عربية ألا يتناقض هذا مع قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (2) يوسف)؟ هذه الكلمات والأسماء هذه دخلت العربية قبل الإسلام وقبل القرآن فدخلت في كلامهم فأصبحت عربية الاستعمال هذا يسمونه تقارض اللغات تقترض لغة من لغة وتدخل في كلامها وفي الجزيرة العربية كثير من الفواكه والألبسة ليست فيها وإنما تنقل إليها وليس فيها معامل وكثير من الأشياء التي تؤتى مثل التوابل وغيرها ليست فيها ولكن دخلت مع كثير من الأشياء في التجارة فأصبحت عربية في الاستعمال وإن كانت أصولها قديمة منقولة من لغة أخرى غير عربية. ووقت نزول القرآن كانت العرب تعرفها وداخلة في كلامها واستعمالها من زمن كما في الإنجليزية الآن هناك كلمات عربية دخلت فيها. هناك فرق بين الأصل وبين الجاري على ألسنتهم. لا نفهم بقوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) أي عربي في الأصل والجذر والاشتقاق وإنما اللغات تتداخل حتى يفهموه. حتى أسماء الأنبياء رب العالمين قال (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) فاطر) فهل كل هذه الأمم عربية؟ كلا لا يمكن هذا. إذا كان فيها حرف غير عربي في أصل اللغة يحوله إلى حرف عربي. ثم هذه الكلمات تدخل في إعراب العربية ويرفعه وينصبه ويمنعه من الصرف يدخله في العربية ويأخذ سبيل العربية في التعبير من الصرف وعدم الصرف وما إلى ذلك هكذا يدخل. إذن هناك فرق بين الأصل الأول متى دخل وبين ما أصبح عربياً في الاستعمال وهذا يسمى تقارض اللغات كل اللغات في كل زمن تقترض من بعضها لأن المكان الواحد ليس فيه كل شيء. مثلاً لا تجد في كل كتب اللغة كلمة برتقال.
-
(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)) في الجنة قال خالدين فيها وفي النار قال خالداً فيها فما دلالة جمع خالدين في الجنة وأفردها في النار؟