الحلقة 97
سؤال: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص) أليس في الثماني حجج مشقة على سيدنا موسى u فكيف قال الرجل الصالح لا أريد أن أشق عليك؟
الآية الكريمة (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)) العقد شريعة المتعاقدين وهذا عقد ولو كان موسى u يرى فيه مشقة لطلب تقصير المدة أو طلب فرصة للتفكير فالأمر يعود إلى موسى وليس لسائل السؤال ليس هو صاحب الشأن فالذي يقدر الأمر ويرى إن كان فيه مشقة أو لا هو سيدنا موسى u فلو كان يرى أن فيه مشقة لقال اجعلها أربع سنين أو ست أو دعني أفكر وأذكر لك الجواب بعد أيام مثلاً. ثم إن موسى u فارّ خرج من قومه خائفاً يترقب لأنه قتل أحدهم (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) القصص) فوجد زوجة ومسكناً وأماناً هذه نعمة من نعم الله تعالى عليه وليس من المعقول أن القاتل الفارّ يعود لمن يتقاضاه بعد مدة قصيرة ينتظر المدة أن تطول لعلها تُنسى أو يسقط الحكم في هذه المدة. ثم إن الله تعالى ذكرها من باب المنّة على موسى u (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) طه) هذه من المنة يعني أن موسى u كان مقراً بهذه المنة وما كان يرى فيها غير ذلك ولم يعتبرها موسى u مشقة وإنما اعتبرها مِنّة من الله تعالى ثم صار له غنم ومال. ثم الأمر الظاهر جداً هو أنه قضى أبعد الأجلين كما في الحديث فلو كان يرى فيها مشقة ما كان يقضي أبعد الأجلين (الأبعد هو عشر حجج) لو كان يرى فيها مشقة أو حيف كان يقضي الثمانية ويذهب، لماذا قضى أبعد الأجلين؟ لأن ليس فيها مشقة ووجد حسن المعاملة من هذا الرجل الصالح ومن الراحة ومن السكن ما جعله يقضي أبعد الأجلين وليس فيها مشقة كما تصور السائل. (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) موسى u قصّ على الرجل الظروف التي دفعته إلى الفرار فقال له لا تخف فرعون ليس له على هذه المدينة سلطة، فالرجل الصالح أمّنه وزوّجه وجعل له عملاً مقابل مدة والمدة ليست بكثيرة وإلا اعترض موسى u. حينما قال (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) يقصد بالمشقة أن يختار موسى كما يشاء ولا يريد أن يلزمه الرجل الصالح بالمدة.
سؤال: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) البقرة) الآيات السابقة واللاحقة للآية تتحدث عن الإنفاق فهل من أوتي الحكمة فهو ينفق أو من ينفق يؤتى الحكمة؟
الآية الكريمة (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) البقرة) طلب المغفرة والفضل من الله هو إنما من الحكمة يعني لقد أوتي صاحبها من الحكمة ومن الخير أكبر وأوسع مما في المال من أوتي خير كثير أكثر من هذا المال الذي يظنه السائل. (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً) ثم قال (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء) الذي يطلب المغفرة والفضل هو لا شك هذا خيره أكبر من مجرد المال مهما كان هذا المال، أوسع من المال إذن داخل في الخير وداخل في الفضل وداخل في المال وداخل في كل شيء ففيها ارتباط والكلام عام.
سؤال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ (14) آل عمران) لِمَ لم يقل زُيّن للرجال طالما ذكر في الآية (من النساء)؟
الآية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)) عندما ذكر البنين هذا ألمح إلى رغبة النساء في ذلك، هن يحملن البنين ويرغبن فيه. إذن البنين ليست خاصة بالرجال، عندما ذكر البنين هذا إلماح وليس تصريح إلى رغبة النساء فيه لكن لم يشأ أن يخدش حياءها ولم يقل زُين للنساء حب الشهوات من الرجال، كلمة البنين فيها إشارة إلى معاشرة الرجال وإلا كيف يأتي الأولاد؟ بمعاشرة الرجال فلما قال البنين دخل فيه النساء تضميناً لا تصريحاً. الناس يحبون شهوة النساء والبنين والذهب والفضة، البنين يحبها الرجال والنساء إذن دخلت النساء في الآية تلميحاً وليس تصريحاً ولكن لم يصرِّح حتى لا يخدش حياءها ما قال زين للنساء حب الشهوات من الرجال، لما ذكر البنين دخل فيه النساء تلميحاً. لم يقل زُيّن للرجال حب الشهوات من النساء لأن الرجال يسعون في ذلك وينفقون في ذلك والناس هذه أعم لأن البنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ليست خاصة بالرجال ولو قال الرجال فأين يذهب النساء؟ ألا يحبون القناطير المقنطرة؟! فعمم لكن دخل فيه النساء تلميحاً يعني حب النساء للرجال دخله تلميحاً بذكر البنين لأنه لا يحسن أن يذكر أن يحب النساء الرجال لكن الرجال ليس عندهم مانع يجهرون بذلك ويتحدثون بذلك ويسعون في هذا الأمر وينفقون المال في هذا الأمر فلا مانع أن يصرّح بهم في الآية لكن النساء في الغالب يتعففن عن ذكر ذلك لا يُحسن أن يقال فيهن ما يقال في الرجال لكن الآية شملت النساء أولاً دخلت تحت العموم في كلمة الناس وذكرها تلميحاً بحبِّ البنين والقناطير المقنطرة إذن دخلت النساء في الآية تلميحاً لكن لم يخدش حياءها وكلمة الناس تضم الجنسين الرجال والنساء.
سؤال: ما هو سبب نزول سورة الضحى؟ وما معنى (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3))؟
كما يُذكر أنه انقطع الوحي أياماً فحزن الرسول r لذلك حزناً شديداً حتى قال قسم من المشركين ما نرى ربك إلا ودعك وقلاك. ودعك بمعنى تركك وقلاك بمعنى أبغضك وتركك. التوديع ذكر ربنا أمرين التوديع والقِلى، التوديع يكون بين المتحابين هذا من حيث اللغة (ودّع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل) التوديع عادة يكون بين المتحابين فذكر المفعول به (كاف الخطاب في (ما ودعك)) تحبباً له أما القلى فلا يكون إلآ بين المتخاصمين فلم يذكر المفعول بهلم يقل وما قلاك إكراماً له أن يناله القِلى يعني نزّه مقام الرسول rr عن القلى، نحن نقولها في حياتنا اليومية يقول سمعت أنك شتمت فيقول لم أشتم ولا يقول لم أشتمك هذا إكرام للمخاطب. ودّع في الحب فيما يُحبّ فقال (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) وحذف في القلى (وَمَا قَلَى) فهذا إكرام له r في الذكر والحذف. ثم ليس بالضرورة أن يقول قلاك لأنه قسم يذهب أنه حذف للإطلاق أنه ما قلاك ولم يقل أحد من أتباعك ليس خاصاً بالرسول r أما التوديع فخاص بالرسول r أما القلى فلم يقليه ولم يقلي أحداً من أتباعه فصفة البغض نفيت عن الله تبارك وتعالى أصلاً. هي جاءت متناسبة مع الفاصلة القرآنية لكن لها معنى دقيق وهو معنى الإكرام ومعنى الإطلاق، إكرام في الذكر والحذف أكرمه في الذكر (ودعك) وفي الحذف (وما قلى). أحياناً نلاحظ كثيراً في القرآن إذا المعنى اقتضى يغيّر الفاصلة.
سؤال: ما اللمسة البيانية في تستطع وتسطع في سورة الكهف؟
تردد هذا السؤال كثيراً عن الحذف في الكلمة وذكرنا أمرين وليس فقط في هاتين الكلميتن وذكرنا أن الحذف من الكلمة يكون لأحد أمرين إما للدلالة على أن الحدث مما حذف منه أقل مما لم يحذف منه إذا جيء باللفظ كاملاً وأخرى أقل فالذي أقل زمنه أقل أو الحدث أقل أو ذكرنا أنه إذا كان في مقام الإيجاز يحذف وإذا كان في مقام التوسع والإطالة لا يحذف وذكرنا (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ (97) النساء) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ (28) النحل) وذكرنا أن أولئك أقل من هؤلاء لأنهم مستضعفون في الأرض فالقليل حذف من الفعل والكثير أبقى الفعل على حاله وذكرنا أمثلة كثيرة في حينها (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ (52) الأحزاب) (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ (2) النساء) الأولى خاصة بالرسول r والثانية عامة لجميع المسلمين هذا حكم عام ذكرناه في حينها (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)) هذا ينطبق على سؤال السائل (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)) ثم قال (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)) الآية الأولى في مقام شرح وتوضيح من قِبَل العبد الصالح (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)) يشرح له يبين المسألة، بدأ يشرح له ويذكر له ثم انتهى المقام وصار مقام مفارقة (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)) لما كان المقام مقام مفارقة ولم يتكلم بعدها بكلمة حذف من الفعل فقال (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)) وفي مقام الشرح أعطى الكلمة كاملة قال (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)). لما انتهى الوقت حذف من الفعل ففي مقام الكلام والشرح فصّل جاء بالفعل (تستطع) وفي مقام إنهاء الحديث والمفارقة حذف (تسطع).
سؤال: ما الفرق بين فأردت وأدرنا وفأراد ربك في سورة الكهف؟
أيضاً هذا السؤال أثير مرات متعددة سابقاً. (فأردت) كان الكلام فيها على السفينة (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)) فلما كان الكلام عن العيب لم يحسن أن ينسبه إلى ربه قال (فأردت) وإنما نسبه إلى نفسه وهذا في القرآن كثير الله تعالى ينزه نسبة العيب إليه سبحانه وتعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) هذا كثير في القرآن (أُريد) بناء الفعل للمجهول لكن في الخير ذكر الفاعل (أراد) وهذا كثير في القرآن فلما ذكر العيب نسبه إلى نفسه فقال (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا). والحالة الثانية (فأردنا) هذه مسألة قتل الغلام وإبدال خير منه، فيها أمران: قتل الغلام وهو في ظاهره أمر سيء أن تقتل غلاماً يقتل نفساً بغير نفس هذا يأخذ عليه القانون لأن فيها قتل حتى الوالدين قد لا يقدران ولا شك أنهما سيتألمان هذا جانب وجانب إبدال خير منه ففيه خير أمر مشترك قتل وإبدال خير منه فجاء بضمير مشترك (فأردنا)، إرادة العبد الصالح بما يريده الله لأن ربنا تعالى هو الذي علمه من لدنه علماً أراد ما أراده ربه تعالى أحياناً الإنسان لا يريد ما أرد الله لكن هو أراد ما أراده ربه (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) لكن أراد ما أراده الله فقال (فأردنا) لأن الأمر مشترك. أما مسألة الجدار فهي كلها خير وليس فيها شائبة سوء فقال (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ (82)) فلما كان الخير خالصاً ليس فيها شائبة سوء نسبها إلى الله تعالى. (فأردت) نسب العيب إلى نفسه تنزيهاً لله سبحانه تعالى والثانية (فأردنا) فيها أمران قتل الغلام وإبدال خير منه والثالثة كانت كلها خير فنسبها لله تعالى وقال (فأراد ربك).
سؤال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة) إذا كانت الآيات مرتبطة ببعضها الآيات التي سبقت الآية تتحدث عن أهل الكتاب وكذلك الآيات التي بعدها فهل تبليغ الرسول r متعلق بأهل الكتاب؟ وما هو الأمر الذي أراده الله تعالى من الرسول r أن يبلغه؟
أولاً الكلام عام لما قال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) لم يقل بلغ أهل الكتاب أطلق الفعل ولم يحدده ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لم يقل يعصمك منهم. إذن الكلام عام لكن يبقى وقوعه في هذا السياق. وقعت الآية في سياق الذين أوتوا الكتاب ومحاربتهم لرسول الله r والمفروض تبليغهم كتبيلغ غيرهم مع أنهم يكثرون مجادلته ويدّعون العلم وكلما جاءهم رسول قتلوا فريقاً وكذبوا فريقاً آخر وطبعاً هذه من المثبطات أن تدعو من لا تأمنه لو كانوا أقل مجادلة لأمل منهم خيراً. دعوة أهل الكتاب من المثبطات لما فيها من جدال يقولون نحن أصحاب الكتب وأصحاب العلم لكن ربنا أوقعها هنا بالذات حتى لا يترك مجالاً لأهل الكتاب أو غيرهم أمره بالتبليغ لا يمنعه من ذلك مانع ولا يثبطه مثبط ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مع أنهم حاولوا قتله كما قتلوا قبله من الأنبياء وهذا إعجاز لأن الرسول rr كان يُحرس ولما نزلت الآية صرف الحرس وقال الرسول r انصرفوا فقد عصمني الله هذا دليل على أنه يأتيه الوحي من الله تعالى.
سؤال: (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (2) الحجر) لماذا خففت الباء في (ربما)؟ وما دلالة استخدام ربما في هذا الموقف مع أنها للشك؟
أولاً رُبّ ليست للشك وإنما هي للتقليل أو التكثير وهذا مقرر في علم النحو واللغة. النحاة يذكرون هذا الأمر ابتداء من سيبويه الذي يقول هي للتكثير وكثير من النحويين يقول هي للتكثير. هم اختلفوا بين التكثير والتقليل وليس في مسألة الشك لا أحد يقول هي للشك ولكن يقولون هي للتكثير أو التقليل وفي الحديث (رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، رب أخ لم تلده لأمك، قيل أنها للتقليل (ألا رب مولود وليس له أب) وقيل هي بحسب السياق وهو أرجح الأقوال السياق هو الذي يقضي بها مثل (قد) التي تدخل على المضارع قد تكون للتقليل (قد يصدق الكذوب) أو التكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) للتكثير، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ (64) النور) تكثير. فإذن قسم قالوا (رُبّ) للتكثير وقسم قالوا للتقليل وقسم وقفوا وقالوا هي بحسب سياقها وقد ترد للتكثير وقد ترد للتقليل وهي ليست في الشك.
(ربما) هي (رُبّ) حرف جر زائد و (ما) قد تكون زائدة.
يبقى أن فيها قراءتان متواترتان (ربَما) و(ربّما). المشددة آكد من المخففة التشديد آكد (ربّ) آكد من (رُبَ) مثل إنّ المخففة وإنّ الثقيلة الثقيلة آكد من المخففة ومثل نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) لما أرادت السجن أكّدت على السجن وخففت في الثانية. ربّما آكد من ربَما فكيف نفهمها؟ قيل هذا في الدنيا عندما يرى الناس الكفرة الغلبة للمسلمين والغنائم التي يحصلون عليها يتمنون أن لو كانوا مسلمين هذا بحسب رغبة الناس فيها، قسم رغبته فيها شديدة تأتي (ربّما) وقسم رغبته أقل (ربَما) فقراءتان تشمل كل الراغبين في الدنيا من له رغبة شديدة ومن له رغبة قليلة القراءتان تشملهم كلهم من له رغبة شديدة ومن رغبته دون ذلك. وقسم قال هي في الآخرة تكون (ربّما) ولكن القراءة المعتمدة عندنا (ربَما) مخففة ولا تعارض بين القراءتين.
سؤال: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة) في رواية ورش (يقولُ) بالضم فما دلالة الضم؟
أولاً ما الفرق اللغوي في المعنى في النصب والرفع بعد (حتى)؟ (حتى) قد يأتي بعدها الفعل مرفوعاً وقد يأتي منصوباً. (حتى) لا تنصب إلا إذا كان الفعل بعدها مستقبل الوقوع هذه قاعدة مثل: سأدرس حتى أنجحَ، النجاح مستقبلاً، (قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) طه) .وليس هذا فقط وإنما عندهم كل النواصب (الأفعال وليس الأحرف) أدوات استقبال وينصون عليها نصّاً. إذن النصب يفيد الاستقبال ولذلك هم قالوا إذا قلت: جئت حتى أدخلَ المدينة يعني أنت لم تدخلها بعد، وإن كان دخلها يقول جئت حتى أدخلُ المدينة لا تقولها بالرفع إلا وأنت في سِكَكِها، لو سمعناها بالنصب (حتى أدخلَ) نفهم أنه ما دخلها. مثال: أنت تقول ما الذي جاء بك؟ يقول جئت حتى أزورَ فلاناً يعني لم يزره بعد أما إذا قال جئت حتى أزورُ فلان يعني زاره. إذا كانت بالرفع تدل على فعل حدث وإذا كانت بالنصب يعني أن الفعل لم يحدث بعد. هذه القاعدة في المعنى.
الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة) يتكلم عن جماعة مضوا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) بالنصب إذن هذا بعد إصابة البأساء والضراء والزلزال يعني البأساء والضراء والزلزال ثم قال الرسول r، إذن استقبال لما بعد الإصابة، إذن هذا مستقبل بالنسبة لإصابة البأساء والضراء نفهم أن الرسول r ما قالها إلا بعد البأساء والضراء والزلزال إذن هذه منصوبة لأن القول يكون بعد البأساء والضراء. (حتى يقولُ) هذا ماضي بالنسبة للإخبار عنهم لأن الإخبار كله وقع فأنت الآن تخبر عن أمر ماضي وقع، البأساء حدثت والرسول r قال هذا الكلام أنت تتكلم عن تاريخ فلما قال (حتى يقولُ) هذا إخبار عما وقع عن حادثة ماضية كلها وقعت فيقوله بالرفع. إذن هناك أمران إذا كان الإستقبال لما بعد الإصابة يقول (حتى يقولَ) بالنصب، وإذا كان إخبار عن كل الحوادث يقولها بالرفع (حتى يقولُ). إذن (حتى يقولَ) هذه بالنسبة إلى بعد الإصابة بالبأساء والزلزال ونفهم أن الرسول r لم يقل بعد أما إذا جاءت بالرفع فتكون البأساء حدثت والرسول r قالها وتاريخ يُذكر.
سؤال من المقدم: اليس هذا يتعارض مع بعض؟ القرآن ماذا يريد أن يقول؟ هل قالها الرسول r قبل البأساء أو بعد؟
هذه فيها جانبان جانب أنه ذكر حالة الرسول r قبل القول فنصب وذكر حال الإخبار عنها بعد القول فرفع ولا يوجد تعارض بين القراءتين وإنما ذكر حالتين حالة قبل القول وحالة إخبار بعد القول.
سؤال من المقدم: يقال في الدراما المصرية لديه دكتوراة في (حتى) فهل فيها إشكال في اللغة العربية؟
“أموت وفي نفسي شيء من حتى”. (حتى) فيها كلام، حرف غاية، حرف ابتداء، حرف جر، حرف استثناء تدخل على الجملة الإسمية وعلى الجملة الفعلية ومرة تنصب ومرة ترفع وتدخل على حرف هي حرف يدخل على حرف وهذه ليس فيها إشكال في اللغة مثل (ولئن لم يفعل) فلا يوجد تعارض.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/2/2008م
2009-01-21 19:21:00الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost