الحلقة 99
سؤال: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ (213) البقرة) ما معنى (كان الناس أمة واحدة)؟ وبما أن الناس أمة واحدة فما الغرض من بعث النبيين مبشرين ومنذرين؟
السائل الكريم يشير إلى قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) أمة واحدة أي متفقين على التوحيد مقرّين بالعبودية ولكن السؤال إذا كانوا كذلك لم أرسل الرسل؟ أظن لو أكمل السائل الآية لاتضح الأمر، نقرأ الآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ (213) البقرة) إذن كانوا أمة واحدة فاختلفوا كما في آية أخرى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ (19) يونس) لما قال ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إشارة إلى أنهم اختلفوا وهذا اقتضى إرسال النبيين والمرسلين.
سؤال: ما المقصود بهذه الآية (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) القلم)؟
عند العرب كشف الساق التشمير عنها وهو مثل في شدة الأمر عندهم يشمر عن ساقه أي الأمر شديد الأمر فيه صعوبة فتقول العرب شمر عن ساقه إذا كان هناك أمر شديد جلل كبير فيه صعوبة العرب تقول شمّر عن ساقه، حتى قال الشاعر (أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضها وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّر) وآخر يقول (عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طواء الخيل عن أرزاقها من سنة قد كشفت عن ساقها) فإذن في الأصل هو كناية عن الشدة والكلام عن يوم القيامة (يوم يكشف عن ساق) لكن مع ذلك هناك حقيقة رواها البخاري ومسلم أنه يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً”. فإذن يجتمع الأمران يجتمع شدة الأمر والخطب وصعوبة يوم القيامة وهنا يكشف عن ساق الأمر يقتضي التشمير وهذا الأثر الله أعلم بمراده. (يُكشف عن ساق) فعل مبني لما لم يسمى فاعله، (عن ساق) نائب فاعل.
سؤال: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً (58) البقرة) وفي آية أخرى (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ (161) الأعراف) فما الفرق بين فكلوا وكلوا؟
هنالك أكثر من مسألة في اختلاف التعبير بين هاتين الآيتين وقد سبق أن فصلناها في حلقة سابقة. إحدى الآيتين في البقرة والثانية في الأعراف.
آية البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)) وفي الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)) لو أردنا أن نُجمِل الاختلاف بين الآيتين:
سورة البقرة |
سورة الأعراف |
(وإذ قلنا) |
(وإذ قيل لهم) |
(ادخلوا هذه القرية) |
(اسكنوا هذه القرية) |
(فكلوا) |
(وكلوا) |
(رغداً) |
لم يذكر رغداً لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم. |
(وادخلوا الباب سجّداً وقولوا حطة) |
(وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) |
(نغفر لكم خطاياكم) |
(نغفر لكم خطيئاتكم) |
(وسنزيد المحسنين) |
(سنزيد المحسنين) |
في البقرة قال (وإذ قلنا) وفي الأعراف (وإذ قيل لهم) بالبناء للمجهول، وقال في البقرة (ادخلوا) وفي الأعراف (اسكنوا)، وفي البقرة قال (فكلوا) وفي الأعراف (وكلوا)، وقال (رغداً) في البقرة ولم يقلها في الأعراف، وفي البقرة قدم السجود على القول (ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة) وفي الأعراف (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) قدم القول على الدخول، وفي البقرة قال (نغفر لكم خطاياكم) وفي الأعراف (نغفر لكم خطيئاتكم) وقال في البقرة (وسنزيد المحسنين) وقال في الأعراف (سنزيد المحسنين).
قلنا في أكثر من مناسبة أن الآية يجب أن توضع في سياقها لتتضح الأمور والمعنى والمقصود: آية البقرة في مقام التكريم تكريم بني إسرائيل، بدأ الكلام معهم بقوله سبحانه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) البقرة) العالمين هنا أي قومهم في زمانهم وليس على كل العالمين الآن واستعمل القرآن العالمين عدة استعمالات (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) الحجر) يعني فضلناكم على العالمين في وقتهم وليس كل العالمين. إذن السياق في البقرة في مقام التكريم يذكرهم بالنعم وفي الأعراف في مقام التقريع والتأنيب. هم خرجوا من البحر ورأوا أصناماً فقالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وعبدوا العجل وهذا لم يذكره في البقرة وانتهكوا حرمة السبت ورد في سياق آخر غير سياق التكريم وإنما في سياق التقريع والتأنيب وذكر جملة من معاصيهم فالسياق اختلف. قال في البقرة (وإذ قلنا) بإسناد القول إلى نفسه سبحانه وتعالى وهذا يكون في مقام التكريم وبناه للمجهول في الأعراف للتقريع (وإذ قيل لهم) مثل أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب، أوتوا الكتاب في مقام الذم. قال (ادخلوا القرية فكلوا) في البقرة فكلوا الفاء تفيد الترتيب والتعقيب يعني الأكل مهيأ بمجرد الدخول الأكل موجود ادخلوا فكلوا أما في الأعراف (اسكنوا وكلوا) الدخول ليس سكناً فقد تكون ماراً إذن الأكل ليس بعد الدخول وإنما بعد السكن، ولم يأت بالفاء بعد السكن أما في البقرة فالفاء للتعقيب الأكل بعد الدخول وأتى بالفاء. (وكلوا) الواو تفيد مطلق الجمع تكون متقدم متأخر، ففي البقرة الأكل مهيأ بعد الدخول أما في الأعراف فالأكل بعد السكن ولا يدرى متى يكون؟ الأكرم أن يقول ادخلوا فكلوا. وقال (رغداً) في البقرة ولم يقلها في الأعراف لأنها في مقام تقريع، رغداً تستعمل للعيش يعني لين العيش ورخاؤه، رغداً تتناسب مع التكريم. (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ) يعني حُطّ عنا ذنوبنا من حطّ يحط حطة أي إرفع عنا، قدّم السجود على القول أما في الأعراف (وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا)، أولاً السجود أفضل الحالات، أقرب ما يكون العبد لربه فالسجود أفضل من القول لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فقدّم ما هو أفضل (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ) وفي الأعراف جاء بالسجود بعد القول. إضافة إلى أن السياق في البقرة في الصلاة والسجود قبلها قال (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) البقرة) والسجود من أركان الصلاة وقال بعدها أيضاً (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) السياق في الصلاة فتقديم السجود هو المناسب للسياق من نلحية أخرى في المقام. في البقرة قال نغفر لكم خطاياكم وهو جمع كثرة وفي الأعراف خطيئاتكم جمع قلة، خطايا جمع كثرة وخطيئات جمع قلة، جمع المذكر السالم يفيد القلة إذا كان معه جمع كثرة وإذا لم يكن معه جمع كثرة فإنه يستعمل للكثرة والقلة مثل سنبلات وسنابل، إذا كان معه في لغة العرب وليس في الآية، خطايا جمع كثرة وخطيئات جمع قلة، كافرات وكوافر كافرات جمع قلة وكوافر جمع كثرة. طالما هناك جمع كثرة الأصل في جمع السالم مذكر أو مؤنث يكون للقلة هذا الأصل فيه. فإذن خطايا جمع كثرة وخطيئات جمع قلة، نغفر لكم خطاياكم وإن كثرت، خطيئاتكم قليلة، أيها الأكرم؟ خطاياكم أكرم. إذن آية الأعراف لم تحدد أن خطاياهم قليلة لكن ما غُفر منها قليل إذا ما قورن بآية البقرة. في آية البقرة يغفر كل الخطايا أما في الأعراف فيغفر قسماً منها. وقال في البقرة (وسنزيد المحسنين) جاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويه وقال في الأعراف (سنزيد المحسنين) بدون الواو. وهنالك أمور أخرى في السياق لكن نجيب على قدر السؤال. الخطاب في الآيتين من الله تعالى إلى بني إسرائيل والأمر بالدخول للقرية والأكل واحد لكن التكريم والتقريع مختلف والسياق مختلف. حتى نفهم آية واحدة في القرآن يجب أن نضعها في سياقها لا ينبغي أن نفصلها. إذا أردنا أن نفسرها تفسيراً بيانياً نضعها في سياقها وقال القدامى السياق من أهم القرائن. لا يكفي أن نقول مرة قال وكلوا ومرة فكلوا لأنه يبقى السؤال لماذا قال؟ هي في الحالين حرف عطف لكن حرف العطف يختلف، أقبل محمد لا خالد، وأقبل محمد وخالد، ما أقبل محمد بل خالد كلها عاطفة لكن كل واحدة لها معنى.
هذا ملخص ما ذكره الدكتور فاضل السامرائي في حلقة سابقة قديمة عن الفرق بين هاتين الآيتين للفائدة:
سورة البقرة |
سورة الأعراف |
سياق الآيات والكلام هو في التكريم لبني إسرائيل فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ {49} وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ {50}) و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {47}) |
السياق في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138}) والفاء هنا تفيد المباشرة أي بمجرد أن أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم. |
قوم موسى استسقوه فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ) وفيها تكريم لنبيّ الله موسى واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أن الضرب المباشر كان من الله تعالى. |
فموسى هو الذي استسقى لقومه (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ) |
(كلوا واشربوا) والشرب يحتاج إلى ماء أكثر لذا انفجرت الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير |
(كلوا من طيبات ما رزقناكم) لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (انبجست) |
جعل الأكل عقب الدخول وهذا من مقام النعمة والتكريم (ادخلوا هذه القرية فكلوا) الفاء تفيد الترتيب والتعقيب. |
لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (اسكنوا هذه القرية وكلوا) |
(رغداً) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات. |
لم يذكر رغداً لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم. |
(وادخلوا الباب سجّداً وقولوا حطة) بُديء به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ {43}) والسجود هو من أشرف العبادات. |
(وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) لم يبدأ بالسجود هنا لأن السجود من أقرب ما يكون العبد لربه وهم في السياق هنا مبعدين عن ربهم لمعاصيهم. |
(نغفر لكم خطاياكم) الخطايا هي جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة. |
(نغفر لكم خطيئاتكم) وخطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة. |
(وسنزيد المحسنين) إضافة الواو هنا تدل على الإهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم. |
(سنزيد المحسنين) لم ترد الواو هنا لأن المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل. |
(فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم) |
(الذين ظلموا منهم) هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات |
(فأنزلنا على الذين ظلموا) |
(فأرسلنا ) أرسلنا في العقوبة أشدّ من أنزلنا، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة أما في البقرة فتكرر 17 مرة |
(بما كانوا يفسقون) |
(بما كانوا يظلمون) والظلم أشدّ لأنه يتعلّق بالضير |
(فانفجرت) جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل وهي دلالة على أن الماء بدأ بالإنفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم. |
(فانبجست) في مقام التقريع قلّ الماء بمعاصيهم فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم. |
سؤال: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا (27) الأعراف) ماذا يقصد بالسوءة؟ وما وجه الشبه بين هذه السوءة وظن السوء في سورة الفتح (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12))؟
السوءة هي العورة.
قال (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) الفتح) السَوْء يعني السيء، السوْء مصدر ساءه سوءاً والسُوء هو الإسم (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (22) طه) من غير سُوء أي من غير مرض أو علة أما السوْء فهو المصدر وهناك فرق بين المصدر والإسم مثلاً نقول الذبح والذِبح، الحمل والحِمل، الوضوء والوَضوء. الحَمْل مصدر والحِمل ما يُحمل (خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) طه) يحمل على الظهر، (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ (31) الأنعام) أما الحَمل هو المصدر أو ما لا يرى بالعين (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا (189) الأعراف)، الذَبح هي عملية الذَبح أما الذِبح فهو ما يُذبح كبش أو غيره (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) الصافات)، الوُضوء عملية التوضؤ والوَضوء هو الماء الذي يُتوضأ به.
سؤال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران) ما اللمسة البيانية في ختام الآية؟ وما دلالة استخدام الشكر بدل الصبر؟
السؤال كان لماذا الشاكرين وليس الصابرين؟ سيجزي الله الشاكرين معناها سيثيب الثابتين على دين الإسلام أي صبروا فثبتوا فشكروا الشكر مرحلة أخرى، صبر فثبت فشكر على صبرهم ، الشكر مرحلة بعد الصبر وأعمّ منها، الصبر على المصيبة والثبات والشكر على صبرهم وثباتهم أنهم لم يضلوا فشكروا. فالشكر يكون مرحلة بعد الصبر لأن الشكر اقتضى الصبر وزيادة. الصبر فقط صبر على الفراق مرحلة لكن المطلوب ما بعد هذه المرحلة ليس مجرد الصبر ولكن أن يثبتوا ويشكروا ربهم على أنهم ثبتوا وشكروا ربهم على إتمام النعمة لأن الرسول r لا يرحل إلا بعد إكمال النعمة فإذا ذهب الرسول r ومات فإنما يكون بعد إتمام الدين فيشكروا الله تعالى على أمرين على ثباتهم وعلى إتمام الدين فربنا سبحانه وتعالى سيجزي الشاكرين. وقبل هذه الآية السياق في الشكر (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)) السياق في الشكر. الشاكرين الذين شكروا الله سبحانه وتعالى على أنه صبّرهم وثبّتهم فشكروا ويشكرون الله تعالى على أنه أتمّ الدين كله لأن الرسول r لا يذهب إلا بعد تمام الدين، اقتضى الشكر على تمام الدين، فاقتضى الشكر من أكثر من جهة أعمّ وهي مرحلة بعد الصبر وعلى تمام الدين إذن ذكر ما هو أعمّ وأهمّ والمرحلة الأخرى فالله تعالى يريد منا الشكر في كل شيء، إذا كنت قد صبرت على البلية فلك أجر الصابرين فإن شكرت كان أجرك أعلى، شكرته على صبرك هذه عبادة وشكرته على العبادة هذه صارت عبادة أخرى. الصبر على المصيبة عبادة هذا له أجر فإن شكرته على أن ثبتك على هذا الصبر صارت عبادة أخرى وكأن الشكر مرحلة الرضا عما حدث لهم بقضاء الله وقدره وهذه مرحلة أعلى (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ).
سؤال: في سورة سبأ (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)) لماذا ورد فعل اعملوا مع أن الأقرب إلى العقل أن يقول اشكروا آل داوود شكراً باعتبار الشكر مصدر ولماذا ورد الفعل اعملوا ولم يقل افعلوا؟
(اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) الشكر ليس لساناً فقط وإنما هو عمل ولذلك أعربها قسم مفعول به اعملوا الشكر، مثلاً لو أعطاك الله مالاً فشكره ليس أن تقول الحمد لله فقط وإنما أن تؤدي حقّه فإن لم تؤدي حقه فأنت لست بشاكر ولو بقيت تشكر ربك كلاماً طوال عمرك يعني شكر النعم القيام بحقها فالشكر عمل مع القول وليس قولاً فقط. اعملوا الشكر (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا). وقسم يجعل شكراً حال أي اعملوا كونكم شاكرين وقسم يجعلها مفعول لأجله وهي ليس كما قيل شاكروا آل داوود شكراً وإنما هذا واحد من المعاني وإنما الشكر هو عمل أن تؤدي الحقوق التي عليك فيما آتاك الله من النعم، أن تقوم به عملاً. أعطاك الله جاهاً فتنفع الناس بجاهك في الخير، أعطاك الله علماً وكتمته أنت آثم حتى لو قلت الحمد لله على ما أعطاني من النعمة، إذا كنت كاتماً للعلم فأنت لست بشاكر. (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) الشكور مبالغة فالذي يشكر ربه دائماً لأن هذا متعلق بالأعمال ومتعلق باللسان.
سؤال: ما الفرق بين رفع ونصب الصابئين في الآيات (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة)؟
أيضاً هذا السؤال أثير أكثر من مرة. كان السؤال الكثير هو عن آية المائدة والسؤال عن آيتي البقرة والحج كأن الأمر بالنسبة لهم ظاهر (نستكمل الإجابة في الحلقة القادمة إن شاء الله).
أسئلة المشاهدين خلال حلقة 28/2/2008م:
-
(قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) الأحقاف) ما دلالة استعمال كلمة الطريق بدل الصراط؟
-
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس) (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت) لماذا قالوا لجلودهم وليس للسانهم مثلاً؟ ولماذا تشهد الجلود دون باقي الأعضاء؟
-
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون (82) يس) (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (68) غافر) ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين الآيتين؟
-
ورد في كتاب عمدة القاضي شرح صحيح البخاري للعيني كتاب الغسل في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ (6) المائدة) وفي النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ (43)) كلتا الآيتين في رفع الجنابة ولكن في سورة المائدة قال فاطهروا وفي النساء قال تغتسلوا، العيني أورد قول أحد الشراح ولكنه لم يقتنع بما كتبه أحد الشراح في هاتين الآيتين؟
-
في تتمة الآيتين قال في المائدة (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) بينما في النساء قال (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فما اللمسة البيانية لهاتين الآيتين في ذكر (منه) وحذفه؟
-
يتعرض الدكتور دائماً في نيابة جموع القلة عن جموع الكثرة في القرآن وعندما نقرأ لا يتجاوز أن السياق يقتضي ذلك فهل يمكن تخصيص حلقات عن نيابة جموع القلة عن جموع الكثرة ونيابة الأفعال اللازمة عن المتعدية في القرآن الكريم واللمسات البيانية فيها.
-
(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) الصافات) وفي الكهف (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)) فما المقصود في استخدام (أو) بدل الواو؟ هذا سؤال نحوي هنالك جوابان سريعان (أو) تأتي بمعنى (بل) تقول سأرحل أو أمكث، سأذهب إلى المقهى أو أقيم، تترك الأمر إذن هذا التوجيه الأول بمعنى بل يزيدون. والتوجيه الآخر أنه بحسب ما يراه الرائي يعني بالنسبة للرائي إذا نظر إليهم يقول مائة ألف أو يزيدون. فهي إما أنها بمعنى بل أو ترجيح بالنسبة للرائي وليس بالنسبة لله سبحانه وتعالى أما الواو فتعني ازدادوا قطعاً.
-
قرأت للدكتور فاضل السامرائي قصة موسى في سورتي النمل والقصص أن السياق يختلف بين السورتين سورة النمل في مقام التكريم وسورة القصص في مقام الخوف فهل يمكن أو يوضح لنا الفرق في قصة موسى في سورتي طه والشعراء فكيف تختلف القصة في هاتين السورتين؟
-
هل هناك تفاسير معينة تختص باللمسات البيانية؟ وبعض الكتب مثل تفسير التحرير والتنوير لبن عاشور صعبة على الناس فهل هناك كتب أخرى أيسر للفهم ومختصة بالتفسير البياني دون غيره؟
-
(وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الأنعام) ما معنى خرقوا؟ خرقوا يعني افتروا، جعلوا له.
-
(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) الأعراف) لماذا ردّ إبليس اللوم إلى الله سبحانه وتعالى بأنه أغواه؟
-
(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) يس) هل كانوا رسلاً أم أنبياء؟ ومن هم؟
-
القرين الذي ورد ذكره في عدة آيات في القرآن الكريم هل هو الوسواس أو هل قرين السوء ام هناك قرين غير السوء فهل يمكن توضيح ما هو القرين؟
-
في قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) الإخلاص) لماذا حُذِفت أل التعريف من أحد؟ نكّر أحد وعرّف الصمد، الله أحد هذا إخبار للمخاطبين كانوا يجهلونه وينكرونه بالنسبة لقريش لا يعتقدون بالتوحيد لأنهم مشركون فهذا إخبار لهم أما الله الصمد فكلهم يعلمون هذا الشيء، الصمد أي الكافي الذي يرجعون إليه إذا احتاجوه هو الذي يكفيهم ويسد حاجاتهم وأسئلتهم الذي يصمدون إليه عند الحاجة، هذا معنى الصمد في اللغة صمد إليه أي توجه إليه وطلب منه الحاجة المصمود إليه هو السيد المتوجَّه إليه.
-
ذكر الدكتور في حلقة قديمة بعض اللمسات البيانية في آية الكرسي فهل يمكن إعادتها وخاصة فيما يتعلق بثنائيات أسماء الله الحسنى فيها؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/2/2008م
2009-01-21 19:24:14الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost